محمد بن ملكشاه
غياث الدنيا والدين أبو شجاع محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان (بالتركية: Muhammet Tapar) (توفي 1118 م) هو سلطان سلجوقي اختلف مع أخوته على الحكم بعد وفاة والدهم جلال الدولة ملك شاه وهم بركياروق ومحمود بن ملكشاه وأحمد سنجر بن ملكشاه.[1][2][3]
غياث الدنيا والدين | |||||||
---|---|---|---|---|---|---|---|
محمد بن ملكشاه | |||||||
صورة تنصيب محمد الأول.من كتاب جامع التواريخ من القرن الرابع عشر
| |||||||
سلطان الدولة السلجوقية | |||||||
فترة الحكم 1105–1118 |
|||||||
|
|||||||
معلومات شخصية | |||||||
تاريخ الميلاد | 21 يناير 1082 | ||||||
تاريخ الوفاة | 1118 (36–35 سنة) |
||||||
اللقب | أبو شجاع | ||||||
الديانة | الإسلام، أهل السنة والجماعة | ||||||
الأولاد | |||||||
الأب | ملكشاه الأول | ||||||
إخوة وأخوات |
|
||||||
تعديل مصدري - تعديل |
إستطاع أن يسيطر على أملاك بركياروق بعد وفاته. حيث صالحهُ الأمير إياز وسلّمهُ أملاك أخيه بلا قتال والأمير إياز هو وصي السلطان ملك شاه الثاني ابن أخيه الذي لم يبلغ الخامسة من العمر عام 1105م، وكان ملك أخيهِ بركياروق يشمل: الري وطبرستان وفارس وبغداد والجزيرة والحرمين. [4] وكان أخوه أحمد سنجر قد سيطر على خراسان. ويقال أن محمداً تعاون مع رضوان بن تتش السلجوقي حاكم حلب في معركة ضد قلج أرسلان الأول أحد سلاجقة الروم والتي وقعت قرب الموصل في عام 1107م وهزم فيها قلج وقتل بعدها بقليل. في عام 500 هـ قام محمد بن ملكشاه بغزو الباطنية وأخذ قلعتهم بأصبهان وقتل صاحبها أحمد بن عبد الملك بن عطاش وكان قد تملكها اثنتي عشرة سنة وهي من بناء ملكشاه الأول الذي بناها على رأس جبل وغرم عليها ألفي ألف دينار [1].[5]
خلف محمد ابنه محمود بصورة اسمية، إذ كانت السيطرة على البلاد آيلة بشكل عام لأحمد سنجر.
سيرته
الوزارة
في عام 500 هـ/1107م، ذهب أحمد بن نظام الملك، ابن الوزير نظام الملك الشهير، إلى بلاط السلطان محمد ليشكو إليه من رئيس همدان. وحين وصل أحمد البلاط، عيّنه محمد الأول وزيراً له، محل سعد الملك أبو المحاسن الذي كان قد أُعدِم قبل ذلك بقليل بتهمة الهرطقة. وكان التعيين مبنياً في الأساس على سمعة والد الوزير الجديد. وأسبغ عليه ألقاب كانت لوالده، منها «قوام الدين»، «صدر الإسلام»، «نظام الملك». لكن استبدل لفترة قصيرة بـخاطر الملك أبو منصور ميبودي، ثم تقاعد أحمد إلى حياة خاصة في بغداد، ولكن حسب أنوشروان بن خالد، فقد سجنه السلطان محمد الأول لعشر سنوات.
قام محمد بن ملكشاه، ومعه وزيره أحمد، بشن حملة في العراق حيث هزم وقتل الحاكم المزيدي، سيف الدولة صدقة بن منصور، الذي لقـَّب نفسه «ملك العرب».[6]
الحرب بين الأخوين بركياروق ومحمد
توالت هزائم بركياروق من أخيه محمد وسنجـر بخراسـان، فلما انهزم بركياروق صار إلى خورستان واجتمع عليه أصحابه ثم أتى عسكر مكرم وكثر جمعه ثم سار إلى همذان فلحق به الأمير إياز ومعه خمسة آلاف فارس وسار أخوه محمد إلى قتاله واقتتلوا وهو المصاف الثاني واشتد القتال بينهم طول النهار فانهزم محمد وعسكره وأسر مؤيد الملك بن نظام الملك وزير محمد وأحضر إلى السلطان بركياروق فوافقه على ما جرى منه في حق والدته وقتله السلطان بركيـاروق بيـده وكـان عمـر مؤيـد الملك لما قتل قريب خمسين سنة ثم سار السلطان بركيـاروق إلى الري وأما محمد فإنه هرب إلى خراسان واجتمع بأخيه سنجر وتحالفا واتفقا وجمعا الجموع وقصدا أخاهما بركيـاروق وكان بالري فلما بلغه جمعهما سار من الري إلى بغـداد وضاقـت الأموال على بركيـاروق فطلب من الخليفة مالاً وترددت الرسل بينهما فحمل الخليفة إليه خمسين ألف دينار ومد بركيـاروق يده إلى أموال الرعية ومرض وقوي به المرض وأما محمد وسنجر فإنهما استوليا على بلاد أخيهما بركيـاروق وسارا في طلبه حتى وصلا إلى بغداد بركيـاروق مريض وقد أيس منه فتحول إلى الجانب الغربي محمولاً ثم وجد خفة فسار عن بغداد إلى جهة واسط ووصل السلطان محمد وأخوه سنجر إلى بغداد فشكى الخليفة المستظهر إليهما سوء سيرة بركياروق وخطب لمحمد.
كان بركياروق بواسط ومحمد ببغداد، فلما سار محمد عن بغـداد سـار بركياروق مـن واسط إليه والتقوا بروذراور وكان العسكران متقاربين في العدة فتصافوا ولم يجر بينهما قتال ومشى الأمراء بينهما في الصلح فاستقرت القاعدة على أن يكون بركياروق هـو السلطان ومحمد هو الملـك ويكـون لمحمـد مـن البلاد أذربيجـان وديـار بكـر والجزيـرة والموصـل وحلف كل واحد منهما لصاحبه وتفرق الفريقان من المصاف، ثـم انتقـض الصلـح وسـار كـل منهمـا إلـى صاحبـه واقتتلـوا عنـد الـري وهو المصاف الرابـع فانهـزم عسكـر محمـد ونهبـت خزانتـه ومضى محمد في نفر يسير إلى أصفهان وتتبع بركياروق أصحاب أخيه محمد فأخذ أموالهم ثم سار بركياروق فحصر أخاه محمداً بأصفهان وضيـق عليـه وعدمـت الأقـوات في أصفهان ودام الحصار على محمد، فخرج من أصفهان هارباً مستخفياً وأرسل بركياروق خلفه عسكراً فلم يظفروا به ثم رحل بركياروق عن أصفهان وسار إلى همذان.
ثم دخلت سنة 496 هـ، فـي هـذه السنـة فـي جمـادى الآخرة كان المصاف الخامس بين الأخوين بركياروق ومحمد ابني ملكشاه فانهزم عسكر محمد أيضاً وكانت الوقعة على باب خري وسار بركياروق بعد الوقعة إلى جبل بين مراغة وتبريز كثير العشب والماء فأقاما به أيام ثـم سـار إلـى زنجـان وأمـا محمـد فسـار إلى أرجيش على أربعين فرسخاً من موضع الوقعة وهي من أعمال خلاط ثم سار من أرجيش إلى خلاط.
الصلح بين الأخوين
وفي 497 هـ في ربيع الأول وقع الصلح بين بركياروق ومحمد وكان بركياروق حينئذ بالري والخطبة له بها وبالجبل وطبرستان وفارس وديار بكر وبالجزيرة والحرمين الشريفين وكان محمد بأذربيجـان والخطبـة لـه بهـا وببلاد سنجر فإنه كان يخطب لشقيقه محمد إلى ما وراء النهر ثم إن بركيارق ومحمداً تراسلاً في الصلح واستقر بينهما وحلفا على ذلك في التاريخ المذكور وكان الصلح على أن لا يذكر بركياروق في البلاد التي استقرت لمحمد وأن لا يتكاتبا بل تكون المكاتبة بين وزيريهما وأن لا يعارض العسكر في قصد أيهما شاء وأما البلاد التي استقرت لمحمد ووقع عليها الصلح فهي: من النهر المعروف باسبيدز إلى باب الأبواب وديار بكر والجزيرة والموصل والشام ويكون له من العراق بلاد صدقة بن مزيد ولما وصلت الرسل إلى المستظهر الخليفـة بالصلح وما استقر عليه الحال خطب بركياروق ببغداد وكان شحنة بركياروق ببغداد أيلغازي بن أرتق.
توسُّعات قلج أرسلان ومعركة الموصل (1107م)
ارتفعت الروح المعنويَّة لِلمُسلمين عامَّةً والسلاجقة خاصَّةً نتيجة النهاية المُخزية لِلجماعات الصليبيَّة الثلاث، إذ ثأر هؤلاء لما حلَّ بهم في ضورليم وأثبتوا أنَّهم باقون في الأناضول، واتَّخذ قلج أرسلان لِنفسه لقب «سُلطان»، وحاول انتزاع اعتراف التُرك في آسيا الصُغرى وخارجها به، فكان أوَّل من لُقِّب بِهذا اللقب من حُكَّام سلاجقة الروم، وأشار إلى ذلك بضعة مُؤرخين كمتَّى الرُهَاوي وميخائيل السُرياني وابن العبري، غير أنَّ المُؤرخين المُسلمين حرصوا على مُناداته بِـ«الملك».[7][8] ويُلاحظ أنَّ اتخاذ قلج أرسلان لقب سُلطان لم يُفضِ إلى أيَّة ردَّة فعلٍ من جانب السلاجقة العظام -الذين كانوا يعدُّون الحاكم الأعلى لِلدولة في بغداد وجميع السُلالات السَلْجُوقيَّة هو وحده السُلطان- وكُل الحُكَّام دونه يحملون لقب الملك أو الشاه؛ ذلك أنَّ الدولة السَلْجُوقيَّة كانت في تلك الفترة تعصف بها رياح الفوضى والاضطراب ممَّا جعلها لا تتصرَّف ضدَّ الصليبيين ولا تنظر إلى ما قد يُثيره حُكَّام السُلالات الفرعيَّة من مُحاولات انفصال، فقد انقسم الصف السَلْجُوقي وانحلَّت السُلطة المركزيَّة وتكاثرت النزاعات الداخليَّة، فتنازع السُلطان بركياروق وأخيه مُحمَّد على المُلك، ونشبت بينهما عدَّة وقعات أُهرقت فيها الدماء،[9] فتأثَّرت جميع البلاد والأقاليم التابعة لِلدولة السَلْجُوقيَّة بِهذه الأحداث، فعمَّ الفساد، وانتُهبت الأموال، وأُحرقت القُرى، وتداعت الحُكُومة المركزيَّة، في حين علا شأن أُمراء الإقطاع، فانقسمت الدولة السَلْجُوقيَّة إلى سلطناتٍ وإماراتٍ وأتابكيَّاتٍ عديدة، توزَّعت في الشَّام والأناضول وأذربيجان والعراق وإيران.[10] وبِهذا الشكل أضحت دولة سلاجقة الروم سلطنةً قائمةً بِحد ذاتها.
أثارت شعبيَّة قلج أرسلان وانتصاراته على الصليبيين، ثُمَّ سيطرته على ملطية وإعلان نفسه سُلطانًا، أثارت أهالي ميافارقين الذين رغبوا بِالدُخُول تحت جناح سلاجقة الروم، فقرَّروا تسليم مدينتهم لِلسُلطان الجديد، وحضر إليه جميع أُمراء ديار بكر وبايعوه مُعترفين بِسُلطته، ثُمَّ عيَّن مملوك أبيه «خمرتاش السُليماني» -وهو أتابكه- واليًا على ميافارقين، وأقطع الوزير ضياء الدين مُحمَّد مدينة البستان، وعاد إلى ملطية حيثُ أقام فيها.[11][12] تطلَّع قلج أرسلان بعد ذلك إلى تحرير الرُّها من الصليبيين واستردادها لِلمُسلمين، فسار إليها سنة 499هـ المُوافقة لِسنة 1105م في عسكرٍ كثيف، وضرب الحصار عليها إلَّا أنَّهُ فشل في اقتحامها نظرًا لِمناعة أسوارها، فغادر إلى حرَّان بناءً لِدعوة أتباع أميرها المدعو «جكرمش»، فدخلها وتسلَّمها منهم.[13] لم يلبث قلج أرسلان أن قرَّر ضم الموصل قصبة الجزيرة الفُراتيَّة وذلك بعد أن استدعاه أميرها زنكي بن جكرمش ذو الحادية عشر ربيعًا، وطلب منهُ المُساعدة ضدَّ الأمير جاولي سقاوه -الذي كان قد ولَّاه السُلطان مُحمَّد بن ملكشاه على الموصل وأعمالها- فأتى واشتبك مع جكرمش الذي رفض تسليم ما تحت يديه من بلاد، فهُزم ووقع في أسر السلاجقة، وأُجلس ابنه زنكي على تخت الإمارة، لكنَّهُ لمَّا كان عديم الخبرة وقليل الحيلة، راسل السُلطان قلج أرسلان ووعده بِتسليمه الموصل وأعمالها إن أنجده.[14] ولمَّا علم جاولي بِمسير قلج أرسلان، وأدرك أنَّ لهُ من القُوَّة ما لا يستطيع مُجابهته في معركةٍ سافرة، عزم على تكوين حلفٍ مُناهضٍ له لِيُقوِّي موقفه، فتفاوض مع أمير حلب رضوان بن تُتُش واتفقا على طرد قلج أرسلان من الموصل ثُمَّ التعاون ضدَّ الصليبيين وطردهم من البلاد التابعة لِإمارة حلب. وفي غُضُون ذلك كان قلج أرسلان قد وصل الموصل ودخلها، فاستقبله سُكَّانُها استقبالًا حافلًا، وعاملهم هو بِكُلِّ تقديرٍ واحترام، وأجرى بعض التغييرات الإداريَّة، منها أنَّهُ أسقط اسم السُلطان مُحمَّد بن ملكشاه من الخطبة، وخطب لِنفسه بعد الخليفة العبَّاسي، وأحسن إلى الجُنُود، ورفع الرُسُوم المُحدثة عن الناس، وعدل فيهم. وماإن فرغ من ترتيب أوضاع المدينة حتَّى قرَّر مُحاربة جاولي، فغادر الموصل على رأس جيشه وسار حتَّى لقي عدُوَّه قريبًا من نهر الخابور، فاشتبك الجيشان في معركةٍ طاحنة أسفرت عن انتصارٍ واضحٍ لِجاولي، وحاول قلج أرسلان الفرار، فألقى بِنفسه في النهر، لكنَّهُ قضى نحبه غرقًا. ثُمَّ عاد جاولي بعد انتصاره إلى الموصل واستولى عليها، وقبض على ملكشاه بن قلج أرسلان وأرسله أسيرًا إلى السُلطان مُحمَّد، وأعاد الخطبة له.[15][16]
حرب الباطنية
كانت قلعة أصبهان من بناء ملك شاه الأول الذي بناها على رأس جبل وغرم عليها ألفي ألف دينار، فاستوليا عليها أحمد بن عبد الملك بن عطاش (زعيم الباطنية) بعد مماته، وكانت الباطنية بأصبهان قد ألبسو أحمد عطاش تاجاً، وجمعوا له أموالاً، وإنما فعلوا ذلك به لتقدم أبيه عبد الملك في مذهبهم، فإنه كان أديباً بليغاً، حسن الخط، سريع البديهة، عفيفاً، وابتلي بحب هذا المذهب، وكان ابنه أحمد هذا جاهلاً لا يعرف شيئاً، وقيل لابن الصباح، صاحب قلعة ألموت: لماذا تعظم ابن عطاش مع جهله؟ قال: لمكان أبيه، لأنه أستاذي. وصار لابن عطاش عدد كثير، وبأس شديد، واستفحل أمره بالقلعة، فكان يرسل أصحابه لقطع الطريق، وأخذ الأموال، وقتل من قدروا على قتله، فقتلوا خلقاً كثيراً لا يمكن إحصاؤهم، وجعلوا له على القرى السلطانية وأملاك الناس ضرائب يأخذونها ليكفوا عنها الأذى، فتعذر بذلك انتفاع السلطان بقراه، والناس بأملاكهم، وتمشى لهم الأمر بالخلف الواقع بين السلطانين بركياروق ومحمد.[17]
فلما صفت السلطنة لمحمد، ولم يبق له منازع، لم يكن عنده أمر أهم من قصد الباطنية وحربهم، والانتصاف للمسلمين من جورهم وعسفهم، فرأى البداية بقلعة أصبهان التي بأيديهم، لأن الأذى بها أكثر، وهي متسلطة على سرير ملكه، فخرج بنفسه فحاصرهم في سادس شعبان. وكان قد عزم على الخروج أول رجب، فساء ذلك من يتعصب لهم من العسكر، فأرجفوا أن قلج أرسلان بن سليمان قد ورد بغداد وملكها، وافتعلوا في ذلك مكاتبات، ثم أظهروا أن خللاً قد تجدد بخراسان، فتوقف السلطان لتحقيق الأمر، فلما ظهر بطلانه عزم عزيمة مثله، وقصد حربهم، وصعد جبلاً يقابل القلعة من غربيها، ونصب له التخت في أعلاه، واجتمع له من أصبهان وسوادها لحربهم الأمم العظيمة للذحول التي يطالبونهم بها، وأحاطوا بجبل القلعة ودوره أربعة فراسخ، ورتب الأمراء لقتالهم، فكان يقاتلهم كل يوم أمير، فضاق الأمر بهم، واشتد الحصار عليهم، وتعذرت عندهم الأقوات. فلما اشتد الأمر عليهم كتبوا فتوى فيها ما يقول السادة الفقهاء أئمة الدين في قوم يؤمنون بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر، وإن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، حق وصدق، وإنما يخالفون في الإمام: هل يجوز للسلطان مهادنتهم وموادعتهم، وأن يقبل طاعتهم، ويحرسهم من كل أذى؟ فأجاب أكثر الفقهاء بجواز ذلك، وتوقف بعضهم، فجمعوا للمناظرة، ومعهم أبو الحسن علي بن عبد الرحمن السمنجاني، وهو من شيوخ الشافعية، فقال، بمحضر من الناس، يجب قتالهم، ولا يجوز إقرارهم بمكانهم، ولا ينفعهم التلفظ بالشهادتين، فإنهم يقال لهم: أخبرونا عن إمامكم، إذا أباح لكم ما حظره الشرع، أو حظر عليكم ما أباحه الشرع أتقبلون أمره؟ فإنهم يقولون نعم، وحينئذ تباح دماؤهم بالإجماع. وطالت المناظرة في ذلك.[17]
ثم إن الباطنية سألوا السلطان أن يرسل إليهم من يناظرهم، وعينوا على أشخاص من العلماء منهم القاضي أبو العلاء صاعد بن يحيى، شيخ الحنفية بأصبهان، وقاضيها، وغيره، فصعدوا إليهم وناظروهم، وعادوا كما صعدوا، وإنما كان قصدهم التعلل والمطاولة، فلج حينئذ السلطان في حصرهم، فلما رأوا عين المحاقة أذعنوا إلى تسليم القلعة على أن يعطوا عوضاً عنها قلعة خالنجان، وهي على سبعة فراسخ من أصبهان، وقالوا: إنا نخاف على دمائنا وأموالنا من العامة، فلا بد من مكان نحتمي به منهم، فأشير على السلطان بإجابتهم إلى ما طلبوا، فسألوا أن يؤخرهم إلى النوروز ليرحلوا إلى خالنجان ويسلموا قلعتهم، وشرطوا أن لا يسمع قول متنصح فيهم، وإن قال أحد عنهم شيئاً سلمه إليهم، وأن ما أتاه منهم رده إليهم، فأجابهم إليه، وطلبوا أن يحمل إليهم من الإقامة ما يكفيهم يوماً بيوم، فأجيبوا إليه في كل هذا، وقصدهم المطاولة انتظاراً لفتق أو حادث يتجدد.[17]
قتل ابن عطاش
رتب لهم وزير السلطان سعد الملك ما يحمل إليهم كل يوم من الطعام والفاكهة، وجميع ما يحتاجون إليه، فجعلوا هم يرسلون، ويبتاعون من الأطعمة ما يجمعونه ليمتنعوا في قلعتهم، ثم إنهم وضعوا من أصحابهم من يقتل أميراً كان يبالغ في قتالهم، فوثبوا عليه وجرحوه، وسلم منهم، فحينئذ أمر السلطان بإخراب قلعة خالنجان، وجدد الحصار عليهم، فطلبوا أن ينزل بعضهم، ويرسل السلطان معهم من يحميهم إلى أن يصلوا إلى قلعة الناظر بأرجان، وهي لهم، وينزل بعضهم، ويرسل معهم من يوصلهم إلى طبس، وأن يقيم البقية منهم في ضرس من القلعة، إلى أن يصل إليهم من يخبرهم بوصول أصحابهم، فينزلون حينئذ، ويرسل معهم من يوصلهم إلى ابن الصباح بقلعة ألموت، فأجيبوا إلى ذلك، فنزل منهم إلى الناظر، وإلى طبس، وساروا، وتسلم السلطان القلعة وخربها. ثم إن الذين ساروا إلى قلعة الناظر وطبس منهم من أخبر ابن عطاش بوصولهم، فلم يسلم السن الذي بقي بيده، ورأى السلطان منه الغدر، والعود عن الذي قرره، فأمر بالزحف إليه، فزحف الناس عامة ثاني ذي القعدة، وكان قد قل عنده من يمنع ويقاتل، فظهر منهم صبر عظيم، وشجاعة زائدة، وكان قد استأمن إلى السلطان إنسان من أعيانهم، فقال لهم: إني أدلكم على عورة لهم، فأتى بهم إلى جانب لذلك السن لهم لا يرام، فقال لهم: اصعدوا من هاهنا، فقيل إنهم قد ضبطوا هذا المكان وشحنوه بالرجال، فقال: إن الذي ترون أسلحة وكزاغندات قد جعلوها كهيئة الرجال لقلتهم عندهم.[17] وكان جميع من بقي ثمانين رجلاً، فزحف الناس من هناك، فصعدوا منه، وملكوا الموضع، وقتل أكثر الباطنية، واختلط جماعة منهم مع من دخل، فخرجوا معهم، وأما ابن عطاش فإنه أخذ أسيراً، فترك أسبوعاً، ثم إنه أمر به فشهر في جميع البلد، وسلخ جلده، فتجلد حتى مات، وحشي جدله تبناً، وقتل ولده، وحمل رأساهما إلى بغداد، وألقت زوجته نفسها من رأس القلعة فهلكت، وكان معها جواهر نفيسة لم يوجد مثلها، فهلكت أيضاً وضاعت، وكانت مدة البلوى بابن عطاش اثنتي عشرة سنة.[17]
أُنظر أيضاً
مصادر
محمد بن ملكشاه في المشاريع الشقيقة: | |
- ^ "معلومات عن محمد بن ملكشاه على موقع id.loc.gov". id.loc.gov. مؤرشف من الأصل في 2019-12-13.
- ^ "معلومات عن محمد بن ملكشاه على موقع viaf.org". viaf.org. مؤرشف من الأصل في 2019-08-04.
- ^ "معلومات عن محمد بن ملكشاه على موقع nomisma.org". nomisma.org. مؤرشف من الأصل في 2018-07-07.
- ^ أعيان الزمان وجيران النعمان في مقبرة الخيزران - وليد الأعظمي - مكتبة الرقيم - بغداد 2001م - صفحة 50، 51.(الأمير إياز السلجوقي).
- ^ "إسلام ويب - سير أعلام النبلاء - الطبقة السابعة والعشرون - السلطان- الجزء رقم19". islamweb.net. مؤرشف من الأصل في 2020-11-12. اطلع عليه بتاريخ 2020-11-27.
- ^ الزركلي، خير الدين، الأعلام، ط15، ج3، ص203، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان.
- ^ ابن العبري، أبو الفرج گريگوريوس بن هٰرون الملطي (1418هـ - 1997م). تاريخ مُختصر الدُول (ط. الأولى). بيروت - لُبنان: دار الكُتُب العلميَّة. ص. 172 - 173. مؤرشف من الأصل في 19 ديسمبر 2020.
{{استشهاد بكتاب}}
: تحقق من التاريخ في:|سنة=
(مساعدة) - ^ ابن الأثير، علي بن مُحمَّد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري (1424هـ - 2003م). الكامل في التاريخ (PDF) (ط. الرابعة). بيروت - لُبنان: دار الكُتُب العلميَّة. ج. الجُزء التاسع. ص. 97. ISBN:2745100467. مؤرشف من الأصل (PDF) في 16 ديسمبر 2019.
{{استشهاد بكتاب}}
: تحقق من التاريخ في:|سنة=
(مساعدة) - ^ الذهبي، أبو عبد الله شمس الدين مُحمَّد بن أحمد بن عُثمان بن قايماز (1415هـ - 1994م). تاريخ الإسلام ووفيَّات المشاهير والأعيان (PDF) (ط. الأولى). بيروت - لُبنان: دار الكتاب العربي. ج. الجُزء الرابع والثلاثون. ص. 20 - 22، 26 - 27. مؤرشف من الأصل (PDF) في 30 أغسطس 2021.
{{استشهاد بكتاب}}
: تحقق من التاريخ في:|سنة=
(مساعدة) - ^ طقُّوش، مُحمَّد سُهيل (1423هـ - 2002م). تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصُغرى 470 - 704هـ / 1077 - 1304م (PDF) (ط. الأولى). بيروت - لُبنان: دار النفائس. ص. 102. ISBN:9953180474. مؤرشف من الأصل (PDF) في 14 مارس 2022.
{{استشهاد بكتاب}}
: تحقق من التاريخ في:|سنة=
(مساعدة) - ^ الفارقي، أحمد بن يُوسُف بن عليّ بن الأزرق (1379هـ - 1959م). تاريخ ميافارقين وآمد (PDF) (ط. الأولى). القاهرة - مصر: وزارة الثقافة والإرشاد القومي. ص. 272 - 273. مؤرشف من الأصل (PDF) في 30 أغسطس 2021.
{{استشهاد بكتاب}}
: تحقق من التاريخ في:|سنة=
(مساعدة) - ^ ابن شدَّاد، عزُّ الدين أبو عبد الله مُحمَّد بن علي بن إبراهيم الأنصاري الحلبي. الأعلاق الخطيرة في ذكر أُمراء الشَّام والجزيرة. ص. 178. مؤرشف من الأصل في 7 كانون الثاني (يناير) 2021.
{{استشهاد بكتاب}}
: تحقق من التاريخ في:|تاريخ أرشيف=
(مساعدة) - ^ ابن القلانسي، أبو يعلى حمزة بن أسد بن علي بن مُحمَّد التميمي (1403هـ - 1983م). تاريخ دمشق (ط. الأولى). دمشق - سوريا: دار حسَّان للطباعة والنشر. ص. 242. مؤرشف من الأصل في 25 ديسمبر 2020.
{{استشهاد بكتاب}}
: تحقق من التاريخ في:|سنة=
(مساعدة) - ^ ابن الأثير، علي بن مُحمَّد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري (1424هـ - 2003م). الكامل في التاريخ (PDF) (ط. الرابعة). بيروت - لُبنان: دار الكُتُب العلميَّة. ج. الجُزء التاسع. ص. 102 - 103. ISBN:2745100467. مؤرشف من الأصل (PDF) في 16 ديسمبر 2019.
{{استشهاد بكتاب}}
: تحقق من التاريخ في:|سنة=
(مساعدة) - ^ ابن الأثير، علي بن مُحمَّد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري (1424هـ - 2003م). الكامل في التاريخ (PDF) (ط. الرابعة). بيروت - لُبنان: دار الكُتُب العلميَّة. ج. الجُزء التاسع. ص. 104 - 107. ISBN:2745100467. مؤرشف من الأصل (PDF) في 16 ديسمبر 2019.
{{استشهاد بكتاب}}
: تحقق من التاريخ في:|سنة=
(مساعدة) - ^ يُوسُف، هُدى ياسين (ربيع الأوَّل 1434هـ \ شُباط 2013). "الحوليَّات السُريانيَّة مصدرًا لِسلاجقة الموصل، تاريخ الزمان لِابن العبري أُنموذجًا" (PDF). إضاءات موصليَّة. مركز دراسات الموصل، جامعة الموصل ع. العدد 68: صفحة 9. مؤرشف من الأصل (PDF) في 7 يناير 2021.
{{استشهاد بدورية محكمة}}
: تحقق من التاريخ في:|سنة=
(مساعدة) - ^ أ ب ت ث ج "فصل: ذكر أحوال الباطنية بأصبهان وقتل ابن عطاش:|نداء الإيمان". www.al-eman.com. مؤرشف من الأصل في 2020-11-27. اطلع عليه بتاريخ 2020-11-27.
- المنتظم في تاريخ الملوك والأمم - ابن الجوزي البغدادي.
- تاريخ العراق في العصر السلجوقي - د. حسين أمين - بغداد - مطبعة الأرشاد 1385هـ/1965م -صفحة 82.
- تاريخ الأعظمية - وليد الأعظمي - صفحة 472.(إياز السلجوقي).
- غاية المرام في تاريخ محاسن بغداد دار السلام - ياسين خير الله العمري- بغداد - مطبعة البصري 1968م - صفحة 152، 304.
محمد بن ملكشاه ولد: 1082 توفي: 1118
| ||
ألقاب ملكية | ||
---|---|---|
سبقه ملكشاه الثاني |
سلطان الدولة السلجوقية
1105–1118 |
تبعه محمود |