فرضية الدماغ المنسوخ
فرضية الدماغ المنسوخ هي فرضية غير مسندة إلى الأدلة في علم النفس التطوري حول أسباب اضطرابات طيف التوحد وطيف الفصام، إذ عرض بيرنارد كريسبي وكريستوفر بادكوك هذه الفرضية للمرة الأولى في عام 2008. تزعم الفرضية وجود بعض السمات المتضادة بين التوحد والنوع الفصامي، ما يشير إلى تعارض أسباب المرض الكامنة خلف كل من الحالتين.
تعتمد فرضية الدماغ المنسوخ على النسخ الجيني، الذي يمثل عملية تخلق التعبير الجيني المختلف عن طريق نسخ جينات الوالدين مع تأثير أحدهما بشكل أكبر من الآخر. يقترح مؤيدو فرضية الدماغ المنسوخ على وجه التحديد أن تطور اضطرابات طيف التوحد ناجم عن فرط النسخ من جهة الأب، وتطور اضطرابات طيف الفصام ناجم عن فرط النسخ من جهة الأم؛ إذ يشيرون إلى عدد من الارتباطات والارتباطات المضادة المزعومة بين هذه الاضطرابات وغيرها من السمات من أجل دعم الفرضية.
استطاعت هذه الفرضية جذب بعض الاهتمام في أوساط العلم الشعبي، إلا أنها مفتقرة للدعم العلمي.[1][2] هوجمت الفرضية أيضًا بوصفها غير قابلة للدحض، ومبالغ فيها وواسعة بشكل مفرط.[3] تشمل بعض المشاكل المحددة في هذه الفرضية عدم صحة التنبؤات التي تدعيها حول الاضطرابات الجينية، وتعارض تأثيرات الاضطرابين على التعاطف والتعقيل مع نموذج كريسبي وبادكوك بالإضافة إلى فشل العديد من تقنيات التصوير العصبي في دعم هذه الفرضية.
حجج مؤيدي الفرضية
تتشابه فرضية الدماغ المنسوخ في بعض النقاط مع نظرية الدماغ الذكري المتطرف الخاصة بالتوحد، إلا أنهما تختلفان بشكل واسع. يشير مؤيدو فرضية الدماغ المنسوخ إلى إمكانية وجود تفاعلات ضارة بين آلية النسخ المفترضة والنسخ الجينومي المتطرف الحاصل لدى الجنس المقابل، ما يوفر وفقًا لمزاعمهم تفسيرًا لشيء من الممكن اعتباره «مشكلة» بالنسبة لمزاعم الدماغ الذكري المتطرف – على وجه التحديد، يميل التوحد الأنثوي إلى التطور بدرجة شديدة بشكل خاص.[4] يُستخدم هذا أيضًا كتفسير لدوث الفصام بدرجة شديدة نسبيًا لدى الذكور.[4] مع ذلك، يعتقد مؤيدو نظرية الدماغ الذكري المتطرف وجود تفسير فعلي مسبق لازدواجية الشكل الجنسي في التوحد من خلال التضاد التشخيصي.[5]
لا تنطبق نظرية العقل بشكل ملائم فيما يتعلق باضطرابي التوحد والفصام على حد سواء، إذ تطرح فرضية الدماغ المنسوخ في المقابل فكرة حدوث هذين الاضطرابين عبر آليتين مختلفتين دون تعميمها على أنواع عصبية كامنة أوسع. يزعم مؤيدو الفرضية امتلاك الأفراد ذوي الشخصية الفصامية درجة محسنة من نظرية العقل، وقدرات تعاطف أفضل وقدرة محسنة على إدراك مشاعر الآخرين،[6] لكن لم تجد هذه المزاعم أي دعم من الأبحاث حول الأفراد ذوي اضطراب الشخصية الفصامية أو مقاييس النوع الفصامي «السليمة» بين مختلف الأفراد.[7][8][9] عوضًا عن هذه المزاعم، من الواضح أن نظرية العقل غير صحيحة فيما يتعلق بجميع حالات طيف الفصام حتى في غياب الذهان الصريح.[10]
يُعتقد أن بعض العوامل مثل التغذية خلال الحمل من شأنها التأثير على النسخ. يشير المؤيدون إلى ارتباط الفصام مع حالة التضور جوعًا لدى الأمهات خلال الحمل بينما يزداد معدل انتشار تشخيص التوحد في المجتمعات الغنية،[11] على الرغم من الإجماع العلمي العام على ارتفاع معدلات تشخيص التوحد في المجتمعات الغنية نتيجة درجة الوعي وليس الانتشار الأكبر للاضطراب.[12]
يرتبط التوحد والفصام أيضًا مع وزن الولادة بشكل متناقض، إذ يرتبط التوحد مع وزن الولادة المرتفع بينما يرتبط الفصام مع وزن الولادة المنخفض. يستخدم مؤيدو الفرضية هذا الارتباط بوصفه دليلًا على صحة الفرضية.[13]
يشير مؤيدو الفرضية أيضًا لدعم مزاعمهم إلى وجود خطورة حدوث متباينة بين الاضطرابات الوراثية مع ارتفاع خطورة الإصابة ببعض الاضطرابات مقارنة بغيرها، وخاصة اضطرابات النسخ. على سبيل المثال، تنجم متلازمة بكوث ودمان عن التأثيرات الزائدة لجينات الوالدين المنسوخة وتمتلك معدل حدوث أكبر لدى مرضى التوحد.[13][14][15] بما يتعارض مع هذه المزاعم، تزيد غالبية الاضطرابات ذات الخطر المرتفع للإصابة بأحد الاضطرابين، الفصام أو التوحد، خطر الإصابة بالاضطراب الآخر، إذ يشمل ذلك العديد من الطرق المتعارضة مع فرضية الدماغ المنسوخ مثل مزاعمها حول اضطرابات النسخ. على سبيل المثال، ترتبط متلازمة الحنك والقلب والوجه مع الزيادة الكبيرة (10 إلى 40 ضعف مقارنة بالأفراد السليمين) في خطر الإصابة بالتوحد والفصام على حد سواء.[16][17]
تدعم البيانات المستمدة من تباين رقم النسخ ودراسة الترابط الجينومي الكامل الآليات الجينية السببية المشتركة بين الفصام والتوحد، لكن يوفر ذلك الدعم الظرفي فقط لفرضية الدماغ المنسوخ ويمكن استخدامه في دعم العديد من الفرضيات الأخرى.[18][19]
درست العديد من الأبحاث دور الأوكسيتوسين في التوحد والفصام، واستخدمت الفرضية بعض نتائج وتوصيفات هذه الأبحاث لصالحها. يمتلك الأوكسيتوسين بعض الإمكانات العلاجية لكل من التوحد والفصام،[20] بما في ذلك اضطراب الشخصية الفصامية على الأرجح.[21][22] يشير كريسبي، خلافًا لهذا الاقتراح، إلى مساهمة الأوكسيتوسين المرتفع في حالات النوع الفصامي عبر خلق فهم اجتماعي «مفرط التطور» من شأنه تحريض الذهان.[23] يشير مؤيدو الفرضية إلى وجود ارتباطات بين مستويات الأوكسيتوسين المرتفعة والسمات الشخصية المرتبطة بالنوع الفصامي، مثل الإبداعية والتفكير المتشعب.[24][25] مع ذلك، يرتبط كل من اضطراب الشخصية الفصامية والنوع الفصامي بين عموم السكان مع نفس حالات عجز الأوكسيتوسين الملاحظة في الفصام،[22] لكن تبدو درجة ارتباط الأعراض الإيجابية للفصام والنوع الفصامي مع ارتفاع الأوكسيتوسين – وفقًا للمؤيدين – غير واضحة ومتناقضة.[21]
المراجع
- ^ Russell-Smith، Suzanna (2012). The Relationship Between the Autism and Schizophrenia Spectra: An Investigation at the Trait and Cognitive Levels (PhD). Perth: University of Western Australia.
- ^ Ragsdale G، Foley RA (يوليو 2012). "Testing the imprinted brain: parent-of-origin effects on empathy and systemizing". Evolution and Human Behavior. ج. 33 ع. 4: 402–410. DOI:10.1016/j.evolhumbehav.2011.12.002. مؤرشف من الأصل في 2022-03-25.
- ^ Dickins BJA، Dickins DW، Dickins TE (2008). "Is this conjectural phenotypic dichotomy a plausible outcome of genomic imprinting?" (PDF). Behavioral and Brain Sciences. ج. 31 ع. 3: 267–268. DOI:10.1017/S0140525X08004287. مؤرشف من الأصل (PDF) في 2022-03-25.
- ^ أ ب Badcock C، Crespi B (أغسطس 2008). "Battle of the sexes may set the brain". Nature. ج. 454 ع. 7208: 1054–5. Bibcode:2008Natur.454.1054B. DOI:10.1038/4541054a. PMID:18756240. S2CID:5890859.
- ^ Kirkovski M، Enticott PG، Fitzgerald PB (نوفمبر 2013). "A review of the role of female gender in autism spectrum disorders". Journal of Autism and Developmental Disabilities. ج. 43 ع. 11: 2584–603. DOI:10.1007/s10803-013-1811-1. PMID:23525974. S2CID:44765026. مؤرشف من الأصل في 2023-02-24.
- ^ Crespi B، Badcock C (يونيو 2008). "Psychosis and autism as diametrical disorders of the social brain" (PDF). The Behavioral and Brain Sciences. ج. 31 ع. 3: 241–61, discussion 261–320. DOI:10.1017/S0140525X08004214. PMID:18578904. S2CID:346021. مؤرشف من الأصل (PDF) في 2017-03-20.
- ^ Henry JD، Bailey PE، Rendell PG (يوليو 2008). "Empathy, social functioning and schizotypy". Psychiatry Research. ج. 160 ع. 1: 15–22. DOI:10.1016/j.psychres.2007.04.014. PMID:18511132. S2CID:1300758. مؤرشف من الأصل في 2022-03-25.
- ^ Canli D، Ozdemir H، Koçak OM (2015). "Magical ideation associated social cognition in adolescents: signs of a negative facial affect recognition deficit". Comprehensive Psychiatry. ج. 61 ع. 1: 90–6. DOI:10.1016/j.comppsych.2015.05.009. PMID:26073064. مؤرشف من الأصل في 2022-03-25.
- ^ Ripoll LH، Zaki J، Perez-Rodriguez MN، Snyder R، Strike KS، Boussi A، Bartz JA، Oschner KN، Siever LJ، New AS (نوفمبر 2013). "Empathic accuracy and cognition in schizotypal personality disorder". Psychiatry Research. ج. 210 ع. 1: 232–241. DOI:10.1016/j.psychres.2013.05.025. PMID:23810511. S2CID:17288282. مؤرشف من الأصل في 2022-03-25.
- ^ Bora E، Yücel M، Pantelis C (سبتمبر 2009). "Theory of mind impairment: a distinct trait‐marker for schizophrenia spectrum disorders and bipolar disorder?". Acta Psychiatrica Scandinavica. ج. 120 ع. 4: 253–264. DOI:10.1111/j.1600-0447.2009.01414.x. PMID:19489747. S2CID:35632790. مؤرشف من الأصل في 2022-03-25.
- ^ Badcock C (يونيو 2011). "The imprinted brain: how genes set the balance between autism and psychosis" (PDF). Epigenomics. ج. 3 ع. 3: 345–59. DOI:10.2217/epi.11.19. PMID:22122342. مؤرشف من الأصل (PDF) في 2022-03-25.
- ^ Jessica Wright (3 مارس 2017). "The Real Reasons Autism Rates Are Up in the U.S." Scientific American. مؤرشف من الأصل في 2023-01-24.
- ^ أ ب Byars SG، Stearns SC، Boomsma JJ (نوفمبر 2014). "Opposite risk patterns for autism and schizophrenia are associated with normal variation in birth size: phenotypic support for hypothesized diametric gene-dosage effects". Proceedings. Biological Sciences. ج. 281 ع. 1794: 20140604. DOI:10.1098/rspb.2014.0604. PMC:4211440. PMID:25232142.
- ^ Crespi B (نوفمبر 2008). "Genomic imprinting in the development and evolution of psychotic spectrum conditions". Biological Reviews of the Cambridge Philosophical Society. ج. 83 ع. 4: 441–93. DOI:10.1111/j.1469-185X.2008.00050.x. PMID:18783362. S2CID:18769059.
- ^ Shuman C، Beckwith JB، Weksberg R (11 أغسطس 2016). "Beckwith-Wiedemann Syndrome". GeneReviews. University of Washington, Seattle. PMID:20301568. اطلع عليه بتاريخ 2019-08-26.
- ^ Bassett AS، Chow EWC، Abdelmalik P، Gheorghiu M، Husted J، Weksberg R (سبتمبر 2003). "The Schizophrenia Phenotype in 22q11 Deletion Syndrome". The American Journal of Psychiatry. ج. 160 ع. 9: 1580–6. DOI:10.1176/appi.ajp.160.9.1580. PMC:3276594. PMID:12944331.
- ^ Ousley O، Evans AN، Fernandez-Carriba S، Smearman EL، Rockers K، Morrier MJ، Evans DW، Coleman K، Cubells J (مايو 2017). "Examining the Overlap between Autism Spectrum Disorder and 22q11.2 Deletion Syndrome". International Journal of Molecular Sciences. ج. 18 ع. 5: 1071. DOI:10.3390/ijms18051071. PMC:5454981. PMID:28524075.
- ^ Crespi B، Stead P، Elliot M (يناير 2010). "Evolution in health and medicine Sackler colloquium: Comparative genomics of autism and schizophrenia". Proceedings of the National Academy of Sciences of the United States of America. 107 Suppl 1 ع. Suppl 1: 1736–41. Bibcode:2010PNAS..107.1736C. DOI:10.1073/pnas.0906080106. PMC:2868282. PMID:19955444.
- ^ Stearns SC، Nesse RM، Govindaraju DR، Ellison PT (يناير 2010). "Evolution in health and medicine Sackler colloquium: Evolutionary perspectives on health and medicine". Proceedings of the National Academy of Sciences of the United States of America. 107 Suppl 1 ع. Suppl 1: 1691–5. Bibcode:2010PNAS..107.1691S. DOI:10.1073/pnas.0914475107. PMC:2868294. PMID:20133821.
- ^ Yamasue H، Domes G (2018). "Oxytocin and Autism Spectrum Disorders". Current Topics in Behavioral Neurosciences. ج. 35 ع. 1: 449–465. DOI:10.1007/7854_2017_24. ISBN:978-3-319-63738-9. PMID:28766270. مؤرشف من الأصل في 2023-02-14.
- ^ أ ب Shilling PD، Feifel D (5 يونيو 2017). "Potential of Oxytocin in the Treatment of Schizophrenia". CNS Drugs. ج. 30 ع. 3: 193–208. DOI:10.1007/s40263-016-0315-x. PMC:5458113. PMID:26895254.
- ^ أ ب Perez-Rodriguez MM، Derish NE، New AS (2014). "The Use of Oxytocin in Personality Disorders: Rationale and Current Status". Current Treatment Options in Psychiatry. ج. 1 ع. 4: 354–357. DOI:10.1007/s40501-014-0026-1.
- ^ Crespi B (2015). "Oxytocin, testosterone, and human social cognition" (PDF). Biological Reviews. ج. 91 ع. 2: 390–408. DOI:10.1111/brv.12175. PMID:25631363. S2CID:24096994. مؤرشف من الأصل (PDF) في 2022-12-28.
- ^ De Dreu CKW، Baas M، Roskes M، Sligte DJ، Ebstein RP، Chew SH، Tong T، Jiang Y، Mayseless N، Shamay-Tsoory SG (أغسطس 2014). "Oxytonergic circuitry sustains and enables creative cognition in humans". Social Cognitive and Affective Neuroscience. ج. 9 ع. 8: 1159–1165. DOI:10.1093/scan/nst094. PMC:4127019. PMID:23863476.
- ^ Mohr C، Claridge G (25 مارس 2015). "Schizotypy—Do Not Worry, It Is Not All Worrisome". Schizophrenia Bulletin. ج. 41 ع. 2: 436–443. DOI:10.1093/schbul/sbu185. PMC:4373632. PMID:25810058.