كتاب الحب الفاضل

هذه هي النسخة الحالية من هذه الصفحة، وقام بتعديلها عبود السكاف (نقاش | مساهمات) في 07:25، 26 يونيو 2023 (بوت: إصلاح أخطاء فحص أرابيكا من 1 إلى 104). العنوان الحالي (URL) هو وصلة دائمة لهذه النسخة.

(فرق) → نسخة أقدم | نسخة حالية (فرق) | نسخة أحدث ← (فرق)

كتاب الحب الفاضل (1330 و1343) يسمى أيضاً كتاب القمص أو كتاب الأناشيد (بالإسبانية: Libro de buen amor ،Libro del Arcipreste ،Libro de los cantares). أعطي اسماً في وقت متأخر لأن المخطوطات لا تحمل عنواناً. وهي أعمال أدبية كتبها رجل دين في القرن الرابع عشر، وتتكون من منظومات شعرية طويلة ومتنوعة وزّعت على 1728 مقطع شعري. تروي هذه المقاطع سيرة ذاتية خيالية عن مغامرات عاطفية لكاتبها خوان رويث، قمّص مدينة هيتا. ويعتبر الكتاب من أهم الأعمال الأدبية في تاريخ الأدب الإسباني عامةً وليس فقط في العصور الوسطى.

كتاب الحب الفاضل

يجمع الكتاب مواداً متباينة حول سيرة ذاتية مزعومة تحكي قصص الحب في حياة المؤلف الذي يظهر بشخصية السيد النبيل ميلون دي لا هويرتا في أحد أجزائه. ويقدم من خلال نماذج العشق فيه جميع طبقات المجتمع الإسباني في أواخر العصور الوسطى. يتخلل سير الأحداث الرئيسية خرافات وأساطير وحكايات رمزية، بالإضافة إلى قصص خيالية ومواعظ أخلاقية وخطب دينية وأناشيد الكفيفين وأناشيد الدارسين الجولياتيين وأشعار غنائية لادينية مثل: الجبليات – أو قصائد الغناء الريفي - (وغالبا ما تكون محاكاة ساخرة مستوحاة من قصائد الرعاة)، جنباَ إلى جنب مع تراتيل دينية أخرى كالترانيم وقصائد مدح العذراء والمسيح.

بعض الأبحاث ترى أن كتاب الحب الفاضل تأثر بمصادر عربية، بينما ترى أبحاث أخرى أن الكتاب ينحدر من الأدب اللاتيني في العصور الوسطى، وأنها تحاكي الأشعار اللاتينية التعليمية ذات الفكر الأوفيدياني في العصور الوسطى، ومن هذه الأعمال دي فيتولا De vetula وبامفيلوس Pamphilus، حيث يكون الكاتب بطلاً يخوض مغامرات حب يتخللها قصائد حول الشأن ذاته. وجدير بالذكر أن بامفيلوس مقتبس في كتاب الحب الفاضل في قصة عشق السيد النبيل ميلون والسيدة النبيلة إندرينا. ويظهر تأثير أوفيد أيضا في الترانيم الكنيسة أو في القصائد البطولية، تماماَ كما هي في قصة الصراع بين السيد النبيل كارنال والسيدة النبيلة كواريسما.

يمكن إيجاد أجناس أدبية أخرى في الكتاب مثل البكائيات مثلما نرى في مشهد موت الوسيطة تروتاكونفينتوس، وهي النموذج الأول الذي بنيت عليه مسرحية لا ثيليستينا، أو الأعمال الهجائية، كتلك المؤلفة ضد ربات البيوت الفتّيات أو ضد أية سلطة مادية تذكرنا بخرافات العصور الوسطى مثل قصة إيسوب Esopo، أو كتب التربية مثل كتاب الطرائف Facetus، وهو كتاب يعتبر التربية العشقية جزءاً من التعليم الإنساني.

المخطوطات

وجدت ثلاث مخطوطات لكتاب الحب الفاضل. وقد دفعت الفروقات الواضحة بينها الباحث رامون مننديث بيدال إلى الاعتقاد أنها صيغت في نسخيتن مختلفتين كتبهما المؤلف في لحظات مختلفة من حياته:

<مخطوطة س> نسبة إلى مدينة سالامنكا وتنحدر على وجه التحديد من سكن سان بارتولومه الجامعي. بقيت المخطوطة زمناً في المكتبة الملكية في مدريد، ثم نقلت للاحتفاظ بها في مكتبة جامعة سالامنكا. كتبت المخطوطة في بدايات القرن الخامس عشر وهي أكثر النسخ اكتمالاً حيث تتضمن إضافات لا وجود لها في المخطوطات الأخرى. كتب ألونسو دي بارادينس ملاحظات في نهاية الكتاب حول اسم الناشر ومكان النشر وتاريخه.

<مخطوطة غ> وتسمى كذلك نسبة لحقبة بينيتو مارتينيث غايوسو. يمكن إيجادها اليوم في مكتبة الأكاديمية الملكية الإسبانية. ويرجع تاريخها إلى أواخر القرن الخامس عشر.

<مخطوطة ط> وتسمى كذلك نسبة لكاتدرائية طليطلة. يتم الاحتفاظ بها حالياً في المكتبة الوطنية في إسبانيا. يقدّر أنها كتبت في أواخر القرن الرابع عشر.[1]

المواضيع والبنية

كان رامون مننديث بيدال هو من اقترح عنوان الكتاب الحالي وذلك استناداً إلى مقاطع مختلفة من الكتاب نفسه، خاصّة ما جاء في الكرّاسة 993ب الذي يبتديء شطرها الأول بـ "buen amor' dixe al libro" («الحب الفاضل» قال للكتاب).

أما بالنسبة لتاريخ تأليف الكتاب، فهو يتغيّر تبعاً للمخطوطة؛ حيث يقول الكاتب في إحدى المخطوطات إنه أنهى الكتاب عام 1330، وفي أخرى يقول إنّه أنهاه عام 1343. قد يكون التاريخ الأخير هو تاريخ مراجعة نسخة عام 1330 عندما أضاف خوان رويث مكونات جديدة إلى الكتاب.

يتميّز الكتاب بتنوّعه في:

  • المضمون (أمثلة، سرد عاطفي، أشعار ريفية، عناصر تعليميّة، مؤلفات غنائيّة عاطفية، الخ..).
  • الوزن العروضي: تستعمل تفعيلة كواديرنا فيا (وهي مقاطع شعرية شاع استعمالها في القرنين الثالث عشر والرابع عشر تتكون من أربعة أبيات إسكندرية أحادية القافية)، بالإضافة إلى مقاطع من ست عشرة بيتاً ومقاطع زجليّة وغيرها).
  • نبرة الصوت: جدّية، احتفاليّة، دينية، لادينية... الخ.

مكوّنات الكتاب الأساسيّة:

  • المقدّمة: ويشرح فيها المؤلف المعنى المراد من الكتاب. يتكوّن من دعاء نظم على تفعيلة كواديرنا فيا يطلب فيه المؤلف العون من الله والسيدة العذراء. ومقدمة وعظية نثرية، وصلاة يرجو الله فيها مرة أخرى إتمام هذا الكتاب، ويختتم بقصيدتين شعريتين في مدح السيدة العذراء.
  • سيرة ذاتيّة خيالية للكاتب: وهي تشكّل الموضوع الأساسي للعمل. يروي فيها حكايات عشقه مع نساء عديدات من أصول مختلفة في ظروف اجتماعيّة متعددة: راهبة أو غجريّة أو مالكة شوهدت تصلي أو خبّازة أو امرأة من طبقة رفيعة أو فتيات ريفيات عديدات.. إلخ. بمساعدة سمسارة فاحشة تسمى أورّاكا (وهو اسم طائر العقعق) وتعرف أيضاً بالوسيطة أو تروتاكونفيتوس.
  • مجموعة من القصص الوعظيّة: (قصص أخلاقية وحكايات رمزيّة) اختتمت بها الفصول واستُخدمت لغرس القيم والأخلاق.
  • النزاع بين الكاتب والسيّد عشق (شخصية رمزيّة): حيث يحمّل الكاتب العشق الخطايا السبع المميتة، فيما يضع الآخر المعايير لما يجب على المرأة والعاشق أن يكوناه.
  • قصة عشق السيد ميلون (الشمّام) والسيدة إندرينا (الخوخ الشوكي)، اقتباساً عن بانفيلوس، كوميديا إنسانية من العصور الوسطى.
  • قصّة الصراع بين السيّد كارنال (لحمي) والسيّدة كواريسما (الصوم الكبير)، وهي في الحقيقة تقليد ساخر لأناشيد البطولة في العصور الوسطى.
  • تعليق على قصيدة «فنّ الحب» للشاعر الروماني أوفيد.
  • هجاء يرافقه نبرة صوت ومحتوى مأخوذ عن الشعر الجولياتي، مثل التقليد الساخر للترانيم الكنَسيّة أو «أنشودة رجال الدين في تلافيرا»، أو الثناء على كراهية ربات البيوت الفتيّات، أو قصيدة هجائيّة «ضد ما يمكن أن تشتريه النقود».
  • سلسلة قصائد دينيّة، غالباً قصائد مدح السيدة مريم.
  • مجموعة قصائد لادينية متنوعة، كرثاء سمسارات الفاحشة وأناشيد الكفيفين وأناشيد الدارسين.

مبررات تأليف العمل

يحيط غايات تأليف العمل غموض سببه عدم التجانس الكبير في عناصره، ففي حالات يعالج الإخلاص في الحب، وفي حالات أخرى يتطرق إلى الرغبة الجسدية في الحب.

كان مارثيلينو مينينديث أي بيلايو أول من أشار إلى الطابع الجولياتي للعمل على الرغم من نفيه للغاية الدوغماتية فيه، أي التعصب لأفكار بعينها، بينما يرى آخرون أن هذا الموقف هو سمة من سمات الشعر الجولياتي. وناقش متخصصون كثر احتمالية كتابة العمل لغايات تعليمية، ودافع كُتّاب من أمثال خوسيه أمادور دي لوس ريوس وليو سبيتزر وماريا روسا دي ليدا مالكيل عن الغاية التعليمية باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من العمل. بينما عاب كُتّاب آخرون مثل أميريكو كاسترو وسانتشث ألبورنوث على المؤلف خوان رويث أخلاقه ووصفوه بأنه كان منافقاً أكثر من كونه تقيا. ومن جهته، يرى خوان لويس البرغ تشابها مع أعمال ثربانتس في توظيف الرواية الفروسية ليصب من خلالها سخريته ورؤيته الشخصية، مضيفاً أن «القمّص تبنى هذه الأجناس التعليمية في العصور الوسطى ليطلق العنان للتنوع الغامض لنواياه ولنظرته المتهكمة للواقع».

ويعكس العمل التعددية الثقافية في العصر الذي عاشه المؤلف. ومن بين العديد من النساء الذي حاول الوقوع في غرامهن توجد حالة واحدة يحدث فيها جماع جسدي عندما هاجمته الامرأة الريفية «الفطساء» (كانت النساء الريفيات غليظات الطبع من الشخصيات الشائعة في الأعمال الأدبية). وتوجد امرأة عربية تفتخر بموهبتها الموسيقية على تلحين موسيقى للرقص الأندلسي واليهودي. أيضا خلال الصراع بين السيد كارنال والسيدة كواريسما يسافر إلى الحي اليهودي في طليطلة، حيث يدعوه الجزارين والحاخامات إلى قضاء «يوم فاضل».

بالإضافة إلى ذلك، يحتوي الكتاب على نص قُدّم فيه احتجاجا جولياتياً على موقف خيل دي ألبورونوث الذي حاول نشر مذهب العزوبية الإجبارية في أبرشيته، وهذا يتعارض مع التقاليد الإسبانية في التسري (المساكنة بدون زواج) أو عقد تعايش بين كاهن مع امرأة، وهو عرف انتشر في مجتمع متعدد الثقافات ومصدره مذهب الاتخاذية الذي أوجده ايليباندو، وهو مطران عاش في طليطلة في القرن الثامن الميلادي، وتولدت الفكرة من التعايش بين اليهود والمسلمين والمسيحيين، وجاء ذلك في كتاب «أنشودة رجال الدين في تالافيرا» المدرج في الكتاب. واحتج في الكتاب احتجاجا غاضبا على فتوة التسري المسموح بها في الأبرشية. هذا الاحتجاج كان يمكن أن يؤدي إلى سجنه من قبل المطران لنقده لرجل دين أعلى، فضلا عن المحتوى المستفز والناقد في كتابه الذي يربطه بالأدب الجولياتي.

ودافع دانيال ايسينبيرغ عن مفهوم «الحب الفاضل»، وعرّفه على أنه حب سيدة، حب امرأة متاحة، لا شرط أن تكون عذراء أو متزوجة، أما «الحب الفاسق» الذي يشير إليه فكان حب الغلمان والفتيان.[2]

المؤلِّف وتاريخ التأليف

المؤلِّف ذاته يكشف عن شخصيته الحقيقية ومركزه الكنسي في مواضع عدة من العمل. "خوان رويث، قمّص ايتا" (الكراسة 19ب-س) و"أنا خوان رويث، قمّص هيتا المذكور" (س 575أ). وحتى عام 1984 حين وجد فرانسيسكو ج. هيرنانديس ذكراً لـ" «uenerabilibus Johanne Roderici archipresbitero de Fita» ليكون دليلاً نهائياً على وجود خوان رويث حقيقة، بالإضافة إلى العنوان الكنسي والإشارة إلى ذانه في الأماكن المذكورة في كتاب الحب الفاضل، ولا يعرف أحد أكثر مما ورد في هذا الشاهد التوثيقي عن حياة خوان رويث.[3]

يمكن استنباط تاريخ كتابة العمل أيضاً من المعلومات التي تزودنا بها السجلات التاريخية. فالمخطوطة (غ) تخبرنا أن الكتاب تم إنهاؤه عام 1330. على الرغم من ذلك، في المخطوطة س، وهي تحوي مادة جديدة، يظهر التاريخ 1343. يتفق النقاد في الأغلبية على أن خوان رويث كتب فصولاً قبل تأليف كتابه، ثم ظهرت أول نسخة منه عام 1330. ثم أضاف القمّص المزيد من القصائد (على الأغلب قصائد عاطفية) ليكون الكتاب بصورته المنشورة في الوقت الحاضر.

مصادر العمل

يغلب التأثير الكنسي السائد في تلك الحقبة على كتاب الحب الفاضل، حيث تلقى خوان رويث تدريباً خطابياً يتناسب مع ما يتطلبه مركزه الديني، وقد اكتسبه على الأغلب قي مدرسة كتدرائية في منطقة حوض نهر الإينارس، ربما في مدينة ألكالا. وأكثر مواده تشبه الخطب الملقاة باللغة العامية التي تعرض قضايا أخلاقية مصحوبة بحكايات رمزية. تظهر في الكتاب أيضاً اعترافات وتعاليم مسيحية وأدعية وتراتيل تعبدية.

من جهة أخرى، يعتمد الموضوع الأساسي للكتاب على الأدب الأوفيدي-الزائف في العصور الوسطى، الذي كان متداولاً في جميع أنحاء أوروبا على شكل كوميديا رثائية أو معالجات مستوحاة من كتابي «فن الحب» و«علاج الحب»، وتظهر أيضاً آثار لمفاهيم الحب العذري البروفنسالية وأثار للأدب الجولياتي. لهذا، فإن المصدر الأهم لكتاب الحب الفاضل يدور ضمن نطاق أدب أوروبا الغربية. وعلى الرغم من أن بعض الحكايات الرمزية أتت من القصص العربية، إلا أنها كانت قد ترجمت بالكامل تقريباً إلى اللاتينية أو اللغات الرومانسية في شبه الجزيرة الإيبيرية في القرن الثالث عشر.

دافع أمريكو كاسترو عن ارتباط الكتاب بالأدب العربي، حيث يراه خليطاً مدجّناً، وذلك بسبب تنوع الوزن العروضي، والتناوب المتكرر للخيال والواقع، والأهم من ذلك، وجود الموضوع الرئيسي على شكل سيرة ذاتية عاطفية، وهو جانب ربطه بطوق الحمامة لابن حزم. مع ذلك، لا تغيب أي من هذه الميزات عن الأدب الأوروبي، بالإضافة إلى أن السيرة الذاتية الشهوانية سمة للمادة الأوفيدية في العصور الوسطى. من جهة أخرى، من غير المرجح أن خوان رويث كان قادراً على قراءة اللغة العربية الفصيحة، وعلى الرغم من ظهور مصطلحات معجمية موريسكية، إلا أنها تعود إلى اللغة العربية العامية في المجتمعات المدجنة المنتشرة في بلدة هيتا والمناطق المحيطة بها.

تربط ماريا روسا ليدا دي مالكيل السيرة الذاتية مع المقامات العبرية، وعلى وجه التحديد بكتاب المسرّات ليوسف بن معير ابن صبرة (1140). غير أنه يمكن المجادلة بالاعتراضات ذاتها التي استخدمت عندما رُبط الكتاب بالأدب العربي وهي: الجهل باللغة العبرية من جهة القمّص وأن وجود هذا العنصر يمكن تفسيره بالتأثر بأعمال مسيحية سابقة.

يربط غيبون- مونيبيني في مقدمة طبعته من كتاب الحب الفاضل عام 1984 السيرة الذاتية الخيالية مع شعر الرومانس الفرنسي المنظوم،[4] خصوصاً الأعمال الشعرية العاطفية للكاتب غيوم دي ماشو «مقولات» (1362-1365) حيث السيرة الذاتية وقصص الحب هي طابعها. وفي رواية «شاتيلان دو غوسي وسيدة فايل Roman du Chatelain de Coucy et de la Dame de Fayel» المكتوبة في نهايات القرن الثامن عشر، نجد البطل شاعراً مغرماً يدرج خلال مغامراته الشهوانية أشعاراً عاطفية آتية من كتب الأغاني. شعراء آخرون مثل نيكول دي مارجيفال، في «مقولة بانتير Dit de la Panthère»، يتحاور مع آلهة الحب ويستخدم ليبرر مشاعره قصائداً نظمها هو وأخرى لآدم دو لا آل. من يجدر ذكر السيرة الذاتية العاطفية الخيالية Frauendienst (1255)، للمينيسينجر النمساوي أورليش فون ليختنشتاين، التي يدرج فيها أغانٍ عاطفية أيضاً.

بالإضافة إلى القصص العربية التي أدخلها العرب إلى شبه الجزيرة الإيبيرية مثل كليلة ودمنة والسندباد، يجدر الحديث هنا عن مصادر أخرى لفصول مستقلة مثل اليهودي المتنصر الهويسكي بيدرو ألفونسو وإيسوب، الذي تأثرت به بعض الحكايات الرمزية في الكتاب، مثل «نزاع قضية الذئب والثعلب ضد خيميو (سيميو)، عمدة بوكسيا.» من جهة أخرى، تظهر اقتباسات وأصداء لمزامير داوود والترانيم الكنسية وسفر أيوب أو رؤيا يوحنا، بالإضافة إلى البابا غريغوري الأول ومجموعة مراسيم كليمينت الخامس أو مرسوم جراسيانو.

يتفق النقد في الأغلبية على أن كتاب الحب الفاضل يشكل محاكاة ساخرة للكوميديات الرثائية "De vetula" وبانفيلوس، التي يلعب المؤلف فيها دور البطل لقصة تتناوب فيها المغامرات الغرامية والأشعار المنظومة لهذا الغرض. بالإضافة إلى ذلك، يعدّ بانفيلوس مصدراً معترفاً به في نص كتاب الحب الفاضل ذاته، حيث يعترف كاتبه أن قصة السيد النبيل ميلون والسيدة النبيلة إدرينا تعيد صياغة الكوميديا اللاتينية الأوفيدية الزائفة. أمّا "De vetula" فتُنسب إلى أوفيد ذاته ويظهر بذلك كبطل المغامرات الشهوانية فيها. ربما تجدر الإشارة إلى أن كهنة العصور الوسطى كانوا يميلون إلى الوعظ بصيغة المتكلم في خطبهم، وهي تقنية ذات قدرة هائلة على جذب الجمهور الذي يحتاج الوعظ. لذلك، وعلى الرغم من السخرية المستمرة وغموض التفسير، تتوافق النية التعليمية المعلنة لخوان رويث، مع خطبة العصور الوسطى الشعبية التي استخدمت صيغة المتكلم.

الشعر الغنائي

في منتصف «كتاب الحب الفاضل» نجد محتوى سرديّ على هيئة المقطع الشعري رباعي القافية. وإذا ما قلّبنا صفحاته، سنعثر على نصوص متعددة كثيرة مكتوبة هي الأخرى على هيئة أبيات شعرية مكونة من ثمانية مقاطع أو أقل من تلك المتعارف عليها في الوزن العروضي. ويوجد أيضا في الكتاب محتوى آخر يغلب عليه الطابع الغنائي. كل ذلك كان متفردا بالتدوين باللغة القشتالة في الحين الذي كان به معظم هذا الجنس الأدبي يُدوّن باللغة الغاليكية-البرتغالية في قشتالة في بداية منتصف القرن الرابع عشر ميلادي، الأمر الذي جعل هذا الكتاب يسبق غيره ويكون في الطليعة.

وفي البداية، استهل خوان رويث عمله الأدبي بمقدمة نثرية هي أشبه بالموعظة الدينية، وضح فيها غايته في تأليف هذه النصوص: (... تعليم الناس نظم الشعر وقوافيه والقراءة الصحيحة لذلك).

إن الكتاب يكتظ بأجناس وأشكال متعددة من القصائد القشتالية المنتشرة في ذلك العصر، فهو يضم قصائد دينية -من مثيل التراتيل، وقصائد المديح الخاصة بالقديسة مريم، وأخرى كالصلاة-. حتى أن سطوره لم يثقل عليها حمل فن الزجل ذي الصِبغة الجولياتية. كما يزاحمه بالسطور ذلك الجنس الأدبي المتمثل بالأشعار الريفية قصيرة التفعيلة، وهذه الأخيرة عندما تمر لا تلبث أن تحيي بأذهاننا ذكرى الفن الذي ملأ أسماع أهل المقاطعة الجنوب فرنسية (بروفنس)؛ فن المنظومات الشعرية الرعوية في العصور الوسطى الذي تنطوي عادةً على لقاء فارس أرستقراطي براعية فقيرة ويحاول إغراءها، فالحوار الذي يحدث حينها يؤدي دائما إلى انتصارها في المبارزة اللفظية واحتفاظها بعفتها وفشل ذلك الفارس.

وبرز كذلك فن مختلف ذو صبغةٍ فكاهية يسمى «طروبا كاسورا»، والكاسورو: هو حكواتي متجول من الطبقة المهمّشة في المجتمع. وعندما نصل بصفحات الكتاب إلى الجزء الخاص بالشاب فيرّاند غارسيا سنجد هذا الفن هناك. وفي طروبا كاسورا يطعن الشاب صاحبه في ظهره، حيث كان معجب بفتاة تدعى كروث وأراد من فيراند أن يذكر مناقبه وبطولاته أمامها فيستطيع هو بذلك التقرّب منها. وما حصل أن فيراند أأخذها لنفسه حين رآها وترك صاحبه بحسرته يعدّ النجوم وحيدا!

أما عن الفن الأدبي الطروبا كاسورا نفسه، فهو مدوّن كفن الزجل، ويظهر فيه آثار المدجنين. كما أن المؤلف وظف في القصيدة -المتسمة بهذا الأسلوب الأدبي- التلاعب اللفظي، حيث تشترك بعض الألفاظ بمعنى واحد في الصور الكاثوليكية والإيحاءات الجنسية.

ومع هذا، فإن معظم القصائد الغنائية في الكتاب كُرّست للحديث عن التفاني والإخلاص الديني، حيث شَغَل القسم الأكبر منه ذِكر المواضيع المريمية -الخاصة بمريم القديسة-. ورغم كثرتِها، إلا أن المؤلف لم يغفل عن ذكر حادثة صلب المسيح التي خصص من الأبيات ما يكفي للحديث عنها.

ومن أهم ما برز في الكتاب هو قصائد مدح مريم العذراء التي نُسجت في جنس أدبيّ احتوى على مجموعة من أهم الأحداث في حياة العذراء والتي صاغت بقالبٍ غنائيّ منذ البشارة بحملها بالمسيح وحتى واقعة صعودها للسماء.

لقد كانت قصائد المديح المريمية هذه تروي لنا على طول الزمان خمسة أحداث رئيسية في حياة العذراء، إلى أن جاءت بعد ذلك القصيدة اللاتينية الفرنسيسكانية وزادتها إلى ستة أحداث. والفرنسيسكانية: هي الرهبنة الفرنسيسكانية في الكنيسة الكاثوليكية التي أسسها القديس فرانسيسكو الأسيزي في شمال إيطاليا. ولكن الأمر لكم يتوقف عند هذا الحد، بل أخذ يزداد عدد النصوص أكثر وأكثر حتى وصلت إلى اثنتا عشرة نص في القرن الرابع عشر ميلادي وحُفظت ضمن كتاب ميسيرا دي اومنيه -الشروح التي تتناول مواضيع تتحدث عن كومبينتو موندي باللاتينية -. والقصائد الاثنتي عشر هذه تختلف عن أولئك الذين ذكرهم القمص من هيتا، علاوة على أنها مدوّنة بمقطع شعري تفعيلته كواديرنا فيا.

ومن جهة أخرى، لا يوجد هناك أي أثر يمكن من خلاله أن نستدل على أن هذا الجنس الأدبي -الشعر الغنائي الديني- زاوله أحد عدا خوان رويث منذ القرن الخامس الميلادي، المدوّن باللغة القشتالية والذي يمتاز ببنية وترتيبٍ خاص للأبيات الشعرية تنتهي فيه كل مجموعة شعرية بما يسمّي (اللازمة).

ومن المحتمل أيضا، أن يكون هو السبّاق في وضع وزنٍ شعري باللغة المحلية. وإن كان هذا بالفعل ما حصل، فإن ذلك يتماشى وقوله في بداية عمله أن هدفه من تأليف هذا الكتاب هو (...تعليم الناس نظم الشعر وقوافيه والقراءة الصحيحة لذلك).

الأسلوب

على هذا النحو، عُدّ خوان رويث القمص من هيتا الشاعر الأول، سابقا بذلك شعراء عصره متألقا بين الأدباء بما نظمه من قصائدٍ أغناها بشتّى الأجناس الأدبية والتي دوّنها باللغة القشتالية لتصبح بذلك أحد أهم الأعمال الأدبية التي حُفِظت إلى يومنا هذا.

لقد قدّم هذا الكتاب لقرّائه بالنصوص الشعرية صورة جليّة واضحة عن الحياة التي عاشَ تفاصيلُها رجالُ دينِ تلك الحقبة؛ فقد اختار المؤلف الحديث عن تلك الطبقة التي تمثّل عنصرا هاما في تكوين المجتمعات الأوروبية في العصور الوسطى. وها هو الآن من خلال الكتاب يعيدُ إلينا تشغيلَ اسطوانته الشعرية ليُطلعنا على صِبغة حياة تلك الطبقة التي أحدْثت ولا شك فرقا في سير أحداث الزمان.

أما عن اللغة، فقد امتازت لغة المؤلف بأسلوبه الفريد ومفرداته اللغوية الوفيرة غنية المعنى، خلّاقة التركيب والتوظيف. فتارةً تُحّدثنا بما اعتاد العامة الحديث به في أسواقهم الشعبية وحياتهم المتواضعة، وتارةً أخرى تستخدم لغةُ الكتاب سيلَ المصطلحات والتراكيب التي ألفت أُذن الناس سماعها في الكنائس والمواعظ الدينية.

ولما يتركه المجتمع من أثر بيّنٍ في ما يدوّنه أيّ كاتب من أي زمان، نرى أن المؤلف في «كتاب الحب الفاضل» استخدم الألفاظ العربية الأندلسية لتكون بهذا العمل الشاهد العربي الموجود في ذلك الزمان، بل وأساسا مهمّا في تاريخ وأدب العالم أجمع وإن لم يكن ذلك موضوع هذا الكتاب. لقد اتّسق كلام خون رويث وانتظمت حروفه ضمن مفردات راق له أن يجمعها ليبني فيها الفكرة تلو الفكرة جاعلا بهذا البناء أسلوبه المُتَّبع في الخطب والمواعظ الدينية. وفي آخر الكتاب وضّح أنه إن كان هناك ثمّة من يقدر على تحسين الكتاب فليفعل، شريطة أن يكون أهلا لذلك؛ هذه المهمة المفتوحة التي قد يتصدّى لها الكتاب المعاصرين كالذين سعوا جاهدين قبلهم أمثالُ السيد النبيل دون خوان مانويل.

وفي كلمات أخرى، فإن العمل الأدبي الذي بين أيدينا يعرض لنا معرفةً عميقة وعن كثب لعواطف الإنسان وشغافه. إلى جانب أنه يمتاز بخلقِ توازنٍ مدهش بين الجرأة في التعبير واللباقةِ في القول. وبذلك أنهى خوان رويث كتابه بقدرٍ عالِ من الذكاء، مراوحا بين سخريةٍ يغلفها غموض حينا وسماتِ أخرى كالحيوية والجرأة حينا أخر.

ومما يعرضهُ لنا «كتاب الحب الفاضل» المشهد العام الكامل منذ بداية القرن الرابع عشر ميلادي والذي يعكس التوترات الاجتماعية التي كانت بين البرجوازية حديثة النشأة -آنذاك- والطبقات المرموقة الأخرى (رجال الدين والنبلاء)، هذا الأمر الذي يتحدّث عنه أيضا فن الهجاء في «ما يمكن أن تشتريه النقود» حيث تَكشّف لنا هنا دور المال وسلطته في إحلال الفساد بين طبقات المجتمع المختلفة.

اللغة

يعرض النّص المميزات الأساسيّة للغة الإسبانيّة في العصور الوسطى، ويعرض النّص ارتباكاً في استخدام اللغة، وتُلاحَظ أيضاً بدايات فقدان أدوات التّعريف قبل ضمائر الملكيّة، ففي كتاب الحب الفاضل يتم استبدال الأسلوب الحديث بالأسلوب القديم.

كما يوجد أيضاً العديد من الفروفات لتي توضّح الفروفات الصوتية بالمقارنة مع اللغة الإسبانيّة الحديثة:

  • على الرغم من حضور الصوت /-f/ في البداية، يظهر الصوت /-h/ في بعض الأحيان (كما في اللغة الإسبانية الحديثة).
  • يوجد اختلافات حقيقيّة بحرف العلة الأول في الفعل الماضي البسيط، إلى جانب أنماط قريبة من اللغة الحديثة.
  • تكرار حذف الصوت /e-/ من آخر الكلمة بعد الصوامت الإكليليّة /z, r, ll, l, n, d/ وقد تمّ الاحتفاظ ببعض هذه الكلمات في اللغة الإسبانيّة الحديثة.

وتحتوي بعض المخطوطات على عدد جيّد من كلمات اللغة الليونية، على الرغم ن أن هذه الكلمات قد تكون من إضافة النّساخ اللاحقين وليس الكاتب الأصلي للنص.

التأثير

يشير وجود ثلاث مخطوطات - جميعها ناقصة- إلى أن العمل كان متداولاّ ومقروءاّ خلال العصور الوسطى، وبقي كذلك حتى تم اختراع الطابعة، وتم الاحتفاظ أيضاّ بنسخة من مقاطع مجزأة للغاية باللغة البرتغالية في القرن الرابع عشر، وأن كتاب الحب الفاضل كان يستخدم مرجعاً لقصائد الحكواتية المتجولين (المنشدين) وذلك بناءّ على أجزاء تم جمعها وتنظيمها تبعاّ لترتيب زمني في سجل تاريخي للأحداث، ونفترض أن بعض مشاهد هذا العمل تم تناقله شفويا.

وتمت الإشارة إلى احتمالية تأثر أعمال شاوسر بكتاب خوان رويث. ويقتبس الكتاب في القرن الخامس عشر في كتاب «قمص تالافيرا»، وفي «الماركيز دي سانتيانا». وفي المقابل فإن أثر وبصمة هذا الكتاب بدأت تقل لاحقا وبشكل ملحوظ منذ القرن السادس عشر. وعالج د. دييرموند عن تلقي الكتاب في مقالته: “La difusión y recepción del libro de buen amor desde Juan Ruiz hasta Tomas Antonio Sánchez: cronología provisional “.[5]

المراجع

  1. ^ Menéndez Peláez y otros (2010). pp. 210–211.
  2. ^ "El buen amor heterosexual de Juan Ruiz", Los territorios literarios de la historia del placer. I Coloquio de Erótica Hispana, Madrid, Libertarias, 1996 [pero 1997], págs. 49-69, http://users.ipfw.edu/jehle/deisenbe/Other_Hispanic_Topics/El_buen_amor_heterosexual_de_Juan_Ruiz.htm نسخة محفوظة 4 أبريل 2019 على موقع واي باك مشين.
  3. ^ Francisco J. Hernández, «The venerable Juan Ruiz, Archpriest of Hita», La Corónica, XIII.1 (1984), págs. 10-12. Apud Gybbon-Monypenny, ed. cit., 1984, pág. 8 y n. 3. Posteriormente Hernández desarrolla este hallazgo en Los cartularios de Toledo. Catálogo Documental, Fundación Ramón Areces, Madrid, 19962, págs. 872-874, núm. 519 y «Otra vez sobre la biografía de Juan Ruiz: el testimonio del manuscrito AHB 987B», Voz y Letra, 6 (1995), págs. 137-158. Apud Ramón Gonzálvez Ruiz, «La persona de Juan Ruiz», en Bienvenido Morros y Francisco Toro Ceballos (eds.), Juan Ruiz, Arcipreste de Hita, y el «Libro de buen amor». Actas del congreso celebrado en Alcalá la Real (Jaén, España) del 9 al 11 de mayo de 2002, ed. digital del Centro Virtual Cervantes, 2006-2008. ISBN 84-690-1627-X.
  4. ^ Gybbon-Monypenny, «Introducción biográfica y crítica» a su ed. del Libro de buen amor, Madrid, Castalia (Clásicos Castalia 161), 1984, págs. 7-95.
  5. ^ Alan D. Deyermond, «La difusión y recepción del Libro de buen amor desde Juan Ruiz hasta Tomás Antonio Sánchez: cronología provisional», en Bienvenido Morros y Francisco Toro Ceballos (eds.), Juan Ruiz, Arcipreste de Hita, y el «Libro de buen amor». Actas del congreso de Alcalá la Real (Jaén, España), 9 al 11 de mayo de 2002, ed. digital del Centro Virtual Cervantes, 2006-2008. ISBN 84-690-1627-X.

مصادر

  • Cacho Blecua, Juan Manuel y María Jesús Lacarra Ducay, Historia de la literatura española, I. Entre oralidad y escritura: la Edad Media, José Carlos Mainer (dir.), [s. l.], Crítica, 2012, págs. 367-375. ISBN 978-84-9892-367-4
  • Deyermond, Alan D., Historia de la literatura española, vol. 1: La Edad Media, Barcelona, Ariel, 2001 (1.ª ed. 1973), págs. 189-207. ISBN 84-344-8305-X
  • Gybbon-Monypenny, G. B., «Introducción biográfica y crítica» a su ed. del Libro de buen amor, Madrid, Castalia (Clásicos Castalia 161), 1984, págs. 7-95.
  • Menéndez Peláez, Jesús; Arellano, Ignacio; Caso González, José M.; Caso Machicado, María Teresa; Martínez Cachero, J.M. (2010). Historia de la literatura española. Volumen I. Edad Media. León: Everest. p. 558. ISBN 978-84-241-1928-7.