قصف الدار البيضاء

هذه هي النسخة الحالية من هذه الصفحة، وقام بتعديلها عبود السكاف (نقاش | مساهمات) في 22:37، 27 أغسطس 2023 (بوت:نقل من تصنيف:1907 في فرنسا إلى تصنيف:فرنسا في 1907). العنوان الحالي (URL) هو وصلة دائمة لهذه النسخة.

(فرق) → نسخة أقدم | نسخة حالية (فرق) | نسخة أحدث ← (فرق)

قصف الدار البيضاء كان هجومًا بحريًا فرنسيًا وقع في الفترة من 5 إلى 7 أغسطس عام 1907 ودمر مدينة الدار البيضاء المغربية.[1] استخدمت فرنسا بشكل أساسي نيران المدفعية من البوارج لقصف المدينة والأهداف في المنطقة المحيطة، مما تسبب في مقتل ما يقدر بـ 1500 إلى 7000 مغربي.[1] فتح قصف الدار البيضاء جبهة غربية للغزو الفرنسي للمغرب بعد احتلال هوبير ليوتي لوجدة في الشرق في وقت سابق من ذلك العام.[2]

قصف الدار البيضاء
جزء من غزو فرنسا للمغرب
بطاقة بريدية تظهر البارجة الفرنسية المجد (Gloire) في قصف الدار البيضاء المغربية عام 1907
معلومات عامة
التاريخ 5-7 أغسطس 1907
الموقع الدار البيضاء
المتحاربون
الإمبراطورية الشريفة الجمهورية الفرنسية
القادة
عبد العزيز بن الحسن
أبو بكر بن أبي زيد
الحاج حمو
جوزاف ألفونس فيليباغ
الخسائر
1,500-7,000 غير معروف

جاء القصف الفرنسي في أعقاب هجوم شنه رجال قبائل من الشاوية في 30 يوليو 1907 على موظفين أوروبيين يعملون في شركة مغربية تشغل قطارًا من مقلع حجارة في منطقة الصخور السوداء إلى ميناء الدار البيضاء. كان رجال قبائل الشاوية أيضًا معارضين لبنود معاهدة الجزيرة الخضراء لعام 1906 وعلى الوجود الفرنسي في دار الجمارك وعلى بناء سكة حديدية في مقاطعة سيدي بليوط. في 5 أغسطس اندلع تمرد في المدينة عندما نزل من الطراد الفرنسي (جاليليه) مجموعة إنزال مؤلفة من 75 جنديًا.

قصفت السفينتين الحربيتين الفرنسيتين (جاليليو) و(دو شايلا) مدينة الدار البيضاء بالميلينيت، وهي مادة متفجرة تحتوي على حمض البيكريك مما أصاب سكان المدينة بالذعر.[3]

خلفية

مع بداية القرن العشرين اشتد التنافس الاستعماري الأوروبي حول المغرب. حسمت فرنسا هذا التنافس لصالحها عن طريق توقيع اتفاقيات ثنائية مع قوى استعمارية أوروبية تنفرد بموجبها بالمغرب، فقد تنازلت في سنة 1902 لإيطاليا عن ليبيا مقابل المغرب، ثم تنازلت لبريطانيا عن مصر سنة 1904، كما حصلت على امتيازات متعددة في المغرب بموجب مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906.[3]

مؤتمر الجزيرة الخضراء

الاتفاقية النهائية لمؤتمر الجزيرة الخضراء، التي أجبر محمد المقري على توقيعها، منحت صفقة لبناء مينائي الدار البيضاء وآسفي للشركة المغربية وهي شركة قابضة استعمارية فرنسية.

ضعف الدولة المغربية

ساهمت مجموعة من العوامل الداخلية في تأزيم الوضع. فقد كان المخزن المغربي يعيش أزمة اقتصادية ومالية خانقة، حيث أنه لم يستطع فرض ضريبة الترتيب سنة 1902، وذلك لأن قبائل الشاوية تسلحت عند الأوروبيين الذين باعوا لها الذخائر والبنادق الآلية والخيول وما إلى ذلك،[4] ولجأ إلى الاقتراض بقة من الدول الأوربية وخاصة فرنسا. دون إغفال ثورة وتمرد الجيلالي بن إدريس الزرهوني المعروف في التاريخ المغربي بلقب بوحمارة وذلك ما بين مابين 1902 و 1909. وقد استغلت القوى الاستعمارية هذا الوضع السياسي المضطرب، حيث احتلت فرنسا وجدة في الشرق على الحدود مع الجزائر، بالإضافة إلى قصف واحتلال مدينة الدار البيضاء سنة 1907، ثم احتلت إسبانيا مدينة العرائش ومدينة القصر الكبير في الشمال المغربي سنة 1911.

قبل القصف

كان عدد سكان الدار البيضاء قبل القصف تقريبا 30,000 نسمة ومنهم 1,000 أوروبي و6,000 يهودي.[3]

أدت سياسة الجاليات الأوربية المدفوعة والمساندة من طرف قناصلهم إلى انتشار الكراهية والحقد بين السكان المحليين اتجاههم، إذ أصبح البيضاويون يرون في أي عمل يقوم به هؤلاء أو ينوون القيام به، إنما يمهدون من خلاله لمزيد من السيطرة على المدينة وقد زاد من استياءهم ما لمسوه من عجز للمخزن في الدفاع عنهم إذ أصبح مكبلا بالديون ومقيدا ببنود الاتفاقيات، وأنه لا يزال يجر وراءه نتائج الهزيمة في معركتي إيسلي وتطوان.

 
ميناء الدار البيضاء سنة 1900

أسباب القصف

وكان لمحاولة شركة «شنايدر» (نسبة لأوجين شنايدر الثاني، أحد كبار رجال الأعمال) توسيع مرسى الدار البيضاء وكذا المحاولة الثانية بمد خط لسكة الحديدية باتجاه منطقة الصخور السوداء لجلب الحجارة إلى الميناء على حساب مكان تعتبر حرمته مقدسة في عرف جميع الأديان وذو حرمة أكبر في نفوس المغاربة المسلمين، الشيء الذي أثار حفيظة السكان، فهبوا لإيقاف هذه الأشغال. التمرد تسبب في موت تسعة أوروبيين: خمسة فرنسيين وإيطاليين وإسباني.[5]

حتى أن السكان المغاربة ذهبوا أبعد من ذلك حيث تمكنوا من السيطرة على كل المدينة، حتى مينائها أصبح خاضعا لسيطرتهم، وصاروا يتقاضون مقابلا ماديا من التجار الراغبين في مغادرة المرسى للاستعانة به في الاستعداد لمواجهة محتملة. فقاموا بجمع المتطوعين وتسليحهم. وقد زاد من حماسهم واستجابة الناس مع هذه الانتفاضة، الأخبار القادمة من الجزائر البلد الجار. وما يكابده أهله من محن جراء الاحتلال الفرنسي إضافة إلى تأثير الأفكار السلفية القادمة مع الحجاج.

كل هذا أذكى روح اليقظة في نفوس سكان الدار البيضاء والقبائل المجاورة لها، وكان هذا الاستعداد يتم بروح من المسؤولية، إذ تم تجاوز مختلف الصراعات الهامشية التي كانت قائمة بين تلك القبائل، وتم رسم هدف واحد، هو ضرورة التكتل لمواجهة الخطر النصراني القادم من البحر فتم التخلص من القواد الرافضين أو المتخاذلين وعينت بدلهم مجالس جماعية.

كما أعلنت جيوش السلطان عبد العزيز تمردها في 27 ماي 1907 إثر تأخر وصول أجورهم ومؤوناتهم، فاحتلوا محلات الديوانة، واستمر هذا الوضع حتى وافق الأمناء على منحهم تسبيقا لمستحقاتهم. وفي 8 يونيو عاود هؤلاء الجنود الكرة، بشنهم إضرابا لمدة يومين، مما اضطر القنصل الفرنسي مالبرتي MALPERTY إلى منحهم أجرة الشهر الأخير.

و كانت استعدادات القبائل تزداد حدة مع استمرار تدفق الأخبار في شأن الأجانب ففي أبريل 1907 اجتمع المجاهدون حول مدينة الدار البيضاء معبرين عن استيائهم من احتلال الجيوش الفرنسية لوجدة، مظهرين أنهم على أثم الاستعداد لأي هجوم محتمل. وقد كان ترقب البيضاويين لهجوم بحري محتمل في محله، فقد قامت القوات البحرية الفرنسية بعدوان سافر على مدينة الدار البيضاء يوم الاثنين 25 جمادى II 1325 الموافق ل 5 غشت 1907.

نتائج القصف

نشرت صحيفة «لوبوتي جورنال» الفرنسية الصادرة يوم 28 غشت من العام 1907 مقالا حول القصف الذي تعرضت له الدار البيضاء جاء فيه:

 
قتلى مغاربة خلال حملة المغرب 1907-1908
«يمكن الآن أن نقيم آثار القصف على المدينة. عدد القتلى وصل إلى ما يفوق 500 مغربي أصيبوا بالقذائف الفرنسية، وكانت جثثهم ملقاة على الأرض في كل مكان، وكانت تنبعث منها روائح كريهة. وقام الجنود الفرنسيون بنقلها إلى خارج الأسوار وتغطيتها بالجير. كل مغربي ضبط وبحوزته سلاح يقتل في الحين. أما السكان الذين نجوا من القصف فجاؤوا أمام جنودنا وهم يرتعشون. بعضهم اعتقادا منه أنه يظهر احترامه للعادات الأوربية، وضع قبعة من القش على رأسه، ولوح بيديه بمنديل أبيض كدليل على السلام. المدينة كلها هدمت تقريبا. وحده حي القنصليات والمنازل المحيطة بها بقيت صامدة. هل هذا الدرس كاف ويعطي للمخزن القوة الضرورية لوقف هجمات القبائل وفرض الصمت على مثيري الشغب المسلمين الذين يدعون إلى الحرب المقدسة ضد الأوربيين؟.»

وفي هذا الخضم واصلت القوات العسكرية الفرنسية توسعها في قبائل الشاوية، التي كانت مكونة من 12 قبيلة (مديونة وزناتة وأولاد زيان والزيايدة وأولاد علي والمداكرة ومزاب والمزامزة وأولاد احريز وأولاد سعيد وأولاد البوزيري وأولاد سي بن داود)، وتمكنت من الاستيلاء على تادارت وجميع قبائل الشاوية. فيما سارع المولى عبد الحفيظ في شهر شتنبر من العام 1907 إلى إرسال محلة من 3500 رجل (من الرحامنة والسراغنة) وأربعة مدافع، بقيادة سيدي محمد ولد مولاي رشيد من أجل الدفاع عن الشاوية في وجه التغلغل الفرنسي.

بعد القصف

ويحكي الطبيب الفرنسي لويس أرنو في كتابه «زمن المحلات السلطانية: الجيش المغربي وأحداث قبائل المغرب ما بين 1860 و 1912» أن من تداعيات الهجوم الفرنسي على كل من وجدة والدار البيضاء هو احتدام الصراع بين المولى عبد العزيز والمولى عبد الحفيظ. وقال بهذا الخصوص:

 
باب المرسى سنة 1911
«اجتمع كل أعيان وأشراف وعلماء المدينة بالمسجد، بحضور مولاي عبد الحفيظ وأتباعه، والقائد المدني الكلاوي وأقاربه، ومختلف موظفي المخزن، وبعد كلمة وعظية، أخذ الكلمة مولاي بوبكر أخ السلطان وقال: «نعلم أن مولاي عبد العزيز قد باع بلدنا للمسيحيين لإشباع رغباته، والأدلة على هذا واضحة حتى بالنسبة لمن لا يود رؤية ما يحدث. فهم قد استولوا منذ شهور على وجدة باب الشرق، ولا يبدو أنهم مستعدون لتركها، بل إنهم يجبرون إخواننا على الخضوع لقوانين وعادات بلادهم، وتعلمون الآن أنهم قد نزلوا إلى ميناء الدار البيضاء، بأعداد كبيرة، مسلحين بالرشاشات والمدافع، وأنهم أغرقوا هذه المدينة «المسكينة» باب الغرب في الهموم والفوضى والاضطرابات، وها هي يدهم تمتد نحو إخواننا في الشاوية المساكين. (وكان مولاي عبد الحفيظ في هذه الأثناء يبكي لأن أمه من هذه القبيلة، وبكى معه الحاضرون)... وأمام هذه المصائب التي تتوالى علينا لا أحد يستطيع أن يبقى دون حراك، ولا أن يخفي آلامه، فيجب إعانة إخواننا المنهكين في قبائل الشاوية التي تواجه المستعمر الغازي، وإذا كان سلطاننا عاجزا عن تجهيز كل الجنود ومواجهة العدو، وأعتقد أنه كذلك، فإنه يحق للعلماء والشرفاء اختيار قائد قوي يلتف حوله المومنون الأتقياء. وقد حان الوقت لإعلان الحرب المقدسة، فهل سننتظر دون إطلاق النار حتى يصل العدو إلى مشارف الأسوار (أي أسوار مدينة مراكش).»

ويذكر أحمد المنصوري في كتابه كباء العنبر من عظماء زيان وأطلس البربر أن الزعيم محمد أوحمو الزياني ما أن سمع باحتلال البيضاء حتى طار بفرسه ووراءه قبائل زيان ومن انضاف إليهم من القبائل المجاورة إلى أن وصلوا إلى أبواب المدينة المذكورة وسط قبائل الشاوية، وهناك وجدوا زعيما أمازيغيا من الأطلس المتوسط قد سبقهم إلى الجهاد هو موحى أوسعيد قائد القصيبة على نحو 50 كلم شمال بني ملال. كان لهذا الأخير دور مركزي في قيادة المعارك الخاطفة، على مشارف الدار البيضاء مثل معارك سيدي مومن وتادارت ضواحي الدار البيضاء، قبل أن ينسحب إلى هضاب الشاوية في اتجاه معقله بالقصيبة، وذلك بعد أن أجبر فيالق الحملة العسكرية الفرنسية على المكوث داخل أسوار مدينة الدار البيضاء وعدم التقدم طيلة 6 أشهر .

مصادر

  1. ^ أ ب "مجزرة 1907.. هكذا دمرت البحرية الفرنسية البيضاء عن آخرها". مغرس. مؤرشف من الأصل في 2023-03-17. اطلع عليه بتاريخ 2021-06-23.
  2. ^ Adam، André (1968). Histoire de Casablanca: des origines à 1914. Aix-en-Provence: Ophrys.
  3. ^ أ ب ت "مجزرة 1907.. هكذا دمرت البحرية الفرنسية البيضاء عن آخرها". مغرس. مؤرشف من الأصل في 2017-10-03. اطلع عليه بتاريخ 2018-12-14.
  4. ^ Grasset، Capitaine Alphonse (1911). A travers la Chaouïa avec le Corps de débarquement de Casablanca (1907-1908). Paris: Hachette. مؤرشف من الأصل في 2020-01-14. {{استشهاد بكتاب}}: يحتوي الاستشهاد على وسيط غير معروف وفارغ: |بواسطة= (مساعدة)صيانة الاستشهاد: التاريخ والسنة (link)
  5. ^ "Le Petit journal". Gallica (بfrançais). 1 Aug 1907. Archived from the original on 2018-10-25. Retrieved 2018-10-25.

طالع أيضا

معرض صور