حصار الزبير 1833
حصار الزبير 1833 هو حصار جرى لمدينة الزبير جنوب العراق العثماني آنذاك واستمر لسبعة أشهر، وفرضه عيسى بن محمد السعدون شيخ قبائل المنتفق سنة 1249هـ/1833-1834م بتحريض من «محمد بن إبراهيم الثاقب» منافس آل زهير على حكم الزبير. ولم يكن هناك من سبب مقنع أو مبرر قوي لهذا الحصار سوى أن شيخ المنتفق قد انحاز لأحد طرفي الصراع على مشيخة البلدة، وانحاز معه شيخ الكويت جابر بن عبد الله الصباح. وقد انتهى الحصار بدخول المدينة بعد نفاد الطعام في مارس 1834، وقيل كان في آخر صفر 1249هـ/يوليو 1833م.[1] وشهد بعدها مجزرة ضد «آل زهير» بعد رفض أمير المنتفق المساومة على دم ابن عمه علي الثامر الذي قتل أثناء الحصار بالذهب الذي عرضه عليه «عبد الرزاق الزهير».[2][3]
حصار الزبير 1833 | |||||||
---|---|---|---|---|---|---|---|
معلومات عامة | |||||||
| |||||||
المتحاربون | |||||||
المنتفق إمارة الكويت |
إمارة الزبير | ||||||
القادة | |||||||
عيسى السعدون الشيخ جابر الصباح محمد بن إبراهيم الثاقب |
عبد الرزاق الزهير | ||||||
تعديل مصدري - تعديل |
جذور الخلاف بين آل زهير ومحمد الثاقب
في سنة 1211هـ/1796م تولى الشيخ يحيى بن محمد الزهير حكم الزبير إلى أن توفي سنة 1213هـ/1798م، فأسند الشيخ حمود بن ثامر السعدون مشيخة الزبير إلى «إبراهيم الثاقب» من سلالة وطبان بن ربيعة المريدي،[4] ودامت مشيخته إلى أن قُتِل على يد مجهول سنة 1237هـ/1822م، فأسندت مشيخة الزبير إلى ولده محمد، ولكن بعد بضعة أشهر من حكمه جرت مصادمات بينه وبين آل زهير بسبب اتهامه لتلك الأسرة بأنهم وراء مقتل والده، فهرب بعد تلك المصادمات إلى المنتفق عند الشيخ حمود الثامر، فخلفه في حكم الزبير يوسف بن يحيى الزهير وأقر متسلم البصرة على ذلك،[5] مما أثار حفيظة محمد الثاقب فاتهمه بأنه قتل الشيخ «راشد بن ثامر السعدون» بالسم، فأظهر استعداده ليكون هو من ياخذ بالثأر من آل زهير، فحرض متسلم البصرة «محمد كاظم آغا» لمساعدته، وجمع جموعه لمهاجمة الزبير، ولكن يوسف الزهير كان على علم بذلك فتأهب للمواجهة، مما أفشل هجوم الثاقب.[6] ولم يكن الشيخ حمود الثامر على علم بما جرى، لأنه كان في رحلة إلى البادية، فلما عاد وأُخبر بما جرى، وكان ذلك في سنة 1238هـ/1823م صار يتودد إلى يوسف وصارا يتزاوران إلى أن تمكن من القبض عليه وعلى مؤيديه من وجوه الزبير وسجنهم، وبقوا بضعة أشهر إلى أن توفي الشيخ يوسف في المعتقل، وعندئذ اطلق الشيخ حمود باقي السجناء وأمرهم بالعودة إلى الزبير، وأعاد مشيخة البلدة إلى محمد الثاقب الذي استمر فيها إلى سنة 1241هـ/1826م عندما انتفض «علي بن يوسف الزهير» ضده، وألب الأهالي عليه حتى أخرجوه من الزبير، فهرب إلى الكويت عند الشيخ جابر الصباح، وقد تولى حكم الزبير حليف ابن زهير وإسمه راشد بن ناصر الراشد[7] وقيل ناصر بن ناصر الراشد.[8]
وفي سنة 1242هـ/1827م كاتب بعض أهالي الزبير الشيخ عجيل السعدون بأن يضم بلدتهم إلى حكمه، فقام عجيل برفع المعروض إلى داود باشا (والي بغداد) وبتوقيع من أهالي الزبير، ومن بينهم التاجر «سليمان الفداغ» وهو من المقربين للوالي داود باشا، وأخوه عبد الله. فوافق الوالي وأسند الأمر إلى الشيخ عجيل. ولكن «علي بن يوسف الزهير» وأخوته اعترضوا على هذا الأمر عند متسلم البصرة «عزيز آغا» حيث لم يستشاروا، فأحضر المتسلم سليمان وعبد الله الفداغ وسجنهما، فتوقف عندها أمر الضم.[9] وفي السنة التالية 1243هـ/1828م جرت فتنة داخل الزبير قتل على أثرها أمير الزبير ناصر الراشد، فاستلم علي بن يوسف الزهير مشيخة الزبير، حيث استمر فيها إلى وفاته بالطاعون سنة 1247هـ/1831م فاستلم من بعده أخوه عبد الرزاق بن يوسف.[10][11]
الحصار
أسباب الحصار
التجأ راشد بن ثامر السعدون إلى حاكم الزبير عبد الرزاق الزهير هربًا من الشيخ عيسى السعدون، فحرض محمد الثاقب الشيخ عيسى بإرسال طلب إلى شيخ الزبير بتسليمه راشد السعدون، إلا ان عبد الرزاق رفض ذلك كونه يتنافى مع العرف الأخلاقي بعدم تسليم المستجير، وهذا ما رفع درجة التوتر بينهما.[9] وفوق ذلك أصدر علي رضا باشا (والي بغداد) مرسومًا إلى الشيخ عيسى بالسير إلى الزبير وإخراج عبد الرزاق منها، وكان ذلك بتحريض من القنصل البريطاني في البصرة روبرت تايلور الذي يكن عداءً لأسرة آل زهير، فاستغل توجس الوزير علي رضا من نزعتهم الاستقلالية ليؤلبه ضدهم، حيث نصح رضا باشا أن يضرب العشائر العراقية ببعضها البعض.[12]
الحصار
في 1248هـ/1833م سار إلى الزبير أمير المنتفق الشيخ عيسى السعدون بقسم كبير من عشائره للاستيلاء عليها، فانضم إليه محمد الثاقب ومعه من أهالي حرمة وحريملاء قادمًا من الكويت، فنزلوا على الماء المعروف بالدريهمية بالقرب من الزبير وضرب عليها الحصار.[11] وتهيأ الشيخ عبد الرزاق الزهير للدفاع عن المدينة، وجرت بينهم معارك عديدة قتل فيها من الفريقين عدة رجال من ضمنهم علي بن ثامر السعدون عم الشيخ عيسى، فاشتدت الحرب بعد مقتله، وطال الحصار وتمكن المدافعون من ابعاد القوات المحاصرة عن مصادر المياه، مما أدى إلى خسائر في الأرواح والأموال عند المهاجمين. عندها عزم الشيخ عيسى السعدون رفع الحصار والرحيل والعودة إلى مقر إمارته، إلا أن سرايا من أهل الزبير قامت بهجوم ليلي خاطف، قتل على إثره عدد من أبناء المنتفق ومن بينهم علي بن ثامر السعدون، فكان ذلك سببا في عزم الأمير بمواصلة الحصار وتحريض أهل الزبير على تسليم آل زهير بدم علي بن ثامر مقابل رفع الحصار.[13] وكتب كتابًا إلى الشيخ جابر الصباح حاكم الكويت يطلب منه النصرة، فقدم إليه بجمع من أهالي الكويت، فقطع الإمدادات عن الزبير بإغلاق طريق خور عبد الله المائي، وقد استمر الحصار لسبعة أشهر بحيث قل الحطب وارتفعت الأسعار وعم الجوع ونفذت ذخيرة آل زهير من البارود والرصاص. ولما علم محمد الثاقب بالحالة التي هي عليها المحاصرون، أرسل إليهم للمفاوضة في التسليم المطلق فأجابه «عبد الرحمن بن مبارك» بقبول التسليم على أن يعلنوا الأمان للناس جميعا على أنفسهم وأموالهم. فعرض الثاقب الأمر على الشيخ عيسى، وطلب منه أن يعهد أمور الزبير إليه وأن لا يسمح لأحد من رجاله بدخول المدينة خشية من وقوع اعتداءات على الأرواح والأموال، فأجابه الشيخ عيسى إلى ذلك.[11][14]
الاستسلام وما بعده
دارت مباحثات بين محمد الثاقب وبين عبد الرحمن بن مبارك على كيفية تسليم المدينة فاتفقا على أن يفتح عبد الرحمن باب المدينة الشمالي ليلاً ليدخلوها. فدخل الثاقب ورجاله المدينة، وألقى القبض على عبد الرزاق الزهير وجميع من معه، ثم نودي في المدينة بالأمان التام لجميع الأهلين، وأن يبقى كل على حاله وفي محله، وأنه لا غرض لهم سوى آل زهير وقد ألقي القبض عليهم جميعًا، إلا أحد إخوته -وقد قتل لاحقًا- وإبنه سليمان والشيخ راشد السعدون الذي كان لاجئًا عنده، وكان ذلك آخر صفر 1249هـ/يوليو 1833م.[15][1]
عندما مثل عبد الرزاق الزهير أمام الشيخ عيسى أيقن في الهلاك، فأراد أن يفتدي نفسه بالمال، فقال للشيخ عيسى:«ياطويل العمر، أحمران لا يجتمعان، دم أحمر وذهب أحمر، فاختر أيهما تشاء. إن أردت سفك دمنا فها نحن جميعا بين يديك، وإن أردت الذهب فعاهدنا على الأمان ونحن نعطيك منه ما تشاء». كاد الشيخ عيسى أن يجنح لأخذ المال، ولكن ولدا علي الثامر السعدون اعترضوا وقالوا له:«لا يذهب دم أبينا هدرّا ويشترى بالمال». فغير الشيخ عيسى رأيه وسلم الأسرى مرغمًا إلى إبني علي الثامر اللذان قتلوهم صبرًا، وكان من بينهم سبعة من آل الشيخ يوسف بن يحيى الزهير وأربعة من أخوة الشيخ عبد الرزاق،[16] بينما فر سليمان بن عبد الرزاق الزهير ملتجئًا إلى الشيخ جابر الصباح في الكويت. وبعدها ارتحل الشيخ عيسى عن الزبير وترك الأمر فيها لمحمد الثاقب واستتب الأمر إليه في حكم المدينة.[17][10]
المراجع
- ^ أ ب تاريخ الفاخري. ص:206
- ^ السعدون 1999، صفحات 180-181.
- ^ خزعل 1962، صفحات 102-103.
- ^ خزعل 1962، صفحة 94.
- ^ باش أعيان 2019، صفحة 650.
- ^ خزعل 1962، صفحة 95.
- ^ باش أعيان 2019، صفحة 652.
- ^ خزعل 1962، صفحة 96.
- ^ أ ب باش أعيان 2019، صفحة 653.
- ^ أ ب باش أعيان 2019، صفحة 654.
- ^ أ ب ت خزعل 1962، صفحة 101.
- ^ باش أعيان 2019، صفحة 557.
- ^ المنتفق في ذاكرة التاريخ. سعد سلطان السعدون. دار جداول. ط:الأولى 2014. ص:114
- ^ باش أعيان 2019، صفحات 653-654.
- ^ خزعل 1962، صفحة 103.
- ^ النصرة في أخبار البصرة، أحمد نوري الانصاري. ص:204
- ^ خزعل 1962، صفحة 104.
المصادر
- باش أعيان، أحمد (2019). موسوعة تاريخ البصرة. لندن: دار الحكمة. ج. 2.
- حميد حمد السعدون إمارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق والمنطقة الإقليمية 1546-1918. ط:1 دار وائل للنشر. عمان الأردن.
- ستيفن همسلي لونكريك. أربعة قرون من تاريخ العراق، بيروت، 2004م.
- عباس العزاوي. موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين. الجزئين الخامس والسادس. الدار العربية للموسوعات.
- حسين خلف الشيخ خزعل. تاريخ الكويت السياسي. (1962). بيروت: دار ومكتبة الهلال. ص:76-78