انقلاب 14 تموز 1958

من أرابيكا، الموسوعة الحرة
(بالتحويل من ثورة تموز 1958)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
انقلاب 14 تموز 1958
جزء من الحرب العربية الباردة
معلومات عامة
التاريخ 14 يوليو او تموز 1958
الموقع العراق
النتيجة
المتحاربون
 المملكة العراقية الهاشمية
  • الحرس الملكي
العراق الضباط الأحرار
    • اللواء 19
    • اللواء 20
القادة
الاتحاد العربي الملك فيصل الثاني  
ملك العراق


الاتحاد العربي عبد الإله  
ولي عهد العراق
الاتحاد العربي نوري السعيد  
رئيس وزراء العراق

العراق عبد الكريم قاسم
العراق عبد السلام عارف
القوة
15،000 جندي غير معروف
الخسائر

الولايات المتحدة مقتل ثلاثة أمريكيين[1]
الأردن مقتل عدد من المسؤولين الأردنيين
المجموع: ~100 قتيل

انقلاب 14 تموز (أو ثورة 14 تموز)، هي الحركة التي أطاحت بالمملكة العراقية الهاشمية التي أسسها الملك فيصل الأول تحت الرعاية البريطانية، وقتل على إثرها جميع أفراد العائلة المالكة العراقية وعلى رأسهم الملك فيصل الثاني وولي العهد عبد الإله ورئيس الوزراء نوري سعيد. قامت الحركة بقيادة عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف ومحمد نجيب وباقي تشكيلة الضباط الأحرار وتم على إثرها تأسيس الجمهورية العراقية التي أنهت الاتحاد العربي الهاشمي بين العراق والأردن الذي تم تأسيسه قبل ستة أشهر فقط وأنهت أيضًا فترة الحكم الملكي التي دامت 37 سنة. اختلف العراقيين في تقييم على نظام الحكم الملكي كما اختلفوا في تسمية الحركة ما بين الانقلاب والثورة.

كانت المملكة العراقية معقلاً للقومية العربية منذ الحرب العالمية الثانية. تصاعدت الاضطرابات وسط ضائقة اقتصادية واستنكار واسع النطاق للنفوذ الغربي، والذي تفاقم بسبب تشكيل حلف بغداد في عام 1955، فضلاً عن دعم الملك فيصل للغزو الذي قادته بريطانيا لمصر خلال أزمة السويس. ولم تكن سياسات رئيس الوزراء نوري السعيد تحظى بشعبية كبيرة، خاصة داخل الجيش. وبدأت جماعات المعارضة في تنظيم نفسها سراً، على غرار حركة الضباط الأحرار المصرية التي أطاحت بالنظام الملكي المصري في عام 1952. وتعززت المشاعر القومية في العراق بعد إنشاء الجمهورية العربية المتحدة في فبراير 1958 تحت قيادة جمال عبد الناصر الذي كان من أشد المؤيدين للقضايا المناهضة للإمبريالية.

في يوليو 1958، أرسلت وحدات من الجيش الملكي العراقي إلى الأردن لدعم الملك الحسين. استغلت مجموعة من الضباط الأحرار العراقيين بقيادة العميد عبد الكريم قاسم والعقيد عبد السلام عارف الفرصة وساروا بدلاً من ذلك إلى بغداد. وفي 14 يوليو، سيطرت القوات الثورية على العاصمة وأعلنت قيام جمهورية جديدة يرأسها مجلس ثوري. أعدم الملك فيصل وولي العهد الأمير عبد الإله في القصر الملكي وكان هذا بمثابة نهاية السلالة الهاشمية في العراق. حاول رئيس الوزراء السعيد الفرار، لكن قبض عليه وأعدم في اليوم التالي. بعد الانقلاب، تولى عبد الكريم قاسم منصب رئيس الوزراء ووزير الدفاع، في حين تم تعيين عبد السلام عارف نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للداخلية. وتم اعتماد دستور مؤقت في أواخر يوليو. بحلول مارس 1959، انسحبت الحكومة العراقية الجديدة من حلف بغداد وأقامت تحالفًا مع الاتحاد السوفييتي.

خلفية الأحداث

الاضطرابات الإقليمية

خلال الحرب العالمية الثانية، كان العراق موطناً لعدد متزايد من القوميين العرب، وكان هدفهم جزئيًا، إزالة النفوذ الإمبراطوري البريطاني في العراق.[2] نشأ هذا الشعور من النظام التعليمي المُسيّس في العراق ومن الطبقة المتوسطة المتعلمة والحازمة بشكل متزايد.[3] لعبت المؤسسات التعليمية دوراً حاسماً في غرس الهوية القومية العربية، حيث كان قادة ومهندسو النظام التعليمي العراقي في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي قوميين عربيين متحمسين ساهموا بشكل كبير في نشر هذه الأيديولوجية في العراق والعالم العربي.[3] جلب مديرو النظام التعليمي مثل سامي شوكت وفاضل الجمل معلمين من اللاجئين السياسيين من فلسطين وسوريا.[3] فر هؤلاء المنفيون إلى العراق بسبب أدوارهم في الاحتجاجات المناهضة لبريطانيا وفرنسا، وبالتالي عززوا الوعي القومي العربي لدى طلابهم العراقيين.[3] أدى الوعي العام المتزايد بالهوية العربية إلى تعزيز المشاعر المناهضة للإمبريالية.

وبالمثل، نمت المشاعر القومية العربية في جميع أنحاء العالم العربي، والتي روج لها الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وهو سياسي صاعد ومعارض قوي للإمبريالية. وواجه العراق الهاشمي هذه المشاعر أيضاً. كان نوري السعيد رئيس الوزراء العراقي خلال معظم فترة الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين مهتمًا بمتابعة فكرة اتحاد الدول العربية في الهلال الخصيب، لكنه كان أقل حماسًا بشأن قيام دولة عربية. بذل نوري السعيد جهودا لضم العراق إلى جامعة الدول العربية في عام 1944، معتبراً إياها منتدى لجمع الدول العربية مع ترك الباب مفتوحاً أمام اتحاد فيدرالي محتمل في المستقبل.[4] كرّس ميثاق الجامعة مبدأ الحكم الذاتي لكل دولة عربية وأشار إلى القومية العربية خطابياً فقط.

المناخ الاقتصادي

شهد الاقتصاد العراقي حالة من الركود ثم الكساد بعد الحرب العالمية الثانية؛ وكان التضخم خارج نطاق السيطرة وانخفض مستوى المعيشة. كان نوري السعيد والوصي القومي العربي عبد الإله في معارضة مستمرة لبعضهما البعض، وفشلا في الاتفاق على سياسة اقتصادية متماسكة، أو تحسين البنية التحتية، أو غيرها من الإصلاحات الداخلية.[5]

وفي عام 1950، أقنع السعيد شركة النفط العراقية بزيادة الضرائب المدفوعة للحكومة العراقية، وتطلع السعيد إلى عائدات النفط المتنامية في المملكة العراقية الهاشمية لتمويل ودفع التنمية.[6] وقرر أن يخصص 70% من عائدات العراق من النفط لتطوير البنية التحتية تحت إشراف مجلس تنمية يضم ثلاثة مستشارين أجانب من أصل ستة أعضاء. أثار هذا الوجود الأجنبي الاستياء الشعبي من سياسة السعيد.[7] وعلى الرغم من المشاعر المعادية للغرب تجاه النفط والتنمية، عين نوري السعيد اللورد سالتر وهو اقتصادي بريطاني وسياسي سابق في محاولة لمعالجة عدم الكفاءة الملحوظة في إعادة تخصيص عائدات النفط.[8] استمر الرفض العراقي الواسع النطاق لوجوده، ومع ذلك ظل اللورد سالتر يقدم اقتراحاته لتنفيذ مشاريع التنمية.[9]

العوامل غير المباشرة لقيام ثورة تموز 1958

الجماهير المحتشدة تتدفق على وزارة الدفاع فور إعلان نبأ "الثورة"

هنالك جملة من العوامل التاريخية التي تراكمت وتمخض عنها قيام حركة تموز 1958 م. منها إجهاض ثورة رشيد عالي الكيلاني وإخفاق الحكومات العربية في حرب فلسطين عام 1948 م، ثم دخول حكومة نوري السعيد في سلسلة من المعاهدات وآخرها حلف بغداد التي كبلت العراق ببنود هيمنة جائرة على سيادته وموارده وقراره السياسي، وبعد بروز المد الوطني والقومي العربي المعادي للهيمنة البريطانية والفرنسية والأمريكية، والتأييد الجماهيري الكاسح لهذا المد الذي تزعمته القيادات الثورية الشابة في بعض بلدان العالم العربي والتي كانت رائدتها حركة تموز 1952 في مصر، وتصاعد المد الجماهيري المؤيد للحركات الثورية الوطنية والقومية ليشمل دولا عديدة مثل الأردن الذي رفض الدخول في حلف بغداد، وأضحت حكومة نوري السعيد ورقة محروقة متهمة بما سمي «بالعمالة» لبريطانيا.

ومن وجهة نظر الدول الغربية فإن سلسلة المعاهدات مع العراق وبعض الدول العربية وآخرها حلف بغداد ما هي إلا صفقة إستراتيجية الغرض منها هيمنة بريطانيا وفرنسا ومن ثم لاحقاً أمريكا على المنطقة لدواعي إستراتيجية أهمها الوقوف بوجه الإتحاد السوفيتي والسيطرة على منابع النفط واستيلاء الولايات المتحدة على إرث بريطانيا وفرنسا خصوصاً بعد حرب السويس أو ما سمي بالعدوان الثلاثي على مصر، ووقوف حكومة نوري السعيد بشكل معلن مع دول العدوان.

العوامل المباشرة المسببة لقيام حركة 14 تموز

يجمع المؤرخون على أن العوامل المباشرة للحركة كانت بسبب ردة الفعل الجماهيرية الغاضبة على احتلال بريطانيا للعراق بعد إسقاط ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941 وإعدام الضباط الأحرار والوطنيين من الضباط المشاركين في الثورة، وكذلك من العوامل الأخرى، هزيمة الحكومات العربية في حرب فلسطين إبان حرب 1948، علاوة على جملة من العوامل الداخلية الأخرى كتردي الأحوال المعيشية والإجتماعية والتي يمكن إجمالها بالتالي:

مر الحكم الملكي بجملة من الإخفاقات أدى تراكمها إلى ظهوره بمظهر الحكم العاجز عن تلبية تطلعات الجماهير وتحقيق أهدافها وأن الحكم الملكي ظهر بمظهر النظام المرتبط بمصالح البريطانيين ضد مصالح الشعب. وهم يرون أن فرضيتهم هي من العوامل المسببة لقيام «الثورة». والتي يجملونها حسب التسلسل الزمني بالآتي:

  1. الاعتقاد بالهيمنة البريطانية على السياسة والأحلاف ومعاهدات الانتداب، حيث يرى البعض أن هم بريطانيا هو إلحاق العراق بالسياسة البريطانية وأن يكون تابعا لها ومنفذا لاستراتيجياتها بواسطة ربطه بمعاهدة 1922 ثم معاهدة 1926، ثم معاهدة 1930 ومعاهدة 1948 ثم تلى ذلك حلف المعاهدة المركزية – السنتو المعروف بحلف بغداد والذي كان يضم العراق وإيران وتركيا وباكستان. وكان الشارع العراقي معبأً ضد الحلف والحكومة العراقية خصوصاً الخلاف بين مصر وسوريا من جهة والعراق من جهة أخرى، حول حلف بغداد، بسبب تعبئة إذاعات دمشق والقاهرة والتي كانت تهاجم الحكومة العراقية، وكان بعض العراقيين يرددون ما تذيعه دمشق والقاهرة من أفكار.
  2. هيمنة الشركات الأجنبية على الاقتصاد بضمنها شركات النفط التي لعبت دوراً كبيراً في تقويض الاقتصاد العراقي لاسيما بعد ربط الاقتصاد العراقي بالكتلة الاسترلينية مما أدى إلى تضخم العملة العراقية وغلاء الأسعار.

أدى احتلال العراق من قبل بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية وإسقاط حكومة ثورة مايو 1941 بزعامة رشيد عالي الكيلاني، وما لقيه الضباط من التنكيل والإعدام، إلى ارتفاع درجة السخط بين صفوف الشعب الذي انعكس على أبنائه في القوات المسلحة.

حملات تقويض الجيش العراقي حيث تنبه الإنجليز إلى حالة السخط والغليان بين صفوف الشعب والجيش بشكل خاص بعد الضربة الموجعة بعد احتلال العراق إبان الحرب العالمية الثانية وإسقاط الثورة الشعبية التحررية التي قام بها رشيد عالي باشا عام 1941، وتنبهوا إلى ذلك فاشعروا السراي الحكومي بضرورة تقليص عدد وحدات الجيش العراقي، وتسريح أعداد كبيرة من ضباطه[مبهم]ومراتبه ونقل الضباط الآخرين إلى وحدات نائية، وإشغال أفراده بالتدريبات، طوال فصول العام. بدأت خلايا سرية من الضباط في العمل بين صفوف الجيش، ومحاولة التكتل لإنشاء تنظيم سري للضباط.

انعكست نتائج حرب 1948 على شكل إحباط جماهيري عام، فالعراق الذي شارك بخيرة قطعاته في القتال وحقق انتصارات مهمة على الجبهة بقيادة الفريق راغب باشا الذي حقق انتصرات لامعة مطوقا تل أبيب وصل على مشارف البحر إلا أن تدخل القائد البريطاني كلوب باشا الذي كان يرأس القيادة العامة للحرب لم يصدر الأوامر بالتقدم في ساحات القتال، حتى شاعت على الألسن باللهجة العراقية العامية «ماكو أوامر» ورجع الجيش العراقي من فلسطين بعد أن أعلنت الهدنة سنة 1949 وكان لهذه العودة أثرها السيئ في نفوس الشعب.

أدى نجاح حركة الضباط الأحرار في مصر، خلال «ثورة» 23 يوليه/ تموز 1952 التي أدت إلى تقويض النظام القائم في مصر، وثورة 1948 في اليمن ضد الحكم الملكي الإمامي والتي قادها الضابط اليمني العراقي جمال جميل رغم إسقاطها بعد نجاحها وإعلان الجمهورية ومقتل الإمام، أدت إلى تشجيع الضباط العرب عموما والعراقيين بشكل خاص بالثورة على نظام الحكم.

تتويج فيصل الثاني 1953

وقع العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 من قبل بريطانيا وفرنسا وإسرائيل بسبب تأميم مصر لقناة السويس، وقد شجبت الحكومة العراقية العدوان ومع قيام الاتحاد العربيالجمهورية العربية المتحدة بدأ الشعور القومي لدى فئة من العراقيين بالظهور. وفي 14 فبراير 1958 تم إعلان الاتحاد العربي الهاشمي بين العراق والأردن؛ فيما يراه البعض ردًا على قيام الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا. وقابلت الأوساط القومية الاتحاد العربي بالاستنكار، واعتبرته مفرّقاً للصف العربي. داعين إلى الانضمام إلى الجمهورية العربية المتحدة بدل هذا المشروع الذي رؤوا فيه حلفا أكثر منه وحدة.

موقف الجيش العراقي كمؤسسة عقائدية وطنية

لقد عرف الجيش العراقي بأنه منظمة عسكرية ذات عقيدة وطنية يتملكه الحس العربي والانتماء للقضايا العربية والمصيرية. وذلك بسبب بنيته التأسيسية، حيث تأسس من مجموعة من الشخصيات الوطنية المعروفة بانتمائها العربي والتي سبق مساهمتها في الثورة العربية الكبرى مع الشريف حسين أو أسهمت بشكل فاعل في الجمعيات السرية التي دعت إلى استقلال العراق وتحرر العرب من الدولة العثمانية. ولقد كانت أغلب عناصر الجيش العثماني من الضباط ذوي الرتب الرفيعة في الجيش العثماني أو القوة الخاصة العثمانية ذات الكفاءة والمهنية العالية المسماة بالجيش الانكشاري، أي ما يعرف اليوم بقوات الصاعقة أو الحرس الجمهوري أو الملكي.

وبعد فرط عقد الدولة العثمانية انخرط معظم هؤلاء الضباط في الجيش العراقي وكانت لديهم مسبقا مواقف سياسية متأتية من مواقفهم في الثورة العربية الكبرى من جهة وبسبب اعتناقهم لأفكار الجمعيات الوطنية السرية التي كانت تدعو للاستقلال والتحرر ووحدة ولايات الدولة العثمانية.

ونظرًا لأن السياسة العراقية كانت تمالي بشكل أو بآخر سياسة بريطانيا العظمى، فكانت بعض الحكومات العراقية غير جادة أحيانا بتنمية الجيش وتقوية قدراته القتالية والتسليحية، ولهذا أججت بسبب ذلك مشاعر ضباط الجيش خاصة أصحاب الرتب الصغيرة والمتوسطة الذين هم عماد الجيش ونواته الأساسية. أما العمل الفعلي لأحداث «الثورة» فقد بدأ داخل الجيش منذ عودته من حرب فلسطين الخاسرة لما رآه الضباط من عدم جدية القتال لدى الحكومة وضعف تسليح الجيش المرسل للقتال، وأن للحكام دورا في ضياع فلسطين.

تنظيم الضباط الوطنيين «أو الأحرار» ومحاولاتهم الانقلابية

الفريق أول نجيب الربيعي رئيس مجلس السيادة رئيس التنظيم

قام نخبة من طلائع الضباط المستنيرين بتشكيل «تنظيم الضباط الوطنيين» الذي أسماه الإعلاميون لاحقا بتنظيم الضباط الأحرار أسوةً بتنظيم الضباط الأحرار في مصر وذلك في نهاية عام 1949 م، وبعد الهدنة مع إسرائيل

وانسحاب الجيش العراقي، وذلك برئاسة الرائد رفعت الحاج سري، والتي كانت تعد أول نواة لتنظيم عسكري داخل الجيش، ومع رفعت الحاج سري كان ذا رتبة متوسطة إلا أنه كان يتمتع باحترام كبير من الجميع لأخلاقه العالية وسلوكه القويم، وبعد سنة 1952 م، عقب نجاح حركة تموز في مصر التي أعطت دفعا كبيرا للتنظيم تحول أسلوب عمل التنظيم إلى أسلوب الاجتماعات المنظم بدلا من اللقاءات السريعة والجلسات التي تميزت بالطابع الشخصي. وتوالى تشكيل عدد من الخلايا والتنظيمات في معسكرات وثكنات مختلفة استنادا للعامل الجغرافي والمكاني، ومن أشهرها خلية العقيد رجب عبد المجيد التي تشكلت في سبتمبر/ ايلول 1952 م.

كانت الطبيعة الغالبة لتأسيس تلك التنظيمات هو الالتقاء الفكري والانتماء السياسي لضباط كل خلية من خلايا تلك التنظيمات، فمنها كان تجمعا لضباط ذوي ميول قومية وأخرى ذات ميول وطنية ليبرالية وأخرى شيوعية وأخرى إسلامية وغيرها من الخلايا التي انضمت لاحقا، بين عامي 1956 و1957 م، للتنظيم الأقدم والأكبر «تنظيم الضباط الوطنيين» ذو التوجهات الوطنية والوحدوية والذي كان يتزعمه رفعت الحاج سري ذو التوجه الإسلامي والذي أصبح عقيدا في ذلك الوقت. وكان يجمع كل تلك التيارات والشخصيات مبدأ معارضة الوضع القائم. أي أن بعضها كان يؤمن بتغيير النظام الملكي إلى جمهوري، وآخر كان يؤمن بانقلاب كانقلاب بكر صدقي أو ثورة رشيد عالي الكيلاني أي تغيير سياسة وعقيدة الحكم دون المساس بشكل النظام.

العقيد رفعت الحاج سري مؤسس تنظيم الضباط الوطنيين عام 1949

محاولات التنظيم الفاشلة لقلب النظام الملكي

حاول التنظيم القيام بعدة محاولات للانقلاب على الملك، ولكنها باءت جميعًا بالفشل ومنها :

1 ـ محاولة تنظيم الضباط الوطنيين سنة 1949 م، أثناء الاحتفال بعودة بعض فرق الجيش من فلسطين ولكنها فشلت لعدم حضور الملك فيصل الثاني والمسؤولين الكبار في الدولة.

2 ـ محاولة العقيد رفعت الحاج سري في سنة 1950م.

3 ـ محاولة في 1950، ولكنها ألغيت لعدم حضور نوري السعيد رئيس الوزراء.

4 ـ محاولة في (11 ذي القعدة) سنة 1955م، وصفها المقدم عبد الغني الراوي بمنتهى الدقة والإحكام، ولكن قادة التنظيم رفضوها.

كشف التنظيم

رفيق عارف رئيس الأركان العامة

تمتْ محاولات محدودة من قبل تنظيم الضباط الوطنيين للقيام بحركة لقلب نظام الحكم الملكي لعدم تيسر الفرصة السانحة. وبعد اجتماعات متلاحقة لقادة التنظيم استغرقت سنتين، تم الاتفاق على اغتنام أية فرصة تسنح لإحدى القطعات العسكرية التي يسمح لها بالمرور في بغداد للقيام بالحركة. كما اتفقوا على مساندة القطعات غير المشاركة في حالة سماعها بالقيام بالحركة في حالة تعذر تبليغ القطعات جميعها ولدواعي أمنية.

تنبهت الحكومة لوجود هذا التنظيم في صيف عام 1956 م في منطقة الكاظمية حيث تسربت معلومات عن تحركات الجيش إلى مديرية الاستخبارات العسكرية الملكية، ومنها الكشف عن الاجتماع الذي شارك فيه العقيد رفعت الحاج سري، والعقيد الركن عبد الوهاب أمين، والمقدم إسماعيل العارف، والمقدم صالح عبد المجيد السامرائي. وبعد إجراء التحقيق معهم، تم تفريق هؤلاء الضباط وإبعادهم عن الوحدات ذات التأثير الفاعل، وأخذت الحكومة تعد العدة لإجهاض التنظيم عن طريق نقل قادته من أماكنهم إلى أماكن أخرى وتعيين بعضهم كملحق عسكري في السفارات في الخارج، مما جعل قيادة التنظيم تنتقل من رفعت الحاج سري إلى الفريق نجيب الربيعي الذي انتخب رئيسا للتنظيم خلفا لسري. وبعد نقله هو الآخر آلت القيادة إلى عبد الكريم قاسم، وانقسم هذا التنظيم إلى عدة خلايا لتسهيل الأوامر والعمليات. بعض التحاليل السياسية تشير إلى أن تسريب المعلومات كان من أحد الضباط المشاركين في التنظيم وتشير إلى عبد الكريم قاسم تحديدا (راجع مقالة الضباط الوطنيين)[بحاجة لمصدر].

الأردن يبرق أسرارًا خطيرة

مراسم توقيع بروتكول الاتحاد العربي الهاشمي بين الملكين فيصل الثاني والحسين بن طلال

وفي مطلع تموز وبعد قيام الاتحاد الهاشمي عام 1958 بين العراق والأردن طلب الملك حسين بن طلال العاهل الأردني، من الملك فيصل الثاني ملك العراق إرسال قطعات عسكرية عراقية للمرابطة في الأردن. سافر بناء على ذلك رئيس الأركان الفريق رفيق عارف إلى عمان للتباحث مع نظرائه الأردنيين في التدابير اللازمة لتحرك هذه القطعات وقابل الملك حسين وأخبره بحضور بهجت التلهوني رئيس الديوان الملكي الأردني بأن العراق قرر دعم الأردن بإرسال قطعات فاعلة حيث اتفقا على بعض التفاصيل اللوجستية والتعبوية بهذا الصدد، إلا أن الملك حسين لمح وبدبلوماسيته المعهودة بأن لديه معلومات عن وجود تنظيم سري مشابه لتنظيم الضباط الأحرار في مصر، وقد أبدى الفريق رفيق عارف استغرابه نافيا تلك المعلومات، فاستدعى الملك حسين ضابطين أردنيين كانا في زيارة عسكرية للعراق واطلعا على الأوضاع الداخلية للجيش العراقي، وعادا بمعلومات تفصيلية عن وجود نشاطات لإعداد حركة عسكرية.

رفيق عارف مع الحسين بن طلال

عاد الفريق رفيق عارف إلى بغداد في يوم 11 تموز مغتاظا من الإنذارات الأردنية بعد أن قال لرئيس الوزراء الأردني آنذاك السيد سمير الرفاعي وبحضور رئيس الأركان الأردني، أنه «لا يجوز أن نصدق الإشاعات التي تريدنا أن نعتقل ألف ضابط عراقي من أفضل ضباطنا». وتقرر بعد ذلك تم إرسال اللواء العشرين بقيادة العقيد الركن عبد السلام عارف الذي يحوز على ثقة رئيس أركان الجيش يوم الرابع عشر من تموز إلى الأردن وهو اللواء الذي نفذ الحركة التي أطاحت بالنظام الملكي.

في نفس السياق، أكد الملك الحسين بن طلال للفريق غازي الداغستاني قائد الفرقة الثالثة، والتي يفترض أن يتوجه أحد ألويتها إلى الأردن، بأنه توافرت لدى أجهزة الاستخبارات العسكرية الأردنية، معلومات تؤكد نية بعض الضباط القيام بانقلاب، وأنه اتصل بابن عمه ملك العراق طالبا منه أن يبعث شخصا يثق به لإطلاعه على معلومات خطيرة، والتقى الملك برئيس أركان الجيش العراقي آنذاك الفريق رفيق عارف في معسكر اتش 3، قرب الحدود الأردنية ـ العراقية، وسلمه قائمة بأسماء الضباط الذين يعتقد بأنهم يعدون للانقلاب، ولكن رئيس أركان الجيش الفريق رفيق عارف فند جازما للملك حسين وجود مثل تلك الحركة لسببين: الأول ورود اسم العميد عبد الكريم قاسم وهذا مدعاة استغراب لأنه من أخلص الضباط للعرش والحكومة حتى أن الكثير من الضباط يخشونه لولائه للحكومة والعرش. أما السبب الثاني كما قال رئيس أركان الجيش العراقي، فهو أن أعداء المملكتين وعلى الأخص بعد إعلان الاتحاد الهاشمي هالهم الاتفاق الوحدوي بين القطرين فأخذوا يحيكون الدسائس لعرقلة الاتحاد، فعمدت تلك القوى إلى استخدام الطابور الخامس ليبث الإشاعات التي درجت على تلفيقها لغرض زعزعة استقرار الدولة الفتية.

ويذكر الداغستاني بأن الملك الأردني قد شعر بالإحباط من رد الفريق رفيق عارف وعدم أخذ معلومات غاية في الأهمية والسرية والخطورة على محمل الجد. لم يكتف الملك حسين بذلك بل بعث برئيس مخابراته آنذاك محمد الكيلاني قبل أسبوعين من الحركة ليخطر الحكومة العراقية بقرب ساعة الصفر وتنفيذ الحركة العسكرية التي أعدتها مجموعة من الضباط المعروف عنهم الولاء للعرش ولنوري السعيد، ومع ذلك، لم يلتفت أحد إلى التحذير. وأضاف الفريق غازي الداغستاني "إن بغداد كانت تعج بالإشاعات، حتى أن نوري باشا استدعاه وسأله: "هل تصدق أن عبد الكريم قاسم يتآمر لإسقاطي؟". كان يقال عن قاسم بأنه جاسوس لنوري السعيد في الجيش ويسميه الباشا تحببا "كرومي". وطلب نوري السعيد ملف عبد الكريم قاسم ولم يكتشف أي مؤشرات على استعداد لخيانة العرش والحكومة، ويذكر غازي الداغستاني بأنه قد أبدى امتعاضه من مراجعة ملف عبد الكريم قاسم ذلك قائلا لنوري السعيد: "إن عبد الكريم من الضباط المقربين المعروفين بالولاء للبلاط والحكومة ولا يمكن التشكيك به. إنه هو من يزودنا بالتحركات المشبوهة لبعض الضباط مما جعلنا نضعهم تحت سيطرتنا. جناب الباشا أنت أدرى بأن الوضع الداخلي لا يتحمل إحداث أي بلبلة داخل الجيش بسبب الظروف التي سببها الهجوم البريطاني على مصر وبمعاونة من فرنسا وإسرائيل. الموضوع أجج المشاعر منذ دخول إسرائيل في الهجوم.. لا أدري الإنجليز كيف يفكرون. الحكومة المصرية تكسب التأييد لأنها تنفذ سياسة مرغوبة من الناس المصريين وباقي البلاد العربية."

العقيد عبد الكريم قاسم

وأكمل نوري السعيد قائلا: «هذه الوحدة الآن تلاقي تأييدًا كبيرًا من الشباب، تذكرهم بأيام زمان ومطالب العرب وجلالة الشريف حسين المعظم. كلنا مع الوحدة أكيد ونحن لدينا وحدة أيضا. الوضعية حساسة، ولكن الحكومة المصرية العسكرية مندفعة وليس لديها خبرة مع الإنجليز. تصرفوا بتهور في موضوع التأميم مما جلب لهم بلاء الحرب وأجج الغرب ضدهم وعاداهم. لا داعٍ، فالغرب مهتم بالشيوعية وانتشارها الذي يهدد العالم الحر والعراق أحد أعضائه المهمين. لذلك أي اعتقالات أو ضربة داخل الجيش نقوم بها سيكون رد فعلها لصالح أي عناصر طائشة التي تريد أن تعمل شيئا». بناء على ذلك اتفق نوري السعيد وغازي الداغستاني على اعتبار الموضوع مجرد إشاعات.

قادة الحكم الملكي أو الثلاثة الكبار

كان في الواجهة السياسية والإعلامية للنظام الملكي عند قيام الحركة الشخصيات السياسية التالية والتي كان يطلق عليها اسم الثلاثة الكبار وهم:

قادة الحركة واللمسات الأخيرة للخطة

زعيما الحركة قاسم وعارف

بدأ عبد الكريم قاسم حياته العسكرية ضابطاً برتبة ملازم ثاني ونقل للكلية العسكرية عام 1938 وفي عام 1941 تخرج من كلية الأركان العسكرية وشارك في عام 1948 في حرب فلسطين وفي عام 1955 وصل قاسم إلى رتبة مقدم ركن، وبعد أن أصبح عقيدا عين آمراً للواء المشاة 20. كان ينتمي إلى طبقة فقيرة وقد توفي والده وهو صغير في السن وكان يعاني من تشوه في الشفة أدى إلى عزلته ومن ثم تركت أثراً على مزاجيته وتفرده في المستقبل. كانت لديه صداقات محدودة أهمها علاقته بعبد السلام عارف وبعض الشيوعيين الذين تعرف عليهم عن طريق ابن خالته فاضل المهداوي، كل تلك العوامل أثرت على نشأته ومن ثم على مواقفه، إلا أنه عرف بمهنيته العسكرية العالية ووطنيته.

أما عبد السلام عارف فقد بدأ حياته المهنية عند التحاقه بالكلية العسكرية عام 1938 والتي تخرج فيها عام 1941 برتبة ملازم ثان. انضم إلى ثوار ثورة أيار/ مايس 1941 بقيادة رشيد عالي الكيلاني باشا رئيس الوزراء. نقل إلى البصرة بعد الإطاحة بحكومة الثورة حتى عام 1944. اختير عام 1946 مدربا في الكلية العسكرية. حصل على رتبة ركن عام 1947. اشترك في حرب فلسطين الأولى عام 1948. عند عودته من حرب فلسطين أصبح عضواً في القيادة العامة للقوات المسلحة. نقل عام 1950 إلى دائرة التدريب والمناورات. عام 1951، التحق بدورة القطعات العسكرية البريطانية في دسلدورف في ألمانيا الغربية للتدريب ثم نقل بمنصب مدرب أقدم فيها كضابط ارتباط مع الملحقية العسكرية للدورات التدريبية حتى عام 1956. عند عودته من ألمانيا نقل إلى اللواء التاسع عشر عام 1956. بُلّغ بالسفر إلى المفرق ليكون على أهبة الاستعداد لإسناد القطعات الأردنية أمام التهديدات الإسرائيلية. انضم إلى «تنظيم الضباط الوطنيين» عام 1957 ودعا إلى خليته العميد عبد الكريم قاسم، وكان عارف من المساهمين الفاعلين في التحضير والقيام بحركة 14 تموز 1958 حيث أوكلت إليه تنفيذ ثلاث عمليات صبيحة الحركة أدت إلى سقوط النظام الملكي.

عرف عبد السلام عارف بقوة إرادته وشجاعته وعمق مبادئه وحبه للتيار العروبي على الرغم من تسرعه في بعض المواقف في مستهل حياته السياسية والتي تلافاها عندما أصبح رئيسا للجمهورية. ويعود ذلك لأسباب تتعلق بانتمائه إلى عائلة متحدرة من منطقة قبلية من خان ضاري إحدى ضواحي الفلوجة، وكان جده شيخ عشيرة الجُميلات وخاله الشيخ ضاري أحد قادة ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني بعد الحرب العالمية الأولى.

تمتد علاقة الصداقة والود بين العميد عبد الكريم قاسم والعقيد الركن عبد السلام عارف إلى عام 1938 حيث التقى عبد السلام عارف بعبد الكريم قاسم في الكلية العسكرية. وبعد أن تخرج عبد السلام من الكلية العسكرية التقى بعبد الكريم قاسم في البصرة في إحدى القطعات العسكرية بعد نقل عارف بسبب اشتراكه بثورة رشيد عالي الكيلاني باشا عام 1941، وأثناء اللقاءات التي كانت تجمعهما كانا يتداولان موضوعات الساعة يومذاك من سوء الأوضاع التي يعيشها المواطن العراقي من جراء سياسة نوري السعيد باشا رئيس الوزراء والأمير عبد الإله الوصي على العرش، وخضوعهما للسياسة البريطانية في العراق كما التقيا مرة أخرى في كركوك في عام 1947 وجمعتهما مرة أخرى الحياة العسكرية فالتقيا في الحرب الفلسطينية 1948 حيث أرسل قاسم إلى مدينة كفر قاسم وأرسل عارف إلى مدينة جنين وهما متجاورتان، فكانت تتم بينهما لقاءات باستمرار واستمرت علاقتهما حتى عام 1951 حيث فارق عبد السلام عارف رفيق سلاحه لمدة خمس سنوات حيث التحق في ذلك العام بالدورة التدريبية الخاصة بالقطعات العسكرية البريطانية التي كانت موجودة في مدينة دوسلدورف الألمانية الغربية واستمر في الخدمة هناك ضابطاً في الملحقية العسكرية حتى عام 1956.

بعد عودة عارف إلى العراق عام 1956 نقل إلى اللواء العشرين حيث انتمى إلى تنظيم الضباط الوطنيين وبعد عام على انتمائه التقيا ثانيةً عام 1957 حين فاتح العقيد عبد السلام عارف قيادة التنظيم لضم زميله العميد عبد الكريم قاسم للتنظيم. تردد التنظيم في ضمه بادئ الأمر. وبعد انضمام قاسم وبعد تغيب الفريق نجيب الربيعي عن اجتماعات التنظيم لأسباب تتعلق بالتحاقه بوحدته في أماكن مختلفة اختير الضابط الأعلى رتبةً حسب السياقات العسكرية العميد ناجي طالب للرئاسة المؤقتة للتنظيم لحين عودة الفريق نجيب الربيعي إلا أن تدخل العضو الفاعل في التنظيم العقيد عبد السلام عارف حال دون ذلك حيث طلب ترشيح زميله العميد عبد الكريم قاسم مبرراً إمكانيتهما بالعمل المشترك للقيام بالثورة كونهما يعملان في موقع عسكري استراتيجي قرب بغداد ومع وجود كتائب مدفعية ودروع ومشاة وأسلحة وصنوف ساندة أخرى وختم قوله مبتسماً لا زعيم إلا كريم، الأمر الذي أحرج المجتمعين فوافقوا على مقترحه.

العد التنازلي للتنفيذ

أتاح ترأس عبد الكريم قاسم للجنة العليا للتنظيم لعبد السلام عارف الفرصة للعمل المشترك مع قاسم لتحقيق آمالهما في إحداث تغيير في البلد. وبعد ورود بعض المعلومات للقصر الملكي ودار السراي للحكومة العراقية بأن تنظيما سريا قد تشكل هدفه إحداث تغيير في البلد سارعت الحكومة بإصدار تعليماتها لقيادة الجيش بإحداث حركة تنقلات شمل بها العميد عبد الكريم قاسم والعقيد عبد السلام عارف الذين نقلا إلى المنصورية في محافظة ديالى حيث تم تنسيب عبد الكريم قاسم آمراً للواء التاسع عشر، وعبد السلام عارف آمراً للواء العشرين الذين كانا تحت إمرة اللواء غازي الداغستاني قائد الفرقة الثالثة ومقرها في القاطع الأوسط للعمليات في محافظة ديالى شمال شرق بغداد.

في حركة سياسية لافتة للانتباه لامتصاص نقمة الضباط على الحكم وأحداث تفرقة في صفوف الضباط المشتبه بانضمامهم للتنظيم قام الوصي على العرش الأمير عبد الإله مع الملك فيصل الثاني برفقتهما الفريق نوري السعيد باشا رئيس الوزراء بزيارة عدد من القطعات العسكرية بضمنها معسكر المنصورية حيث عرض نوري باشا على عبد الكريم قاسم منصب نائب القائد العام للجيش الذي اعتذر عنه ولعبد السلام عارف منصب وزير الدفاع والذي كان مرشحا قريبا لرتبة عميد ركن الذي اعتذر عنه هو الآخر. فما كان من ديوان سراي الحكومة إلا أن يعالج الامر بنقل عبد السلام عارف مع عدد من الضباط المشتبه بانتمائهم للتنظيم إلى الأردن وهم من المعروف عنهم استيائهم المعلن اومشاركتهم بثورة رشيد عالي الكيلاني باشا عام 1941، حيث استغلت الحكومة قيام الاتحاد الفدرالي الهاشمي بين المملكتين العراقية والأردنية عام 1958 وتوتر الحدود الأردنية الإسرائيلية بسبب قيام الاتحاد من جهة وبسبب قيام الجمهورية العربية المتحدة من نفس العام من الجهة الأخرى.

في مطلع تموز من عام 1958، وعند صدور الاوامر بتحرك القطعات للمفرق بالأردن مروراً ببغداد دعا ذلك كل من قاسم وعارف لعقد اجتماع عاجل للتنظيم حيث ابلغا التنظيم الذي تلكأ كثيرا بالقيام بالثورة بأنهما سيقودا عدداً من ضباط التنظيم لاستغلال هذه الفرصة للإطاحة بالنظام الملكي. ثم اتفق عارف مع قاسم بإعطاء التنظيم فرصة أخيرة للتحرك من خلال ضم الفرق الأربعة العسكرية الموزعة في المحافظات العراقية الأخرى لمساندة تحرك قطعات المنصورية والذي كان يشغل منصب امر المعسكر حينها الرئيس الأول إبراهيم الشيخ علي ال غصيبه وهو أحد أعضاء تنظيم الضباط الاحرار منذ عام1955فذهب عارف وحده قائلا «انا والزعيم نخبركم لاخر مرة بانه في حالة عدم الاشتراك معنا فنقول لكم هذا حدنه وياكم».

خطوات مدروسة تعبويا وسوقيا لامناص من اتخاذها إذا ما اريد للقيادة الجديدة لتحقيق اهدافها.

فالخطوة الأولى التي اتخذتها قيادة تيار قاسم \ عارف هي اما استقطاب أعضاء القيادة التقليدية للتنظيم واعضاء الحلقة الوسطية أو تحييدها. لضمان عدم انشقاق التنظيم من جهة ولضمان عدم تسرب الخطط للاستخبارات العسكرية والحكومة ونوري باشا من جهة ثانية.

عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف يتصلان سرا بعبد الناصر

بعد ظهور ملامح الاصطفافات الجديدة حول قيادات تنظيم الضباط الوطنيين بعد تمحور البعض حول قاسم وعارف والبعض الآخر حول القيادة التقليدية للتنظيم بزعامة الفريق نجيب الربيعي ومؤسس التنظيم رفعت الحاج سري الدين والعميدين ناجي طالب وناظم الطبقجلي. والبروز اللامع والشعبية الصاروخية الجلية للزعامة الجديدة للتنظيم للثنائي قاسم وعارف. حيث بدأت تتكتل حولهما بعض أعضاء قيادة التنظيم، وهذا التطور الهام عزز احتمال قيام الحركة ودفع هذا التيار إلى الاقتراب أكثر من العد التنازلي للتنفيذ وعلى شكل خطوات مدروسة تعبويا وسوقيا لامناص من اتخاذها إذا ما اريد للقيادة الجديدة لتحقيق اهدافها.

فالخطوة الأولى التي اتخذتها قيادة تيار قاسم \ عارف هي اما استقطاب أعضاء القيادة التقليدية للتنظيم واعضاء الحلقة الوسطية أو تحييدها. لضمان عدم انشقاق التنظيم من جهة ولضمان عدم تسرب الخطط للاستخبارات العسكرية والحكومة ونوري باشا من جهة ثانية.

اما الخطوة الثانية فتمثلت بالبحث عن دعم عربي أو دولي لموازنة الدعم العربي والدولي الذي تتمتع به الحكومة والنظام الملكي المتمثل باسناد المملكة الأردنية الهاشمية عربيا وبريطانيا دوليا. فبعد سلسلة من الاجتماعات السرية الهامة للقيادة المصغرة لتنظيم الضباط الوطنيين والتي شملت تيار القيادة الجديدة لقاسم \ عارف، توصلوا إلى قرار بضرورة مفاتحة الجمهورية العربية المتحدة «سوريا ومصر المتوحدتين ضمن اطار الاتحاد العربي» حيث وأثناء زيارة ميدانية لتفقد القطعات العراقية في الأردن سافر كل من عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف إلى الأردن وبعد اتصالات سرية مع حكومة عبد الناصر زارا أثناء اجازة نهاية الاسبوع سرا مدينة الرمثة الحدودية الأردنية، ومنها عبرا خلسة إلى الجانب السوري حيث اجتمعا في مدينة درعا الحدودية السورية مع موفد حكومة عبد الناصر وزير الداخلية عبد الحميد السراج ووزير المواصلات امين النافوري وأحمد عبد الكريم وزير البلديات, حيث سلماهم رسالة سرية وعاجلة إلى الرئيس جمال عبد الناصر طالبين دعم واسناد الجمهورية العربية المتحدة لحركة الضباط الوطنيين في العراق. وهذه الرسالة كما ارسلها نصا كل من عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف إلى حكومة الجمهورية العربية المتحدة معنونة إلى جمال عبد الناصر:

"رسالة من تنظيم الضباط الوطنيين العراقي إلى سيادة الرئيس جمال عبد الناصر المحترم

«نود تفضل سيادتكم باطلاع بان هناك تنظيماً سرياً في الجيش العراقي، وإن ضباط هذا التنظيم قد فاض بهم الألم وما عادوا يطيقون الصبر أو يقدرون عليه، وإنهم سوف يتحركون مهما كلفهم الأمر ضد نورى السعيد وكل من يمثله، ابتداءً من حلف بغداد، إلى التآمر على القومية العربية».

حيث ورد الجواب عاجلا بطريقة النصيحة التي سميت الاخوية «من ثوار مصر إلى ثوار العراق» وتلخصت بجملة نقاط هي:

1- برغم التقدير العالي لحكومة الجمهورية العربية المتحدة للثقة العالية من الضباط العراقيين ان أي تدخل بالأسلوب الذي يطلبه الضباط العراقيين يعد هيمنة من حكومة عبد الناصر على حركة العراق.

2- يمكن التنسيق العسكري في مجال المعلوماتي والسوقي والتعبوي.

3- تدعم حكومة عبد الناصر بشكل كبير الحركة عسكريا وتسليحيا واعلاميا, كما ستدعمها سياسيا ودبلوماسيا وفي المحافل الدولية كحركة عدم الانحياز الناشئة حديثا ومع الدول الكبرى كالاتحاد السوفيتي.

4- ان يتبنى الضباط العراقيين أسلوب الكتمان الشديد في تحركاتهم وانتقاء أفضل العناصر المهنية والمؤمنة والكتومة في صفحة التنفيذ.

5- من المهم جدا ان يتبنى امر اللواء الذي سيقوم من جانبه بمهمة التنفيذ ان يضع خطة تنفيذ الحركة لانه هو الادرى بقطعاته ونقاط قوتها ومراكز ضعفها، ولانه هو المعني بتحركات قطعاته وبمسارها وتوقفها.

وبناء على الرد الجوابي لعبد الناصر عقدت قيادة تنظيم تيار قاسم \ عارف اجتماعا حاسما اتفقوا بموجبه ان يضع عبد السلام عارف خطط تنفيذ الحركة طالما ان لوائه، اللواء العشرين هو المكلف بالتحرك للأردن من قبل رئاسة اركان الجيش والقيادة العامة للقوات المسلحة.

الساعة «س».. ساعة الصفر

اللواء العشرين بامرة عبد السلام عارف والذي قام بالحركة
العقيد الركن عبد السلام عارف يلقي بيان الثورة بعد سيطرة القوات التي كانت بإمرته على بغداد و مناطق كثيره

تولّى القيادة الرئيسية للعمليات منذ ذلك الحين رجلان مع دعم من هم بمعيتهم من ضباط أعضاء التنظيم، هما كل عبد الكريم قاسم آمر اللواء التاسع عشر وعبد السلام عارف آمر اللواء العشرين، وقد أخفيا الموعد المحدد لقيام الحركة، لضمان عدم تسرب الأخبار وفي يوم 13 تموز قام كلاهما بزيارة بغداد وتحديد مسار الحركة ومهام التنفيذ. وفي 10 تموز وبعد عطلة عيد الأضحى مباشرة صدرت الأوامر العسكرية من القيادة العامة للجيش بتحرك اللواء العشرين في 14 تموز إلى الأردن وكان اللواء العشرين أحد تشكيلات الفرقة الثالثة التي يقودها الفريق غازي الداغستاني في معسكر المنصورية، للوقوف في وجه التهديدات الإسرائيلية على الأردن، وكان قائد الجحفل أو القطعات المنتخبة من معسكرات مختلفة والمتجهة إلى الأردن، هو اللواء أحمد حقي. وعند ذلك اعتبر قادة الحركة بأن الفرصة مناسبة لتنفيذ حركتهم أو ثورتهم ضد الحكم الملكي.

وضع الرجلان خطط التحضير والقيام بحركة تموز 1958 وأُعطيت لخلية التنظيم من الضباط ممن تقرر إشراكهم في تنفيذ الحركة، حيث كان توجّس العميد عبد الكريم قاسم من تصرفات الحكومة وأي عملية ثورة مضادة فاتفق مع العقيد عبد السلام عارف بإنشاء غرفة عمليات سرية يديرها قاسم من مقرة في معسكر المنصورية برفقة امر المعسكر الرئيس الأول إبراهيم الشيخ علي ال غصيبه وبعض الضباط الاخرين من التنظيم وأُوكلت لبقية الضباط تنفيذ العمليات داخل وخارج بغداد مستغلين فرصة قيام الاتحاد الهاشمي بين العراق والأردن وتحرك القطعات العراقية لإسناد الأردن ضد التهديدات الإسرائيلية لقيام الاتحاد. كما اتفق التنظيم على عدم إخبار القوات الزاحفة من غير أعضاء التنظيم بما ستقوم به في بغداد من إعلان للثورة ؛ خشية من تسرّب أخبار ذلك إلى الحكومة وقيادة الجيش. وإصدار التعليمات للضباط أعضاء التنظيم، الذين سيقومون بمهام تنفيذ الحركة بعدم أخبار أي ضباط آخرين؛ للمحافظة على السرية والمباغتة، ومنعاً لتسرب أخبار الثورة.

عبد السلام عارف يشرع بتنفيذ خطته لاحتلال بغداد

سير قطعات اللواء العشرين إلى الأردن

اختار عبد السلام عارف لنفسه تنفيذ عدد من العمليات وهي السيطرة على مقر قيادة الجيش في وزارة الدفاع والسيطرة على مركز اتصالات الهاتف المركزي والسيطرة على دار الإذاعة إضافة إلى أهدافا أخرى حيوية كالسيطرة على القصر الملكي وقصر نوري السعيد ومعسكري الرشيد والوشاش.

وفي يوم 14 تموز، تهيّأ اللواء العشرين بقيادة عبد السلام عارف للتحرك لبدء تنفيذ الحركة. حيث درس الأعضاء البارزين للهيئة العليا لتنظيم الضباط الوطنيون وبحضور العميد الركن عبد الكريم قاسم خط سير الرتل المزمع سلوكه عبر بغداد، كما استمعوا إلى إيجاز قدّمه العقيد الركن عبد السلام عارف عن الخطة التي وضعها ضمن تحرك لوائه للسيطرة على بغداد ويمكن وصف خطة عارف وخط سير القطعات بالتالي:

تقع على خط سير القطعات الذاهبة للأردن المواقع المهمة التي تشكل أهدافا إستراتيجية لتنفيذ الحركة ونجاحها فيما إذا تمت السيطرة عليها. فيمر خط السير المخصص للقطعات، بضمنها اللواء العشرين الذي سيقوم بتنفيذ الحركة والذي يتكون من أربعة كتائب أو افواج وذلك عبر عدد من النقاط والمواقع الإستراتيجية الهامة والتي لا مَناص من السيطرة عليها حيث كان الرتل الذاهب أصلاً للأردن سيمر قاطعا بغداد من الشرق إلى الغرب، أتيا من لواء «أو محافظة» ديالى في الشرق حيث معسكر المنصورية ومتوجها عبر جنوب بغداد نحو الطريق الدولي الموصل للحدود الأردنية.

فبدئا بالتحرك من معسكر المنصورية يمر خط السير عبر طريق بغداد - ديالى القديم مرورا بشرق بغداد من جهة منطقة المشتل المؤدي إلى بغداد الجديدة المجاورة لمعسكر الرشيد في الزعفرانية وهو المحطة الهامة الأولى التي سيسيطر عليه بأحد الكتائب الأربعة، ومن ثم التوجه إلى الباب الشرقي حيث جسر الملكة عالية «جسر الجمهورية حاليا» وهو المحطة الثانية المهمة لتامين تدفق قطعات اللواء للعبور إلى جانب الكرخ. ومن هنا يجب أن تتقسم الكتائب المتبقية إلى ثلاثة أرتال للاستكمال السيطرة على قاطع الرصافة قبل العبور إلى الكرخ، فيذهب الرتل الأول للسيطرة على قاطع مديريات شرطة باب الشيخ وهو أحد أهم مراكز الشرطة الذي يتضمن غرفة حركات الداخلية المكلف بمهمة الاتصال بوزارة الداخلية ورئاسة الوزراء عن أي تهديد امني ومنها يتم قطع الاتصالات الهاتفية للبدالة المركزية، ثم يتوجه لاحتلال وزارة الدفاع وهي أيضا مقر القيادة العامة للقوات المسلحة في الباب المعظم ثم يسطر الرتل نفسه على معسكر الحرس الملكي في الكرنتينة المجاورة وبعد ذلك يسيطر على مقرات البلاط الملكي في الكسرة المجاورة أيضا. وبعد عبور جسر الملكة عالية يوجد موقعين هامين يجب السيطرة عليهما واحتلالهما الأول قصر الزعيم البارز نوري السعيد ومحطة دار الإذاعة العراقية في منطقة الصالحية المتاخمة للجسر، وهي أهم النقاط التي يجب السيطرة عليه لإذاعة البيان الأول للحركة وتوجيه القطعات والجماهير عبر الإذاعة. ومن جسر الجمهورية يستمر خط السير للتوجه عبر كرادة مريم «المجمع الرئاسي أو المنطقة الخضراء حاليا» ثم الحارثية حيث معسكر الوشاش المسيطر على قاطع الكرخ ويليه قصر الرحاب مقر إقامة الملك وولي العهد عبد الإله وهو أحد أهم النقاط الإستراتيجية ليأخذ شارع اليرموك المتوجه إلى غرب بغداد إلى الطريق الدولي نحو الحدود الأردنية.

اتخذ عبد السلام عارف عدد من الإجراءات داخل اللواء العشرين الذي بإمرته هدفها ضمان نجاح تنفيذ الحركة منها، أصدر أوامره باعتقال كل قادة القطعات العسكرية والتي ستشارك في الجحفل والتي ستمر عبر خط سير القطعات الذاهبة للأردن، أي القطعات المزمع تنفيذها للحركة من غير تنظيم الضباط الوطنيين وعيّن بدلاً عنهم ضباطًا من التنظيم ثم أصدر عدة أوامر هامة، وهي:

أ ـ يتسلم العقيد عبد اللطيف الدراجي قيادة اللواء العشرين مع عبد السلام عارف لكي يتمكن الأخير من التحرك بمرونة لقيادة العمليات والسيطرة على القطعات والوحدات الأخرى ومعالجة أي طارئ، إضافة إلى قيادة الكتيبة الأولى من اللواء التي تكلف بعدد من المهام على رأسها، الاتصال بأعضاء تنظيم الضباط الوطنيين في معسكر الرشيد ودعمهم للقيام بتنفيذ الخطة التكميلية وهي السيطرة على وحدات المعسكر والانطلاق مع وحدات اللواء العشرين لإتمام المهمة، وفي حالة فشلهم يستمر اللواء العشرين بالمهمة وحده الذي سيتوجه لاحتلال قاطع شرطة باب الشيخ وقطع الاتصالات الهاتفية المركزي ثم السيطرة على جسر الملكة عالية في الباب الشرقي. وعند مرورها في منطقة الصالحية تحتل القطعات دارالإذاعة.

ب - يتوجه الرائد بهجت سعيد إلى قصر نوري السعيد رئيس الوزراء للقبض عليه.

ت ـ تكلف الكتيبة الثانية بقيادة المقدم عادل جلال بالتوجه لقاطع الباب المعظم لاحتلال وزارة الدفاع ثم تطويق معسكر الحرس الملكي في الكرنتينة لشله عن الحركة وحصار الديوان الملكي في الكسرة.

ث ـ يعين المقدم فاضل محمد علي قائدًا للكتيبة المدرعة الثالثة المكلفة باحتلال الكرخ بالتعاون مع قطعات منتخبة من معسكر الوشاش الذي يقوده الزعيم عبد الرحمن عارف «شقيق عبد السلام عارف» المكلف بالسيطرة على الشوارع والنقاط المهمة في قاطع الكرخ.

عبد الرحمن عارف امر معسكر الوشاش

ج ـ يتوجه الرائد عبد الجواد حامد الجومرد على رأس سرية خاصة للتوجه إلى منطقة الحرثية لحصار قصر الرحاب حيث يقيم الملك فيصل الثاني، وولي عهده الأمير عبد الإله لاعتقالهما.

د – وبعد إنجاز المهام الرئيسية والتي روعي أن تتم أغلبها بشكل متزامن يتوجه عبد السلام عارف بنفسه لإذاعة البيان الأول.

وبهذه الخطة المحكمة استطاع عبد السلام عارف إحكام قبضته على بغداد، وتوجه إلى مبنى الإذاعة وألقى بيان الثورة.

وعند بدء تحرك القطعات الروتيني بدأ وكان كل شيء يمر بهدود ورتابة كما خططت له القيادة العامة للقوات المسلحة، إلا أن نذر عاصفة عاتية قد هبت بعد مرور القطعات في بغداد بقيادة اللواء أحمد حقي الذي تجاوز بغداد مارا بالفلوجة القريبة حيث نجح الضباط بتنفيذ الخطة للإطاحة بالنظام، وقد تولى العقيد الركن عبد السلام عارف بفاعلية وشجاعة قيادة القطعات الموكلة له منفذا جميع العمليات الموكلة إليه والتي أدت إلى سقوط النظام الملكي، وكتب رسالته الشهيرة لوالده عند الشروع بالحركة طالباً رضاه والدعاء له بتحقيق النصر أو الدعاء له ليتقبله الله شهيدا في حالة وفاته حيث أذاع عارف بنفسه البيان الأول للحركة صبيحة 14 تموز 1958.

في هذه الأثناء كان العميد الركن عبد الكريم قاسم يراقب عن كثب سير الأمور ويشرف على العمليات من مقره في معسكر المنصورية في محافظة ديالى المتاخمة لبغداد، حيث كان قائدًا للواء التاسع عشر الذي لم يكن مخططا ذهابه مع القطعات الذاهبة للأردن، فلما بلغه احتلال عبد السلام عارف لبغداد لحق به وسمع من مذياع سيارته صوت عبد السلام عارف وهو يلقي بيان الثورة، وإعلان قيام الجمهورية العراقية. وبعد سماع النباء بإذاعة البيان الأول، خرجت الجماهير عن بكرة أبيها على شكل موجات هائجة ومظاهرات تأييد ومناصرة تملأ شوارع العاصمة والمدن الأخرى وأصبح العهد الملكي بين ليلة وضحاها من ذكريات الماضي كما أصبح في تلك اللحظات الحرجة مكروها من غلبية فئات الشعب.

ردود الأفعال العربية والدولية

كان وقع الحدث عربيا ودوليا كبيرا وبدرجات متفاوتة حسب مواقف هذه الدولة أو تلك، فتلقت الجمهورية العربية المتحدة النبأ كالصاعقة وبعث قادتها برقيات التأييد والدعم حتى أن عبد الناصر ألقى خطابا خاصاً أعلن فيه أن أي اعتداء على ثورة العراق يعتبر اعتداء على اتحاد «مصر وسوريا» كما أرسل الوفود الرسمية والشعبية لدعم الحركة بضمنها وفد الأحزاب الشعبية بعد أقل من أسبوع داعين ومرحبين لدخول العراق في الاتحاد العربي «الجمهورية العربية المتحدة»،. أما الولايات المتحدة الأميركية فقد أصدرت أوامرها بإنزال قوات الأسطول السادس المتواجد في البحر المتوسط في لبنان للتأهب للدخول إلى بغداد وإعادة النظام الملكي بناء على إستراتيجية أميركية وضعت بشكل بيان سري وقعة الرئيس الأميركي ايزنهاور عام 1952 يتضمن ضرورة تطويق الاتحاد السوفيتي في الشرق الأوسط بعدد من الدول الحليفة والحفاظ على منابع النفط ولو استلزم احتلالها أو إحراقها. أما الاتحاد السوفيتي فقد كان من أوائل الدول التي اعترفت بالجمهورية الجديدة.

أما بريطانيا التي تلقت صفعة كبيرة وهي التي خططت للهيمنة على العراق لفترة ثلاثمائة سنة من خلال تطوير علاقاتها التجارية والعسكرية وإرسال المبعوثين والتجار والجواسيس ودعم الثورة العربية الكبرى وغير ذلك، فكانت تعتبر العراق جزءًا من بقايا مستعمراتها أو الكومنولث، فقد كان وقع الخبر عليها كالصاعقة وباديء الأمر فقدت توازنها السياسي فقامت بإعلان إنذار لقطعاتها العسكرية في الخليج وخصوصا الكويت والبحرين وبإنزال قوات عسكرية أخرى في الأردن بغية التدخل لإعادة الأوضاع في العراق وحماية الأردن من عمل ثوري مشابه، ثم لاحقاً فضلت استخدام سياسة امتصاص الغضب والتخطيط الهادئ للحفاظ على مكانتها ومصالحها في العراق خصوصا النفطية، فاستناداً إلى مركز الوثائق البريطانية تم التوقيع على اتفاقية بموجبها تحافظ بريطانيا على مصالحها في العراق بضمنها استمرار عمل شركات النفط البريطانية. ثم اتفقت بريطانيا مع فرنسا وإسرائيل بلعب أدوار سياسية لتقويض الحركة فأخذت في تفتيت التحالف الثوري والوحدوي، فحرّكت ضدهم التيارات الدينية الإسلامية وأظهرت من خلال وسائل الإعلام الموالية لها الموجهة للتيارات الماركسية والشيوعية بأن اللعبة أمريكية وأدعت للوطنيين ارتباط الحركة بالخارج، وبالفعل بدأ الخلاف يبدأ بين أفراد الشعب العربي والعراقي خصوصا الذي انعكس على قادة الحركة المنتمين إلى تيارات مختلفة.

الشارع العربي يتغنى للثورة بالاناشيد الوطنية والثورية

رحب بالحركة الشارع العربي من غير الرسمي والقوى والفعاليات الجماهيرية في الدول العربية المصنفة ضمن القوى التحررية والوحدوية ورحب بها خصوم الملكية فبعثت تلك القوى ببرقيات التاييد وانطلقت مظاهرات التاييد والقيت الخطب الحماسية في التجمعات والساحات في عموم البلاد العربية كما القيت الاشعار والاغاني التي تغنت «بالثورة» الجديدة وانشد أغلب فناني مصر الاغاني والاناشيد الوطنية والقومية دعما للحركة وحبا بالعراق وشعبه اهما انشودة «بغداد ياقلعة الأسود» و«شعب العراق الحر ثار» لام كاثوم، واناشيد كثيرة للموسيقار محمد عبد الوهاب وشادية وفائزة كامل وكارم محمود وغيرهم تجاوزت خمسة عشر انشودة.

إعلان الجمهورية العراقية

مقالة رئيسية إعلان الجمهورية العراقية

عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء والحاكم الفعلي للعراق

أعلنت الجمهورية العراقية ولأول مرة من خلال البيان الأول للثورة، وكانت هنالك محاولات لصياغة نص البيان الأول ففي المحاولة الفاشلة للتنظيم لقلب نظام الحكم عام 1956 اشترك كل من الشخصيتين المثقفتين الأستاذ محمد صديق شنشل والسيد فائق السامرائي لوضع بعض البنود الخاصة بالبيان الأول للحركة. إلا أن فشل المحاولات السابقة لقلب نظام الحكم الملكي أدت إلى إهمال تلك الصيغة من البيان في حينه. وعند الشروع بالحركة بادر عبد السلام عارف بصفته أحد قادة التنظيم وعضوا في اللجنة العليا، بأن يتبنى صياغة البيان نظرا لاتقانه اللغة العربية، وتمتعه بصوت خطابة جهوري، ونظرا لأنه سيقوم بمهمة تنفيذ «الثورة»، فقد قرر من جانبه وضع البيان وإذاعته عند نجاحه بالسيطرة على مبنى دار الإذاعة العراقية. وبعد نجاحه في السيطرة على بغداد أذاع عبد السلام عارف بنفسه البيان الأول. وأصبح بعد الآن اسم العراق الجمهورية العراقية. وتولى العميد الركن عبد الكريم قاسم منصب رئيس الوزراء ووزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة والعقيد الركن عبد السلام عارف نائب رئيس الوزراء ونائب القائد العام للقوات المسلحة ووزير الداخلية. وتم توزيع الحقائب الوزارية والمسؤليات حسب أدوار الضباط من أعضاء تنظيم الضباط الوطنيين وإسهامهم في الحركة.

نهاية الملكية في العراق

بعد إعلان قيام الجمهورية العراقية يكون النظام الملكي قد انتهى حكمه في العراق، لاسيما وقد سيطر الجمهوريون من أعضاء تنظيم الضباط الوطنيين على مقاليد الأمور في العراق وأحكموا سيطرتهم على جميع المؤسسات والمراكز الحيوية في بغداد والمحافظات ومنها المعسكرين الاستراتيجيين الرشيد في جانب الرصافة والوشاش في جانب الكرخ وبعد السيطرة على وزارة الدفاع والبلاط الملكي والقصر الملكي وقصر نوري السعيد. وقد تم تشكيل محكمة خاصة لمحاكمة رموز العهد الملكي.

الانقلاب الخفي على تنظيم الضباط وتفرد عبد الكريم قاسم في الحكم

في ساحة الإعدام من اليمين الى اليسار : المقدم الركن علي توفيق، المقدم توفيق يحيى، الرائد الركن داود سيد خليل،المقدم مجيد محمد الجلبي، الملازم الأول زكريا طه، المقدم إسماعيل هرمز، الملازم الاول حازم خطاب، النقيب هاشم الدبوني، العقيد رفعت الحاج سري، العقيد خليل سلمان، العميد ناظم الطبقجلي، المقدم الركن عزيز احمد شهاب، النقيب يحيى حسين الحماوي[10]

تميز أسلوب عبد الكريم قاسم في تفرده بالحكم بعدة أشهر معدودات من قيام الحركة وإعلان الجمهورية، تمثّل جليّا من خلال إبعاده لزملائه أعضاء التنظيم والتيارات الوطنية الأخرى المشاركة في الحكم وخصوصا قادة التنظيم وشخوص الثورة وعلى وجه الخصوص عبد السلام عارف ورفعت الحاج سري (الديّن) ونجيب الربيعي وناجي طالب وناظم الطبقجلي وعبد الرحمن عارف وعبد الكريم الفرحان وصبحي عبد الحميد وعبد اللطيف الدراجي ورجب عبد المجيد وعبد الوهاب الشواف وعارف عبد الرزاق وصالح مهدي عماش وإبراهيم الداود وأحمد حسن البكر وحردان عبد الغفار، إضافة إلى الوزراء الذين ينتمون إلى تيارات وطنية مختلفة. وتطوّر الأمر إلى تصفية منافسيه ومعارضيه من زملائه من الضباط الأحرار مثل محاولة إعدام عبد السلام عارف وتنفيذ أحكام الإعدام بقادة التنظيم الآخرين من أمثال ناظم الطبقجلي ورفعت الحاج سري والإجهاز على عبد الوهاب الشواف وهو جريح في المستشفى وإعدام مجموعته. وكان أخطر قرارات قاسم والتي جعلت مصداقيته على المحك، هي اعتقال وإصدار حكم الإعدام بالشخصية الوطنية رشيد عالي الكيلاني باشا.

أما خطواته اللاحقة كانت تتمثل في إفساح المجال للشيوعيين بالسيطرة على الحياة العامة ومركز القرار، حيث استمرت الميليشيات الشيوعية بحملات متواترة مع قرارات المحكمة الخاصة التي كان يديرها المهداوي، لتطهير وتصفية الخصوم ابتداءً من بقايا رموز العهد الملكي وانتهاءً بالتيارات المتنافسة والشخصيات الوطنية والعسكرية على اختلاف توجهاتها إسلامية كانت أم قومية. حيث تصاعدت وتيرة عمليات الاضطهاد وأعمال العنف بأساليب مختلفة كالسحل بالحبال والتعليق على أعمدة الكهرباء ودفن الأحياء حتى بلغت إحصائية الضحايا ما قارب العشرة آلاف مواطن، مما أثار حفيظة المنظمات الدولية والإنسانية، حيث تلقّى رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم برقيات الاحتجاج على أعمال العنف هذه التي كانت تؤججها المحكمة الخاصة بعد كل دورة محكمة. ففي إحدى المقابلات الصحفية أبدى عبد الكريم قاسم تأييده لما يحدث، لأنه شكل من أشكال الحفاظ على السلطة.

فمن جهته كان قاسم وأثناء الحكم الملكي يميل للتكتل مع خلية تنظيم الضباط الوطنيين من ذوي الميول الشيوعية ومن ذوى الانحدار الفلاحي من طبقة ما يسمى بالشروقيين. حيث كان ميّال للسماع عن العقيدة الشيوعية ومعجبا بتجربة الاتحاد السوفيتي. والعديد من المؤرخين والسياسيين يلقون بمسؤولية مقتل الملك وأفراد عائلته والطريقة التي تمّت بها على كاهل هذه الخلية حيث لم يكن مخططا لها من قبل تنظيم الضباط الوطنيين بأن تكون دموية بذلك الشكل. تحول عبد الكريم قاسم من زعيم للثورة إلى زعيم أوحد، وشيئا فشيئا تفرد بالسلطة حتى أصبح «ديكتاتور» جمع بيده كل السلطات، فاستحوذ على مركز صناعة القرار وبدأ بجمع الصلاحيات بيده مجرداً إياها من زملاءه. فأصبح هو رئيس الوزراء ووزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة وكان يتباهى بذلك من خلال مقابلاته ووسائل إعلامه التي نعتته «بالزعيم الأوحد» وتصريحاته التي كان يكرر فيها عن أسلوبه في الحكم «بأنني اعتبر العراق وحدة عسكرية والشعب هم جنودها». وعند نجاح الحركة وقيام الجمهورية، حين كان العمل في القيادة جماعيا قبل تفرده بالسلطة سمحت وزارة الداخلية التي كان عبد السلام عارف وزيرا لها بتأسيس بعض الأحزاب مثل الحزب الإسلامي العراقي وحزب الدعوة الإسلامية، إلا أن عبد الكريم قاسم وبعد حصر الصلاحيات بيده ألغى هذه الأحزاب ولم يفسح المجال لعمل أحزاب جديدة سوى الحزب الشيوعي العراقي الذي شاركه في السلطة.

تم محاكمة الرجل الثاني في الدولة عبد السلام عارف بتهمة الشروع بقلب نظام الحكم عند مجيئه لبغداد على إثر مرض والده والذي توفي على إثره حيث دحض عارف هذه التهم مبرزا البرقية التي بعثها له أخوه عبد السميع حول ضرورة مجيئه الفوري بسبب مرض والده، ثم تمت محاكمة مجموعة العقيد الشواف الذي حاول التمرد على الحكومة في الموصل ولقي حتفه في المواجهات المسلحة وحوكم من معه بالإعدام والسجن حسب دورهم في التمرد. وقد زج معهم العديد من الخصوم السياسيين بغية التصفية السياسية أهمهم مجموعة العميد الركن ناظم الطبقجلي ثم المحاكمة المثيرة للجدل للشخصية الوطنية رئيس الوزراء الأسبق رشيد عالي باشا الكيلاني. وقد هزت تصرفات المحكمة مصداقية النظام الجمهوري الجديد وشوّهت صورته وكانت مؤشرا لمرحله جديدة من الصراع بين التيارات السياسية المختلفة داخل النظام الجديد والتي انتصر في جولتها الأولى عبد الكريم قاسم ضد خصومه من أعضاء تنظيم الضباط الوطنيين وعلى رأسهم عبد السلام عارف وناظم الطبقجلي ومجموعة عبد الوهاب الشواف ثم رشيد عالي باشا الكيلاني. وكانت المحكمة تمثل تيار عبد الكريم قاسم وهو يصفي خصومه من التيارات المعارضة من خلال جلساتها.

التناقض الفكري بين تيارات الضباط الوطنيين والحكومة

برز في حركة 14 تموز 1958 شخصان يتزعمان تيارين مختلفين، هما عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف. كان تيار قاسم مكون من بعض أقاربه وأصدقائه من المدنيين والعسكريين من ذوي الرتب غير الرفيعة تربطهم رابطة الانحدار الاجتماعي الواحد حيث جميعهم من نفس طبقة قاسم، في زمن كانت الطبقية الرأسمالية والإقطاعية قد تجذرت في العراق منذ الحكم العثماني التركي والذي كان يمنح الألقاب الاجتماعية كباشا وبك وأفندي وهانم إلخ، يتمثل هذا التيار بذوي الميول الماركسية وقسم منهم منتمي إلى الحزب الشيوعي وآخر ذو إيمان ماركسي فقط أو من المعجبين بالتجربة الشيوعية، ومن أهداف هذا التيار هو، مع بقاء العراق دولة بعيدة عن أي عمل وحدوي، ذلك لأن من مبادئ الحزب الشيوعي، نقض الأديان والقوميات. وعليه رفع هذا التيار شعار أو سلك سلوك معارض لانضمام العراق إلى الاتحاد العربي المسمى الجمهورية العربية المتحدة، ثم تدريجيا عزل العراق عن محيطه العربي والإقليمي الإسلامي كما سنرى لاحقا. وتم وصم هذا التيار بالتنكر للعهود المقطوعة لتنفيذ الميثاق الوطني لتنظيم الضباط الأحرار وسلك سلوك فوقي ودكتاتوري وأبعد كل من يعارضه من التيار المنافس أو أي صوت يعلو على صوت عبد الكريم قاسم.

أما تيار عبد السلام عارف فكان أغلب عناصره من أعضاء تنظيم الضباط الوطنيين وكان هدفهم هو تنفيذ مبادئ الميثاق الوطني وتطبيق كل ما اتفق عليه الضباط الوطنيون، وأغلب انتماء هذا التيار للفكر العروبي الوحدوي حيث أعلن عن رغبته في انضمام العراق إلى الجمهورية العربية المتحدة والتي كانت تضم مصر وسوريا آنذاك.

حاول بعض قادة العهد الجمهوري الاشتراك في دولة الوحدة بين مصر وسوريا، إلا أن عبد الكريم قاسم انفرد بعد عام بالحكم مبعداً عبد السلام عارف من السلطة، ليحكم العراق طوال خمس سنوات حكمًا فرديًا مطلقًا. وكان مترددًا في سياسته، فأحيانًا يقرِّب إليه الشيوعيين ليضرب بهم القوميين، وأحيانًا أخرى ينقلب عليهم، كما كان مترددًا في سياسته مع الأكراد، حيث أعطاهم بعض الامتيازات التي قررتها الحركة عند قيامها عندما كان العمل جماعيا تنفيذا لمقررات الميثاق الوطني لتنظيم الضباط الوطنيين، ثم اصطدم بهم بعد ذلك بعد تفرده، مما أدى إلى قيام الثورة الكردية عام 1961.

يعتقد بعض المؤرخين أنه ومنذ الأيام الأولى للحركة التي أطاحت بالنظام الملكي بدأ يظهر التناقض الفكري بين عارف وقاسم وعمّق ذلك سياسات كل من الطرفين غير المتحفظة تجاه الطرف الآخر والتي أدت إلى التنافس على زعامة الحركة فيما بينهما، حيث ما لبث أن حصل الخلاف بين عارف وقاسم بسبب تناقض انتماءات الطرفين وبسبب ما اعتبره عبد السلام عارف تفرد العميد عبد الكريم قاسم بالحكم وعزل العراق عن محيطه العربي والإسلامي وكذلك بسبب بعض الأحداث المؤسفة في الموصل وكركوك التي أعطى فيها عبد الكريم قاسم الضوء للمليشيات الشيوعية الملتفة حوله للسيطرة على المحافظتين بسبب حركة عصيان العقيد عبد الوهاب الشواف وسلوكيات محكمة الثورة التي استهانت بالمتهمين واستغلت الحركة كذريعة لمحاكمة وتصفية خصوم قاسم مثل رشيد عالي الكيلاني باشا والعميد ناظم الطبقجلي وغيرهم. أدى هذا الخلاف الحاد إلى إعفاء عبد السلام عارف من مناصبه عام 1959، وأُبعد بتعينه سفيراً للعراق في ألمانيا الغربية، وبعدها لفقت له تهمة محاولة قلب نظام الحكم، فحكم عليه بالإعدام ثم خفف إلى السجن المؤبد ثم بالإقامة الجبرية لعدم كفاية الأدلة مما أدى إلى انتصار رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم في الجولة الأولى ضد خصمه العنيد بإبعاده عن مسرح السياسة قابعاً تارةً في السجن ينتظر يوم إعدامه، ورازحاً تحت الإقامة الجبرية في منزله تارةً أخرى حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.

تعثر أداء الحكومة

بعد نجاح الحركة مباشرةً اشترك قادتها في تولي المهام والمسؤوليات بدافع من المصلحة العامة لبناء العراق بعد تركة كبيرة من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي ورثها العراق عن الحكم الملكي، وساهم الجميع وعلى قدم المساواة في بناء بلدهم بروح من الأخوية والزمالة التي امتزجت معها ساعات النضال المخمضة بدماء من سبقوهم، بالحماسة الثورية للشباب بالمهام والآمال المعقودة لتحقيق تطلعاتهم التي طالما حلموا وحلم الشعب بها. ولكن وكما قيل لا تجري الرياح بما تشتهي السفن، بعد اختلاف قادتها وبروز العميد عبد الكريم قاسم كقائد أوحد في إدارة دفة سفينة الحكم، خبى إشعاع الحركة كثورة وبريقها الأول وخصوصا بعد سلسلة أخطاء غير محسوبة العواقب ارتكبها عبد الكريم قاسم.

لقد بدلت الثورة معالم العراق بشكل جذري وغيرته من نظام قبلي إلى نظام معاصر، وقضت على نفوذ الإقطاع وجرت إصلاحات جذرية مثل سن قانون الإصلاح الزراعي رغم معارضة بعض الشرائح لأسلوب تنفيذه والذي نقل الفلاح من العبودية إلى التملك والقيام بحملات كبيرة في قطاع التعليم والصحة، وبناء الأحياء السكنية للفلاحين والكسبة.

الزعيم الأوحد

تحول عبد الكريم قاسم من زعيم للثورة إلى زعيم أوحد، وشيئا فشيئا جمع بيده كل السلطات، فاستحوذ على مركز صناعة القرار وبدأ بجمع الصلاحيات بيده مجرداً إياها من زملاءه. فأصبح هو رئيس الوزراء ووزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة وكان يتباهى بذلك من خلال مقابلاته ووسائل إعلامه التي نعتته «بالزعيم الأوحد» وتصريحاته التي كان يكرر فيها عن أسلوبه في الحكم «بأنني اعتبر العراق وحدة عسكرية والشعب هم جنودها». وعند نجاح الحركة وقيام الجمهورية، حين كان العمل في القيادة جماعيا قبل تفرده بالسلطة سمحت وزارة الداخلية التي كان عبد السلام عارف وزيرا لها بتأسيس بعض الأحزاب مثل الحزب الإسلامي العراقي وحزب الدعوة الإسلامية، إلا أن عبد الكريم قاسم وبعد حصر الصلاحيات بيده ألغى هذه الأحزاب ولم يفسح المجال لعمل أحزاب جديدة سوى الحزب الشيوعي العراقي الذي شاركه في السلطة.

التفرد والانعزال

مما تم القيام به من به من خطوات إضافية نحو التفرد والانعزال:

  • لم يمنح قاسم مجلس السيادة صلاحيات بل أحاله إلى واجهة شكلية ليس بيدها لا سلطة تنفيذية ولا تشريعية.
  • وقف حائلاً أمام انتخاب رئيس الجمهورية، وبقي المنصب معلقاً في عهده.
  • كما عطل تأسيس المجلس الوطني لقيادة الثورة كما كان متفقاً عليه في تنظيم الضباط الوطنيين «الأحرار».
  • وحل مجلسي النواب والأعيان للحكم الملكي، ولم يفسح المجال لانتخاب مجلس نواب جديد.
  • أصدر أحكام إعدام وسجن لغرض التصفية السياسية بحق قيادات حركة/ثورة 1958 من زملاءه وأعضاء تنظيم الضباط الوطنيين.

شملت التصفيات أي شخصية وطنية يعلو صوتها على صوت عبد الكريم قاسم، فلفق التهم لبعضهم وزجهم في السجون وأعدم البعض الآخر مستغلا حركة عبد الوهاب الشواف الانقلابية كذريعة لهذه التصفيات، أما الذين قاموا فعليا بالحركة فقد تم قتلهم مباشرة بالقصف المباشر بالطائرات، والبعض الآخر أحيلوا إلى المحكمة الخاصة «محكمة الشعب» حيث تم زج الكثيرين ممن ليس لهم علاقة بحركة الشواف وتعذيبهم ثم إعدامهم. ومن أبرز المعدومين العميد الركن ناظم الطبقجلي والعقيد رفعت الحاج سري الدين ومجموعة من رفاقهم، وإصدار أحكام الإعدام التي لم ينفذها بسبب الضغوطات الشعبية بحق كل من الشخصية الوطنية رشيد عالي الكيلاني باشا والعقيد الركن عبد السلام عارف.

وبدأ يعمل على عسكرة الدولة من خلال السيطرة على الشركات والمؤسسات العامة بواسطة تعيين ضباط من الجيش مدراء لها، وقد ركز اهتمامه على تقوية وتطوير المؤسسة العسكرية وأهمل تنمية القطاع الاقتصادي. حيث تميز شكل دولة العراق بالحكومة العسكرية التي طبقت الأحكام العرفية العسكرية على الشارع والحياة المدنية. فكان الحاكم الفعلي للعراق ليس مجلس الوزراء أو مجلس السيادة بل الجيش من جهة والشيوعيون من جهة ويترأسهم عبد الكريم قاسم.

ثم جاء تشكيل المحكمة العسكرية الخاصة العليا أو ما اشتهرت باسم محكمة المهداوي التي وصفت بكونها محكمة «هزلية» أو «سيرك المهداوي»، شكلت أساسا لمحاكمة أركان النظام الملكي وأيضا جيء بالكثير ممن ليس لهم علاقة بمركز القرار وأعدم الكثيرين بمجرد أنهم كانوا مسؤولين في النظام الملكي. يرى المعارضون لطريقة سير تلك المحكمة أن المحكمة وبسبب رئيسها المقدم فاضل عباس المهداوي وادعائها العام العقيد ماجد محمد أمين كانت منبرا وواجهة إعلامية للحكومة واستخدمت فيها وسائل تعذيب وإهانة الموقوفين وكثيرا ما كان رئيس وأعضاء المحكمة ينحدرون بالسباب والشتائم وتلفيق التهم بالشبهة وأثناء البث المباشر على شاشات التلفزيون.

كما أدى فسح عبد الكريم قاسم المجال للحزب الشيوعي ومليشياته بالعبث بأمن الدولة والمواطنين وتمكينهم من المناصب الهامة في الوزارة والجيش ومستشارية لاخر يوم في نظام حكمه مثل العميد الطيار جلال الدين الأوقاتي الذي قتل صباح يوم الحركة وطه الشيخ مدير العمليات في وزارة الدفاع وفاضل المهداوي رئيس المحكمة الخاصة الذين اعدما معه. كما قامت المليشيات الشيوعية المسماة بالمقاومة الشعبية بارتكاب أعمال عنف مؤسفة كقتل وتعذيب معارضيهم وسحل الكثيرين بالشوارع وتعليقهم على أعمدة الكهرباء. والقيام بمداهمة واحتلال المنازل والمؤسسات الحكومية والمعسكرات والعبث بها بمساعدة العامة من الدهماء كما حدث من مجازر وتجاوزات على حقوق الإنسان في الموصل وكركوك ومن أبرز رموزها «قطار الدم» المسموم. كما عبثوا في سياسة الدولة الداخلية والخارجية ومنعوا أي تقارب مع الدول العربية أو تحقيق اية وحدة عربية والتي كانت حلم الجماهير التي تعتبرها ضرورة للوقوف بوجة القوى الكبرى للنيل من الثورة.

واجه قاسم انتقادات من المراجع الدينية المحافظة التي لم تكن مع بعض القرارات التي كانت تعتبر تغيرات جذرية سريعة نحو العلمانية في دولة لا تزال تتمسك بالعرف الديني والعشائري ومن أشهر هذه القرارات قانون الأحوال الشخصية الذي ضمن للمرأة حقوقا واسعة بعيدة عن التشريع الإسلامي ومستوحاة من الفكر الماركسي وقانون الإصلاح الزراعي حيث انتزع الأراضي من مالكيها ووزعها على الفلاحين والمهاجرين من الشروقيين والذي أصدرت المراجع الدينية الشيعية بضمنها الحوزات الدينية الشيعية والمراجع السنية بيانات شجبها ومنافاتها للشريعة الإسلامية. ولعل أبرز إنجازات «الزعيم الأوحد» هو إقامة ما سمي بمدينة الثورة وإسكان الشروق والمنبوذين فيها لاستخدامهم كلاباً وفية لتحقيق مآربه ومآرب قائد السيرك الأكبر المهداوي.

استغلاله لمنصبه بتولية المناصب الهامة لأفراد عائلته واصدقائه واقاربه دون وازع من الكفائة أو المهنية حيث نصب ابن خالته المقدم فاضل عباس المهداوي بمنصب رئيس المحكمة العسكرية العليا الخاصة. كما ميز بعض افراد عائلته بمنح اشقائه وشقيقاته الدور السكنية الراقية مجانا مع كبار القادة العسكريين وجعل أخيه الكاسب المعدم المتنفذ الملقب ب «البرنس» حامد قاسم مشرفا على توزيع اراضي الإصلاح الزراعي على الفلاحين والتي جمع منها اموالا طائلة أصبح على اثرها من الاثرياء حيث اقر بذلك بعد الإطاحة بحكومة قاسم أثناء محاكمته وسجن لمدة عامين وظهر بعد فترة من كبار تجار العراق «رشح نفسه لرئاسة غرفة تجارة بغداد عام 1968».

لم يؤمم نفط العراق في ظروف مواتية بعد تعالي الصيحات المنادية بالتأميم وذلك بعد تأميم إيران «مصدق» للنفط ومصر «عبد الناصر» لقناة السويس. واكتفى كبديل بتبني اقتراح وزارة النفط باصدار القانون رقم 80 الذي فسح المجال للعراق باستكشاف حقول نفطية جديدة.

ميوله الطائفية والعرقية بتفضيل طائفة على أخرى وقومية على أخرى حيث استغل قانون الإصلاح الزراعي وانتزع الأراضي العقارية من مالكيها ووزعها على الفلاحين والمهاجرين الشروقيين وذلك لانتماء اسرته لهذه الفئة. كما دعم المهاجرين الذين كانوا يعملون فلاحين لدى الإقطاع وساواهم بالفلاحين العرب العراقيين ووهبهم الأراضي الزراعية والدور السكنية ليضمن دعمهم له.

نقضه لقرار تنظيم الضباط الأحرار والميثاق الوطني بحل القضية الكردية والتي تم اتخاذ اجراءات لحلها عندما كان العمل جماعيا بداية الحكم الجكهوري وتمثل بدعوة الشخصية الكردية الملا مصطفى البارزاني للعراق، إلا أن وبعد تفرد قاسم ضرب الأكراد والب عليهم العشائر العربية في الموصل وكركوك لاضطهادهم والتنكيل بهم وارسل القطعات العسكرية للنيل منهم عام 1961 بما يعرف بالثورة الكردية.

التعثر في السياسة الخارجية وتردي العلاقات مع القاهرة

انظر موقف الحكومة المصرية من حكومة عبد الكريم قاسم

لم تكن سياسة قاسم الخارجية مبنية على أساس واضح المعالم منطلقة من أساس فكري ولا من برنامج عمل منظم، فقد تميزت بالكيفية والمزاجية منطلقة من «الانا» أو النرجسية الذي ميزت حقبة قاسم انعكس ذلك بشكل قوي في وضع نفسه بشكل منافس ومعارض ثم خصم وند للرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي كان يتمتع بشعبية كبيرة ليس في مصر فقط بل في العراق ومجمل بلدان الوطن العربي, لأسباب تتعلق بنجاحه في قيام الجمهورية في مصر وتحويلها إلى بلد مناهض للهيمنة الغربية وقيامه بتاميم قناة السويس عام 1956 وصد العدوان الثلاثي ودعوته لقيام اتحاد عربي باسم الجمهورية العربية المتحدة. حاول قاسم الظهور بمظهر زعيم الامة العربية حيث حاول منافسة عبد الناصر بدعم ثورة الجزائر ودعم المغرب وطالب بضم الكويت ليس بصيغة الوحدة العربية المتكافئة بل بأسلوب ضمها إلى العراق عندما أرسل برقية إلى شيخ الكويت في 20/6/1961 يبلغه بها إلغاء اتفاقية 1899 الموقعة بين بريطانيا وقائمقام الكويت، ابلغه ان الكويت أرض عراقية وقد عقد مجلس الوزراء العراقي عدة جلسات لمناقشة كيفية احتلال الكويت، الاان طلب بريطانيا تعليق الموضوع حسم الموقف لاسيما وان القوات البريطانية كانت رابضة على مقربة من الكويت في البحرين. اما الكويت فمن جانبها قدمت شكوى للجامعة العربية التي قررت حلها ضمن اروقة الجامعة العربية مما أدى إلى امتعاض قاسم و«زعله» حيث لم يجد صدى لزعامته العربية فقرر الانكفاء وعزل العراق عن محيطه العربي والإسلامي.

وقد غلبت على سياسته الخارجية بتبني مواقف مناقضة أو منافسة لسياسة عبد الناصر حيث الغى عبد الكريم قاسم عضوية العراق في جامعة الدول العربية واسائت علاقات العراق مع أغلب الدول العربية لأسباب غامضة. واخذ بدلا عن ذلك بتنمية علاقاته مع المعسكر الشيوعي بنائا على مشورة الحزب الشيوعي الذي طالما لعب دورا في سياسة قاسم الداخلية والخارجية.

ومن العوامل الأساسية لعزل العراق عن محيطة الإقليمي العربي والإسلامي هي عدم ايمانه بالوحدة العربية ولا بالشريعة الإسلامية واعتراضه على الانضمام إلى الاتحاد العربي المسمى الجمهورية العرابية المتحدة عام 1958 عند زيارة وفد شعبي من الجمهورية العربية المتحدة للعراق للتهنئة والمساندة والدعوة للانضمام للاتحاد إلى احباط كبير لدى المواطن العراقي واعضاء تنظيم الضباط الوطنيين «أو الأحرار» ذلك لانهم اقسموا جميعا عند نجاح الثورة بان يسعوا لانظمام العراق للاتحاد. وكانت مقولة عبد الكريم قاسم لها اثرها السلبي في النفوس وهو في مستهل تبوئه لمنصب رئاسة الوزراء ولم تكن هنالك أي مشكلات سياسية بين بغداد والقاهرة، عندما قال «لن اكون تابعا لاحد» مما أدى برئيس الاتحاد جمال عبد الناصر بادلائه بتصريح قال فيه «على الرغم من أن ميثاق الجمهورية العربية المتحدة ينص على إجراء الانتخابات الحرة لاختيار رئيس الاتحاد الا انني ومن موقعي هذا اتنازل عن رئاسة الاتحاد لفسح المجال امام العراق بلانظمام للجهورية العربية المتحدة مثلما تنازل من قبل الاخ الرئيس السوري القوتلي وبهذه المناسبة اتشرف بدعوة الاخ رئيس الوزراء العراقي الزعيم عبد الكريم قاسم لزيارة القاهرة لترتيب توليه رئاسة الاتحاد».

كان لهذا التصريح صدى كبير في الشارع العراقي والعربي إلا أن عبد الكريم قاسم مرة ثانية صرح باجابه محبطة قائلا «لن اذهب إلى القاهرة ربما سيتم خطفي اوقتلي». فاحس المواطن هنالك سياسة مبيتة مبنية على الإصرار بالابتعاد عن المحيط العربي. وتعزز هذا الاعتقاد عند تنامي الخلافات مع دول العربية المحيطة بالعراق حيث بدأت تسوء العلاقات بين عبد الكريم قاسم والعاهل السعودي فيصل والرئيس السوري القدسي «قبل مجيء البعثيين لسوريا» والملك حسين بن طلال عاهل الأردن والرئيس المصري عبد الناصر علاوة على أمير الكويت الشيخ عبد الله السالم الصباح حيث دعا إلى ضم إمارة الكويت والتي قررت بريطانيا الانسحاب منها بعد أن كانت تحت وصايتها. وفي عام 1961 وبعد تنامي عزله العراق عن الدول العربية والإسلامية، قرر عبد الكريم قاسم الانسحاب من الجامعة العربية، وعوضا عن ذلك بدأ ينمي علاقاته مع تركيا وإيران ومنظومة الدول الشيوعية بزعامة الاتحاد السوفيتي. وقد واجهت حكومة الجمهورية العربية المتحدة سياسة رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم وتصريحاته المتكررة عن وجود مؤامرة من دولة الاتحاد المصري السوري لتخريب العراق وذلك من خلال سلسلة مقالات وتصريحات أهمها سفير العراق لدى القاهرة فائق السامرائي الذي استقال من منصبه احتجاجا على «سياسة حكومته المتخبطة»،والرسائل المفتوحة التي ارسلتها القاهرة إلى بغداد عن طريق جريدة الأهرام بقلم رئيس تحريرها الإعلامي محمد حسنين هيكل.

انظر نص كلمة عبد الناصر في26/11/1959 يرد على اتهامات عبد الكريم قاسم :افتح الجزء الثاني لسماع تسجيل الكلمة بهذا الصدد. نص الوصلة

كان عبد الكريم قاسم دائم التدخل في أعمال وزير الخارجية هاشم جواد الذي لم يتميز بالدبلوماسية والعمق السياسي، وحيث واجهت سياسة العراق الخارجية عدة أزمات خطيرة، كان من أهمها الأزمة التي أثارها مع الكويت عند استقلالها في 19 يونيو/ تموز 1961، حيث طالب بضم الكويت إلى العراق، ولكن الجامعة العربية استطاعت أن تسيطر على الأزمة وتحتويها لتُحل في إطار عربي مما أدى إلى «زعل» قاسم وانفعاله مقررا سحب عضوية العراق من الجامعة العربية وقطع علاقاته الدبلوماسية مع العديد من الدول العربية التي وقفت مع الحل العربي, وقد عزلت هذه الأزمة العراق وظهر بمظهر المتخبط في السياسة الخارجية.

إلا أن دار الوثائق البريطانية قد كشفت عن العديد من الوثائق السرية عن ابرام عبد الكريم قاسم لعدد من الاتفاقات وأهمها المعاهدة مع بريطانيا والخاصة برعاية المصالح البريطانية باعتبارها الدولة العظمى في ذلك الوقت وذات الوصاية الاستعمارية السابقة على العراق، ولقاءاته السرية مع السفير البريطاني التي وصلت إلى حد زيارته بالزورق البخاري من الباب الخلفي للوزارة المطل على نهر دجلة حيث كانت السفارة البريطانية تقع في الجهة المقابلة للنهر في منطقة الشواكة، وقد اشار مؤسس تنظيم الضباط الوطنيين «الأحرار» رفعت الحاج سري الدين أثناء محاكمته بانه يطلب من المحكمة ان تسال الحكومة ورئيسها، لمصلحة من تعقد الاجتماعات وتبرم المعاهدات السرية مع السفارة البريطانية. وبعد نجاح حركة 8 فبراير / شباط 1963 كشفت الصحف في حينها بعض من هذه الاتفاقيات.

الإضرابات اليومية

وبسبب تفاقم الوضع الداخلي الاقتصادي والاحتقان الاجتماعي والسياسي بسبب ابعاد وتنحية أعضاء تنظيم الضباط الوطنيين وعدم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في ميثاق العمل الوطني للتنظيم وسلسلة الإعدامات للشخصيات المعروفة والوطنية وتداعيات المحكمة العسكرية وأسلوبها المهين وسياسة الحكومة وممثليها من الوزراء في قمع القوى المعارضة، وتبني الإجراءات وقرارات القريبة من التطبيقات الشيوعية كقانون الأحوال الشخصية ومصادرة الأراضي الزراعية ذات الملكية الصرفة من اصحابها وتوزيعها على الفلاحين الذين يعملون لديهم بالاجرة، علاوة على تمكين المليشيات والتنظيمات الشيوعية من الحكم والتي كانت تتصرف بأسلوب استفزازي بعم احترامها للمشاعر الدينية في المناسبات المقدسة واهانة رجال الدين والمصحف الكريم من خلال ممارساتها اليومية ومن خلال المسيرا والمظاهرات ذات الطابع الاستفزازي التي عرفوا بها مما أدى إلى امتعاض العديد من المرجعيات الدينية من كافة الطوائف والأديان.وكذلك بسبب تخبط الحكومة في السياسة الخارجية التي توجت بعزل العراق عن محيطه العربي والإسلامي بعد قطع العراق لعلاقاته الدبلوماسية مع العديد من الدول العربية ومنها دول الجوار العربي، وقرار رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم الارتجالي بسحب عضويته من الجامعة العربية، مما أدى إلى ايقاف برامج التعاون واتفاقيات المبرمة والخاصة بالعديد من الجوانب التجارية والاقتصادية والاستيراد والتصدير وغيرها. وكذلك أيضا بسبب سياسة الحكومة بعزل العراق دوليا من خلال اقتصار العلاقات الدولية مع الاتحاد السوفيتي ومنظومة الدول الشيوعية المتحالفة معه، كل تلك العوامل وغيرها اججت مشاعر الجماهير والطبقات المثقفة التي انطلقت في إضرابات يومية متخصصة، كإضراب المعلمين ثم إضراب الطلبة ثم إضراب العمال ثم إضراب الموظفين وهكذا، وأصبح نظام الحكم مترنحا وقاب قوسين أو أكثر من الانهيار، جراء عزلته الداخلية والخارجية، ولم يبقى مع النظام سوى المليشيات الشيوعية، وبعض القطعات العسكرية من التي تدين بالولاء لشخص رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم، وبعض الطبقات الفلاحية من المستفيدين من حكمه بسبب ما قدمه لها من امتيازات.

حركة 8 شباط وسقوط حكومة عبد الكريم قاسم

تحالف عدد من القوى السياسية والعسكرية من أعضاء تنظيم الضباط الوطنيين لحركة تموز 1958 كالتيارات المختلفة لحزب البعث وبعض التنظيمات والشخصيات القومية والمستقلة، مع بعض الشخصيات العسكرية من الأعضاء السابقين لتنظيم الضباط الوطنيين لحركة 14 تموز 1958 والذين أعادوا تفعيل التنظيم مجددا وقيادات عسكرية أخرى من المعارضين لسياسة عبد الكريم قاسم، وقامت بحركة لقلب نظام الحكم في 8 شباط 1963، وأصبح المشير عبد السلام عارف رئيسا رمزياً للجمهورية واللواء أحمد حسن البكر أحد زعماء حزب البعث البارزين رئيساً للوزراء. وتم تشكيل محكمة خاصة عاجلة كان لتيار علي صالح السعدي المتشدد في البعث أثره في إصدار أحكام الإعدام برئيس الوزراء عبد الكريم قاسم ورفاقه.

تقييم حركة 1958

بغية تقييم الدروس المستخلصة من قيام ثورة 1958 وادائها والمنجزات التي حققتها والإخفاقات المحسوبة على ادائها لابد من الرجوع إلى الإطار النظري الذي تضمن مباديء تنظيم ضالضباط الوطنيين «أو الأحرار» ومقررات محاضر جلساته حول ما المطلوب من «الثورة» وماهي سياسة الجمهورية العراقية داخليا وخارجيا. ومن الذي سيحكم العراق وما هي معايير الحكم.

لتقييم حركة 1958، لابد من وقفة استباقية لتقييم أداء الحكم الملكي، ومن ثم التعرف على حيثيات الأحداث والغطاء الشرعي للحكم الجمهوري، وهل من الضرورة أساسا قيام الحركة ام لا. بعد ذلك يمكن الدخول في موضوع تقييم حركة 1958 وادائها.

فالحكم الملكي ومنذ تأسيسه كان يحمل بين جنباته النقيضين النزعة الوطنية من جهة وممالاة النفوذ البريطاني والمستعمر السابق ذو اليد الطولى في العراق والمنطقة من جهة ثانية. ويتجاذب هاذان النقيضان استناداً لاهواء هذا الملك أو ذاك أو انتماءات وبرامج هذه الوزارة أو تلك.، وعلى هذا الأساس يمكن تقسيم فترة حكم النظام الملكي إلى حقبتين متعارضتين في التوجهات السياسة والعقائدية والبنى الإستراتيجية. فتمثلت الحقبة الأولى- أو المملكة العراقية الأولى بكونها فترة تأسيس الدولة العراقية بالنزعة الوطنية وحركة لبناء والعمران المتسارعة، فقد عرف الملك فيصل الأول 1921 – 1933 برجاحة عقلة ودبلوماسيتة في سياسته الداخلية والخارجية خصوصا مع الإنجليز إلا أن توجهات الملك غازي الأول 1933 – 1939 الوطنية والأكثر صرامة ومن ثم وزارة رشيد عالي الكيلاني باشا 1941 المناهضة للمد البريطاني.

أما الحقبة الثانية – أو المملكة العراقية الثانية، فتتمثل في مرحلة ما بعد خروج القوات البريطانية في اعقاب الحرب العالمية الثانية، وإسقاط حكومة الإنقاذ برئلسة الكيلاني باشا. حيث استهلت بتشكيل نوري السعيد باشا لوزارته بوطنيته من جهة وولائه للحكومة البريطانية من جهة أخرى، وتميزت هذه الحقبة بولاية الوصي على العرش سمو الأمير عبد الإله الهاشمي ومن بعده الملك فيصل الثاني.حيث اتسمت حركة التنمية بوتيرة منخفضة، فسادت اجواء التخلف وتباطوء حركة البناء والعمران تحول الحياة السياسية إلى حالة من الركود حيث انتابت الحركة النيابية الجمود وأصبح البرلمان لعبة بيد مراكز القوى السياسية كنوري السعيد وعبد الإله، اما الأحزاب والقوى الوطنية فقد انحسر دورها، وطفت على السطح الأحزاب الشكلية الخاوية من ايديولوجيات أو برامج العمل. كما اتهم الحكم الملكي باضطهاد الأحرار والوطنيين من قادة الثورة الوطنية في مايو / مايس 1941 واصدار احكام الإعدام بحقهم، وربط العراق باحلاف سياسية ومعاهدات جائرة مع بريطانيا مست سيادته وهدرت ثرواته الوطنية، دون النظر إلى المصلحة العراقية الوطنية. كما كانت تتهم حكومات وزعامات الحكم الملكي بفساد النخبة السياسية من غير الملك وعائلته، وانتشار المحسوبية والفساد الإداري والمالي. وكذلك يؤخذ على الحكم الملكي عدم حل المشكلات الداخلية كالتلكوء بمنح الاقليات الحقوق الثقافية، على الرغم من الإسهام السياسي الواسع للاقليات العرقية والطائفية في الحكم.

وعلى الصعيد الخارجي اثرت السياسات والصراعات الداخلية على المواقف العربية، فبدأ الحكم الملكي يتخذ مواقف هدفها تنفيذ المصالح البريطانية في المنطقة على حساب مصالح بعض الدول العربية كعدم الجدية في الوقوف مع القضايا العربية التي تمس الأمن الوطني العراقي كإنشاء «إسرائيل» على أرض فلسطين وخسارة الحرب الفلسطينية الأولى عام 1948، على الرغم من المشاركة الواسعة والفاعلة للجيش العراقي، إلا أن تدخل الحكومات قوض النصر الحاسم في المعركة.، وكذلك عدم الجدية بالوقوف مع مصر في العدوان الثلاثي عليها وحملة العداء على سوريا والتوتر مع السعودية.

اتفق الضباط الوطنيين على جملة مباديء تم صياغتها في ميثاق العمل الوطني من أهمها،تشكيل مجلس السيادة ليتراس الدولة بصورة مؤقتة، يتمتع بسلطة رئيس الجمهورية وبكامل صلاحياته، ريثما يتم استفتاء الشعب وخلال ستة أشهر لانتخاب منصب رئيس الجمهورية ويضم أعضاء من تنظيم الضباط الوطنيين وعضوية شخصيات وطنية.

وأهم المباديء التي اقرها التنظيم هي، ضرورة اعلان الجمهورية وإلغاء الملكية وتشكيل حكومة من الضباط والسياسيين الوطنيين من مختلف الفئات والتيارات الممثلة للمجتمع العراقيوكذلك اعلان تشكيل مجلس تشريعي يدير البلاد باسم المجلس الوطني لقادة الثورة ويكون في عضويته تنظيم الضباط الوطنيين واعلان حل مجلسي النواب والأعيان والدعوة لانتخابات برلمانية جديدة لانخاب أعضاء جدد للمجلسين إضافة إلى فسح المجال للاحزاب الوطنية بالعمل على والتمسك بالوحدة الوطنية العراقية الكاملة لكافة الأعراق والطوائف والقوميات بشكل متاخي من خلال منح حقوق جميع فئات الشعب الحقوق الثقافية كما اكدوا على مبدأ الأخوة مع الدول العربية والإسلامية.واعلنوا بان العراق يسعى إلى تحرير اقتصاده من خلال تأميم ثرواته وخصوصا النفطية وان العراق دولة من دول عدم الانحياز ولا يتكتل أو يتحالف مع أي من القوى العظمى ومناهضة المد الشيوعي التواق للهيمنة على العالم سياسيا واقتصاديا كما أعلن قادة الحركة بان الجمهورية العراقية تكفل حرية العمل الصحفي وذلك بمنح الصحف والاجنبية المحلية بالعمل.كما يحترم العراق حق الأديان ويعتبر الإسلام أساس التشريع في الدولة والقانون.

انظر ميثاق العمل الوطني

وعند الاطلاع على مقدار ما تم تحقيقه من لتلك المباديء التي اتفق عليها تنظيم الضباط الوطنيون أو على الأقل المشاركين منهم في الحركة سنجد بانه لم يتحقق منها سوى النزر اليسير وقسم آخر تحقق بشكل مشوه عما اجمع عليه. ربما مرد ذلك للخلافات والصراعات الايديولوجية وحب الهيمينه لدى غالبية قادة الحركة والتي لم تكن ظاهرة أثناء العمل السري للتنظيم ابان الحكم الملكي. فعند قيام الثورة اشترك قادتها على قدم المساواة لبنائها ولكن بعد اختلاف قادتها وبروز العميد عبد الكريم قاسم كقائد اوحد في إدارة دفة سفينة الحكم خبى اشعاع الثورة وبريقها الأول وخصوصا بعد ساسلة اخطاء ارتكبها غير محسوبة العواقب.بدلت الثورة معالم العراق بشكل جذري وغيرته من نظام قبلي إلى نظام معاصر، وقضت على نفوذ الإقطاع وجرت إصلاحات جذرية مثل سن قانون الإصلاح الزراعي رغم معارضة بعض الشرائح لأسلوب تطبيقه، والذي نقل الفلاح من العبودية إلى التملك والقيام بحملات كبيرة جدا في قطاع التعليم، وبناء الأحياء السكنية. وعلى هذا الأساس يمكن تقييم أداء حكومة الحركة بتقسيم فترة حكم الحركة إلى فترتين للوقوف على الحقائق بشكل موضوعي ومنصف وكما يلي:

1.أداء حكومة الحركة أو «الثورة» من إعلانها في 14 تموز 1958 ولغاية نيسان عام 1959، حين كان العمل جماعيا للقادة المنفذين للحركة من أعضاء تنظيم الضباط الوطنيين. حيث تم اقرار الكثير من المنجزات لصالح الوطن وفئات المجتمع بشكل عام. كان لحركة أو ثورة 1958 عميق الاثر على واقع العراق الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والتنموي كما كان لها الاثر الهام في منطقتها العربية وأهم منجزاتها الخروج من حلف السنتو وتبني منهج تقدمي مناصر لحركات التحرر العربية والاجنبية، وقامت الثورة بحملة من الاعمار والبناء.

2.أداء الحكومة لما بعد نيسان عام 1959 حيث تركزت السلطات بيد رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم بعد اقصاء باقي زملاءه من الحكم واعدام البعض الآخر. مما تسبب تردي الوضع الداخلي بسبب عدم تنفيذ مبادئ الميثاق العمل الوطني للتنظيم وقمع القوى المعارضة، والانحياز للمليشيات والتنظيمات الشيوعية والتطبيقات الشيوعية في الحكم وتخبط الحكومة في السياسة الخارجية التي توجت بعزل العراق بعد قطع علاقاته الدبلوماسية مع العديد من الدول العربية، وقرار رئيس الوزراء بسحب عضويته من الجامعة العربية، مما تسبب بتاجيج مشاعر الجماهير التي انطلقت في إضرابات يومية سرعت من انهيار النظام في حركة 1963. وكما لكل حركة إيجابيات، فإن لها أيضا سلبيات. منها فسح المجال للتيارات الشيوعية بالسيطرة على الحياة العامة ومركز القرار.والطريقة التي تم بها القضاء على العائلة الملكية من قبل تلك التيارات المتداخلة في الجيش، حيث لم يكن مخططا لها أن تكون دموية. تعرض رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم لانتقادات عديدة من رفاقه في تنظيم الضباط الوطنيين ومن خصومه، فمارس الفردية والدكتاتورية بامتياز وكان يتباهى بذلك من خلال مقابلاته ووسائل اعلامه التي نعتته «بالزعيم الاوحد» وتصريحاته التي كان يكرر فيها عن أسلوبه في الحكم «بانني اعتبر العراق وحدة عسكرية والشعب هم جنودها» ومحاولة إبعاد خصومه وتصفيتهم وحملات الإعدام والتنكيل بالمعارضين وإبعاد العراق عن محيطه العربي من خلال معارضته لاي مشروع وحدوي مع الاقطار العربية المجاورة تلك الرغبة التي كانت حلم الجماهير وقتذاك والتي كانت ترى فيها أيضا حماية الثورة من مناهضيها كبريطانيا وإسرائيل. وادى اعتراضه على الانضمام إلى الاتحاد العربي المسمى الجمهورية العرابية المتحدة عام 1958 عند زيارة وفد شعبي من الجمهورية العربية المتحدة للعراق للتهنئة والمساندة والدعوة للانضمام للاتحاد إلى احباط كبير لدى المواطن العراقي واعضاء تنظيم الضباط الوطنيين «أو الأحرار» ذلك لانهم اقسموا جميعا عند نجاح الثورة بان يسعوا لانظمام العراق للاتحاد. وكانت مقولة عبد الكريم قاسم لها اثرها السلبي في النفوس وهو في مستهل تبوئه لمنصب رئاسة الوزراء ولم تكن هنالك أي مشكلات سياسية بين بغداد والقاهرة، عندما قال «لن اكون تابعا لاحد» مما أدى برئيس الاتحاد جمال عبد الناصر بادلائه بتصريح قال فيه«على الرغم من أن ميثاق الجمهورية العربية المتحدة ينص على إجراء الانتخابات الحرة لاختيار رئيس الاتحاد الا انني ومن موقعي هذا اتنازل عن رئاسة الاتحاد لفسح المجال امام العراق بلانظمام للجهورية العربية المتحدة مثلما تنازل من قبل الأخ الرئيس السوري القوتلي وبهذه المناسبة اتشرف بدعوة الأخ رئيس الوزراء العراقي الزعيم عبد الكريم قاسم لزيارة القاهرة لترتبي توليه رئاسة الاتحاد». كان لهذا التصريح صدى كبير في الشارع العراقي والعربي إلا أن عبد الكريم قاسم مرة ثانية صرح باجابه محبطة قائلا «لن اذهب إلى القاهرة ربما سيتم خطفي اوقتلي». فاحس المواطن هنالك سياسة مبيتة مبنية على الإصرار بالابتعاد عن المحيط العربي. وتعزز هذا الاعتقاد عند تنامي الخلافات مع دول العربية المحيطة بالعراق حيث بدأت تسوء العلاقات بين عبد الكريم قاسم والعاهل السعودي فيصل والرئيس السوري القدسي «قبل مجيء البعثيين لسوريا» والملك حسين بن طلال عاهل الأردن والرئيس المصري عبد الناصر علاوة على أمير الكويت الشيخ مبارك آل صباح حيث دعا إلى ضم إمارة الكويت والتي قررت بريطانيا الانسحاب منها بعد أن كانت تحت وصايتها. وفي عام 1961 وبعد تنامي عزله العراق عن الدول العربية قرر عبد الكريم قاسم الانسحاب من الجامعة العربية، وعوضا عن ذلك بدأ ينمي علاقاته مع تركيا وإيران ومنظومة الدول الشيوعية بزعامة الاتحاد السوفيتي. وبصرف النظر عن وجهة نظر المعجبين به ومحبيه فان التحليل المنصف والمحايد يشير ان الحركة عامل ايجابي في حياة العراق السياسية وان صناع الحركة ومن اسهم فيها كان لهم الفضل بجني ثمارها وهي الإنجازات المميزة لتلبية طموحات الشعب.

ومن قادة الحركة المؤثرين وحسب ادوارهم في القيام بالحركة: العقيد عبد السلام عارف العميد عبد الكريم قاسم العميد ناظم الطبقجلي العميد ناجي طالب العقيد رفعت الحاج سري العقيد عبد الوهاب الشواف العقيد الطيار عارف عبد الرزاق العميد عبد الرحمن عارف الفريق نجيب الربيعي المقدم صالح مهدي عماش.

مراجع

  1. ^ Romero 2011، صفحة 112. "نسخة مؤرشفة". مؤرشف من الأصل في 2016-04-10. اطلع عليه بتاريخ 2015-11-01.{{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: BOT: original URL status unknown (link)
  2. ^ Hunt 2005، صفحة 72.
  3. ^ أ ب ت ث Eppel 1998، صفحة 233.
  4. ^ Tripp 2007، صفحة 115.
  5. ^ Hunt 2005، صفحة 73.
  6. ^ Tripp 2007، صفحة 124.
  7. ^ Tripp 2007، صفحة 125.
  8. ^ Tripp 2007، صفحة 134.
  9. ^ Salter, A., and S. W. Payton. The development of Iraq; a plan of action by Lord Salter, assisted by S.W. Payton. 1955. London: Caxton, for the Iraq Development Board
  10. ^ حازم حسن العلي. انتفاضة الموصل - ثورة الشواف 7 آذار 1959. ص. 190. مؤرشف من الأصل في 2023-08-27.

المصادر العربية

  • أعيان الزمان وجيران النعمان في مقبرة الخيزران - وليد الأعظمي - مكتبة الرقيم - بغداد 2001 م - رفعت الحاج سري - صفحة 182.
  • د.جلال النعيمي، حكام العراق.دار النهضة. 2001.
  • عبد الرزاق أحمد النصيري، نوري السعيد ودوره في السياسة العراقية حتى عام 1932، بغداد: مكتبة اليقظة العربية، 1988، ص9.
  • في الذكرى 47 لثورة 14 تموز 1958. ابن شقيقة الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم. المجلة.
  • دراسة في حركة الضباط الأحرار في العراق 1948-1958. د. عقيل الناصري. ميدل ايست اونلاين.
  • مذكرات وأسرار هروب نوري السعيد. د. صالح البصام. دار الانتشار العربي في بيروت 2005.
  • «تشريع قانون للأحوال الشخصية يوم استبد بالحكم طاغية تلاعب بشريعة الله سبحانه». مذكرة العلماء الشيعة إلى عبد السلام عارف. المركز الوثائقي لتراث أهل البيت ع 2/2/1964.
  • صفحات مطوية من تاريخ العراق السياسي. كاظم السعدي. البينة صحيفة تصدر عن حزب الله في العراق.
  • كرونولوجيا ثورة أيلول الكردية 1961-1975. صلاح برواري.موقع نوروز 12/10/2004.
  • الأحزاب السياسية في العراق السرية والعلنية. د. هادي حسن عليوي. دار رياض الريس للنشر/ بيروت.
  • الجيش والدولة في العراق. سامح رشيد القبج.
  • من هو عبد الكريم قاسم. ريــاض الحسيني.
  • محمد حسنين هيكل. سيرة حياة. قناة الجزيرة الفضائية.
  • عارف عبد الرزاق برنامج شاهد على العصر. قناة الجزيرة الفضائية.
  • رئيس الأركان اللواء فؤاد عارف. برنامج ذاكرة. قناة الشرقية الفضائية.
  • صفحات من تاريخ العراق مع كمال مظهر. برنامج ذاكرة. قناة الشرقية الفضائية.
  • د.عدنان الباجه جي. برنامج ذاكرة. قناة الشرقية الفضائية.
  • تايه عبد الكريم. برنامج ذاكرة. قناة الشرقية الفضائية.
  • عبد الكريم هاني. برنامج ذاكرة. قناة الشرقية الفضائية.
  • حتى لا ننسى ثورة 8 شباط المباركة. د. فاضل بدران.
  • قيام الجمهورية العراقية - لعبة الأمم.
  • تاريخ العراق.
  • مذكرات الزعيم ناظم الطبقجلي.
  • مذكرات حازم جواد.
  • عبد الرحمن منيف، أرض السواد، تاريخ العراق الحديث.
  • محمد أنيس: الدولة العثمانية والشرق العربي 1514-1914 – مكتبة الأنجلو – القاهرة – بدون تاريخ.
  • قدري قلعجي: الثورة العربية الكبرى – بيروت – الطبعة الأولى – 1993 م.

هاني حسن عليوي: الاتجاهات الوحدوية في الفكر القومي العربي المشرقي – مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت – 2000 م.

  • عمر عبد العزيز عمر: تاريخ المشرق العربي 1516-1922 – دار النهضة العربية – بيروت – بدون تاريخ.
  • هروب نوري السعيد، فيصل حسن، 2005، دار الانتشار العربي

سمعان بطرس: العلاقات السياسية الدولية في القرن العشرين ـ مكتبة الأنجلو المصرية- الطبعة الثانية – 1980 م.

  • حكمت فريحات: السياسة الفرنسية تجاه الثورة العربية ـ دار الراتب الجامعية الأردن ـ بدون تاريخ.

أمين سعيد: الثورة العربية الكبرى ـ مكتبة مدبولي ـ القاهرة.

  • مجموعة مؤلفين: دراسات تاريخية في النهضة العربية الحديثة ـ دار اقرأ ـ بيروت ـ الطبعة الثانية 1984.
  • توفيق السويدي، مذكراتي: نصف قرن من تاريخ العراق والقضية العربية، بيروت: دار الكاتب العربي، 1969، ص 320-321.
  • أحمد الشقيري، 40 عاماً في الحياة العربية والدولية، بيروت، دار النهار، 1969، ص 190-191.
  • محمود شبيب، أسرار عراقية في وثائق إنكليزية وعربية وألمانية 1918-1941، بغداد: مطبعة سلمى، 1977، ص 129.
  • سعاد رؤوف شير محمد، نوري السعيد ودوره في السياسة العراقية حتى عام 1945، مصدر سبق ذكره، ص 203.
  • صبحي عبد الحميد. اسرار ثورة 14 تموز 1958 في العراق.الدار العربية للموسوعات. 1994.
  • انظر كلمة عبد الناصر في26/11/1959 يرد على اتهامات عبد الكريم قاسم :افتح الجزء الثاني لسماع تسجيل الكلمة بهذا الصدد. نص الوصلة

المصادر الاجنبية

ertrude Bell، The Letters of Gertrude Bell، Vol. 1، London، 1930، p. 476، and E. Burgoyne، Gertrude Bell from Her Personal Papers، 1914-1926، London، 1961، pp. 209–210.

Great Britain، Foreign Office، FO 371-12261-E 4884-86-65، E. Ellington، Action High Commissioner For Iraq، To Sir J.E. Shuckburgh، Colonial Office، Oct. 21st، 1927.

Great Britain، F.O.، “ Minute of Discussion at the Ministry of Foreign Affairs of Iraq on 27/10/1936” 371/20029، and " Record of Nuri،s Talks with Samuel in Paris in Oct. 11936”، 371/20028