عرض مصدر خانية القبيلة الذهبية

{{ص.م بلد سابق
|الاسم_المحلي       = القبيلة الذهبيَّة - دولة مغول القفجاق
|الاسم_الشائع       = خَانِيَّةُ القَبِيلَةِ الذَّهَبِيَّة
|خريطة             = GoldenHorde1300.png
|تسمية الخريطة     = خانيَّة القبيلة الذهبيَّة في أقصى امتدادها، حوالي سنة [[1300]]م
|القارة            = [[أوراسيا]] 
|تسمية وصلة العلم  = <small>راية القبيلة الذهبيَّة بحسب راسم الخرائط الإيطالي الميورقي أنجيلينو دولسيرت (مصادر أُخرى تزعم أنها كانت صفراء<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|الأخير=Zahler|الأول=Diane|عنوان=The Black Death (Revised Edition)|مسار= https://books.google.com/books?id=1w2XAgAAQBAJ&pg=PA70|سنة=2013|ناشر=Twenty-First Century Books|isbn=978-1-4677-0375-8|صفحة=70|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200404011744/https://books.google.com/books?id=1w2XAgAAQBAJ&pg=PA70|تاريخ أرشيف=2020-04-04}}</ref>)</small>
|نظام الحكم        = [[ملكية وراثية|ملكيَّة وراثيَّة]]
|لقب الحاكم        = [[خان (لقب)|الخان]]
|الحاكم1           = أُردو خان<br /><small>(صاحب القبيلة البيضاء)</small> 
|فترة الحاكم1      = [[1226]] - [[1280]]م
|الحاكم2           = [[باتو خان|باطو خان]]<br /><small>(صاحب القبيلة الزرقاء)</small> 
|فترة الحاكم2      = [[1242]] - [[1255]]م 
|الحاكم3           = [[بركة خان]]<br /><small>(أوَّل الخوانين المُسلمين)</small> 
|فترة الحاكم3      = [[1257]] - [[1266]]م  
|الحاكم4           = شيخ أحمد<br /><small>(آخر الخوانين)</small> 
|فترة الحاكم4      = [[1481]] - [[1502]]م  
|هيئة تشريعية      = القورولتاي
|مساحة البلد       = 6000000 
|سنة سكان البلد    = 1310<ref group="ْ">{{استشهاد بدورية محكمة |مؤلف1-الأخير=Turchin|مؤلف1-الأول=Peter|مؤلف2-الأخير=Adams|مؤلف2-الأول=Jonathan M.|مؤلف3-الأخير=Hall|مؤلف3-الأول=Thomas D | عنوان = East-West Orientation of Historical Empires | صحيفة = Journal of World-systems Research|تاريخ=December 2006 |المجلد=12|العدد=2 |صفحة=222 |مسار = http://jwsr.pitt.edu/ojs/index.php/jwsr/article/view/369/381|تاريخ الوصول=12 September 2016 |issn= 1076-156X|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200404011746/http://jwsr.pitt.edu/ojs/index.php/jwsr/article/view/369/381|تاريخ أرشيف=2020-04-04}}</ref><ref group="ْ">{{استشهاد بدورية محكمة|تاريخ=September 1997|عنوان=Expansion and Contraction Patterns of Large Polities: Context for Russia|صحيفة=[[:en:International Studies Quarterly|International Studies Quarterly]]|المجلد=41|العدد=3|صفحة=498|doi=10.1111/0020-8833.00053|مؤلف=Rein Taagepera|مؤلف-وصلة=:en:Rein Taagepera|jstor=2600793|مسار= https://escholarship.org/uc/item/3cn68807|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200404011747/http://www.escholarship.org/uc/item/3cn68807|تاريخ أرشيف=2020-04-04}}</ref> 
|الدين             =  [[تنغرية|التنگريَّة]] و[[شامانية|الأرواحيَّة]] و[[المسيحية|المسيحيَّة]] و[[البوذية|البوذيَّة]] (<small>1240–1313)</small><br />[[الإسلام]] <small>(1313–1502)</small><br /><small>
|العملة            = الپول و[[سوم(عملة)|السوم]] و[[درهم|الدرهم]]<ref group="ْ">German A. Fedorov-Davydov [http://www.paleog.com/im/fd/summary.pdf The Monetary System of The Golden Horde*.] Translated by L. I. Smirnova (Holden). Retrieved: 14 July 2017. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20200407020321/http://www.paleog.com/im/fd/summary.pdf |date=7 أبريل 2020}}</ref> 
|العاصمة           = [[سراي (مدينة)|سراي]]
|اللغة             = [[لغة رسمية|اللغة الرسميَّة]]: [[اللغة المغولية|المغوليَّة]] و[[اللغة القبجاقية|القفجاقيَّة]].<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|الأخير=Kołodziejczyk |الأول=Dariusz |مؤلف-وصلة=:en:Dariusz Kołodziejczyk |عنوان=The Crimean Khanate and Poland-Lithuania: International Diplomacy on the European Periphery (15th-18th Century). A Study of Peace Treaties Followed by Annotated Documents. |مسار= https://books.google.com/books?id=FHrTxHmegRYC&pg=PP1 |سنة=2011 |ناشر=BRILL |مكان=Leiden |isbn=978-90-04-19190-7|صفحة=4|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200404011745/https://books.google.com/books?id=FHrTxHmegRYC&pg=PP1|تاريخ أرشيف=2020-04-04}}</ref><br/><small>لُغات أُخرى: [[اللغة العربية|العربيَّة]] و[[لغات أتراكية|التُركيَّة]] و[[سلافية شرقية قديمة|الصقلبيَّة الشرقيَّة]] والبولونيَّة و[[لغات القوقاز|القفقاسيَّة]]</small>
|سنة البداية       = 1242
|سنة النهاية       = 1502
|لغة رسمية         = لا 
|بلد سابق1         =إمبراطورية المغول
|علم بلد سابق1     = Mn emp.jpg
|بلد سابق2         = دشت قبجاق{{!}}الاتحاد القفجاقي
|علم بلد سابق2     = Coat of arms of Cumania.svg
|بلد سابق3         = بلغار الفولغا{{!}}مملكة البلقار
|علم بلد سابق3     = 
| بلد لاحق1         = خانات الكازاخ{{!}}خانيَّة القازاق
| علم بلد لاحق1     = Kazakh Khanate.svg
| بلد لاحق2         = الخانية القاسمية
| علم بلد لاحق2     = 
| بلد لاحق3         = خانية قازان
| علم بلد لاحق3     = Flag of the Kazan Khanate.svg
| بلد لاحق4         = خانية أستراخان
| علم بلد لاحق4     = Flag of Astrakhan Oblast.svg
| بلد لاحق5         = خانية الأوزبك
| علم بلد لاحق5     = War flag of Khanate of Bukhara.svg
| بلد لاحق6         = خانية القرم
| علم بلد لاحق6     = Flag of the crimeans.svg
| بلد لاحق7         = خانية سيبير
| علم بلد لاحق7     = Flag of Siberian Khanate.svg
| بلد لاحق8         = خانية خيوة
| علم بلد لاحق8     = Bandera de Khiva abans 1917.svg
| علم بلد لاحق9     = Timurid.svg
| بلد لاحق9         = الدولة التيمورية
| علم بلد لاحق10    = Nogai flag.svg
| بلد لاحق10        = خانية نوقاي
|صورة علم          = [[ملف:Golden Horde flag 1339.svg|حدود|150بك|مركز]]
|
|اليوم= {{قائمة مخفية
|title = 11 دولة
|1  =          {{علم|روسيا}}
|2  =          {{علم|أوكرانيا}}
|3  =          {{علم|كازاخستان}}
|4  =          {{علم|تركمانستان}}
|5  =          {{علم|قرغيزستان}}
|6  =          {{علم|الصين}}
|7  =          {{علم|بولندا}}
|8  =          {{علم|المجر}}
|9  =          {{علم|أذربيجان}}
|10 =          {{علم|أرمينيا}}
|11 =          {{علم|إيران}}
}}
}}
'''خَانِيَّةُ القَبِيلَةِ الذَّهَبِيَّة''' أو '''دَولَةُ مَغُولِ القَفجَاق''' أو '''دَولَةُ مَغُولِ الشَّمَالِ''' أو '''القَبِيلَةُ الذَّهَبِيَّةُ''' اختصارًا ([[اللغة المنغولية|بِالمغوليَّة]]: {{MongolUnicode|<small><small><small>ᠠᠯᠲᠠᠨ ᠣᠷᠳᠣ</small></small></small>|style=height:0em;text-align:right}}؛ و[[اللغة التتارية|بِالتتريَّة]]: {{خط/عربي|آلتون اورطه}} أو {{خط/عربي|اولوس جوجي}})<ref group="ْ">{{استشهاد ويب |عنوان=Golden Horde |عمل=[[موسوعة بريتانيكا|Encyclopædia Britannica]] |تاريخ=2007 |مسار= https://www.britannica.com/place/Golden-Horde |اقتباس=Also called '''Kipchak Khanate''' Russian designation for Juchi's Ulus, the western part of the Mongol Empire, which flourished from the mid-13th century to the end of the 14th century. The people of the Golden Horde were mainly a mixture of Turkic and Uralic peoples and [[:en:Sarmatians|Sarmatians]] & [[:en:Scythians|Scythians]] and, to a lesser extent, Mongols, with the latter generally constituting the aristocracy. Distinguish the Kipchak Khanate from the earlier [[:en:Cumania|Cuman-Kipchak confederation]] in the same region that had previously held sway, before its conquest by the Mongols.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200404204723/https://www.britannica.com/place/Golden-Horde|تاريخ أرشيف=2020-04-04}}</ref> هي دولةٌ قامت بدايةً كإحدى خانيَّات [[إمبراطورية المغول|إمبراطوريَّة المغول]]، واحتلَّت الرُكن الشمالي الغربي منها.<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب |محرر-الأخير= Perrie |محرر-الأول=Maureen |عنوان= The Cambridge History of Russia: Volume 1, From Early Rus' to 1689 |مسار= https://books.google.com/books?id=E8HhcQAACAAJ&pg=PA130 |سنة= 2006 |ناشر= Cambridge University Press |isbn=978-0-521-81227-6 |صفحة= 130|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200404204722/https://books.google.com/books?id=E8HhcQAACAAJ&pg=PA130|تاريخ أرشيف=2020-04-04}}</ref> أسَّسها [[باتو خان|باطو]] بن [[جوجي خان|جوجي]] بن [[جنكيز خان]]، وشغلت منطقةً واسعةً في [[دشت قبجاق|بلاد القفجاق]]، تمتد من [[إيرتيش|نهر إيرتيش]] شرقًا إلى أرض [[بلغار الفولغا|البلقار]] و[[فولغا|الڤولغا]] غربًا، ومن [[روسيا الأوروبية|الروسيا]] وبلاد الصقالبة شمالًا إلى [[الدولة الإلخانية|الدولة الإلخانيَّة]] في [[إيران الكبرى|إيران]] و[[الأناضول|آسيا الصُغرى]]، بِالإضافة إلى [[بلاد ما وراء النهر]] و[[تركستان|تُركستان]] في الجنوب.<ref name="طقوش1">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1=[[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ مغول القبيلة الذهبيَّة والهند|طبعة= الأولى|صفحة= 5 - 7|سنة= [[1428 هـ|1428هـ]] - [[2007]]م|ناشر=دار النفائس|تاريخ الوصول=[[4 أبريل|4 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان=[[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/details/tar.mghoul.al.qbila/page/n5/mode/2up|isbn = 9789953184364| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200407020321/https://archive.org/details/tar.mghoul.al.qbila/page/n5/mode/2up | تاريخ أرشيف = 7 أبريل 2020 }}</ref> توسَّعت هذه الخانيَّة التي كانت تتركَّز حول نهر الڤولغا، فامتدَّت غربًا حتَّى وصلت إلى [[كاربات|جبال الكربات]] عبر الروسيا و[[تاريخ بولندا|بولونيا]] و[[مملكة المجر (1000–1301)|المجر]] وساحل [[دلماسية|دلماسيا]]، وبنى باطو مدينة [[سراي (مدينة)|سراي]] القديمة على نهر الڤولغا في مُنتصف الطريق بين مدينتيّ [[فولغوغراد|ڤولگوگراد]] و[[أستراخان]] المُعاصرتين، واتَّخذها عاصمةً له، ثُمَّ بنى [[بركة خان]] سراي الجديدة في المنطقة نفسها واتخذها عاصمةً لِدولته.<ref name="طقوش1"/>

شغلت خانيَّة مغول القبيلة الذهبيَّة حيِّزًا هامًّا في التاريخين [[تاريخ آسيا|الآسيوي]] و[[تاريخ أوروبا|الأوروپي]] في [[العصور الوسطى|التاريخ القروسطي]]، واستقلَّت عن إمبراطوريَّة المغول العِظام في سنة [[658 هـ|658هـ]] المُوافقة لِسنة [[1260]]م، وشقَّت لها طريقًا خاصًّا فرضته ظُرُوفها الداخليَّة والخارجيَّة. أخضعت هذه الخانيَّة الإمارات الروسيَّة المُتناثرة في الوسط والشمال، المُتنازعة أبدًا، وفرضت على الأُمراء [[روس|الروس]] الجزية والضرائب، وقامت العلاقة بين الطرفين على التبعيَّة مع الاحتفاظ باستقلال هذه الإمارات.<ref name="طقوش1"/><ref name="تاريخ المغول">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= بخيت، رجب محمود إبراهيم|عنوان= تاريخ المغول وسُقُوط بغداد|طبعة= الأولى|صفحة= 417 - 420|سنة= [[1431 هـ|1431هـ]] - [[2010]]م|ناشر= مكتبة الإيمان ومكتبة جزيرة الورد|تاريخ الوصول= [[4 أبريل|4 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://archive.org/details/tarik_bgdad/page/n415/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200407020354/https://archive.org/details/tarik_bgdad/page/n415/mode/2up | تاريخ أرشيف = 7 أبريل 2020 }}</ref> اعتنق مغول القبيلة الذهبيَّة [[الإسلام]]، وبدأت الخانيَّة، مُنذُ عهد بركة خان، تأخذ شكلها ووضعها كدولةٍ إسلاميَّة. وبِفعل هذا التوجُّه الإسلامي أقام مغول القبيلة الذهبيَّة علاقاتٍ وديَّةٍ مع [[الدولة المملوكية|المماليك]] في [[تاريخ مصر الإسلامية|مصر]] و[[بلاد الشام|الشَّام]]، وقد جمعتهُما مصلحة سياسيَّة مُشتركة من واقع العداء لِلمغول الإلخانيين في [[بلاد فارس|فارس]]. ويرجع سبب هذا العداء إلى التنازع بين الدولتين على مناطق الأطراف المُتاخمة [[بحر قزوين|لِبحر الخزر (قزوين)]] و[[أذربيجان (إيران)|أذربيجان]].<ref name="طقوش1"/> ازدهرت تلك الدولة بعد وفاة [[باتو خان|باطو خان]]، من سنة [[1255]]م حتَّى سنة [[1359]]م، على أنَّ كثرة مُؤامرات أحد القادة، واسمه «نوقاي خان»، أدخلها في حربٍ أهليَّةٍ جُزئيَّةٍ أواخر [[عقد 1290|العقد التاسع من القرن الثالث عشر الميلادي]]، إلَّا أنَّ نُفُوذ تلك الدولة عاد وكانت ذروته في عهد [[أوزبك خان]] ([[1312]]-[[1341]]م) الذي أعلن [[الإسلام]] [[دين الدولة|دينًا رسميًّا لِلدولة]] بعدما غلب تمامًا على أهلها.<ref name="تاريخ المغول"/>

تعرَّضت خانيَّة القبيلة الذهبيَّة، مُنذُ أواسط [[القرن 14|القرن الرابع عشر الميلاديّ]]، لِخضَّاتٍ سياسيَّةٍ زعزت كيانها وأثَّرت سلبًا على مسيرتها. فمرَّت عليها  تجربة عنيفة أوائل سنة [[1359]]م، فسادت فيها الفوضى السياسيَّة والصراع على السُلطة، وقد أتاحت هذه الصراعات الداخليَّة الحادَّة لِلروس المُتوثبين الفُرصة لِتخفيف الضغط المغولي الواقع عليهم، وتُوِّج ذلك بِانتصار جيشٍ روسيٍّ على جيشٍ مغوليٍّ في سنة [[870 هـ|870هـ]] المُوافق فيه [[1378]]م، لِأوَّل مرَّة مُنذُ مائة وأربعين سنة. وظهر خطر تمزُّق الدولة الذي استمرَّ مُدَّة عشرين سنة حتَّى أنقذها [[توقتمش|تُوقتمش خان]] سنة [[1381]]م، بعد نجاحه في إعادة تجميع أوصالها. ولم يكد هذا [[خان (لقب)|الخان]] يقطف ثمار نجاحه حتَّى تعرَّضت الخانيَّة لِغزوات [[تيمورلنك]] المُدمِّرة التي غيَّرت، بِشكلٍ جذريٍّ، معالم الدولة السُكَّانيَّة والسياسيَّة، وزعزعت كيانها بِحيثُ لم تقم لها بعد ذلك قائمة.<ref name="طقوش1"/> وتفاقمت، بعد وفاة تُوقتمش خان، حدَّة الصراعات على السُلطة في ظلِّ حُكم خوانين ضعاف مرُّوا بِشكلٍ مُتسارع، وتوثَّب الروس لِلانعتاق من الهيمنة المغوليَّة، فارتبط تاريخ خانيَّة القبيلة الذهبيَّة مُنذُ ذلك  الحين وحتَّى زوالها [[تاريخ روسيا|بِتاريخ روسيا]].<ref name="طقوش1"/> تفكَّكت تلك الدولة وانقسمت إلى عدة كياناتٍ [[تتار|تتريَّة]] أصغر ممَّا تسبب في إضعافها وانهيارها التدريجي مع بداية [[القرن 15|القرن الخامس عشر الميلاديّ]]، حيثُ كان يُشار إليها سنة [[1466]] باسم «[[خانية القبيلة الكبرى|القبيلة الكُبرى]]». وظهرت داخل أراضيها العديد من الخانيَّات الناطقة [[لغات أتراكية|بِاللُغة التُركيَّة]]، مثل خانيَّات أستراخان وقازان والقرم وسيبير، وقد راحت تُهدُّد [[دوقية موسكو الكبرى|الإمارة المسكوبيَّة]] الشماليَّة بِشكلٍ مُباشر، ما دفع حُكَّامها إلى مُحاربتها والاستيلاء عليها الواحدة تلو الأُخرى.<ref name="طقوش1"/> وفي صيف سنة [[1480]]م، استطاع المسكوب{{للهامش|1}} تخليص أنفُسهم من [[الغزو المغولي لروسيا|النير المغولي]] وذلك بعد مُواجهة الجيشين الروسي والتتري على نهر أوغرة. وكانت خانيَّتا [[خانية القرم|القرم]] و[[خانات الكازاخ|القازاق]] آخر بقايا خانيَّة القبيلة الذهبيَّة، وقد سقطتا تباعًا في سنتيّ [[1783]] و[[1847]]م.

كان لِاعتناق مغول القبيلة الذهبيَّة الإسلام أثرًا إيجابيًّا على مُستواهم الحضاري والثقافي، فقد تحوَّلوا من الهمجيَّة المُفرطة إلى الاستقرار، وعمرت بلادهم بِالعُلماء. ويرجع الفضل إلى بركة خان في إعلاء شأن العلوم والآداب والثقافة بِصفةٍ عامَّة في مُختلف أرجاء دولته. فقد أولى الخان المذكور ومن أتى بعده اهتمامه بالحياة العلميَّة والثقافيَّة، حيثُ أنشأ [[مسجد|المساجد]] و[[مدرسة إسلامية|المدارس]] و[[زاوية (مدرسة)|الزوايا]] في جميع أنحاء البلاد وقرَّب العُلماء والفُقهاء، من هذه الزوايا ما ذكره [[ابن بطوطة|ابن بطُّوطة]] في مُختلف المُدن التي زارها: زاوية الشيخ زادة الخُراساني في [[القرم]]، وقُربها كانت زاوية تابعة للأمير «تلكتمو» وزاوية كانت لِشيخٍ يُسمَّى «رجب النهر» في مدينة [[آزوف|آزاق]]، وفي مدينة سراجوق كانت هناك زاوية لِرجُلٍ يُدعى «آتا صالح» من [[ترك|التُّرك]]. وفي مدينة الماجر وُجدت زاوية الشيخ الصالح العابد مُحمَّد البطائحي، وكان بها نحو سبعين من فُقراء [[عرب|العرب]] و[[فرس (قوم)|الفُرس]] و[[دولة سلاجقة الروم|التُّرك والروم]]،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن بطوطة|ابن بطُّوطة، مُحمَّد بن عبد الله بن مُحمَّد اللواتي الطنجي]]|عنوان= تُحفة النظَّار في غرائب الأمصار|طبعة= الأولى|صفحة= 342|سنة= [[2010]]|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|تاريخ الوصول= [[4 أبريل|4 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20200404233117/https://books.google.com.lb/books?id=iLtsDwAAQBAJ&pg=PT298&lpg=PT298&dq=%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF+%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B7%D8%A7%D8%A6%D8%AD%D9%8A%D8%8C+%D8%B1%D8%AD%D9%84%D8%A9+%D8%A7%D8%A8%D9%86+%D8%A8%D8%B7%D9%88%D8%B7%D8%A9&source=bl&ots=Jh7a4XVsSh&sig=ACfU3U02BfEvWpWg7fHvTo2WWslNk4uwtg&hl=en&sa=X&ved=2ahUKEwi-8vKM9c_oAhViAGMBHXwNC2YQ6AEwAHoECAsQKA#v=onepage&q=%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B7%D8%A7%D8%A6%D8%AD%D9%8A%D8%8C%20%D8%B1%D8%AD%D9%84%D8%A9%20%D8%A7%D8%A8%D9%86%20%D8%A8%D8%B7%D9%88%D8%B7%D8%A9&f=false|تاريخ أرشيف=[[4 أبريل|4 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مسار=https://books.google.com.lb/books?id=iLtsDwAAQBAJ&pg=PT298&lpg=PT298&dq=%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF+%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B7%D8%A7%D8%A6%D8%AD%D9%8A%D8%8C+%D8%B1%D8%AD%D9%84%D8%A9+%D8%A7%D8%A8%D9%86+%D8%A8%D8%B7%D9%88%D8%B7%D8%A9&source=bl&ots=Jh7a4XVsSh&sig=ACfU3U02BfEvWpWg7fHvTo2WWslNk4uwtg&hl=en&sa=X&ved=2ahUKEwi-8vKM9c_oAhViAGMBHXwNC2YQ6AEwAHoECAsQKA#v=onepage&q=%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B7%D8%A7%D8%A6%D8%AD%D9%8A%D8%8C%20%D8%B1%D8%AD%D9%84%D8%A9%20%D8%A7%D8%A8%D9%86%20%D8%A8%D8%B7%D9%88%D8%B7%D8%A9&f=false|isbn = 9782745136909}}</ref> وفي مدينة سراي العاصمة كانت هناك زوايا كثيرة أهمها وأشهرها زاوية الشيخ نعمان الدين الخوارزمي التي اعتاد السُلطان أوزبك على زيارتها كُلَّ جُمُعة، وفي مدينة [[خيوة|خوارزم]] زاوية الأمير «قطلوتيمر» نائب السُلطان أوزبك.<ref>{{استشهاد ويب |مؤلف= أبو ريَّا، مجد|تاريخ= [[9 سبتمبر|9 أيلول (سپتمبر)]] [[2019]]م|عنوان= "القبجاق".. القبيلة الذهبية التي حوّلت المغول إلى مسلمين|مسار= https://www.noonpost.com/content/29247|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200404230531/https://www.noonpost.com/content/29247|تاريخ أرشيف= [[4 أبريل|4 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|موقع= نون پوست|تاريخ الوصول= [[4 أبريل|4 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م}}</ref> وفي الحقيقة، فإنَّ ما ساهم بازدهار الحياة العلميَّة والثقافيَّة في بلاد القبيلة الذهبيَّة كان العُلماء والفُقهاء الذين وفدوا إليها هاربين من بطش [[هولاكو خان]] وابنه [[أباقا خان|أباقا]] وسياستهما المُعادية لِلمُسلمين، وساهم عداء مغول القفجاق لِلمغول الإلخانيين باجتذاب هؤلاء العُلماء والفُقهاء الذين عانوا الأمرّين على يد مغول فارس، فعيَّنهم بركة خان في مناصب الدولة المُختلفة مُستغلًا مواهبهم وقُدراتهم. وقد أتى ابن بطُّوطة على ذكر أولئك العُلماء الذين وفدوا من فارس و[[عراق العرب|العراق]] والشَّام ومصر وتسلُّموا مناصب قضائيَّة وعلميَّة وكان لهم دورًا في تحويل جميع مغول القفجاق إلى الإسلام مع مُرُور الزمن.<ref>{{استشهاد بدورية محكمة|الأخير= فلح|الأول= مُحمَّد يُونُس|دورية= مجلَّة كُليَّة العُلُوم الإسلاميَّة|مسار= https://coism.mosuljournals.com/article_40076_67a009e277458257c190ee612988d7d1.pdf|عنوان= تأثُّر المغول بِالإسلام|المجلد= المُجلَّد الخامس|العدد= العدد التاسع|سنة= [[1432 هـ|1432هـ]] - [[2011]]م|صفحات= صفحة 232|ناشر= [[جامعة الموصل]]|تاريخ الوصول=[[5 أبريل|5 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م |مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20200404234320/https://coism.mosuljournals.com/article_40076_67a009e277458257c190ee612988d7d1.pdf|تاريخ أرشيف=[[5 أبريل|5 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|issn= 1812125X}} {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20200407020331/https://coism.mosuljournals.com/article_40076_67a009e277458257c190ee612988d7d1.pdf%7C%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%86%D9%88%D8%A7%D9%86= |date=7 أبريل 2020}}</ref>

== أصل الاسم ==

ليس هُناك من مصدرٍ مُؤكَّدٍ لأصل تسمية القبيلة الذهبيَّة، وإن كانت كلمة [[أصفر]] (ساري أو سارو) تعني «المركز» أو «المركزي» في [[لغات أتراكية|اللُغات التُركيَّة القديمة]]. وتباين مُصطلح اللون مع الجناحين الأساسيين لِلقبيلة: «القبيلة الزرقاء» في الغرب، و«البيضاء» في الشرق. كلمة {{اقتباس مضمن|أورطة}}، وقد تُكتب وتُلفظ {{اقتباس مضمن|أُردُو}}، هي مُصطلح تُركي مغولي يرمز لِلجيش أو الفرقة العسكريَّة،<ref group="ْ">[https://www.etymonline.com/word/horde Online Etymology Dictionary: horde <!-- عنوان مولد بالبوت -->] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20160304053614/http://www.etymonline.com/index.php?term=horde |date=04 مارس 2016}}</ref> وقُصد بها الإشارة لِلجُيُوش التي قادها باطو خان ومن تلاه من حُكَّام تلك القبيلة. وقد يُقصد بها أيضًا «المُخيَّم» أو «المُعسكر» أو «الخيمة» أو «مركز الحُكُم»،<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|مؤلف=Leo de Hartog|عنوان=Russia and the Mongol yoke: the history of the Russian principalities and the Golden Horde, 1221–1502|مسار= https://books.google.com/books?id=CANpAAAAMAAJ|تاريخ الوصول=17 January 2011|سنة=1996|ناشر=British Academic Press|isbn=978-1-85043-961-5|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200405175759/https://books.google.com/books?id=CANpAAAAMAAJ|تاريخ أرشيف=2020-04-05}}</ref> أو «البلاط الملكي».<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|مؤلف=Michael Kohn|عنوان=Mongolia|مسار=https://archive.org/details/mongolia00kohn|التسجيل=registration|تاريخ الوصول=17 January 2011|تاريخ=1 May 2008|ناشر=Lonely Planet|isbn=978-1-74104-578-9|صفحات=[https://archive.org/details/mongolia00kohn/page/25 25]–| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200407020329/https://archive.org/details/mongolia00kohn | تاريخ أرشيف = 7 أبريل 2020 }}</ref><ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1=Willem van Ruysbroeck|مؤلف2=Giovanni di Piano Carpini (abp. of Antivari)|عنوان=The journey of William of Rubruck to the eastern parts of the world, 1253–5|مسار= https://books.google.com/books?id=DmgMAAAAIAAJ&pg=PA57|تاريخ الوصول=17 January 2011|سنة=1900|ناشر=Printed for the Hakluyt Society|صفحات=57–|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200405175759/https://books.google.com/books?id=DmgMAAAAIAAJ&pg=PA57|تاريخ أرشيف=2020-04-05}}</ref> يُرجِّح البعض سبب تسمية القبيلة بـ«الذهبيَّة» إلى اتخاذ زعيمها باطو خان، أو أوزبك خان، خيمةً ذهبيَّةً يسكنها،<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب |صفحة=Atwood|الأخير=Atwood |الأول=Christopher Pratt |عنوان=Encyclopedia of Mongolia and the Mongol Empire |مسار=https://archive.org/details/encyclopediaofmo0000atwo |التسجيل=registration |سنة=2004 |ناشر=Facts On File |isbn=978-0-8160-4671-3| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200407020326/https://archive.org/details/encyclopediaofmo0000atwo | تاريخ أرشيف = 7 أبريل 2020 }}</ref> والتي سُميت بـ«القصر الذهبي»، وقيل أنَّهم سُمُّوا هكذا نسبةً إلى خيامهم ذات اللون [[ذهبي (لون)|الذهبي]].<ref name="طقوش2">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1=[[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ مغول القبيلة الذهبيَّة والهند|طبعة= الأولى|صفحة= 13 - 15|سنة= [[1428 هـ|1428هـ]] - [[2007]]م|ناشر=دار النفائس|تاريخ الوصول=[[4 أبريل|4 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان=[[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/details/tar.mghoul.al.qbila/page/n13/mode/2up|isbn = 9789953184364| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200407020400/https://archive.org/details/tar.mghoul.al.qbila/page/n13/mode/2up | تاريخ أرشيف = 7 أبريل 2020 }}</ref>

وأُطلق على القبيلة الذهبيَّة في مُعظم المصادر الإسلاميَّة التي عاصرت هذه الدولة اسم «خانيَّة القفجاق» أو «مغول القفجاق» أو «أولوس جوجي» (وتعني «مملكة جوجي» [[اللغة المنغولية|باللُغة المغوليَّة]]) كما ورد في كتاب «[[جامع التواريخ]]» [[رشيد الدين فضل الله الهمذاني|لِرشيد الدين فضل الله الهمذاني]]، حيث شكَّل [[القفجاق]] غالبيَّة القبائل الرُّحَّل في المنطقة التي قامت فيها الخانيَّة.<ref group="ْ">{{استشهاد ويب |الأول=T. |الأخير=May |عنوان=Khanate of the Golden Horde (Kipchak) |ناشر=North Georgia College and State University |مسار=http://www.accd.edu/sac/history/keller/Mongols/states3.html |تاريخ=2001 |مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20061214072102/http://www.accd.edu/sac/history/keller/Mongols/states3.html |تاريخ أرشيف=December 14, 2006}}</ref><ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|الأخير=Spinei|الأول=Victor|عنوان=The Romanians and the Turkic Nomads North of the Danube Delta from the Tenth to the Mid-Thirteenth Century|مسار= https://books.google.com/books?id=2vl538CMBsAC&pg=PA38|سنة=2009|ناشر=BRILL|isbn=978-90-04-17536-5|صفحة=38|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200405200439/https://books.google.com/books?id=2vl538CMBsAC&pg=PA38|تاريخ أرشيف=2020-04-05}}</ref> والمعروف أنَّ مُعظم سُكَّان المناطق التي امتدَّت عليها أراضي القبيلة الذهبيَّة كانوا من الشُعُوب التُركيَّة مثل: القفجاق والكانكالي و[[كازاخ|القازاق]] و[[قيرغيز|القيرغيز]] و[[موردوفيون|الموردوڤيُّون]] والبُلقار وغيرهم. وكان من بينهم [[غجر]]يُّون و[[جمهورية جنوة|جنويُّون]] والقليل من [[أرمن|الأرمن]] والكثير من الروس.<ref name="طقوش2"/> وكان القفجاق [[بدو|البدو]] أغزر تلك الشُعُوب كما أُسلف، واعتمدوا في معايشهم على التنقُّل والترحال، وكان أغلبهم [[وثنية|وثنيين]]، وقد تزايدت أعدادهم في [[قرن 5 هـ|القرن الخامس الهجري]] المُوافق [[القرن 11|لِلقرن الحادي عشر الميلادي]]، فانتشروا في أماكن واسعة، واستقرُّوا في حوض نهر الڤولغا الأدنى وفي صحراء الغُز، الواقعة شماليّ بلاد ما وراء النهر و[[خوارزم]]، وتمتد غربًا حتَّى [[البحر الأسود|بحر البنطس (الأسود)]]، وتصل في تمدُّدها شمالًا إلى جنوبيّ روسيا، ولِذلك سُمِّيت باسم «صحراء القفجاق» أو «[[دشت قبجاق|دشت قفجاق]]».<ref name="طقوش2"/><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن بطوطة|ابن بطُّوطة، مُحمَّد بن عبد الله بن مُحمَّد اللواتي الطنجي]]|عنوان= تُحفة النظَّار في غرائب الأمصار|طبعة= الأولى|صفحة= 328|سنة= [[1407 هـ|1407هـ]] - [[1987]]م|المجلد=الجُزء الأوَّل|ناشر= دار إحياء العُلُوم|تاريخ الوصول= [[5 أبريل|5 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://download-library-pdf-ebooks.com/18013-free-book |مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200405195458/https://download-library-pdf-ebooks.com/18013-free-book|تاريخ أرشيف=[[5 أبريل|5 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م}}</ref> كوَّن القفجاق مملكةً كانت عاصمتها [[سوداق]] في [[القرم|شبه جزيرة القرم]]. ونظرًا لِمُجاورة أراضيهم الأراضي الروسيَّة، فقد وقعت بينهما احتكاكاتٌ وحُرُوبٌ طويلة الأمد استمرَّت حتَّى مجيء المغول في سنة [[620 هـ|620هـ]] المُوافقة لِسنة [[1223]]م، كانت بِمُعظمها سجالًا، إلَّا أنَّها أضعفت كُلًّا منهما، الأمر الذي أتاح لِلمغول المُندفعين من الشرق أن ينقضُّوا عليهما. وعندما أتمَّ باطو خان غزو بلاد القفجاق وجنوبيّ الروسيا في سنة [[636 هـ|636هـ]] المُوافقة لِما بين سنتيّ [[1238]] و[[1239]]م، هرب خان القفجاق إلى بلاد المجر، وتمزَّقت دولته، وامتزج القفجاقيُّون بِالفاتحين المغول حتَّى استحال التمييز بينهم، ودخلوا جميعًا في الإسلام، واشتركوا معهم في السُلطة حتَّى تسمَّت دولة المغول هُناك باسم «دولة مغول القفجاق».<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= الرمزي، مُحمَّد مُراد مكِّي|عنوان= تلفيق الأخبار وتلقيح الآثار في وقائع قزان وبُلغار ومُلُوك التتار|طبعة= الأولى|صفحة= 220 - 221؛ 378|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|تاريخ الوصول= [[5 أبريل|5 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|المجلد=الجُزء الأوَّل|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/stream/takfiqathar/takhbar1#page/n219/mode/2up|isbn = 2745134833| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200407020406/https://archive.org/stream/takfiqathar/takhbar1 | تاريخ أرشيف = 7 أبريل 2020 }}</ref> عُرفت هذه الدولة أيضًا بِـ«دولة مغول الشمال» كونها وقعت شمال [[خانية الجاغاطاي|الخانيَّة الجغطائيَّة]] أو خانيَّة تُركستان وما وراء النهر، والدولة الإلخانيَّة في إيران وآسيا الصُغرى.<ref name="طقوش2"/> حتَّى [[القرن 16|القرن السادس عشر الميلادي]]، لم يستخدم المُؤرخون الروس صراحةً مُصطلح القبيلة الذهبيَّة لِوصف تلك الخانيَّة،<ref group="ْ">[http://gumilevica.kulichki.net/VGV/vgv302.htm#vgv302para02 Г.В. Вернадский. Монголы и Русь II. Монгольская империя<!-- عنوان مولد بالبوت -->] {{أيقونة روسية}} {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20170618140523/http://gumilevica.kulichki.net/VGV/vgv302.htm |date=18 يونيو 2017}}</ref> وأوَّل استخدام معروف لِهذا المُصطلح كان سنة [[1565]]م في المُؤلَّف الروسي عن تاريخ قازان، حيثُ طُبِّقت التسمية على المنطقة المُسمَّاة «أولوس جوجي» {{لغ-رو|Улуса Батыя؛ زولوتايا أورطة}} التي عاصمتها مدينة سراي.<ref group="ْ">{{استشهاد ويب|مسار= https://proza.ru/2009/10/19/863 |عنوان=рЕПЛХМ гНКНРЮЪ нПДЮ - НЬХАЙЮ РНКЛЮВЮ 16 ЯРНКЕРХЪ (мХК лЮЙЯХМЪ) / оПНГЮ.ПС - МЮЖХНМЮКЭМШИ ЯЕПБЕП ЯНБПЕЛЕММНИ ОПНГШ |ناشر=Proza.ru |لغة=ru |تاريخ الوصول=2014-04-11|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200405205816/http://www.proza.ru/2009/10/19/863|تاريخ أرشيف=2020-04-05}}</ref><ref group="ْ">{{استشهاد بدورية محكمة |الأخير=Ostrowski |الأول=Donald G. |عنوان=Encyclopedia of Mongolia and the Mongol Empire, and: The Mongols and the West, 1221–1410, and: Daily Life in the Mongol Empire, and: The Secret History of the Mongols: A Mongolian Epic Chronicle of the Thirteenth Century (review) |صحيفة=Kritika: Explorations in Russian and Eurasian History |المجلد=8 |العدد=2 |تاريخ=Spring 2007 |صفحات=431–441 |ناشر=Project MUSE |doi=10.1353/kri.2007.0019}}</ref>

== التاريخ ==
=== قيام إمبراطوريَّة المغول وتوسُّعها غربًا ===
{{أيضا|الغزو المغولي لخوارزم|الغزو المغولي لروسيا}}
[[ملف:Genghis Khan empire-ar.png|تصغير|يمين|مسير الحملات المغوليَّة من [[منغوليا|مغولستان]] إلى [[خوارزم]] وعبر مازندران وُصولًا إلى أذربيجان والكرج ثُمَّ جنوب الروسيا.]]
[[ملف:Rejection Tatars Peace.jpeg|تصغير|رسمٌ يُصوِّرُ رفض الروس لِلصُلح المغولي الذي حمله الرُّسُل. قُتل هؤلاء الرُّسُل لاحقًا ممَّا كان سببًا بِتسريع الحملة العسكريَّة على البلاد الروسيَّة تمامًا كما حصل مع الخوارزميين.]]
قامت [[إمبراطورية المغول|إمبراطوريَّة المغول]] على يد القائد الكبير [[جنكيز خان]]، الذي نجح في توحيد جميع القبائل المغوليَّة تحت رئاسته سنة [[1206]]م، وجمع شتات [[منغوليا|بلاد المغول]] في دولةٍ مُوحدةٍ قويَّة، ثُمَّ تطلَّع لِلتوسُّع على حساب جيرانه، فبدأ [[الصين (منطقة)|بِالصين]] أولًا ثُمَّ تطلَّع إلى الغرب حيثُ امتدَّت أراضي [[خوارزميون|الدولة الخوارزميَّة]]، فاجتاحها و[[الغزو المغولي لخوارزم|استولى على أقاليمها]] دون عناء، فهرب سُلطانها [[محمد خوارزم شاه الثاني|علاءُ الدين مُحمَّد بن تُكُش خوارزمشاه]] ناجيًا بِحياته، وأرسل جنكيز خان جيشًا في إثره لِلقبض عليه يتكوَّن من عشرين ألف جُندي بِقيادة اثنين من أبرز قادته، هُما [[جبه نويان]] و[[سوبوتاي]]، فلاحقاه غربًا غير أنَّهُ تمكَّن من اللُجوء إلى جزيرة [[آبسكون]] بِبحر الخزر (قزوين) حيثُ تُوفي بعد أن اشتدَّ عليه المرض.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ المغول العظام والإيلخانيين|طبعة= الأولى|صفحة= 64 - 65|سنة= [[1428 هـ|1428هـ]] - [[2007]]م|ناشر= دار النفائس|ردمك= 9953184348|تاريخ الوصول= [[3 فبراير|3 شُباط (فبراير)]] [[2019]]م|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/details/tar.al.mghoul.al.izam/page/n65/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200407020409/https://archive.org/details/tar.al.mghoul.al.izam/page/n65/mode/2up | تاريخ أرشيف = 7 أبريل 2020 }}</ref> وعلى الرُغم من أنَّ السُلطان الخوارزمي أفلت من قبضة القائدين سالِفيّ الذِكر، إلَّا أنَّ مُلاحقتهما إيَّاه فتحت أعينهما على الغرب وإمكان التوغُّل فيه، فاستمرَّا في السير غربًا في حملةٍ استكشافيَّة ذات فائدة مُستقبليَّة، واجتاحا [[مملكة جورجيا|مملكة الكرج]] و[[أتابكة أذربيجان|أتابكيَّة أذربيجان]]، ثُمَّ وضعا خطَّةً في مُنتهى الجُرأة، فقد قرَّرا الاندفاع إلى أراضي مجهولة بِالنسبة إليهما هي [[أوروبا|الأراضي الأوروپيَّة]]، فشقَّا طريقهما وسط ممرَّات [[القوقاز|القفقاس]] ، فعبرا [[دربند (روسيا)|باب الأبواب]] الواقع بين سلاسل جبال [[داغستان]] التي تُؤلِّف آخر الحاجز القفقاسي، واصطدما بِشُعُوب تلك البلاد من [[شركس|الشركس]] و[[ألان|الألان]] و[[أوسيتيون|الآص]] و[[لزجين|اللَّكز]] والقفجاق، التي تصدَّت لهما، وتغلَّبا عليهم.<ref name="ابن الأثير1">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير الجزري، عزُّ الدين أبي الحسن عليّ بن مُحمَّد بن عبد الكريم الموصلي الشيباني]]|عنوان= الكامل في التاريخ|المجلد=المُجلَّد العاشر|طبعة= الرابعة |صفحة = 415 - 617|سنة= [[1424 هـ|1424هـ]] - [[2003]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|تاريخ الوصول= [[7 أبريل|7 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://ia802707.us.archive.org/15/items/WAQkamilt/kamilt10.pdf|isbn = 2745100467| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20191216200407/https://ia802707.us.archive.org/15/items/WAQkamilt/kamilt10.pdf | تاريخ أرشيف = 16 ديسمبر 2019 }}</ref> عند هذه النُقطة من الزحف المغولي بِاتجاه الشمال الغربي بدت أراضي الروسيا أمام الجيش المغولي، وكانت هذه البلاد مُقسَّمة إلى [[كييف روس|إماراتٍ عدَّة]] فيما وراء ڤاركوڤ و[[كييف|كييڤ]] حتَّى كانيف، ولم يكن الروس يعلمون شيئًا عن المغول قبل ذلك، وإنَّ الانطباع الأوَّل لديهم أنَّ [[الله في المسيحية|الله]] أرسلهم لِتخليصهم من قبائل القفجاق في شماليّ القفقاس الذين كانوا يُغيرون عليهم، وأطلقوا عليهم اسم: «تارتار» و«تورمان» - تُركُمان - و«بُشناق».<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= Michell, Robert|مؤلف2= Farbes, N.|عنوان= The Chronicle of Novgorod 1016–1471|صفحة= 64|سنة= [[1914]]|ناشر= Offices of the Society|تاريخ الوصول= [[7 أبريل|7 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= London|مسار= http://faculty.washington.edu/dwaugh/rus/texts/MF1914.pdf|المجلد= Vol. XXV| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200407170429/http://faculty.washington.edu/dwaugh/rus/texts/MF1914.pdf | تاريخ أرشيف = 7 أبريل 2020 }}</ref> والواقع أنَّ الخطر المغولي وحَّد شُعُوب المنطقة، فتعاون الروس مع القفجاق لِتصدي لِزحف المغول. وبِفضل مُصاهرة الأمير الروسي [[مستيسلاف رومانوفيتش|مستيسلاڤ]]، أمير كييڤ، لِكوتان خان، الزعيم القفجاقي، حصل القفجاق على مُساعدة ثلاثة من الأُمراء الروس هُم أمير كييڤ وأمير چرنيهيڤ وأمير [[غاليسيا (أوروبا الشرقية)|غاليسيا]]، وحاول القائدان المغوليَّان فُكاك هذا التحالف إلَّا أنَّ الأُمراء الروس لم يقتنعوا بما حمله رسُلهما العشرة من اقتراحاتٍ بِالمُصالحة والسلم والتحالف مع المغول وانتهاز الفُرصة لِلانتقام من القفجاق لِما تسبَّبوا به من السلب والنهب في السابق. وأثار الرُسُل المغول حتَّى النعرة الدينيَّة بِأن أوضحوا أنَّ المغول لهم الأفضليَّة في المُحالفة لِأنَّهم يعبدون ربًّا واحدًا وليسوا وثنيين كالقفجاق؛ فأعدموهم جميعًا.<ref name="غروسيه1">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= غروسيه، رينيه|مؤلف2= تعريب خالد أسعد عيسى|عنوان=جنكيز خان قاهر العالم|طبعة= الأولى|صفحة= 346 - 348|سنة= [[1982]]|ناشر= دار حسَّان|مكان= [[دمشق]] - [[سوريا]]}}</ref> وهكذا تكرَّر الخطأ نفسه الذي اقترفه السُلطان الخوارزمي قبل أربعة سنوات والذي أدَّى إلى نُزُول الكوارث بِالدولة الخوارزميَّة.
[[ملف:Bataille de la Kalka, en 1224.jpg|تصغير|يمين|اشتباك المغول والروس في معركة نهر كالكا.]]
وتشكَّل جيشٌ روسيّ قفجاقيّ مُشترك، بلغ تعداده اثنين وثمانين ألف جُنديّ، وعسكر في جنوب [[دنيبر|وادي الدنيپر]]. تقدَّم مستيسلاڤ على رأس عشرة آلاف مُقاتل مُتعجلًا الاصطدام بِالمغول، وتغلَّب على فرقةٍ عسكريَّةٍ مغوليَّةٍ وقتل قائدها «حما بك»، وكانت هذه الجولة الأولى لِصالح الروس. والحقيقة أنَّ جبه نويان وسوبوتاي كانا يُخططان لِانسحابٍ تدريجيٍّ تكتيكيٍّ لِاستدراج الفُرسان الروس إلى فخ. واستمرَّ المغول في هذا الانسحاب الوهمي مُدَّة تسعة أيَّام، والجيش الروسي يُطاردهم بعد أن عبر أفراده نهر الدنيپر، وفجأة توقَّف المغول عند نهر كالكا، وهو نهرٌ ساحليٌّ صغير يصبُّ في [[بحر آزوف|بحر آزاق]]، حيثُ اختار القائدان المغوليَّان هذا المكان لِخوض المعركة، وكرَّا على أعدائهما. فُوجئ الروس بِهذا الهُجُوم المُعاكس، فلم يستطيعوا أن يُنسِّقوا العمل العسكري، فقد هجم أمير غاليسيا ومعهُ جُنُود چرنيهيڤ والقفجاق من دون أن يُعطي علمًا لِأمير كييڤ لِكي يُوكبه بِالهُجُوم، الأمر الذي سبَّب الفوضى والارتباك في صُفُوفهم. وإذ تعرَّض لِلهزيمة انسحب من أرض المعركة كما انسحب مستيسلاڤ أمير كييڤ قبل أن يشترك في القتال، وتوجَّه نحو معاقله المُحصَّنة. وطارد المغول أعدائهم من دون رحمة، فقتلوا ستة أُمراء وسبعين نبيلًا، وقبضوا على أمير كييڤ وقتلوه بعد أن أمَّنوه على حياته، وجرت المعركة المذكورة في [[27 ربيع الآخر]] [[620 هـ|620هـ]] المُوافق فيه [[30 مايو|30 أيَّار (مايو)]] [[1223]]م.<ref name="ابن الأثير1"/><ref name="غروسيه1"/> كان من المُتوقَّع أن يُتابع جبه نويان وسوبوتاي زحفهما بعد هذا الانتصار الكبير بِاتجاه كييڤ وچرنيهيڤ، ولكنَّهما لم يفعلا ذلك واكتفيا بِتلقين الروس درسًا، وهدما بضع مُدُنٍ روسيَّةٍ على الحُدُود الروسيَّة القفجاقيَّة، وتوجَّهت [[مفرزة (عسكرية)|مفرزة]] مغوليَّة إلى بلاد القرم، فنهبت سوداق، المركز التجاري المُهم، حيثُ كان يأتي التُجَّار الجنويُّون لِشحن فراء الشمال وجُلُود [[سنجاب|السناجب]] و[[ثعلب|الثعالب]] و[[عبودية|العبيد]]، وقد عُدَّ هذا العمل تحديًا صريحًا وعملًا عدائيًّا مُوجهًا [[أوروبا الغربية|لِلعالم الكاثوليكي]] الذي كان يُسيطر تجاريًّا على المنطقة.<ref name="ابن الأثير1"/><ref name="غروسيه1"/> توجَّه جبه نويان وسوبوتاي، بعد ذلك، بِاتجاه الشمال الشرقي، فهاجما البُلقار على [[نهر كاما|نهر كامة]] ووسط الڤولغا حيثُ اغتنت المنطقة بِسبب الأعمال التجاريَّة، وقتلا زعيمهم هوتوسا خان.<ref name="ابن الأثير1"/> الواقع أنَّ المغول لم يمكثوا مُدَّة طويلة في الأراضي الروسيَّة، وعادوا إلى مُعسكر زعيمهم جنكيز خان في [[بخارى|بُخارى]]، وقد صبَّ ذلك في مصلحة الروس. ويُمكن وصف هذه الحملة بِمثابة حملة استكشافيَّة تمهيدًا لِاجتياح الواسع المُقبل لِهذه البلاد، والذي نتج عنه استقرارٌ مغوليّ وقيام دولة القبيلة الذهبيَّة، لِأنَّ القائدين المغوليين حملا معهما معلومات قيِّمة عن أوضاع البُلدان التي مرَّا بها وما تُعانيه هذه المناطق من ضعف، وكانت هذه المعلومات ضروريَّة حيثُ استفاد منها المغول بعد عشرين سنة عندما [[الغزو المغولي لأوروبا|غزا باطو خان أوروپَّا]].<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ المغول العظام والإيلخانيين|طبعة= الأولى|صفحة= 73 - 75|سنة= [[1428 هـ|1428هـ]] - [[2007]]م|ناشر= دار النفائس|ردمك= 9953184348|تاريخ الوصول= [[3 فبراير|3 شُباط (فبراير)]] [[2019]]م|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/details/tar.al.mghoul.al.izam/page/n75/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200407193649/https://archive.org/details/tar.al.mghoul.al.izam/page/n75/mode/2up | تاريخ أرشيف = 7 أبريل 2020 }}</ref>

=== قيام خانيَّة القبيلة الذهبيَّة ===
[[ملف:Golden Horde 1313-ar.jpg|تصغير|جناحا القبيلة الذهبيَّة: القبيلتان الزرقاء (مُلك باطو خان) والبيضاء (مُلك أُردُو خان).]]
[[ملف:Batu.png|تصغير|رسمٌ صينيٌّ لِباطو خان، المُؤسس الفعلي لِخانيَّة القبيلة الذهبيَّة والقائد الشكلي لِلحملة المغوليَّة على الروسيا، خِلال شبابه.]]
قسَّم جنكيز خان، أثناء حياته، أملاكه بين أبنائه الثلاثة الكبار: [[جوجي خان|جوجي]] و[[جغطاي خان|جغطاي]] و[[أوقطاي خان|أوقطاي]]، فأخذ كُلٌ منهم أربعة آلاف شخص من الجيش النظامي، ولم يضع إلَّا خُطُوطًا عامَّةً لِتحديد أملاك كُلٍ منهم، وكان نصيب ابنه الأصغر [[تولي خان|تولي]] الوطن الأُم، مغولستان، وفقًا لِلتقاليد المغوليَّة. واستنادًا إلى هذه القواعد التي تُلزم أيضًا بِأن يكون من نصيب الابن الأكبر أقصى البلاد المفتوحة، فقد كانت حصَّة جوجي القسم الشرقي لِلإمبراطوريَّة المغوليَّة والتي تشمل الأراضي المُمتدَّة من نهر إيرتيش شرقًا إلى أرض بلقار الڤولغا غربًا، ومن الروسيا وبلاد الصقالبة شمالًا إلى إيران وآسيا الصُغرى جنوبًا، بِالإضافة إلى بلاد ما وراء النهر وتُركستان في الجنوب. غير أنَّ جوجي تُوفي في حياة أبيه، فتوزَّعت أملاكه بين اثنين من أبنائه هُما أُردُو وباطو. فكان القسم الشرقي من نصيب ابنه الأكبر أُردُو، ونال الابن الثاني باطو القسم الغربي الذي يفوق بِمساحته القسم الشرقي. ووافق جنكيز خان على هذا التقسيم. وكان كُل الخوانين المُتحدرين من أُسرة جوجي تابعين نظريًّا لِخان القبيلة الذهبيَّة من دون أن يكون لِهذه التسمية أيَّة أهميَّة، لِأنَّ الخواقين العظام لم يعترفوا بِخان القبيلة الذهبيَّة كزعيمٍ لِأُسرة جوجي، وكان هذا الشرف من نصيب أُردُو وأُسرته. وقد أُضيفت في بداية [[القرن 14|القرن الرابع عشر الميلاديّ]] كلمة «آق» أي «أبيض» على أتباع أُردُو في القسم الشرقي، فعُرفوا بِالقبيلة البيضاء، في حين أُضيفت كلمة «گوك» أي «أزرق» على أتباع باطو، فعُرفوا بِالقبيلة الزرقاء أو السوداء.<ref name="طقوش2"/><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[فاسيلي بارتولد|بارتولد، ڤاسيلي ڤلاديميروڤتش]]|مؤلف2= ترجمة: د. أحمد السعيد سُليمان|عنوان= تاريخ التُرك في آسيا الوُسطى|صفحة= 192|سنة= [[1996]]|ناشر= [[الهيئة المصرية العامة للكتاب|الهيئة المصريَّة العامَّة لِلكتاب]]|تاريخ الوصول= [[8 أبريل|8 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://archive.org/details/65656_201702/page/n193/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200408010217/https://archive.org/details/65656_201702/page/n193/mode/2up | تاريخ أرشيف = 8 أبريل 2020 }}</ref> ويبدو أنَّ لِذلك علاقةً بِما جرى بعد وفاة جوجي. فقد استدعى جنكيز خان الأخوين إلى [[قراقورم]]، فلمَّا مثلا بين يديه عزَّاهما وطيَّب خاطرهما، فأعطى أُردُو خركاهًا{{للهامش|2}} أبيض، وأعطى باطو خركاهًا أزرق.<ref name="مسعود">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= مسعود، سارة مسعود السيِّد|عنوان= عصر بركة خان سُلطان مغول القفجاق (655 - 665هـ / 1257 - 1266م)|طبعة= الأولى|صفحة= 26|سنة= [[2020]]|ناشر= دار الخليج لِلنشر والتوزيع|تاريخ الوصول= [[8 أبريل|8 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[عمان (مدينة)|عمَّان]] - [[الأردن|الأُردُن]]|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200408004122/https://books.google.com.lb/books?id=UdOfDwAAQBAJ&pg=PT26&lpg=PT26&dq=%D8%A3%D8%B9%D8%B7%D9%89+%D8%A8%D8%A7%D8%B7%D9%88+%D8%AE%D8%B1%D9%83%D8%A7%D9%87&source=bl&ots=sGXwvko9dK&sig=ACfU3U232-I5cGQZFjvGG3IBNpflvEKWwg&hl=en&sa=X&ved=2ahUKEwjE6uH1y9foAhUDAWMBHWx6C_0Q6AEwAHoECAsQKA#v=onepage&q&f=false|تاريخ أرشيف=[[8 أبريل|8 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م |مسار= https://books.google.com.lb/books?id=UdOfDwAAQBAJ&pg=PT26&lpg=PT26&dq=%D8%A3%D8%B9%D8%B7%D9%89+%D8%A8%D8%A7%D8%B7%D9%88+%D8%AE%D8%B1%D9%83%D8%A7%D9%87&source=bl&ots=sGXwvko9dK&sig=ACfU3U232-I5cGQZFjvGG3IBNpflvEKWwg&hl=en&sa=X&ved=2ahUKEwjE6uH1y9foAhUDAWMBHWx6C_0Q6AEwAHoECAsQKA#v=onepage&q=%D8%A3%D8%B9%D8%B7%D9%89%20%D8%A8%D8%A7%D8%B7%D9%88%20%D8%AE%D8%B1%D9%83%D8%A7%D9%87&f=false|isbn = 9789957615932}}</ref>

والواقع أنَّ الخصائص الثقافيَّة لِلقبائل المُتنقلة التابعة لِباطو كانت لا تزال على بداوتها، ولِهذا اختار الأراضي ذات الصفات [[سهب|السُهُوبيَّة]] من أراضي الڤولغا الوُسطى والعُليا، ومنطقة شمال شرقيّ بحر البنطس (الأسود) لِتكون مركزًا لِاستقرار واستيطان المغول في [[أوروبا الشرقية|شرقيّ أوروپَّا]]، حيثُ المراعي الغنيَّة لِخُيُولهم والمرعى الخصيب لِقُطعانهم، وهم الذين كانوا يُمارسون العادات البدويَّة على طول مجرى نهر الڤولغا.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[برتولد شبولر|شپولر، برتولد]]|مؤلف2= نقله إلى العربيَّة الأستاذ خالد أسعد عيسى|عنوان= العالم الإسلامي في العصر المغولي|طبعة= الأولى|صفحة= 39|سنة= [[1402 هـ|1402هـ]] - [[1982]]م|ناشر= دار حسَّان لِلطباعة والنشر|تاريخ الوصول= [[8 أبريل|8 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[دمشق]] - [[سوريا]]|مسار= https://archive.org/details/Book_289/page/n39/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200408200340/https://archive.org/details/Book_289/page/n39/mode/2up | تاريخ أرشيف = 8 أبريل 2020 }}</ref> خِلال هذه الفترة توقَّف الزحف المغولي بِاتجاه أوروپَّا، وظلَّ الوضع هادئًا نحو جيلٍ من الزمن، وكان جنكيز خان قد تُوفي خلال هذه الفترة في سنة [[624 هـ|624هـ]] المُوافقة لِسنة [[1227]]م، وآل أمر المغول إلى ابنه أوقطاي. واستنادًا إلى التنظيمات التي وضعها قبل وفاته، آلت المناطق الجديدة الواقعة شماليّ [[بحر آرال|بحر خوارزم (آرال)]] إلى حفيده باطو بِسبب وفاة ابنه جوجي، كما أُسلف. وفي سنة [[632 هـ|632هـ]] المُوافقة لِسنة [[1235]]م، أتمَّ الخاقان الأعظم أوقطاي غزو [[الصين (منطقة)|بلاد الصين]]، وعاد مُظفَّرًا إلى قراقورم، وعقد المجلس الأعلى لِلمغول - القورولتاي - الذي أُقرَّ فيه إرسال حملة كبيرة إلى الروسيا وأوروپَّا، أُسندت قيادتها العُليا إلى باطو بن جوجي الذي التفَّ حوله مُمثلون عن كُلِّ فُرُوع البيت الجنكيزي، وكُلِّف بِالاستيلاء على بلاد الروس والشركس والبُلقار وأقاليم أوروپَّا الشرقيَّة، وتولَّى سوبوتاي، الذي سبق له أن تولَّى عمليَّاتٍ عسكريَّةٍ في الصين وإيران والروسيا، القيادة الفعليَّة لِهذه الحملة التي تركت أثرًا كبيرًا في [[تاريخ أوروبا|التاريخ الأوروپي]] القروسطي.<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|عنوان= The Cambridge medieval history|صفحة= 635 - 636|سنة= [[1923]]|المجلد=Vol. IV|ناشر= Cambridge University Press|تاريخ الوصول= [[8 أبريل|8 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= Cambridge|مسار= https://archive.org/details/cambridgemedieva04buryuoft/page/634/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200408210133/https://archive.org/details/cambridgemedieva04buryuoft/page/634/mode/2up | تاريخ أرشيف = 8 أبريل 2020 }}</ref><ref name="عمران1"/>

==== خُضُوع الروسيا لِلمغول ====
{{مفصلة|الغزو المغولي لروسيا}}
[[ملف:Sacking of Suzdal by Batu Khan.jpg|تصغير|مُنمنمة تُصوَّرُ استيلاء المغول على سوزدال وإحراقها.]]
كانت فاتحة أعمال هذه الحملة العسكريَّة تدمير [[بلغار الفولغا|مملكة البُلقار]] التُركيَّة الواقعة على نهر كامة، في خريف سنة [[634 هـ|634هـ]] المُوافقة لِسنة [[1236]]م، وإحراق عاصمتها [[بولغار|بُلقار]]، المدينة التجاريَّة الواقعة بِالقُرب من نهر الڤولغا في الجهة الجنوبيَّة عند التقائه بِنهر كامة، ويذكر [[ابن العبري]] أنَّ باطو خان أمر بِأن تُقطع الأُذُن اليُمنى لِكُلِّ قتيلٍ بُلقاري وروسي وأُحصي عددها فكان مائتين وسبعين ألف أُذُن.<ref name="ابن العبري1">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن العبري|ابن العبري، أبو الفرج جمال الدين گريگوريوس بن هٰرون الملطي]]|مؤلف2= نقله إلى العربيَّة الأب [[إسحاق أرملة|إسحٰق أرملة]]|عنوان= تاريخ الزَّمان|صفحة= 279|سنة= [[1991]]|ناشر= [[دار المشرق]]|تاريخ الوصول= [[8 أبريل|8 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/details/Book_251/page/n301/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200408220228/https://archive.org/details/Book_251/page/n301/mode/2up | تاريخ أرشيف = 8 أبريل 2020 }}</ref><ref name="العريني1">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= العريني، السيِّد الباز|عنوان= المغول|طبعة= الأولى|صفحة= 180 - 181|سنة= [[1981]]|ناشر= [[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربيَّة]]|تاريخ الوصول= [[8 أبريل|8 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/details/Book_256/page/n189/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200408220224/https://archive.org/details/Book_256/page/n189/mode/2up | تاريخ أرشيف = 8 أبريل 2020 }}</ref> والواضح من واقع الأعمال العسكريَّة أنَّ المغول أرادوا أن يتخذوا من منطقة جنوبي نهر الڤولغا مركزًا لِعمليَّاتهم في الروسيا أو المناطق المُتاخمة لها.<ref name="عمران1">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= عمران، محمود سعيد|عنوان= المغول وأورُبَّا|صفحة= 45 - 46|سنة= [[1997]]|ناشر= دار المعرفة الجامعيَّة|تاريخ الوصول= [[8 أبريل|8 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[الإسكندرية|الإسكندريَّة]] - [[مصر]]|مسار= https://www.pdf-books.org/book/%D8%AA%D8%AD%D9%85%D9%8A%D9%84-%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D9%88%D9%84-%D9%88%D8%A3%D9%88%D8%B1%D8%A8%D8%A7-%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%88%D8%AF-%D8%B3%D8%B9%D9%8A%D8%AF-%D8%B9%D9%85%D8%B1%D8%A7%D9%86.html/read|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200408215505/https://www.pdf-books.org/book/%D8%AA%D8%AD%D9%85%D9%8A%D9%84-%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D9%88%D9%84-%D9%88%D8%A3%D9%88%D8%B1%D8%A8%D8%A7-%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%88%D8%AF-%D8%B3%D8%B9%D9%8A%D8%AF-%D8%B9%D9%85%D8%B1%D8%A7%D9%86.html/read|تاريخ أرشيف=2020-04-08}}</ref> وهاجم المغول في ربيع سنة [[634 هـ|634هـ]] المُوافقة لِسنة [[1237]]م القفجاق وأخضعوهم، وهُم العُنصُر التُركي الذي أضحى أساس سُكَّان خانيَّة القبيلة الذهبيَّة،<ref name="العريني1"/> وتحوَّلت المنطقة الواقعة في جنوبيّ نهر الڤولغا، بين [[جبال الأورال]] وشبه جزيرة القرم، إلى السيطرة المغوليَّة، وتمركزت القُوَّات المغوليَّة في هذه المنطقة لِتنطلق منها في عمليَّاتها العسكريَّة المُقبلة.<ref name="عمران1"/> وتوجَّهت فرقة عسكريَّة مغوليَّة في سنة [[635 هـ|635هـ]] المُوافقة لِسنة [[1238]]م، بِقيادة [[بركة خان|بركة]]، أخو باطو، لِغزو المنطقة الشرقيَّة حيثُ يوجد [[نهر الأورال]] وقبائل [[باشكير|الباشقورط]] والمنطقة الغربيَّة الواقعة شماليّ بحر البنطس (الأسود)، حيثُ توجد قبائل قفجاقيَّة، فهزمت قبائل الباشقورط وأكلمت إخضاع القفجاق، واضطرَّ الزعيم القفجاقي «كوتان» أن يُغادر المنطقة مع أربعة آلاف خيمة إلى المجر حيثُ [[تنصير|اعتنق المسيحيَّة]]. وأكمل المغول إخضاع البراري في جنوبيّ الروسيا واستولوا على حاضرة الألان «مغاص».<ref name="العريني1"/>
[[ملف:Mongols at the walls of Vladimir 1238 Vassily Maximov.jpg|تصغير|يمين|المغول عند أسوار مدينة ڤلاديمير.]]
وتوجَّهت فرقة عسكريَّة مغوليَّة أُخرى إلى الإمارات الروسيَّة، وكانت آنذاك مُنقسمة على نفسها ومُجزَّأة بين أُمراءٍ روس. فقد حكم الأمير يوري إمارة ريازان في حين حكم أخوه «رومان» إمارة كولومنا، فهاجم المغول أولًا الإمارة الأولى فسقطت في أيديهم ودخلوها فدمَّروها وقتلوا سُكَّانها، وكان الأمير يوري نفسه من بين القتلى. ثُمَّ تقدَّمت الجُيُوش المغوليَّة إلى الشمال واستولت على إمارة كولومنا، وكان أميرها قد التمس المُساعدة من [[يوري فسيفولودوفيتش الثاني|يوري ابن ڤسيڤولود]] أمير [[فلاديمير سوزدال|ڤلاديمير سوزدال]]، وهو أقوى الأُمراء الروس آنذاك. ولم يتمكَّن هذا الأمير من أن يحول بين المغول وبين تدميرهم مدينتيّ [[سوزدال]] و[[فلاديمير (روسيا)|ڤلاديمير]]، في [[27 جمادى الآخرة|27 جُمادى الآخرة]] [[635 هـ|635هـ]] المُوافق فيه [[14 فبراير|14 شُباط (فبراير)]] [[1238]]م عقابًا على مُساعدة أمير ريازان. وأجرى هؤلاء مذبحةً مُروِّعة بِحق السُكَّان الذين لجأوا إلى الكنائس وسط ألسنة اللهيب المُنبعث من إحراق المدينتين. وفرَّ يوري بن ڤسيڤولود إلى الشمال لعلَّهُ يستطيع تجميع قُوَّاته لِمُواجهة المغول مرَّة أُخرى، ولكنَّ القُوَّات المغوليَّة أسرعت بِالتقدُّم، خِلال الشهر المذكور، إلى المناطق المُجاورة، ونجحت، خِلال أسابيع قليلة، في السيطرة على عدَّة مُدن منها [[تفير|تڤير]] و[[موسكو|مسكوب]]. انقسم الجيش المغولي، بعد السيطرة على ڤلاديمير، إلى ثلاثة أقسام، سار القسم الأوَّل إلى [[غوروديتس|گورودتس]]، الواقعة على نهر الڤولغا، وزحف الثاني بِاتجاه [[غاليسيا (أوروبا الشرقية)|غاليسيا]]، وتقدَّم الثالث نحو [[روستوف|روستوڤ]] و[[ياروسلافل|ياروسلاڤل]] ونجح في تدمير عدَّة مُدن تابعة لِيوري بن ڤسيڤولود، ودارت المعركة الفاصلة على ضفَّة نهر سيت، أحد روافد الڤولغا، دارت الدائرة فيها على القُوَّات الروسيَّة، ولقي الأمير يوري مصرعه.<ref name="العريني1"/><ref name="ظاهر وعبود">{{استشهاد بدورية محكمة |مؤلف1= ظاهر، مشعل مفرح|مؤلف2= عبُّود، آلاء عيسى|عنوان= الغزو المغولي للإمارات الروسيَّة (1237-1241م) |صفحات= صفحة 236 - 240|تاريخ= [[2014]]|دورية= البُحُوث المُستلَّة|العدد= العدد السابع عشر|تاريخ الوصول= [[8 أبريل|8 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[البصرة]] - [[العراق]]|ناشر= [[جامعة البصرة]]| مسار= https://www.iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=100180|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200408235819/https://www.iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=100180|تاريخ أرشيف=[[8 أبريل|8 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م}}</ref> تقدَّم المغول بعد المعركة إلى [[فيليكي نوفغورود|نوڤغورود]]، واستولوا في طريقهم على [[فولوكولامسك|ڤولوكولامسك]] وتوير وتورجك التي قاومتهم، فكان مصيرها مُؤلمًا حيثُ دُمِّرت في [[26 رجب]] المُوافق فيه [[14 مارس|14 آذار (مارس)]]، ولم يُنقذ نوڤغورود إلَّا ما حدث من ذوبان الجليد، فتحوَّلت الأرض إلى مُستنقعاتٍ يتعذَّر اجتيازها.<ref name="العريني1"/><ref name="ظاهر وعبود"/>
[[ملف:Руска Рада. Ч. 4. Русини а Москалї. 1911. 03. Напад Татар на Русь-Україну.png|تصغير|المغول يقتحمون كييڤ.]]
أمام هذه الصُعُوبة، عاد المغول جنوبًا، واقتحموا في طريقهم مدينة [[كوزلسك]] الواقعة إلى الجنوب الغربي من مدينة مسكوب (موسكو)، ولكنَّهم استأنفوا توغُّلهم في الأراضي الروسيَّة في أواسط سنة [[638 هـ|638هـ]] المُوافقة لِنهاية سنة [[1240]]م، ولكنَّ التوسُّع المغولي تحوَّل في هذه المرحلة ناحية الغرب، فتقدَّموا نحو [[كييف|كييڤ]]، وكانت أُم المُدن الروسيَّة، وهي واقعة على نهر الدنيپر، وكانت تحت حُكم الأمير ميخائيل الشيرنگوڤي الذي استولى عليها عقب مقتل الأمير يوري بن ڤسيڤولود. وعندما اقتربوا منها فرَّ ميخائيل إلى مملكة بولونيا مُحتميًا بِأميرها كونراد المازوڤي {{بولندية|Konrad I Mazowiecki}}، وبعد أن مكث قليلًا غادرها إلى [[سيليزيا]]. وعندما وصل المغول إلى المدينة اقتحموها، فقتلوا سُكَّانها واستولوا على كُنُوزها ثُمَّ دمَّروها، كما دمَّروا مدينتيّ [[بيريسلاف|بيريسلاڤ]] الواقعة على بُعد اثنيّ عشر ميلًا جنوبي كييڤ، و[[تشرنيغوف|شيرنگوڤ]] الواقعة شماليّ كييڤ على المسافة نفسها.<ref group="ْ" name="مولد تلقائيا3">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= Howorth, Henry H. |عنوان= textsHistory of the Mongols, from the 9th to the 19th century|صفحة= 44 - 45|سنة= [[1880]]|ناشر= Longmans, Green, and Co.|تاريخ الوصول= [[9 أبريل|9 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= London|مسار= https://archive.org/details/historyofmongols21howo/page/44/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200409160217/https://archive.org/details/historyofmongols21howo/page/44/mode/2up | تاريخ أرشيف = 9 أبريل 2020 }}</ref> وفي الوقت الذي كانت فيه الجُيُوش المغوليَّة تستعد لِانتقال إلى شرقيّ أوروپَّا لِمُهاجمة بولونيا والمجر، استدعى أوقطاي خان الأُمراء فجأةً لِلعودة إلى قراقورم، فعاد [[جيوك خان|گُيوك]] و[[مونكو خان|منكو]] وتوجَّها إلى بلاطه، في حين بقي باطو وإخوته والأُمراء والجُند لِيستأنفوا الزحف إلى البلاد البولونيَّة والمجريَّة، وذلك في سنة [[639 هـ|639هـ]] المُوافقة لِسنة [[1241]]م.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1=[[رشيد الدين فضل الله الهمذاني|الهمذاني، رشيدُ الدين فضل الله]]|مؤلف2= نقله إلى العربيَّة د. [[فؤاد الصياد|فُؤاد عبد المُعطي الصيَّاد]]|عنوان= جامع التواريخ|المجلد=الجُزء الأوَّل: تاريخ خُلفاء جنكيز خان من أوكتاي قاآن إلى تيمور قاآن|طبعة= الأولى|صفحة= 109|سنة= [[1983]]|ناشر= [[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربيَّة]]|تاريخ الوصول= [[9 أبريل|9 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار=http://wadod.net/library/42/4289-1.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200409163341/http://wadod.net/library/42/4289-1.pdf | تاريخ أرشيف = 9 أبريل 2020 }}</ref>

==== اجتياح أوروپَّا الشرقيَّة ====
{{مفصلة|الغزو المغولي لأوروبا{{!}}الغزو المغولي لِأوروپَّا}}
 
[[ملف:HedwigAltarVII.jpg|تصغير|المغول يرفعون رأس الدوق هنري أثناء حصارهم إحدى المُدن لِإثباط عزيمة أهلها وحاميتها.]]
استغَّل المغول هجرة القفجاق التي جاءت نتيجةً طبيعيَّةً لِلحرب فواصلوا حملاتهم غربًا بعد أن أتمُّوا الاستيلاء على الإمارات الروسيَّة وبعض المُدن الواقعة على نهر الدنيپر، ووضع باطو خطَّةً عسكريَّةً تقضي بِالاستيلاء على بولونيا والمجر، لِذلك قسَّم جيشه إلى قسمين: توجَّه القسم الأوَّل شمالًا نحو بولونيا، بِقيادة أُردُو أخي باطو وبايدار بن جغطاي، فانطلق أفراده من كييڤ في أواسط سنة [[638 هـ|638هـ]] المُوافقة لِأوائل سنة [[1241]]م، فتقدموا نحو مدينة [[لوبلين]] واجتاحوها، وتابعوا تقدُّمهم نحو الجنوب على طول مجرى النهر لِمسافة ستين ميلًا، ثُمَّ عبروا النهر الذي تجمَّدت مياهه، وهاجموا مدينة ساندومير ونهبوها. وانفصلت فرقة عسكريَّة مغوليَّة بِقيادة بايدار هاجمت مدينة [[كراكوف]] الواقعة عند منابع [[فيستولا|نهر الڤستولا]]، وتبعد حوالي مائة ميل عن مدينة ساندومير، ونهبتها، وفرَّ الأمير البولوني بولسلاس الخامس {{بولندية|Bolesław V}} من أمامها والتجأ إلى [[مورافيا|موراڤية]]. وإذ فرَّ السُكَّان منها أيضًا أشعل المغول فيها النيران. وتوغَّلت قُوَّات بايدار في سيليزيا، ولم يكن أمام الأمير سوى طلب النجدة من جماعة [[فرسان تيوتون|الفُرسان التُيُوتون]] المُقيمين عند سواحل [[بحر البلطيق]]، وهنري دوق سيليزيا.<ref group="ْ" name="مولد تلقائيا3" /> وتقدَّمت الجُيُوش المغوليَّة إلى مدينة [[فروتسواف|برسلاو]] الواقعة في شمالي إقليم سيليزيا وجنوبي بولونيا، وتقع على الضفَّة الغربيَّة [[أودر|لِنهر الأودر]]، وعندما وصلت إليها حاصرتها ثُمَّ أضرمت فيها النار، ولكنها انسحبت من أمامها عندما علمت أنَّ قُوَّات التحالف البولوني - التيوتوني - السيليزي قد تجمَّعت عند مدينة [[لغنيتسا|لگنيتسة]] وقوامها ثلاثون ألف جُندي.<ref name="مولد تلقائيا1">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= عمران، محمود سعيد|عنوان= المغول وأورُبَّا|صفحة=50 - 51|سنة= [[1997]]|ناشر= دار المعرفة الجامعيَّة|تاريخ الوصول= [[8 أبريل|8 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[الإسكندرية|الإسكندريَّة]] - [[مصر]]|مسار= https://www.pdf-books.org/book/%D8%AA%D8%AD%D9%85%D9%8A%D9%84-%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D9%88%D9%84-%D9%88%D8%A3%D9%88%D8%B1%D8%A8%D8%A7-%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%88%D8%AF-%D8%B3%D8%B9%D9%8A%D8%AF-%D8%B9%D9%85%D8%B1%D8%A7%D9%86.html/read|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200408215505/https://www.pdf-books.org/book/%D8%AA%D8%AD%D9%85%D9%8A%D9%84-%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D9%88%D9%84-%D9%88%D8%A3%D9%88%D8%B1%D8%A8%D8%A7-%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%88%D8%AF-%D8%B3%D8%B9%D9%8A%D8%AF-%D8%B9%D9%85%D8%B1%D8%A7%D9%86.html/read|تاريخ أرشيف=2020-04-08}}</ref> وانتقلت القُوَّات المغوليَّة إلى الجنوب حيثُ القُوَّات المُتحالفة، وجرى الصدام بين الطرفين عند قرية [[ليجنيكي بوله|لگنگتسکيه پوله]] القريبة من مدينة لگنيتسة، حيثُ دارت رحى معركة ضارية في شهر شوَّال 638هـ المُوافق فيه نيسان (أبريل) 1241م، انتهت بِهزيمة قُوَّات التحالف، ولقي الدوق هنري مصرعه. وانتشر المغول عقب هذا الانتصار في موراڤية ينهبون ويُدمِّرون ويعيثون فسادًا، قبل أن يلتحقوا بِالقسم الآخر من الجيش العام بِقيادة باطو الزاحف نحو المجر. ونفذت الجُيُوش المغوليَّة إلى المجر من ثلاثة محاور: المحور الشمالي بين بولونيا وموراڤية، بِقيادة [[شيبان (أمير مغولي)|شيبان]]، أخي باطو، ومحور غاليسيا بِقيادة باطو نفسه، والثالث من [[إمارة البغدان|البُغدان]]، بِقيادة «قدان».<ref name="طقوش3">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1=[[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ مغول القبيلة الذهبيَّة والهند|طبعة= الأولى|صفحة= 25 - 26|سنة= [[1428 هـ|1428هـ]] - [[2007]]م|ناشر=دار النفائس|تاريخ الوصول=[[4 أبريل|4 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان=[[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/details/tar.mghoul.al.qbila/page/n25/mode/2up|isbn = 9789953184364| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200410223607/https://archive.org/details/tar.mghoul.al.qbila/page/n25/mode/2up | تاريخ أرشيف = 10 أبريل 2020 }}</ref>
[[ملف:Battle of Mohi 1241.PNG|تصغير|المغول والمجريُّون يتحاربون على جسر موهي.]]
[[ملف:MongolsInHungary1241.jpg|تصغير|بيلا الرابع يفرُّ هاربًا من أمام المغول بُعيد هزيمته النكراء في معركة موهي، التي فتحت الباب على مصراعيه أمام تقدُّم المغول في أوروپَّا.]]
كان [[بيلا الرابع]] ملك المجر يتوقَّع أن يغزو المغول بلاده بِسبب إيوائه العناصر التي فرَّت من المناطق الروسيَّة، وبِخاصَّةً بعض قادة القفجاق. ويُلاحظ أنَّ [[مملكة المجر (1000–1301)|مملكة المجر]] كانت دولةً صغيرةً محدود الإمكانات، ولكنَّ ملكها اعتمد، على ما يبدو، على قُوَّة العناصر التي فرَّت من أمام الزحف المغولي، لِذلك دعا إلى عقد اجتماعٍ عامٍّ في مدينة [[بودا (بودابست)|بودا]]، وقد حضر هذا الاجتماع كبار رجال الدين والنُبلاء والقادة العسكريُّون. ويبدو أنَّ بيلا الرابع لم يتمكَّن من إقناع النُبلاء بِالذهاب إلى الحرب إلَّا بعد أن أرضاهم بِتحقيق بعض مطالبهم من واقع القبض على بعض قادة القفجاق الذين عدُّوهم السبب الرئيس لِغزو المغول لِبلادهم، ولكنَّهُ رفض أن يُعيد إليهم الامتيازات التي كانت ممنوحة لهم سابقًا. وقد نتج عن التصرُّف الأوَّل نتائج عكسيَّة، إذ ثارت عناصر القفجاق وعاثت فسادًا في الأرض، وبِذلك أضحوا مصدر إزعاج بدلًا من مُساعدة الملك في محنته أمام الغزو المغولي، واضطرَّ الملك المجري إلى الفرار باتجاه [[دوقية النمسا|دوقيَّة النمسا]].<ref name="عمران1"/> دبَّت الفوضى في المملكة المجريَّة، الأمر الذي سهَّل مُهمَّة القُوَّات التي تقدَّمت عبر [[كاربات|جبال الكربات]] وتجمَّعت في شهر شوَّال المُوافق لِشهر نيسان (أبريل) أمام [[بشت (بودابست)|بست]]، التي حشد فيها بيلا الرابع جيشه. وعاد بيلا الرابع إلى عاصمته لِيُدافع عنها، وأرسل أُسرته وثروته إلى دوق النمسا والتمس المُساعدة منه، كما التمس النجدة من بقيَّة الممالك الأوروپيَّة. ويبدو أنَّهُ لم يتلقَّ أي عون، واضطرَّ أن يخوض المعركة مُنفردًا، وكانت غير مُتكافئة لِأنَّ القيادة المغوليَّة نجحت في ضمِّ جُزءٍ كبيرٍ من القُوَّات القفجاقيَّة.<ref name="طقوش3"/> وجرى اللقاء الدامي بين الطرفين بِالقُرب من جسر قرية «موهي» الواقعة على نهر سايو، أحد فُرُوع [[دانوب|نهر الطونة (الدانوب)]]، وأحرز المغول انتصارًا باهرًا على الجيش المجري، وسقطت بست في أيديهم، وهرب بيلا الرابع مُلتجئًا إلى النمسا،<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب |مؤلف1-الأخير=Érszegi |مؤلف1-الأول=Géza |مؤلف2-الأخير=Solymosi |مؤلف2-الأول=László |محرر-الأخير=Solymosi |محرر-الأول=László | عنوان=Magyarország történeti kronológiája, I: a kezdetektől 1526-ig ''[Historical Chronology of Hungary, Volume I: From the Beginning to 1526]'' |ناشر=Akadémiai Kiadó |سنة=1981 |صفحات=148 |الفصل=Az Árpádok királysága, 1000–1301 [The Monarchy of the Árpáds, 1000–1301] |isbn=963-05-2661-1|لغة=hu}}</ref> ثُمَّ غادرها إلى [[زغرب]] فساحل [[البحر الأدرياتيكي]]، عندما شعر بِأنَّ القُوَّات المغوليَّة تتعقَّبه، وقد وصلت إلى سواحل دلماسيا على البحر المذكور، وتوغَّلت حتَّى مدينة «كاتارو». ولِعدم وُجُود قُوَّات بحريَّة لدى المغول لم يكن بِوسعهم أن يتعاملوا مع هذه المنطقة الساحليَّة. وسيطر المغول على كامل بلاد المجر حتَّى نهر الطونة.<ref name="طقوش3"/> وارتاعت أوروپَّا من أخبار انتصارات المغول وتتابع زحفهم، فأرسل البابا [[غريغوري التاسع|جرجير التاسع]] كتابًا إلى [[فريدريك الثاني|فردريك الثاني]] إمبراطور [[الإمبراطورية الرومانية المقدسة|الرومانيَّة المُقدَّسة]]، و[[لويس التاسع]] ملك [[مملكة فرنسا|فرنسا]]، وغيرهما من مُلُوك أوروپَّا، يحُثُّهم على التعاون والتهيُّؤ لِإعلان حربٍ صليبيَّةٍ ضدَّ الغُزاة، لكنَّ أحدًا لم يستجب.<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب |الأخير=Molnár |الأول=Miklós |سنة=2001 |عنوان=A Concise History of Hungary |مسار=https://archive.org/details/concisehistoryof00moln |التسجيل=registration |ناشر=Cambridge University Press |isbn=978-0-521-66736-4 |صفحة=34| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200411143141/https://archive.org/details/concisehistoryof00moln | تاريخ أرشيف = 11 أبريل 2020 }}</ref>

==== تراجُع المغول شرقًا ====
وفي الوقت الذي كان فيه المغول يتوغَّلُون في أوروپَّا إذ بِالأنباء ترد إليهم تُعلن وفاة الخاقان الأعظم أوقطاي في سنة [[639 هـ|639هـ]] المُوافقة لِسنة [[1241]]م، واستدعاء باطو وسائر الأُمراء الذين يُرافقونه لِحُضُور القورولتاي والاشتراك في انتخاب الخاقان الجديد. وبِذلك نجا [[أوروبا الغربية|الشطر الغربي من أوروپَّا]] من خطر المغول. وغادر باطو الأراضي المجريَّة، بعد مُرُور سنة، مُكتفيًا بِتبعيَّتها له من الناحية الإسميَّة، وترتب على حملاته أن امتدَّ سُلطانه في غربيّ نهر الڤولغا. وأضحت هذه الأملاك الشاسعة، من الناحية القانونيَّة، لهُ ولِخُلفائه، وعلى هذا الشكل قامت خانيَّة القبيلة الذهبيَّة.<ref name="طقوش3"/>

=== بداية تصدُّع العلاقة مع المغول العظام ===
[[ملف:Batu Khan on the Throne by Rashid al-Din.jpg|تصغير|يمين|مُنمنمة فارسيَّة تُصوِّر تربُّع باطو خان على تخت مملكته الجديدة.]]
بعد وفاة [[أوقطاي خان]]، نشبت النزاعات الداخليَّة بين أُمراء المغول بسبب تنافسهم حول خِلافته، وانغمس باطو في هذا النزاع حيث رأى نفسه أهلًا لِهذا المنصب بِوصفه عميد أولاد جوجي أكبر أبناء جنكيز خان ومن ثم فهو عميد الأسرة الجنكيزيَّة، لِذلك توقَّف عن توسيع رُقعة بلاده وركَّز جُهُوده على شُؤون [[آسيا الوسطى|آسيا الوُسطى]].<ref name="طقوش4">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1=[[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ مغول القبيلة الذهبيَّة والهند|طبعة= الأولى|صفحة= 28 - 29|سنة= [[1428 هـ|1428هـ]] - [[2007]]م|ناشر=دار النفائس|تاريخ الوصول=[[4 أبريل|4 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان=[[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/details/tar.mghoul.al.qbila/page/n28/mode/2up|isbn = 9789953184364| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200411143138/https://archive.org/details/tar.mghoul.al.qbila/page/n28/mode/2up | تاريخ أرشيف = 11 أبريل 2020 }}</ref> والمعروف أنَّ [[توراكينا خاتون]]، أرملة أوقطاي، تولَّت الوصاية على العرش، وجاهدت لِتُؤمِّن لِابنها گُيوك خِلافة والده، إلَّا أنَّ باطو رفض ذلك لِأسبابٍ عديدة منها دينيَّة وثقافيَّة واجتماعيَّة، فقد كان باطو [[شامانية|أرواحيًّا]] بينما گُيوك كانت ميوله [[المسيحية|نصرانيَّة]]،<ref name="طقوش4"/> وأيضًا لأنَّ الأخير وبوري خان، حفيد جغطاي، كانا قد تعاركا بِعُنفٍ مع باطو في وليمة النصر التي أقاموها في جنوب الروسيا بعد تمام حملاتهم العسكريَّة، فساءت العلاقة بينهم، لكنَّ كُلًا من گُيوك وبوري لم يستطيعا شيئًا لِلإضرار بمركز باطو عندما كان عمه أوقطاي ما زال حيًّا. وفي سنة [[1242]]م، دعت توراكينا خاتون باطو لحضور مجلس القورولتاي لِانتخاب الخاقان الأعظم الجديد، إلَّا أنَّ باطو رفض الحُضُور بِأدب، مُتعلِّلًا بِعناء [[شيخوخة|الشيخوخة]] والمرض، بينما كان سببه الحقيقي عدم تأييده انتخاب گُيوك، فتأخَّر تعيين الخاقان عدَّة سنوات. إلَّا أنَّهُ أذعن في النهاية، وبعث إخوته لِحُضُور القورولتاي، فانتخب المغول خاقانهم الجديد سنة [[1246]]م. خلال هذه الفترة، اعترف بالسيادة المغوليَّة جميع كبار أُمراء الروس بما في ذلك [[ياروسلاف فسيفولودوفيتش|ياروسلاڤ أمير ڤلاديمير]] و[[دانيال ملك غاليسيا]] و[[سفياتوسلاف فسيفولودوفيتش|سڤياتوسلاڤ بن ڤسيڤولود]].<ref group="ْ">{{استشهاد|الأخير=Vernadsky|الأول=George|سنة=1953|عنوان=The Mongols and Russia|ناشر=Yale University Press|صفحة=146}}</ref> ومع ذلك فقد أعدم بلاط المغول بعض الأُمراء الروس المُعادين مثل ميخائيل الشيرنگوڤي الذي قتل مبعوث المغول سنة [[1240]]م.<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب |صفحة=479|الأخير=Atwood |الأول=Christopher Pratt |عنوان=Encyclopedia of Mongolia and the Mongol Empire |مسار=https://archive.org/details/encyclopediaofmo0000atwo |التسجيل=registration |سنة=2004 |ناشر=Facts On File |isbn=978-0-8160-4671-3| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200411150956/https://archive.org/details/encyclopediaofmo0000atwo | تاريخ أرشيف = 11 أبريل 2020 }}</ref>
[[ملف:Henryk Siemiradzki 014.jpeg|تصغير|الأمير، ثُمَّ القدِّيس، الروسي ميخائيل الشيرنگوڤي بين يديّ المغول. أُعدم لاحقًا انتقامًا لِلرسول المغولي الذي قتله.]]
استدعى گُيوك خان باطو بعد استلامه الحكم بِفترةٍ قصيرة، ودعاه عدَّة مرَّات أن يأتي لِيُبايعه، إلَّا أنَّ الأخير لم يفعل، وبعث إليه ابنا ياروسلاڤ أمير ڤلاديمير، [[أندريه الثاني|أندراوس]] و[[ألكسندر نيفسكي|إسكندر]]، سنة [[1247]]م، فعيَّن گُيوك أندراوس أميرًا لِڤلاديمير وإسكندر أميرًا لِكييڤ.<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب |صفحة=152|الأخير=Martin |الأول=Janet |عنوان=Medieval Russia, 980-1584 |مسار= https://books.google.com/books?id=9JHwVtL7qDcC&pg=PP1 |سنة=2007 |ناشر=Cambridge University Press |isbn=978-0-521-85916-5|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200411153825/https://books.google.com/books?id=9JHwVtL7qDcC&pg=PP1|تاريخ أرشيف=2020-04-11}}</ref> وازدادت الهُوَّة اتساعًا بين باطو وگُيوك عندما استغاث بعضُ المُسلمين بِالأوَّل ضدَّ الآخر. فلمَّا كان گُيوك خان يميلُ إلى المسيحيَّة، التي تركت انطباعًا عميقًا في عقليَّته، فقد اكتسبت هذه الديانة، على [[نسطورية|المذهب النسطوري]]، قُوَّةً عُظيمةً في بلاده، فقرَّب النصارى وامتلأت إمبراطوريَّته بِالقسيسين والرُهبان والمطارنة، فراحوا يستغلُّون النزعات الدينيَّة لِلخاقان الأعظم لِيذلُّوا المُسلمين، وقد همُّوا بِاستئصال شأفتهم، فلم يكن أمام المُسلمين سوى الاستعانة بِباطو الذي يُكنّ العداوة لِگُيوك، فجاهره بِالعصيان حتَّى أضحت الحرب حتميَّة بينهما.<ref name="طقوش4"/> وأرسل گُيوك جيشًا إلى أطراف [[أذربيجان (إيران)|أذربيجان]] و[[ألبانيا القوقازية|أرَّان]]، وهي مناطق تابعة لِباطو، بِقيادة «الجيكتاي»، وأمرهُ بِالقبض على عُمَّال باطو وإرسالهم إليه مُقيَّدين، والاستيلاء على أطراف بلاده، فأرسل هؤلاء العُمَّال يُعلمون باطو بِتطوُّر الأُمُور في مناطق الحُدُود، ويطلبون توجيهاته، ولكنَّ الجيكتاي وصل قبل وُرُود جواب باطو، فقبض على العُمَّال وقيَّدهم وتجهَّز لِلمُغادرة إلى الخاقان الأعظم. ووصل في هذه الأثناء جواب باطو ويقضي بِالقبض على الجيكتاي ومن معه وتقييدهم. فقامت طائفةٌ من أتباع باطو بِتحرير العُمَّال وتقييد الجيكتاي ورفاقه وأرسلوهم إلى باطو، فعذَّبهم بِأن صبَّ عليهم ماءً حارًّا، ولمَّا علم گُيوك بِذلك خرج على رأس ستُمائة ألف جُندي لِتأديب باطو، لكنَّهُ تُوفي [[سنجان|بِسنجان]] قريبًا من [[سمرقند]] يوم [[9 ربيع الآخر]] [[647 هـ|647هـ]] المُوافق فيه [[21 يوليو|21 تمُّوز (يوليو)]] [[1249]]م،<ref name="طقوش4"/><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1=[[فؤاد الصياد|الصيَّاد، فُؤاد عبد المُعطي]]|عنوان=المغول في التاريخ|طبعة= الأولى|المجلد=الجُزء الأوَّل|صفحة=198|سنة=[[1980]]|ناشر=[[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربيَّة]]|تاريخ الوصول=[[11 أبريل|11 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان=[[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/details/Maghoul/page/n197/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200411170528/https://archive.org/details/Maghoul/page/n197/mode/2up | تاريخ أرشيف = 11 أبريل 2020 }}</ref> وسبب الوفاة هو مزيجٌ من تأثير [[كحولية|إدمان الخمر]] و[[نقرس|مرض النقرس]]، كما يُحتمل أن يكون مات مسمومًا، على أنَّ بعض المُؤرخين المُعاصرين يُرجِّحون [[وفاة لأسباب طبيعية|وفاته لِأسبابٍ طبيعيَّة]].<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب |صفحة=213|الأخير=Atwood |الأول=Christopher Pratt |عنوان=Encyclopedia of Mongolia and the Mongol Empire |مسار=https://archive.org/details/encyclopediaofmo0000atwo |التسجيل=registration |سنة=2004 |ناشر=Facts On File |isbn=978-0-8160-4671-3| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200411150956/https://archive.org/details/encyclopediaofmo0000atwo | تاريخ أرشيف = 11 أبريل 2020 }}</ref> وبِوفاة گُيوك، تولَّت أرملته [[أوغل قايميش]] الوصاية على العرش لكنها لم تستطع إبقاء الحُكم ضمن فرعها بِالعائلة. كما صفى المُلك لِباطو واستقر، فبنى لِنفسه عاصمةً هي مدينة سراي القديمة على الجانب الشرقي لِنهر الڤولغا، في مكانٍ يُقال له «آق تپَّه» أي «التل الأبيض»، في مُنتصف الطريق بين مدينتيّ [[فولغوغراد|ڤولگوگراد]] و[[أستراخان]] المُعاصرتين، وبنى فيها القُصُور لِنفسه ورجاله، ولم يمضِ وقتٌ طويل حتَّى أضحت مركز تقارُبٍ بين المغول والقفجاق والحضارة الإسلاميَّة في [[غرب آسيا|غربيّ آسيا]]. واستقلَّ باطو بما تحت يده من أراضٍ، على الرُغم من أنَّهُ ظلَّ تابعًا، من الناحية النظريَّة، لِلمغول العظام في قراقورم، وأضحى لهُ أرضٌ وشعب وعاصمة، وهي من مُقوِّمات قيام الدولة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1=[[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ مغول القبيلة الذهبيَّة والهند|طبعة= الأولى|صفحة= 17|سنة= [[1428 هـ|1428هـ]] - [[2007]]م|ناشر=دار النفائس|تاريخ الوصول=[[4 أبريل|4 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان=[[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/details/tar.mghoul.al.qbila/page/n17/mode/2up|isbn = 9789953184364| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200411170532/https://archive.org/details/tar.mghoul.al.qbila/page/n17/mode/2up | تاريخ أرشيف = 11 أبريل 2020 }}</ref>

=== صُعُود بركة خان وبداية التحُّول الديني لِمغول القبيلة الذهبيَّة إلى الإسلام ===
[[ملف:Golden Horde 1389-ar.svg|تصغير|يمين|خريطة تُظهر موقع مدينة سراي، كُبرى الحواضر الإسلاميَّة في بلاد القفجاق بدايةً من عهد بركة خان.]]
تُوفي باطو في أوائل سنة [[654 هـ|654هـ]] المُوافقة لِسنة [[1256]]م، بعد أن حكم مُدَّةً تقرب من ثلاثين سنة، وكان من المُتوقَّع أن يخلفه ابنه «صرتق»، بِدليل أنَّهُ عهد إليه، قبل وفاته بِقليل، بِإدارة الشُؤون العامَّة نيابةً عنه، وتفرَّغ هو لِلعيش على ضفاف نهر الڤولغا حيثُ أمضى بقيَّة حياته. وكان باطو قد أرسل ابنه صرتق، في سنة [[653 هـ|653هـ]] المُوافقة لِسنة [[1255]]م، إلى قراقورم لِحُضُور اجتماع القورولتاي، وقد علم وهو في الطريق بِوفاة والده، فتابع طريقه إلى العاصمة المغوليَّة، فاجتمع بِالخاقان [[مونكو خان|منكو خان]] الذي عيَّنه خلفًا له، غير أنَّهُ لم يُوفَّق في الجُلُوس على عرش والده، فقد تُوفي أثناء عودته، ويبدو أنَّ عمِّه [[بركة خان|بركة]] أرسل من قتله في الطريق مُتذرعًا بِأنَّ منكو أمره بِذلك، والرَّاجح أنَّهُ قُتل في غمرة الصراع على السُلطة حيثُ طمع بركة بِخلافة أخيه باطو.<ref name="ابن العبري1"/><ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1-الأخير=d'Ohsson|مؤلف1-الأول=Constantin|مؤلف-وصلة=:en:Abraham Constantin Mouradgea d’Ohsson|عنوان=Histoire des Mongols, depuis Tchinguiz-Khan jusqu'à Timour Bey ou Tamerlan|المجلد=Vol II |محرر=F. Muller |سنة=1852 |مسار=https://books.google.fr/books?id=5C0JAAAAQAAJ&pg=PA1#v=onepage&q&f=false|صفحة=336| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200411213347/https://books.google.fr/books?id=5C0JAAAAQAAJ&pg=PA1#v=onepage&q&f=false | تاريخ أرشيف = 11 أبريل 2020 }}</ref> والواقع أنَّهُ بعد وفاة باطو أضحى أخوه بركة الوريث الشرعي، وفقًا لِلقانون المغولي، كما أنَّ التقاليد في الشرق لم تكن تسمح لِلأبناء بِوراثة آبائهم في السُلطة إلَّا بعد وفاة كافَّة الأشقَّاء، وكان تعيين صرتق على غير هذه القاعدة. ومهما يكن من أمرٍ، فقد عيَّن منكو بركة خانًا على مغول القبيلة الذهبيَّة فور وفاة صرتق، فأقام الاحتفالات والولائم احتفاءً بِهذه المُناسبة، وأرسل الهدايا إلى الخاقان الأعظم.<ref name="طقوش5">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1=[[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ مغول القبيلة الذهبيَّة والهند|طبعة= الأولى|صفحة= 30|سنة= [[1428 هـ|1428هـ]] - [[2007]]م|ناشر=دار النفائس|تاريخ الوصول=[[4 أبريل|4 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان=[[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/details/tar.mghoul.al.qbila/page/n29| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200411223158/https://archive.org/details/tar.mghoul.al.qbila/page/n29 | تاريخ أرشيف = 11 أبريل 2020 }}</ref>
[[ملف:Декорации к фильму "Орда". Харабалинский район. Городище "Сарай-Бату".jpg|تصغير|جانب من أبنية وأسوار مدينة سراي المُعاد تصميمها، وهي الحاضرة الإسلاميَّة الجديدة التي بناها باطو خان وأكملها بركة، في بلاد القفجاق.]]
[[ملف:M38 Juchides Saray 1 (8227766434).jpg|تصغير|سكَّة ضُربت في عصر مغول القبيلة الذهبيَّة، تظهر عليها نُقُوشٌ بِالعربيَّة والتُركيَّة عوض المغوليَّة، في إشارةٍ إلى انصهار المغول في الحضارة الإسلاميَّة.]]
تحوَّلت بلاد القفجاق، بِتعيين بركة خانًا على القبيلة الذهبيَّة، تدريجيًّا إلى الإسلام، وذلك بِفضل تأثيره وهو الذي اعتنق هذا الدين مُنذُ طُفُولته، وحفظ [[القرآن|القُرآن]] في شبابه على يد أحد فُقهاء مدينة [[خجندة]]، ومعنى ذلك أنَّهُ أسلم قبل أن يتولَّى عرش مغول القبيلة الذهبيَّة، وهو أوَّل من اعتنق الإسلام من أُسرة جنكيز خان. وسارع بركة خان، بِمُجرَّد جُلُوسه على تخت المُلك، بِاستدعاء العُلماء والمشايخ من الأطراف والآفاق لِيُوقفوا الناس على معالم دينهم، وأغدق عليهم الهبات، ورفع شأن العلم والعُلماء وعظَّم شعائر الإسلام.<ref name="طقوش5"/><ref name="ابن عربشاه">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[شهاب الدين ابن عربشاه|ابن عربشاه، شهاب الدين أبو العبَّاس أحمد بن مُحمَّد بن عبد الله بن إبراهيم]]|عنوان= عجائب المقدور في أخبار تيمور|طبعة= الأولى|صفحة= 116 - 117|سنة= [[1817]] |تاريخ الوصول= [[11 أبريل|11 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[كلكتا|كلكتة]]|مسار= https://ia802806.us.archive.org/9/items/AjomaktePDF/%E2%80%ABajomakte.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200413010331/https://ia802806.us.archive.org/9/items/AjomaktePDF/ajomakte.pdf | تاريخ أرشيف = 13 أبريل 2020 }}</ref> وفي رواية: أنَّ باطو أرسل أخاه بركة إلى قراقورم لِحُضُور حفل تنصيب منكو على عرش الإمبراطوريَّة المغوليَّة، والمعروف أنَّ منكو هذا قد تمَّ تنصيبه في سنة [[649 هـ|649هـ]] المُوافقة لِسنة [[1251]]م، وبعد أن حضر احتفالات التنصيب عاد إلى بلاده، ومرَّ، وهو في طريقه، بِمدينة بُخارى، فاجتمع بِالشيخ [[سيف الدين الباخرزي]]،{{للهامش|3}} أحد مُريدي الشيخ [[نجم الدين الكبرى]]، وأسلم على يديه.<ref name="القلقشندي">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[أبو العباس القلقشندي|القلقشندي، شهاب الدين أبو العبَّاس أحمد بن عليّ بن أحمد]]|عنوان= صبح الأعشى في صناعة الإنشا|طبعة= الأولى|صفحة= 474|المجلد=الجُزء الرابع|سنة= [[1340 هـ|1340هـ]] - [[1922]]م|ناشر= [[دار الكتب والوثائق القومية (مصر)|دار الكُتُب المصريَّة]]|تاريخ الوصول= [[11 أبريل|11 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[القاهرة]] - [[المملكة المصرية|مصر]]|مسار= https://ia802808.us.archive.org/0/items/FP11609/suaa04.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200413010431/https://ia802808.us.archive.org/0/items/FP11609/suaa04.pdf | تاريخ أرشيف = 13 أبريل 2020 }}</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= الرمزي، مُحمَّد مُراد مكِّي|عنوان= تلفيق الأخبار وتلقيح الآثار في وقائع قزان وبُلغار ومُلُوك التتار|طبعة= الأولى|صفحة= 379 - 401|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|تاريخ الوصول= [[5 أبريل|5 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|المجلد=الجُزء الأوَّل|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/stream/takfiqathar/takhbar1#page/n395/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200407020406/https://archive.org/stream/takfiqathar/takhbar1#page/n395/mode/2up | تاريخ أرشيف = 7 أبريل 2020 }}</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن خلدون|ابن خلدون، أبو زيد عبد الرحمٰن بن مُحمَّد الحضرمي]]|عنوان= ديوان المُبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر|طبعة= الأولى|المجلد=الجُزء الخامس|صفحة= 603|سنة= [[1421 هـ|1421هـ]] - [[2000]]م|ناشر= دار الفكر|تاريخ الوصول= [[11 أبريل|11 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://ia600207.us.archive.org/30/items/waqtkhldon/tkhldon5.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200110134016/http://ia600207.us.archive.org/30/items/waqtkhldon/tkhldon5.pdf | تاريخ أرشيف = 10 يناير 2020 }}</ref> كان من نتيجة إسلام بركة واعتلائه عرش خانيَّة مغول القبيلة الذهبيَّة أن بدأت هذه الخانيَّة تأخذ شكلها ووضعها كدولةٍ إسلاميَّة، وبِخاصَّةٍ بعد أن بنى فيها عاصمة إسلاميَّة هي سراي الجديدة، التي سُميت فيما بعد باسم «سراي بركة» والتي كانت مُجاورة لِسراي القديمة التي بناها أخوه باطو. وتقع المدينتان على الضفَّة الشرقيَّة لِنهر ڤولغا قُرب بحر الخزر (قزوين). ورُبما كانت المدينتان مدينةً واحدة، بدأ باطو في بنائها وأكمل بركة هذا البناء.<ref name="ابن عربشاه"/><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[فاسيلي بارتولد|بارتولد، ڤاسيلي ڤلاديميروڤتش]]|مؤلف2= ترجمة: د. أحمد السعيد سُليمان|عنوان= تاريخ التُرك في آسيا الوُسطى|صفحة= 188|سنة= [[1996]]|ناشر= [[الهيئة المصرية العامة للكتاب|الهيئة المصريَّة العامَّة لِلكتاب]]|تاريخ الوصول= [[11 أبريل|11 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://archive.org/details/65656_201702/page/n189/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200412010618/https://archive.org/details/65656_201702/page/n189/mode/2up | تاريخ أرشيف = 12 أبريل 2020 }}</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= عبد الحليم، رجب مُحمَّد|عنوان= انتشار الإسلام بين المغول|طبعة= الأولى|صفحة= 112 - 133|ناشر= [[دار النهضة العربية (القاهرة)|دار النهضة العربيَّة]]|تاريخ الوصول= [[11 أبريل|11 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://ia803101.us.archive.org/22/items/ktp2019-bskn938/ktp2019-bskn938.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200413010614/https://ia803101.us.archive.org/22/items/ktp2019-bskn938/ktp2019-bskn938.pdf | تاريخ أرشيف = 13 أبريل 2020 }}</ref> والواقع أنَّ بركة بذل جُهدًا كبيرًا في الدفاع عن الإسلام ونشر [[ثقافة إسلامية|الثقافة الإسلاميَّة]] بين قومه من المغول والتُّرك. فتتحدَّث المصادر أنَّهُ عادى ابن عمِّه [[هولاكو خان|هولاكو]]، إلخان إيران، الذي كاد يقضي على الإسلام كدينٍ في أراضي [[الدولة الإلخانية|دولته]]، كما كرَّس حياته لِنشر الإسلام بين قومه من المغول في بلاد القفجاق أو بين الشُعُوب الأُخرى الخاضعة لِسُلطانه، فأسلمت زوجته «چيچيك خاتون» واتخذت لها مسجدًا مُتنقلًا من الخيم تنصبه حيثُ نزلت لِتُؤدِّي [[الصلاة في الإسلام|الصلاة]] في وقتها، كما اعتنق عساكره الإسلام، وكان الفارس يحمل معهُ [[سجادة صلاة|سجَّادة لِلصلاة]] حتَّى إذا حان وقتها أدَّاها، وامتنعوا عن تعاطي المُسكِّرات. وبنى بركة [[مدرسة إسلامية|المدارس]] والمساجد لِنشر الثقافة الإسلاميَّة بين شعبه، وقد وصفه المُؤرِّخون، من أجل هذا، بِأنَّهُ كان من «أعظم مُلُوك التتر»، ونُسبت إليه بلاد القفجاق، فصارت تُعرف بعد وفاته باسم «دشت بركة»، بدلًا من «دشت قفجاق»، كما سُمي مغول القفجاق، بعد وفاته بِحوالي قرن، باسم «تتر بركة»، وسُميت العاصمة باسم «سراي بركة»، لكنَّ الإسلام لم يتجذَّر في البيئة المغوليَّة إلَّا بعد وفاته بِنصف قرنٍ من الزمان.<ref name="ابن كثير1">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن كثير الدمشقي|ابن كثير، عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عُمر القُرشي الدمشقي]]|عنوان= البداية والنهاية|المجلد=الجُزء الثالث عشر|طبعة= السابعة|صفحة= 249|سنة= [[1410 هـ|1410هـ]] - [[1990]]م|ناشر= مكتبة المعارف|تاريخ الوصول= [[12 أبريل|12 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://ia800206.us.archive.org/27/items/FP158116/13_158122-1.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20191216215419/https://ia800206.us.archive.org/27/items/FP158116/13_158122-1.pdf | تاريخ أرشيف = 16 ديسمبر 2019 }}</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= الرمزي، مُحمَّد مُراد مكِّي|عنوان= تلفيق الأخبار وتلقيح الآثار في وقائع قزان وبُلغار ومُلُوك التتار|طبعة= الأولى|صفحة= 399 - 402|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|تاريخ الوصول= [[5 أبريل|5 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|المجلد=الجُزء الأوَّل|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/stream/takfiqathar/takhbar1#page/n397/mode/2up|isbn = 2745134833| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200407020406/https://archive.org/stream/takfiqathar/takhbar1#page/n397/mode/2up | تاريخ أرشيف = 7 أبريل 2020 }}</ref> وكما حصل في إيران، ساعد انتشار الإسلام على دمج المغول والتُّرك بِصُورةٍ نهائيَّةٍ، والواضح أنَّ [[مغول|العُنصر المغولي]] كان أضعف تأثيرًا، ففي السجلَّات وعلى السكَّة كانت اللُغة التُركيَّة هي الغالبة وليست المغوليَّة، فعمليَّة امتزاج الطبقة الحاكمة المغوليَّة بِالقبائل التُركيَّة، التي جلبها المغول معهم، حصلت، بِالإضافة إلى الامتزاج مع السُكَّان التُّرك الأصليين في سهل القفجاق، كُل ذلك لِيُكوِّن الأُمَّة المغوليَّة الحديثة، ويشمل هذا بلقار الڤولغا، وأعدادًا كبيرةً من قبائل الڤولغا الفنلنديَّة، وسُرعان ما بدأت هذه العناصر في التأثير على النمط الفيزيولوجي لِتركيب هذه الأُمَّة المغوليَّة الناشئة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[برتولد شبولر|شپولر، برتولد]]|مؤلف2= نقله إلى العربيَّة الأستاذ خالد أسعد عيسى|عنوان= العالم الإسلامي في العصر المغولي|طبعة= الأولى|صفحة= 96|سنة= [[1402 هـ|1402هـ]] - [[1982]]م|ناشر= دار حسَّان لِلطباعة والنشر|تاريخ الوصول= [[8 أبريل|8 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[دمشق]] - [[سوريا]]|مسار= https://archive.org/details/Book_289/page/n95/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200413000026/https://archive.org/details/Book_289/page/n95/mode/2up | تاريخ أرشيف = 13 أبريل 2020 }}</ref>

=== الاستقلال الفعلي التام عن المغول العظام ===
{{مفصلة|انقسام إمبراطورية المغول}}
[[ملف:MongolEmpireDivisions1300.png|تصغير|الدُول التي تكوَّنت منها إمبراطوريَّة المغول بعد انتهاء الحرب الأهليَّة بين قوبلاي وأريق بوقا: خانيَّة القبيلة الذهبيَّة (الصفراء) وإلخانيَّة فارس (البنفسجيَّة)، والدولة الجغطائيَّة (الرماديَّة) ومملكة يوان (الخضراء).]]
لم يرَ بركة مانعًا من عدم الإخلاص لِلخاقان الأعظم منكو طيلة حياته، على الرُغم من المرارة التي شعر بها، لِأنَّ منكو جعل [[القوقاز|بلاد القفقاس]] وما جاورها، وهي أصلًا تابعة لِمغول القبيلة الذهبيَّة، من نصيب هولاكو. ويُمكن استنتاج ذلك من السكَّة المضروبة في عهده، وقد ضُرب على أحد الوجهين عبارة «منكو الخاقان الأعظم» وعلى الوجه الآخر عبارة «نُقُود البُلقاري»، والمعروف أنَّ البُلقار كانت آنذاك المكان الوحيد لِضرب النُقُود في خانيَّة القبيلة الذهبيَّة. وعندما تُوفي منكو في سنة [[657 هـ|657هـ]] المُوافقة لِسنة [[1259]]م اندلعت الحرب الأهليَّة في الإمبراطوريَّة المغوليَّة. فالنزاع الذي جرى على الساحة بين الأخوين [[قوبلاي خان|قوبلاي]] وأريق بوقا، والذي استمرَّ أربعة سنوات ([[658 هـ|658]] - [[662 هـ|662هـ]] \ [[1260]] - [[1264]]م)، قسَّم المغول. فقد ساند بركة أريق بوقا واعترف به وارثًا شرعيًّا لِعرش الإمبراطوريَّة المغوليَّة، في حين ساند هولاكو قوبلاي، وعندما انتصر هذا الأخير وأضحى خاقانًا أعظمًا، وقع بركة في عُزلةٍ سياسيَّةٍ تامَّة، فقطع جميع علاقاته مع عاصمة الخاقان الأعظم، وهي [[بكين|خان بالق]]، واستقلَّ عن المغول العظام، وقد نتج عن هذه الحالة ما يلي: اختفاء اسم الخاقان الأعظم من على قطع النُقُود المسكوكة في بلاد القبيلة الذهبيَّة مُنذُ سنة 658هـ المُوافقة لِسنة 1260م، ولِهذه الظاهرة أهميَّتها الخاصَّة لِأنَّ العملة في تلك الأيَّام كانت رمزًا لِوُجُود السُلطة الشرعيَّة، كما ضُربت نُقُودٌ في البُلقار تحمل اسم أريق بوقا، ولم تعد قوائم أسماء خوانين مغول القبيلة الذهبيَّة تحملُ، في [[سلالة يوان الحاكمة|مملكة يوان الصينيَّة]] (مقر حُكم قوبلاي خان)، اسم بركة. وبرز عداءٌ شديدٌ ومُستحكم بين بركة وهولاكو نصير قوبلاي، وشكَّلت بلاد ما وراء النهر إسفينًا حاجزًا بين دولتيّ المغول العظام في الصين والدولة الإلخانيَّة في إيران الصديقتين، الأمر الذي أدَّى إلى عزل خانيَّة القبيلة الذهبيَّة، فأضحت خارج المُجتمعات المغوليَّة بِعامَّة والمغول الإلخانيين بِخاصَّة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[برتولد شبولر|شپولر، برتولد]]|مؤلف2= نقله إلى العربيَّة الأستاذ خالد أسعد عيسى|عنوان= العالم الإسلامي في العصر المغولي|طبعة= الأولى|صفحة= 49 - 55|سنة= [[1402 هـ|1402هـ]] - [[1982]]م|ناشر= دار حسَّان لِلطباعة والنشر|تاريخ الوصول= [[8 أبريل|8 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[دمشق]] - [[سوريا]]|مسار= https://archive.org/details/Book_289/page/n49/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200414231614/https://archive.org/details/Book_289/page/n49/mode/2up | تاريخ أرشيف = 14 أبريل 2020 }}</ref>

=== الصراع مع الروس والأوروپيين ===
[[ملف:Baskaks.jpg|تصغير|يمين|داروغجي (جابي الضرائب) مغولي في إحدى المُدن الروسيَّة.]]
لم يعمد المغول، بعد سيطرتهم على البلاد الروسيَّة، إلى تغيير أوضاعها الداخليَّة بِشكلٍ مُباشر، وظلَّت القوانين والأعراف الروسيَّة هي السائدة، كما أنَّهم لم يُغيِّروا حُكَّام الولايات طالما قدَّموا لهم فُرُوض الولاء والطاعة، وظلَّ مُلَّاك الأراضي على وضعهم الحُقُوقي لِأنَّ المغول، كشعبٍ بدويٍّ، فضَّلوا التمركز في السُهُول الشرقيَّة والجنوبيَّة الواسعة. والمعروف أنَّ الخواقين العظام كانوا، مُنذُ عهد گُيوك خان، يُرسلُون الجُباة إلى الروسيا لِجمع الضرائب المفروضة على الروس، ويبدو أنَّ هؤلاء كانوا يشتطُّون في تحصيلها، كما أنَّهم كانوا يستعبدون واحدًا من كُلِّ ثلاثة أولاد، بِالإضافة إلى كُلِّ الأشخاص العازبين الذين يعجزون عن دفعها، والجدير بِالذكر أنَّ ضريبة الرُؤوس كانت تُفرض على الشخص من دون تمييز بين الغني والفقير والشاب والعجوز، ولا يُشترط أن تُدفع نقدًا وإنما كانت تُدفع عينًا في بعض الأحيان، ومقدارها خمسة [[ثوب|أردية]] من جلد [[دب قطبي|دُبٍّ قُطبيّ]] أو ثعلبٍ أسود.<ref name="عمران2">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= عمران، محمود سعيد|عنوان= المغول وأورُبَّا|صفحة=184 - 186|سنة= [[1997]]|ناشر= دار المعرفة الجامعيَّة|تاريخ الوصول= [[8 أبريل|8 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[الإسكندرية|الإسكندريَّة]] - [[مصر]]|مسار= https://www.pdf-books.org/book/%D8%AA%D8%AD%D9%85%D9%8A%D9%84-%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D9%88%D9%84-%D9%88%D8%A3%D9%88%D8%B1%D8%A8%D8%A7-%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%88%D8%AF-%D8%B3%D8%B9%D9%8A%D8%AF-%D8%B9%D9%85%D8%B1%D8%A7%D9%86.html/read|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200408215505/https://www.pdf-books.org/book/%D8%AA%D8%AD%D9%85%D9%8A%D9%84-%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D9%88%D9%84-%D9%88%D8%A3%D9%88%D8%B1%D8%A8%D8%A7-%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%88%D8%AF-%D8%B3%D8%B9%D9%8A%D8%AF-%D8%B9%D9%85%D8%B1%D8%A7%D9%86.html/read|تاريخ أرشيف=2020-04-08}}</ref> استنزفت هذه السياسة الضريبيَّة موارد الأهالي الروس، وأرهقت كافَّة الطبقات الاجتماعيَّة، ولم يلبث الوضع أن انفجر في سنة [[660 هـ|660هـ]] المُوافقة لِسنة [[1262]]م، فقد ثار سُكَّان مُدُن ڤلاديمير وسوزدال وروستوڤ ضدَّ جامعي الضرائب من المغول، وقبض سُكَّان مدينة ياروسلاڤ على أحدهم ويُدعى «زوزيموس»، وهو راهبٌ مسيحي اعتنق الإسلام، وقتلوه ورموا بِجُثَّته [[كلب|لِلكلاب]]، الأمر الذي أغضب بركة خان، ودفع كبير أُمراء الروس [[ألكسندر نيفسكي|إسكندر بن ياروسلاڤ نيڤيسكي]] إلى الذهاب إلى سراي لِمُعالجة الموقف المُتفجِّر وتجنيب بلاده ويلات الانتقام، وإذ قدَّم اعتذارًا لِلخان وأقنعه بِأنَّ سبب الحادث يعود إلى التعصُّب الديني وليس التمرُّد على السُلطات المغوليَّة؛ فقد أعفاه بركة من الغرامات المطلوبة،<ref name="عمران2"/> وبِذلك أنقذ هذا الأمير إمارته من انتقام المغول وجنَّب بلاده ويلات الحُرُوب. 
[[ملف:Meczennicy Sandomierscy.jpg|تصغير|المغول يفتكون بِالرُهبان الدومينيكان بعد اقتحامهم مدينة ساندومير خلال حملتهم على بولونيا، ردًا على الدعوة إلى حملةٍ صليبيَّةٍ ضدَّهم.]]
أمَّا في أوروپَّا، فقد كان [[دانيال ملك غاليسيا]] يُهاجم جيرانه النصارى مُحققًا النصر تلو الآخر، ولمَّا اغترَّ بنجاحه قرَّر نقل نشاطه شرقًا لِمُحاربة المغول الذين كانوا يُغيرون على بولونيا وغاليسيا بين الحين والآخر، وسانده حُلفاؤه البولونيُّون والمجريُّون. والمعروف أنَّ المغول دخلوا [[بودوليا|پودوليا]] السُفلى واحتلُّوا باكوتا قبل أن يطردهم ليون بن دانيال منها. وقد شجَّع هذا الانتصار الملك الغاليسي فاحتلَّ المُدُن الواقعة بين نهر البوغ وتتاريڤ الخاضعة لِحُكم المغول، وحصَّنها، وحاول حصار كييڤ.<ref name="مولد تلقائيا2">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1=[[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ مغول القبيلة الذهبيَّة والهند|طبعة= الأولى|صفحة= 35 - 37|سنة= [[1428 هـ|1428هـ]] - [[2007]]م|ناشر=دار النفائس|تاريخ الوصول=[[4 أبريل|4 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان=[[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/details/tar.mghoul.al.qbila/page/n36/mode/2up/mode/2up|isbn = 9789953184364| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200415210347/https://archive.org/details/tar.mghoul.al.qbila/page/n36/mode/2up/mode/2up | تاريخ أرشيف = 15 أبريل 2020 }}</ref> لم يتأخَّر الرد المغولي، فقاد «بورونداي»، أحد القادة الذين صحبوا باطو في حملاته ضدَّ المجر، حملةً عسكريَّةً اصطدمت بِدانيال وأجبرته على طلب الصُلح، فأرسل أخاه «ڤازيلكو» وابنه وأُسقُف [[تشيلم|كولم]]، المدعو يُوحنَّا، إلى القائد المغولي، يحملون الهدايا، فطلب القائد المغولي أن يقوم دانيال بِتدمير المُدن التي بناها حديثًا، ومنها [[دانيلوف|دانيلوڤ]] وستوباك وكرمنتس و[[لوتسك]] و[[لفيف|لڤيڤ]]، فدمَّرها وأحرق تحصينات ڤلاديمير في ولاية [[فولينيا|ڤولينيا]].<ref name="مولد تلقائيا2"/> خشي الأُمراء البولونيُّون من طوفان الجُيُوش المغوليَّة الذي راح يُهدِّد بلادهم، فاستنجدوا بِالبابا [[ألكسندر الرابع|إسكندر الرابع]]، فأصدر هذا منشورًا في [[22 جمادى الآخرة|22 جُمادى الآخرة]] [[656 هـ|656هـ]] المُوافق فيه [[26 يونيو|26 حُزيران (يونيو)]] [[1258]]م طلب بِموجبه من [[دومينيكانية|الدومينيكان]] في ألمانيا و[[بوهيميا]] وموراڤية و[[بوميرانيا|پوميرانيا]] بِتجهيز حملةٍ صليبيَّةٍ ضدَّ المغول، كما أصدر في [[19 ذو الحجة|19 ذي الحجَّة]] المُوافق فيه [[17 ديسمبر|17 كانون الأوَّل (ديسمبر)]] منشورًا مُماثلًا حثَّ بِموجبه الفُرسان التُيُوتون في [[مملكة ليتوانيا]] على الاشتراك بِالحملة.<ref name="مولد تلقائيا2"/> والواقع أنَّ الحملة الصليبيَّة لم تُؤدِّ إلى نتيجةٍ إيجابيَّةٍ بِفعل نُشُوب النزاعات الداخليَّة بين المُشتركين فيها. وهاجم في هذه الأثناء جيشٌ مغوليّ، بِقيادة «نوقاي» و«تلابوقا»، بولونيا، وانضمَّت إليه قُوَّة غاليسيَّة بِقيادة ابنيّ دانيال ليون ورومان وأخيه ڤازيلكو، وحاصر هذا الجيش مدينة لوبلين، ثُمَّ عبر نهر الڤستولا ودمَّر تحصينات زاڤيكوست وليسن، واقترب من مدينة ساندومير، فعرض المغول على قائد حاميتها «بُطرس أوكريمبن» المُحافظة على أرواح السُكَّان مُقابل الاستسلام، فوافق على عرضهم، إلَّا أنَّهم نكثوا بِوعدهم، وارتكبوا مذبحةً مُروِّعة بِحق الأهالي عندما دخلوا المدينة في [[6 صفر]] [[657 هـ|657هـ]] المُوافق فيه [[2 فبراير|2 شُباط (فبراير)]] [[1259]]م، كما هاجموا مدينة كراكوف ودمَّروها. نتيجةً لِهذا التطوُّر العسكري السلبي، دعا أساقفة بولونيا إلى تشكيل حلفٍ صليبيٍّ آخر لِلتصدِّي لِلزحف المغولي، وأجبروا الفُرسان التُيُوتون الذين كانوا يُحاربون الليتوانيين والبروسيين على الاشتراك فيه. اختار المغول شتاء سنة [[662 هـ|662هـ]] المُوافقة لسنتيّ [[1263]] و[[1264]]م لِبدء عمليَّاتهم العسكريَّة حيثُ الأنهار مُجمَّدة ويسهل العُبُور عليها، فاجتاحوا بولونيا، غير أنَّهم تعرَّضوا لِلهزيمة في معركة بوستان على يد بُطرس أمير كراكوف. عند هذه المرحلة، وصلت قُوَّة مغول القبيلة الذهبيَّة إلى الذُروة في صراعها مع أوروپَّا.<ref name="مولد تلقائيا2"/>

=== حرب المغول الإلخانيين ===
{{مفصلة|حرب بركة-هولاكو}}
{{تاريخ آسيا الوسطى}}
[[ملف:HulaguAndDokuzKathun.JPG|تصغير|يمين|هولاكو وزوجته [[دوقوز خاتون]] مُتربعان على تخت المُلك.]]
اتَّسمت العلاقة بين بركة وهولاكو بِالعدائيَّة، وكان لِذلك علاقة بِمدى ما شجر بين دولتيهما من نزاعٍ حول امتلاك الأطراف المُتاخمة لِبحر الخزر (قزوين) وأذربيجان، وكان من المُتوقَّع أن تكون من أملاك أبناء جوجي، استنادًا إلى التقسيم الذي نفَّذه جنكيز خان. وعندما أرسل منكو خان أخاه هولاكو، على رأس حملةٍ إلى فارس، كوَّن هُناك مملكةً مُستقلَّةً هي الدولة الإلخانيَّة، ضمَّت بلاد أذربيجان وما جاورها، ورفض هولاكو التنازل عنها والاعتراف بِحُقُوق أولاد جوجي فيها، ما دفع هؤلاء إلى انتزاع حُقُوقهم بِالقُوَّة. وعندما انتهى هولاكو من الاستيلاء على بقيَّة إيران و[[المشرق العربي|المشرق الإسلامي]]، وجَّه اهتمامه لِلقضاء على أعدائه ومُناوئيه، وفي مُقدِّمتهم ابن عمِّه بركة خان، وكان هذا قد اغتمَّ عندما انتصر خصمه على ممالك الشرق الإسلامي واستولى على [[عراق العرب|العراق]] و[[سقوط بغداد (1258)|دمَّر بغداد]] وقتل [[قائمة الخلفاء العباسيين|الخليفة العبَّاسي]] [[عبد الله المستعصم بالله|المُستعصم بِالله]] من دون أن يستشير أحدًا من أُمراء المغول، وقرَّر أن ينتقم من هولاكو ويُطالبه بِدماء الأبرياء، متى سنحت له الفُرصة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1=[[رشيد الدين فضل الله الهمذاني|الهمذاني، رشيدُ الدين فضل الله]]|مؤلف2= نقله إلى العربيَّة: مُحمَّد صادق نشأت، مُحمَّد موسى هنداوي، [[فؤاد الصياد|فُؤاد عبد المُعطي الصيَّاد]]|عنوان= جامع التواريخ|المجلد=المُجلَّد الثاني، الجُزء الأوَّل: الإيلخانيُّون، تاريخ هولاكو|طبعة= الأولى|صفحة= 332|سنة= [[1983]]|ناشر= [[وزارة الثقافة (مصر)|وزارة الثقافة والإرشاد القومي]]|تاريخ الوصول= [[16 أبريل|16 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[القاهرة]] - [[الجمهورية العربية المتحدة|مصر]]|مسار=https://archive.org/details/GameaAlTawarikhV02Pt01/page/n358/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200416153918/https://archive.org/details/GameaAlTawarikhV02Pt01/page/n358/mode/2up | تاريخ أرشيف = 16 أبريل 2020 }}</ref> وممَّا زاد الطين بلَّة اتهام هولاكو لِأحد أُمراء فرع جوجي المُنضوين إلى جيشه بِمُمارسة السحر والشعوذة ضد هولاكو نفسه. فأُعدم بعد الحُصُول على إذنٍ من بركة خان، كما تُوفي اثنان من الأُمراء الذهبيين في الجيش الإلخاني بِشكلٍ مُثيرٍ لِلريبة، إذ أنَّ بركة خان كان قد أرسل لابن عمِّه - مُضطرًّا - فرقةً عسكريَّةً اشتركت في الحملة على العراق.<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|الأخير=Jackson|الأول=Peter|محرر=Abulafia, David|عنوان=The New Cambridge Medieval History: Volume 5, C.1198-c.1300|مسار الفصل=https://books.google.com/books?id=bclfdU_2lesC&pg=PA709|سنة=1995|ناشر=Cambridge University Press|isbn=978-0-521-36289-4|صفحة=709|الفصل=The Mongols and Europe}}</ref> وحتَّى يُقوِّي موقفه، تقرَّب بركة من المماليك، الذين كانوا يُمثلون آنذاك القُوَّة الإسلاميَّة الرئيسة في المشرق، ورحَّب السُلطان [[سيف الدين قطز|سيف الدين قُطُز]] بِالتحالف ضدَّ عدوُّهما المُشترك، الذي تمثَّل في مغول فارس، فسحب بركة فرقته العسكريَّة من العراق وأرسلها إلى [[القاهرة]] لِدعم المماليك، مُشكلًا اتحادًا غير مُتوقَّع، ولِأوَّل مرَّة، مع قُوَّةٍ أجنبيَّةٍ ضدَّ إخوانه المغول، الأمر الذي سهَّل انتصار المُسلمين في [[معركة عين جالوت]]، هذا في الوقت الذي تشدَّد فيه هولاكو في مُساندته لِلنصارى، مدفوعًا من زوجته النُسطُوريَّة [[دوقوز خاتون]].<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ المغول العظام والإيلخانيين|طبعة= الأولى|صفحة= 197 - 198|سنة= [[1428 هـ|1428هـ]] - [[2007]]م|ناشر= دار النفائس|ردمك= 9953184348|تاريخ الوصول=[[17 مارس|17 آذار (مارس)]] [[2019]]م|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/details/tar.al.mghoul.al.izam/page/n199| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200416163253/https://archive.org/details/tar.al.mghoul.al.izam/page/n199 | تاريخ أرشيف = 16 أبريل 2020 }}</ref> أضف إلى ذلك، كانت شواطئ [[البحر الأسود|بحر البنطس (الأسود)]] الشماليَّة تُشكِّلُ مراكز تصدير الرقيق الأبيض إلى مصر، الأمر الذي أمَّن استمرار تدفُّق القُوَّة البشريَّة والعسكريَّة لِلنظام المملوكي، وقد أدرك هولاكو هذا الأمر وطالب بركة خان بوقف بيع المماليك إلى مصر، فلَم يلقَ طلبه آذانًا صاغية.<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|مؤلف=Johan Elverskog|عنوان=Buddhism and Islam on the Silk Road|مسار= https://books.google.com/books?id=N7_4Gr9Q438C&pg=PA186&lpg=PA186#v=onepage&q&f=false|تاريخ=6 June 2011|ناشر=University of Pennsylvania Press|isbn=0-8122-0531-6|صفحات=186–|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20171014041008/https://books.google.com/books?id=N7_4Gr9Q438C|تاريخ أرشيف=2017-10-14}}</ref> وشكَّل امتناع هولاكو عن إرسال خُمس الغنائم التي يحصل عليها، والتي كان جنكيز خان قد قرَّرها لِأُسرة جوجي، عاملًا آخر لِدفع النزاع بين مغول إيران ومغول القفجاق باتجاه الصدام.<ref name="بركة هولاكو">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= اليونيني، قُطب الدين أبي الفتح مُحمَّد بن أحمد البعلبكي الحنبلي|عنوان= ذيل مرآة الزمان|طبعة= الأولى|صفحة= 497 - 498|سنة= [[1374 هـ|1374هـ]] - [[1954]]م|ناشر= دائرة المعارف الإسلاميَّة|تاريخ الوصول= [[17 مارس|17 آذار (مارس)]] [[2019]]م|مكان= [[حيدر آباد]] - [[الهند]]|مسار= https://archive.org/stream/thmizayo/thail01#page/n521/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200416163243/https://archive.org/stream/thmizayo/thail01 | تاريخ أرشيف = 16 أبريل 2020 }}</ref>
[[ملف:Bataille du Terek (1262).jpeg|تصغير|يمين|رسمٌ أوروپيّ يُصوِّرُ واقعة نهر ترك بين مغول القفجاق والإلخانيين.]]
أرسل بركة خان في سنة [[660 هـ|660هـ]] المُوافقة لِسنة [[1262]]م جيشًا كبيرًا مُؤلَّفًا من ثلاثين ألف مُقاتل بِقيادة قريبه «نوقاي»، لِمُحاربة هولاكو، فعبر [[دربند (روسيا)|باب الأبواب]] وعسكر في ظاهر [[شروان]]. فلمَّا بلغ هولاكو ذلك خرج من مصيفه في [[ألاداغ|ألاطاغ]] على رأس جيشٍ مُؤلَّف من فرقٍ عسكريَّةٍ من مُختلف أنحاء الإلخانيَّة، وجعل على طليعته شيرامون بن جُرماغُون، ولمَّا وصل إلى حُدُود شروان تصدَّى لهُ نوقاي وهزمه وقتل كثيرًا من أفراد طليعته وعاد إلى مُعسكره مُنتصرًا. عند هذه المرحلة من المُواجهات أرسل هولاكو مددًا لِقُوَّاته المُقاتلة بِقيادة ابنه [[أباقا خان|أباقا]]، فهاجم قُوَّات نوقاي وانتصر عليها، مما أتاح لِقُوَّات هولاكو أن تتقدَّم إلى [[شماخى]] وسيطرت عليها، في شهر مُحرَّم 661هـ المُوافق فيه شهر تشرين الثاني (نوڤمبر) 1262م، وتابعت زحفها نحو باب الأبواب، فاصطدمت بِقُوَّات نوقاي وأزاحتها عن مواقعها، وعبرت باب الأبواب وطاردتها داخل أراضي القبيلة الذهبيَّة، وتوغَّلت فيها مسافة خمسة عشر يومًا من دون أن تُصادف مُقاومة.<ref name="هولاكو بركة 2">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ المغول العظام والإيلخانيين|طبعة= الأولى|صفحة= 199 - 200|سنة= [[1428 هـ|1428هـ]] - [[2007]]م|ناشر= دار النفائس|ردمك= 9953184348|تاريخ الوصول=[[17 مارس|17 آذار (مارس)]] [[2019]]م|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/details/tar.al.mghoul.al.izam/page/n201| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200416193331/https://archive.org/details/tar.al.mghoul.al.izam/page/n201 | تاريخ أرشيف = 16 أبريل 2020 }}</ref> ويبدو أنَّ لِذلك علاقة بِمدى ما خطَّط له بركة من واقع السماح لِقُوَّات عدُوِّه أن تتوغَّل في أراضيه قبل أن ينقض عليها. وإذ اعتقد هولاكو أنَّهُ سيطر على بلاد عدوُّه، أرسل ابنه أباقا على رأس قُوَّاتٍ عسكريَّةٍ كبيرة لِيُغير على منازل السُكَّان، فعبر [[تيريك|نهر ترك]] في شهر جُمادى الأولى 661هـ المُوافق فيه شهر آذار (مارس) 1263م، ففاجأه بركة عند النهر وانتصر عليه. ولم يستطع أباقا سوى النجاة بِنفسه مع قلَّة من فُلُول جيشه في حين سقط الآخرون قتلى تحت ضربات السُيُوف، أو غرقًا في نهر ترك. لم يتحمَّل هولاكو، الذي كان في تبريز، آثار تلك الهزيمة، وقد أثَّرت على معنويَّاته، فأقدم على قتل جميع تُجَّار عدُوِّه الذين كانوا في بلاده.<ref name="بركة هولاكو" /><ref name="هولاكو بركة 2" /> ولمَّا نظر بركة خان كثرة القتلى في هذا الصراع قال: {{اقتباس مضمن|يَعِزُّ عَلَيَّ أَن يَقتُلَ المَغُولُ بَعضَهُم بِعضًا، وَلَكِن كَيفَ الحِيلَةُ فِيمَن غَيَّرَ سُنَّةَ جَنكِيز خَان}}.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن كثير الدمشقي|ابن كثير، عمادُ الدين أبو الفداء إسماعيل بن عُمر الدمشقي]]|عنوان= البداية والنهاية|المجلد=الجُزء الثالث عشر|صفحة= 239|سنة= [[1408 هـ|1408هـ]] - [[1988]]م|طبعة=السابعة|ناشر= مكتبة المعارف|تاريخ الوصول=[[17 مارس|17 آذار (مارس)]] [[2019]]م|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://ia600206.us.archive.org/27/items/FP158116/13_158122-1.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200416193251/https://ia600206.us.archive.org/27/items/FP158116/13_158122-1.pdf | تاريخ أرشيف = 16 أبريل 2020 }}</ref>

=== توسُّع النزعات الإسلاميَّة بعد بركة خان ===
تُوفي بركة خان في ربيع الآخر [[665 هـ|665هـ]] المُوافق فيه كانون الثاني (يناير) [[1267]]م، وهو في طريقه لِمُحاربة أباقا بن هولاكو،<ref name="ابن كثير1"/> وأُلغُو خان [[خانية الجاغاطاي|الدولة الجغطائيَّة]]، إذ كان الأخير يُلح على هولاكو بغزو الأقاليم الخاضعة لِبركة زاعمًا أن المذكور قتل جميع أقاربه فيها سنة [[1252]]م، وعندما أعلنت نُخب [[مسلم|المُسلمين]] وكبار أفراد القبيلة الذهبيَّة في [[بخارى|بُخارى]] و[[سمرقند]] ولائهم لِبركة، قام أُلغُو بِقتل كُل الذهبيين في بلاده، ثُمَّ اتجه مع هولاكو إلى خوارزم وقتلوا جميع أفراد القبيلة الذهبيَّة وباعوا أسراهم [[عبودية|عبيدًا]]، ولم يتركوا على قيد الحياة سوى رجال الخاقان الأعظم قوبلاي.<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|الأخير=Barthold|الأول=W.|مؤلف-وصلة=Vasily Bartold|عنوان=Turkestan Down to the Mongol Invasion|مسار= https://books.google.com/books?id=zE2QPwAACAAJ&pg=PA446|سنة=2008|ناشر=ACLS Humanities E-Book|isbn=978-1-59740-450-1|صفحة=446|سنة النشر الأصلية=1958|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200417215744/https://books.google.com/books?id=zE2QPwAACAAJ&pg=PA446|تاريخ أرشيف=2020-04-17}}</ref> دفع هذا الأمر بركة خان إلى التوجُّه لِقتال أقاربه، لكنَّ وفاته جعلت عساكره ترجع من حيثُ أتت، ولم يلبث أُلغُو خان أن تُوفي هو الآخر بعد عدَّة شُهُور. خَلَف بركة «منگو تيمور بن طغان بن باطو»، وقد رشَّحهُ الخاقان الأعظم قوبلاي لِهذا المنصب، ووافق أركان الدولة على توليته. والواقع أنَّهُ كان مُرشَّحًا لِتولِّي الأمر في حياة بركة، وينحدر هذا الخان من ناحيتيّ الأب والأُم إلى جنكيز خان.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن خلدون|ابن خلدون، أبو زيد عبد الرحمٰن بن مُحمَّد الحضرمي]]|عنوان= ديوان المُبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر|طبعة= الأولى|المجلد=الجُزء الخامس|صفحة= 604|سنة= [[1421 هـ|1421هـ]] - [[2000]]م|ناشر= دار الفكر|تاريخ الوصول= [[11 أبريل|11 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://ia600207.us.archive.org/30/items/waqtkhldon/tkhldon5.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200110134016/http://ia600207.us.archive.org/30/items/waqtkhldon/tkhldon5.pdf | تاريخ أرشيف = 10 يناير 2020 }}</ref><ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= Howorth, Henry H. |عنوان= textsHistory of the Mongols, from the 9th to the 19th century|صفحة= 126|سنة= [[1880]]|ناشر= Longmans, Green, and Co.|تاريخ الوصول= [[9 أبريل|9 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= London|مسار= https://archive.org/details/historyofmongols21howo/page/126/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200417220504/https://archive.org/details/historyofmongols21howo/page/126/mode/2up | تاريخ أرشيف = 17 أبريل 2020 }}</ref> ويبدو أنَّ منگو تيمور لم يكن مُسلمًا، إذ تصمت المصادر عن ذكر أيِّ شيءٍ يتعلَّق بِإسلامه، كما خلت السكَّة التي ضربها من أيِّ شعاراتٍ إسلاميَّة، وعلى الرُغم من ذلك، فإنَّهُ لم يُعادِ الإسلام والمُسلمين، ولم يقف عائقًا أمام انتشار تعاليم هذا الدين، كما أنَّهُ واصل سياسة بركة بِالتحالف مع المماليك، فتبادل معهم الرُسل والرسائل بِشأن استمرار الحلف والتنسيق ضدَّ أباقا خان ومغول فارس، وقد أثَّرت هذه العلاقة الوطيدة والمُنتظمة في نقل التأثيرات الإسلاميَّة من مصر والشَّام، فضلًا عن التأثيرات القادمة من وسط آسيا من بُخارى وسمرقند، وذلك في مضمار الدين والعقائد و[[فن إسلامي|الفُنُون]] و[[الطب والصيدلة في عصر الحضارة الإسلامية|الطِّب]]، فشُيِّدت المساجد والأبنية والقُصُور في شبه جزيرة القرم على يد المعماريين المصريين والشِّوام، وزُيِّنت قُصُور سراي [[فسيفساء|بِالفُسيفساء]] و[[لوحة جدارية|رُسُوم الجُدران]]، وظهرت البُيُوت الضخمة المبنيَّة بِالحجر والمُزيَّنة بِالزخارف، والقُبُور والأروقة، وأنظمة [[تدفئة مركزية|التدفئة المركزيَّة]] من خلال الأرضيَّات المُبلَّطة بِالخشب الصلب، وأُقيمت السُدُود في سراي لِتأمين المياه لِلأقنية و[[طاقة مائية|الطاقة المائيَّة]] المُستعملة في المصانع.<ref name="توسع">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[برتولد شبولر|شپولر، برتولد]]|مؤلف2= نقله إلى العربيَّة الأستاذ خالد أسعد عيسى|عنوان= العالم الإسلامي في العصر المغولي|طبعة= الأولى|صفحة= 94 - 95|سنة= [[1402 هـ|1402هـ]] - [[1982]]م|ناشر= دار حسَّان لِلطباعة والنشر|تاريخ الوصول= [[17 أبريل|17 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[دمشق]] - [[سوريا]]|مسار= https://archive.org/details/Book_289/page/n93/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200417230358/https://archive.org/details/Book_289/page/n93/mode/2up | تاريخ أرشيف = 17 أبريل 2020 }}</ref>

أثمرت سياسة التعاون بين الدولتين، الذهبيَّة والمملوكيَّة، في اعتناق بعض أُمراء المغول الدين الإسلامي، كان من بينهم «نوقاي»، الذي أرسل رسالةً إلى السُلطان [[المنصور سيف الدين قلاوون]] يُخبره فيها بِاعتناقه الإسلام، وأنَّهم، هو وقومه، مُخلصون لِلسُلطان المملوكي ويأتمرون بِأمره، وهُم طوع بنانه، الأمر الذي يدُل على أنَّ التحوُّل إلى الإسلام كان ظاهرةً مُستمرَّة،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[تقي الدين المقريزي|المقريزي، تقيّ الدين أبو العبَّاس أحمد بن علي بن عبد القادر]]|عنوان= السُلُوك لِمعرفة دُول المُلُوك|طبعة= الأولى|صفحة= 69|المجلد=الجُزء الثاني|سنة= [[1418 هـ|1418هـ]] - [[1997]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|تاريخ الوصول= [[18 أبريل|18 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://shamela.ws/book/6667/529|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200417231843/https://al-maktaba.org/book/6667/529|تاريخ أرشيف=[[18 أبريل|18 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م}}</ref><ref name="عبد الحليم1">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= عبد الحليم، رجب مُحمَّد|عنوان= انتشار الإسلام بين المغول|طبعة= الأولى|صفحة= 116 - 117|ناشر= [[دار النهضة العربية (القاهرة)|دار النهضة العربيَّة]]|تاريخ الوصول= [[11 أبريل|11 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://ia803101.us.archive.org/22/items/ktp2019-bskn938/ktp2019-bskn938.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200413010614/https://ia803101.us.archive.org/22/items/ktp2019-bskn938/ktp2019-bskn938.pdf | تاريخ أرشيف = 13 أبريل 2020 }}</ref> هذا على الرُغم من أنَّ منگو تيمور عقد صُلحًا مع مغول فارس بعدما فرضه عليه الخاقان الأعظم قوبلاي،<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|الأخير=Saunders|الأول=J. J.|عنوان=The History of the Mongol Conquests|مسار= https://books.google.com/books?id=nFx3OlrBMpQC&pg=PA130|سنة=2001|ناشر=University of Pennsylvania Press|isbn=978-0-8122-1766-7|صفحات=130–132|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190128080526/https://books.google.com/books?id=nFx3OlrBMpQC|تاريخ أرشيف=2019-01-28}}</ref> وسمح بِقيام نشاطٍ أرواحيٍّ ومسيحيٍّ ضدَّ الإسلام، كما صادق الإمبراطور البيزنطي [[ميخائيل الثامن باليولوج|ميخائيل الثامن پاليولوگ]]. ويبدو أنَّ منگو تيمور اضطرَّ، تحت ضغط الظُرُوف السياسيَّة، إلى انتهاج سياسة سمحت لِلمُبشِّرين النصارى بِمُمارسة نشاطهم في بلاده، أمَّا تفاهمه مع الإمبراطور البيزنطي فقد أملاه القتال الذي جرى بينهما في سنة [[668 هـ|668هـ]] المُوافقة لِسنة [[1289]]م، بعد زواج قائده «نوقاي» من [[ماريا باليولوجينا|ماريَّة]] ابنة الإمبراطور، وكان لِهذه الصداقة أثرها وبِخاصَّة عند الأخذ بِعين الاعتبار الشُكُوك حول إسلام القائد المذكور، إذ قيل أنَّهُ كان يتظاهر بِالإسلام ويُخفي عقيدته الأرواحيَّة الي كان يدينُ بها.<ref name="عبد الحليم1"/> صاحب العلاقة السياسيَّة الطيِّبة مع الدولة المملوكيَّة علاقة تجاريَّة، بِالإضافة إلى التآلف الثقافي، فكانت ترد من مصر البضائع التجاريَّة، مثل المنسوجات الناعمة الجميلة، والفواكه المُختارة، و[[عطور عربية|العُطُور]] النادرة، وحتَّى الحيوانات الغريبة وما شابهها، وكان السُفراء المغول يجلبونها عند عودتهم كهدايا لِسيِّدهم ولِحاشيته وبطانته. وقد أمدَّت قاعدة الڤولغا وسواحل بحر البنطس (الأسود) مصر بِالمماليك، أي بِالجُنُود، مُقابل إرسال مصر الصُنَّاع والحرفيين والعُلماء المُسلمين الذين كان لِنشاطهم أثرٌ بالغٌ في تطوُّر المغول في الروسيا. وهكذا اكتسبت المعالم الحضاريَّة على نهر الڤولغا مظاهر إسلاميَّة آتية من حوض البحر المُتوسِّط بِخاصَّة، وتوطَّدت قبضة الثقافة الإسلاميَّة على الشُعُوب المغوليَّة على ضفاف الڤولغا.<ref name="اقتصاد">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1=[[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ مغول القبيلة الذهبيَّة والهند|طبعة= الأولى|صفحة= 45|سنة= [[1428 هـ|1428هـ]] - [[2007]]م|ناشر=دار النفائس|تاريخ الوصول=[[4 أبريل|4 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان=[[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/details/tar.mghoul.al.qbila/page/n45/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200418003345/https://archive.org/details/tar.mghoul.al.qbila/page/n45/mode/2up | تاريخ أرشيف = 18 أبريل 2020 }}</ref>

=== الاضطرابات والحُكم المُزدوج ===
[[ملف:Herberstein-Moscovia.jpg|تصغير|يمين|مناطق الڤولغا السُفلى التي سيطر عليها نوقاي خان وأنشأ فيها ما يُشبه المملكة المُستقلَّة.]]
[[ملف:Toda Mongke and His Mongol Horde.jpg|تصغير|مُنمنمة [[سلطنة مغول الهند|مغوليَّة هنديَّة]] تُصوِّر تدان منگو.]]
تُوفي منگو تيمور في ربيع الأوَّل [[679 هـ|679هـ]] المُوافق فيه تمُّوز (يوليو) [[1280]]م،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= الرمزي، مُحمَّد مُراد مكِّي|عنوان= تلفيق الأخبار وتلقيح الآثار في وقائع قزان وبُلغار ومُلُوك التتار|طبعة= الأولى|صفحة= 458 - 459|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|تاريخ الوصول= [[18 أبريل|18 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|المجلد=الجُزء الأوَّل|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/stream/takfiqathar/takhbar1#page/n457/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200405210439/https://archive.org/stream/takfiqathar/takhbar1 | تاريخ أرشيف = 5 أبريل 2020 }}</ref> وخلفه أخوه المُسلم «تدان منگو»، وكان رجُلًا صالحًا زاهدًا في الدُنيا. وفي ذات الوقت كان القائد «نوقاي» قد استطاع أن يجمع القبائل المغوليَّة في السُهُوب الواقعة شمال وشمال شرقيّ بحر البنطس (الأسود) ويجعلها مملكة واحدة خاضعة له. وكان نوقاي شيخًا قد عركته الحياة وعمل في الشُؤون العامَّة مُنذُ زمنٍ بعيد، وخاض حُروبًا كثيرة تحت راية منگو تيمور وبركة وباطو، ولهُ خبرة ومُمارسة بِالمكائد، فاستغلَّ زُهد تدان منگو لِيُدير أُمُور البلاد بِنفسه، فأصبح وكأنَّ هُناك خانان يحكُمان القبيلة الذهبيَّة.<ref group="ْ">{{استشهاد|الأخير=Vernadsky|الأول=George|سنة=1953|عنوان=The Mongols and Russia|ناشر=Yale University Press|صفحة=174}}</ref> أبرم تدان منگو صُلحًا مع الخاقان الأعظم قوبلاي، واعترف بِهيمنته، مُنهيًا حالة العداء القائمة بين مملكة يوان الصينيَّة وخانيَّة القبيلة الذهبيَّة مُنذُ أيَّام بركة خان، كما عمد نوقاي إلى مُصالحة قوبلاي أيضًا واعترف بِتقدُّمه على سائر الحُكَّام المغول.<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب |الأخير=Allsen |الأول=Thomas T. |تاريخ=1985 |الفصل=The Princes of the Left Hand: An Introduction to the History of the Ulus of Ordu in the Thirteenth and Early Fourteenth Centuries |عنوان=Archivum Eurasiae Medii Aevi |ناشر=Harrassowitz |المجلد=V |صفحة=21 |isbn=978-3-447-08610-3}}</ref> كما حرص تدان منگو على استمرار العلاقات الجيِّدة بين دولته والمماليك، إذ لم يكد يتولَّى السُلطة في سراي حتَّى أرسل سفارةً إلى القاهرة، في سنة [[682 هـ|682هـ]] المُوافقة لِسنة [[1283]]م، تتكوَّن من فقيهين قفجاقيين، هُما «مجدُ الدين آتا» و«نُورُ الدين آتا»، وحمَّلهما كتابًا يتضمَّن إبلاغ السُلطان قلاوون بِأنَّهُ أسلم وجلس على تخت المُلك وأقام شرائع الإسلام، وأنَّهُ يطلب نعتًا يُسمَّى به، من أسماء المُسلمين، وعلمًا من الخليفة العبَّاسي وعلمًا من السُلطان، ونقَّارات لِيركب بِذلك ويُقابل أعداء الإسلام، وأوصى بِمُساعدة أعضاء البعثة في أداء [[الحج في الإسلام|فريضة الحج]]. فاهتمَّ السُلطان بِالسفارة، وأرسل السفيرين إلى [[مكة|مكَّة]] وجهَّزهما بما يحتاجان إليه، وبعد عودتهما من [[الحجاز|بلاد الحجاز]]، زوَّدهما بما طلب الخان، وأحسن إليهما، وأعادهما إلى دولتهما.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محيي الدين بن عبد الظاهر|ابن عبد الظاهر، مُحيي الدين أبو الفضل عبد الله بن رشيد الدين السعدي المصري]]|عنوان= تشريف الأيَّام والعُصُور في سيرة الملك المنصور|طبعة= الأولى|صفحة= 46|سنة= [[1961]]|ناشر= [[وزارة الثقافة (مصر)|وزارة الثقافة والإرشاد القومي]]|تاريخ الوصول= [[18 أبريل|18 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[القاهرة]] - [[الجمهورية العربية المتحدة|مصر]]|مسار= https://archive.org/details/iB_Tas/page/n137/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200418233233/https://archive.org/details/iB_Tas/page/n137/mode/2up | تاريخ أرشيف = 18 أبريل 2020 }}</ref>
[[ملف:MongolsInHungary1285.jpg|تصغير|مُنمنمة أوروپيَّة تُصوِّرُ المغول ومعهم بعض السبايا (يسارًا) والمجريين ومعهم إحدى الأسيرات التي أنقذوها (يمينًا).]]
في [[عقد 1270|سبعينيَّات القرن الثالث عشر الميلاديّ]] اجتاح نوقاي [[الإمبراطورية البلغارية الثانية|الإمبراطوريَّة البُلغاريَّة]] ومملكة ليتوانيا بِوحشيَّةٍ ظاهرة، مُستغلًّا الاضطرابات القائمة في البلاد البُلغاريَّة والصراع الدائر حول العرش، فحاصر المُدعي بِالحق فيه ميخائيل آسين في دراستر سنة [[1279]]م، وأعدم زعيم المُتمردين والمُتسلِّط على العرش البُلغاري «إيڤاليو» سنة [[1280]]م، وأجبر الإمبراطور الفعلي «جرجس الترتري» على اللُّجُوء إلى الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة. وفي سنة [[1284]]م أدخل نوقاي بلدة «إسحٰقجة» تحت الحُكُم المغولي بعد غزوةٍ كبيرةٍ لِلبلاد، وضُربت فيها السكَّة باسم الخان.<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|الأخير=Curta|الأول=Florin|عنوان=Southeastern Europe in the Middle Ages, 500-1250|مسار=https://books.google.com/books?id=YIAYMNOOe0YC&pg=PA414|سنة=2006|ناشر=Cambridge University Press|isbn=978-0-521-81539-0|صفحة=414| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20191110163330/https://books.google.com/books?id=YIAYMNOOe0YC | تاريخ أرشيف = 10 نوفمبر 2019 }}</ref><ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب |صفحة=130|الأخير=Howorth |الأول=Sir Henry Hoyle |عنوان=History of the Mongols: From the 9th to the 19th Century |مسار= https://books.google.com/books?id=gJsUAQAAIAAJ&pg=PP1 |سنة=1880 |ناشر=Burt Franklin |مكان=New York|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20160723052149/https://books.google.com/books?id=gJsUAQAAIAAJ|تاريخ أرشيف=2016-07-23}}</ref> وفي سنة [[1292]]م، دعم نوقاي أحد النُبلاء البُلغار المدعو «سميلتز» حتَّى تربَّع على العرش وأطاح بِجرجس الترتري،<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب| عنوان = The Late Medieval Balkans, A Critical Survey from the Late Twelfth Century to the Ottoman Conquest| الأخير = Fine| الأول = J.| صفحة=228 | سنة = 1987| ناشر = [[:en:University of Michigan Press|University of Michigan Press]]| isbn = 0-472-10079-3| التسجيل = registration| مسار = https://archive.org/details/latemedievalbalk00fine| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200419151144/https://archive.org/details/latemedievalbalk00fine | تاريخ أرشيف = 19 أبريل 2020 }}</ref> فمثَّل عهد سميلتز ذروة الهيمنة المغوليَّة في بُلغاريا. كما أجبر المغول الملك الصربي «أسطفان ميلوتين» على الخُضُوع لهم، وأن يُرسل ابنه «أسطفان ديانسكي» رهينةً إلى بلاط نوقاي سنة [[1287]]م.<ref group="ْ">{{استشهاد بدورية محكمة|الأول=Aleksandar |الأخير=Uzelac |صحيفة=Revista de Istorie Militară |سنة=2011 |العدد=5/6 |صفحات=13–14|عنوان=Tatars and Serbs at the End of the Thirteenth Century}}</ref><ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب |الأول=István |الأخير=Vásáry |عنوان=Cumans and Tatars: Oriental Military in the Pre-Ottoman Balkans, 1185–1365 |مسار=https://archive.org/details/cumanstatarsorie00vsry |ناشر=Cambridge University Press |سنة=2005|صفحات=[https://archive.org/details/cumanstatarsorie00vsry/page/n104 88]–89}}</ref> وفي سنة [[684 هـ|684هـ]] المُوافقة لِسنة [[1285]]م، رغب تدان منگو بِمُجاهدة وقتال الممالك المسيحيَّة المُجاورة لِدولته، فأرسل قائده نوقاي على رأس حملاتٍ عسكريَّةٍ لِغزو بعض البُلدان الأوروپيَّة، فغزا المجر بِالاشتراك مع «تلابوقا»، وأجبرا الأُمراء الغاليسيين على السير معهما إلى الحرب، غير أنَّ الحملة انتهت بِكارثة، إذ تعرَّض الجيش المغولي لِلدمار على يد المجريين بحيثُ اضطرَّ تلابوقا إلى الانسحاب مع النساء والأطفال سيرًا على الأقدام.<ref name="طقوش6">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1=[[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ مغول القبيلة الذهبيَّة والهند|طبعة= الأولى|صفحة= 50|سنة= [[1428 هـ|1428هـ]] - [[2007]]م|ناشر=دار النفائس|تاريخ الوصول=[[4 أبريل|4 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان=[[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/details/tar.mghoul.al.qbila/page/n50/mode/2up|isbn = 9789953184364| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200419163652/https://archive.org/details/tar.mghoul.al.qbila/page/n50/mode/2up | تاريخ أرشيف = 19 أبريل 2020 }}</ref> في ذلك الوقت ازداد تأثير نوقاي وسُلطته داخل خانيَّة القبيلة الذهبيَّة، فقد لجأ إليه الأمير ديمتري بن إسكندر الپيريسلاڤلي لِطلب المُساعدة ضدَّ أخيه أندراوس، المدعوم من طرف الخان تدان منگو، الذي أجلسه على عرش إمارته وفرَّق شمل جُنُود ديمتري، فطلب الأخير من نوقاي أن يتدخَّل لِمصلحته، فاستجاب لِطلبه وأرسلهُ على رأس حملةٍ عسكريَّةٍ تمكَّنت من خلع شقيقه وتنصيبه مُجددًا على عرش إمارة ڤلاديمير، واضطرَّ تدان منگو، الذي كان يخشى سطوة نوقاي، إلى الاعتراف به حاكمًا على سوزدال، وخضع لهُ سُكَّان نوڤغورود.<ref name="طقوش6"/>
[[ملف:Nogai flag.svg|تصغير|يمين|راية نوقاي خان.]]
وفي سنة [[686 هـ|686هـ]] المُوافقة لِسنة [[1287]]م، اعتزل تدان منگو الحياة السياسيَّة وانقطع لِلعبادة والزُّهد ومُصاحبة [[درويش|الدراويش]] والمشايخ والصالحين، وقنع بِاليسير من الرزق، ورشَّح ابن أخيه تلابوقا بن منگو تيمور لِخلافته، فوافق أركان الدولة والأُسرة الحاكمة على ذلك.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[تقي الدين المقريزي|المقريزي، تقيّ الدين أبو العبَّاس أحمد بن علي بن عبد القادر]]|عنوان= السُلُوك لِمعرفة دُول المُلُوك|طبعة= الأولى|صفحة= 200|المجلد=الجُزء الثاني|سنة= [[1418 هـ|1418هـ]] - [[1997]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|تاريخ الوصول= [[18 أبريل|18 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://shamela.ws/book/6667/660|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200419161816/https://al-maktaba.org/book/6667/660|تاريخ أرشيف=[[18 أبريل|18 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م}}</ref> انغمس تلابوقا في الأحداث السياسيَّة التي جرت في الدولة الإلخانيَّة، فعلى أثر مقتل الإلخان المُسلم [[أحمد تكودار]] واعتلاء [[أرغون خان]] [[البوذية|البوذي]] عرش الدولة، تصادمت التوجُّهات الدينيَّة لِكُلٍّ من الدولتين المغوليتين، ورغب تلابوقا بِالثأر لِنسيبه المُسلم، فأرسل حملتين عسكريتين إلى إيران، خرجت أوَّلها في [[14 ربيع الآخر]] [[688 هـ|688هـ]] المُوافق فيه [[7 مايو|7 أيَّار (مايو)]] [[1289]]م، والأُخرى في جُمادى الأولى [[689 هـ|689هـ]] المُوافق فيه أيَّار (مايو) [[1290]]م، لكنَّها فشلت في تحقيق أيِّ نصرٍ على الإلخانيين.<ref group="ْ">{{استشهاد|الأخير=Vernadsky|الأول=George|سنة=1953|عنوان=The Mongols and Russia|ناشر=Yale University Press|صفحة=178}}</ref> وغزا تلابوقا بلاد الشركس بِالاشتراك مع نوقاي، فنهب وقتل ثُمَّ عاد، بِفعل دُخُول فصل الشتاء حيثُ تساقط الثلج وتعذَّر سير الجيش على الطُرُقات، فانفصل نوقاي بِقُوَّاته عن الجيش الرئيس وسار إلى مشتاه فوصل سالمًا، في حين عانى تلابوقا وعساكره من وعورة الطُرُق ومسالكها، فهلك مُعظمهم من شدَّة البرد ونفاذ المُؤن، واضطرُّوا إلى أكل دوابهم و[[كلب الصيد|كلاب صيدهم]] ولُحُوم من مات منهم، ولم يسلم منهم إلَّا القليل، فعزَّ ذلك على تلابوقا وتوهَّم أنَّ نوقاي إنَّما فعل ذلك به مكرًا ومكيدةً لِيُهلك عساكره ويُبيد عشائره حتَّى يستقل بِالبلاد، لِذلك أضمر لهُ الغدر وأبطن لهُ الشر، وصمَّم على الفتك به، فاستدعاه بِحُجَّة استشارته في أمرٍ ما. لكنَّ نوقاي فطن لما يُحاك له بِحُكم خبرته في الحُكم والحياة عُمومًا، فأرسل إلى والدة تلابوقا بِأنَّ عنده نصائح يودُّ لو ألقاها إلى الخان في خلوة. فانخدعت المرأة بِمضمون الكِتاب وأشارت على ابنها بِالمُوافقة والاجتماع بقائده والإصغاء إلى نصائحه، فاستجاب لها وفرَّق عساكره، وأرسل إلى نوقاي لِلحُضُور أمامه، فأعدَّ لهُ الأخير كمينًا وفاجأه أثناء الاجتماع بِعساكره، فطوَّقوه وقبضوا عليه، وسلَّمه نوقاي مع إخوته الذين كانوا معه إلى طُقطاي بن منگو تيمور، فقتلهم بِحُجَّة أنَّ تلابوقا اغتصب مُلك أبيه، وكان ذلك في سنة [[690 هـ|690هـ]] المُوافقة لِسنة [[1291]]م.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن خلدون|ابن خلدون، أبو زيد عبد الرحمٰن بن مُحمَّد الحضرمي]]|عنوان= ديوان المُبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر|طبعة= الأولى|المجلد=الجُزء الخامس|صفحة= 604 - 605|سنة= [[1421 هـ|1421هـ]] - [[2000]]م|ناشر= دار الفكر|تاريخ الوصول= [[11 أبريل|11 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://ia600207.us.archive.org/30/items/waqtkhldon/tkhldon5.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200110134016/http://ia600207.us.archive.org/30/items/waqtkhldon/tkhldon5.pdf | تاريخ أرشيف = 10 يناير 2020 }}</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= الرمزي، مُحمَّد مُراد مكِّي|عنوان= تلفيق الأخبار وتلقيح الآثار في وقائع قزان وبُلغار ومُلُوك التتار|طبعة= الأولى|صفحة= 462 - 463|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|تاريخ الوصول= [[18 أبريل|18 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|المجلد=الجُزء الأوَّل|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/stream/takfiqathar/takhbar1#page/n461/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200405210439/https://archive.org/stream/takfiqathar/takhbar1 | تاريخ أرشيف = 5 أبريل 2020 }}</ref> عندما انتهى نوقاي من أمر تلابوقا، أجلس طُقطاي على تخت المُلك ورتَّب أُمُور دولته، وعيَّن إخوته «برلك» و«سراي بُغا» و«تدان» مُساعدين له، ثُمَّ عاد إلى أملاكه لِيستريح من عناء الصراع، غير أنَّهُ خشي من انتقام الأُمراء الذين ساندوا خصمه، فأمر طُقطاي بِالتخلُّص منهم، وكانوا ثلاثة وعشرين أميرًا، فقتلهم جميعًا، فاطمأنَّ بِذلك على وضعه السياسي.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= الرمزي، مُحمَّد مُراد مكِّي|عنوان= تلفيق الأخبار وتلقيح الآثار في وقائع قزان وبُلغار ومُلُوك التتار|طبعة= الأولى|صفحة= 465 - 466|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|تاريخ الوصول= [[18 أبريل|18 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|المجلد=الجُزء الأوَّل|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/stream/takfiqathar/takhbar1#page/n463/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200405210439/https://archive.org/stream/takfiqathar/takhbar1 | تاريخ أرشيف = 5 أبريل 2020 }}</ref>
[[ملف:Булгары3.jpg|تصغير|جانبٌ من نهر يصي.]]
[[ملف:Почти все достопримечательности Болгар на одном кадре - panoramio.jpg|تصغير|تُخُوم بلدة بُلقار حيثُ وقعت المعركة الأولى بين قُوَّات الخان طُقطاي وقُوَّات نوقاي.]]
لم تلبث الأوضاع أن انفجرت في خانيَّة القبيلة الذهبيَّة خِلال سنواتٍ قليلةٍ من اعتلاء طُقطاي العرش، وتحوَّل الأمر إلى حربٍ أهليَّةٍ بِفعل الصراع على النُفُوذ بين طُقطاي ونوقاي المُستبد بِشُؤون الدولة. والواقع أنَّ الخان لم يكن راضيًا عن تصاعد نُفُوذ أميره ولو كان يدين له بِالوُصُول على سُدَّة المُلك، وحتَّى يُضعف من سُلطته عليه تخلَّص من عبء إخوته الذين تطفَّل عليه بهم وجعلهم شُركاءه في الحُكم. وأجَّج هذا الصراع ما أقدم عليه نوقاي من قتل أرملة منگو تيمور في سنة [[693 هـ|693هـ]] المُوافقة لِسنة [[1294]]م بِحُجَّة أنها كانت تتحكَّم بِالمغول في عهد زوجها، وخِلال حُكم تدان منگو وتلابوقا، بِالإضافة إلى سوء مُعاملة ابنيه «جكا» و«تكا» لِزوجة طُقطاي، بيلق خاتون، فأوغرت صدر زوجها عليه وحرَّضته على قتله.<ref name="طقوش7"/> وانتفض مُعظم الأُمراء، خِلال هذا الصراع، من حول طُقطاي بِفعل سوء مُعاملته لهم، وانضمُّوا إلى نوقاي الذي آواهم وأحسن إليهم، ولمَّا طلب طُقطاي منه إعادتهم لِيُحاكمهم، رفض الطلب، فغضب طُقطاي وقرَّر االتخلُّص منه. وفي سنة [[697 هـ|697هـ]] المُوافقة لِسنة [[1298]]م، أرسل طُقطاي رسولًا إلى نوقاي يحملُ محراثًا وسهم نشَّاب وحفنة من التُراب، فلمَّا وصل الرسول وعرض عليه ما يحمل، أدرك فورًا هدف طُقطاي. فالمحراث يرمز إلى اقتلاع نوقاي وأصحابه من الأرض، ويرمز السهم إلى إنزلهم به إلى الأرض إن هم صعدوا إلى الجو، أمَّا التُراب فيرمز إلى اختيار أرض القتال.<ref name="طقوش7">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1=[[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ مغول القبيلة الذهبيَّة والهند|طبعة= الأولى|صفحة= 63 - 65|سنة= [[1428 هـ|1428هـ]] - [[2007]]م|ناشر=دار النفائس|تاريخ الوصول=[[4 أبريل|4 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان=[[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/details/tar.mghoul.al.qbila/page/n63/mode/2up|isbn = 9789953184364| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200420020642/https://archive.org/details/tar.mghoul.al.qbila/page/n63/mode/2up | تاريخ أرشيف = 20 أبريل 2020 }}</ref> وردَّ نوقاي بِرسالةٍ أعلن فيها استعداده لِلحرب. اشتبك الطرفان عسكريًّا على مرحلتين: جرت الأولى في سنة [[697 هـ|697هـ]] المُوافقة لِسنة [[1298]]م على نهر يصي عند كندلان في بلاد سقسين وبُلقار، وأسفرت عن انتصار نوقاي. وتراجع طُقطاي في جو الهزيمة القاتم باتجاه نهر الطونة (الدانوب)، فعبره مع من نجا من جُنده، فغرق بعضهم في النهر، ولم يُطارده نوقاي، وأمر بِعدم الإجهاز على الجرحى، واكتفى بِأخذ الغنائم والسبايا وعاد إلى بلاده، غير أنَّهُ ثبَّت أقدامه في شبه جزيرة القرم ونواحيها. وحدث في سنة [[699 هـ|699هـ]] المُوافقة لِسنة [[1300]]م أن دبَّ الخلاف بين نوقاي وبين أُمرائه، فانحازت جماعة منهم إلى طُقطاي ومعهم ثلاثون ألف مُقاتل، وقد شكَّلوا قُوَّةً ذات بأس، الأمر الذي أعطى طُقطاي مزيدًا من القُوَّة، فاستغلَّها، وجدَّد الحرب لِلأخذ بِثأره واسترداد ما استولى عليه نوقاي من أراضيه في الجولة الأولى. وجرى قتالٌ بين الطرفين انتهى بِهزيمة نوقاي وتفرُّق جُنده، وقُبض عليه بعد المعركة وقُتل على يد مُقاتلٍ روسيٍّ في صُفُوف طُقطاي.<ref name="طقوش7"/> بعد هذا أقدم طُقطاي على قتل أبناء نوقاي الذين حاولوا استرداد مُلك أبيهم، واستصفى أملاكهم ووزَّعها على ولديه، مُعيدًا بِذلك الوحدة السياسيَّة إلى بلاد القبيلة الذهبيَّة.<ref name="طقوش7"/><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[بدر الدين العيني|العيني، أبو مُحمَّد بدر الدين محمود بن أحمد بن موسى الحنفي]]|عنوان= عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان|صفحة= 405|تاريخ الوصول= [[20 أبريل|20 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200420021354/https://al-maktaba.org/book/380/405|تاريخ أرشيف=[[20 أبريل|20 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م |مسار= https://shamela.ws/book/380/405#p1}}</ref> كان اعتلاء طُقطاي واستقراره على العرش المغولي في بلاد القفجاق حدثًا نوعيًّا في تاريخ مغول القبيلة الذهبيَّة، كونها كانت المرَّة الأولى التي يُرفع فيها الخان إلى السُلطة نتيجة حربٍ أهليَّة، وشكَّلت هذه الظاهرة مدخلًا لِلصراعات الداخليَّة في المُستقبل، الأمر الذي أدَّى إلى ضعف الدولة ومن ثُمَّ زوالها.

=== بُرُوز الإمارة المسكوبيَّة على المسرح السياسي ===
[[ملف:Moskovskiy Kreml pri Ivane Kalite.jpg|تصغير|يمين|رسمٌ لِما كانت عليه مدينة [[موسكو|مسكوب (موسكو)]] عاصمة عُمُوم الروس فيما بعد.]]
نعمت الإمارات الروسيَّة، في ظل حُكم المغول، بشيءٍ من الاستقلال الداخلي من دون أن يتنكَّر حُكَّامها لِماضيهم أن يبتعدوا عن تقاليدهم، على عكس ما جرى في الولايات الواقعة في الجنوب والجنوب الغربي. وقد نشبت بين هذه الإمارات نزاعات داخليَّة حادَّة، دفع بعضها إلى التماس المُساعدة إمَّا من المغول أو من [[بولنديون|البولونيين]] و[[ليتوانيون|الليتوانيين]]، غير أنَّ المغول، وخُرُوجًا على توجُههم السياسي، لم يُشجِّعوا كثيرًا حركة الانقسام هذه، وفي ظل هذه الظُرُوف فتُرت العلاقة المغوليَّة - الروسيَّة، لِأنَّ الأُمراء الروس راحوا يهزأون بِالمُوظفين المغول، وكثُر اللُصُوص الذين كانوا يُمارسون أعمال السلب والنهب بِشكلٍ واسعٍ، فكان نتيجة ذلك، أن قلَّت الضرائب والعائدات التي كان يُحصِّلها الجُباة المغول الذين لم يعد لديهم القُوَّة الكافية لِتنفيذ طلبات الخوانين. وهكذا برزت فكرة إدارة شُؤون الضرائب وإعطائها لِلروس أنفسهم،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[برتولد شبولر|شپولر، برتولد]]|مؤلف2= نقله إلى العربيَّة الأستاذ خالد أسعد عيسى|عنوان= العالم الإسلامي في العصر المغولي|طبعة= الأولى|صفحة= 98|سنة= [[1402 هـ|1402هـ]] - [[1982]]م|ناشر= دار حسَّان لِلطباعة والنشر|تاريخ الوصول= [[23 أبريل|23 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[دمشق]] - [[سوريا]]|مسار= https://archive.org/details/Book_289/page/n97/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200422213250/https://archive.org/details/Book_289/page/n97/mode/2up | تاريخ أرشيف = 22 أبريل 2020 }}</ref> وتبسيطًا لِلأُمُور، أن يختاروا من هذه الإمارات واحدة تتولَّى الصدارة وتُمارس السيطرة، فتنعم بِعطفهم ومُؤازرتهم، ويعهدون إليها بِجباية الضرائب والرُسُوم المفروضة وتحصيل الجزية، شرط أن تُخلص لهم. وقد أوتي [[قائمة الملوك الروس|أُمراء المسكوب]] من الكياسة السياسيَّة والمهارة في السُلُوك والإدارة ما أكسبهم عطف المغول، فسلَّموهم جباية الضرائب والجزية، كما أقنعوهم بِتثبيتهم أُمراء وراثيين لِمسكوب، بعد أن أجبروا بقيَّة الأُمراء الروس على الخُضُوع التام لهم، هذا على الرُغم من أنَّ [[دوقية موسكو الكبرى|إمارة المسكوب]] لم تكن الأقوى ولا الأكبر من بين الإمارات الروسيَّة، ولم يُعارض أي خانٍ مغوليّ هذا الإجراء، بعد أن شعر الخوانين المغول بِالاطمئنان، في ظلِّ هؤلاء الأتباع المسكوبيين، وكان [[دانييل ألكسندروفيتش|دانيال]]، الأخ الأصغر لِأندراوس، يحكم إمارة المسكوب، وكان شُجاعًا، حسن التدبير.<ref name="طقوش8">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1=[[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ مغول القبيلة الذهبيَّة والهند|طبعة= الأولى|صفحة= 61 - 62|سنة= [[1428 هـ|1428هـ]] - [[2007]]م|ناشر=دار النفائس|تاريخ الوصول=[[4 أبريل|4 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان=[[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/details/tar.mghoul.al.qbila/page/n61/mode/2up|isbn = 9789953184364| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200422223053/https://archive.org/details/tar.mghoul.al.qbila/page/n61/mode/2up | تاريخ أرشيف = 22 أبريل 2020 }}</ref> وفي سنة [[701 هـ|701هـ]] المُوافقة لِسنة [[1302]]م تُوفي إيڤان، أمير بيريسلاڤ وديميتروڤ، وكانت إمارته الثانية من حيث القُوَّة وعدد السُكَّان بعد إمارة دانيال الذي ضمَّ، إلى إمارته مسكوب، إمارة ريازان إثر تغلُّبه على أميرها قُسطنطين، والمعروف أنَّهُ قبض عليه وسجنه مُدَّة ستَّة أعوام إلى أن تُوفي في سجنه في سنة [[707 هـ|707هـ]] المُوافقة لِسنة [[1308]]م.<ref name="طقوش8"/><ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= Howorth, Henry H. |عنوان= textsHistory of the Mongols, from the 9th to the 19th century|صفحة= 144|سنة= [[1880]]|ناشر= Longmans, Green, and Co.|تاريخ الوصول= [[22 أبريل|22 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= London|مسار= https://archive.org/details/historyofmongols21howo/page/144/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200422230312/https://archive.org/details/historyofmongols21howo/page/144/mode/2up | تاريخ أرشيف = 22 أبريل 2020 }}</ref>

أثار توسُّع إمارة المسكوب الأمير أندراوس، حاكم نوڤغورود، فرأى أن يستعين بِالمغول ضدَّ أخيه، فذهب إلى سراي من أجل هذه الغاية، وبعد مُكُوثه مُدَّة سنة في البلاط المغولي عاد ومعهُ منشورٌ من الخان بِتحقيق السلام بين الإمارات الروسيَّة، وذلك في سنة [[702 هـ|702هـ]] المُوافقة لِسنة [[1303]]م. وحدث في سنة [[703 هـ|703هـ]] المُوافقة لِسنة [[1304]]م أن تُوفي أندراوس الذي اتصف عهده بِالمحن والشدائد التي ألمَّت بِالإمارات الروسيَّة، إمَّا على يد المغول أو نتيجة النزاعات الداخليَّة، وشكَّل موته حدثًا أكثر إيلامًا بِفعل نُشُوب حرب الوراثة بين حفيده [[يوري موسكو|يوري]] أمير المسكوب وعمِّه ميخائيل أمير [[تفير|تڤير]]. واستنادًا إلى نظام الوراثة الروسي، فإنَّ الآخر هو الوريث الشرعي، غير أنَّ الأوَّل لم يعترف بِذلك. ورُفعت القضيَّة إلى المغول لِلفصل فيها، فجاء القرار لِمصلحة ميخائيل، فسار هذا إلى مسكوب لِحرب ابن أخيه وحاصرها مرَّتين من دون جدوى، حتَّى أقنع نفسه أخيرًا بِحُكم إمارته. وهكذا بدأت إمارة المسكوب تشق طريقها نحو البُرُوز على مسرح السياسة في الروسيا، لِتتزعَّم بعد ذلك الإمارات الروسيَّة و[[روسيا القيصرية|تُوحِّدُها]]، في خُطوةٍ مُلفةٍ، لِطرد المغول من البلاد.<ref name="طقوش8"/>

=== عودة السلام العام وبُلُوغ الإسلام ذُروته بين المغول ===
[[ملف:Мечеть Узбека.JPG|تصغير|مسجد أوزبك خان بِالقرم، بُني سنة 1314م.]]
ضرب جفافٌ شديد المناطق المُحيطة بِبحر البنطس (الأسود) بدايةً من سنة [[1300]]م إلى سنة [[1303]]م، فسمح طُقطاي لِأتباع نوقاي السابقين العيش في أرضه، وطالب نسيبه إلخان فارس [[محمود غازان]] وخليفته [[محمد أولجايتو|مُحمَّد أولجايتو]] بِإرجاع أذربيجان إلى خانيَّة القبيلة الذهبيَّة، لكنهما رفضا ذلك، فطلب المُساعدة من المماليك ضدَّ [[الدولة الإلخانية|الدولة الإلخانيَّة]]، لكنَّ السُلطان [[الناصر ناصر الدين محمد بن قلاوون|الناصر مُحمَّد بن قلاوون]] رأى أنَّ مصلحة بلاده تقضي عليه بِرفض الطلب لِأنَّهُ عقد صُلحًا حديثًا مع أولجايتو، وليس من المصلحة أن ينقضه، وأنَّهُ إن حدث ما يستوجب ذلك عمل على تلبية طلب طُقطاي.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= سُرُور، مُحمَّد جمال الدين|عنوان= دولة بني قلاوون في مصر: الحالة السياسيَّة والاقتصاديَّة في عهدها بِوجهٍ خاص|صفحة= 218|ناشر= دار الفكر العربي|تاريخ الوصول= [[23 أبريل|23 نيسان (أبريل)]] [[2020]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://archive.org/details/Book_28/page/n217/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200423000505/https://archive.org/details/Book_28/page/n217/mode/2up | تاريخ أرشيف = 23 أبريل 2020 }}</ref> أمام هذا الواقع، أوفد طُقطاي بعثة سلامٍ إلى إيران وصالح نسيبه الإلخان، واستمرَّ الصُلح قائمًا بين الدولتين دون انقطاع حتَّى سنة [[1318]]م.<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|الأخير=Boyle|الأول=J. A.|مؤلف-وصلة=:en:John Andrew Boyle|عنوان=The Cambridge History of Iran|مسار الفصل=https://books.google.com/books?id=16yHq5v3QZAC&pg=PA374|سنة=1968 |محرر-الأخير=Boyle |محرر-الأول=J. A. |ناشر=Cambridge University Press|isbn=978-0-521-06936-6|صفحة=374|الفصل=Dynastic and Political History of the Il-Khans}}</ref> وفي سنة [[1304]]م، أعلن سُفراء الحُكَّام المغول الجغطائيين واليوانيين رغبة بلادهم بِإحلال السلام العام مع القبيلة الذهبيَّة، فقبل طُقطاي على الفور، وأقرَّ بِسيادة الخاقان الأعظم وإمبراطور يوان [[تيمور خان]]، فأُعيد فتح جميع طُرق اليام (التناوب البريدي) والشبكات التجارية عبر الدُول المغوليَّة. ويبدو أنَّ تأثير مملكة يوان الصينيَّة ازداد خِلال هذه الفترة في بلاد القبيلة الذهبيَّة، لأنَّ بعض عملات طُقطاي كانت تحملُ نُصُوصًا تبتيَّة مغوليَّة بالإضافة إلى الكتابة المغوليَّة التقليديَّة والأحرف العربيَّة.<ref group="ْ">Badarch Nyamaa – The coins of Mongol empire and clan tamgna of khans (XIII–XIV) (Монеты монгольских ханов), Ch. 2.</ref> تُوفي طُقطاي في رمضان [[712 هـ|712هـ]] المُوافق فيه كانون الثاني (يناير) [[1313]]م إثر مرضٍ ألمَّ به، ولم يخلفه أحدٌ من أولاده، بل آل الأمر إلى ابن أخيه [[أوزبك خان|مُحمَّد أوزبك بن طُغرل شاه]]، الشهير اختصارًا بِأوزبك خان.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن كثير الدمشقي|ابن كثير، عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عُمر القُرشي الدمشقي]]|عنوان= البداية والنهاية|المجلد=الجُزء الرابع عشر|طبعة= السابعة|صفحة= 67 - 68|سنة= [[1410 هـ|1410هـ]] - [[1990]]م|ناشر= مكتبة المعارف|تاريخ الوصول= [[23 أبريل|23 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://ia800206.us.archive.org/27/items/FP158116/14_158122-2.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20191216204627/https://ia800206.us.archive.org/27/items/FP158116/14_158122-2.pdf | تاريخ أرشيف = 16 ديسمبر 2019 }}</ref> أثَّرت الظُرُوف الدينيَّة التي شهدتها خانيَّة القبيلة الذهبيَّة في العُهُود السابقة على أوزبك خان إلى توسيع دائرة انتشار الدين الإسلامي، وتعميق الشُعُور الديني في المُجتمع المغولي، فاعتنق غالبيَّة المغول الإسلام بِمن فيهم مُعظم أُمرائهم، وقد ساعد ذلك، أوزبك على أن يقضي على كُل الديانات غير الإسلاميَّة في بلاده ويجعل من الإسلام دين الدولة الرسمي بِشكلٍ نهائيّ. وكان أوزبك قد اعتنق الإسلام قبل أن يتولَّى عرش خانيَّة القبيلة الذهبيَّة على يد أربعة فُقهاء من [[فرس (قوم)|الفُرس]] هم: سيِّد شيخ مُحمَّد، والشيخ قولقات، والشيخ أحمد، والشيخ حسن قرقان،<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= Howorth, Henry H. |عنوان= textsHistory of the Mongols, from the 9th to the 19th century|صفحة= 172|سنة= [[1880]]|ناشر= Longmans, Green, and Co.|تاريخ الوصول= [[26 أبريل|26 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= London|مسار= https://archive.org/details/historyofmongols21howo/page/172/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200426000414/https://archive.org/details/historyofmongols21howo/page/172/mode/2up | تاريخ أرشيف = 26 أبريل 2020 }}</ref> وفي روايةٍ أنَّهُ اعتنق الإسلام بعد تولِّيه العرش من واقع الاتفاق الذي جرى بينه وبين نائب السلطنة «قطلقتمر»، الذي كان تولَّى تدبير الخانيَّة في حياة طُقطاي خان، فلمَّا مات عمل على تنصيب أوزبك بعد أن عاهده على اعتناق الإسلام، فدخل في هذا الدين راغبًا، واتخذ مسجدًا يُصلِّي فيه الصلوات الخمس في أوقاتها.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن خلدون|ابن خلدون، أبو زيد عبد الرحمٰن بن مُحمَّد الحضرمي]]|عنوان= ديوان المُبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر|طبعة= الأولى|المجلد=الجُزء الخامس|صفحة= 606|سنة= [[1421 هـ|1421هـ]] - [[2000]]م|ناشر= دار الفكر|تاريخ الوصول= [[11 أبريل|11 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://ia600207.us.archive.org/30/items/waqtkhldon/tkhldon5.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200110134016/http://ia600207.us.archive.org/30/items/waqtkhldon/tkhldon5.pdf | تاريخ أرشيف = 10 يناير 2020 }}</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= الرمزي، مُحمَّد مُراد مكِّي|عنوان= تلفيق الأخبار وتلقيح الآثار في وقائع قزان وبُلغار ومُلُوك التتار|طبعة= الأولى|صفحة= 487|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|تاريخ الوصول= [[26 أبريل|26 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|المجلد=الجُزء الأوَّل|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/stream/takfiqathar/takhbar1#page/n485/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200405210439/https://archive.org/stream/takfiqathar/takhbar1 | تاريخ أرشيف = 5 أبريل 2020 }}</ref>
[[ملف:Facial Chronicle - b.07, p.152 - Oz Beg Khan enthroned.jpg|تصغير|مُنمنمة روسيَّة تُصوِّر تربُّع مُحمَّد أوزبك خان على عرش خانيَّة القبيلة الذهبيَّة.]]
بلغت الحركة الإسلاميَّة في بلاد القبيلة الذهبيَّة مراحل مُتقدِّمة من النُموِّ والانتشار مع تربُّع أوزبك خان على تخت المُلك، وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من إحراز النصر النهائي على الديانات الأُخرى. فما أن اعتلى أوزبك خان عرش الخانيَّة، حتَّى أظهر حماسًا شديدًا لِنشر الإسلام، وحرص على تحويل من ظلَّ على [[البوذية|البوذيَّة]] والأرواحيَّة من قومه إلى هذا الدين، وفي خلال سنةٍ واحدةٍ من حُكمه، أرسل رسالةً إلى القاهرة يذكر فيها خُلُوّ بلاد القفجاق من أي وثني.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= الرمزي، مُحمَّد مُراد مكِّي|عنوان= تلفيق الأخبار وتلقيح الآثار في وقائع قزان وبُلغار ومُلُوك التتار|طبعة= الأولى|صفحة= 496|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|تاريخ الوصول= [[26 أبريل|26 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|المجلد=الجُزء الأوَّل|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/stream/takfiqathar/takhbar1#page/n495/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200405210439/https://archive.org/stream/takfiqathar/takhbar1 | تاريخ أرشيف = 5 أبريل 2020 }}</ref><ref name="طقوش9">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1=[[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ مغول القبيلة الذهبيَّة والهند|طبعة= الأولى|صفحة= 68 - 69|سنة= [[1428 هـ|1428هـ]] - [[2007]]م|ناشر=دار النفائس|تاريخ الوصول=[[26 أبريل|26 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان=[[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/details/tar.mghoul.al.qbila/page/n68/mode/2up|isbn = 9789953184364| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200426000430/https://archive.org/details/tar.mghoul.al.qbila/page/n68/mode/2up | تاريخ أرشيف = 26 أبريل 2020 }}</ref> وأضحى أوزبك أوَّل حاكمٍ مُسلمٍ في سلسلةٍ كاملةٍ من الخوانين المُسلمين، وكان عمله هذا خُطوة حاسمة لم يسبق لها مثيل في تاريخ المغول مُنذُ نُشوئهم، لِأنَّ انتصار الإسلام في بلاد القفجاق يختلف في أثره عن انتصاره بين مغول إيران، فبينما شارك الحُكَّام المغول في إيران شعبهم وسايروه في اعتناق هذا الدين، يُلاحظ أنَّ حُكَّام القبيلة الذهبيَّة لم يفعلوا ذلك.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[برتولد شبولر|شپولر، برتولد]]|مؤلف2= نقله إلى العربيَّة الأستاذ خالد أسعد عيسى|عنوان= العالم الإسلامي في العصر المغولي|طبعة= الأولى|صفحة= 99|سنة= [[1402 هـ|1402هـ]] - [[1982]]م|ناشر= دار حسَّان لِلطباعة والنشر|تاريخ الوصول= [[26 أبريل|26 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[دمشق]] - [[سوريا]]|مسار= https://archive.org/details/Book_289/page/n99/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200426000424/https://archive.org/details/Book_289/page/n99/mode/2up | تاريخ أرشيف = 26 أبريل 2020 }}</ref> أراد أوزبك أن يجعل من نفسه ومن أُسرته مثالًا يحتذي به المغول كافَّةً في حُبِّهم لِلإسلام والإخلاص له، والعمل على نشره وتطبيق تعاليمه، فتمسَّك بِالشريعة الإسلاميَّة، وداوم على الصلاة والصيام،<ref name="القلقشندي"/> واتَّخذ لِنفسه اسمًا ولقبًا إسلاميًّا ظهر على العملة التي سكَّها في عهده، مُنذُ سنة [[713 هـ|713هـ]] المُوافقة لِسنة [[1314]]م، ونقش عليها «غيَّاثُ الدين أوزبك خان»، و«مُحمَّد أوزبك خان»، و«أوزبك خان العادل»، كما اتخذ لِنفسه زيًّا إسلاميًّا، وخلع السرآجوقات{{للهامش|4}} ولبس حزامًا من الفولاذ عوض الذهب،<ref name="طقوش9"/><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن تغري|ابن تغري بردي، أبو المحاسن جمالُ الدين يُوسُف بن عبد الله الأتابكي اليشبقاوي الظاهري]]|عنوان= النُجُوم الزاهرة في مُلُوك مصر والقاهرة|صفحة= 74|سنة= [[1383 هـ|1383هـ]] - [[1963]]م|ناشر= [[وزارة الثقافة (مصر)|وزارة الثقافة والإرشاد القومي]]|تاريخ الوصول= [[26 أبريل|26 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|المجلد=الجُزء العاشر|مكان= [[القاهرة]] - [[الجمهورية العربية المتحدة|مر]]|مسار= https://ia600200.us.archive.org/24/items/FP159836/10_159840-2.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200426003653/https://ia600200.us.archive.org/24/items/FP159836/10_159840-2.pdf | تاريخ أرشيف = 26 أبريل 2020 }}</ref> وأجبر زوجته «بليون خاتون»، ابنة الإمبراطور البيزنطي [[أندرونيكوس الثاني باليولوج|أندرونيقوس الثاني]] على اعتناق الإسلام. وعهد إلى السيِّد الشريف ابن عبد الحميد بِالإشراف على تربية ابنه «جاني بك» حتَّى يشبّ على الإسلام، ويُنشَّأ نشأة دينيَّة. كما أنَّ زوجته «كيك خاتون» كانت تقرأ القُرآن، وقد رآها ابن بطُّوطة تفعل ذلك عندما زارها، وهذا معناه أنها كانت تعرف العربيَّة، ثُمَّ إنَّ مجلس «إيت كُجُك»، ابنة أوزبك، لم يكن ينعقد إلَّا بِحُضُور القُضاة والسيِّد الشريف ابن عبد الحميد وطلبة العلم والمشايخ والفُقهاء.<ref name="طقوش9"/><ref name="ابن بطوطة">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن بطوطة|ابن بطُّوطة، مُحمَّد بن عبد الله بن مُحمَّد اللواتي الطنجي]]|عنوان= تُحفة النظَّار في غرائب الأمصار|طبعة= الأولى|صفحة=338 - 344|سنة= [[1407 هـ|1407هـ]] - [[1987]]م|المجلد=الجُزء الأوَّل|ناشر= دار إحياء العُلُوم|تاريخ الوصول= [[5 أبريل|5 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://download-library-pdf-ebooks.com/18013-free-book |مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200405195458/https://download-library-pdf-ebooks.com/18013-free-book|تاريخ أرشيف=[[5 أبريل|5 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م}}</ref> وكان مجلس الخان مُحمَّد أوزبك نفسه، ومجالس وُلاة دولته، لا يتم انعقادها إلَّا بِحُضُور الفُقهاء والعُلماء والأشراف، ولا يتم التقاضي إلَّا بِحُضُورهم. فكان القاضي يحكم في القضايا الشرعيَّة، ويحكم الأُمراء في غير ذلك من القضايا. والمعروف أنَّ ابن بطُّوطة زار بلاد القفجاق أثناء حُكم أوزبك خان ووصف بلاده وما رآه فيها من التزام الناس وتمسُّكهم بِالإسلام ومُداومتهم على الصلاة وتطبيق تعاليمه، وحُبِّهم لِشعائره.<ref name="طقوش9"/><ref name="ابن بطوطة"/>

والواقع أنَّ الحركة الإسلاميَّة وصلت إلى ذُروتها في عهد أوزبك خان، وانتشر الإسلام بين مغول القبيلة الذهبيَّة، سواء في المُدُن أو في الريف أو في الصحراء. ودخل الإسلام في عهده إلى جنوبي الروسيا، وأسلم في عهده كثيرٌ من سُكَّان [[سيبيريا]]، بِفعل نشاطة في نشر الإسلام، بِالإضافة إلى عوامل أُخرى تتعلَّق بِالنشاط الإسلامي المُتنامي في بلاد ما وراء النهر وتُركستان، ومن المُحتمل أنَّ قبائل [[أوزبك|الأوزبك]]، التي تعيش وراء [[جبال الأورال]]، تحوَّلت إلى الإسلام في عهده وتسمَّت باسمه.<ref name="طقوش9"/><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= الرمزي، مُحمَّد مُراد مكِّي|عنوان= تلفيق الأخبار وتلقيح الآثار في وقائع قزان وبُلغار ومُلُوك التتار|طبعة= الأولى|صفحة= 493|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|تاريخ الوصول= [[26 أبريل|26 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|المجلد=الجُزء الأوَّل|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/stream/takfiqathar/takhbar1#page| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200405210439/https://archive.org/stream/takfiqathar/takhbar1 | تاريخ أرشيف = 5 أبريل 2020 }}</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[فاسيلي بارتولد|بارتولد، ڤاسيلي ڤلاديميروڤتش]]|مؤلف2= ترجمة: د. أحمد السعيد سُليمان|عنوان= تاريخ التُرك في آسيا الوُسطى|صفحة= 198|سنة= [[1996]]|ناشر= [[الهيئة المصرية العامة للكتاب|الهيئة المصريَّة العامَّة لِلكتاب]]|تاريخ الوصول= [[26 أبريل|26 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://archive.org/details/65656_201702/page/n199/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200426030346/https://archive.org/details/65656_201702/page/n199/mode/2up | تاريخ أرشيف = 26 أبريل 2020 }}</ref> كما أثَّر اعتناق أوزبك الدين الإسلامي، بِشكلٍ كبير، في استمرار وتطوير العلاقة الوديَّة بينه وبين السُلطان المملوكي الناصر مُحمَّد، فتوطَّدت العلاقة بينهما بِالمُصاهرة، إذ تزوَّج السُلطان الناصر بِـ«دُلنبية خاتون» وقيل «طولونية خاتون»، المُتحدرة من نسل بركة خان، ووصلت إلى ثغر [[الإسكندرية|الإسكندريَّة]] في ربيع الأوَّل 720هـ المُوافق فيه نيسان (أبريل) 1320م، وعقد السُلطان عليها في [[قلعة صلاح الدين الأيوبي (القاهرة)|قلعة الجبل]] يوم الإثنين [[6 ربيع الآخر]] [[720 هـ|720هـ]] المُوافق فيه [[15 مايو|15 أيَّار (مايو)]] [[1320]]م.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[شهاب الدين النويري|النويري، شهاب الدين أحمد بن عبد الوهَّاب بن مُحمَّد]]|عنوان= نهاية الإرب في فنون الأدب|المجلد=الجُزء الثاني والثلاثون|طبعة= الأولى|صفحة= 250 - 252|سنة= [[1424 هـ|1424هـ]] - [[2004]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://ia600607.us.archive.org/33/items/waq66201/15-32_66215.pdf|isbn = 2745138839| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200426160427/https://ia600607.us.archive.org/33/items/waq66201/15-32_66215.pdf | تاريخ أرشيف = 26 أبريل 2020 }}</ref>

=== ضم أذربيجان ===
[[ملف:Orhan I area map-ar.png|تصغير|خريطة تُصوِّرُ المدى الذي بلغته الدولة العُثمانيَّة في عهد أورخان بن عُثمان، وسيطرتها التامَّة على الدردنيل.]]
تُوفي أوزبك خان سنة [[630 هـ|630هـ]] المُوافقة لِسنة [[1330]]م، وخلفه ابنه جاني بك الذي حقَّق النصر النهائي لِلإسلام في بلاد القبيلة الذهبيَّة، فاتخذ اسم «جلال الدين محمود جاني بك»، وأصرَّ على أن يلبس جميع المغول في بلاده [[عمامة|عمائم]] وفرجيَّات كالتي يلبسها المُسلمون في مصر والشَّام، ولم يكن لِلمغول قبل ذلك عادة بِلبس هذا الزي، كما أظهر تعاطفًا وحُبًّا لِلعُلماء، فكان يحضر مجالسهم، وأصبحت بلاده مأوى لهم ولِلفُقهاء من كُلِّ أنحاء [[العالم الإسلامي|ديار الإسلام]]، فامتلأت سراي بهم.<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= Howorth, Henry H. |عنوان= textsHistory of the Mongols, from the 9th to the 19th century|صفحة= 173|سنة= [[1880]]|ناشر= Longmans, Green, and Co.|تاريخ الوصول= [[26 أبريل|26 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= London|مسار= https://archive.org/details/historyofmongols21howo/page/172/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200426000414/https://archive.org/details/historyofmongols21howo/page/172/mode/2up | تاريخ أرشيف = 26 أبريل 2020 }}</ref> وكانت الدولة الإلخانيَّة، حينما تولَّى جاني بك عرش آبائه وأجداده، قد انهارت وتفكَّكت إلى عدَّة دُويلات بعد وفاة آخر حُكَّامها [[أبو سعيد بهادر خان|أبو سعيد بهادُر خان]]، ومن تلك الدُويلات الدولة الجوبانيَّة في أذربيجان. وفي سنة [[758 هـ|758هـ]] المُوافقة لِسنة [[1357]]م، قام جاني بك بِحملةٍ على أذربيجان لِانتزاعها من أيدي الأُمراء الجوبانيين، ولعلَّ لِذلك علاقة بِنُمُوِّ [[الدولة العثمانية|الدولة العُثمانيَّة]] وتوسُّعها في أوروپَّا وسيطرتها عسكريًّا على [[الدردنيل|مضيق الدردنيل]] في عهد [[أورخان غازي|أورخان بن عُثمان]]. حصل ذلك في الوقت الذي تدهورت فيه أوضاع [[الإمبراطورية البيزنطية|الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة]] بعد وفاة الإمبراطور [[أندرونيكوس الثالث باليولوج|أندرونيقوس الثالث]] في سنة [[742 هـ|742هـ]] المُوافقة لِسنة [[1341]]م حيثُ عانت من الحُرُوب الأهليَّة والصراع الداخلي على السُلطة بين زُعماء اعتراهم الوهن، وفقدت بيزنطة نُفُوذُها في السيطرة على التجارة وحركة المُرُور في مضيق الدردنيل، الأمر الذي أثَّر سلبًا على أوضاع مغول القبيلة الذهبيَّة الذين حُرموا من الوُصُول إلى البحر المُتوسِّط، والاشتراك في التجارة الدُوليَّة مع أوروپَّا بعد أن تقاطعت مصالحهم مع مصالح العُثمانيين.<ref name="طقوش10">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1=[[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ مغول القبيلة الذهبيَّة والهند|طبعة= الأولى|صفحة= 84 - 85|سنة= [[1428 هـ|1428هـ]] - [[2007]]م|ناشر=دار النفائس|تاريخ الوصول=[[26 أبريل|26 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان=[[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/details/tar.mghoul.al.qbila/page/n83/mode/2up/mode/2up|isbn = 9789953184364| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200426233542/https://archive.org/details/tar.mghoul.al.qbila/page/n83/mode/2up/mode/2up | تاريخ أرشيف = 26 أبريل 2020 }}</ref> 
[[ملف:JaniBeg.jpg|تصغير|مُنمنمة قطلونيَّة تُصوِّرُ جاني بك.]]
لم يكن جاني بك مُستعدًا أن يتقبَّل، بِسُهُولة وبِدون تحدٍّ، الخسارة الفادحة لِلجنوب، وإمكان الوُصُول إليه، لِذلك تطلَّع إلى تأمين منافذ أُخرى لِلوُصُول إلى البحر المُتوسِّط. وكانت البلاد الإيرانيَّة تمُرذُ آنذاك بِمراحل تشرذم إثر تفكُّك دولة المغول الإلخانيين، حيثُ الصراع على أشُدَّه بين أُمراءٍ تقاسموا إرث هذه الدولة. وكان [[الملك الأشرف بن تيمورطاش|الملك الأشرف بن تيمورطاش بن جوبان]] يحكم أذربيجان، وقد اتصف بِالظُلم، وقتل العباد، ونهب الأموال، وإهانة العُلماء والزُّهَّاد، الأمر الذي أدَّى إلى هجرة كثيرٍ منهم إلى مناطق الأطراف، كان من بينهم القاضي مُحي الدين البردعي الذي ذهب إلى مدينة سراي والتجأ إلى الخان المغولي، ثُمَّ راح يحُثُّه على مُهاجمة أذربيجان وانتزاعها من الملك الأشرف، وتخليص العباد من ظُلمه.<ref name="طقوش10"/><ref name="الرمزي1">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= الرمزي، مُحمَّد مُراد مكِّي|عنوان= تلفيق الأخبار وتلقيح الآثار في وقائع قزان وبُلغار ومُلُوك التتار|طبعة= الأولى|صفحة= 528 - 532|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|تاريخ الوصول= [[26 أبريل|26 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|المجلد=الجُزء الأوَّل|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار=https://archive.org/stream/takfiqathar/takhbar1#page/n527/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200405210439/https://archive.org/stream/takfiqathar/takhbar1 | تاريخ أرشيف = 5 أبريل 2020 }}</ref> رأى جاني بك في دعوة القاضي فُرصة طيِّبة لِتحقيق تطلُّعاته، فخرج من سراي على رأس جيشٍ بلغ تعداده ما بين ثلاثُمائة إلى سبعُمائة ألف جُندي، قاصدًا مدينة [[تبريز]]، فعبر [[دربند (روسيا)|باب الأبواب]] ونزل في «شنب غازان». وعندما علم الملك الأشرف بِخُرُوجه، توجَّه مع عساكره، البالغ عددهم تسعين ألفًا، إلى [[أوجان (آراغاتسوتن)|أوجان]] لِلتصدي له، ونزل بِساحل نهر مهران، المعروف أيضًا بِنهر «تلخه رود» أو «آجی چای». ولمَّا تقابل الجيشان، هال جُنُودُ الملك الأشرف كثرة عدد جُنُود عدُوِّهم، فخشوا أن يصطدموا بهم، وآثروا الفرار من أرض المعركة. ولحق بهم الملك الأشرف الذي ذُعر هو الآخر، ولحق بِأُسرته في «مرند سوي»، ثُمَّ توجَّه إلى [[خوي]]، والتجأ عند أحد أصدقائه، الشيخ مُحمَّد البالقجي، لكنَّ هذا الشيخ أخبر سرًا جاني بك بِوُجُود الملك الأشرف في منزله، فأرسل الخان المغولي من قبض عليه وقتله.<ref name="طقوش10"/><ref name="الرمزي1"/> ودخل جاني بك مدينة تبريز، فمكث فيها أربعين يومًا ثُمَّ غادرها إلى أوجان ومنها عاد إلى بلاده، واصطحب معه «تيمورطاش»، ابن الملك الأشرف، وابنته «سُلطان بخت»، وعيَّن ابنه «بردي بك» حاكمًا على المدينة، وترك معهُ حاميةً عسكريَّةً مُؤلَّفةً من خمسة عشر ألف جُندي. والواقع أنَّ الاستيلاء على أذربيجان مهَّد لِجاني بك السبيل لِلاتصال المُباشر بِالشَّام و[[عراق العرب|العراق]]، ولكنَّهُ مع ذلك لم يستغل انتصاره، وترك المنطقة عائدًا إلى بلاده. والراجح أنَّ مُغادرته المنطقة كانت بِسبب [[الموت الأسود|تفشِّي وباء الطاعون]]، بِدليل أنَّ صحَّته اعتلَّت أثناء عودته إلى سراي مُباشرةً، واشتدَّ عليه المرض، وتُوفي فور وُصُوله إلى عاصمته. وفي روايةٍ أنَّ ابنه «بردي بك» قتلهُ خشيةً من شفائه لِأنَّهُ كان طامعًا في الحُكم.<ref name="طقوش10"/>

=== بدء الاضطرابات السياسيَّة والانحدار ===
[[ملف:Facial Chronicle - b.08, p.196 - Murder of Berdi Beg.jpg|تصغير|يمين|مُنمنمة روسيَّة تُصوِّرُ اغتيال بردي بك.]]
عندما علم بردي بك بِوفاة والده، غادر تبريز عائدًا إلى سراي على وجه السُرعة لِيخلفه في الحُكم، وعيَّن «أخي جوق» نائبًا عنه في حُكمها، وخشيةً من مُنافسة إخوته الكثيري العدد، وعندما وصل جلس على عرش مغول القبيلة الذهبيَّة.<ref name="الرمزي2">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= الرمزي، مُحمَّد مُراد مكِّي|عنوان= تلفيق الأخبار وتلقيح الآثار في وقائع قزان وبُلغار ومُلُوك التتار|طبعة= الأولى|صفحة= 532 - 533|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|تاريخ الوصول= [[28 أبريل|28 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|المجلد=الجُزء الأوَّل|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/stream/takfiqathar/takhbar1#page/n531/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200405210439/https://archive.org/stream/takfiqathar/takhbar1 | تاريخ أرشيف = 5 أبريل 2020 }}</ref> وفي عهد هذا الخان تراجع النُفُوذ المغولي القفجاقي عن أذربيجان، وتلاشت إنجازات جاني بك التي حقَّقها في البلاد الإيرانيَّة وذلك على يد الشيخ أويس الجلائري، سُلطان [[جلائريون|الدولة الجلائريَّة]]، الذي طرد «أخي جوق» من تبريز، وضمَّ المدينة وكامل أذربيجان إلى أملاكه.<ref group="ْ">{{استشهاد|الأخير=Vernadsky|الأول=George|سنة=1953|عنوان=The Mongols and Russia|ناشر=Yale University Press|صفحة=208}}</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[عباس إقبال الآشتياني|الآشتياني، عبَّاس إقبال]]|مؤلف2= نقله عن الفارسيَّة: د. مُحمَّد علاء الدين منصور|عنوان= تاريخ إيران بعد الإسلام: من بداية الدولة الطاهريَّة حتَّى نهاية الدولة القاجاريَّة|طبعة= الأولى|صفحة= 555 - 556|سنة= [[1989]]|ناشر= دار الثقافة لِلنشر والتوزيع|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://archive.org/details/Iraan_20161220/page/n557/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200428010313/https://archive.org/details/Iraan_20161220/page/n557/mode/2up | تاريخ أرشيف = 28 أبريل 2020 }}</ref> أمَّا على الصعيد الداخلي، فلم يكن بردي بك محمود السيرة أبدًا، فقد اتصف بِالظُلم والقسوة والفسق، فما ترك أحدًا من إخوته وأقاربه إلَّا قتله خوفًا من أن يُنافسوه على الحُكم، وقيل أنَّ عدد إخوته القتلى بلغ اثني عشر، كما كلَّف الروس من الجزية والخراج ما لا يُطاق، فلم يمر على حُكمه سوى سنتين حتَّى ثار عليه الأُمراء، فوثب أحدهم، ويُدعى «قولپا»، عليه وقتله وجلس مكانه، وذلك في سنة [[760 هـ|760هـ]] المُوافقة لِسنة [[1359]]م. وانتهى، مُؤقتًا، بِمقتله، العصر الذهبي لِمغول القبيلة الذهبيَّة، وانقطع نسب باطو خان لِأنَّ بردي بك لم يخلف ولدًا، وسرى في المُجتمع المغولي القول: «انقطعت رقبة [[جمل عربي|الجمل العربي]] في بردي بك» وكأنَّهم شبَّهوا النسب بِرقبة الجمل من حيث القُوَّة أو الطول.<ref name="الرمزي2"/><ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= Howorth, Henry H. |عنوان= History of the Mongols, from the 9th to the 19th century|صفحة= 180|سنة= [[1880]]|ناشر= Longmans, Green, and Co.|تاريخ الوصول= [[28 أبريل|28 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= London|مسار= https://archive.org/details/historyofmongols21howo/page/180/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200428013106/https://archive.org/details/historyofmongols21howo/page/180/mode/2up | تاريخ أرشيف = 28 أبريل 2020 }}</ref> وبِموت بردي بك، وقع الاختلال في خانيَّة القبيلة الذهبيَّة، وأُصيب البلاط المغولي والدوائر الحاكمة بِاضطرابٍ شديدٍ على مدى أكثر من عشرين عامًا ظهر خِلالها خطر تمزُّق الدولة، فرفع أعدائها رؤوس الاستقلال من كُلِّ جانبٍ لِعدم وُجُود حاكمٍ مُوحَّدٍ يرجعون إليه، واستبدَّ قادة الجُيُوش وأُمراء الأجناد ووُلاة النواحي بِالمُلك في كُلِّ بلدةٍ من تلك البلاد وكُلُّ ناحيةٍ من تلك النواحي، وعظُم نُفُوذُهم حتَّى فاق نُفُوذ الخوانين، فتغلَّب «الحاج شركس» على [[أستراخان]] ونواحيها، و«خضر بك» بِأعالي جايق، و[[بكلربك|البكلربك]] «ماماي» بِالقرم.<ref name="الرمزي2"/> وتولَّى العرش عددٌ من الخوانين لم يكن أحدٌ منهم على مُستوىً يُؤهله لِأن يُمارس الحُكم ويجمع شتات المغول. وكثُر عزل وتولية الخوانين، فلا يكاد الخان يبقى في منصبه أشهُرًا، بل أيَّامًا، حتَّى تُدبَّر مُؤامرة ضدَّه ويتولَّى آخر الحُكم. والواقع أنَّ هذا الوضع المُتدهور نتج عن أسبابٍ منها ما يتصل بِالوضع الداخلي ومنها ما يتعلَّق بِالوضع الخارجي. فعلى الصعيد الداخلي، واجه مغول القبيلة الذهبيَّة ثلاث مُشكلاتٍ خطيرة أثَّرت سلبًا على قُدراتهم، ولم يتمكنوا من تجاوُزها إلَّا بِشق النفس. وأوَّلُ تلك الأسباب هو انتشار مرض الطاعون، خلال مُددٍ زمنيَّةٍ مُتقاربة، ففي سنة [[754 هـ|754هـ]] المُوافقة لِسنة [[1353]]م، تعرَّض وسط آسيا وبلاد الروسيا بِعامَّة لِموجةٍ من تفشِّي هذا المرض الذي أدَّى إلى وفاة كثير من السُكَّان، وبِخاصَّةً في مدينة سراي، وتجدَّد تفشِّي هذا المرض في سنة [[765 هـ|765هـ]] المُوافقة لِسنة [[1364]]م، وأودى بِحياة الكثير من السُكَّان وشلَّ الحياة السياسيَّة والاقتصاديَّة.<ref name="طقوش11">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1=[[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ مغول القبيلة الذهبيَّة والهند|طبعة= الأولى|صفحة= 87 - 89|سنة= [[1428 هـ|1428هـ]] - [[2007]]م|ناشر=دار النفائس|تاريخ الوصول=[[28 أبريل|28 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان=[[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار=https://archive.org/details/tar.mghoul.al.qbila/page/n87/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200502003315/https://archive.org/details/tar.mghoul.al.qbila/page/n87/mode/2up | تاريخ أرشيف = 2 مايو 2020 }}</ref>
[[ملف:Mamai.jpg|تصغير|تمثالُ البكلربك (أمير الأُمراء) ماماي، المُستبد بِحُكم خانيَّة مغول القفجاق لِحوالي عشرين سنة.]]
وأدَّى الانتشار المُتكرِّر لِمرض الطاعون في المنطقة إلى انكماش الحركة التجاريَّة، إذ أحجم التُجَّار الغربيين على سُلُوك القسم الشمالي الغربي من [[طريق الحرير]] التجاري القادم من الصين، الذي كانت خانيَّة القبيلة الذهبيَّة تُسيطر عليه مُنذُ تأسيسها ممَّا أنعش الحركة التجاريَّة لها وقوَّى اقتصادها، كما أنَّ [[سلالة مينغ الحاكمة|أُسرة مينگ]] كانت قد أمسكت بِناصية الحُكم في الصين في سنة [[769 هـ|769هـ]] المُوافقة لِسنة [[1368]]م، وقام الصينيُّون بِطرد كافَّة المغول من بلادهم وقلَّصوا حركة التجارة مع العالم الخارجي. كما دبَّ النزاع بين [[جمهورية جنوة|الجنويين]] و[[جمهورية البندقية|البنادقة]] حول مدينة [[آزوف|آزاق]] [[بحر آزوف|الساحليَّة]]، في الوقت الذي سيطر فيه العُثمانيُّون على مدينة [[كليبولي|گليپولي]] المُهمَّة في [[الروملي|الروملِّي]] في سنة [[758 هـ|758هـ]] المُوافقة لِسنة [[1357]]م، وهدَّدوا حركة التجارة في المضائق.<ref name="طقوش11"/> وأثَّرت التراجُعات السُكَّانيَّة والاقتصاديَّة على الوضع السياسي العام، فشهدت البلاد مُنذُ سنة [[761 هـ|761هـ]] المُوافقة لِسنة [[1360]]م صراعًا حادًّا على السُلطة، وكثُر المُدَّعون والطامعون في الحُكم، وكان في مُقدِّمتهم الأمير «ماماي» سالف الذِكر، الذي نصَّب صبيًّا ادَّعى أنَّهُ من ولد أوزبك خان يُدعى عبد الله، وزحف إلى سراي لِلاستيلاء عليها وتنصيبه خانًا. كان على عرش الخانيَّة آنذاك [[توقتمش|توقتمش خان]]، الذي تصفه بعض الروايات بِأنَّهُ ابن بردي بك، فلمَّا علم بِزحف ماماي، هرب منها ولحق بِمملكة أوروس خان في ناحية جبال خوارزم، ثُمَّ انتقل إلى مملكة بني جغطاي في [[سمرقند]] مُحتميًا بِالأمير [[تيمورلنك|تيمور بن طرقاي الشهير بِتيمورلنك]]. ودخل ماماي العاصمة المغوليَّة ونصَّب عبد الله خانًا على المغول، لكن نازعه أحد الأُمراء الذي ساند خانًا آخر هو «قُتلُغ تيمر»، فتغلَّب عليهما ماماي وقتلهما.<ref name="طقوش11"/> ثُمَّ تنافس الأُمراء المُتغلِّبون، فهاجم الحاج شركس سراي واستولى عليها، وطرد ماماي منها، واستغلَّ «أيبك خان» الصراع الدامي بين الأميرين المذكورين، فهاجم سراي واستولى عليها واستبدَّ بها أيَّامًا ثُمَّ تُوفي، فخلفه ابنه «قارن خان»، غير أنَّهُ تعرَّض لِهُجُومٍ من قِبل أوروس خان، فاستولى هذا على العاصمة وتربَّع على العرش، وهرب قارن خان منها عائدًا إلى أراضي مملكته.<ref name="طقوش11"/><ref name="ابن خلدون1">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن خلدون|ابن خلدون، أبو زيد عبد الرحمٰن بن مُحمَّد الحضرمي]]|عنوان= ديوان المُبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر|طبعة= الأولى|المجلد=الجُزء الخامس|صفحة= 607 - 609|سنة= [[1421 هـ|1421هـ]] - [[2000]]م|ناشر= دار الفكر|تاريخ الوصول= [[11 أبريل|11 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://ia600207.us.archive.org/30/items/waqtkhldon/tkhldon5.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200110134016/http://ia600207.us.archive.org/30/items/waqtkhldon/tkhldon5.pdf | تاريخ أرشيف = 10 يناير 2020 }}</ref>

وادَّعى، في غُضُون ذلك، أشخاص عديدون النسب الملكي على أنَّهم أبناء جاني بك أو من سُلالته، طمعًا في اعتلاء العرش المغولي في سراي، وحاول أحدهم ويُدعى «كلدي بك» فِعل ذلك، لكنَّهُ واجه مُعارضة من الميرزا مريد، أخو خضر خان، الذي دخل سراي وقبض عليه وقتله.<ref name="الرمزي3">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= الرمزي، مُحمَّد مُراد مكِّي|عنوان= تلفيق الأخبار وتلقيح الآثار في وقائع قزان وبُلغار ومُلُوك التتار|طبعة= الأولى|صفحة= 536 - 548|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|تاريخ الوصول= [[29 أبريل|29 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|المجلد=الجُزء الأوَّل|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/stream/takfiqathar/takhbar1#page/n535/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200405210439/https://archive.org/stream/takfiqathar/takhbar1 | تاريخ أرشيف = 5 أبريل 2020 }}</ref> وفي نفس الوقت طمحت نفسُ توقتمش، المُقيم في البلاط التيموري، إلى مُلك آبائه بِسراي، فطلب مُساعدة تيمورلنك لِاستعادة عرشه، فجهَّز معهُ الأخير قُوَّةً عسكريَّةً وأرسله ناحية القفجاق، فلمَّا بلغ جبال خوارزم اعترضه «قُتلُغ بوقا بن أوروس» وقاتله فهزمه واضطرَّهُ إلى الرُجُوع لِتيمورلنك، ثُمَّ مات قُتلُغ بوقا حوالي مُنتصف تلك السنة ([[788 هـ|788هـ]] \ [[1376]]م)، فخرج تيمورلنك بِالعساكر مع توقتمش مددًا له إلى حُدُود بلاده،<ref name="ابن خلدون1"/> وأرسل طليعة تعدادها خمسُمائة فارس بِقيادة ثلاثة من أُمرائه لِاستكشاف مواقع العدوّ، فالتقوا بِقُوَّةٍ مغوليَّةٍ بين [[فاراب]] وسغناق مُؤلَّفة من ثلاثة آلاف فارس بِقيادة «تيمورملك بن أوروس»، فاصطدموا بها وتغلَّبوا عليها، وأُصيب تيمورملك بِسهمٍ في رجله، وانسحب أوروس على إثر ذلك عائدًا إلى بلاده، فطارده تيمورلنك وتوقتمش، لكنه تُوفي قبل أن يقبضا عليه وخلفه ابنه «توقتاقيا»، فلم يلبث هو أيضًا أن تُوفي بعد قليلٍ من الوقت وخلفه أخوه تيمورملك، فاستغلَّ تيمورلنك فُرصة تغيير الحُكَّام، وقرَّر توجيه ضربة قاضية لِتيمورملك قبل أن يُثبِّت أقدامه في الحُكم، فأرسل توقتمش إلى القفجاق لِمُحاربته، ووضع بِتصرُّفه قُوَّة عسكريَّة، وعاد هو إلى سمرقند.<ref name="الرمزي3"/> ولمَّا سمع تيمورملك بِرُجُوع تيمورلنك إلى سمرقند نهض وتصدَّى لِتوقتمش وهزمه، فالتجأ هذا الأخير مُجددًا إلى تيمورلنك، فواساه وأرسله إلى سغناق،<ref name="الرمزي3"/> وكان ذلك في [[1 محرم|1 مُحرَّم]] [[778 هـ|778هـ]] المُوافق فيه [[21 مايو|21 أيَّار (مايو)]] [[1376]]م.
[[ملف:Kulikovo lubok.jpg|تصغير|«ميدان كوليكوڤو»، لوحة تُصوِّرُ المعركة الكُبرى بين المغول والروس.]]
[[ملف:Yvon kremlin.jpg|تصغير|دميتري الرابع يُقاتلُ مع جُنُوده في خضم المعركة.]]
ولم يمر ضعف المغول وتفرُّق كلمتهم مُرور الكرام عن جيرانهم المسيحيين، وتصادف ذلك مع نُمُوّ الإمارة المسكوبيَّة وقيام [[دوقية ليتوانيا الكبرى|غراندوقيَّة ليتوانيا]]، التي بدأت مُنذُ نشأتها بِالتوسُّع أكثر فأكثر إلى الجنوب الشرقي، فانتزعت من المغول پودوليا، وحقَّقت عليهم انتصارًا هامًّا في معركة المياه الزرقاء سنة [[763 هـ|763هـ]] المُوافقة لِسنة [[1363]]م، وانتزعت منهم مدينة كييڤ وأعمالها في سنة [[771 هـ|771هـ]] المُوافقة لِسنة [[1370]]م.<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب |صفحة=480|الأخير=Atwood |الأول=Christopher Pratt |عنوان=Encyclopedia of Mongolia and the Mongol Empire |مسار=https://archive.org/details/encyclopediaofmo0000atwo |التسجيل=registration |سنة=2004 |ناشر=Facts On File |isbn=978-0-8160-4671-3| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200407020326/https://archive.org/details/encyclopediaofmo0000atwo | تاريخ أرشيف = 7 أبريل 2020}}</ref> واستغلَّ الأمير المسكوبي [[دميتري دونسكوي|دميتري الرابع]] الاضطرابات التي عصفت بِالخانيَّة، وتوقَّف عن تسديد الضرائب المفروضة على الروس، والمُكلَّف بِتحصيلها منهم، في خُطوةٍ لِلانعتاق من السيطرة المغوليَّة وطرد المغول من البلاد الروسيَّة، وأقدم في سنة [[779 هـ|779هـ]] المُوافقة لِسنة [[1377]]م على احتلال بُلقار بِمُساعدة دميتري بن قُسطنطين أمير نبشني نوڤغورود وسوزدال، فسيطر بِذلك على منطقة وسط الڤولغا، وحرم المغول من مصادر دخلها.<ref name="الرمزي3"/> أثار هذا الاستفزاز والتوسُّع الروسي البكلربك ماماي، المُستبد بِخانيَّة القبيلة الذهبيَّة، فأرسل قُوَّةً عسكريَّةً بِقيادة الأمير «عربشاه»، لِلتصدِّي لِأطماع دميتري الرابع، فدخل الأراضي الروسيَّة وأحرق وخرَّب ونهب بعض المُدن والبلدات والقُرى، وفتك بالروس وأخذ منهم الكثير من الأسرى، وأرغم دميتري على الهرب والتراجع إلى سوزدال، ثُمَّ قفل وانسحب عائدًا إلى بلاد المغول. ولمَّا علم دميتري بِعودة المغول، نهض لِيثأر لِهزيمته، فهاجم جيرانه [[موردوفيون|الموردوڤيين]]، حُلفاء ماماي ورعاياه، وقتل منهم خلقًا كثيرًا؛ وخرَّب بلادهم وأسر نساءهم وأطفالهم ونكَّل بِالعامَّة.<ref name="الرمزي3"/> ولمَّا سمع ماماي بِذلك، استشاط غضبًا وقرَّر الرد سريعًا على هذه الأحداث، فأرسل جيشًا آخر إلى الروسيا لِتأديب دميتري الرابع، غير أنَّ الروس فاجأوا قُوَّاته وهزموها وأجبروها على الفرار. وتتابعت المعارك بين المغول والروس وكانت الغلبة فيها لِلأخيرين غالبًا، ممَّا أثار ماماي، فقرَّر مُهاجمة الروسيا بِنفسه لِلأخذ بِالثأر، فجهَّز جيشًا جرَّارًا خرج على رأسه وأرسل إلى الأُمراء الروس يُهددهم ويتوعَّدهم. وخرج الأمير المسكوبي على رأس جيشه البالغ عدده مائة وخمسين ألف جُندي بِاتجاه مناطق الحُدُود مع المغول في [[24 جمادى الأولى|24 جُمادى الأولى]] [[782 هـ|782هـ]] المُوافق فيه [[26 أغسطس|26 آب (أغسطس)]] [[1380]]م، وعسكر على ضفَّة [[نهر الدون]] في مُواجهة الجيش المغولي على الضفَّة الأُخرى. وفي [[6 جمادى الآخرة|6 جُمادى الآخرة]] المُوافق فيه [[7 سبتمبر|7 أيلول (سپتمبر)]]، عبرت العساكر الروسيَّة النهر وعسكرت في مُقابل الجيش المغولي. وفي اليوم التالي، اشتبك الجيشان في [[معركة كوليكوفو|معركةٍ شديدةٍ قاسيةٍ عُرفت بِمعركة معركة كوليكوڤو]]، أي «حقل صيد الأعداء»، وقاد دميتري الرابع قُوَّاته بِنفسه، في حين قبع ماماي في قلعةٍ مُجاورةٍ يُراقبُ سير القتال، ودارت الدائرة في هذه الوقعة على المغول، فانفرط عقد صُفُوفهم ووقعوا تحت سُيُوف الروس يقتُلُونهم كيف شاؤوا، وفرَّ من نجا من أرض المعركة، فيما لقَّب الروس الأمير دميتري بِـ«دونسكوي»، أي «بطل نهر الدون».<ref name="الرمزي3"/>

عندما وصلت أنباء الهزيمة الكُبرى إلى تيمورلنك وحليفه توقتمش، بِالإضافة إلى تذمُّر الأعيان من تيمورملك الذي كان [[كحولية|يُدمن شُرب الخمر]] ويغفل عن إدارة شُؤون الحُكم، طلب تيمورلنك من حليفه أن يزحف إلى سراي وينتزع الحُكم من تيمورملك، فجمع جيشًا من قبائل القفجاق الشماليَّة والمُوالية له، وعزَّزهُ بِقُوَّةٍ عسكريَّةٍ من الجيش التيموري، وتوجَّه نحو خصمه وقاتله وانتصر عليه. ولم يركن تيمورملك لِهذه الهزيمة، فجمع جيشًا آخر من قومه وأتباعه، وقاتل توقتمش مرَّةً أُخرى، فانهزم جيشه مُجددًا وتفرَّق، وسقط تيمورملك صريعًا في أرض المعركة، فصفا الجو لِتوقتمش الذي جلس على عرش القبيلة الذهبيَّة واستعاد جميع ما كان بِأيدي المُتغلِّبين، ووحَّد البلاد تحت زعامته.<ref name="ابن خلدون1"/>

=== صراع الدولة التيموريَّة ومغول القبيلة الذهبيَّة ===
[[ملف:Tokhtamysh.jpg|تصغير|المغول والروس يتراشقون بِالنيران عند أسوار [[موسكو|مسكوب]].]]
بعد أن تمكَّن توقتمش من لمِّ شمل مغول القبيلة الذهبيَّة، سعى إلى استعادة هيمنة المغول على الروسيا، فحاصر [[موسكو|مسكوب]] في [[12 جمادى الآخرة|12 جُمادى الآخرة]] [[784 هـ|784هـ]] المُوافق فيه [[23 أغسطس|23 آب (أغسطس)]] [[1382]]م، لكنَّ سُكَّانها صدوا الهُجُوم بِاستخدام [[سلاح ناري|الأسلحة الناريَّة]] لأوَّل مرَّة في تاريخ الروس،<ref group="ْ">{{أيقونة روسية}} [http://www.clio.orc.ru/hm5-1.htm Управление Москвой митрополита Алексия.] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20050312225209/http://www.clio.orc.ru/hm5-1.htm |date=2005-03-12 }}</ref> وأدرك الخان المغولي، بعد ثلاثة أيَّامٍ من الحصار والضرب والتراشُق، صُعُوبة اقتحام المدينة، فعمد إلى الحيلة، وأقنع ابنا الأمير ديمتري السوزدالي، أحد مؤيدي توقتمش - وهما الدوق ڤاسيلي أمير سوزدال وسمعان أمير [[نيجني نوفغورود|نيجني نوڤغورود]] الموجودين مع جيش توقتمش - سُكَّان مسكوب بِفتح بوَّابات المدينة، ووعدوهم بأنَّ الجيش لن يمُسَّهم بِسوء.<ref group="ْ">{{أيقونة روسية}} [http://www.moskva.ru/history/mosslob/mosslob9_3.html History of Moscow settlements – Suchevo] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20070127214725/http://www.moskva.ru/history/mosslob/mosslob9_3.html |date=2007-01-27 }}</ref> أمام هذا الوعد، وافق سُكَّان المدينة على فتح الأبواب، فدخل المغول مسكوب واستباحوها، فقتلوا السُكَّان ونهبوا أموالهم ومُمتلكاتهم، ثُمَّ أمر توقتمش  بِإحراق المدينة وعاد إلى بلاده مُحمَّلًا بِالغنائم والأسرى، وقُدَّر عدد القتلى الروس في هذه الغزوة بأربعةٍ وعشرين ألفًا.<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1-الأخير=Тихомиров|مؤلف1-الأول=Михаил Николаевич|مؤلف-وصلة=:ru:Тихомиров, Михаил Николаевич|عنوان=Древняя Москва XII - XV вв.; Средневековая Россия на международных путях|مسار=http://russiancity.ru/books/b70.htm|محرر=Сост. Л.И. Шохин; Под ред. С.О. Шмидта|مكان=Москва|ناشر=Московский рабочий|سنة=1992|صفحات=146—147|isbn=5-239-00769-1|لغة=ru| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20191020174655/http://russiancity.ru/books/b70.htm | تاريخ أرشيف = 20 أكتوبر 2019 }}</ref> ويبدو أنَّ توقتمش أراد، بعد عودته إلى سراي، أن يُبرِّد الجبهة الروسيَّة لِيتفرَّغ لِلجبهة الشرقيَّة حيثُ بدت بوادر التوتُّر بينه وبين تيمورلنك، فأرسل سفيرًا إلى دميتري الرابع يدعوه إلى المُسالمة، فاستجاب له، وأرسل ابنه ڤاسيلي إلى سراي مع عددٍ من أُمرائه وحمَّلهم الهدايا التي تليق بِمقام الخان، واحتاط أن يذهب بنفسه، فقنع توقتمش بِذلك.<ref name="الرمزي4">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= الرمزي، مُحمَّد مُراد مكِّي|عنوان= تلفيق الأخبار وتلقيح الآثار في وقائع قزان وبُلغار ومُلُوك التتار|طبعة= الأولى|صفحة= 550 - 556|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|تاريخ الوصول= [[1 مايو|1 أيَّار (مايو)]] [[2020]]م|المجلد=الجُزء الأوَّل|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/stream/takfiqathar/takhbar1#page/n549/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200405210439/https://archive.org/stream/takfiqathar/takhbar1 | تاريخ أرشيف = 5 أبريل 2020 }}</ref>
[[ملف:Timur Steppe campaign-ar.jpg|تصغير|يمين|مسار تيمورلنك وجيشه من طشقند إلى كوندورشة حيثُ دارت المعركة الكُبرى بينه وبين توقتمش.]]
[[ملف:Timur.jpeg|تصغير|مُنمنمة فارسيَّة تُصوِّرُ مسير تيمورلنك على رأس جُيُوشه لِقتال مغول القبيلة الذهبيَّة.]]
أمَّا سبب الخلاف والنزاع بين تيمورلنك ومغول القبيلة الذهبيَّة فسببه أنَّ توقتمش رغب باسترداد أذربيجان التي ضمَّها جاني بك بُعيد انهيار الدولة الإلخانيَّة ثُمَّ خرجت من تحت جناح مغول القفجاق في عهد خليفته بردي بك، كما أُسلف، فأرسل جيشًا إلى تبريز وحاصرها مُدَّة أُسبُوع ثُمَّ اقتحمها ونهبها.<ref name="الرمزي4"/> وكان تيمورلنك يعُدُّ أذربيجان من أملاكه بِوصفها تابعةً لِلدولة الجغطائيَّة التي ورثتها [[الدولة التيمورية|دولته]] وقامت على أنقاضها، فعدَّ اعتداء توقتمش  على تبريز تحديًا لهُ ونُكرانًا لِلجميل. والحقيقة أنَّ بلاد أذربيجان كانت في الماضي مثار نزاعٍ بين الإلخانيين وبين مغول القبيلة الذهبيَّة، وليس لِلجغطائيين أيُّ حقٍ فيها، لكنَّ تيمورلنك كان يبحث عن ذريعةٍ لِمُباشرة الحرب. وأمَّا نُكران الجميل فلِأنَّ توقتمش اعتلى عرش خانيَّة القبيلة الذهبيَّة بِمُساعدة تيمورلنك ومُساندته له ضدَّ خُصُومه. والواقع أنَّ تيمورلنك كان يأمل أن يبقى توقتمش رجُله المُخلص على الدوام ومُنفِّذ سياسته في بلاد القفجاق، فلمَّا هاجم أذربيجان رأى أنَّ مشروعه القاضي بِإخضاع هذه البلاد لسُلطته قد تعرَّض لِلخطر، وعليه أن يحرص على تنفيذه بِنفسه.<ref name="طقوش12">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1=[[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ مغول القبيلة الذهبيَّة والهند|طبعة= الأولى|صفحة= 96، 102 - 103|سنة= [[1428 هـ|1428هـ]] - [[2007]]م|ناشر=دار النفائس|تاريخ الوصول=[[28 أبريل|28 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان=[[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/details/tar.mghoul.al.qbila/page/n95/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200502003319/https://archive.org/details/tar.mghoul.al.qbila/page/n95/mode/2up | تاريخ أرشيف = 2 مايو 2020 }}</ref> ومهما يكن من أمر فقد استغلَّ تيمورلنك هذه الحملة على تبريز واتَّخذها ذريعةً لِشنَّ الحرب، فجهَّز جيشًا كثيفًا وخرج على رأسه من سمرقند في ربيع سنة [[788 هـ|788هـ]] المُوافقة لِسنة [[1386]]م، قاصدًا بلاد إيران والقفجاق، فاستولى على أذربيجان و[[الكرج]] ووصل إلى [[تبليسي|تفليس]]، وعاث تخريبًا في تلك المناطق، ووقعت مُناوشة يسيرة بين جُنُوده بِقيادة ابنه [[ميران شاه بن تيمورلنك|ميرانشاه]] وبين بعض حاميات الحُدُود أسفرت عن انتصار الأوَّل، وأُسر عددٌ من الجُنُود المغول، فلمَّا عاد بهم إلى والده، أطلق سراحهم وأعادهم إلى سراي، وحمَّلهم رسالة عتاب شفهيَّة إلى توقتمش قال فيها أنَّ بينهما حُقُوق الأُبُوَّة والبُنُوَّة، وأنَّ ما قام به توقتمش لا يليقُ بمكانته.<ref name="الرمزي5">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= الرمزي، مُحمَّد مُراد مكِّي|عنوان= تلفيق الأخبار وتلقيح الآثار في وقائع قزان وبُلغار ومُلُوك التتار|طبعة= الأولى|صفحة= 559 - 567|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|تاريخ الوصول= [[1 مايو|1 أيَّار (مايو)]] [[2020]]م|المجلد=الجُزء الأوَّل|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/stream/takfiqathar/takhbar1#page/n557/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200405210439/https://archive.org/stream/takfiqathar/takhbar1 | تاريخ أرشيف = 5 أبريل 2020 }}</ref> توجَّه تيمورلنك بعد تلك الوقعة إلى طرف [[أرضروم]] لِمُحاربة العُثمانيين، ثُمَّ توَّجه إلى طرف [[أصفهان]] لِمُحاربة [[آل مظفر|المُظفريين]]، فتآمر عليه خُصُومه وتحالفوا ضدَّه مُستغلين غيابه، وفي مُقدِّمة هؤلاء قمر الدين دوغلات صاحب [[كاشغر]] وتوقتمش، فاجتاحا البلاد التيموريَّة وعاثا فيها، وسيطر توقتمش على إقليم خوارزم وضمَّه إلى دولته.<ref name="طقوش12"/><ref name="الرمزي5"/><ref name="الخبر عن دولة التتر">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن خلدون|ابن خلدون، أبو زيد عبد الرحمٰن بن مُحمَّد الحضرمي]]|عنوان= الخبر عن دولة التتر|طبعة= الأولى|صفحة= 250 - 253|سنة= [[2013]]|ناشر= دار الفارابي|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://books.google.com.lb/books?id=QWxkCgAAQBAJ&pg=PA250&lpg=PA250&dq=%D9%82%D9%85%D8%B1+%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86+%D8%AF%D9%88%D8%BA%D9%84%D8%A7%D8%AA&source=bl&ots=qWkdYKtHh9&sig=ACfU3U1BmFxoto0vlzHEPokZIDGJNe-Yxw&hl=en&sa=X&ved=2ahUKEwjXh-CEgJTpAhVM6RoKHWPQA7YQ6AEwCHoECAgQAQ#v=onepage&q=%D9%82%D9%85%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86%20%D8%AF%D9%88%D8%BA%D9%84%D8%A7%D8%AA&f=false| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200502012351/https://books.google.com.lb/books?id=QWxkCgAAQBAJ&pg=PA250&lpg=PA250&dq=%D9%82%D9%85%D8%B1+%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86+%D8%AF%D9%88%D8%BA%D9%84%D8%A7%D8%AA&source=bl&ots=qWkdYKtHh9&sig=ACfU3U1BmFxoto0vlzHEPokZIDGJNe-Yxw&hl=en&sa=X&ved=2ahUKEwjXh-CEgJTpAhVM6RoKHWPQA7YQ6AEwCHoECAgQAQ#v=onepage&q=%D9%82%D9%85%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86%20%D8%AF%D9%88%D8%BA%D9%84%D8%A7%D8%AA&f=false| تاريخ أرشيف = [[2 مايو|2 أيَّار (مايو)]] [[2020]]م|isbn = 9789953718415}}</ref> ولمَّا علم تيمورلنك بما جرى، سارع إلى عقد الصُلح مع المُظفريين وعاد إلى سمرقند واستردَّ ما أُخذ منه، وما أن استتبَّ الأمان على حُدود دولته، سارع تيمورلنك لِمُحاربة توقتمش ومُعاقبته، فزحف إلى عُمق بلاد القفجاق وتتبَّع غريمه على مدى عدَّة أشهر حتَّى التقى الجمعان يوم [[15 رجب]] [[793 هـ|793هـ]] المُوافق فيه [[18 يونيو|18 حُزيران (يونيو)]] [[1391]]م في بلدة «كوندورشة» من أعمال بُلقار، واشتبكا في [[معركة نهر كوندورشا|معركةٍ ضارية]] دارت فيها الدائرة على مغول القبيلة الذهبيَّة، ففرَّ توقتمش مع أركان حربه لا يلوي على شيء، وسقط الآلاف من جُنُوده صرعى في ميدان القتال.<ref name="ابن خلدون1"/><ref name="الرمزي5"/>
[[ملف:Timur Golden Horde campaign-ar.jpg|تصغير|حملات تيمورلنك في فارس والقفقاس ثُمَّ في بلاد القفجاق ما بين سنتيّ 1392 و1396م، التي أفضت إلى هزيمة توقتمش هزيمةً نكراء.]]
سعى تيمورلنك، بعد انتصاره، إلى مُكافأة الأُمراء المغول الذين ساعدوه، فسمح لهم بِاقتطاع مناطق الأطراف والاستقلال بها، ثُمَّ ترك القبيلة الذهبيَّة لِمصيرها وعاد إلى سمرقند لِيُجهِّز حملة جديدة على فارس. فنهض توقتمش، بعد مُغادرة تيمورلنك، لِاستعادة حُكمه وإعادة توحيد البلاد تحت سُلطانه، فحارب المُتغلبين في النواحي واستخلص منهم ما اقتطعوه من أراضٍ، واستعاد سُلطته التامَّة على جميع بلاده، وأخذ يستعد لِجولةٍ أُخرى مع تيمورلنك.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= الرمزي، مُحمَّد مُراد مكِّي|عنوان= تلفيق الأخبار وتلقيح الآثار في وقائع قزان وبُلغار ومُلُوك التتار|طبعة= الأولى|صفحة= 578 - 579|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|تاريخ الوصول= [[2 مايو|2 أيَّار (مايو)]] [[2020]]م|المجلد=الجُزء الأوَّل|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/stream/takfiqathar/takhbar1#page/n577/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200405210439/https://archive.org/stream/takfiqathar/takhbar1 | تاريخ أرشيف = 5 أبريل 2020 }}</ref> وحاول توقتمش التحالف مع المماليك في مصر والشَّام ضدَّ العدوِّ المُشترك، فأوفد رُسُله إلى السُلطان [[الظاهر سيف الدين برقوق]] لِيتباحثوا معه في هذا الشأن، واسقبلهم السُلطان في [[دمشق]] يوم [[23 جمادى الأولى|23 جُمادى الأولى]] [[796 هـ|796هـ]] المُوافق فيه [[29 مارس|29 آذار (مارس)]] [[1394]]م.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[تقي الدين المقريزي|المقريزي، تقيّ الدين أبو العبَّاس أحمد بن علي بن عبد القادر]]|عنوان= السُلُوك لِمعرفة دُول المُلُوك|طبعة= الأولى|صفحة= 356|المجلد=الجُزء الخامس|سنة= [[1418 هـ|1418هـ]] - [[1997]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|تاريخ الوصول= [[18 أبريل|18 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://shamela.ws/book/6667/2166#p1|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200503000014/https://al-maktaba.org/book/6667/2166|تاريخ أرشيف=[[18 أبريل|18 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م}}</ref> وكان تيمورلنك قد علم بِالمُباحثات التي جرت بين الطرفين، المملوكي والمغولي، وبِالمُراسلات بين كُلٍ من السُلطان [[بايزيد الأول|بايزيد بن مُراد العُثماني]] وأحمد بن أويس الجلائري، مع السُلطان برقوق، من أجل توحيد الجُهُود ضدَّه، لِذا حرص على ضرب أعدائه مُنفردين قبل أن يتوحَّدوا، وقرَّر البدء بِتوقتمش، فهاجم بلاد الكرج، القريبة من خانيَّة القبيلة الذهبيَّة، ثُمَّ زحف شمالًا ناحية قلب بلاد القفجاق. وحاول توقتمش أن يُثني الغازي الكبير عن عزمه على غزو بلاده، فوجَّه إليه رسالة بِعباراتٍ مُنمَّقةٍ أعلن فيها عن ندمه عمَّا بدر منه من أعمالٍ عدائيَّةٍ ونسب ذلك إلى فساد أُمرائه. لكنَّ تيمورلنك أظهر عدم اقتناعه بِالحُجج التي قدَّمها خصمه، وتابع استعداداته لِلحرب.<ref name="طقوش13">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1=[[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ مغول القبيلة الذهبيَّة والهند|طبعة= الأولى|صفحة= 110 - 115|سنة= [[1428 هـ|1428هـ]] - [[2007]]م|ناشر=دار النفائس|تاريخ الوصول=[[4 أبريل|4 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان=[[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/details/tar.mghoul.al.qbila/page/n109/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200503010235/https://archive.org/details/tar.mghoul.al.qbila/page/n109/mode/2up | تاريخ أرشيف = 3 مايو 2020 }}</ref> وعندما أنجز تيمورلنك استعداداته العسكريَّة، استأنف زحفه بِاتجاه الشمال والتقى بِتوقتمش الذي كان بِانتظاره على رأس جُيُوشه، على ضفاف [[تيريك|نهر ترك]]، ودارت هُناك رحى [[معركة نهر تيريك|معركة ضارية]] في [[23 جمادى الآخرة|23 جُمادى الآخرة]] المُوافق فيه [[16 أبريل|16 نيسان (أبريل)]]، واستحال ميدان القتال إلى بحرٍ من الدماء، لكنَّ جُنُود تيمورلنك صمدوا وثبتوا في وجه المغول، فيأس هؤلاء من إحراز النصر، وكثُر القتلُ في صُفُوفهم، ففرَّ توقتمش إلى الغابات الشماليَّة، وكان فراره إيذانًا لِقُوَّاته أن تحذو حُذوه وتتفرَّق، ولاحق تيمورلنك خصمه دون أن يتمكَّن من القبض عليه، فاجتاح بلاد القفجاق وضمَّها إلى دولته، ثُمَّ سار على ضفاف نهر الڤولغا قاصدًا مدينة سراي، فاقتحمها وطرد سُكَّانها منها وأحرقها، ثُمَّ قفل وعاد إلى بلاده بعد أن أضعف خانيَّة القبيلة الذهبيَّة وأوصلها إلى شفير الانهيار التَّام.<ref name="طقوش13"/>

=== صحوة الموت ===
تجزَّأت بلاد القفجاق بِعامَّة إلى ثلاثة أجزاء بُعيد الحملة التيموريَّة، وتوزَّع الحُكمُ فيها بين ثلاثة خوانين حكموا في الوقت نفسه، وهم: توقتمش الذي عاد إلى عاصمته سراي بعد انسحاب تيمورلنك وسعى إلى إعادة تكوين دولته المُفكَّكة، و[[تيمور قتلغ|تيمور قُتلُغ بن تيمورملك]] الذي سيطر على القسم الجنوبي من الخانيَّة، وقويرجق بن أوروس الذي سيطر على الجُزء الشرقي المعروف بِخانيَّة القبيلة البيضاء، بِدعمٍ من تيمورلنك.<ref name="طقوش13"/> وتصارع تيمور قُتلُغ وتوقتمش في سبيل تحقيق السيطرة المُطلفة على الخانيَّة، فهاجم الأوَّل العاصمة سراي واستولى عليها وأجبر توقتمش على الفرار من وجهه والالتجاء إلى غراندوق ليتوانيا [[فيتاوتاس|ڤيتاوتاس]]. وحاول تيمور قُتلُغ إرغام الغراندوق سالِف الذِكر على تسليمه الخان الأسبق، فلم يُفلح، وتُوفي تيمور قُتلُغ في خريف سنة [[802 هـ|802هـ]] المُوافقة لِسنة [[1399]]م، وخلفه أخوه «شادي بك»، الذي وقع تحت تأثير أحد أُمرائه المُستبد بِشُؤون الخانيَّة، المدعو «[[إديغو|إديگو]]». وحاول توقتمش أن يُصلح علاقته بِتيمورلنك التي رأى فيها الوسيلة الفُضلى لِاستعادة الحُكم، وقد وعده الأخير بِتحقيق رغبته، لكنَّ وفاة تيمور في شعبان [[807 هـ|807هـ]] المُوافق فيه شهر شُباط (فبراير) [[1405]]م، حالت دون تحقيق ذلك. وقضى توقتمش بقيَّة حياته مُشرَّدًا حتَّى قُتل في سنة [[808 هـ|808هـ]] المُوافقة لِسنة [[1406]]م في [[تيومين]] إحدى مُدن سيبيريا، فارًّا من وجه شادي بك، فكان بِذلك آخر الخوانين الكبار في القبيلة الذهبيَّة.<ref name="طقوش13"/> استقرَّت أوضاع القبيلة الذهبيَّة بعد وفاة توقتمش، بِأيدي الأمير إديگو الذي استبدَّ بِشُؤون الخانيَّة كما أُسلف، فأعاد لها قُوَّتها وسيطرتها ما جعلها تُجبي الجزية من الأُمراء الروس، وراح يولي الخوانين ويعزلهم. ويرتبطُ تاريخ القبيلة الذهبيَّة مُنذُ ذلك التاريخ [[تاريخ روسيا|بِالتاريخ الروسي]]، ذلك أنَّ المُقاطعات الروسيَّة كانت تتنازع على الإمارة العُظمى، وتتسابق لِكسب ود الخان المغولي الذي كان يمنح البراءة في الحُكم، ما أدَّى إلى ازدياد تدخُّل الخوانين في شؤون الروس الداخليَّة وتصاعُد حدَّة التوتُّر، واصطدام الطرفين أكثر من مرَّة في معارك حُدُوديَّة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1=[[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ مغول القبيلة الذهبيَّة والهند|طبعة= الأولى|صفحة=117|سنة= [[1428 هـ|1428هـ]] - [[2007]]م|ناشر=دار النفائس|تاريخ الوصول=[[4 أبريل|4 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان=[[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/details/tar.mghoul.al.qbila/page/n117/mode/2up|isbn = 9789953184364| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200505001004/https://archive.org/details/tar.mghoul.al.qbila/page/n117/mode/2up | تاريخ أرشيف = 5 مايو 2020 }}</ref> أبقى إديگو الخانيَّة مُتَّحدة حتَّى سنة [[1410]]م عندما طرده ابنه نُور الدين، الذي انغمس في الصراعات على السُلطة، إلى آسيا الوسطى. ولكنَّ إديگو ما لبث أن عاد إلى الخانيَّة وتابع تعيين وعزل الخوانين كيفما شاء، وقامت بينه وبين أبناء توقتمش حُرُوب إلى أن قُتل في سنة [[822 هـ|822هـ]] المُوافقة لِسنة [[1419]]م.<ref group="ْ">{{استشهاد|الأخير=Vernadsky|الأول=George|سنة=1953|عنوان=The Mongols and Russia|ناشر=Yale University Press|صفحة=284-287}}</ref>

=== تفكُّك الخانيَّة وزوالها ===
[[ملف:Kivshenko Ivan III tears off the khans missive letter.jpg|تصغير|يمين|إيڤان الثالث يُمزِّقُ رسالة أحمد خان التي أرسلها إليه يُطالب بِالجزية، بِحُضُور السفارة المغوليَّة.]]
انقسمت بلاد القفجاق، بعد مقتل إديگو إلى أربعة أقسام مُستقلَّة ومُنفصلة وبِحالة عداءٍ دائم، نتيجة الصراع بين الأُمراء والقادة المُتوثبين على العرش، وسعي كُلٌ منهم إلى إعادة توحيد البلاد تحت رايته. فاستقلَّ بُراق خان بن قويرجق بِالشطر الشرقي من البلاد - خانيَّة القبيلة البيضاء - وراح يتطلَّع إلى ضم الشطر الغربي، الذي انقسم بِدوره إلى ثلاثة أقسام. ففي الشمال، أي في ولاية البُلقار، حكم [[أولوغ محمد|أولوغ مُحمَّد]]، ونافس كُجُك مُحمَّد، الذي هو ابن إيجلكي حسن بن جغاي، أخي توقتمش، وقد اختارهُ الأُمراء والقادة خانًا بِالضرورة في المعركة ضدَّ إديگو لئلَّا ينفرط عقد الجيش. وفي الجنوب الغربي، أسَّس فرعٌ من المغول [[خانية القرم|خانيَّة القرم]]، وحكم سيِّد أحمد بن توقتمش الغرب والمناطق الواقعة بين نهريّ الدون و[[دنيبر|الدنيبر]].<ref name="طقوش14">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1=[[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ مغول القبيلة الذهبيَّة والهند|طبعة= الأولى|صفحة= 125 - 137|سنة= [[1428 هـ|1428هـ]] - [[2007]]م|ناشر=دار النفائس|تاريخ الوصول=[[4 أبريل|4 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان=[[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/details/tar.mghoul.al.qbila/page/n125/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200505000953/https://archive.org/details/tar.mghoul.al.qbila/page/n125/mode/2up | تاريخ أرشيف = 5 مايو 2020 }}</ref> واشتدَّت، في غُضُون ذلك، حدَّة الصراعات الداخليَّة، فاصطدم أولوغ مُحمَّد ببُراق في سنة [[832 هـ|832هـ]] المُوافقة لِسنة [[1429]]م، وانتصر عليه وقتله وضمَّ أراضيه إلى خانيَّة سراي ووحَّد بلاد القبيلة الذهبيَّة، لكن نازعهُ كُجُك مُحمَّد الذي لم يرضَ عن تعاظم نُفُوذ خصمه، فهاجم سراي واستولى عليها وطرده منها، وذلك في سنة [[841 هـ|841هـ]] المُوافقة لِسنة [[1437]]م، فهرب أولوغ مُحمَّد إلى مسكوب، لكنَّ أميرها [[فاسيلي الثاني|ڤاسيلي الثاني]] رفض استقباله وأمره بِالمُغادرة، فذهب إلى البُلقار واستقرَّ فيها، وبنى مدينة [[قازان]]، وأسَّس دولةً مُستقلَّةً ومُنفصلةً عن سراي عُرفت باسم «[[خانية قازان|خانيَّة قازان]]».<ref name="طقوش14"/> تفرَّد كُجُك مُحمَّد بِالحُكُم في سراي بعد طرد أولوغ مُحمَّد، وخلفه بعد وفاته ابنه أحمد، الذي عُرف عنه عداوته لِلروس، وبِخاصَّةً المسكوبيين، لِأنَّهُ كان مُصرًّا على طلب الأتاوة والخِراج من ڤاسيلي الثاني، ويُهدِّده بِاجتياح بلاده إن رفض أداءهما، لكنَّ الأخير لم يعبئ بِالتهديدات المغوليَّة، فكان يُؤدِّي جُزءًا ممَّا عليه ويتباطأ في ذلك بِسبب أوضاع المغول الداخليَّة المُضطربة، فجرت بينه وبين جُيُوش أحمد خان بضعة معارك كانت الغلبة فيها لِلروس غالبًا. وتمكَّن ڤاسيلي الثاني من بناء دولته وتمكينها، بحيث عندما توفى ترك لِإبنه وخليفته [[إيفان الثالث|إيڤان الثالث]] دولةً قويَّةً إلى درجةٍ تضع معها حدًا لِحُكم المغول وتقدر أن تستقل عنهم. ونظر إيڤان المذكور إلى نفسه كوريثٍ لِكُلِّ بلاد الروس وليس كأميرٍ لِمسكوب، لِأنَّ إمارته أصبحت تملك في ذلك الوقت الرُمُوز القوميَّة لِعُمُوم الروسيا.<ref name="طقوش14"/> وضمَّ إيڤان الثالث الإمارات الروسيَّة المُتناثرة في الشمال المُتجمِّد والأورال، وراح يضرب المغول المُنقسمين على بعضهم كُلٌ منهم بِالآخر، فتحالف مع خان القرم حاجي كراي ثُمَّ خليفته منكلي كراي، ضدَّ أحمد خان، وعقد مُعاهداتٍ مع الأُمراء الروس الآخرين يُجبرهم بها أن يُسلِّموا الجزية التي كانوا يدفعونها لِلخان في سراي، له بدلًا من الخان. وجرت بين إيڤان الثالث وأحمد خان، وبين الأخير وخانيَّة القرم، عدَّة وقعات، إلى أن قُتل أحمد خان سنة [[885 هـ|885هـ]] المُوافقة لِسنة [[1480]]م، أثناء انسحاب جيشه من إحدى المعارك.<ref name="طقوش14"/>
[[ملف:Mengli bayezid.jpg|تصغير|مُنمنمة عُثمانيَّة تُصوِّرُ خان القرم منكلي كراي يجلسُ في حضرة السُلطان العُثماني بايزيد بن مُحمَّد.]]
انقسمت خانيَّة القبيلة الذهبيَّة، بعد وفاة أحمد خان، إلى قسمين: تضمَّن القسم الأوَّل الأراضي الشماليَّة والوُسطى الواقعة بين نهريّ الدون و[[نهر إمبا|يايق]]، وحكمه أولاد أحمد خان، ودعى التُرك هذا الفرع من المغول بِاسم «تاختيل»، أي «القبيلة الكُبرى» أو «القبيلة الأولى»، وعُرف عند الروس والبولونيين باسم «ڤولگنسيس»، أي أهل ما وراء الڤولغا. واقتطع فرعٌ صغيرٌ من الأُسرة، ممن نزح عن سراي، الأراضي الجنوبيَّة وأسَّس فيها [[خانية أستراخان|خانيَّة أستراخان]] الصغيرة واستقلَّ عن الدولة الأُم، وقد شكَّل هؤلاء القسم الآخر.<ref name="طقوش14"/> واستمرَّت في هذه الفترة  العداوة بين خانيَّة القرم وسراي، ولعلَّ لِذلك علاقة بِمدى تدخُّل إيڤان الثالث بين الطرفين وتأجيج الخلافات بينهما لِيقضي كُلٌ منهما على الآخر، وقد حرَّض منكلي كراي على مُهاجمة سراي والقضاء نهائيًّا على القبيلة الذهبيَّة. وكان القرميُّون قد دخلوا تحت تحت جناح الدولة العُثمانيَّة خِلال عهد السُلطان [[محمد الفاتح|مُحمَّد الفاتح]] مع احتفاظهم بِشيءٍ من الاستقلاليَّة الإداريَّة، ولمَّا تُوفي السُلطان مُحمَّد سالِف الذكر وخلفه ابنه [[بايزيد الثاني|بايزيد]]، سارع منكلي كراي إلى عقد مُحالفاتٍ وإبرام علاقاتٍ سياسيَّةٍ معه، كما عقد صُلحًا مع الغراندوق الليتواني [[ألكسندر ياغيلون|إسكندر ياغيلون]]، وغايته من وراء ذلك إحكام الطوق على سراي. أمام الحماية العُثمانيَّة لِخانيَّة القرم، لم يجرؤ خان سراي «شيخ أحمد» أن يُهاجم أنسباؤه، وتناقص عديد جيشه بعدما هربت منه عدَّة فرق عسكريَّة والتحقت بِمنكلي كراي.<ref name="طقوش14"/> ووقعت المعركة الأخيرة بين شيخ أحمد ومنكلي كراي في ذي الحجَّة [[907 هـ|907هـ]] المُوافق فيه حُزيران (يونيو) [[1502]]م، فقد هاجم الأخير سراي بِجيشٍ تعداده خمسة وعشرين ألف فارس، وقدَّم له إيڤان الثالث عددًا من المدافع المُتطوِّرة لِقصف أسوارها، فاقتحمها وقتل كثيرًا من سُكَّانها وأسر من بقي على قيد الحياة، ثُمَّ هدمها وسوَّاها بِالأرض، قاضيًا بِذلك على هذه الخانيَّة الكُبرى التي عمَّرت مائتين وثمانية وستين سنة، وفرَّ شيخ أحمد ناجيًا بحياته، وهام على وجهه لِفترةٍ من الزمن، وحاول الالتجاء إلى الغراندوق الليتواني، فقبض عليه وزجَّه في السجن، وبقي أسيرًا إلى أن أدركه الموت سنة [[911 هـ|911هـ]] المُوافقة لِسنة [[1505]]م، فانقرض بِوفاته خوانين القبيلة الذهبيَّة، وزال كُلُّ أثرٍ لِهذه الدولة المغوليَّة الإسلاميَّة.<ref name="طقوش14"/>

== الثقافة والمظاهر الحضاريَّة ==
=== الإدارة والتنظيم الداخلي ===
[[ملف:36 History of the Russian state in the image of its sovereign rulers - fragment.jpg|تصغير|يمين|رسمٌ يُصوِّرُ أوزبك خان في مجلسه مُحاطًا بِنسائه، وهُنَّ الخواتين المذكورات في المصادر الإسلاميَّة التُراثيَّة. المُتقاتلان في مُقدِّمة الصورة هُما [[ديمتري العيون الرهيبة|ديمتري بن ميخائيل التڤيري]] وهو يطعن [[يوري موسكو|يوري المسكوبي]].]]
تحدَّرت نُخب القبيلة الذهبيَّة من أربع عشائر مغوليَّة: قيات ومانغوت وسقيفوت وقنقرات. وكان [[خان (لقب)|الخان]] حاكمها الأعلى، ويختاره مجلس القورولتاي من أحفاد باطو خان. و«قورولتاي» هو الاسم المغولي لِمجلس السلطنة الذي يختار الحُكَّام، ويدرس المسائل العويصة التي لا يُريد الحاكم أن يفعل فيها وحده، ووصفه [[ابن العبري]] بِقوله: {{اقتباس مضمن|الْمَجْمَعُ الَّذِي تَنْقَدِحُ فِيهِ آرَاءَ جَمِيعَ الْإِخْوَانِ، وَالْإِخْوَةَ، وَالْأَوْلَاَدُ وَالْأُمَرَاءُ الْكِبَارُ، وَمُقَدَّمِيَّ الْعَسَاكِرِ، وَزُعَمَاءَ الْبِلَادِ...}}.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن العبري|ابن العبري، أبو الفرج جمال الدين گريگوريوس بن هٰرون الملطي]]|عنوان= تاريخ مُختصر الدُول|طبعة= الثانية|صفحة= 506|سنة= [[1415 هـ|1415هـ]] - [[1983]]م|ناشر= دار الرائد اللبناني|مكان= [[حازمية|الحازميَّة]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://download-date-history-pdf-ebooks.com/40681-free-book| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200507000821/https://download-date-history-pdf-ebooks.com/40681-free-book | تاريخ أرشيف = 7 مايو 2020 }}</ref><ref>{{استشهاد بدورية محكمة |الأخير= عبد الرحيم|الأول= رائد|تاريخ= [[2008]]|عنوان= ألفاظ مغوليَّة في أدب العصر المملوكيّ وكُتب مؤرّخيه (٦٤٨هـ –٨٠٣هـ) |دورية = مجلَّة جامعة النجاح لِلأبحاث (العُلُوم الإنسانيَّة)|المجلد= 22|صفحات= صفحة 1319|ISSN=2311-8962|مسار=https://journals.najah.edu/media/journals/full_texts/mongolian-phrases-mamluk-era-literature-and-books-its-historians-648--803-h.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200506235904/https://journals.najah.edu/media/journals/full_texts/mongolian-phrases-mamluk-era-literature-and-books-its-historians-648--803-h.pdf | تاريخ أرشيف = 6 مايو 2020 }}</ref> وكان كبير الوزراء يُعرف باسم [[أمير الأمراء|أمير الأُمراء]] أو ال[[بكلربك]]، واشتُرط فيه أن يكون مغوليًّا، وتبعه مجموعة من [[وزير (لقب)|الوُزراء]] يُعاونوه في عمله. أمَّا الحُكَّام المحليِّين أو الوُكلاء، فكان واحدهم يُسمَّى «داروغجي»، وكانت مُهمَّته الأساسيَّة تحصيل الضرائب والتعامل مع أي استياءٍ شعبيّ. وكقاعدة عامَّة، فإنَّ الإدارتان المدنيَّة والعسكريَّة لم تكونا منفصلتين عن الحُكم. وذكر [[أبو العباس القلقشندي|القلقشندي]] أنَّ خوانين القبيلة الذهبيَّة، الذين سمَّاهم سلاطين، كانوا يطَّلعون على مُجمل الأُمُور دون الاهتمام بِتفاصيلها، فإنَّهم كانوا يقنعون بِما يُحمل إليهم من واردات الدولة من دون أن يبحثوا في وُجوه القبض والصرف. ويبدو من خِلال هذا الكلام صحَّة القول بِاعتماد الخوانين على الوُكلاء والوُزراء في إدارة أُمُور الدولة. كما ذكر القلقشندي أنَّ [[خاتون|لِخواتين]] هذه الدولة مُشاركة في الحُكم مع الخوانين، فكان رأيهُنَّ بارزًا وحاضرًا على الدوام، بل كُنَّ يُصدرن بعض الأُمُور عوض الخوانين: {{اقتباس مضمن|إِنَّ تَرْتِيبَ هَذِهِ الْمَمْلَكَةِ فِي أُمُورِ جُيوشِهَا وَسُلْطَانِهَا كَمَا فِي تَرْتِيبِ مَمْلَكَةِ الْعِرَاقِ وَالْعَجَمِ فِي عِدَّةِ الْأُمَرَاءِ وَالْأَحْكَامِ وَالْخَدَمِ، وَلَكِنَّ لَيْسَ لِأَميرِ الأُلُوسِ وَالْوَزِيرَ بِهَا تَصَرُّفُ أَميرُ الأُلُوسِ وَالْوَزِيرَ بِتِلْكَ الْمَمْلَكَةِ، وَلَا لِسُلْطَانِ هَذِهِ الْمُمَلِّكَةُ نَظِيرُ مَا لِذَلِكَ السُّلْطَانِ مِنَ الدَّخْلِ والمجابي وَعَدَدَ الْمُدُنِ وَالْقُرَى، وَلَا مَشَى أهْلُ هَذِهِ الْمَمْلَكَةِ عَلَى قَوَاعِدِ الْخُلَفَاءِ مِثْلُ أُولَئِكَ؛ ولِخَوَاتِينِ هَؤُلَاءِ مُشَارَكَةٍ فِي الْحُكْمِ مَعَهُمْ وَإِصْدَارَ الْأُمُورِ عَنْهُمْ مِثْلُ أُولَئِكَ وَأَكْثَرَ... قَالَ الْمَقَرُّ الشِّهَابِيُّ بْن فَضْلِ الله: "وَقَدْ وَقَفَتْ عَلَى كَثِيرِ مَنِ الْكُتُبِ الصَّادِرَةِ عَلَى مُلُوكِ هَذِهِ الْبِلَادِ مِنْ عَهْدِ بَرَكَةَ وَمَا بَعْدَهُ، وَفِيهَا "وَاِتَّفَقَتْ آرَاءُ الخواتين وَالْأُمَرَاءَ عَلَى كَذَا" أَوْ مَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى}}.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[أبو العباس القلقشندي|القلقشندي، شهاب الدين أبو العبَّاس أحمد بن عليّ بن أحمد]]|عنوان= صبح الأعشى في صناعة الإنشا|طبعة= الأولى|صفحة= 475 - 476|المجلد=الجُزء الرابع|سنة= [[1340 هـ|1340هـ]] - [[1922]]م|ناشر= [[دار الكتب والوثائق القومية (مصر)|دار الكُتُب المصريَّة]]|تاريخ الوصول= [[11 أبريل|11 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[القاهرة]] - [[المملكة المصرية|مصر]]|مسار= https://ia802808.us.archive.org/0/items/FP11609/suaa04.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200413010431/https://ia802808.us.archive.org/0/items/FP11609/suaa04.pdf | تاريخ أرشيف = 13 أبريل 2020 }}</ref><ref name="الطائي">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= الطَّائي، سُعاد هادي حسن إرحيم|عنوان= الأصول التاريخيَّة للقبيلة الذهبيَّة ودورها في نشر الإسلام بين المغول خلال العصر العبَّاسي (624 - 656هـ / 1226 - 1258م)|صفحة= 24 - 25|مكان= [[بغداد]] - [[العراق]]|مسار= https://portal.arid.my/Publications/%D8%A8%D8%AD%D8%AB%20%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B5%D9%88%D9%84%20%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE%D9%8A%D8%A9%20%D9%84%D9%84%D9%82%D8%A8%D9%8A%D9%84%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%87%D8%A8%D9%8A%D8%A9185242708.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200507012302/https://portal.arid.my/Publications/بحث%20الاصول%20التاريخية%20للقبيلة%20الذهبية185242708.pdf | تاريخ أرشيف = 7 مايو 2020 }}</ref>

شكَّل سُكَّان خانيَّة القبيلة الذهبيَّة مزيجًا كبيرًا من [[ترك|التُّرك]] و[[مغول|المغول]] الذين اعتنقوا الإسلام بِمُرُور الزمن، بِالإضافة إلى أعدادٍ أقل من الفنلنديين اليوغريين و[[ألان|الألان]] و[[سلاف|الصقالبة]] والقفقاسيين وشعوبٌ أخرى من المُسلمين وغير المُسلمين.<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|الأخير=Halperin|الأول=Charles J.|عنوان=Russia and the Golden Horde: The Mongol Impact on Medieval Russian History|مسار= https://books.google.com/books?id=kPwX2dW-V6sC&pg=PA111|سنة=1987|ناشر=Indiana University Press|isbn=978-0-253-20445-5|صفحة=111|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200207102738/https://books.google.com/books?id=kPwX2dW-V6sC&pg=PA111|تاريخ أرشيف=2020-02-07}}</ref> وشكَّل التُرك مُعظم سُكَّان الخانيَّة، وقد انقسموا إلى عدَّة شُعُوب، كال[[القفجاق|قفجاق]] و[[شعب الكومان|الكومان]] و[[بلغار الفولغا|بُلقار الڤولغا]] و[[تركمان|الخوارزميُّون]] وغيرهم. وقد تترَّكت الخانيَّة مع مُرُور الوقت وفقدت هويَّتها المغوليَّة، على أنَّ المُحاربين المغول الأصليين أحفاد باطو خان استمرُّوا يُشكلون الطبقة العُليا في المُجتمع.<ref group="ْ">{{استشهاد ويب|مسار= https://academic.eb.com:443/|عنوان=''Encyclopædia Britannica''|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200309231900/http://search.eb.com/eb/article-9037242|تاريخ أرشيف=2020-03-09}}</ref> وذكر القلقشندي أنَّ سُكَّان الخانيَّة كانوا مُجبرين على دفع ضرائب سنويَّة لِحُكَّامهم خشيةً من بطشهم وجبروتهم ودفعًا لِضررهم حتَّى وأن أثَّر هذا على مُستوى حياتهم المعاشيَّة الصعبة،<ref name="الطائي"/> فقال: {{اقتباس مضمن|وَهُمْ وَإِنَّ كَانَ لهم مُلُوكٌ فَهُمْ كَالْرَّعَايَا، فَإِنْ دَارُوهُ بِالطَّاعَةِ وَالتُّحَفِ، كَفٌّ عَنْهُمْ، وَإِلَّا شَنَّ عَلَيْهُمِ الْغَارَاتِ، وَضَايَقَهُمْ، وَحَاصَرَهُمْ، وَقَتَلَ رِجَالَهُمْ، وَسَبَى نِسَاءُهُمْ، وَجَلَبَ رَقيقِهِمْ إِلَى أَقْطَارِ الْأرْضِ}}.<ref name="القلقشندي"/>

=== الإنشاءات العُمرانيَّة ===
[[ملف:Dzhuchi khan mausoleum.jpg|تصغير|تُربة جوجي خان في [[أوبليس كراغندي|قراغندي]]، تظهر فيها معالم [[عمارة إيرانية|العمارة الإسلاميَّة الفارسيَّة]] المأخوذة عن بلاد آسيا الوُسطى.]]
نتيجة العلاقة الوطيدة والمُنتظمة بين خانيَّة القبيلة الذهبيَّة والدولة المملوكيَّة، فقد انتقلت [[عمارة إسلامية|التأثيرات المعماريَّة الإسلاميَّة]] من مصر والشَّام، فضلًا عن التأثيرات القادمة من وسط آسيا من بُخارى وسمرقند، فشُيِّدت المساجد والأبنية والقُصُور في شبه جزيرة القرم على يد المعماريين المصريين والشِّوام، وزُيِّنت قُصُور سراي [[فسيفساء|بِالفُسيفساء]] و[[لوحة جدارية|رُسُوم الجُدران]]، وظهرت البُيُوت الضخمة المبنيَّة بِالحجر والمُزيَّنة بِالزخارف، والقُبُور والأروقة، وأنظمة [[تدفئة مركزية|التدفئة المركزيَّة]] من خلال الأرضيَّات المُبلَّطة بِالخشب الصلب، وأُقيمت السُدُود في سراي لِتأمين المياه لِلأقنية و[[طاقة مائية|الطاقة المائيَّة]] المُستعملة في المصانع.<ref name="توسع"/> وكانت العاصمة سراي تحفل بِالمعالم والمصالح العامَّة، ووصفها ابن بطُّوطة حينما زارها، فقال: {{اقتباس مضمن|وَهِي مَنْ أَحْسَنُ الْمُدُنِ مُتَنَاهِيَةَ الْكِبَرِ فِي بَسيطٍ مِنَ الْأرْضِ تَغِضْ بِأهْلِهَا كَثْرَةً، حَسْنَةَ الْأَسْوَاقِ، مُتَّسَعَةَ الشَّوَارِعِ...}} وأضاف أنَّ عمارتها مُتَّصلة الدور، لا خراب فيها ولا بساتين، {{اقتباس مضمن|وَفِيهَا ثَلَاثَةَ عَشَّرَ مَسْجِدًا لِإقَامَةِ الْجُمُعَةِ أَحَدَّهُمَا لِلشَّافِعِيَّةِ، وَأَمَّا الْمَسَاجِدَ سِوَى ذَلِكَ فَكَثِيرَةَ جِدًّا... وَقَصْرُ السُّلْطَانِ بِهَا يُسَمَّى الطون طَاش، والطون مَعَنَاهُ الذَّهَبُ وَطَاش مُعَنَّاُهُ حَجَرٌ...}}.<ref name="الطائي2">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= الطَّائي، سُعاد هادي حسن إرحيم|عنوان= الأصول التاريخيَّة للقبيلة الذهبيَّة ودورها في نشر الإسلام بين المغول خلال العصر العبَّاسي (624 - 656هـ / 1226 - 1258م)|صفحة= 21 - 23|مكان= [[بغداد]] - [[العراق]]|مسار= https://portal.arid.my/Publications/%D8%A8%D8%AD%D8%AB%20%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B5%D9%88%D9%84%20%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE%D9%8A%D8%A9%20%D9%84%D9%84%D9%82%D8%A8%D9%8A%D9%84%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%87%D8%A8%D9%8A%D8%A9185242708.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200507012302/https://portal.arid.my/Publications/بحث%20الاصول%20التاريخية%20للقبيلة%20الذهبية185242708.pdf | تاريخ أرشيف = 7 مايو 2020 }}</ref> وأضاف القلقشندي معلوماتٌ أُخرى مُهمَّة عن عمارة المدينة، فقال: {{اقتباس مضمن|وَدَارُ الْمُلْكِ بِهَا قَصْرٌ عَظِيمٌ عَلَى عَليَائِهِ هَلَاَلٌ مِنْ ذَهَبِ زَنَّتْهُ قِنْطَارَانِ بِالْمِصْرِيِّ، وَيُحِيطُ بِالْقَصْرِ سُورٍ وَأَبْرَاجٌ فِيهَا الْأُمَرَاءَ، وَبِهَذَا الْقَصْرِ يَكُونُ مَشْتَاُهُمْ؛ والسَّرَاي مَدِينَةَ كَبِيرَةَ ذَاتُ أَسْوَاقٍ وَحَمَّامَاتٍ وَوُجُوهِ بَرٍّ...}}.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[أبو العباس القلقشندي|القلقشندي، شهاب الدين أبو العبَّاس أحمد بن عليّ بن أحمد]]|عنوان= صبح الأعشى في صناعة الإنشا|طبعة= الأولى|صفحة= 457|المجلد=الجُزء الرابع|سنة= [[1340 هـ|1340هـ]] - [[1922]]م|ناشر= [[دار الكتب والوثائق القومية (مصر)|دار الكُتُب المصريَّة]]|تاريخ الوصول= [[11 أبريل|11 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[القاهرة]] - [[المملكة المصرية|مصر]]|مسار= https://ia802808.us.archive.org/0/items/FP11609/suaa04.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200413010431/https://ia802808.us.archive.org/0/items/FP11609/suaa04.pdf | تاريخ أرشيف = 13 أبريل 2020 }}</ref> وذكر ابن بطُّوطة أيضًا أنَّهُ شاهد في سراي عدَّة [[مدرسة إسلامية|مدارس]] [[شافعية|للشافعيَّة]] و[[مالكية|المالكيَّة]]، فضلًا عن وُجود [[زاوية (مدرسة)|زوايا]] عدَّة لِعددٍ من الشُيُوخ والعُلماء ممن استضافوه وأصحابه في إحداها.<ref name="الطائي2"/>

=== الاقتصاد ===
[[ملف:Ордумелик Азак 762 г.х..jpg|تصغير|يمين|درهم ضُرب في عهد بردي بك.]]
نشطت تجارة سراي مع [[جمهورية جنوة|الجنويين]] سادة التجارة على طول ساحل [[البحر الأسود|بحر البنطس (الأسود)]] - [[سوداق]] و[[فيودوسيا|كفَّة]] و[[آزوف|آزاق]]. وكانت [[الدولة المملوكية|المماليك]] في مصر والشَّام شُركاء الخانيَّة التجاريين مُنذُ أمدٍ طويل، كما كانوا حُلفائهم في حوض [[البحر الأبيض المتوسط|البحر المُتوسِّط]]، وذلك مُنذُ أن أقام [[بركة خان]] تحالُفًا مع [[قائمة سلاطين الدولة المملوكية|السُلطان المملوكي]] [[الظاهر بيبرس]] ضدَّ المغول الإلخانيين في فارس سنة [[1261]]م.<ref group="ْ">Mantran, Robert (Fossier, Robert, ed.) "A Turkish or Mongolian Islam" in ''The Cambridge Illustrated History of the Middle Ages: 1250-1520'', p. 298</ref> وفقًا لِلمُؤرِّخ كريستوف باومر، قام اقتصاد خانيَّة القبيلة الذهبيَّة على التجارة بِالمقام الأوَّل، فقد كانت طريق التجارة الطبيعيَّة تتجه جنوب نهر الڤولغا وُصولًا إلى سراي حيث تتقاطع مع الطريق الواصلة بين الشرق والغرب شمال [[بحر قزوين|بحر الخزر (قزوين)]]، ثُمَّ ينحدر على الجانب الغربي من البحر المذكور إلى [[تبريز]] في أذربيجان حيث يلتقى بطريق الشرق-الغرب الكبير جنوب البحر نفسه سالف الذِكر. وفي حوالي سنة [[1262]]م عندما اندلعت [[حرب بركة-هولاكو|الحرب بين بركة خان وهولاكو]]، ثُمَّ تبعتها عدَّة حُرُوب على الجانب الغربي من بحر الخزر والتي خسرت الخانية بعضها، ممَّاأدَّى إلى انقطاع التجارة، فقامت الخانيَّة ببناء مُدُنٍ تجاريَّة على طول الطريق الشمالي لِتعويض خسارتها الطريق الجنوبيَّة. ولمَّا تحالف مغول القفجاق والمماليك، افتُتحت طريقٌ تجاريَّة جديدة بين الدولتين عبر مراكز جنوة في شبه جزيرة القرم.<ref group="ْ">Christoph Baumer, ''History of Central Asia'', volume 3, pp 263-270, 2016. He seems to be following Virgil Ciociltan, ''The Mongols and the Black Sea Trade'', 2012</ref> فكانت ترد من مصر والشَّام البضائع التجاريَّة، مثل المنسوجات الناعمة الجميلة، والفواكه المُختارة، والعُطُور النادرة، وحتَّى الحيوانات الغريبة وما شابهها، وكان السُفراء المغول يجلبونها عند عودتهم كهدايا لِيسِّدهم وحاشيته وبطانته. وقد أمدَّت قاعدة الڤولغا وسواحل بحر البنطس (الأسود) مصر [[الرق في الإسلام|بِالعبيد]] [[مملوك (تاريخ)|المماليك]]، أي بِالجُنُود، مُقابل إرسال مصر الصُنَّاع والحرفيين والعُلماء المُسلمين الذين كان لِنشاطهم أثرٌ بالغ في تطوُّر المغول في الروسيا.<ref name="اقتصاد"/> وكان المغول قد أقاموا نظامًا خاصًا لِعملتهم في جميع الدُول التي أسسوها، باستثناء مملكة يوان الصينيَّة، فقد كانت أكبر قطعة نقديَّة فضيَّة تُسمَّى دينارًا، أمَّا أصغر قطعة نقديَّة فضيَّة فقد كانت تُسمَّى درهمًا، إذ كان الدينار يُساوي ستَّة دراهم، وقد ثبُت وزن الدرهم في عهد خُلفاء جوجي خان على ثُلث مثقال، ثُمَّ طُبِّق هذا الوزن فيما بعد في آسيا الوُسطى وإيران والقفجاق. وكان لِكُلِّ مدينةٍ من المُدُن التي كانت خاضعة لِسُلطة القبيلة الذهبيَّة عملة ذات طابع وشكلٍ خاص بها، وقد ظهر هذا من خلال شكل العملة ونُقُوشها ونوع حُرُوفها.<ref name="الطائي2"/>

=== الدين ===
كانت البلاد التي شكَّلت خانيَّة القبيلة الذهبيَّة تحتضنُ عدَّة أديَّان مُنذ الفترة السابقة على اعتناق أهلها لِلإسلام. فمن [[أديان إبراهيمية|الديانات السماويَّة]] التي كانت مُنتشرة: [[المسيحية|المسيحيَّة]]، إذ كان التُرك المحليُّون من القفجاق يتعرَّضون - من قبل عهد المغول - لِلتأثير المسيحي الوافد من الإمارات الروسيَّة وأوروپَّا الغربيَّة، عن طريق [[تبشير بالإنجيل|التبشير]]، وعندما قامت الخانيَّة وثبَّتت أركانها، لم يفتر الترويج لِلمسيحيَّة، وخيرُ دليلٍ على ذلك وُجُود مُعجم قفجاقي - كوماني، يرجع إلى آخر [[القرن 13|القرن الثالث عشر الميلادي]]، ويحوي ترجمة تُركيَّة لِلإنجيل، ولِبعض التراتيل [[كاثوليكية|الكاثوليكيَّة]]، وتُؤكِّد هذه الترجمة على علم المُبشرين النصارى بِاللُغة التُركيَّة، وقد رأى ابن بطُّوطة في القرم بين كفَّة و[[كرج (القرم)|كرچ]] قومًا من القفجاق يدينون بِالمسيحيَّة، وكان بِالقرم نصارى محليُّون ينتسبون إلى عُنصُرٍ قوميٍّ آخر. ومع تحوُّل الخانيَّة إلى دولةٍ إسلاميَّة، عامل الخوانين المُسلمين رعاياهم المسيحيين بِالحُسنى، فأعفوا القساوسة من الضرائب، وسمح بركة خان - الذي عمل على ترسيخ الإسلام وسط شعبه - بِتأسيس أبرشيَّةٍ مسيحيَّة في سراي سنة [[1261]]م، واستمرَّ التسامح الديني التَّام طوال عُهُود الخوانين الذين تلوه.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[فاسيلي بارتولد|بارتولد، ڤاسيلي ڤلاديميروڤتش]]|مؤلف2= ترجمة: د. أحمد السعيد سُليمان|عنوان= تاريخ التُرك في آسيا الوُسطى|صفحة= 194 - 195|سنة= [[1996]]|ناشر= [[الهيئة المصرية العامة للكتاب|الهيئة المصريَّة العامَّة لِلكتاب]]|تاريخ الوصول= [[8 أبريل|8 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://archive.org/details/65656_201702/page/n195/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200509230207/https://archive.org/details/65656_201702/page/n195/mode/2up | تاريخ أرشيف = 9 مايو 2020 }}</ref><ref name="الموسوعة">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= مجموعة من العُلماء والباحثين|عنوان= الموسوعة العربيَّة المُيسَّرة|طبعة= الأولى|صفحة= 2540|سنة= [[1431 هـ|1431هـ]] - [[2010]]م|ناشر= المكتبة العصريَّة|مكان= [[صيدا]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://ia801903.us.archive.org/29/items/WAQ137961/137961.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20170502100833/http://ia601805.us.archive.org/9/items/WAQ137961/137961.pdf | تاريخ أرشيف = 2 مايو 2017 }}</ref> ويُلاحظ أنَّهُ بعد انهيار الدولة الإلخانيَّة في سنة [[756 هـ|756هـ]] المُوافقة لِسنة [[1355]]م، نقلت البعثات التبشيريَّة، القادمة من غربيّ أوروپَّا، نشاطها من إيران إلى بلاد التتر الشماليَّة، كما كان الأوروپيُّون يدعون القبيلة الذهبيَّة؛ بعد أن فقدت الأمل بِالنجاح. وكان البابا [[يوحنا الثاني والعشرون|يُوحنَّا الثاني والعشرين]] يعتقد بِأنَّ أوزبك خان - القائم على عرش الخانيَّة آنذاك - على الرُغم من أنَّهُ لن يرتد عن دينه إلى المسيحيَّة، فإنَّهُ يُمكن إقناعه بِأن يسمح لِلنصارى اللاتين بِتأسيس مراكز تبشيريَّة، وقد بنى قناعته على وُجُود أشخاص يُؤيِّدون المسيحيَّة في بلاط الخان من الأُمراء وذوي النُفُوذ والأميرات، بِالإضافة إلى وليّ العهد «تيني بك». وهكذا هرعت أعدادٌ من المُبشِّرين والمبعوثين إلى سراي وإلى منطقة الڤولغا ابتداءً من سنة [[738 هـ|738هـ]] المُوافقة لِسنة [[1338]]م، وأسَّسوا بطريركيَّة لاتينيَّة في العاصمة المغوليَّة إلى جانب البطريركيَّة الأرثوذكسيَّة التي تأسست في سنة [[659 هـ|659هـ]] المُوافقة لِسنة [[1261]]م، لِخدمة المُجتمع [[الكنيسة الروسية الأرثوذكسية|الروسي الأرثوذكسي]] المُتنامي.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[برتولد شبولر|شپولر، برتولد]]|مؤلف2= نقله إلى العربيَّة الأستاذ خالد أسعد عيسى|عنوان= العالم الإسلامي في العصر المغولي|طبعة= الأولى|صفحة= 100|سنة= [[1402 هـ|1402هـ]] - [[1982]]م|ناشر= دار حسَّان لِلطباعة والنشر|تاريخ الوصول= [[8 أبريل|8 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[دمشق]] - [[سوريا]]|مسار= https://archive.org/details/Book_289/page/n99/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200426000424/https://archive.org/details/Book_289/page/n99/mode/2up | تاريخ أرشيف = 26 أبريل 2020 }}</ref>

ومن الديانات الأُخرى التي كانت مُنتشرة بين سُكَّان بلاد القبيلة الذهبيَّة، الأرواحيَّة أو الشامانيَّة، وكان عددٌ من الخوانين يدينون بها قبل عهد أوزبك خان،<ref name="الموسوعة"/> الذي عمل على تصفيتها هي والوثنيَّة وإزالة آثارها وتمكين الإسلام في البلاد، كما أُسلف. أمَّا بِالنسبة لِلإسلام، فقد أخذ بالانتشار بين المغول مُنذ عهد بركة خان، وغلب على الخانيَّة تمامًا خلال خمسين سنة تقريبًا، فأصبح أغلب سُكَّانها من المغول والتُرك والألان والآص [[أهل السنة والجماعة|مُسلمون سُنيُّون]]، ويبدو من كلام ابن بطُّوطة أنَّ المذهبين السائدين في البلاد كانا المذهب الشافعي والمالكي. ورُغم انتشار الإسلام بين أفراد القبيلة الذهبيَّة، فقد كانت ما تزال هُناك عادات وتقاليد عدَّة يتِّبعها المغول سابقة على إسلامهم، ومنها عدم استعمال مياه الأنهُر لا لِلغُسل ولا لِلاغتسال، وهي تتنافى مع تعاليم الإسلام، وقد نبَّه بركة خان سُفراء السُلطان المملوكي الظاهر بيبرس عن هذا الأمر، فاضطرُّوا أن يغسلوا ملابسهم سرًّا لِشدَّة حاجتهم إلى ذلك.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= اليونيني، قُطب الدين أبي الفتح مُحمَّد بن أحمد البعلبكي الحنبلي|عنوان= ذيل مرآة الزمان|طبعة= الأولى|صفحة= 541|سنة= [[1374 هـ|1374هـ]] - [[1954]]م|ناشر= دائرة المعارف الإسلاميَّة|تاريخ الوصول= [[17 مارس|17 آذار (مارس)]] [[2019]]م|مكان= [[حيدر آباد]] - [[الهند]]|مسار= https://archive.org/stream/thmizayo/thail01#page/n565/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200416163243/https://archive.org/stream/thmizayo/thail01 | تاريخ أرشيف = 16 أبريل 2020 }}</ref>

=== القضاء والقانون ===
{{أيضا|الياسق}}
رُغم اعتناق مغول القبيلة الذهبيَّة لِلإسلام واتباعهم الشريعة الإسلاميَّة، إلَّا أنَّهم استمرُّوا، بعد اعتناقهم الإسلام، يُعظِّمون [[الياسق]] (تُسمَّى أيضًا «الياسا» أو «الياسة» أو الياساق)، وهو مجموعة القوانين والأحكام التي وضعها وأقرَّها جنكيز خان لِتنظيم حياة القبائل المغوليَّة، وكُتبت [[أبجدية أويغورية قديمة|بِالخط الأويغوري]]، وفي ذلك قال أحد أحد المُؤرخين: {{اقتباس مضمن|إِنَّ مُلُوكَ هَذِهِ الطَّائِفَةِ مَعَ ظُهورِ الْإِسْلَامِ فِيهُمْ وَإقْرَارَهُمْ بِالشَّهَادَتَينِ مُخَالِفُونَ لِأَحْكَامِهَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُمُورِ، وَاُقْفُوَنَ مَعَ يَاسَةِ جِنكِيزخَان الَّتِي قَرَّرَهَا لَهُم وُقُوفَ غَيْرِهِمْ مِنْ أَتِبَاعَهُ مَعَ مُؤَاخَذَةِ بَعْضًا أَشَدَّ مُؤَاخَذَةٍ فِي الْكَذِبِ والزِّنَا وَنَبْذَ الْمَوَاثِيقِ وَالْعُهُودِ وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ مُلُوكِهِمْ أَنَّهُمِ إذَا غَضِبُوا عَلَى أحَدٍ مِنْ أَتِبَاعَهُمْ أَخَذُوا مَالَهُ وَبَاعُوا أَوْلَاَدَهُ}}.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= الطَّائي، سُعاد هادي حسن إرحيم|عنوان= دراسات في تاريخ التُرك والمغول|طبعة= الأولى|صفحة= 231|سنة= [[2015]]|ناشر= دار ومكتبة عدنان للطباعة والنشر|مكان= [[بغداد]] - [[العراق]]|مسار= https://portal.arid.my/Publications/%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A7%D8%AA_%D9%81%D9%8A_%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE_%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D9%83_%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D9%88%D9%84180143297.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200510012249/https://portal.arid.my/Publications/دراسات_في_تاريخ_الترك_والمغول180143297.pdf | تاريخ أرشيف = 10 مايو 2020 }}</ref> وكان المغول يرجعون إلى الياسق في تحديد العديد من العُقُوبات، وبحسب ما ورد فيها فإنَّ [[زنى|الزاني]] كان يُقتل سواء كان مُحصَّنًا أم غير مُحصَّن، وكذلك [[لواط|اللوطي]]، ومن يتعمَّد سحر الناس والتجسُّس عليهم دون وجه حق، ومن [[بول|بال]] في الماء أو على الرماد، أو دخل بين اثنين وهُما يتخاصمان فأعان أحدهما على الآخر. وتضمَّنت الياسق نُصوص تحث الأبناء على طاعة آبائهم والإخوة الصغار لِإخوتهم الكبار، والزوجات لِأزوجهن، وغير ذلك. وكانت بعض قوانين الياسق تتماثل مع الشريعة الإسلاميَّة، بينما كان بعضها الآخر لا يتوافق معها أبدًا، وقد استمرَّ المغول يتبعون بعض تلك القوانين المُتعارضة مع الشريعة الإسلاميَّة، مثل امتناعهم عن استعمال مياه الأنهار لِلغسيل والاغتسال. ويقول [[تقي الدين المقريزي|المقريزي]] إنَّ عامَّة المغول المُسلمين لمَّا كانوا لا يستطيعون الخُرُوج عن سُنَّة جنكيز خان والاقتداء بِحُكم الياسق؛ فإنهم كانوا ينصبون [[حاجب (لقب)|حاجبًا]] لِيقضي بينهم فيما اختلفوا فيه من عوائدهم، والأخذ على يد قويُّهم، وإنصاف الضعيف منهم على مُقتضى ما في الياسق، وكانوا يجعلون إليه النظر في قضايا الدواوين السُلطانيَّة عند الاختلاف في أُمور الإقطاعات.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[فؤاد الصياد|الصيَّاد، فؤاد عبد المُعطي]]|عنوان= المغول في التاريخ|طبعة= الأولى|صفحة= 340 - 349|سنة= [[1980]]|ناشر= [[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربيَّة]]|تاريخ الوصول= [[21 أبريل|21 نيسان (أبريل)]] [[2019]]م|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://www.books4arab.com/wp-content/uploads/2019/02/296.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200518084147/https://www.books4arab.com/ | تاريخ أرشيف = 18 مايو 2020 |حالة المسار=dead}}</ref>

=== الفُنُون والعُلُوم والآداب ===
[[ملف:Ghengisid's palace tile decor detail.jpg|تصغير|قطعٌ مُزخرفة عُثر عليها في سراي.]]
كشفت الحفريَّات الآثاريَّة في مدينة سراي عن وُجُود [[أسطرلاب]]ٍ ضمن أطلال المدينة العتيقة، مما يُفيد بِدراية مغول القفجاق [[علم الفلك في عصر الحضارة الإسلامية|بِعُلُوم الفلك]]، كما يُعرف بأنَّ المدينة المذكورة كانت موطن العديد من الشُعراء، لكنَّ مُعظمهم معروفون بِالاسم فقط، ولا توجد لهم آثار باقية من دواوين ومُؤلَّفات.<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|مسار= https://books.google.com/books?id=ZZWMAQAAQBAJ&pg=PA15|صفحة=15|عنوان=Historical Anthology of Kazan Tatar Verse|المحررين=Ravil Bukharaev, David Matthews|ناشر= Routledge|سنة=2013|isbn=9781136814655|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200207102740/https://books.google.com/books?id=ZZWMAQAAQBAJ&pg=PA15|تاريخ أرشيف=2020-02-07}}</ref><ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|مسار= https://books.google.com/books?id=mFK4AwAAQBAJ&pg=PT116|صفحة=116|عنوان=Islam in Russia: The Four Seasons|مؤلف=Ravil Bukharaev|ناشر= Routledge|سنة=2014|isbn=9781136808005|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200207102739/https://books.google.com/books?id=mFK4AwAAQBAJ&pg=PT116|تاريخ أرشيف=2020-02-07}}</ref> أمَّا بِالنسبة لِفُنُون مغول القفجاق، فقد كان [[فن إسلامي|فنُّهم الإسلامي]] ظاهرًا وبارزًا، وكانت حرفة الصياغة المُستوحاة من الحضارة الصينيَّة مُتطوِّرة جدًا، وكذلك صناعة القطع الفنيَّة، وأكثر الفُنُون التي ظهرت في هذا العصر فن الكتاب الفارسي، بالإضافة إلى التصاميم الخزفيَّة والقبب [[مقرنص|المُقرنصة]].<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= ديماند، م.س|مؤلف2= ترجمة أحمد مُحمَّد عيسى|عنوان= الفُنُون الإسلاميَّة|طبعة= الأولى|سنة = [[2018]]|ناشر= وكالة الصحافة العربيَّة|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20200510224816/https://books.google.com.lb/books?id=0t5aDwAAQBAJ&pg=PT5&lpg=PT5&dq=%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86%D9%88%D9%86+%D8%B9%D9%86%D8%AF+%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A8%D9%8A%D9%84%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%87%D8%A8%D9%8A%D8%A9&source=bl&ots=L0YkfhCxma&sig=ACfU3U39KCj4hBRmYjdBLovqHiDLHjCgig&hl=en&sa=X&ved=2ahUKEwiR3q6OqqrpAhWfVhUIHVu1BU8Q6AEwB3oECAgQAQ#v=onepage&q=%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86%D9%88%D9%86%20%D8%B9%D9%86%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A8%D9%8A%D9%84%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%87%D8%A8%D9%8A%D8%A9&f=false|تاريخ أرشيف=[[11 مايو|11 أيَّار (مايو)]] [[2020]]م|مسار=https://books.google.com.lb/books?id=0t5aDwAAQBAJ&pg=PT5&lpg=PT5&dq=%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86%D9%88%D9%86+%D8%B9%D9%86%D8%AF+%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A8%D9%8A%D9%84%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%87%D8%A8%D9%8A%D8%A9&source=bl&ots=L0YkfhCxma&sig=ACfU3U39KCj4hBRmYjdBLovqHiDLHjCgig&hl=en&sa=X&ved=2ahUKEwiR3q6OqqrpAhWfVhUIHVu1BU8Q6AEwB3oECAgQAQ#v=onepage&q=%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86%D9%88%D9%86%20%D8%B9%D9%86%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A8%D9%8A%D9%84%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%87%D8%A8%D9%8A%D8%A9&f=false}}</ref> أشارت الباحثة [[مصريون|المصريَّة]] نادية علي فاضل أنَّ مغول القبيلة الذهبيَّة كانوا يُنتجون أنواعًا عديدةً من الخزف سواء المُزخرف تحت الطلاء، أو المينائي، و الـ«لاجفاردينا»، والخزف القفجاقي ذو البريق المعدني، والخزف القفجاقي التقليد لخزف السيلادون الصيني، والخزف القفجاقي تقليد [[بورسلان|المُزجَّج الصيني]]. واستخدم المغول طينات مُختلفة في صناعة هذا الخزف أهمها عجينة فاخرة رمادية اللون تُسمَّى «كاشي»، كما استُخدمت أدواتٌ مُختلفة في هذه الصناعة، وسبعة أنواع من الأفران. وكان لِهذه الأواني الخزفيَّة عدَّة استخدامات، فبعضُها استُخدم كأوانٍ لِحفظ [[ماء ورد|ماء الورد]] وبعضُها الآخر مصائد ذُباب، بالإضافة إلى الاستخدامات المُتعارف عليها من صُحُونِ وسُلطانيَّات وأباريق وغيرها، وزُيِّنت هذه الخزفيَّات بِالزخارف النباتيَّة، وأشكال الكائنات الحيَّة، والزخارف الهندسيَّة، والنُقُوش الكتابيَّة. ويبدو التأثير الصيني والفارسي والمملوكي واضحًا في هذه المُنتجات، الذي انتقل إلى القفجاق عن طريق العلاقات التجاريَّة.<ref>{{استشهاد ويب|مؤلف= الكُردي، شيرين|تاريخ= [[12 ديسمبر|12 كانون الأوَّل (ديسمبر)]] [[2019]]م|عنوان= باحثة تكشف روائع الفنون الإسلامية لقبائل« القبجاق» الروسية|مسار= https://akhbarelyom.com/news/newdetails/2963200/1/%D8%A8%D8%A7%D8%AD%D8%AB%D8%A9-%D8%AA%D9%83%D8%B4%D9%81-%D8%B1%D9%88%D8%A7%D8%A6%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%82%D8%A8%D8%A7%D8%A6%D9%84--%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A8%D8%AC%D8%A7%D9%82--%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A9|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200510234950/https://akhbarelyom.com/news/newdetails/2963200/1/%D8%A8%D8%A7%D8%AD%D8%AB%D8%A9-%D8%AA%D9%83%D8%B4%D9%81-%D8%B1%D9%88%D8%A7%D8%A6%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%82%D8%A8%D8%A7%D8%A6%D9%84--%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A8%D8%AC%D8%A7%D9%82--%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A9|تاريخ أرشيف= [[11 مايو|11 أيَّار (مايو)]] [[2020]]م|موقع= [[أخبار اليوم (جريدة مصرية)|أخبار اليوم]]|تاريخ الوصول = [[11 مايو|11 أيَّار (مايو)]] [[2020]]م}}</ref>

== الجيش ==
انفرد القلقشندي في ذكر الأُسس والأنظمة العسكريَّة لِخانيَّة القبيلة الذهبيَّة والأرزاق والمُرتَّبات التي كانت تُمنح لِلجُند والزي الخاص بهم، فقال واصفًا القُوَّة العسكريَّة لِهذا الدولة: {{اقتباس مضمن|إِنَّ عَسَاكِرَهَا كَثِيرَة تَفُوتُ الْحَصْرُ، لَا يُعْلَمُ لَهَا مِقْدَارٌ إِلَّا أَنَّهُ خَرَجَ مَرَّةً عَلَيْهِ وَعَلَى الْقَانِ الْكَبِيرِ اسنبغا سُلْطَانُ مَا وَرَاءِ النَّهْرِ خَارِجٌ، فَجَرَّدَ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ عُشُرَةٍ وَاحِدًا فَبَلَغَ عَدَدُ الْمُجَرَّدِينَ مَائِتِينَ وَخَمْسِينَ ألْفًا مِمَّنْ دَخْلَ تَحْتَ الْإِحْصَاءِ سِوَى مَنِ اِنْضَمَّ إِلَيْهِمْ، وَأَلْزَمُ كُلَّ فَارِسَ مِنْهُمْ بِغُلَاَمَيْنِ ثَلَاثِينَ رَأْسًا مِنَ الْغَنَمِ وَخَمْسَةَ أرُؤس مِنَ الْخَيْلِ وَقَدْرَيْنِ نَحَّاسٌ وَعَجَلَةٌ}}.<ref name="الجيش">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[أبو العباس القلقشندي|القلقشندي، شهاب الدين أبو العبَّاس أحمد بن عليّ بن أحمد]]|عنوان= صبح الأعشى في صناعة الإنشا|طبعة= الأولى|صفحة= 475 - 477|المجلد=الجُزء الرابع|سنة= [[1340 هـ|1340هـ]] - [[1922]]م|ناشر= [[دار الكتب والوثائق القومية (مصر)|دار الكُتُب المصريَّة]]|تاريخ الوصول= [[11 أبريل|11 نيسان (أبريل)]] [[2020]]م|مكان= [[القاهرة]] - [[المملكة المصرية|مصر]]|مسار= https://ia802808.us.archive.org/0/items/FP11609/suaa04.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200413010431/https://ia802808.us.archive.org/0/items/FP11609/suaa04.pdf | تاريخ أرشيف = 13 أبريل 2020 }}</ref> وهذا يدُلُّ على ما كانت تتمتَّع به خانيَّة القبيلة الذهبيَّة من قُوَّةٍ عسكريَّةٍ كبيرةٍ سواء من حيث عدد الجُند أو عدَّتهم العسكريَّة. أمَّا عن مقدار أرزاق الجُند في هذه الدولة فقد كان كُلُّ جُنديٍّ يحقُّ له الاحتفاظ بِإقطاعات وأملاك أبيه، وبِالإجمال يبدو أنَّ الأوضاع المعيشيَّة لِلجُند كانت جيِّدة، وفي ذلك قال القلقشندي: {{اقتباس مضمن|وَأَمَّا مَقَادِيرَ أَرْزَاقِ جُنْدِهِمْ... فَمَنْ كَانَ بَيْدَ آبَائِه شَيْءٌ مِنَ الْإقْطَاعِ فَهُوَ بَيْدَ أبْنَائِه. وَالْأُمَرَاءُ لهم بِلَادٌ، مِنْهُمْ مَنْ تُغْلِ بِلَادَهُ فِي السَّنَةِ مَائِتِي أَلَّفَ دِينَار رَابِحُ وَمَا دُونَ ذَلِكَ إِلَى مَِائََِةِ أَلْفِ دِينَار رَابِحَ. أَمَّا الْجُنْدَ فَلَيْسَ لِأَحُدُّ مِنْهُمْ إِلَّا نُقُودَ تُؤْخَذُ، كُلَّهُمْ فِيهَا عَلَى السَّوَاءِ، لِكُلِّ وَاحِدِ مِنْهُمْ فِي السَّنَةِ مَائِتَا دِينَار رَابِح}}.<ref name="الجيش"/> أمَّا زيّ الجُند في الخانيَّة، فكان مُشابهًا لِزي العساكر الإسلاميَّة في الدولة المملوكيَّة بِمصر والشَّام، إلَّا أنَّ الزيَّ المغولي عاد وغلب عليهم فيما بعد، لكنَّهم جعلوا غطتء رؤوسهم عبارة عن عمائم صغيرة مُدوَّرة.<ref name="الجيش"/>

== المراجع ==
=== هوامش ===
* '''«{{هامش|1}}»''': المسكوب والمسكوبيَّة هو تحريفُ «موسكوڤ» و«موسكوڤيَّة» ([[ڤ]])، ويُقصد بها أهل مدينة أو إمارة [[موسكو]]، واستُخدمت لِلإشارة في فترةٍ من الفترات إلى الروس ككل. وسبب كتابتها بِهذا الشكل هو عادة استبدال لفظ الـ«[[V]]» [[اللغة العربية|بِالعربيَّة]] بِالباء، كما في حالة [[بلنسية]] التي يلفظها الغربيُّون «ڤلنسية»، و«[[أفنيون|أڤينيون]]» التي كتبها العرب ولفظوها «أبينيون».
* '''«{{هامش|2}}»''': الخركاه في [[اللغة المنغولية|اللُغة المغوليَّة]] هي الأورطة أي الخيمة، وأُطلق بعد ذلك على المُعسكر، وقيل لِكُلِّ مُعسكرٍ كبيرٍ: أورطة أو أوردا أو أُردُو.<ref name="مسعود"/>
* '''«{{هامش|3}}»''': يُروى أيضًا أنَّ العالم الذي التقاهُ بركة وأسلم على يديه يُدعى [[نجم الدين مختار الزاهدي|نجم الدين مُختار الزاهدي]]، ولمَّا التقاه بركة استفسر منه عن الدين الإسلاميّ وطلب منه أن يُؤلِّف لهُ رسالة تُؤيِّد بِالبراهين رسالة الإسلام، وتوضح بُطلان عقائد المغول وترد على المُخالفين والمُنكرين لِهذا الدين،<ref>{{استشهاد ويب| الأخير =الزُهيري| الأول  =شريف عبد العزيز| تاريخ =[[1 رجب]] [[1438 هـ|1438هـ]] - [[27 مارس|27 آذار (مارس)]] [[2017]]م| مسار أرشيف  =https://web.archive.org/web/20190317165415/https://www.alukah.net/culture/0/114062/| تاريخ أرشيف =[[17 مارس|17 آذار (مارس)]] [[2019]]م| مسار  =https://www.alukah.net/culture/0/114062/| عنوان =أعظم ملوك التتار: بركة خان (ناصر الدين العظيم)| موقع =[[شبكة الألوكة]]| تاريخ الوصول =[[17 مارس|17 آذار (مارس)]] [[2019]]م}}</ref> فألَّف لهُ كتاب الرسالة الناصريَّة في [[النبوة في الإسلام|النُبُوَّة]] والمُعجزات،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[خير الدين الزركلي|الزركلي، خير الدين بن محمود بن مُحمَّد بن عليّ]]|عنوان= قاموس الأعلام|طبعة= الخامسة عشر|المجلد=الجُزء السابع|صفحة= 193|سنة= [[2002]]|ناشر= [[دار العلم للملايين]]|تاريخ الوصول=[[17 مارس|17 آذار (مارس)]] [[2019]]م|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://shamela.ws/browse.php/book-12286/page-6511| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20190531044912/http://shamela.ws/browse.php/book-12286/page-6511 | تاريخ أرشيف = 31 مايو 2019 |حالة المسار=dead}}</ref> فكان هذا سببًا في إسلام بركة، وتحوُّله إلى ناصرٍ لِلمُسلمين في دولته، ومُدافعًا عن قضاياهم.
* '''«{{هامش|4}}»''': السرآجوقات هي طاقيَّة مغوليَّة خاصَّة بِالخوانين، كانوا يلبسونها.<ref name="طقوش9"/>

=== بِاللُغة العربيَّة ===
{{مراجع}}

=== بِلُغاتٍ أجنبيَّة ===
{{مراجع|مجموعة=ْ|2|محاذاة=نعم}}

== وصلات خارجيَّة ==
{{روابط شقيقة|commons=Golden Horde}}
* [https://raseef22.com/article/160880-%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A8%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%87%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D8%AA%D8%AA%D8%A7%D8%B1-%D8%A8%D9%88%D9%84%D9%86%D8%AF%D8%A7-%D8%A7 تاريخ «القبيلة الذهبيَّة» لتتار بولندا المُسلمين: «نحنُ أرنب سحب قُبَّعته لمُفاجأة العالم»]. مقالة من موقع رصيفـ22. 
* [https://www.sasapost.com/moscow_sack_1382/ نَهْب موسكو 1382.. خدعة الشُعُوب التُركيَّة التي لم ينسَها الروس أبدًا]. مقالة من موقع [[ساسة بوست|ساسة پوست]]. 
* [https://midan.aljazeera.net/intellect/history/2017/10/1/%D8%B9%D9%86%D8%AF%D9%85%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%82%D9%89-%D8%A8%D9%8A%D8%A8%D8%B1%D8%B3-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D9%88%D9%84-%D9%88%D8%AC%D9%87%D8%A7-%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%87 عندما التقى بيبرس والمغول وجهًا لوجه!] بِقلم [https://web.archive.org/web/20200517220219/https://midan.aljazeera.net/mohammedshaaban مُحمَّد شعبان أيُّوب]، في موقع [[ميدان الجزيرة]].
* [https://www.iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=174280 المرأة في خانيَّة القبيلة الذهبيَّة من خلال رحلة ابن بطُّوطة]، بحث تقدَّم به حُسين علي العلَّاق في [[جامعة واسط]]، كُليَّة التربية، قسم التاريخ.
{{إمبراطورية المغول}}
{{إمبراطوريات}}
{{مواضيع كازاخستان}}
{{الدول التاريخية الإسلامية}}
{{ضبط استنادي}}
{{شريط بوابات|الإسلام|الإمبراطورية المغولية|التاريخ الإسلامي|تاريخ آسيا}}
{{شريط محتوى متميز|مختارة|التاريخ=26 أغسطس 2020|النسخة=50063667}}
{{لا لربط البوابات المعادل}}

[[تصنيف:القبيلة الذهبية|القبيلة الذهبية]]
[[تصنيف:انحلالات سنة 1502]]
[[تصنيف:إمبراطوريات إسلامية]]
[[تصنيف:باتو خان]]
[[تصنيف:تأسيسات عقد 1240 في إمبراطورية المغول]]
[[تصنيف:تاريخ سيبيريا]]
[[تصنيف:خانيات]]
[[تصنيف:دول إسلامية سابقة]]
[[تصنيف:دول تتارية]]
[[تصنيف:دول تركية سابقة]]
[[تصنيف:دول سابقة]]
[[تصنيف:دول سابقة في آسيا]]
[[تصنيف:دول سابقة في أوروبا]]
[[تصنيف:دول مغولية]]
[[تصنيف:دول وأقاليم انحلت في 1502]]
[[تصنيف:دول وأقاليم أسست في عقد 1240]]
[[تصنيف:روسيا الوسيطة]]
[[تصنيف:سلالات حاكمة مسلمة]]
[[تصنيف:سلالات مغولية]]
[[تصنيف:قوالب دول وأقاليم سابقة في آسيا]]
[[تصنيف:مجموعات مترحلة في أوراسيا]]