يوسف الأسير: الفرق بين النسختين

اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أُضيف 27٬092 بايت ، ‏ 22 أبريل
لا يوجد ملخص تحرير
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
 
سطر 198: سطر 198:
كان للإناث نصيبٌ في التعليم على يد الشيخ يُوسُف الأسير، ومن هؤلاء «لويزة» ابنة قُنصل فرنسا في صيدا وزوجة دياب أفندي رئيس القلم الأجنبي في حُكُومة مُتصرفيَّة جبل لُبنان. فقد تمكَّنت بفضل مُواظبتها على دُرُوس الأسير من إتقان العربيَّة قراءةً وكتابةً، وكذلك نثرًا ونظمًا، حتَّى قيل أنَّها مدحت فيما بعد [[باي تونس|باي تُونُس]] بقصيدةٍ رائعة.<ref>{{استشهاد مختصر|1=حجازي|2=2023|ص=148}}</ref>
كان للإناث نصيبٌ في التعليم على يد الشيخ يُوسُف الأسير، ومن هؤلاء «لويزة» ابنة قُنصل فرنسا في صيدا وزوجة دياب أفندي رئيس القلم الأجنبي في حُكُومة مُتصرفيَّة جبل لُبنان. فقد تمكَّنت بفضل مُواظبتها على دُرُوس الأسير من إتقان العربيَّة قراءةً وكتابةً، وكذلك نثرًا ونظمًا، حتَّى قيل أنَّها مدحت فيما بعد [[باي تونس|باي تُونُس]] بقصيدةٍ رائعة.<ref>{{استشهاد مختصر|1=حجازي|2=2023|ص=148}}</ref>


أمَّا مُعاصرو الأسير فكانوا كُثرًا، ما بين ساسةٍ وعُلماء وقُضاة وصحفيين وأُدباء وشُعراء. فمن عُلماء مصر عاصر الإمامين [[جمال الدين الأفغاني]] و[[محمد عبده|مُحمَّد عبده]] والشيخان مُحمَّد الطنتدائي (الطنطاوي) و[[حسن القويسني]]، ومن عُلماء الشَّام عاصر الشيخ أبو الحسن الكستي وولده مُحمَّد والشيخ إبراهيم الأحدب. أمَّا أعلام اللُغة والأدب فمنهم: أحمد فارس الشدياق، والشيخان ناصيف و[[إبراهيم اليازجي|إبراهيم]] اليازجيَّان، والمُعلِّم بُطرس البُستاني وولده [[سليم البستاني|سليم]]، والحاج [[حسين بيهم|حُسين بيهم]]، و[[عمر الأنسي|عُمر الأُنسي]]، وخليل إلياس سركيس، والشيخ عبد القادر القبَّاني.  
أمَّا مُعاصرو الأسير فكانوا كُثرًا، ما بين ساسةٍ وعُلماء وقُضاة وصحفيين وأُدباء وشُعراء. فمن عُلماء مصر عاصر الإمامين [[جمال الدين الأفغاني]] و[[محمد عبده|مُحمَّد عبده]] والشيخان مُحمَّد الطنتدائي (الطنطاوي) و[[حسن القويسني]]، ومن عُلماء الشَّام عاصر الشيخ أبو الحسن الكستي وولده مُحمَّد والشيخ إبراهيم الأحدب. أمَّا أعلام اللُغة والأدب فمنهم: أحمد فارس الشدياق، والشيخان ناصيف و[[إبراهيم اليازجي|إبراهيم]] اليازجيَّان، والمُعلِّم بُطرس البُستاني وولده [[سليم البستاني|سليم]]، والحاج [[حسين بيهم|حُسين بيهم]]، و[[عمر الأنسي|عُمر الأُنسي]]، وخليل إلياس سركيس، والشيخ عبد القادر القبَّاني.


عاصر الأسير أيضًا خمسة [[قائمة سلاطين الدولة العثمانية|سلاطين عُثمانيين]]: [[محمود الثاني|محمود بن عبد الحميد]] وابناه [[عبد المجيد الأول|عبد المجيد]] و[[عبد العزيز الأول|عبد العزيز]]، وحفيداه [[مراد الخامس|مُراد]] و[[عبد الحميد الثاني|عبد الحميد]]. كما عاصر من [[قائمة حكام مصر من سلالة محمد علي باشا|وُلاة مصر العلويين]]: مُحمَّد علي باشا وابنه [[إبراهيم محمد علي باشا|إبراهيم]]، ثُمَّ [[عباس حلمي الأول|عبَّاس حلمي باشا]] و[[محمد سعيد باشا|مُحمَّد سعيد باشا]] و[[الخديوي إسماعيل|إسماعيل باشا]] و[[الخديوي توفيق|توفيق باشا]]. وعاصر أيضًا أربعة من مُتصرفي جبل لُبنان هُم: داود باشا و[[فرنكو باشا]] و[[رستم مرياني باشا|رُستُم باشا]] و[[واصه باشا]]. كما عاصر عدَّة وُلاة لصيدا مثل [[عزت أحمد باشا|عزَّت أحمد باشا]] و[[محمود نديم باشا]]، وأوَّل وُلاة [[ولاية بيروت|بيروت]] علي باشا الشرابجي.
عاصر الأسير أيضًا خمسة [[قائمة سلاطين الدولة العثمانية|سلاطين عُثمانيين]]: [[محمود الثاني|محمود بن عبد الحميد]] وابناه [[عبد المجيد الأول|عبد المجيد]] و[[عبد العزيز الأول|عبد العزيز]]، وحفيداه [[مراد الخامس|مُراد]] و[[عبد الحميد الثاني|عبد الحميد]]. كما عاصر من [[قائمة حكام مصر من سلالة محمد علي باشا|وُلاة مصر العلويين]]: مُحمَّد علي باشا وابنه [[إبراهيم محمد علي باشا|إبراهيم]]، ثُمَّ [[عباس حلمي الأول|عبَّاس حلمي باشا]] و[[محمد سعيد باشا|مُحمَّد سعيد باشا]] و[[الخديوي إسماعيل|إسماعيل باشا]] و[[الخديوي توفيق|توفيق باشا]]. وعاصر أيضًا أربعة من مُتصرفي جبل لُبنان هُم: داود باشا و[[فرنكو باشا]] و[[رستم مرياني باشا|رُستُم باشا]] و[[واصه باشا]]. كما عاصر عدَّة وُلاة لصيدا مثل [[عزت أحمد باشا|عزَّت أحمد باشا]] و[[محمود نديم باشا]]، وأوَّل وُلاة [[ولاية بيروت|بيروت]] علي باشا الشرابجي.
سطر 242: سطر 242:


=== إرشاد الورى لنار القُرى ===
=== إرشاد الورى لنار القُرى ===
كتابٌ صغير يقع في ثلاثٍ وتسعين صفحة، ردَّ فيه الأسير على كتاب «نار القُرى في جوف الفرا» للشيخ ناصيف اليازجي، وهو في النقد اللُّغوي. شدَّد الأسير نقده على عمل اليازجي، قائلًا بأنَّ ما قصده من تأليف كتابه إصلاح لُغة العرب، بينما كان عليه إصلاح ألفاظه وانتقائها أولًا. واستخدم الأسير في نقده عبارات لاذعة وساخرة، كقوله: {{مض|أَبياتُ جَوفِ الفَرَا كَجَوفٍ خَرَاب، لم تَحتَوِ إلَّا عَلَىٰ مَا هَوَ كَنِعَابِ الغُرَاب...}}، وأشار إلى أنَّ ما كتبه اليازجي يصعب إصلاحه، فقال: {{مض|مَا تَفعَل المَاشِطَة بالشَّعرِ العَكِش؟ والصَّابُون بالوَجهِ الجَرِب؟ وَالجَصَّاص بِالبيتِ الخَرِب؟}}.<ref name="المؤلفات2">{{استشهاد مختصر|1=حجازي|2=2023|ص=182-188}}</ref>
كتابٌ صغير يقع في ثلاثٍ وتسعين صفحة، ردَّ فيه الأسير على كتاب «نار القُرى في جوف الفرا» للشيخ ناصيف اليازجي، وهو في النقد اللُّغوي. شدَّد الأسير نقده على عمل اليازجي، قائلًا بأنَّ ما قصده من تأليف كتابه إصلاح لُغة العرب، بينما كان عليه إصلاح ألفاظه وانتقائها أولًا. واستخدم الأسير في نقده عبارات لاذعة وساخرة، كقوله: {{اقتباس مضمن|أَبياتُ جَوفِ الفَرَا كَجَوفٍ خَرَاب، لم تَحتَوِ إلَّا عَلَىٰ مَا هَوَ كَنِعَابِ الغُرَاب...}}، وأشار إلى أنَّ ما كتبه اليازجي يصعب إصلاحه، فقال: {{اقتباس مضمن|مَا تَفعَل المَاشِطَة بالشَّعرِ العَكِش؟ والصَّابُون بالوَجهِ الجَرِب؟ وَالجَصَّاص بِالبيتِ الخَرِب؟}}.<ref name="المؤلفات2">{{استشهاد مختصر|1=حجازي|2=2023|ص=182-188}}</ref>


=== ردّ الشهم للسهم ===
=== ردّ الشهم للسهم ===
سطر 339: سطر 339:
[[تصنيف:وفيات في بيروت]]
[[تصنيف:وفيات في بيروت]]
[[تصنيف:مدفونون في مقبرة الباشورة (بيروت)]]
[[تصنيف:مدفونون في مقبرة الباشورة (بيروت)]]
عن هذا في ثمرات الفُنُون، فقيل: {{اقتباس مضمن|أُحسنَ مِنَ المَكَارم الشَّاھَانِیَّة بِراتِب خَمسُمَائةِ قِرشٍ إلىٰ صَاحِبِ الفَضِيلَةِ الشَّـیخ یُوسُـف أفَندِي الأَسـِیر فَنَشكُر الأَلطَاف السنيَّة وَلازَال فَیضُ الإحسَانِ العَالي یَشمَلُ أَھل العِلمِ والعِرفَان}}.<ref>{{استشهاد مختصر|1=القباني(2)|2=1889|ص=1}}</ref>
=== في اللُّغة والشعر ===
[[ملف:Last Page of Kitab Al-Kulliyat (1281 Hijri).jpg|تصغير|الصفحة الأخيرة من الطبعة الثانية لكتاب الكُليَّات لأبي البقاء الكفوي.]]
كان الشيخ يُوسُف لُغويًّا بارعًا، تناول في دُرُوسه ومقالاته عُلُوم النحو والصرف والبديع و[[بلاغة|البلاغة]] و[[عروض|العروض]]، وتخرَّج على يديه تلامذة كُثُر أصبحوا عُلماء في مجالاتهم.<ref name="شيخو1"/> عُيِّن الأسير حين وُصُوله إستنبول رئيسًا لديوان التصحيح في نظارة المعارف وفي المطبعة السُلطانيَّة الشهيرة بـ«دار الطباعة العامرة»، وبذل جُهدًا كبيرًا في تصحيح الكُتُب المطبوعة، فراجت سوقها رواجًا كثيرًا، ومن أبرز ما صحَّحه «[[الكليات (كتاب)|كتاب الكُليَّات]]» [[أبو البقاء الكفوي|لأبي البقاء الكفوي]]، واعتمد فيها على نُسخة [[الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية (مصر)|مطبعة بولاق]] الرسميَّة المُصحَّحة، فوجد فيها أغلاطًا عدَّة.<ref>{{استشهاد مختصر|1=حجازي|2=2023|ص=120}}</ref>
رغب الإرساليُّون الأمريكيُّون في ذلك الزمن بتعريب [[الكتاب المقدس|الكتاب المُقدَّس]] تعريبًا سليمًا، فعهدوا بالإشراف على هذا الأمر للدكتور كرنيليوس ڤانديك بعد وفاة المُستشرق [[إلي سميث|عالي سميث]] الذي كان يتولَّى هذه المُهمَّة، فاستعان ڤانديك بالشيخ الأسير لتنقيح الصيغة العربيَّة، عوض المُعلَّم بُطرس البُستاني والشيخ ناصيف اليازجي، لانقضاء العقد بين البُستاني وعالي سميث لوفاة الأخير، ولأنَّ ڤانديك اعتقد أنَّ اليازجي لم يكن أمينًا أثناء نسخه التنقيح الثاني للتعريب المُلقى على عاتقه.<ref>{{استشهاد مختصر|1=قزما الخوري|2=1965|ص=77}}</ref><ref name="داغر2">{{استشهاد مختصر|1=داغر|2=1956|ص=124}}</ref> كان الأسيرُ بذلك أوَّل مُسلمٍ تعهد إليه جمعيَّة مسيحيَّة بضبط وصياغة نُسخة عربيَّة من الكتاب المُقدَّس، كما نظَّم صياغة [[أعمال الرسل|أعمال الرُسُل]] و[[رؤيا يوحنا|سفر الرؤيا]]،<ref>{{استشهاد مختصر|1=حجازي|2=2023|ص=121-122}}</ref> ونظم ترانيمًا كثيرة استمدَّت مواضيعها من [[مزمور|المزامير]] و[[إنجيل|الإنجيل]]، منها ترنيمة نظمها للمُرسلين الأمريكيين تتضمَّن [[الوصايا العشر]]، وهي:<ref name="دي طرازي1">{{استشهاد مختصر|1=دي طرازي|2=2023|ص=208}}</ref>
{{أبيات|
غـــيـــري إلـــهٌ لا يـــكـــن\\لا تـــسُـــجـــدنَّ للـــصـــنـــم
لا تـــأخـــذ اســـمـــي بـــاطـــلًا\\ولا تـــهـــنـــه بـــالـــقـــســـم
والسبت فاحفظ واصنعن\\لـــوالـــديـــك الـــمـــكـــرمـــة
والقتلَ فاحذر والخنى\\فـــي عـــمـــلٍ أو كـــلـــمـــة
لا تـــخـــتـــلـــس شـــيـــئًـــا ولا\\تـــكـــذب وقـــل قـــول الـــتُـــقـــى
ولا تـــكـــن مُـــشـــتـــهـــيًـــا\\مـــا لـــلـــقـــريـــب مُـــطـــلـــقًـــا
وكـــل هـــذي جـــمـــعـــت\\وصـــيَّـــة الـــفـــادي الـــحـــبـــيـــب
أحـــبـــب بـــجـــهـــدٍ ربـــنـــا\\واحـــبـــب كـــنـــفســـك الـــقـــريـــب}}
زعم المُبشِّر الأمريكي «هنري جسب» أنَّ الأسير علَّم أولاده بعض هذه الأغاني والترانيم المسيحيَّة التي ساهم في نظمها، لكنَّ الدكتور [[مصطفى الخالدي|مُصطفى الخالدي]] والعلَّامة [[عمر فروخ|عُمر فرُّوخ]] أنكرا ذلك، قائلين أنَّ المُبشِّر المذكور امتاز بـ«مزيجٍ من الافتراءات والخُرافات»، وأنَّ الشيخ الأسير {{اقتباس مضمن|عَلَمٌ مَعرُوفٌ في بَيرُوت وَأَولَاده مُعاصِرُون لَنَا، وَأَحفَادُه لَا يَزالُون يَحيون بَينَنَا، وَلَم نَعرِف ذَلِكَ عَن أحدٍ مِنهُم}}.<ref>{{استشهاد مختصر|1=الخالدي وفروخ|2=1973|ص=43}}</ref>
قال الأديب والصحفي [[فارس نمر]] أنَّهُ وصديقه [[يعقوب صروف|يعقوب صرُّوف]] كانا يخشيان، إذا ما أصدرا [[المقتطف (مجلة)|مجلَّة المُقتطف]] ألَّا يُؤزَرَا من خاصّة طُلَّاب اللُغة العربيَّة والمُتأدبين بآدابها والرافعين لوائها أمثال [[أحمد فارس الشدياق]] وناصيف اليازجي ويُوسُف الأسير وإبراهيم الأحدب وأمثالهم من عُلماء الشَّام، لأنَّهم {{اقتباس مضمن|كَانُوا هُم وأَتبَاعهم قلَّمَا يُقدِّرون لِغَير اللُّغة العَرَبيَّة قَدْرًا وَلَا لِعلمٍ غَيرَ عُلُوم أَهلِهَا وَأُدَبَائِهَا مَقَامًا}}.<ref>{{استشهاد مختصر|1=نمر|2=1936|ص=563}}</ref> وقال الأب لويس شيخو أنَّ المُسلمين الشوام كان لهم الفضل الأكبر في رفع لواء الآداب في ختام القرن التاسع عشر الميلادي، وعدَّ الشيخ يُوسُف الأسير على رأس هؤلاء.<ref name="شيخو1"/> أمَّا الشاعريَّة فشكَّلت أيضًا جانبًا مُهمًا من جوانب الشخصيَّة الأدبيَّة للأسير، فقال مارون عبُّود: {{اقتباس مضمن|وكَأنِّي بِك تَقُول لي: والشَّيخ يُوسُف شَاعِرٌ أيضًا؟ نَعَم يَا سَيِّدِي، فَقَلَّمَا تَجد وَاحِدًا مِن هَؤلاء الجَهَابِذَة لَم يَقُل الشِّعر. نَاهِيكَ أنَّ الشَّيخ يُوسُف الأَسير شَاعِرٌ مَجيد وفِي دِيوانِه القَصَائِد وَالمُوَشَّحَات وَالمُقَطَّعَات الحِكَمِيَّة}}.<ref name="عبود"/> ووصف عبُّود شعر الأسير بأنَّهُ رائقٌ فصيح، وأكثره في المدح، وكان أكثر مدحه في صديقة أحمد فارس الشدياق، وقال أنَّ شاعريَّته مثل شاعريَّة الشيخ إبراهيم الأحدب وإن فاقه هذا في غزارة مادَّته.<ref name="شيخو1"/> أظهر الأسير [[صوفية|تصوُّفًا]] وتذلُّلًا [[الله في الإسلام|لله]] في شعره، وتفاخر بإسلامه وحُبِّه للقُرآن، فقال في إحدى قصائده:<ref name="الأسير1">{{استشهاد مختصر|1=الأسير|2=1888|ص=76-77}}</ref>
{{أبيات|
عن الناس الاستغناء للمرء مُمكن\\ولكــن عـن الرحـمٰـن ليـس بـمـمـكـن
فـأنـا له فـي حـالة الفقر دائمًا\\وعـن كُـلَّ شـيءٍ ما سواه هو الغني
فــإيَّــاك إيَّــاك الخــضــوع لغـيـره\\ولكـن له اخـضـع دائمًـا وتـمـسـكـن
فـــذلك للرحـــمٰـــن عـــزٌ وأنـــنـــي\\جــعـلتُ إلى ربِّـي التـضـرُّع ديـدنـي}}
وقال يفتخر بالقُرآن ويُصوُّر حُبَّه سماع آياته تُرتَّلُ دومًا:<ref name="الأسير1"/>
{{أبيات|
قُـــرآنـــنـــا شـــهـــد فـــلا\\يُــحـتـاج فـيـه إلى شـهـادة
فــيــه الحــلاوة والثــنــا\\ء وأجـــر واعـــيــه زيــادة
بــل هــو مــن أهـدى الهـدا\\ة لنـا ومـن خـيـر العبادة
لا يـــســـأم الســامــع والـ\\قـــارئ مـــنــه بــالإعــادة
بــــل كُــــلَّمــــا كُـــرِّر بـــل\\قــي مـن يـعـيـه بـه إفـادة}}
وممَّا قاله في مدح [[محمد|الرسول]]:<ref>{{استشهاد مختصر|1=الأسير|2=1888|ص=6}}</ref>
{{أبيات|
نــبــي زكــا أصــلًا وفــرعًــا ومـنـصـبًـا\\وذاتًــا وأوصــافًــا كــأســمــائه الغــرِّ
حـبـيـب عـليـه الله ألقـى مـحـبـة فـفي\\كُــــلِّ قــــلبٍ طـــاهـــرٍ حُـــبِّـــه يـــســـري
أعــز لدى أهــل الهُــدى مــن نُـفُـوسـهـم\\ومـــن كُـــلِّ حُــبٍ غــيــر خــالفــه البــرِّ
كـــريـــمٌ بــه كُــل المــكــارم أكــمــلت\\ســوى أنَّــهُ الخــيــر الأجــل بــلا شــرِّ}}
انصبَّ جُزءٌ من شعر الشيخ الأسير على المدح و[[تقريظ|التقريظ]]، وكان مديحه التفاتة نحو أصدقائه ومعارفه اعترافًا وتقديرًا لهم ولفضلهم في مجال عملهم، ولم تكن غايته التكسُّب.<ref>{{استشهاد مختصر|1=حجازي|2=2023|ص=130}}</ref> من ذلك ما قاله مُهنِّئًا [[نسيب جنبلاط|نسيب بك جُنبُلاط]] عندما نال النيشان العُثماني من الرُتبة الثانية:<ref>{{استشهاد مختصر|1=الأسير|2=1888|ص=39}}</ref>
{{أبيات|
قـد جـاد بالرُّتبة الأولى لأهليها\\سُـلطـانـنـا فـهـو يُـدري مُـسـتـحقيها
إنَّ الكــريــمـة إذ تُـهـدى إلى رجـلٍ\\كـفـوءٌ لها نال شكر الخلق مهديها
لذلك الآن أهــــداهــــا لذي شــــرفٍ\\تـزيـد فـي شـأنـه المـرفوع تنويها
الجُـنـبُـلاطـيُّ مـن كُلِّ الورى شهدت\\بــأنَّــهُ ذو مــعــالٍ عــنـه نـرويـهـا}}
وقال يُقرِّظ ديوان صديقه الشيخ أبي الحسن الكستي عند صُدُوره:<ref>{{استشهاد مختصر|1=الأسير|2=1888|ص=36}}</ref>
{{أبيات|
خليلي كم قد جدَّ في الناس شاعرٌ\\ولبس له بيت من الشعر عامر
وأحسن شعر ما تراه مُهذَّبًا\\بليغًا به يلتذ بادٍ وحاضر
به تطرب الأسماع من كُلِّ مُنشدٍ\\وتجري به الأمثال وهي سوائر
كديوان من في العصر أصبح نظمه\\يُضاهي نُجُوم الليل وهي زواهر
أبي الحسن الكستي من شهدت له\\عدول ذوي الألباب والأمر ظاهر}}
طرق الأسير أيضًا باب [[غزل (شعر)|الغزل]] دون أن يخرج عن حُدُود العفَّة والرصانة، وعالج وصف الطبيعة والأشياء، وأشاد ببعض الأعمال العُمرانيَّة كبناء الجامع العُمري الكبير بصيدا سنة [[1882]]م، وببعض الأعمال الأدبيَّة والفكريَّة مثل الرواية المسرحيَّة «أرزة لُبنان» التي ألَّفها الأديب [[مارون النقاش|مارون النقَّاش]].<ref>{{استشهاد مختصر|1=حجازي|2=2023|ص=132، 136، 138}}</ref>
=== في القضاء والفتيا والفقه ===
كان الأسير فقيهًا من كبار فُقهاء عصره، لهُ فتاوى واجتهادات كثيرة، وبُحُوثٌ في الفرائض الشرعيَّة المُختلفة، فمن أشهر كُتُبه «شرح رائض الفرائض» الذي تحدَّث فيه عن الميراث في الإسلام على المذهب الحنفي، المذهب الرسمي للدولة العُثمانيَّة، علمًا بأنَّ الأسير نفسه كان على المذهب الشافعي، وهذا ما دفع الباحثين والعُلماء إلى امتداحه لسعة اطلاعه وتعمُّقه في الفقه الإسلامي. وفي الكتاب المذكور فصَّل الأسير الميراث تفصيلًا، فذكر أنَّ الذُكُور الذين يرثون ستَّة عشر صنفًا، والإناث اثنا عشر صنفًا. ووضَّح مقادير وأنصبة الوراثة بأنَّها ستَّة على السُدُس والثُلُث ومُثنَّى الثُلثُ والثُمُن والرُّبع والنصف، وأنَّ هُناك نصيبٌ سابع يثبت [[اجتهاد (إسلام)|بالاجتهاد]].<ref>{{استشهاد مختصر|1=حجازي|2=2023|ص=143-144}}</ref>
=== تلامذته ومُعاصروه ===
[[ملف:Ghrīghūriyūs Ḥaddād Poem.jpg|تصغير|يمين|أبياتٌ نظمها البطريق حدَّاد اعترافًا بفضل الأسير عليه. نقلها عن الأصل وخطَّها العلَّامة [[عيسى إسكندر المعلوف]].]]
[[ملف:Ahmed Cevdet Pasha.jpg|تصغير|العلَّامة أحمد جودت باشا، من أبرز أعلام الدولة العُثمانيَّة الذين تتلمذوا على يديّ الأسير خلال فترة إقامته في إستنبول.]]
تتلمذ على يديّ الأسير أجيالٌ من الأُدباء والشُعراء والفُقهاء والقُضاة والساسة،<ref>{{استشهاد مختصر|1=الخوري|2=1966|ص=310}}</ref> منهم من أصبح من كبار مُوظفي الدولة العُثمانيَّة وعُظماء قادة جيشها، كما تعلَّم لديه بعض المُرسلين والمُبشِّرين الغربيين الذين مالوا إلى تعلُّم العربيَّة وعُلُومها.<ref name="حجازي13">{{استشهاد مختصر|1=حجازي|2=2023|ص=145-147}}</ref> ففي إستنبول كان من تلاميذه صفوت باشا وزير الداخليَّة، و[[محمد رشدي باشا الشرواني|مُحمَّد رُشدي باشا الشرواني]] [[صدر أعظم|الصدر الأعظم]]، و[[أحمد جودت باشا]] وزير المعارف، ونقولا پروسپر بوره {{فرن|Nicolas Prosper Bourée}} السفير الفرنسي لدى السلطنة العُثمانيَّة.<ref name="دي طرازي" />
وفي الديار الشَّاميَّة كان من تلاميذه الشيخ [[محمد قاسم الكستي|مُحمَّد بن قاسم الكستي]] قاضي بيروت، وجرجس بك صفا الذي كان قاضيًا في محكمة المتن ثُمَّ تولَّى القضاء في محكمة الاستئناف في جبل لُبنان ثُمَّ صار عُضوًا في محكمة التمييز العُليا عند إنشاء [[الانتداب الفرنسي على لبنان#دولة لبنان الكبير|دولة لُبنان الكبير]]، ثُمَّ رئيسًا لمحكمة استئناف الحُقُوق والتجارة في بيروت. ومنهم الشيخ حبيب لُطف الله قائم مقام زحلة، الذي شغل أيضًا عُضويَّة دائرة استئناف الحُقُوق والتجارة في بيروت.<ref name="حجازي13"/> ومنهم أيضًا العلَّامة [[غريغوريوس الرابع حداد|غريغوريوس الرابع حدَّاد]] الذي أصبح [[بطريرك أنطاكية|بطريق أنطاكية]] [[بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس|للروم الأرثوذكس]]،<ref name="دي طرازي1"/> و[[يوحنا بطرس الحاج|يُوحنَّا الحاج]] بطريق الموارنة والمُطران يُوحنَّا الحبيب مُؤسس جمعية المُرسلين اللُبنانيِّين الموارنة.<ref name="دي طرازي"/> كما كان على علاقةٍ طيِّبةٍ بالشيخ مُحمَّد رشيد بن مُصطفى الميقاتي، من كبار عُلماء طرابُلس الشَّام، وقال في حقِّه:<ref>{{استشهاد مختصر|1=نوفل|2=1929|ص=56}}</ref>
{{أبيات|
زر بلاد الله واختر مسكنًا\\في طرابُلس الشَّآم يا مُريد
لا ترى فيها مكينًا أمكنا\\في مقامات التُّقى إلَّا رشيد}}
[[ملف:Ghrīghūriyūs Ḥaddād portrait.png|تصغير|بطريق أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس غريغوريوس الرابع حدَّاد، من أبرز التلاميذ الشوام للأسير.]]
ومن تلاميذه الشوام أيضًا أنطون عمُّون الذي تولَّى رئاسة مجلس إدارة جبل لُبنان في عهد المُتصرِّف رُستم باشا، ونقولا الشمَّاس الذي كان سبَّاقًا في نقل القوانين والمراسيم السُلطانيَّة الهامَّة من [[لغة تركية عثمانية|العُثمانيَّة]] إلى العربيَّة، وسليم باز أفضل من شرح [[مجلة الأحكام العدلية|مجلَّة الأحكام العدليَّة]] في الأقطار العربيَّة.<ref name="حجازي13"/> ومن المُحامين الذين تتلمذوا على يديه في مدرسة الحكمة وغيرها: أسعد عقل مُؤسِّس [[البيرق|جريدة البيرق]]، ووديع نعيم الذي صار وزيرًا وعُضوًا في [[مجلس النواب اللبناني|المجلس النيابي اللُبناني]] ووالد [[إدمون نعيم]] حاكم [[مصرف لبنان|مصرف لُبنان]] ([[1985]] – [[1991]]م).<ref name="حجازي13"/> ومن المُرسلين الأجانب الذين تعلَّموا العربيَّة على يديه: الدكتور عالي سميث<ref>{{استشهاد مختصر|1=قاسم|2=1982|ص=336}}</ref> والدكتور كرنيليوس ڤانديك، وقد نشأت بين الشيخ يُوسُف وهذين الرجُلين صداقة استمرَّت طيلة حياتهم.<ref name="ڤانديك1"/> وكذلك الدكتور [[مارتن هرتمن]] أُستاذ اللُّغة العربيَّة في مدرسة الألسُن الشرقيَّة [[برلين|ببرلين]].<ref name="دي طرازي" />
كان للإناث نصيبٌ في التعليم على يد الشيخ يُوسُف الأسير، ومن هؤلاء «لويزة» ابنة قُنصل فرنسا في صيدا وزوجة دياب أفندي رئيس القلم الأجنبي في حُكُومة مُتصرفيَّة جبل لُبنان. فقد تمكَّنت بفضل مُواظبتها على دُرُوس الأسير من إتقان العربيَّة قراءةً وكتابةً، وكذلك نثرًا ونظمًا، حتَّى قيل أنَّها مدحت فيما بعد [[باي تونس|باي تُونُس]] بقصيدةٍ رائعة.<ref>{{استشهاد مختصر|1=حجازي|2=2023|ص=148}}</ref>
أمَّا مُعاصرو الأسير فكانوا كُثرًا، ما بين ساسةٍ وعُلماء وقُضاة وصحفيين وأُدباء وشُعراء. فمن عُلماء مصر عاصر الإمامين [[جمال الدين الأفغاني]] و[[محمد عبده|مُحمَّد عبده]] والشيخان مُحمَّد الطنتدائي (الطنطاوي) و[[حسن القويسني]]، ومن عُلماء الشَّام عاصر الشيخ أبو الحسن الكستي وولده مُحمَّد والشيخ إبراهيم الأحدب. أمَّا أعلام اللُغة والأدب فمنهم: أحمد فارس الشدياق، والشيخان ناصيف و[[إبراهيم اليازجي|إبراهيم]] اليازجيَّان، والمُعلِّم بُطرس البُستاني وولده [[سليم البستاني|سليم]]، والحاج [[حسين بيهم|حُسين بيهم]]، و[[عمر الأنسي|عُمر الأُنسي]]، وخليل إلياس سركيس، والشيخ عبد القادر القبَّاني.
عاصر الأسير أيضًا خمسة [[قائمة سلاطين الدولة العثمانية|سلاطين عُثمانيين]]: [[محمود الثاني|محمود بن عبد الحميد]] وابناه [[عبد المجيد الأول|عبد المجيد]] و[[عبد العزيز الأول|عبد العزيز]]، وحفيداه [[مراد الخامس|مُراد]] و[[عبد الحميد الثاني|عبد الحميد]]. كما عاصر من [[قائمة حكام مصر من سلالة محمد علي باشا|وُلاة مصر العلويين]]: مُحمَّد علي باشا وابنه [[إبراهيم محمد علي باشا|إبراهيم]]، ثُمَّ [[عباس حلمي الأول|عبَّاس حلمي باشا]] و[[محمد سعيد باشا|مُحمَّد سعيد باشا]] و[[الخديوي إسماعيل|إسماعيل باشا]] و[[الخديوي توفيق|توفيق باشا]]. وعاصر أيضًا أربعة من مُتصرفي جبل لُبنان هُم: داود باشا و[[فرنكو باشا]] و[[رستم مرياني باشا|رُستُم باشا]] و[[واصه باشا]]. كما عاصر عدَّة وُلاة لصيدا مثل [[عزت أحمد باشا|عزَّت أحمد باشا]] و[[محمود نديم باشا]]، وأوَّل وُلاة [[ولاية بيروت|بيروت]] علي باشا الشرابجي.
== أفكار الأسير ==
=== في السياسة والإصلاح ===
تكوَّن لدى جُمهُور المُثقفين والمُفكرين والمُصلحين في الدولة العُثمانيَّة ثلاثة تيَّارات سياسيَّة أواخر القرن التاسع عشر الميلاديّ:<ref name="فليفل">{{استشهاد مختصر|1=فليفل|2=2018|ص=49-50}}</ref>
* <u>'''التيَّار الإسلامي'''</u>: وهو التيَّار الذي تزعَّمه السُلطان عبد الحميد الثاني، وهو يدعو إلى الوحدة الإسلاميَّة في ظل [[الخلافة العثمانية|الخلافة العُثمانيَّة]] عبر ما عُرف بـ«الجامعة الإسلاميَّة». هدف هذا التيَّار إلى تحرير البلاد الإسلاميَّة المُحتلَّة في [[المغرب العربي|الديار المغربيَّة]] و[[آسيا الوسطى|آسيا الوُسطى]] و[[آسيا الجنوبية|الجنوبيَّة]] من نير الاستعمار الغربي والنُهُوض بالمُسلمين فكريًّا وروحيًّا والارتقاء بهم إلى مُستوى الشُعُوب الحُرَّة المُتقدِّمة، وتطبيق الشريعة الإسلاميَّة تطبيقًا يتلاءم مع مُقتضيات العصر.
* <u>'''التيَّار العُثماني'''</u>: وهو يهدف إلى الحفاظ على النظام الدُستُوري في الدولة العُثمانيَّة، وتحقيق المُساواة بين جميع المُواطنين العُثمانيين على اختلاف أعراقهم وقوميَّاتهم وأديانهم، عبر توحيد الجميع في أُمَّةٍ واحدة.
* '''<u>التيَّار العربي</u>''': وكان يهدف إلى تحقيق الاستقلال الذاتي [[قائمة ولايات الدولة العثمانية|للولايات]] ذات الغالبيَّة [[عرب|العربيَّة]] مع البقاء تحت الراية العُثمانيَّة، أي تحكم الولايات العربيَّة نفسها بنفسها على أساس [[لامركزية (إدارة)|نظام اللامركزيَّة الإداريَّة]].
انتمى الشيخ يُوسُف الأسير إلى التيَّار الأوَّل، وكان يدعو للإصلاح ضمن الدولة العُثمانيَّة ومن خلال السُلطة نفسها وإطار الإسلام، واعتبر الساسة من وُزراءٍ وغيرهم مسؤولين عن الفساد وتخلُّف البلاد، وأنَّ الإصلاح مطلوبٌ منهم، أمَّا السُلطان فهو رمز وحدة المُسلمين وذخيرة الإسلام، فمن الواجب الحفاظ على مكانته.<ref name="حجازي14">{{استشهاد مختصر|1=حجازي|2=2023|ص=154 و156-157}}</ref> اتَّخذ الأسير من الصحافة منبرًا للدعوة إلى الإصلاح وواجب سيادة العدل بين الناس وضرورة نشر مبادئ الحُريَّة بينهم، وتميَّز بانتقاء ألفاظه وعباراته بدقَّة تفاديًا للإساءة إلى السُلطان أو إثارة العامَّة ضدَّه،<ref name="حجازي14"/> من ذلك قوله: {{اقتباس مضمن|لا يُخفَى أنَّ طَاعَة السُلطَان من طَاعَة الرّحمٰن، فَإذَا عَدَل كَان لهُ الأَجر وَعَلَىٰ الرعيَّة الشُكر، وَإذَا جَارَ كَانَ عَليهِ الإِصْر وَعَلَىٰ الرعيَّةِ الصَّبر. وَقَد قِيلَ

قائمة التصفح