عرض مصدر عمر بن الخطاب

{{محمية|2}}
{{عن|3=عمر بن الخطاب (توضيح)}}
{{عن|عُمر بن الخطّاب ثاني الخلفاء الراشدين|عناوين مشابهة|عمر (توضيح)|هنا}}
{{شخصية دينية
| الاسم = عُمر بن الخطّاب
| صورة = Umar2.png
| تعليق = تخطيط لاسم عمر بن الخطّاب مسبوق بلقبه [[الفاروق (لقب)|الفاروق]] وملحوق بدعاء الرضا عنه
| كنية = أبو حفص 
| ألقاب = الفاروق، أمير المؤمنين<br /><div style="text-align: center;">سيدنا عمر</div>
| تاريخ_الولادة  = مابين عاميّ [[586]] و[[590]]م تقريبًا، سنة [[40 ق هـ|40 ق.هـ]]
| مكان_الولادة = [[مكة]]، [[تهامة]]، [[شبه الجزيرة العربية]]
| تاريخ_الوفاة  = [[7 نوفمبر]] [[644]]م، الموافق [[26 ذو الحجة]] [[23 هـ]]
| مكان_الوفاة = [[المدينة المنورة]]، [[الحجاز]]، [[شبه الجزيرة العربية]]، {{الخلافة الراشدة}}
| مبجل(ة)_في = [[إسلام|الإسلام]]: [[أهل السنة والجماعة]]، [[إباضية|الإباضية]]، [[موحدون دروز|الدروز]]، [[زيدية|الشيعة الزيدية]]
| المقام_الرئيسي= [[المسجد النبوي]]، إلى جانب النبي [[محمد]] و[[أبو بكر الصديق]]، [[المدينة المنورة]]
| النسب = '''أبوه:''' [[الخطاب بن نفيل|الخطّاب بن نفيل بن عبد العزى]]<br />'''أمه:''' [[حنتمة بنت هاشم]] بن المغيرة<br />'''أشقاؤه:''' [[زيد بن الخطاب]]، [[فاطمة بنت الخطاب]]<br />'''زوجاته:''' [[قريبة الصغرى بنت أبي أمية|قريبة بنت أبي أمية]]، و[[أم كلثوم بنت عمرو الخزاعية|أم كلثوم مليكة بنت جرول]]، وزينب بنت مظعون، و[[جميلة بنت ثابت]]، و[[عاتكة بنت زيد]]، وأم حكيم بنت الحارث، و[[أم كلثوم بنت علي|أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب]]{{للهامش|1}}<br />'''ذريته:''' [[عبيد الله بن عمر بن الخطاب|عبيد الله]]، [[زيد بن عمر بن الخطاب|زيد الأكبر]]، زيد الأصغر، [[عبد الله بن عمر بن الخطاب|عبد الله]]، [[حفصة بنت عمر|حفصة]]، عبد الرحمن الأكبر، أبو شحمة عبد الرحمن الأوسط، عبد الرحمن الأصغر، [[عاصم بن عمر بن الخطاب|عاصم]]، عياض، فاطمة، رقية.
}}
'''أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْعَدَوِيُّ الْقُرَشِيُّ'''، المُلقب '''بالفاروق'''، هو ثاني [[الخلفاء الراشدون|الخلفاء الراشدين]] ومن كبار أصحاب الرسول [[محمد]]، وأحد أشهر الأشخاص والقادة في [[تاريخ إسلامي|التاريخ الإسلامي]] ومن أكثرهم تأثيرًا ونفوذًا.<ref>أحمد، نذير، ''الإسلام في التاريخ العالمي: منذ وفاة النبي محمد {{صلى الله عليه وسلم}} وحتى نشوب الحرب العالمية الأولى''، المعهد الأمريكي للثقافة والتاريخ الإسلامي، 2001، ص. 34. ISBN 0-7388-5963-X.</ref> هو أحد [[العشرة المبشرون بالجنة|العشرة المبشرين بالجنة]]، ومن علماء [[صحابة|الصحابة]] وزهّادهم. تولّى الخلافة الإسلامية بعد وفاة [[أبو بكر الصديق|أبي بكر الصديق]] في [[23 أغسطس]] سنة [[634]]م، الموافق [[22 جمادى الآخرة|للثاني والعشرين من جمادى الآخرة]] سنة [[13 هـ]].<ref>الدولة العربية الإسلامية الأولى (1-41 هـ / 623-661 م). الطبعة الثالثة 1995 م. دكتور عصام شبارو. دار النهضة العربية، بيروت - لبنان. صفحة: 279</ref> كان ابن الخطّاب قاضيًا خبيرًا وقد اشتهر بعدله وانصافه الناس من المظالم، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، وكان ذلك أحد أسباب تسميته بالفاروق، لتفريقه بين الحق والباطل.

هو مؤسس [[تقويم هجري|التقويم الهجري]]، وفي عهده بلغ الإسلام مبلغًا عظيمًا، وتوسع نطاق الدولة الإسلامية حتى شمل كامل [[العراق]] و[[مصر]] و[[ليبيا]] و[[بلاد الشام|الشام]] و[[بلاد فارس|فارس]] و[[خراسان الكبرى|خراسان]] وشرق [[الأناضول]] وجنوب [[أرمينيا|أرمينية]] وسجستان، وهو الذي أدخل [[القدس]] تحت حكم المسلمين لأول مرة وهي ثالث أقدس المدن في الإسلام، وبهذا استوعبت الدولة الإسلامية كامل أراضي [[ساسانيون|الإمبراطورية الفارسية الساسانية]] وحوالي ثلثيّ أراضي [[الإمبراطورية البيزنطية|الامبراطورية البيزنطية]].<ref>Hourani, p. 23.</ref> تجلّت عبقرية عمر بن الخطاب العسكرية في حملاته المنظمة المتعددة التي وجهها لإخضاع [[فرس (مجموعة إثنية)|الفرس]] الذين فاقوا المسلمين قوة، فتمكن من فتح كامل إمبراطوريتهم خلال أقل من سنتين، كما تجلّت قدرته وحنكته السياسية والإدارية عبر حفاظه على تماسك ووحدة دولة كان حجمها يتنامى يومًا بعد يوم ويزداد عدد سكانها وتتنوع أعراقها.<ref name="jewishvirtuallibrary.org">[https://www.jewishvirtuallibrary.org/the-caliphate المكتبة اليهودية الرقمية: الخلافة الإسلامية الراشدة] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20170102065105/https://www.jewishvirtuallibrary.org/jsource/History/Caliphate.html |date=02 يناير 2017}}</ref>

== بداية حياته ==
=== نسبه ===
[[ملف:Rashidun Caliphs Umar ibn Al-Khattāb - عُمر بن الخطّاب ثاني الخلفاء الراشدين.svg|تصغير|اسم عُمر بن الخطّاب بالخط العربي الثلث العثماني كما يظهر في آيا صوفيا بمدينة إسطنبول بتركيا]]
* هو: '''عمر''' بن [[الخطاب بن نفيل|الخطاب]] بن [[نفيل بن عبد العزى|نُفَيْل]] بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن '''[[بنو عدي|عدي]]''' بن [[كعب بن لؤي|كعب]] بن [[لؤي بن غالب|لؤي]]<ref>الطبقات الكبرى، تأليف: ابن سعد، ج3، ص265.</ref> بن [[غالب بن فهر|غالب]]<ref name="ReferenceA">محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ج1، ص131.</ref> بن [[فهر بن مالك|فهر]] بن [[مالك بن النضر|مالك]] بن [[النضر بن كنانة|النضر]] وهو '''[[قريش]]''' بن '''[[كنانة بن خزيمة|كنانة]]''' بن [[خزيمة بن مدركة|خزيمة]] بن [[مدركة بن إلياس|مدركة]] بن [[إلياس بن مضر|إلياس]] بن '''[[مضر]]''' بن [[نزار بن معد|نزار]] بن [[معد بن عدنان|معد]] بن '''[[عدنان]]'''، [[بنو عدي|العدوي]] [[قريش|القرشي]].<ref>[[السيرة النبوية لابن هشام|سيرة ابن هشام]]</ref>

وهو ابن عمّ [[زيد بن عمرو بن نفيل]] [[مقوم|الموحد]] على [[حنيفية|دين إبراهيم]]. وأخوه الصحابي [[زيد بن الخطاب]] والذي كان قد سبق عمر إلى [[إسلام|الإسلام]]. ويجتمع نسبه مع الرسول محمد في [[كعب بن لؤي|كعب]] بن [[لؤي بن غالب|لؤي]] بن [[غالب بن فهر|غالب]].<ref>محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (1 / 131).</ref>
* أمه: [[حنتمة بنت هاشم|'''حنتمة''']] بنت [[هاشم بن المغيرة|هاشم]] بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن '''[[بنو مخزوم|مخزوم]]''' بن يقظة بن [[كلاب بن مرة|كلاب]] بن [[مرة بن كعب|مرة]] بن [[كعب بن لؤي|كعب]] بن [[لؤي بن غالب|لؤي]] بن [[غالب بن فهر|غالب]] بن [[فهر بن مالك|فهر]] بن [[مالك بن النضر|مالك]] بن [[النضر بن كنانة|النضر]] وهو '''[[قريش]]''' بن '''[[كنانة بن خزيمة|كنانة]]''' بن [[خزيمة بن مدركة|خزيمة]] بن [[مدركة بن إلياس|مدركة]] بن [[إلياس بن مضر|إلياس]] بن '''[[مضر]]''' بن [[نزار بن معد|نزار]] بن [[معد بن عدنان|معد]] بن '''[[عدنان]]'''.

وهي ابنة عمّ كلٍ من [[أمهات المؤمنين|أم المؤمنين]] [[أم سلمة]] و[[صحابة|الصحابي]] [[خالد بن الوليد]] وعمرو بن هشام المعروف بلقب [[أبو جهل|أبي جهل]].<ref>أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير</ref> ويجتمع نسبها مع النبي [[محمد]] في كلاب بن مرة.<ref name="ReferenceA"/>

=== نشأته ===
ولد بعد [[عام الفيل]]، وبعد مولد الرسول محمد بثلاث عشرة سنة.<ref>تاريخ الخلفاء، تأليف: [[جلال الدين السيوطي|السيوطي]]، ص133.</ref> وكان [[بيت|منزل]] عمر في [[جاهلية|الجاهلية]] في أصل [[جبل|الجبل]] الذي يقال له اليوم [[جبل عمر]]، وكان اسم الجبل في الجاهلية العاقر وبه منازل [[بنو عدي|بني عدي]] بن كعب، نشأ في [[قريش]] وامتاز عن معظمهم بتعلم [[قراءة|القراءة]]. وعمل راعيًا [[جمل عربي|للإبل]] وهو صغير، وكان والده غليظًا في معاملته.<ref>الفاروق مع النبي د.عاطف لماضة ص 5</ref> وكان يرعى لوالده ولخالات له من بني مخزوم. وتعلم [[مصارعة|المصارعة]] وركوب الخيل والفروسية، والشعر. وكان يحضر [[سوق|أسواق]] [[عرب|العرب]] و[[سوق عكاظ]] و[[سوق مجنة]] و[[سوق ذي المجاز]]، فتعلم بها [[تجارة|التجارة]]،<ref>عمر بن الخطاب، حياته، علمه، أدبه د.علي أحمد الخطيب ص 153</ref> التي ربح منها وأصبح من أغنياء [[مكة]]، رحل صيفًا إلى [[بلاد الشام]] وإلى [[اليمن]] في الشتاء،<ref>عمر بن الخطاب، د.محمد أبو النصر ص 17</ref> وكان عمر من أشراف [[قريش]]، وإليه كانت السفارة فهو سفير قريش، فإن وقعت [[حرب]] بين قريش وغيرهم بعثوه سفيراً، وإن نافرهم منافر أو فاخرهم مفاخر رضوا به، بعثوه منافرًا ومفاخرًا.<ref>الخليفة الفاروق، تأليف: العاني، ص16.</ref><ref>مناقب عمر، ص11.</ref><ref>أسد الغابة لإبن الأثير - ج2 ص314</ref> نشأ عمر في البيئة [[عرب|العربية]] [[جاهلية|الجاهلية]] [[وثنية|الوثنية]] على دين قومه، كغيره من أبناء [[قريش]]، وكان مغرمًا [[خمر|بالخمر]] و[[امرأة|النساء]].<ref name="زحيلي">{{استشهاد ويب | الأخير=زحيلي | الأول=وهبة مصطفى | عنوان=عمر بن الخطاب | موقع=الموسوعة العربية | مسار=http://arab-ency.com.sy/ency/details/5998/13/%D8%B9%D9%85%D8%B1+%D8%A8%D9%86+%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A8 | تاريخ الوصول=November 14, 2022| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20221114114345/http://arab-ency.com.sy/ency/details/5998/13/%D8%B9%D9%85%D8%B1+%D8%A8%D9%86+%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A8 | تاريخ أرشيف = 14 نوفمبر 2022 }}</ref>

== في عهد النبي محمد ==
=== معاداته للمسلمين ===
{{أهل السنة}}
يتفق المؤرخون و[[عالم (مهنة)|علماء]] الشريعة على أن النبي محمدًا بُعث سنة [[610]]م وهو في الأربعين من عمره، وكانت [[دعوة إسلامية|الدعوة الإسلامية]] في بداية عهدها دعوة سريّة، وبعد مضيّ ثلاث سنين من بعثته، أُمِرَ النبي بالجهر في دعوة الناس إلى [[إسلام|الإسلام]]، فعاداه القرشيون لا سيما بعد أن بدأ يُحقّر من شأن آلهتهم؛ [[هبل|هُبل]] و[[اللات]] و[[العزى]] ومن شأن الأصنام جميعها. وهبّ سادة [[قريش]] إلى الدفاع عن معتقداتهم، وأخذوا يعتدون على المسلمين ويؤذونهم. وكان عمر بن الخطاب من ألد أعداء الإسلام وأكثر أهل قريش أذى للمسلمين،<ref name="ReferenceB">''الفاروق، عمر'' تأليف [[محمد حسين هيكل]].الفصل الأول صفحة: 51</ref> وكان غليظ القلب تجاههم فقد كان يعذِّب [[جارية]] له علم بإسلامها من أول النهار حتى آخره، ثم يتركها نهاية الأمر ويقول: «والله ما تركتك إلا ملالةً»،<ref name="إسلام عمر">[http://islamstory.com/إسلام_عمر_بن_الخطاب قصة الإسلام: قصة إسلام عمر بن الخطاب]، بقلم الدكتور راغب السرجاني. تاريخ التحرير: 21/04/2010 {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20160308234142/http://islamstory.com/إسلام_عمر_بن_الخطاب |date=8 مارس 2016}}</ref> ومن شدة قسوته جنّد نفسه يتبع محمدا أينما ذهب، فكلما دعا أحدًا إلى الإسلام أخافه عمر وجعله يفر من تلك الدعوة.

بعد أن أمر النبي محمد المسلمين في مكة [[الهجرة إلى الحبشة|بالهجرة إلى الحبشة]] جعل عمر يتخوف من تشتت أبناء قريش وانهيار أسس القبيلة العريقة عندهم، فقرر الحيلولة دون ذلك بقتل النبي مقابل أن يقدم نفسه لبني هاشم ليقتلوه فتكون قريش قد تخلصت مما يهددها به هذا الدين الجديد.<ref>''الفاروق، عمر''، [[محمد حسين هيكل]] الفصل الأول، صفحة: 53</ref>

=== إسلامه ===
كان عمر يخفي وراء تلك ال[[قسوة]] والشدة رقة نادرة. تحكي هذا زوجة [[عامر بن ربيعة]] حليف [[بنو عدي|بني عدي]]، وذلك حينما رآها عمر وهي تعد نفسها [[الهجرة إلى الحبشة|للهجرة إلى الحبشة]]، فقال لها كلمة شعرت من خلالها برقة عذبة في داخله، وأحست بقلبها أنه من الممكن أن يسلم عمر، وذلك أنه قال لها: «صحبكم الله».<ref name="إسلام عمر"/><ref>مجمع الزوائد/ج6/ص23، سيرة ابن كثير/ج2/ص32</ref> لم تتوان زوجة عامر بن ربيعة في أن تخبر زوجها بما رأت من عمر، فرد عليها بقوله: «أطمعت في إسلامه؟» قالت: «نعم». ولأن الانطباعات الأولى ما زالت محفورة في نفسه، رد عليها زوجها بقوله: «فلا يسلم الذي رأيتِ حتى يسلم حمار الخطاب».<ref name="إسلام عمر"/>

في هذه الفترة كان عمر بن الخطاب يعيش صراعًا نفسيًا حادًا، فقد حدثه قلبه بأن هؤلاء الناس قد يكونون على صواب، ورأى أن ثباتهم عجيب جدًّا فيما يتعرضون له، وهم يقرؤون كلامًا غريبًا لم تسمع قريش بمثله من قبل، هذا إضافةً إلى أن رئيسهم محمدًا ليس عليه من الشبهات شيء، فهو الصادق الأمين باعتراف أعدائه من القرشيين.<ref name="إسلام عمر"/> وفي الوقت نفسه حدثه عقله بأنه سفير قريش، وقائد من قادتها، والإسلام سيضيّع كل هذا، فذلك الدين قسم [[مكة]] إلى نصفين، نصف يؤمن به ونصف يحاربه، فمنذ ست سنوات والقرشيون يعانون المتاعب والمشاكل بسببه، ويدخلون في مناظرات ومحاورات.<ref name="إسلام عمر"/> وفي غمار هذا الصراع الداخلي ولأن من طبعه الحسم وعدم التردد، فقد قرر أن ينتهي من كل ما يؤرقه، وأراد أن يخلص نفسه ويخلص مكة كلها ممن أحدث فيها هذه البدع وتلك المشاكل، فقرر أن يقوم بما فكر فيه كثير من مشركي قريش قبل ذلك، لكنهم لم يفلحوا فيه، ألا وهو قتل محمد.<ref>Armstrong, p. 128.</ref>

وكان قد دفعه إلى أخذ هذا القرار -أيضًا- ما حدث قبل يومين من إهانة شديدة [[أبو جهل|لأبي جهل]] في مكة على يد عم النبي محمد [[حمزة بن عبد المطلب]]، والذي أصبح على الإسلام، وكان الدافع لذلك نابعاً من أن أبا جهل كان خال عمر بن الخطاب، فرأى عمر أنه قد أصيب في كرامته تمامًا كما أصيب أبو جهل، ورد الاعتبار في حالة كهذه عند العرب يكون عادة [[سيف|بالسيف]]. فسن سيفه وخرج من داره قاصدًا النبي محمدًا، وفي الطريق لقيه [[نعيم بن عبد الله|نُعَيم بن عبد الله العدوي القرشي]] وكان من المسلمين الذين أخفوا إسلامهم، فقال له: {{اقتباس مضمن|أين تريد يا عمر؟}}، فرد عليه قائلا: {{اقتباس مضمن|أريد محمدا هذا الصابي الذي فرق أمر قريش، وسفه أحلامها، وعاب دينها، وسب آلهتها فأقتله.}}، فلمّا عرف أنه يتجه لقتل النبي قال له: {{اقتباس مضمن|والله لقد غرتك نفسك يا عمر، أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا ؟ أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم؟ فإن ابن عمك [[سعيد بن زيد|سعيد بن زيد بن عمرو]]، وأختك [[فاطمة بنت الخطاب]] قد والله أسلما وتابعا محمدًا على دينه؛ فعليك بهما.}} فانطلق مسرعًا غاضبًا إليهما، فوجد الصحابي [[خباب بن الأرت]] يجلس معهما يعلمهما [[القرآن]]،<ref name="شبكة سعودي">[http://www.s3udy.net/rasoul/omar.htm شبكة سعودي: إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه]{{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20160306031618/http://s3udy.net/rasoul/omar.htm |date=06 مارس 2016}}</ref> فضرب سعيدًا، ثم ضرب فاطمة ضربة قوية شقت وجهها،<ref name="شبكة سعودي" /> فسقطت منها صحيفة كانت تحملها، وحين أراد عمر قراءة ما فيها أبت أخته أن يحملها إلا أن [[وضوء|يتوضأ]]، فتوضأ عمر وقرأ الصحيفة وإذ فيها: {{قرآن|طه|1|إلى آية=6}}،<ref>السيوطي، ''تاريخ الخلفاء الراشدين'' (لندن، 1995)، ص. 107-108.</ref> فاهتز عمر وقال: «ما هذا بكلام البشر» وأسلم من ساعته،<ref>تاريخ دمشق لابن عساكر/ج18/ص269، سيرة ابن إسحاق/ص160، الطبقات لابن سعد/ج3/ص191</ref> في ذلك اليوم من شهر [[ذو الحجة|ذي الحجة]] من السنة الخامسة من البعثة،<ref>تاريخ الخلفاء، ص137.</ref> وذلك بعد إسلام [[حمزة بن عبد المطلب]] بثلاثة أيام،<ref>الطنطاويات، ص22.</ref> وقد كان يبلغ من العمر ما يقارب الثلاثين سنة، أو بضعًا وعشرين سنة، على اختلاف الروايات.<ref name="Tahthib 2002 page 170">ترتيب وتهذيب [[كتاب]] [[البداية والنهاية]] [[ابن كثير الدمشقي|لابن كثير]]، منشورات دار الوطن، الرياض، المملكة العربية السعودية، [[1422 هـ]] (2002 م) جمعها الدكتور محمد بن شامل السُلمي، صفحة 170، ISBN 979-3407-19-6</ref> خرج عمر بعد ذلك إلى دار [[الأرقم بن أبي الأرقم]] حيث كان يجتمع النبي محمد بأصحابه وأعلن إسلامه هناك.<ref name="شبكة سعودي"/> وفق المصادر الإسلامية فقد استجاب الله لدعوة النبي محمد، إذ قال: {{اقتباس مضمن|اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين، عمر بن الخطاب أو [[أبو جهل|عمرو بن هشام]]. قال: "وكان أحبهما إليه عمر".<ref>رواه [[أبو عيسى محمد الترمذي|الترمذي]] في [[سنن الترمذي|سننه]]، وقال: حسن صحيح غريب، رقم: 3681.</ref>}} وكان قد سبق عمر إلى الإسلام تسعة وثلاثون صحابيًا فكان هو متممًا للأربعين، فعن [[عبد الله بن عباس|ابن عباس]] أنه قال: {{اقتباس مضمن|أسلم مع رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} تسعة وثلاثون رجلاً، ثم إن عمر أسلم، فصاروا أربعين، فنزل [[جبريل]] {{عليه السلام}} بقوله {{تعالى}}: {{قرآن|يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}}.<ref>الوسيط في تفسير القرآن المجيد - علي بن أحمد الواحدي</ref>}}

وفي رواية أخرى أن عمر أسلم بعد هجرة المسلمين إلى [[الإمبراطورية الإثيوبية|الحبشة]] -في السنة الخامسة للبعثة– أي أنه أسلم في السنة السادسة للبعثة. كما روي أن عمر قد أسلم قبل الهجرة إلى [[المدينة المنورة]] بقليل في السنة الثالثة عشرة من البعثة. حيث ذكر بعض المؤرخين أن عمر أسلم بعد 40 أو 45 رجلاً،<ref>الثقاة لابن حبان/ج1/ص73، والبداية والنهاية لابن حجر/ج3/ص80</ref> بينما كان كل المهاجرين من المسلمين الذين آخا النبي بينهم وبين الأنصار في المدينة المنورة لا يتجاوزون هذا العدد إلا بقليل،<ref>الطبقات الكبرى لابن سعد/ج1/ص1 من القسم الثاني، وفتح الباري/ج7/ص210</ref> وعليه تُرجّح بعض الروايات أن عمر كان من أواخر من أسلموا من المهاجرين حيث ذكر بعض المؤرخين أن عمر دنا من محمد في مكة وهو يصلي ويجهر بالقراءة فسمعه يقرأ في صلاته الجهرية [[المسجد الحرام|بالمسجد الحرام]] آيتين من [[سورة العنكبوت]]: {{قرآن|العنكبوت|48|إلى آية=49}}، فتأثر عمر وأسلم.<ref>مصنف ابن عبد الرزاق/ج5/ص326</ref> وقد كانت سورة العنكبوت آخر سورة نزلت في [[مكة]] قبل الهجرة إلى [[يثرب]].

كان المسلمون قبل إسلام عمر و[[حمزة بن عبد المطلب|حمزة]] يخفون إيمانهم خوفًا من تعرضهم للأذى، لقلة حيلتهم وعدم وجود من يدافع عنهم، أما بعد إسلامهما فأصبح للمسلمين من يدافع عنهم ويحميهم، لا سيما أنهما كانا من أشد الرجال في قريش وأمنعهم، وكان عمر يجاهر بالإسلام ولا يخشى أحدًا، فلم يرضَ مثلًا عن أداء المسلمين للصلاة في شعاب مكة بعيدين عن أذى قريش، بل فضل مواجهة القوم بكل عزم، فقام وقال للنبي: «يا رسول الله ألسنا على الحق؟»، فأجابه: «نعم»، قال عمر: «أليسوا على الباطل؟»، فأجابه: «نعم»، فقال عمر بن الخطاب: «ففيمَ الخفية؟»، قال النبي: «فما ترى يا عمر؟»، قال عمر: «نخرج فنطوف بالكعبة»، فقال له النبي: «نعم يا عمر»،<ref name="شبكة سعودي"/> فخرج المسلمون لأول مرة يكبرون ويهللون في صفين، صف على رأسه عمر بن الخطاب وصف على رأسه حمزة بن عبد المطلب وبينهما النبي محمد، حتى دخلوا وصلّوا عند الكعبة. ومن بعيدٍ نظرت قريش إلى عمر وإلى حمزة وهما يتقدمان المسلمين، فَعَلتْ وجوهَهُم كآبة شديدة،<ref>Armstrong, p. 35.</ref> يقول عمر: {{اقتباس مضمن|فسماني رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} الفاروق يومئذٍ}}.

كان إسلام عمر حدثًا بارزًا في [[تاريخ إسلامي|التاريخ الإسلامي]]، فقد قوّى وجوده في صف المسلمين شوكتهم، وأصبح لهم من يُدافع عنهم ويحميهم من أذى من بقي على [[وثنية|الوثنية]]، ويُلاحظ فرحة المسلمين بإسلام عمر في عدّة أقوال منسوبة إلى عدد من الصحابة، منها ما قاله [[صهيب بن سنان|صهيب الرومي]]: {{اقتباس مضمن|لما أسلم عمر ظهر الإسلام، ودُعي إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقًا، وطفنا [[الكعبة|بالبيت]]، وانتصفنا ممن غلظ علينا، ورددنا عليه بعض ما يأتى به}}، وما قاله [[عبد الله بن مسعود]]: {{اقتباس مضمن|ما كنا نقدر أن نصلّي عند الكعبة حتى أسلم عمر}}، و:{{اقتباس مضمن|ما زلنا أعِزَّة منذ أسلم عمر}}.<ref>''سيرة حضرة عمر فاروق''، محمد إلياس عادل، صفحة: 30</ref>

=== هجرته إلى المدينة وحياته فيها ===
{{أيضا|الهجرة النبوية|غزوة بدر|غزوة أحد|غزوة بني النضير|غزوة الخندق|غزوة خيبر|غزوة حنين|غزوة الطائف|غزوة تبوك}}
أمر [[محمد|النبي محمد]] أتباعه بالهجرة إلى مدينة [[يثرب]] حوالي سنة [[622]]م بعد أن أتاه وفد من أهلها وعاهدوه على الأمان ودعوه إلى أن يأتيهم ويسكن مدينتهم بعد أن آمن بدعوته أغلب أبنائها. [[هجرة (إسلام)|فهاجر]] معظم [[مسلم|المسلمين]] إلى [[يثرب]] سرًا خوفًا من أن يعتدي عليهم أحد من [[قريش]]، إلا عمر وفق أشهر الروايات عند [[أهل السنة والجماعة]]، حيث تنص أن عمر لبس سيفه ووضع قوسه على كتفه وحمل أسهمًا وعصاه القوية، وذهب إلى [[الكعبة]] حيث طاف سبع مرات، ثم توجه إلى [[مقام إبراهيم]] فصلى، ثم قال لحلقات [[شرك بالله|المشركين]] المجتمعة: {{اقتباس مضمن|شاهت الوجوه، لا يُرغم الله إلا هذه المعاطس، من أراد أن تثكله أمه وييتم ولده أو يُرمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي}}.<ref>''سيرة حضرة عمر فاروق''، محمد إلياس عادل، صفحة: 119</ref><ref>Armstrong, p. 152.</ref> فلم يتبعه أحد منهم إلا قوم مستضعفون أرشدهم وعلمهم ومضى.<ref>صحيح التوثيق في سيرة الفاروق، ص30.</ref><ref name="طبقات بن سعد">[http://www.al-eman.com/الكتب/الطبقات+الكبرى+**/i54&p1#s2 الطبقات الكبرى، باب هجرة عمر وإخائه] ل[[ابن سعد (توضيح)|ابن سعد]]. {{استشهاد ويب |عنوان=نسخة مؤرشفة |تاريخ الوصول=28 يونيو 2010 |مسار=http://www.al-eman.com/Islamlib/viewchp.asp?BID=185&CID=37 |تاريخ أرشيف=3 سبتمبر 2007 |مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20070903152404/http://www.al-eman.com/Islamlib/viewchp.asp?BID=185&CID=37 |url-status=bot: unknown }}</ref>
وصل عمر [[يثرب]] التي سُميت [[المدينة المنورة]] ومعه ما يقارب العشرين شخصًا من أهله وقومه، منهم أخوه [[زيد بن الخطاب]]، وعمرو وعبد الله ولدا سراقة بن المعتمر، و[[خنيس بن حذافة]] السهمي القرشي زوج ابنته [[حفصة بنت عمر|حفصة]]، وابن عمه [[سعيد بن زيد]] أحد [[العشرة المبشرون بالجنة|المبشرين بالجنة]].<ref name="Tahthib 2002 page 170"/> ونزلوا عند وصولهم في [[قباء]] عند رفاعة بن عبد المنذر الأوسي. وكان قد سبقه [[مصعب بن عمير]] و[[عبد الله بن أم مكتوم|ابن أم مكتوم]] و[[بلال بن رباح]] وسعد و[[عمار بن ياسر]].
[[ملف:Mohammed receiving the submission of the Banu Nadir.jpg|تصغير|رسم من [[القرن الرابع عشر]] يُظهر استسلام [[بنو النضير|بني النضير]] إلى المسلمين. كانت [[غزوة بني النضير]] إحدى أبرز الغزوات التي شارك فيها عمر بن الخطاب.]]
وفي [[المدينة المنورة]] آخى النبي [[محمد]] بينه وبين [[أبو بكر الصديق|أبي بكر]]،<ref name="طبقات بن سعد"/> وقيل [[عويم بن ساعدة]] الأوسي،<ref>مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لابن الجوزي 31.</ref> وقيل [[عتبان بن مالك]] الخزرجي،<ref>الطبقات لابن سعد (3/272)</ref> وقيل [[معاذ بن الحارث|معاذ بن عفراء]] الخزرجي،<ref name="طبقات بن سعد"/> وقال بعض العلماء أنه لا تناقض في ذلك لاحتمال أن يكون [[محمد|الرسول]] قد آخى بينه وبينهم في أوقات متعددة.<ref>محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ج1، ص184.</ref> بقي [[مسلم|المسلمون]] في [[المدينة المنورة|المدينة]] بأمان طيلة سنة تقريبًا، إذ ما لبثت [[قريش]] أن حشدت جيشًا لقتالهم، ووقعت بينها وبين [[مسلم|المسلمين]] عدّة معارك، وقد شهد عمر بن الخطاب كل الغزوات مع [[محمد|الرسول محمد]] وفقًا [[ابن الجوزي|لابن الجوزي]]،<ref>مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص 89</ref> ففي [[غزوة بدر]] كان عمر ثاني من تكلم ردًا على [[محمد|الرسول محمد]] عندما استشارهم قبل [[غزوة بدر]] بعد [[أبو بكر الصديق|أبي بكر]]، فأحسن الكلام ودعا إلى قتال [[شرك بالله|المشركين]]. وقد قتل عمر خاله العاص بن هشام في تلك الغزوة.
وفي [[غزوة أحد]] رد عمر على نداء [[أبو سفيان بن حرب|أبي سفيان]] حين سأل عمن قتل، وكان عمر من الأشخاص الذين اعتقدوا أن [[محمد]]ًا قد قتل في تلك المعركة، ولمّا عرف أنه ما زال على قيد الحياة وقد احتمى [[جبل أحد|بالجبل]]، أسرع إليه ووقف يدافع عن [[مسلم|المسلمين]] ضد من يحاول الوصول إليهم من القرشيين.<ref>'سيرة حضرة عمر فاروق''، محمد إلياس عادل، صفحة :40-41</ref>
في شهر [[ربيع الأول]] سنة [[4 هـ]]،<ref name="المغازي-النضير"/> شارك عمر في [[غزوة بني النضير]] بعد أن همّ [[يهود]] [[بنو النضير|بني النضير]] بالغدر وقتل [[محمد|النبي محمد]]، فنقضوا بذلك [[صحيفة المدينة|الصحيفة]]، فأمهلهم [[محمد|النبي محمد]] 10 أيام ليغادروا [[المدينة المنورة|المدينة]]،<ref name="المغازي-النضير">المغازي، [[الواقدي]]، ج1، ص363-380، عالم الكتب، بيروت.</ref> فرفضوا وتحصنوا بحصن لهم، فحاصرهم [[محمد|النبي]] 15 يومًا،<ref name="المغازي-النضير"/> وقيل 6 ليال،<ref name="الرحيق-النضير">[[الرحيق المختوم (كتاب)|الرحيق المختوم]]، [[مباركفوري|المباركفوري]]، ص269-270.</ref> ثم أجلاهم عن [[المدينة المنورة|المدينة]] فحملوا النساء والصبيان وتحملوا على 600 بعير، فلحقوا [[خيبر|بخيبر]]، وغنم [[مسلم|المسلمون]] من أموالهم وما تركوه وراءهم.<ref name="ابن سعد-النضير">الطبقات الكبرى، [[محمد بن سعد البغدادي|ابن سعد البغدادي]]، ج2، ص57-58، دار صادر، بيروت.</ref>
في عام [[625]] تزوجت [[حفصة بنت عمر]] [[محمد|بالرسول محمد]]، <ref>''سيرة حضرة عمر فاروق''، محمد إلياس عادل، صفحة:42-42، صحيح البخاري</ref> وبعد ذلك بعامين تقريبًا، شارك عمر في [[غزوة الخندق]] كما قاتل في [[غزوة بني قريظة]]،<ref name="Maghazi">طبقات ابن سعد، صفحة: 62</ref> وشارك في [[صلح الحديبية]] سنة [[628]] بصفته شاهدًا،<ref name="Maghazi"/> ويحكي عمر بن الخطاب مجيئه إلى [[محمد|النبي محمد]] غاضبًا عند كتابة ذلك الصلح حيث تضمن شروطاً مجحفة بحق [[مسلم|المسلمين]]، فقال: {{اقتباس مضمن|فأتيت [[محمد|نبي الله]]، فقلت: "ألست [[نبي]] [[الله]] حقاً؟"، قال: "'''بلى'''". قلت: "ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟" قال: "'''بلى'''"، قلت: "فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً؟"، قال: "إني [[محمد|رسول الله]] ولست أعصيه وهو ناصري". قلت: "أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي [[المسجد الحرام|البيت]] فنطوف به؟" قال: "'''بلى. أفأخبرتك أنك تأتيه العام؟'''" قلت : "لا". قال: "'''فإنك آتيه ومطوف به'''"}}. وأتى عمر [[أبو بكر الصديق|أبا بكر]] وقال له مثل ما قال [[محمد|لمحمد]]، فقال له [[أبو بكر الصديق|أبو بكر]]: {{اقتباس مضمن|إنه [[محمد|لرسول الله]] صلى الله عليه وسلم وليس يعصي ربه وهو ناصره، فاستمسك بغرزه، فوالله إنه على الحق}}، وقال عمر: {{اقتباس مضمن|ما زلت أصوم وأتصدق وأعتق من الذي صنعت مخافة كلامي الذي تكلمت به يومئذ حتى رجوت أن يكون خيرًا}}، ولم تطب نفس عمر إلا عندما نزل [[القرآن]] مبشراً [[فتح مكة|بفتح مكة]].<ref>[http://alserdaab.org/articles.aspx?selected_article_no=201 شبكة السرداب الإسلامية، أسود السنّة وأنصار الحق:] [[صلح الحديبية]] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20170429050230/http://www.alserdaab.org/articles.aspx?selected_article_no=201 |date=29 أبريل 2017}}</ref> وفي نفس السنة شارك عمر في [[غزوة خيبر]]، ثم انضم هو و[[أبو بكر الصديق|أبو بكر]] يصحبهم مائتا [[صحابة|صحابي]] تحت قيادة [[أبو عبيدة بن الجراح|أبي عبيدة بن الجراح]]، إلى [[صحابة|الصحابي]] [[عمرو بن العاص]] الذي كان يُقاتل القبائل العربيّة الموالية [[روم (توضيح)|للروم]] في شمال [[شبه الجزيرة العربية]]، وذلك بعد أن طلب المدد من الرسول،<ref>[https://www.islamweb.net/ar/article/141299/ إسلام ويب، موقع المقالات: سرية ذات السلاسل] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20090517131057/http://www.islamweb.net/media/index.php?page=article&lang=A&id=141299 |date=17 مايو 2009}}</ref> فأنزلوا هزيمة قاسية بالأعداء.<ref>صحيح البخاري، غزوة ذات السلاسل</ref>

عاد عمر إلى [[مكة]] مع باقي [[مسلم|المسلمين]] بعد [[8 هـ|8 سنوات من الهجرة]]، فدخلوها فاتحين سنة [[630]]، وخلال العام نفسه شارك في [[غزوة حنين]] و[[غزوة الطائف|حصار الطائف]] و[[غزوة تبوك]]، ويُقال أنه منح نصف ثروته لتسليح الجيش وإعداد العدّة لتلك الغزوة الأخيرة. وفي عام [[631]] أدى عمر [[الحج في الإسلام|الحج]] مع [[محمد|النبي محمد]]،<ref>''سيرة حضرة عمر فاروق''، محمد إلياس عادل، صفحة: 56</ref> في [[حجة الوداع]].<ref>الدولة العربية الإسلامية الأولى (1-41 هـ / 623-661 م). الطبعة الثالثة 1995 م. دكتور عصام شبارو. دار النهضة العربية، بيروت - لبنان. صفحة: 198-199</ref>

=== وفاة النبي محمد ===
توفي النبي محمد يوم [[7 يونيو]] سنة [[632]]م، الموافق ليوم [[12 ربيع الأول]] سنة [[11 هـ]]. ولمّا شاع خبر انتقال الرسول إلى الرفيق الأعلى، اضطرب المسلمون اضطرابًا شديدًا، وذهل بعضهم فلم يصدق الخبر وكان عمر منهم،<ref name="Suyuti 1995 p. 54 - 61">السيوطي، ''تاريخ الخلفاء الراشدين'' (لندن، 1995)، صفحة: 54 – 61.</ref> فقام يقول: "والله ما مات رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}}"، فقد كان يعتقد بعدم موته تمام الاعتقاد، حتى إنه قال في رواية أخرى: «والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك»، أي لا أعتقد إلا أنه لم يمت فعلاً، ثم قال عمر: «وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه مات».<ref name="وفاة الرسول">[http://islamstory.com/موت-رسول-الله-وأثر-ذلك-على-الصحابة موقع قصة الإسلام: وفاة الرسول وأثره على الصحابة]، إشراف الدكتور راغب السرجاني. تاريخ التحرير: 18/04/2010 - 9:25 صباحًا {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20170111092857/http://islamstory.com:80/موت-رسول-الله-وأثر-ذلك-على-الصحابة |date=11 يناير 2017}}</ref> وفي رواية ثانية يقول: {{اقتباس مضمن|إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله تُوُفِّي، إن رسول الله ما مات، لكن ذهب إلى ربه كما ذهب [[موسى|موسى بن عمران]]، فغاب عن قومه أربعين ليلة، ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات}}.<ref name="وفاة الرسول"/> ظل المسلمون على هذه الحالة يتمنون صدق كلام عمر، حتى جاء أبو بكر من السنح على دابته ونزل بباب المسجد ودخل بيت عائشة، وكشف عن جثمان النبي محمد وجثى عليه يُقبله ويبكي، ثم خرج إلى المسجد حتى أتى المنبر<ref>[[عبد الله بن الزبير|ابن الزبير، عروة]] (ت 94 هـ/712 م) مغازي رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} (برواية [[أبو الأسود الدؤلي|أبي الأسود الدؤلي]]). جمعه وحققه محمد مصطفى الأعظمي. [[الرياض]] 1401 هـ/1981 م. صفحة 223</ref> فوجد عمر يقول ما يقول، ويقسم على أن النبي لم يمت، فقال: {{اقتباس مضمن|أيها الحالف على رِسْلِك}}، وفي رواية أخرى قال له: «اجلس يا عمر».<ref name="وفاة الرسول"/> فجلس عمر وجلس الناس، فتشهد أبو بكر وحمد الله وأثنى عليه ثم قرأ آية من آيات [[سورة آل عمران]]: {{قرآن|وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ}}. وعندما تلا أبو بكر الصديق هذه الآية سمعها عمر والمسلمون كانهم لم يسمعوها من قبل، ثم تابع يقول: {{اقتباس مضمن|ألا من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت}}.<ref>[[عبد الله بن الزبير|ابن الزبير، عروة]] (ت 94 هـ/712 م) مغازي رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} (برواية [[أبو الأسود الدؤلي|أبي الأسود الدؤلي]]). جمعه وحققه محمد مصطفى الأعظمي. [[الرياض]] 1401 هـ/1981 م. صفحة 224</ref> وفي رواية أهل السنّة، فإن عمر لما سمع كلام أبي بكر وأيقن حق اليقين أن الرسول قد مات، هوى على ركبتيه يبكي،<ref name="Suyuti 1995 p. 54 - 61"/> وفي هذه النقطة قال عمر: {{اقتباس مضمن|والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها، فعُقِرْت حتى ما تقلني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها، علمت أن النبي قد مات}}.<ref name="وفاة الرسول"/>

== في عهد أبي بكر الصديق ==

كان عمر بن الخطاب المساعد الأول لأبي بكر الصدِّيق وساعده الأيمن ومستشاره الأساسي طوال خلافته،<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|عمر بن الخطاب: الفاروق القائد|الطبعة الثانية سنة 1966|p=145}}</ref> وكان مستشاره العسكري الأبرز الذي ساعده في حروبه، لا سيّما حروب الردة.<ref name="ReferenceC">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|عمر بن الخطاب: الفاروق القائد|الطبعة الثانية سنة 1966|p=146}}</ref> وقد قال أبو بكر الصديق مرة: «ما على ظهر الأرض رجل أحبّ إليَّ من عمر».
وقد كان أبو بكر يستشير عمر في تعيين القادة العسكريين وعزلهم. فقد ولَّى أبو بكر مثلاً خلال [[الفتح الإسلامي للشام|فتح الشام]] الصحابيَّ [[سعيد بن العاص|سعيد بن العاص الأموي]] على الجيش الفاتح، غير أنه عزله بعدها قبل أن يبدأ السير، نظراً لاعتراض عمر الشديد عليه. كما كان عمر عوناً كبيراً له في وضع خططه العسكرية والاستراتيجية.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|عمر بن الخطاب: الفاروق القائد|الطبعة الثانية سنة 1966|p=89-90}}</ref>

وعندما اجتمعَ الأنصار في [[سقيفة بني ساعدة]] بعد وفاة الرسول ليبايعوا [[سعد بن عبادة]] خليفة من بعده، سمع عمر بن الخطاب بذلك، فذهبَ على الفور إلى أبي بكر الصديق<ref name="أهل القرآن">[http://www.ahl-alquran.com/?main_id=18 أبو بكر الصديق]. ل[[أحمد صبحي منصور]]. {{استشهاد ويب |عنوان=نسخة مؤرشفة |تاريخ الوصول=7 يوليو 2012 |مسار=http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=18 |تاريخ أرشيف=29 يونيو 2017 |مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20170629025916/http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=18 |url-status=bot: unknown }}</ref><ref name="أخبار الحوادث">[http://www.akhbarelyom.org.eg/hawadeth/issues/706/1000.html جريمة تاريخية - أخبار الحوادث]. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20090225062400/http://www.akhbarelyom.org.eg:80/hawadeth/issues/706/1000.html |date=25 فبراير 2009}}</ref> وهو في منزل الرَّسول، وبلغه الخبر، وانضمَّ إليهما [[أبو عبيدة بن الجراح]] فساروا معاً إلى السقيفة.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الكامل في التاريخ – المجلد الثاني|1979|p=329}}</ref> وقال أبو بكر عندما دخل: «ما هذا؟»، فأجابوه «منّا أمير ومنكم أمير»، فقال: «منّا الأمراء ومنكم الوزراء». ثم عرض عليهم أحد مرافقيه ليُصبَح الخليفة فقال: «لقد رضيتُ لكم أحد هذين الرجلين - عُمَر وأبي عبيدة أمين هذه الأمة-».<ref name="الكامل في التاريخ – المجلد الثاني 1979 325">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الكامل في التاريخ – المجلد الثاني|1979|p=325}}</ref> غير أن أحد الأنصار قال بصوتٍ عال: «أنا جُذَيلها المحنك وعُذَيْقُها المرجَّب، منّا أمير ومنكم أمير»، فتعالت الأصوات واللغط، واختلف الناس فيمن سيكون الخليفة،<ref name="الكامل في التاريخ – المجلد الثاني 1979 327">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الكامل في التاريخ – المجلد الثاني|1979|p=327}}</ref> حتى قام عمر وقال: "أيّكم يطيب نفساً أن يخلُف قَدَمَين قدّمهما النبي {{صلى الله عليه وسلم}}؟"،<ref name="الكامل في التاريخ – المجلد الثاني 1979 325"/> ثمَّ قال لأبي بكر «ابسط يدك لأبايعك»، فبايعه عمر بن الخطاب،<ref name="الكامل في التاريخ – المجلد الثاني 1979 327"/> وتبعه الناس فبايعوه.<ref name="الكامل في التاريخ – المجلد الثاني 1979 325"/>

لم يكن الجميع راضين عن القرار، إذ لم يرضَ بعضهم بمبايعة غير [[علي بن أبي طالب]]، فقال [[الزبير بن العوام|الزبير]]: «لا أغمد سيفاً حتى يُبايَع علي»، فقال عمر: «خذوا سيفه واضربوا به الحجر». وقد تمكَّن عمر من دفع الكثير من الأنصار إلى مبايعة أبي بكر.<ref name="الكامل في التاريخ – المجلد الثاني 1979 325"/> وقد خطبَ الجمعة بأهل المدينة مرة فقال: «إنه بلغني أن قائلاً منكم يقول: لو مات أمير المؤمنين بايعتُ فلانًا، فلا يغرَّنَّ امرأً أن يقول: إن بيعة أبي بكر كانت فتنة، فقد كان كذلك ولكنّ الله وقى شرَّها، وليس منكم من تُقطَع إليه الأعناق مثل أبي بكر، وإنه كان خيرنا حين توفيَّ رسول الله».<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الكامل في التاريخ – المجلد الثاني|1979|p=326-327}}</ref> وقد كان لعمر بن الخطاب دورٌ كبير في معونة أبي بكر ببداية خلافته في تنظيم أمور الدولة، وأخذ البيعة، وتثبيت الحكم.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الكامل في التاريخ – المجلد الثاني|1979|p=325-332}}</ref>

كان من أولى وأكبر التحديَّات التي واجهت أبا بكر في خلافته [[حروب الردة]]، التي بدأت بامتناع بعض قبائل العرب عن أداء [[زكاة|الزكاة]] إلى الخليفة الجديد، وكانت البداية بقبائل قليلة مثل [[عبس (توضيح)|عبس]] و[[بنو ذبيان|ذبيان]] و[[بنو غطفان|غطفان]]، غير أن العدد ازداد لاحقًا، فانتشرت حركة الردة في أنحاء [[شبه الجزيرة العربية]].<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الوجيز في الخلافة الراشدة|الطبعة الأولى سنة 2006|p=13}}</ref> كما كثر مدَّعو النبوة، فكان منهم مالك ووكيع و[[سجاح بنت الحارث|سجاح]]، أما أقواهم وأكثرهم نفوذًا فكان [[مسيلمة الكذاب]].<ref name="موقعة اليمامة1">كتاب "موقعة اليمامة" (الجزء 1 من "سلسلة الفتوحات الإسلامية") لـ"محمد ثابت توفيق". ص13. الطبعة الأولى سنة 2001، من مكتبة العبيكان ([[الرياض]]، [[السعودية]]).</ref> وقد انقسم الصحابة في الرأي حول كيفيَّة التعامل مع الوضع، فأشار عمر بن الخطاب -وطائفة كبيرة من الصحابة- على أبي بكر بعدم دخول الحرب معهم، والتنازل عن امتناعهم عن الزكاة، خصوصاً مع عدم وجود قوة عسكرية تحمي المدينة من الهجمات. غير أن أبا بكر أصرَّ على موقفه بشدة، وقال: «والله لو منعوني عقالاً (الحبل الذي يجرُّ به البعير) لجاهدتهم عليه».<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الوجيز في الخلافة الراشدة|الطبعة الأولى سنة 2006|p=13-14}}</ref>

انتهت حروب الردة [[معركة اليمامة|بمعركة اليمامة]]، التي قتل فيها الكثير من الصحَّابة،<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الكامل في التاريخ – المجلد الثاني|1979|p=360-367}}</ref> من بينهم مئات من حفظة القرآن، وقد اختلفَ المؤرخون حول عددهم، فقال بعضهم أنه قتلَ 500 من حفظة القرآن في المعركة، وقال آخرون 700.<ref name="جمع القرآن1">[http://www.al-eman.com/الكتب/المدخل%20لدراسة%20القرآن%20الكريم/جمع%20القرآن%20في%20عهد%20أبي%20بكر%20رضي%20الله%20عنه:/i787&d1108638&c&p1 فصل: جمع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه]. موقع نداء الإيمان. تاريخ الولوج 10-06-2012. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20181007095712/http://www.al-eman.com:80/الكتب/المدخل%20لدراسة%20القرآن%20الكريم/جمع%20القرآن%20في%20عهد%20أبي%20بكر%20رضي%20الله%20عنه:/i787&d1108638&c&p1 |date=7 أكتوبر 2018}}</ref> وقد فزعَ عمر بن الخطاب عندما سمعَ بهذه الأعداد، وخشيَ أن يُقتَل المزيد منهم في المعارك والحروب، فيضيع شيء من القرآن.<ref name="جمع القرآن3">[https://www.islamweb.net/ar/articles/ القرآن في عهد أبي بكر]. موقع إسلام ويب. تاريخ الولوج 10-06-2012. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20180929204842/http://www.islamweb.net/media/index.php?id=14201&lang=A&page=articleجمع |date=29 سبتمبر 2018}}</ref> فأخبر أبا بكرٍ بمخاوفه، إذ جاءه وقال له: «إنّ القتل استمرّ بقُرّاء القرآن، وإنّي أخشى أن يستمرّ القتل بالقُرّاء في المواطن، فيذهب كثيرٌ من القرآن، وإنّي أرى أن تأمر بجمع القرآن»، غير أن أبا بكر تخوَّف من الأمر وقال: "كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}}؟".<ref name="جمع القرآن2">[https://arabic.tebyan.net/index.aspx?pid=104685 جمع القرآن في عهد أبي بكر وعمر]. تاريخ النشر 10-12-2012. تاريخ الولوج 10-06-2012. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20110404043733/http://www.tebyan.net/islamicfeatures/theholyquran/quranicinformation/2009/10/12/104685.html |date=04 أبريل 2011}}</ref> فردّ عمر قائلًا: «أرى والله أنه خير»، وظلّ يصرّ ويحاور أبا بكر حتى اقتنع، فاستدعى [[زيد بن ثابت]] الأنصاريّ وأمره بتولّي المهمَّة.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الوجيز في الخلافة الراشدة|الطبعة الأولى سنة 2006|p=23}}</ref> وقد قال أبو بكر لزيد: «إنّك شابّ عاقل، لا نتّهمك، وقد كنتَ تكتب الوحي لرسول الله، فتتبَّع القرآن فاجمعه»، غير أن زيداً تخوَّف من المهمة، وقال في وصف الحادثة: «فو الله لو كلّفوني نقل جبلٍ من الجبال ما كان أثقل عليَّ ممّا أمرني به من جمع القرآن - قلت: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله؟»، فكرَّر أبو بكر: «هو والله خير»، ولم يزل فيه حتى اقتنعَ هو الآخر، فذهبَ و[[جمع القرآن|جمع القرآن في مصحف واحد]]. وقد بقيَ المصحف عند عمر بعد وفاة أبي بكر، ثم انتقلَ إلى ابنته [[حفصة بنت عمر|حفصة]].<ref name="جمع القرآن2"/>

وكان من بين من قتلوا في معركة اليمامة أخوه [[زيد بن الخطاب]]، وعندما جاءه ابنه [[عبد الله بن عمر بن الخطاب|عبد الله]] بعد المعركة - وكان يقاتل فيها مع زيد - قال له عمر زاجراً إياه: «ألا هلكتَ قبل زيد؟ هلك زيد وأنت حيّ! ألا واريتَ وجهك عني؟»، فأجابه: «سألَ اللهَ الشهادة فأعطُيهَا، وجَهِدتُ أن تُسَاق إليَّ فلم أعطها».<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الكامل في التاريخ – المجلد الثاني|1979|p=366}}</ref>

وبعد أن أصبح أبو بكر خليفة، قال مرَّة لعمر و[[أبو عبيدة بن الجراح|أبي عبيدة بن الجراح]]: «إنه لابدَّ لي من أعوان»، فقال عمر: «أنا أكفيك القضاء»، والثاني قال: «أنا أكفيك [[بيت مال|بيت المال]]».<ref name="خلافة أبي بكر1">كتاب "أخبار القضاة" لـ"محمد بن خليفة بن حيان" المعروف بـ"وكيع". المجلد الأوَّل، ص104.</ref><ref name="خلافة أبي بكر2">كتاب "[[تاريخ الطبري]]" ل[[محمد بن جرير الطبري]]. المجلّد الرَّابع، ص50.</ref> وظلَّ عمر في سدة القضاء بالمدينة مدة سنة كاملة،<ref name="خلافة أبي بكر1"/> لم يختصم إليه أحد خلالها، حتى جاء في يوم إلى أبي بكر طالباً منه إعفاءه من القضاء، فسأله أبو بكر مستغرباً: «أمن مشقة القضاء تطلب الإعفاء يا عمر؟»، فأجابه عمر:<ref name="خلافة أبي بكر3">[http://www.odabasham.net/show.php?sid=45851 رياح التغيير (1): أسس بناء دولة الإسلام]. مقال لـ"نعيم محمد عبد الغني"، في رابط أدباء الشام. تاريخ الولوج 10-06-2012. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20150424060102/http://odabasham.net/show.php?sid=45851 |date=24 أبريل 2015}} {{وصلة مكسورة|تاريخ=2020-08-02|bot=JarBot}}</ref>

{{اقتباس|لا يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لا حاجة بي عند قوم مؤمنين، عرف كل منهم ما له من حق، فلم يطلب أكثر منه، وما عليه من واجب فلم يقصر في أدائه، أحب كل منهم لأخيه ما يحب لنفسه، إذا غاب أحدهم تفقدوه، وإذا مرض عادوه، وإذا افتقر أعانوه، وإذا احتاج ساعدوه، وإذا أصيب عزوه وواسوه، دينهم النصيحة، وخلقهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففيمَ يختصمون؟ ففيمَ يختصمون؟}}

== مبايعته بالخلافة ==
[[ملف:Omar-Bin-Alkhattab.jpg|تصغير|تخطيط لاسم عمر بن الخطاب.]]
عندما اشتدَّ على أبي بكر مرض موته، جمع كبار الصحابة وقال لهم: «إنَّه قد نزل بي ما قد ترون، ولا أظنني إلا ميِّتًا، وقد أطلق الله أيمانكم من بيعتي، وحلّ َعنكم عقدي، وردَّ عليكم أمركم، فأمِّروا عليكم من أحببتم، فإنكم إن أمَّرتم في حياة مني كان أجدر ألا تختلفوا بعدي». فأخذ الصحابة الذين جمعهم يتعفَّفون، فيرى كل منهم في الآخر قدرة أكبر على تولي مسؤولية الخلافة، فعادوا إلى أبي بكر وقالوا له طالبين مساعدته باختيار الخليفة: «أرنا يا خليفة رسول الله رأيك»، قال: «فأمهلوني حتى أنظر لله ولدينه ولعباده».<ref>[http://www.diary-date.com/play-6989.html وفاة الصديقة - مفكرة التاريخ]. تاريخ النشر 01-04-2012. تاريخ الولوج 25-06-2012. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20121101233533/http://www.diary-date.com/cgi-sys/suspendedpage.cgi |date=1 نوفمبر 2012}}</ref>

وبعد فترة من التفكير استدعى أبو بكر الصحابي [[عبد الرحمن بن عوف]] وقال له: «أخبرني عن عمر؟»، فأجابه: «إنه أفضل من رأيك إلا أنّ فيه غلظة»، فقال أبو بكر: «ذلك لأنه يراني رفيقًا، ولو أفضي الأمر إليه لتركَ كثيرًا ممَّا هو عليه، وقد رمَّقتُهُ فكنتُ إذا غضبتُ على رجل أراني الرضا عنه، وإذا لنتُ له أراني الشدّة عليه».<ref name="abc1">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|عمر بن الخطاب: الفاروق القائد|الطبعة الثانية سنة 1966|p=90}}</ref> ثم دعا عثمان بن عفّان، وقاله له كذاك: «أخبرني عن عمر»، فقال: «سريرته خير من علانيّته، وليس فينا مثله»، فقال أبو بكر للإثنين: «لا تذكرا ممَّا قلتُ لكما شيئاً، ولو تركته ما عدوتُ عثمان، والخيرة له أن لا يلي من أموركم شيئًا، ولوددتُ أنّي كنتُ من أموركم خلواً وكنتُ فيمن مضى من سلفكم».<ref name="الكامل في التاريخ – المجلد الثاني 1979 425">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الكامل في التاريخ – المجلد الثاني|1979|p=425}}</ref>

ثم جاء [[طلحة بن عبيد الله]] إلى أبي بكر وقال له غاضبًا: «استخلفتَ على النّاس عمر وقد رأيتَ ما يلقى الناس منه وأنتَ معه، وكيف به إذا خلا بهم وأنت لاقٍ ربّك فسائلك عن رعيّتك!»،<ref name="abc1"/> فقال أبو بكر: «أجلسوني» فأجلسوه، ثم أجابه: «أبالله تخوّفني! إذا لقيتُ ربي فسألني قلتُ: استخلفت على أهلك خير أهلك».<ref name="ReferenceC"/>

وبعد ذلك استدعى أبو بكر [[عثمان بن عفان]] مجددًا، فقال له: "اكتب: {{بسملة 2}}، هذا ما عهِدَ أبو بكر بن أبي قحافة إلى المسلمين، أمّا بعد..." لكن أغميَ عليه في تلك اللحظة قبل أن يكمل كلامه، فكتب عثمان: «أمَّا بعد فإني قد استخلفتُ عليكم عمر بن الخطّاب ولم آلكم خيراً». وعندما استيقظ أبو بكر من إغماءته قال لعثمان: «اقرأ عليّ»، فقرأ عثمان، وعندما انتهى كبَّر أبو بكر وقال: «أراك خِفتَ أن يختلف الناس إن مُتُّ في غشيتي؟»، قال: «نعم»، فقال: «جزاك الله خيرًا عن الإسلام وأهله».<ref name="الكامل في التاريخ – المجلد الثاني 1979 425"/>

وبعد أن كتبَ العهد أمر أبو بكر أن يُقرَأ على الناس، فجمعهم وأرسله مع أحد مواليه إلى عمر بن الخطاب، فقال عمر للناس: «أنصتوا واسمعوا لخليفة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فإنّه لم يألكم نصحًا»، فهدأ الناس وتوقَّفوا عن الكلام، ولم يعترضوا بعد سماع العهد. ثم جاءهم أبو بكر وقال: «أترضون بما استخلفتُ عليكم؟ فإني ما استخلفتُ عليكم ذا قرابة، وإنّي قد استخلفتُ عليكم عمرَ فاسمعوا له وأطيعوا، فإني والله ما آلوت من جهد الرأي»، فردَّ الناس: «سمعنا وأطعنا». ثم أحضر أبو بكر عمر وقال له: «إنّي قد استخلفتك على أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم»، ثم أوصاه بتقوى الله، وخطبَ فيه خطبة قدَّمَ له فيها الكثير من الوصايا والنصائح.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الكامل في التاريخ – المجلد الثاني|1979|p=426}}</ref>

توفّي أبو بكر بعد ذلك بأيام، وعندما دفن وقف عمر وخطب في الناس قائلًا: «إنَّما مَثَل العرب مثل جمل آنف اتَّبعَ قائده فلينظر حيث يقوده، وأمَّا أنا فوربِّ الكعبة لأحملنَّكم على الطريق!».<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الكامل في التاريخ – المجلد الثاني|1979|p=427}}</ref>

=== فتح الشام ===
{{مفصلة|الفتح الإسلامي لبلاد الشام}}
بدأ [[الفتح الإسلامي للشام]] في عهد الخليفة [[أبو بكر الصديق|أبي بكر الصديق]]، الذي قرَّر مقاتلة الروم بعد أن هاجموا جيش [[خالد بن سعيد|خالد بن سعيد بن العاص]] المُعسكر في [[محافظة تيماء|أرض تيماء]]، فوزَّع المسلمين على أربعة جيوش مختلفة، ووجَّه كلاً منها إلى جزء مختلف من [[بلاد الشام]]، قوام كلٍّ منها حوالي 8,000 مقاتل. فكان الجيش الأول بقيادة [[شرحبيل بن حسنة]] ووجهته [[غور الأردن|وادي الأردن]] في جنوبيّ الشام،<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الوجيز في الخلافة الراشدة|الطبعة الأولى سنة 2006|p=21}}</ref> والجيش الثاني بقيادة [[يزيد بن أبي سفيان]] ووجهته [[دمشق]]، والجيش الثالث بقيادة [[أبو عبيدة بن الجراح|أبي عبيدة بن الجراح]] ووجهته [[حمص]]، والجيش الرابع بقيادة [[عمرو بن العاص]] ووجهته [[فلسطين]].<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|عصر الصّدِّيق|الطبعة الأولى سنة 1983|p=233}}</ref> وقال لهم أبو بكر أنهم سيكونون مستقلّين إن لم تكن هناك حاجة للاجتماع، فكل واحد يقود جيشه بنفسه ويكون أميراً على المناطق التي يفتحها، أما إن اقتضت الضرورة الاجتماع فإن القائد سيكون أبا عبيدة بن الجراح.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الوجيز في الخلافة الراشدة|الطبعة الأولى سنة 2006|p=22}}</ref> لكن عندما بلغت الجيوش الإسلامية الشام وجدت جيوشاً ضخمة جداً للروم حشدت لمقابلتها في كل وجهاتها،<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الكامل في التاريخ – المجلد الثاني|1979|p=402-404}}</ref> فلمَّا سمع المسلمون بذلك قرَّروا الاتحاد، فاجتمعت جيوشهم [[يرموك (توضيح)|باليرموك]]،<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الكامل في التاريخ – المجلد الثاني|1979|p=406-407}}</ref> وطلبوا المزيد من المدد، فأمر أبو بكر [[خالد بن الوليد|خالداً بن الوليد]] بالسير إليهم بنصف جنوده من [[العراق]].<ref>[[محمد حسين هيكل|هيكل]]، الصديق أبي بكر، ص 248-251</ref> فسار خالد إليهم عبر [[بادية الشام]]،<ref name="الكامل في التاريخ – المجلد الثاني 1979 410">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الكامل في التاريخ – المجلد الثاني|1979|p=410}}</ref> وفي طريقه هزم [[غساسنة|الغساسنة]] في معركة مرج راهط،<ref>[http://islamstory.com/ar/فتح_بـصرى_فتح_الشام فتح بصرى]. موقع قصة الإسلام، ل[[راغب السرجاني]]. تاريخ النشر 01-05-2006. تاريخ الولوج 27-06-2012. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20161021013247/http://islamstory.com:80/ar/فتح_بـصرى_فتح_الشام |date=21 أكتوبر 2016}}</ref> وفتح مدينة [[بصرى]].<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|أكرم|1982|p=270}}</ref> وبعد أن فتح خالد بصرى، توجَّه مع أبي عبيدة بن الجراح إلى دمشق، فحاصرها، لكن هنا وصلته أنباء حشد الروم في أجنادين، فانسحب وجمع جيوشه كلها هناك، فبلغ عدد المسلمين 33.000 مقاتل وبلغ عدد الروم 100.000، فدارت [[معركة أجنادين]] التي هزم فيها الروم وقتل قائدهم وردان.<ref>[http://islamstory.com/ar/موقعة_أجنـادين_فتح_الشام معركة أجنادين]. موقع قصة الإسلام، ل[[راغب السرجاني]]. تاريخ النشر 01-05-2006. تاريخ الولوج 27-06-2012. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20161206040029/http://islamstory.com:80/ar/موقعة_أجنـادين_فتح_الشام |date=6 ديسمبر 2016}}</ref>

توفي أبو بكر خلال هذه المرحلة، وأعقبه عزل عمر بن الخطاب ل[[خالد بن الوليد]] عن قيادة الجيوش الفاتحة.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|فصل الخطاب في سيرة عمر بن الخطاب|الطبعة الأولى سنة 2002|p=544-545}}</ref> فقد كان أبو بكر قد عيَّن خالداً قائداً عاماً لجيوش المسلمين في [[بلاد الشام|الشام]]، غير أن عمر لم يرضَ بذلك لئلا يفتتن به المسلمون لانتصاراته المتوالية على الأعداء،<ref name="abc2">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الطريق إلى دمشق|الطبعة الثالثة سنة 1985|p=303}}</ref> فكان من أول ما فعله عمر بعد توليه أمور الخلافة أن كتب إلى [[أبو عبيدة بن الجراح|أبي عبيدة بن الجراح]] يعلمه بوفاة أبي بكر (ولم يُعلِم خالداً بذلك)،<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الطريق إلى دمشق|الطبعة الثالثة سنة 1985|p=298-299}}</ref> وكان يريد عزل خالد على الفور، حتى أنه رويَ عنه أنه قال في خالد: «لا يلي لي عملًا أبدًا». وبعدها أرسل عمر كتاباً آخر إلى أبي عبيدة يُعلِمه فيه بعزل خالد عن قيادة الجيوش وتعيينه مكانه، لكنَّ المؤرخين اختلفوا حول متى بالضبط وصل إلى أبي عبيدة الأمر بعزل خالد.<ref name="abc2"/> فيقول [[ابن إسحاق]] أن ذلك كان خلال حصار [[دمشق]] في شهر رجب من سنة [[14 هـ]]، إلا أن أبا عبيدة استحى فلم يُعلم خالداً حتى انتهى الحصار وتم الفتح،<ref>[[تاريخ الطبري]]، الجزء الثالث، ص435: حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق.</ref> فيما يذهب [[سيف بن عمر]] إلى أن ذلك كان خلال [[معركة اليرموك]] عندما كان القتال لا يزال محتدماً بين الروم والمسلمين،<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الطريق إلى دمشق|الطبعة الثالثة سنة 1985|p=304}}</ref> بينما قال [[المدائني]]، أن أمر العزل جاء حين كان المسلمون يقاتلون الروم [[الياقوصة|بالياقوصة]] في شهر رجب.<ref name="abc2"/>

بعد ذلك توجَّه أبو عبيدة مع خالد لحصار دمشق، وتمكّنا من [[فتح دمشق|فتحها]].<ref name="الكامل في التاريخ – المجلد الثاني 1979 430">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الكامل في التاريخ – المجلد الثاني|1979|p=430}}</ref> في هذه الأثناء وصلتهما أنباء تجمُّع جيش كبير من الروم في مدينة [[بعلبك]]، وأنه يسير جنوباً إلى فلسطين للقاء جيشي عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة<ref name="abc3">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الطريق إلى دمشق|الطبعة الثالثة سنة 1985|p=313}}</ref> المؤلفين من 5.300 جندي. فقرر أبو عبيدة وخالد السير إليهما بسرعة بجيشهما المؤلف من 27,000 مقاتل،<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الطريق إلى دمشق|الطبعة الثالثة سنة 1985|p=310}}</ref> وسبق خالد أبا عبيدة على رأس 1,500 فارس لضرورة السرعة.<ref name="abc3"/> اجتمعت جيوش المسلمين وجيوش الروم قرب موقع [[فحل]] جنوبي الشام، فدارت بعض المفاوضات قبل المعركة، غير أنها لم تؤدّ إلى شيء. والتقى الجيشان في 28 من ذي القعدة سنة 13 هـ (23 يناير 653 م)،<ref>[http://islamstory.com/ar/موقعة_بـيـسـان_فتوح_الشام موقعة بيسان]. موقع قصة الإسلام، ل[[راغب السرجاني]]. تاريخ النشر 01-05-2006. تاريخ الولوج 27-06-2012. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20161114010444/http://islamstory.com:80/ar/موقعة_بـيـسـان_فتوح_الشام |date=14 نوفمبر 2016}}</ref>
حوالي 32,000 من المسلمين<ref name="abc3"/> ضد ما بين 50,000 و80,000 من الروم،<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الطريق إلى دمشق|الطبعة الثالثة سنة 1985|p=334}}</ref> وانتصر المسلمون نصراً كبيراً، وقال [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير]] عن المعركة «فكانت الهزيمة بفحل والقتل بالرداغ، فأصيب الروم وهم ثمانون ألفاً لم يفلت منهم إلا الشريد».<ref name="الكامل في التاريخ – المجلد الثاني 1979 430"/> وبعد ذلك ولَّى أبو عبيدة بعض قادته على دمشق وفلسطين والأردن، وسار مع خالد نحو [[حمص]] ففتحاها، ثم إلى [[سهل البقاع]]،<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الطريق إلى دمشق|الطبعة الثالثة سنة 1985|p=387-380}}</ref> وفتحا خلال ذلك مدينة [[بعلبك]] صلحاً.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الطريق إلى دمشق|الطبعة الثالثة سنة 1985|p=389}}</ref>

عاد الروم إلى حشد جيش ضخم من 240,000 مقاتل، هذه المرة في منطقة [[يرموك (توضيح)|اليرموك]] بالأردن، وكان ذلك في سنة [[13 هـ]]، وأما المسلمون فقد كان عددهم 27,000، ومع التسعة آلاف جندي الذين جاء بهم خالد ليصبحوا 36,000 جندي.<ref name="الكامل في التاريخ – المجلد الثاني 1979 410"/> ودارت هناك [[معركة اليرموك]] الشهيرة، التي بدأت في الخامس من رجب سنة 15 هـ،<ref name="اليرموك: اليوم الثاني">[http://islamstory.com/ar/اليرموك_اليوم_الثاني_فتح_الشام اليرموك: اليوم الثاني]. موقع قصة الإسلام، ل[[راغب السرجاني]]. تاريخ النشر 01-05-2006. تاريخ الولوج 27-06-2012. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20160425062222/http://islamstory.com:80/ar/اليرموك_اليوم_الثاني_فتح_الشام |date=25 أبريل 2016}}</ref> واستمرَّت مدة 6 أيام كاملة،<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|اليرموك والفتح العمري الإسلامي للقدس|الطبعة الأولى سنة 2002|p=187}}</ref> انتهت أخيراً بهزيمة الروم ومقتل قائدهم باهان.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|اليرموك والفتح العمري الإسلامي للقدس|الطبعة الأولى سنة 2002|p=202-207}}</ref> وقيل أن عدد قتلى الروم في اليرموك و[[الياقوصة]] بعد طلوع الشمس عقب نهاية آخر أيام المعركة كان 120.000 قتيل، وأما المسلمون فحوالي 3.000 قتيل.<ref name="اليرموك: اليوم الثاني"/>

بعد المعركة انقسمت جيوش المسلمين إلى أربعة ألوية مجدداً، فتولى كل لواء فتح منطقة من الشام.<ref name="abc4">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الطريق إلى دمشق|الطبعة الثالثة سنة 1985|p=511}}</ref> فخرج يزيد بن أبي سفيان من دمشق، لفتح [[صيدا]] و[[مركز عرقة|عرقة]] و[[جبيل]] و[[بيروت]]،<ref name="abc4"/> وخرج عمرو بن العاص من فلسطين ففتح [[نابلس]] و[[عمواس]] و[[بيت جبرين]] و[[رفح (توضيح)|رفح]]<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الطريق إلى دمشق|الطبعة الثالثة سنة 1985|p=513}}</ref> و[[عسقلان]]، وفتح شرحبيل ما تبقّى من الأردن.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الطريق إلى دمشق|الطبعة الثالثة سنة 1985|p=515}}</ref> وأما أبو عبيدة وخالد فقد سارا إلى مدينة [[حمص]]، فحاصراها وفتحاها مجدداً<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|أكرم|1982|p=338}}</ref> (حيث كانا قد تركاها وأعادا لأهلها الجزية خلال انسحابهما من تقدُّم جيوش الروم قبل اليرموك)،<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|اليرموك والفتح العمري الإسلامي للقدس|الطبعة الأولى سنة 2002|p=175-176}}</ref> ثم أتبعاه بفتح [[حماة]] و[[اللاذقية]].<ref>[[محمد حسين هيكل|هيكل]]، الفاروق عمر، ص 213-214</ref> وبعدها خاضوا مع الروم [[معركة قنسرين]]، وبعد أن انتصروا بها سارا إلى [[حلب]] و[[فتح حلب|فتحاها]]،<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الطريق إلى دمشق|الطبعة الثالثة سنة 1985|p=516-518}}</ref> وأخيراً فتحا [[أنطاكية (توضيح)|أنطاكية]] في أقصى شمال الشام.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الطريق إلى دمشق|الطبعة الثالثة سنة 1985|p=519}}</ref>
[[ملف:Umarmosquebuilding.JPG|تصغير|يمين|رسم إفرنجي يُظهر بناء مسجد عمر بالقدس بعد الفتح الإسلامي.]]
[[ملف:Umar Mosque,Jerusalem123.jpg|تصغير|[[مسجد عمر (القدس)|مسجد عمر بن الخطاب في القدس]]، بُني حيث صلّى عمر أثناء مكوثه في المدينة بعد فتحها.]]
بعد فتح رفح، توجَّه عمرو بن العاص بجيشه أخيراً إلى [[القدس]]، ومكث يحاصرها طويلاً، ثم كاد ييأس من فتحها نظراً لحصانتها الشديدة، فاستدعى أبا عبيدة، فجاءه ومعه المدد، ثم انضمَّ إليهما شرحبيل من الأردن، وأخيراً جاء خالد من قنسرين لينضمَّ إلى الحصار<ref name="عمر وفتح القدس">[http://islamstory.com/ar/صلح_القدس_فتح_الشام فتح القدس]. موقع قصة الإسلام، ل[[راغب السرجاني]]. تاريخ النشر 01-05-2006. تاريخ الولوج 27-06-2012. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20161216180647/http://islamstory.com:80/ar/صلح_القدس_فتح_الشام |date=16 ديسمبر 2016}}</ref> وطال الحصار شهوراً كثيرة دون جدوى، حتى قرَّر واليها الاستسلام أخيراً، لكنه طلب شرطاً أخيراً، وهو أن يأتي الخليفة عمر بن الخطاب بنفسه إلى المدينة ويفتحها، فقال لأبي عبيدة: «نحن نصالِحُك... فأرسل إلى خليفتكم فيكون هو الذي يعطينا العهد، وهو يسامحنا ويكتب لنا الأمان».<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|اليرموك والفتح العمري الإسلامي للقدس|الطبعة الأولى سنة 2002|p=244}}</ref> فكتب أبو عبيدة إلى عمر يخبره بذلك الشرط،<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الطريق إلى دمشق|الطبعة الثالثة سنة 1985|p=525}}</ref> فاستشار عمر كبار الصحابة، غير أنهم اختلفوا، وانقسموا إلى فريقين أساسيَّين، واحد على رأسه عثمان بن عفان يرى عدم الاستجابة وحصار المدينة حتى استسلامها، والثاني وعلى رأسه علي بن أبي طالب يرى أنه ما من ضير في القبول،<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|اليرموك والفتح العمري الإسلامي للقدس|الطبعة الأولى سنة 2002|p=245}}</ref> وقد قرَّر عمر الانحياز إلى رأي عليٍّ والقبول بالعرض. وتختلف الروايات التاريخية حول الهيئة التي جاء عمر بها إلى القدس، فتقول بعضها أنه جاء على رأس جيش كبير، وتقول أخرى أنه كان يرتدي ملابس مرقعة ويركب جملاً واحداً يتناوب عليه مع غلام، فلمَّا اقترب من المدينة كان دوره في المشي على الأرض ومرَّ على مخاضة، وعندما رآه والي الروم دهش من منظره، كما تذكر روايات أخرى أنه جاء بمظهر عاديٍّ ليس متفاخراً ولا متواضعاً أكثر من اللازم.<ref name="عمر وفتح القدس"/> وعقبَ وصول عمر إلى المدينة تسلَّم مفاتيحها، ودخلها فاتحاً، فعقد مع أهلها الصلح وأعطاهم الأمان، وكان ذلك في سنة 15 هـ.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الطريق إلى دمشق|الطبعة الثالثة سنة 1985|p=526-527}}</ref> وقد دخل عمر القدس في المساء، فلمَّا دخل [[المسجد الأقصى]] قال «لبيك اللهمَّ لبيك، بما هو أحب إليك»، ثم ذهب إلى محراب [[داود]] وصلَّى فيه، ولم يلبث أن طلع الفجر، فأمر المؤذن بإقامة الصلاة ثم تقدَّم وأمَّ بالفاتحين.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الطريق إلى دمشق|الطبعة الثالثة سنة 1985|p=527}}</ref>

=== فتح كامل العراق وفارس ===
{{مفصلة|الفتح الإسلامي لفارس{{!}}فتح العراق وفارس}}
[[ملف:معارك خالد بن الوليد في فتح العراق.PNG|تصغير|معارك خالد بن الوليد في فتح العراق.]]
[[ملف:Mosque of Omar Ibn al-Khattab.jpg|تصغير|[[مسجد عمر بن الخطاب (الجوف)|مسجد عمر بن الخطاب]] بدومة الجندل.]]
مهَّدت [[الفتح الإسلامي لفارس|لفتح العراق وفارس]] غارات صغيرة كان يشنُّها [[المثنى بن حارثة الشيباني]] عقبَ انتهاء [[حروب الردة]] على أطراف [[ساسانيون|الإمبراطورية الساسانية]].<ref>الطبري: ج:2 ص:554</ref> قرَّر أبو بكر تسيير جيوش المسلمين إلى العراق لفتحها، ووضع خطَّة مفادها أن ينطلق جيشان إسلاميَّان من جنوب وشمال العراق، فيطبقان عليها ويلتقيان [[الحيرة|بالحيرة]] التي كانت آنذاك تعد عاصمة البلاد.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الطريق إلى المدائن|الطبعة السادسة سنة 1986|p=206}}</ref> فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد في شهر محرم سنة [[12 هـ]] وهو [[اليمامة (توضيح)|باليمامة]] بعد أن فرغ من [[معركة اليمامة|قتال]] [[مسيلمة الكذاب]] أثناء حروب الردة، وأمره بالسَّير إلى العراق،<ref name="abc5">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|قادة فتح العراق والجزيرة|الطبعة الثالثة سنة 1977|p=119}}</ref> وألا يُكره أحداً ممن قاتلوا معه في اليمامة على المجيء.<ref name="abc6">[[محمد حسين هيكل|هيكل]]، الصديق أبي بكر، ص 203</ref> وبعد أن وصلت إلى خالد تعزيزات كثيرة كان قد طلبها من أبي بكر، وصل إلى العراق ومعه 18,000 جنديّ.<ref name="abc5"/> من جهة أخرى، أمر أبو بكر [[عياض بن غنم]] بالسير إلى [[محافظة دومة الجندل|دومة الجندل]]،<ref name="abc6"/> فيأتي هو من الشمال وخالد من الجنوب، ويُطبِقان معاً على الحيرة.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الطريق إلى المدائن|الطبعة السادسة سنة 1986|p=206-207}}</ref> وبدأ خالد بدخول العراق، فخاضَ معارك كثيرة متتالية ضدَّ الفرس كان النصر حليفه فيها جميعاً، في [[معركة ذات السلاسل|ذات السلاسل]] و[[معركة النهر|المذار]] و[[معركة الولجة|الولجة]] و[[معركة أليس|أُليس]] و[[معركة المقر|المقرّ]]،<ref name="حملات خالد بالعراق">[http://islamstory.com/ar/حملة_خالد_بن_الوليد_في_العراق خالد بن الوليد يشن حملات على العراق]. موقع قصة الإسلام، ل[[راغب السرجاني]]. تاريخ النشر 01-05-2005. تاريخ الولوج 28-06-2012. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20161227031035/http://islamstory.com:80/ar/حملة_خالد_بن_الوليد_في_العراق |date=27 ديسمبر 2016}}</ref> وأخيراً، حاصر الحيرة وفتحها في شهر ربيع الأول من سنة 12 هـ نفسها.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الطريق إلى المدائن|الطبعة السادسة سنة 1986|p=252-257}}</ref> وفُتِحَت [[محافظة الأنبار|الأنبار]] تباعاً،<ref>[[محمد حسين هيكل|هيكل]]، الصديق أبي بكر، ص 220</ref> ثم التقى خالد الفرس في [[معركة عين التمر]] التي ربحها خلال دقائق.<ref>ابن الأثير 2/395</ref> وأما عياض بن غنم فقد قضى في حصار دومة الجندل نصف سنة تقريبًا دون أن يتمكَّن منها، فجاءه خالد بعد فراغه من عين التمر، ودارت [[معركة دومة الجندل]] بينه وبين حامية المدينة، التي انتهت بفتحها في 24 من رجب سنة 12 هـ.<ref>[http://www.islammemo.cc/zakera/methl-haza-elyawm/2010/07/05/103080.html معركة دومة الجندل]. مفكرة الإسلام. تاريخ النشر 05-07-2010. تاريخ الولوج 28-06-2012. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20170221141901/http://islammemo.cc/zakera/methl-haza-elyawm/2010/07/05/103080.html |date=21 فبراير 2017}}</ref> كانت [[معركة الفراض]] آخر معركة لخالد بن الوليد في العراق،<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|العقاد|2002|p=153}}</ref><ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|أكرم|1982|p=215}}</ref> وبعدها سار إلى الشام عقب تلقّيه أمر أبي بكر بالتوجُّه إلى هناك لمساعدة المسلمين في [[معركة اليرموك]].<ref name="البداية">[http://www.al-eman.com/الكتب/البداية+والنهاية+**/i111&p1 البداية النهاية] [[ابن كثير الدمشقي|لإبن كثير]] ص:105 {{استشهاد ويب |عنوان=نسخة مؤرشفة |تاريخ الوصول=5 سبتمبر 2019 |مسار=http://www.al-eman.com/Islamlib/viewchp.asp?BID=251&CID=105 |تاريخ أرشيف=10 نوفمبر 2010 |مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20101110122007/http://www.al-eman.com/Islamlib/viewchp.asp?BID=251&CID=105 |url-status=bot: unknown }}</ref>

ذهب خالد بنصف الجيش، وبقي النص الثاني في يد المثنى بن حارثة، الذي حلَّ مكانه في القيادة. وقد تزامن ذلك مع فتنة في البلاط الفارسيّ خلَّفها مقتل [[قباد الثاني|شيرويه]] ملك الفرس بالمدائن،<ref name="حملات خالد بالعراق"/> وبدأ الملوك يتاولون على الدولة الفارسية فيخلعون الواحد تلو الآخر.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الطريق إلى المدائن|الطبعة السادسة سنة 1986|p=375}}</ref> وفي هذا الوقت، أرسل أحد ملوك الفرس جيشاً لقتال المسلمين، فالتقى المثنى بن حارثة مع الجيش الفارسي في [[موقعة بابل]] في ربيع الأول سنة 13 هـ، وانتصر على الفرس.<ref name="حملات خالد بالعراق"/> لكن تغيَّر ميزان القوى عندما قام وال فارسيّ يُسمَّى [[رستم]] بانقلاب على أحد الأكاسرة، منهياً فترة الاضطراب ومستبداً بالحكم.<ref name="حملات خالد بالعراق"/> فخرج المثنى في أواسط سنة 13 هـ إلى المدينة، ليقابل أبا بكر ويحكي له عن أحوال ساحة القتال، ويطلب منه المدد والعون لاستكمال الفتح.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الطريق إلى المدائن|الطبعة السادسة سنة 1986|p=376}}</ref> غير أن المثنى وصل المدينة وأبو بكر على فراش الموت، فلمَّا حكى له ما أراده قال أبو بكر: «عليَّ بعمر»، فجاء عمر، فأوصاه أبو بكر بأن يندب الناس (يدعوهم إلى الخروج للقتال) مع المثنى كل يوم.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الطريق إلى المدائن|الطبعة السادسة سنة 1986|p=376-377}}</ref> وتوفيَّ أبو بكر بعد تلك الحادثة بأيام.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الطريق إلى المدائن|الطبعة السادسة سنة 1986|p=377}}</ref>

ما إن انتهى دفن أبو بكر حتى وقف عمر ومعه المثنى يخطب في الناس ويدعوهم إلى الانضمام لجيوش المسلمين لقتال الفرس، فخطب فيهم في آخر ليلة وفاته قائلاً: «الصلاة جامعة»، فتجمَّع من حوله الناس، لكن ما إن دعاهم إلى التطوع للقتال حتى تفرَّقوا مجدداً دون أن يجيبوا دعوته.<ref name="abc7">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الطريق إلى المدائن|الطبعة السادسة سنة 1986|p=378}}</ref> ثم حاولَ مجدداً بعد صلاة الفجر، واستمرَّ على تلك الحال ثلاثة أيام متتالية دون جدوى، حيث كان العرب يهابون الفرس بشدة ويخشونهم كثيراً.<ref name="البداية"/> ولمَّا كان اليوم الرابع وقف المثنى في [[المسجد النبوي]]، فخطبَ فيهم، وحدَّثهم عن ما حققه المسلمون من انتصارات على الفرس في العراق،<ref name="abc7"/> ثم قام عمر وخطب بدوره، وهنا صاح رجل: «أنا لها!»، وكان [[أبو عبيد الثقفي]]، ثم بدأ الناس يتطوَّعون الواحد تلو الآخر، حتى اجتمع لدى عمر والمثنى 1,000 رجل.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الطريق إلى المدائن|الطبعة السادسة سنة 1986|p=379}}</ref> وتولَّى أبو عبيد قيادة الجيش،<ref name="البداية"/> فيما سبقه المثنى وعاد مسرعًا إلى جيوشه في الحيرة.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|قادة فتح العراق والجزيرة|الطبعة الثالثة سنة 1977|p=38}}</ref> اتجه أبو عبيد إلى العراق، وانتصر على الفرس في [[معركة النمارق]] والسقاطية وباقسثيا، التي دارت كلُّها خلال تسعة أيام فقط.<ref name="معركة الجسر">[http://islamstory.com/ar/معركة_الجسر موقعة الجسر]. موقع قصة الإسلام، ل[[راغب السرجاني]]. تاريخ النشر 01-05-2005. تاريخ الولوج 28-06-2012. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20161214163345/http://islamstory.com:80/ar/معركة_الجسر |date=14 ديسمبر 2016}}</ref> لكنه هزم في [[موقعة الجسر]] وقتل فيها، ولم يُنقَذ جيش المسلمين إلا وقفة المثنى على الجسر وهو يقاتل الفرس، حتى عبر كل المسلمين إلى الجانب الآخر.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|قادة فتح العراق والجزيرة|الطبعة الثالثة سنة 1977|p=40-41}}</ref> أبيد نصف الجيش في المعركة، ولم يبقى منه سوى 2,000 مقاتل.<ref name="معركة الجسر"/>

أُرسل إلى عمر رسول يروي له أحداث الجبهة، وهو يخطب بالناس، فبكى وتأثر، وخطب فيهم يُحمِّسهم. ثم أعلن النفير العام في الجزيرة العربية، وأخذ يتنقَّل بين القبائل يحثها على التطوع للقتال، واجتمع له أخيراً 4,000 متطوع،<ref name="معركة الجسر"/> فأرسلهم إلى العراق، وهناك خاض المثنى [[معركة البويب]] ضد جيش فارسي جرار قوامه 70,000 جندي، وانتصر بها. أرسل المثنى بعد ذلك يطلب المزيد من المدد لأن الفرس بدأوا يحشدون للقتال، لكنه توفيَّ بعد ذلك بفترة قصيرة، وكانت وصيته للقائد الذي يخلفه: «لا تقاتل الفرس إلا على أبواب الصحراء».<ref name="معركة البويب">[http://islamstory.com/ar/معركة_البويب معركة البويب]. موقع قصة الإسلام، ل[[راغب السرجاني]]. تاريخ النشر 01-05-2005. تاريخ الولوج 28-06-2012. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20161227031402/http://islamstory.com:80/ar/معركة_البويب |date=27 ديسمبر 2016}}</ref> وأعلنَ النفير العام مجدداً، فأرسل عمر من يدعو إلى القتال إلى كل أنحاء الجزيرة العربية، واجتمع له مجدداً 4,000 مقاتل، جمعهم في مكان قرب المدينة يسمى صرار.<ref name="مولد تلقائيا2">[http://islamstory.com/ar/الإعداد_للقادسية_ووصية_عمر الإعداد للقادسية ووصية عمر]. موقع قصة الإسلام، ل[[راغب السرجاني]]. تاريخ النشر 01-05-2005. تاريخ الولوج 28-06-2012. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20161130052508/http://islamstory.com:80/ar/الإعداد_للقادسية_ووصية_عمر |date=30 نوفمبر 2016}}</ref> وبعد أن اجتمع الرجال عند عمر، أخذ يفكر في من سيوليه قيادة الحملة إلى العراق، فاحتار كثيراً، حتى وصله كتاب من [[سعد بن أبي وقاص]]، حيث كان قد عُيِّن لجمع الصدقات [[نجد|بنجد]]، فقال له [[عبد الرحمن بن عوف]] «وجدتَه!»، قال عمر: «فمن؟»، قال: «الأسد عادياً!»،<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|القادسية|الطبعة الثالثة سنة 1977|p=15}}</ref> فكانت رسالة سعد تذكرة لعمر، بقائده سعد.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|القادسية|الطبعة الثالثة سنة 1977|p=16}}</ref> مشى عمر مع الحملة وودَّع الجنود وخطب فيهم، ثم أوصى سعد بالتوقف في [[زرود (توضيح)|زرود]] ودعوة الناس للخروج معه.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|القادسية|الطبعة الثالثة سنة 1977|p=25}}</ref> وبينما وصل سعد زرود في شتاء سنة 14 هـ،<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|القادسية|الطبعة الثالثة سنة 1977|p=26}}</ref> أخذ عمر يوجه كل طاقته للحشد للحرب، فأخذ يدور على قبائل العرب ويدعوها للقتال ويجمع الناس ويرسل الإمدادات تباعاً إلى سعد، وأخذ يستخدم كل الوجهاء والخطباء والشعراء لتحريض الناس على الفرس، وكان يقول خلال ذلك: «والله لأضربنَّ ملوك العجم بملوك العرب».<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|القادسية|الطبعة الثالثة سنة 1977|p=26-27}}</ref> وبعد أن التقت وتجمَّعت كل الجيوش والإمدادات، بلغ قوام الجيش الإسلامي المتجه إلى فارس 32,000 مقاتل، وهو أكبر جيش إسلامي يدخل بلاد فارس حتى ذلك الحين.<ref name="معركة البويب"/>

بلغ تعداد قوات الفرس في المقابل 120,000 رجل و70 فيلاً، وكان التقاء الجيشين في أرض [[قادسية (توضيح)|القادسية]].<ref name="معركة القادسية">[https://alahmad.com/node/22 معركة القادسية]. ناصر بن محمد الأحمد. تاريخ الولوج 28-06-2012. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20141129015239/http://alahmad.com/node/22 |date=29 نوفمبر 2014}}</ref> سبقت المعركة بعض المقابلات والمفاوضات بين رسل من المسلمين ورستم، غير أنها لم تؤد إلى شيء،<ref name="موقعة القادسية">كتاب "القادسية: بقيادة سعد بن أبي وقاص"، لشوقي أبو خليل. ص50-74. الطبعة الثالثة سنة 1979، دار الفكر.</ref> ثم اندلعت المعركة الفاصلة في فتوحات فارس، المسمَّاة [[معركة القادسية|بمعركة القادسية]]. استمرَّ القتال أربعة أيام على أشده، فلما جاء اليوم الرابع قتل رستم وهزم الفرس وكانت تلك نهاية المعركة.<ref name="مولد تلقائيا1">[http://islamstory.com/ar/اليوم_الرابع_لمعركة_القادسية معركة القادسية.. اليوم الرابع]. موقع قصة الإسلام، ل[[راغب السرجاني]]. تاريخ النشر 01-05-2005. تاريخ الولوج 28-06-2012. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20161205155656/http://islamstory.com:80/ar/اليوم_الرابع_لمعركة_القادسية |date=5 ديسمبر 2016}}</ref> وبلغ عدد قتلى الفرس بنهاية المعركة 40,000 قتيل، وأما المسلمون فحوالي 6,000 قتيل.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|القادسية|الطبعة الثالثة سنة 1977|p=196-197}}</ref>

بعد القادسية، كانت جيوش المسلمين تقف على مسافة 30 كيلومترًا فحسب من [[المدائن]] عاصمة الفرس، وبإبادتهم الجيش الفارسيّ في المعركة لم تبقى أي جيوش تحول بينهم وبين العاصمة.<ref name="وقعة القادسية">[http://islamstory.com/ar/بعد_معركة_القادسية ما بعد معركة القادسية]. موقع قصة الإسلام، ل[[راغب السرجاني]]. تاريخ النشر 01-05-2005. تاريخ الولوج 28-06-2012. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20161207173547/http://islamstory.com:80/ar/بعد_معركة_القادسية |date=7 ديسمبر 2016}}</ref> ومكثوا فترة في القادسية، حتى جاءهم الأمر من عمر بالتوجه إلى المدائن.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|سقوط المدائن|الطبعة الثالثة سنة 1984|p=13}}</ref> حاصر سعد المدائن مدة شهرين، حتى استسلمت فدخلها المسلمون، وهرب كسرى الفرس، ووجد المسلمون داخلها ثروات هائلة.<ref name="فتح المدائن">[http://islamstory.com/ar/فتح_المدائن فتح المدائن]. موقع قصة الإسلام، ل[[راغب السرجاني]]. تاريخ النشر 01-05-2005. تاريخ الولوج 28-06-2012. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20161227031342/http://islamstory.com:80/ar/فتح_المدائن |date=27 ديسمبر 2016}}</ref> غير أن بقايا جيوش الفرس عادت للتجمُّع في موقعين أساسيَّين، هما [[جلولاء]] و[[تكريت]]،<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|سقوط المدائن|الطبعة الثالثة سنة 1984|p=69}}</ref> فانقسم المسلمون ثلاثة جيوش حسب أوامر عمر، الأول بقيادة [[هاشم بن عتبة]] الذي مني بالنصر في [[معركة جلولاء]] وفتح [[حلوان (إيران)|حلوان]]،<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|سقوط المدائن|الطبعة الثالثة سنة 1984|p=72-74}}</ref> والثاني بقيادة عبد الله بن المعتم الذي نجح في فتح تكريت و[[الموصل]]، والثالث بقيادة [[عتبة بن غزوان]]<ref name="فتوحات ما بعد المدائن1">[http://islamstory.com/ar/فتح_جلولاء_وتكريت فتح جلولاء وتكريت]. موقع قصة الإسلام، ل[[راغب السرجاني]]. تاريخ النشر 01-05-2005. تاريخ الولوج 28-06-2012. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20161226155616/http://islamstory.com:80/ar/فتح_جلولاء_وتكريت |date=26 ديسمبر 2016}}</ref> الذي نجح في فتح [[الأبلة]] وسائر [[الأهواز|الأحواز]].<ref name="فتوحات ما بعد المدائن2">[http://islamstory.com/ar/فتح_الأهواز فتح الأهواز]. موقع قصة الإسلام، ل[[راغب السرجاني]]. تاريخ النشر 01-05-2005. تاريخ الولوج 28-06-2012. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20161227031045/http://islamstory.com:80/ar/فتح_الأهواز |date=27 ديسمبر 2016}}</ref>

بعد فتح جلولاء فرَّ يزدجرد إلى [[مرو (توضيح)|مرو]]، وجعلها عاصمة الفرس الجديدة، وبدأ بحشد الجيوش من كل أصقاع فارس لوقف تقدم المسلمين.<ref>البلاذري. فتوح البلدان. ص:296</ref><ref>من التاريخ الإسلامي 1 - 132 هـ. د نزيه شحادة. [[دار النهضة العربية (توضيح)|دار النهضة العربية]] ط: الأولى 1998. ص:189</ref> وسار إليهم جيش المسلمين بقيادة [[النعمان بن مقرن المزني|النعمان بن مقرن]]، والتقيا قرب مدينة [[نهاوند]] في سنة 21 هـ،<ref name="موقعة نهاوند">كتاب "نهاوند: بقيادة النعمان بن مقرن المزني"، لشوقي أبو خليل. ص23. الطبعة الثالثة سنة 1979، دار الفكر.</ref> حوالي 30,000 رجل من المسلمين و150,000 من الفرس.<ref name="نهاوند">[http://islamstory.com/ar/معركة_نهاوند موقعة نهاوند]. موقع قصة الإسلام، ل[[راغب السرجاني]]. تاريخ النشر 01-05-2005. تاريخ الولوج 28-06-2012. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20161226155626/http://islamstory.com:80/ar/معركة_نهاوند |date=26 ديسمبر 2016}}</ref> وبعد يوم من القتال الحامي هزم الفرس وانتصر المسلمون نصراً كبيراً، فأطلقوا على [[معركة نهاوند]] ''فتح الفتوح''، حيث لم يجتمع الفرس بعدها أبداً.<ref name="موقعة نهاوند2">كتاب "نهاوند: بقيادة النعمان بن مقرن المزني"، لشوقي أبو خليل. ص76. الطبعة الثالثة سنة 1979، دار الفكر.</ref> ووصلت عمر أخبار الفتح فسرَّ سروراً عظيماً، غير أنه بكى عندما سمع بمقتل النعمان وصحابة آخرين خلال المعركة.<ref name="نهاوند"/> بعد نهاوند توالت فتوحات بلاد فارس، ففتحت [[همدان (إيران)|همدان]] [[أصفهان (مدينة)|فأصبهان]] [[ري|فالري]] [[جرجان|فجرجان]] [[طبرستان|فطبرستان]] [[أذربيجان|فأذربيجان]] [[خراسان (توضيح)|فخراسان]] [[كرمان|فكرمان]] [[مكران|فمكران]] فسجستان. وبذلك كانت نهاية [[ساسانيون|الدولة الساسانية]] وزوالها، وفتح المسلمين لجميع مناطقها السابقة.<ref name="فتح فارس">[http://islamstory.com/ar/الانسياح_في_بلاد_فارس توسع الفتح الإسلامي في بلاد فارس]. موقع قصة الإسلام، ل[[راغب السرجاني]]. تاريخ النشر 01-05-2005. تاريخ الولوج 28-06-2012. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20161226173348/http://islamstory.com:80/ar/الانسياح_في_بلاد_فارس |date=26 ديسمبر 2016}}</ref><ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|سقوط المدائن|الطبعة الثالثة سنة 1984|p=403-404}}</ref>

=== عام الرمادة وطاعون عمواس ===
{{مفصلة|عام الرمادة|طاعون عمواس}}
كانت سنة [[639]]م الموافقة لعام [[18 هـ]]، سيئة على الدولة الإسلامية التي تعرضت لنكبتين: [[مجاعة|المجاعة]] في المدينة المنورة و[[طاعون|الطاعون]] في بلاد الشام. وقيل حدث ذلك آخر سنة [[17 هـ]] الموافقة لذات العام الميلادي سالف الذكر. عمّ الجدب أرض [[الحجاز]] واسودت الأرض من قلّة المطر فمال لونها إلى الرمادي مدة تسعة أشهر فسميت «عام الرمادة». والتجأ المسلمون إلى المدينة المنورة، فأخذ عمر بن الخطاب يُخفف عنهم، وكتب إلى [[أبو موسى الأشعري|أبي موسى الأشعري]] بالبصرة فبعث إليه قافلة عظيمة تحمل البر وسائر الأطعمات، ثم قدِم [[أبو عبيدة بن الجراح]] من الشام ومعه أربعة آلاف راحلة تحمل طعامًا فوزعها على الأحياء حول المدينة المنورة. فخفف ذلك من الضائقة بعد أن هلك كثير من المسلمين.<ref>''[[ابن كثير الدمشقي|ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر]]''. [[البداية والنهاية]]، الجزء السابع، صفحة: 90-91. مكتبة المعارف - بيروت (1981) وكتبة العصر - الرياض (1966)</ref>

أما الطاعون فبدأ في [[عمواس]]، وهي قرب [[القدس|بيت المقدس]]، فسُمي «طاعون عمواس»،<ref>''[[البلاذري|البلاذري، أحمد بن يحيى بن جابر]]''. فتوح البلدان، الجزء الأول - صفحة: 165، تحقيق [[صلاح الدين المنجد]] - القاهرة (1956-1957).</ref><ref>''[[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير، علي بن أحمد بن أبي الكرم]]''. [[الكامل في التاريخ]]، الجزء الثاني، صفحة: 558. دار بيروت ودار صادر - بيروت (1967)</ref> ثم انتشر في بلاد الشام. وكان عمر بن الخطاب يهم بدخول الشام وقتها، فنصحه [[عبد الرحمن بن عوف]] بالحديث النبوي: {{اقتباس مضمن|إذا سمعتم بهذا الوباء ببلد، فلا تقدموا عليه، وإذا وقع وأنتم فيه فلا تخرجوا فرارًا منه}}، فعاد عمر وصحبه إلى المدينة المنورة. حاول عمر بن الخطاب إخراج أبا عبيدة بن الجراح من الشام حتى لا يُصاب بالطاعون فطلبه إليه، لكن أبا عُبيدة أدرك مراده واعتذر عن الحضور حتى يبقى مع جنده، فبكى عمر. ويبدو أن الطاعون انتشر بصورة مريعة، عقب المعارك التي حدثت في بلاد الشام، فرغم أن المسلمين كانوا يدفنون قتلاهم، فإن عشرات آلاف القتلى من البيزنطيين بقيت جثثهم في ميادين القتال من غير أن تُدفن، حيث لم تجد جيوشهم المنهزمة دائمًا الوقت الكافي لدفن القتلى. استمر هذا الطاعون شهرًا، مما أدى إلى وفاة خمسة وعشرين ألفًا من المسلمين وقيل ثلاثين ألفًا، بينهم جماعة من كبار الصحابة أبرزهم: [[أبو عبيدة بن الجراح]] وقد دُفن في «عمتا» وهي قرية بغور بيسان، و[[معاذ بن جبل]] ومعه ابنه عبد الرحمن، و[[يزيد بن أبي سفيان]]، و[[شرحبيل بن حسنة]]، و[[الفضل بن العباس|الفضل بن العباس بن عبد المطلب]]، و[[أبو جندل بن سهيل]].<ref>''[[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير، علي بن أحمد بن أبي الكرم]]''. [[الكامل في التاريخ]]، الجزء الثاني، صفحة: 560. دار بيروت ودار صادر - بيروت (1967)</ref><ref>''الفاروق، عمر''، [[محمد حسين هيكل]]. الفصل: 21</ref> وقيل أن الطاعون أصاب [[البصرة]] أيضًا فمات بشر كثير.

وبعد انحسار طاعون عمواس، خرج عمر بن الخطاب من المدينة المنورة متجهًا نحو بلاد الشام عن طريق أيلة. فلمّا وصلها قسّم الأرزاق وسمّى الشواتي والصوائف وسدّ فروج الشام وثغورها، واستعمل عبد الله بن قيس على السواحل ومعاوية بن أبي سفيان على جند دمشق وخراجها. ثم قسم مواريث الذين ماتوا، بعد أن حار أمراء الجند فيما لديهم من المواريث بسبب كثرة الموتى. وطابت قلوب المسلمين بقدومه بعد أن كان العدو قد طمع فيهم أثناء الطاعون.<ref>''[[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير، علي بن أحمد بن أبي الكرم]]''. [[الكامل في التاريخ]]، الجزء السابع، صفحة: 79. دار بيروت ودار صادر - بيروت (1967)</ref>

=== فتح مصر ===
{{مفصلة|الفتح الإسلامي لمصر}}
كثرت الأقوال حول السنة التي فتحت فيها [[مصر]]، فوردت في كتب التاريخ سنوات [[16 هـ|16]] و[[20 هـ|20]] و[[21 هـ|21]] و[[22 هـ|22]] و[[25 هـ]]، وقد كان ذلك عندما سمح عمر بن الخطاب [[عمرو بن العاص|لعمرو بن العاص]] بالتوجه إلى [[مصر]] بعد انتهائه من [[الفتح الإسلامي للشام|فتح الشام]]، وذلك بعد إلحاح طويل من [[عمرو بن العاص|عمرو]].<ref name="تاريخ خليفة1">[http://islamport.com/d/3/tkh/1/82/2074.html?zoom_highlightsub=%22%DD%CA%CD+%E3%D5%D1%22 تاريخ خليفة بن خياط.] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20200109174635/http://islamport.com/d/3/tkh/1/82/2074.html?zoom_highlightsub=" + " |date=9 يناير 2020}}</ref><ref name="تاريخ الطبري1">[http://islamport.com/d/3/tkh/1/76/1890.html?zoom_highlightsub=%22%DD%CA%CD+%E3%D5%D1%22 تاريخ الرسل والملوك للطبري.] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20200109174629/http://islamport.com/d/3/tkh/1/76/1890.html?zoom_highlightsub=" + " |date=9 يناير 2020}}</ref><ref name="تاريخ ابن خلدون1">[http://islamport.com/d/3/tkh/1/68/1286.html?zoom_highlightsub=%22%DD%CA%CD+%E3%D5%D1%22 تاريخ ابن خلدون.] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20200126141002/http://islamport.com/d/3/tkh/1/68/1286.html?zoom_highlightsub=" + " |date=26 يناير 2020}}</ref><ref name="الكامل1">[http://islamport.com/d/3/tkh/1/42/611.html?zoom_highlightsub=%22%DD%CA%CD+%E3%D5%D1%22 الكامل في التاريخ لابن الأثير.] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20200126140956/http://islamport.com/d/3/tkh/1/42/611.html?zoom_highlightsub=" + " |date=26 يناير 2020}}</ref><ref>[http://books.google.com/books?id=1nvvDMWN-iEC&printsec=frontcover&dq=alfred+butler#PPA196,M1 فتح مصر للمؤرخ الفريد بتلر ص 196، النسخة الإنجليزية.] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20141024175930/http://books.google.com/books?id=1nvvDMWN-iEC&printsec=frontcover&dq=alfred+butler |date=24 أكتوبر 2014}}</ref> ودخل [[عمرو بن العاص|عمرو]] [[مصر]] على رأس 4,000 رجل، فكان أول ما فتحه هو حصن [[الفرما]] بعد حصار دام شهراً، ونفس الأمر في [[بلبيس]]، ثم سار إلى [[أم دنين]] بعد أن أمده عمر بأربعة آلاف آخرين، وانتصر قربها في معركة عين شمس.<ref name="فتح مصر1">[http://islamstory.com/ar/فتح_مصر_من_الفرما_إلى_حصن_بابليون من الفرما.. إلى حصن بابليون]. موقع قصة الإسلام، ل[[راغب السرجاني]]. تاريخ النشر 11-07-2007. تاريخ الولوج 30-06-2012. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20161121205650/http://islamstory.com:80/ar/فتح_مصر_من_الفرما_إلى_حصن_بابليون |date=21 نوفمبر 2016}}</ref> ثم سار إلى [[حصن بابليون]]، أقوى الحصون الحدودية في [[مصر]] آنذاك،<ref name="فتح مصر1"/> وفرض عليه حصاراً دام نصف سنة كاملة.<ref name="فتح مصر2">[http://islamstory.com/ar/حصار_حصن_بابليون_أثناء_فتح_مصر حصار حصن بابليون]. موقع قصة الإسلام، ل[[راغب السرجاني]]. تاريخ النشر 22-07-2007. تاريخ الولوج 30-06-2012. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20161122120403/http://islamstory.com:80/ar/حصار_حصن_بابليون_أثناء_فتح_مصر |date=22 نوفمبر 2016}}</ref> وأخيراً وبعد أن تسلق الأسوار [[الزبير بن العوام]]، وفتح الحصن من الداخل تمكن المسلمون من دخوله، وفُتِحَ حصن بابليون.<ref name="فتح مصر3">[http://islamstory.com/ar/فتح_حصن_بابليون فتح حصن بابليون]. موقع قصة الإسلام، ل[[راغب السرجاني]]. تاريخ النشر 14-08-2007. تاريخ الولوج 30-06-2012. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20170831185824/http://islamstory.com:80/ar/فتح_حصن_بابليون |date=31 أغسطس 2017}}</ref> وبعد فتح الحصن بنى المسلمون مدينة [[الفسطاط]] قربه.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الكامل في التاريخ – المجلد الثاني|1979|p=565}}</ref> ثم سار عمرو إلى [[الإسكندرية]]، وفرض عليها حصاراً دام ثلاثة شهور حتى فٌتِحَت عنوة، وبفتح الإسكندرية كان قد تمَّ فتح مصر، ووليها عمرو ثم [[عبد الله بن سعد بن أبي السرح]] من بعده.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الكامل في التاريخ – المجلد الثاني|1979|p=567}}</ref>

=== فتح برقة وطرابلس الغرب ===

بعد أن أتمَّ عمرو بن العاص فتح الإسكندرية سار إلى إقليم [[برقة]]، الواقع اليوم شرق [[ليبيا]]. وأرسل بداية [[عقبة بن نافع]] ليستطلع الأوضاع ويعطيه تقريراً عن المنطقة، ثم فتح برقة بسهولة وسرعة،<ref name="فتح برقة">[http://www.brnieq.com/news/?p=50448 تاريخ برقة بعد الفتح الإسلامي]. صحيفة برنيق. تاريخ الولوج 30-06-2012. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20120521014919/http://www.brnieq.com/news/?p=50448 |date=21 مايو 2012}} {{وصلة مكسورة|تاريخ=2020-08-02|bot=JarBot}}</ref> وصالح أهلها على جزية يدفعونها له مقدارها 13,000 دينار، وكان ذلك في سنة [[22 هـ]].<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الكامل في التاريخ – المجلد الثالث|1979|p=25-26}}</ref> ثمَّ فرَّق عمرو قواته وأرسلهم إلى مختلفة أجزاء برقة ومحيطها، فأرسل [[عبد الله بن الزبير]] إلى [[مصراتة]] و[[عقبة بن نافع]] إلى [[زويلة]] (ثم عينه قائداً لحامية برقة) و[[بسر بن أبي أرطأة|بسر بن أرطاة]] إلى [[ودان (ليبيا)|ودان]]، فنجحوا في فتح كل هذه المدن.<ref name="فتح المغرب">[http://islamstory.com/ar/فتوحات-إفريقية فتوحات إفريقية]. موقع قصة الإسلام، ل[[راغب السرجاني]]. تاريخ النشر 19-04-2010. تاريخ الولوج 30-06-2012. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20161221102908/http://islamstory.com:80/ar/فتوحات-إفريقية |date=21 ديسمبر 2016}}</ref> وأخيراً سار عمرو إلى [[طرابلس|طرابلس الغرب]] وحاصرها لمدة شهر، غير أنه لم يتمكن من فتحها، حتى تمكن بعض جنوده من اقتحام المدينة، ففرَّ الروم إلى سفنهم للهرب، ودخل جيشه المدينة وفتحها.<ref name="الكامل في التاريخ – المجلد الثالث 1979 26">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|الكامل في التاريخ – المجلد الثالث|1979|p=26}}</ref> وفتحت معها المناطق المحيطة بها مثل [[غريان]] و[[الزاوية (ليبيا)|الزاوية]] وسائر [[الجبل الغربي|جبل نفوسة]].<ref name="فتح برقة"/> وبعد طرابلس سار عمرو إلى [[مديرية السبرة|سبرة]]، ففتحها هي الأخرى، وتم بذلك فتح ليبيا.<ref name="الكامل في التاريخ – المجلد الثالث 1979 26"/> غير أن عمر لم يأذن له بالسير أكثر حتى [[إفريقية]]، فعاد عمرو إلى مصر.<ref name="فتح المغرب"/>

== إدارة الدولة ==
{{عمر بن الخطاب}}يُعتبر عمر بن الخطاب أحد عباقرة السياسة والإدارة في [[تاريخ إسلامي|التاريخ الإسلامي]] خصوصًا والعالمي عمومًا.<ref name="jewishvirtuallibrary.org"/> فقد اتسعت حدود الدولة الإسلامية خلال عهده اتساعًا عظيمًا جعله يُقدم على إنشاء تنظيم إداري فعّال لابقائها متماسكة وموحدة، وقد استتبع هذا الأمر تنظيم وإنشاء عدّة مرافق مهمة لم تعرفها [[عرب|العرب]] من قبل، أو عرفتها ولكن على نحو ضيّق بسبب طبيعة حياة الناس داخل شبه الجزيرة قبل الفتوح الإسلامية. ومن مآثر عمر بن الخطاب الأخرى توسيعه وترميمه [[المسجد الحرام|للمسجد الحرام]] في [[مكة]] و[[المسجد النبوي]] في [[المدينة المنورة]]، لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الحجاج بعد أن اعتنق الكثير من رعايا الشام والعراق ومصر وغيرها الإسلام.<ref>''Book of the Thousand Nights and One Night'', E. P. Mathers, page no: 471</ref>

=== التنظيمات السياسية والإدارية ===
اتسعت أقاليم [[الخلافة الراشدة|الدولة الإسلامية الأولى]]، نتيجة انتشار المسلمين في الأقاليم المتاخمة لشبه الجزيرة العربية، لذلك عمد عمر بن الخطاب إلى تقسيم الأمصار المفتوحة إلى خمس مناطق كبيرة تنقسم بدورها إلى ولايات، وهي: [[العراق]] ([[الأهواز|الأحواز]]، [[الكوفة]]، [[البصرة]])، [[بلاد فارس|فارس]] (سجستان و[[مكران]] و[[كرمان]]، [[طبرستان]]، [[خراسان (توضيح)|خراسان]])، [[بلاد الشام|الشام]] (قسم قاعدته [[حمص]]، وقسم قاعدته [[دمشق]])، [[فلسطين]] (قسم قاعدته أيلة وقسم قادته [[الرملة]])، [[إفريقية|أفريقية]] ([[صعيد مصر]]، [[مصر السفلى]]، غرب مصر، و[[الصحراء الليبية|صحراء ليبيا]]). أما في شبه الجزيرة العربية فأبقى على تقسيمها كما فعل أبو بكر الصديق، واستمرت تضم اثنتي عشر ولاية، هي: [[مكة|مكة المكرمة]]، [[المدينة المنورة]]، [[الطائف]]، [[صنعاء]]، [[حضرموت (محافظة)|حضرموت]]، [[خولان]]، [[زبيد (توضيح)|زبيد]]، مرقع، الجند، [[نجران]]، [[جرش]]، و[[البحرين]].<ref>الدولة العربية الإسلامية الأولى (1-41 هـ / 623-661 م). الطبعة الثالثة 1995 م. دكتور عصام شبارو. دار النهضة العربية، بيروت - لبنان. صفحة: 330</ref> كما قسّم الخليفة ولايات الشام إلى مقاطعات عدة دُعي كل منها جُندًا، وهي: جند قنسرين، جند دمشق، جند حمص، [[جند الأردن]]، وجند فلسطين.<ref>قال صاحب معجم البلدان 1/38: {{اقتباس مضمن|وأما الجند فيجيء في قولهم: جند قنسرين، وجند فلسطين، وجند حمص، وجند دمشق، وجند الأردن. فهي خمسة أجناد، وكلها بالشام. ولم يبلغني أنهم استعملوا ذلك في غير أرض الشام}}</ref> وكان عمر يختار لكلِّ إقليم واليًا، وكان يختارهم ممن يَتَوَسَّم فيهم الصلاح والمقْدرة على إدارة شؤون الولاية، والقِيام بالمهام المُلْقاة على عواتقِهم. وكان عمر يوصِي أولئك الوُلاةَ بحُسْن معامَلة الرعية، والرِّفْق بهم، وعدم تكْليفهم فوق طاقتهم، ويحملهم مسؤولية تطْبيق شرائع الإسلام وسُننه؛ فقال مُوَضِّحًا واجباتِهم: {{اقتباس مضمن|أيُّها الناس، إنِّي والله ما أرسل إليكم عمَّالاً ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أعْشاركم؛ ولكن أرسلهم ليعلِّموكم دينكم وسُننكم، فمَن فُعل به شيءٌ سوى ذلك، فليرفعه إليَّ، فوالَّذي نفس عمر بيده، لأقتصّنَّ له منه}}.<ref name="الألوكة">[https://www.alukah.net/culture/0/5799/ شبكة الألوكة الثقافية؛ ثقافة ومعرفة: التراتيب الإدارية في عهد عمر بن الخطاب.] تأليف: محمد بن سالم بن علي جابر. تاريخ التحرير: 12/5/2009 ميلادي - 17/5/1430 هجري {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20170705013741/http://www.alukah.net/culture/0/5799 |date=05 يوليو 2017}}</ref> كذلك كان لعمر مُفوَّضون رسميُّون يسافِرُون إلى الأمصار، ويراجعون أعمال الوُلاة، وكان على رأس أولئك المفتِّشين [[محمد بن مسلمة]]، وهو رجلٌ حازم فائق الأمانة. وحرصًا منه على استقرار الوُلاة، وعدم انشغالهم بأمْرٍ غير الولاية؛ فقد أجْرى عليهم مرتباتٍ من شأنِها أن تعينَهم على التفرُّغ لعَمَلِهم المنوط بهم، ومثال ذلك: أنه أجْرى على عمار - والي الكوفة - ستمائة درهم، له ولكاتبه ومؤذِّنيه كلَّ شهر، وأجْرى على عثمان بن حنيف رُبع شاة وخمسة دراهم كل يوم، مع عطائه - وكان خمسةَ آلاف درهم - وأجْرى على [[عبد الله بن مسعود]] مائة درهم في كل شهر وربع شاة كل يوم.<ref name="الألوكة"/>

يُشير بعض المؤرخين إلى أن عمر بن الخطاب اتبع نظام [[مركزية (توضيح)|المركزية الإدارية]] في حكمه للدولة الإسلامية، أي أن حكومته المركزية القائمة في المدينة المنورة كانت تقوم وحدها بالوظيفة الإدارية، دون مشاطرة الهيئات الأخرى لها في ذلك.<ref name="الألوكة"/> فقيل أن ظروف الدولة الإسلامية في عهد عمر فرضت أسلوبَ المركزية في الحكم؛ بل إن عمر قد سلك أسلوبًا مركزيًّا متطرِّفًا، يكاد لا يوجد له مثيل في التاريخ. وأن هيمنته في العاصمة لم تتوقف على الأمور العسكرية فحسب؛ بل امتدَّت إلى الشؤون المدنيَّة، ومن ذلك استئذان المسلمين الخليفةَ في طريقة بناء المساكن في المدن الجديدة، وحرص الخليفة على أن يُحاط علمًا بأقاليم الدولة التي لم يذهب إليها.<ref name="الألوكة"/> وقد ردّ باحثون آخرون على هذا الرأي بقولهم أن كتب السيرة والتاريخ كما حفظت كتبًا يوجِّه بها عمر عمَّاله وقُواده، ويتابع أعمالهم - فقد حفظت كذلك آثارًا يفوِّض فيها عمرُ الرأيَ لعمَّاله وقواده؛ لكي يتصرفوا في مواجهة المواقف، بما تقتضيه هذه المواقف.<ref name="الألوكة"/> ومن ذلك قوله لمحمد بن مسلمة: {{اقتباس مضمن|إن أكمل الرجال رأيًا مَن إذا لم يكن عنده عهْد من صاحبه، عمل بالحزم، أو قال به}}، وقوله [[معاوية بن أبي سفيان|لمعاوية بن أبي سفيان]] حين بيَّن له أسباب اتِّخاذه مظاهرَ الملك: {{اقتباس مضمن|لا آمرك ولا أنهاك}}، وردُّه على أبي عبيدة حين استشاره في دخول الدروب خلف العدو بقوله: {{اقتباس مضمن|أنت الشاهد وأنا الغائب، وأنت بحضرة عدوِّك، وعيونُك يأتونك بالأخبار}}، إلى غير ذلك من النصوص التي تدلُّ على أن عمر بن الخطاب كان ينتهج [[لامركزية (توضيح)|المنهج اللامركزي في الإدارة]]، وليس معنى ذلك أنه قد رفع يده كلية عن الولايات الأخرى؛ بل إن من حقه وواجبه الإشرافَ على هذه الولايات ومراقبتها في الحدود الشرعية.<ref name="الألوكة"/>
[[ملف:First Islamic coins by caliph Uthman-mohammad adil rais.jpg|تصغير|نقود فارسية من الطراز الذي كان شائعًا في خلافة عمر بن الخطاب. نُقشت على هذه النقود صورة آخر أكاسرة الإمبراطورية الفارسية الساسانية، وأضاف عمرُ نقش البسملة عليها.]]
نشأت [[ديوان (توضيح)|الدواوين]] في عهد عمر بن الخطاب نتيجة لاتساع الدولة الإسلامية، واتصال المسلمين الفاتحين عن قرب بالأنظمة الفارسية والبيزنطية في الأقاليم والتعرف على حضارتها، فانتقوا من بين ذلك ما وجدوه ملائمًا للاقتباس، كما أبقوا على الكثير من الأنظمة الإدارية التي ثبت لهم صلاحيتها لتلك البلاد. وقد اخْتُلف في تحديد نشأة الديوان؛ فيحدده [[محمد بن جرير الطبري|الطبري]] [[15 هـ|بالعام الخامس عشر للهجرة]]، بينما يذكره [[الماوردي]] في الأحكام السلطانية في [[20 هـ|العام العشرين]].<ref name="إدارة عمر بن الخطاب">[http://islamstory.com/ar/إدارة_بن_الخطاب#_ftn4 موقع قصة الإسلام: إدارة عمر بن الخطاب.] إشراف الدكتور راغب السرجاني. تاريخ التحرير: 01/05/2006 - 12:00 صباحًا {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20161216141128/http://islamstory.com:80/ar/إدارة_بن_الخطاب |date=16 ديسمبر 2016}}</ref> ومن الدواوين التي أوجدها عمر: ديوان الإنشاء، وهو ديوان الرسائل، ليكون بذلك أوّل من وضع هذا الديوان في الإسلام،<ref>[[أبو العباس القلقشندي|القلقشندي، أبو العباس أحمد]]. ''[[صبح الأعشى|صبح الأعشى في كتابة الإنشا]]''، الجزء الأول، صفحة: 285. دار الكتب المصرية - [[القاهرة]] ([[1340 هـ]] - [[1922]]م).</ref> ثم أنشأ [[ديوان العطاء]] و[[ديوان الجند]] الذي سجَّل فيه أسماء المقاتلين، ووجهتهم، ومقدار أعطياتهم وأرزاقهم، وديوان الجباية الهادف إلى إحصاء خراج البلاد المفتوحة، وتنظيم الإنفاق في الوجوه التي يجب الإنفاق فيها،<ref name="الألوكة"/><ref name="إدارة عمر بن الخطاب"/> وذلك بعد أن وردت الأموال الكثيرة إلى المدينة المنورة مركز الدولة الإسلامية بعد فتح الشام والعراق، فأشار [[خالد بن الوليد]] وقيل الهرمزان وقيل الوليد بن هشام بن المغيرة بإنشاء مثل هذه الدواوين لإحصاء الأموال وطريقة توزيعها. وكان ذلك تمهيدًا لإنشاء «بيت المال» أو «ديوان الأموال» الذي يمكن اعتباره بمثابة أول وزارة للمال في الإسلام. وقد اهتمَّ عمر بالأموال الواردة للدولة، وكان حريصًا جدًّا على المحافظة عليها، وإعطائها لمستحقيها، وقد كان يتعامل معها كما يتعامل والي اليتيم مع ماله، فلا يأخذ منه إلا كما يأخذ أدنى رجل من المسلمين. وأبقى عمر على النقود الذهبية والفضية التي كانت متداولة وعليها نقوش مسيحية أو فارسية، لكنه أضاف إلى هذه النقود البيزنطية والفارسية كلمة «جائز» ليميزها عن النقود الزائفة. ومع ذلك يعتبر عمر أول من ضرب النقود في الإسلام سنة [[639]]م، الموافقة لسنة [[18 هـ]]، معتمدًا النقش الفارسي وأضاف إليها «الحمد لله» وفي بعضها «لا إله إلا الله» وعلى جزء منها اسم «عمر».<ref>''[[تقي الدين المقريزي|ابن المقريزي، تقي الدين أحمد]]''. شذوذ العقود في ذكر النقود، صفحة: 31-33. [[النجف]] ([[1937]]م)</ref>

كان [[بريد|البريد]] موجودًا منذ تأسيس الدولة في المدينة المنورة، حيث كان النبي محمد يبعث الرسل إلى الملوك والأمراء ومعهم الكتب ممهورة بخاتمه. وقد رتّب عمر البريد بعد أن اتسعت هذه الدولة ليسهل عملية الاتصال بين المدينة المنورة والعمال وقادة الجيش في العراق وفارس والشام ومصر، فكتب إلى معاوية بن أبي سفيان في الشام يحثه على استعمال النار في الإشارات لنقل الرسائل والأخبار وإقامة الحرس على مناظرها واتخاذ المواقد لها. وقسّم الطرق إلى محطات بريدية بين الواحدة والأخرى مسافة اثني عشر ميلاً، وفي كل منها الحرس والزاد والماء.<ref>''[[البلاذري|البلاذري، أحمد بن يحيى بن جابر]]''. فتوح البلدان، الجزء الأول، صفحة: 134. تحقيق صلاح الدين المنجد - [[القاهرة]] ([[1956]]-[[1957]])</ref>

أما الخطوة الأخيرة في تنظيمات عمر بن الخطاب الإدارية، فكانت تكريس [[شورى|نظام الشورى]]، عملاً بالأمر الديني في [[القرآن]]: {{قرآن|وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}}، و{{قرآن|وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}}، والتي كانت دعوة صريحة لالتزام المشورة. وفي [[حديث نبوي|الحديث النبوي]]: {{اقتباس مضمن|اسْتَشِرْ، فَإِنَّ الْمُسْتَشِيرَ مُعَانٌ، وَالْمُسْتَشَارَ مُؤْتَمَنٌ}}،<ref>''[[أبو داود|أبو داود، سليمان بن الأشعث بن إسحق السجستاني]]''. [[سنن أبي داود]]، الجزء الرابع، صفحة: 233. تحقيق: [[محمد ناصر الدين الألباني]] - مشهور بن حسن آل سلمان. مكتبة المعارف للنشر والتوزيع - [[الرياض]]</ref> و{{اقتباس مضمن|مَا سَعِدَ أَحَدٌ بِرَأْيِهِ وَلا شَقِيَ مَعَ مَشُورَةٍ}}،<ref>''[[أبو بكر البيهقي|البيهقي، أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخراساني]]''. الجامع الصغير، الجزء الثاني، صفحة: 21</ref> و{{اقتباس مضمن|مشاورة أهل الرأي ثم اتباعهم}}.<ref>''[[جلال الدين السيوطي|السيوطي، جلال الدين محمد عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد]]''. [[الدر المنثور في التفسير بالمأثور]]، الجزء الثاني، صفحة: 90</ref> لذلك تمسك عمر بن الخطاب بمبدأ الشورى، وفي ذلك يقول: «لا خير في أمر أُبرم من غير شورى»،<ref>[http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Denia9/shora/sec06.doc_cvt.htm موسوعة المقاتل: الشورى في الإسلام - حكم الشورى] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20160304200244/http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Denia9/shora/sec06.doc_cvt.htm |date=09 يناير 2017}}</ref> واتبع القرآن والسنة النبوية في ذلك، فأبقى إلى جانبه كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار يستشيرهم في كل مسألة لا يوجد فيها نص أو حديث. وعلى هذا الأساس منع هؤلاء الصحابة من مغادرة المدينة المنورة إلا بإذن وبأجل محدد، وذلك ليتمكن من استشارتهم ولمساندته في دعم نظام الحكم القائم أساسًا على الشورى. وكان عمر يستشير الرجال، وكان أيضًا يستشير النساء، حيث كان يقدم [[الشفاء بنت عبد الله|الشفاء بنت عبد الله العدوية]] في الرأي، ويرضى عن رأيها.<ref name="إدارة عمر بن الخطاب"/>

=== تنظيم الجيش ===
{{أيضا|جيش الخلفاء الراشدين}}
أدرك عمر بن الخطاب أهمية الجيش في نشر الإسلام، لذلك أوجد فرقًا نظامية تُقدّر كل منها بأربعة آلاف فارس لترابط في كل مصر من الأمصار.<ref>''[[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير]]''. [[تاريخ الطبري|تاريخ الرسل والملوك]]، الجزء الرابع، صفحة: 232. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. [[دار المعارف]] - [[القاهرة]] ([[1960]]م).</ref> وهذا يعني تأسيس جيش نظامي ثابت يُقدّر بإثني وثلاثين ألف فارس عدا المشاة والمتطوعين، مما يكفل حماية الدولة، ونظّم الرتب في الجيش مثل «أمير الجيش» على عشرة آلاف أو تزيد، و«أمير الكردوس» على ألف، و«القائد» على مئة.<ref>''[[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير، علي بن أحمد بن أبي الكرم]]''. [[الكامل في التاريخ]]، الجزء الثاني، صفحة: 200. دار بيروت ودار صادر - [[بيروت]] ([[1967]]م)</ref> كان [[عرب|العرب]] يُشكلون قوام الجيش في بداية عهد عمر بن الخطاب، ومع اتساع رقعة الدولة الإسلامية، انضم إليهم عدد من [[فرس (مجموعة إثنية)|الفرس]] و[[روم (توضيح)|الروم]] و[[أقباط|القبط]] الذين اعتنقوا الإسلام، وعرف الجيش الإسلامي خلال هذا العهد استخدام أسلحة الحصار التي اقتبست عن الروم، ومنها المنجنيق وأبراج الحصار والدبابة وأكباش الدك.<ref>[https://www.gale.com/databases/questia في التحصيات والمحاصرات خلال عهد الخلفاء الراشدين] {{webarchive|url=https://web.archive.org/web/20160505040255/https://www.highbeam.com/doc/1P1-93693507.html |date=5 مايو 2016 }} {{استشهاد ويب |عنوان=نسخة مؤرشفة |تاريخ الوصول=7 يوليو 2012 |مسار=http://www.questia.com/reader/action/gotoDocId/102802958 |تاريخ أرشيف=5 يونيو 2011 |مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20110605015244/http://www.questia.com/reader/action/gotoDocId/102802958 |url-status=bot: unknown }}</ref> وأصدر عمر أيضًا أمرًا بوجوب تعلّم الجنود [[فروسية|ركوب الخيل]] والرماية والمشي حفاة و[[سباحة|السباحة]]، وأنشأ مراكزَ عسكريةٍ في [[المدينة المنورة|المدينة]] و[[الكوفة]] و[[البصرة]] و[[الموصل]] و[[الفسطاط]] و[[دمشق]] و[[الأردن]] و[[فلسطين]]، بُنيت فيها ثكنات مخصصة لإقامة العساكر، كما شُيدت اصطبلات كبيرة يأوي كل منها قرابة أربعة آلاف حصان مخصصة لدعم الجند عند الحاجة. بالإضافة إلى المراكز العسكرية، أنشأ الخليفة [[معسكر (مدينة)|معسكرات]] في المدن الكبيرة والأماكن ذات الأهمية الاستراتيجية. وكان عمر يكره ركوب البحر ونهى قادة الجيش عن القتال فيه،<ref>''[[البلاذري|البلاذري، أحمد بن يحيى بن جابر]]''. فتوح البلدان، الجزء الأول، صفحة: 157. تحقيق صلاح الدين المنجد. [[القاهرة]] ([[1956]]-[[1957]])</ref> وقد قام بعزل [[العلاء بن الحضرمي]] والي البحرين لأنه ركب البحر في اثني عشر ألفًا غازيًا بلاد فارس.<ref>''[[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير]]''. [[تاريخ الطبري|تاريخ الرسل والملوك]]، الجزء السادس، صفحة: 212. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. [[دار المعارف]] - [[القاهرة]] ([[1960]]).</ref> كما أنشأ عمر ديوان الجند وكفل للجنود معيشتهم ومعيشة عائلاتهم، مقابل انصرافهم إلى أعمال الجندية<ref>عبد الساتر (2003). ص 258</ref>

=== الشرطة والأمن ===
يعتبر عمر بن الخطاب أول من أنشأ حبسًا خاصًا بالمتهمين بعد أن كان هؤلاء يُعزلون في [[مسجد|المسجد]]،<ref>''[[الماوردي|المَاوَرْدِيُّ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَبِيْبٍ]]''. [[الأحكام السلطانية]]. صفحة: 197</ref> وعُرف هذا الحبس باسم «السجن». كما كان أول من أدخل نظام العسس للتجول والمراقبة ليلاً من أجل مساعدة القاضي في إثبات التهم وتنفيذ الأحكام ضد المذنبين، ويُعتبر هذا النظام بمثابة النواة التي قامت عليها فيما بعد «الشرطة»، ويتولاها صاحب الشرطة. وأول من أسندت إليه هذه المهمة هو [[عبد الله بن مسعود]]، فهو أول عسّاس في الإسلام، و«العسس» اسم مشتق كما تورده بعض المصادر من «عسَّ يَعُسُّ عَسَساً وعَسّاً أَي طاف بالليل».<ref>[https://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=12735 صحيفة الوقت: العسس والبصَّاصون. بقلم: رضي الموسوي] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20160310043230/http://alwaqt.com/blog_art.php?baid=12735 |date=10 مارس 2016}}</ref>

=== القضاء ===
ولم يُهمل عمر بن الخطاب القضاء، فكان يتولَّى الفصل بين الناس، وتطبيق الحدود والأحكام، ولمّا توسَّعَتِ الدولة واختلط العربُ بسكان البلاد المفتوحة، وازدادَتِ القضايا في هذه الأمصار - تعذَّر على الخليفة النظرُ فيها، وكذلك الولاة، فعمل عمر بن الخطاب على فصل القضاء عن الولاية، وشرع في تعيين القضاة في البلاد المفتوحة، فولَّى [[أبو الدرداء الأنصاري|أبا الدرداء]] قضاءَ المدينة، و[[شريح القاضي|شريحًا الكندي]] قضاء الكوفة، وعثمانَ بن أبي العاص قضاء مصر، و[[أبو موسى الأشعري|أبا موسى الأشعري]] قضاء [[البصرة]]،<ref name="الألوكة"/> وقد أجرى عمر عليهم الرواتب، فجعل للقاضي سليمان بن ربيعة خمسمائة درهم في كل شهر، وجعل لشريح مائةَ درهم ومؤْنته من [[حنطة|الحنطة]]. وكان عمر يحث القضاة على إحقاق الحق، وإقامة العدل بين الناس؛ مما دفع القضاةَ إلى العمل على تنفيذ أحكام [[شريعة إسلامية|الشريعة الإسلامية]] بحذافيرها.<ref name="الألوكة"/> كما سن عمر لهؤلاء القضاة دستوراً يسيرون على هديه في الأحكام، وقد لبث هذا الدستور مرجعاً للقضاء<ref>هذا الدستور هو رسالة من عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري عامله في البصرة</ref><ref>عبد الساتر (2003). ص 254</ref>

=== الحسبة ===
يرى بعض المؤرخين أن [[حسبة (توضيح)|الحِسبة]] نشأتْ في عهد عمر بن الخطاب، حيث وضع أُسسَها واختصاصاتِها، وكان يقوم بها بنفسه، ثم أوكلها إلى رجل، أطلق عليه لقب «المحتسب». بينما يرى آخرون أنها نشأت في عهد الرسول محمد. والحسبة هي وظيفة دينية من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي هو فرض على القائم بأمور المسلمين، يُعَيِّنُ لذلك مَنْ يراه أهلاً له. وكانت مهمة المحتسب تتمثل في: مراعاة أحكام الشَّرع، وإقامة الشعائر الدينية، والمحافظة عليها، والنظر في أرباب البهائم، ومراقبة مَن يتصدَّر لتفسير القرآن الكريم، والنظر في الآداب العامة، وفي البيوع الفاسدة في السوق، والموازين والمكاييل.<ref name="الألوكة"/> وبهذا فقد تعدت الحسبة معناها وهدفها الديني إلى واجبات عملية مادِّيَّة تتَّفق مع المصالح العامَّة للمسلمين.<ref>[http://islamstory.com/ar/الحسبة-في-النظام-الإسلامي-تاريخها-وأهميتها موقع قصة الإسلام، إشراف الدكتور راغب السرجاني. الحسبة في النظام الإسلامي.. تاريخها وأهميتها.] تاريخ التحرير: 16/05/2010 - 12:14 مساءً {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20161214140314/http://islamstory.com:80/ar/الحسبة-في-النظام-الإسلامي-تاريخها-وأهميتها |date=14 ديسمبر 2016}}</ref>

=== التقويم الهجري ===
{{مفصلة|التقويم الهجري}}
كان النبي محمد قد أمر بالتأريخ بعد قدومه إلى يثرب. وقد حدث هذا التأريخ منذ العام الأول للهجرة، وعلى هذا الأساس كان النبي يُرسل الكتب الممهورة بخاتمه إلى الملوك والأمراء ورؤساء القبائل المختلفة.<ref>''[[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير]]''. [[تاريخ الطبري|تاريخ الرسل والملوك]]، الجزء الثاني، صفحة: 110-114. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. [[دار المعارف]] - [[القاهرة]] ([[1960]])</ref> وما فعله عمر بن الخطاب كان منع الخلاف حول التأريخ، ومما ذُكر في سبب اعتماد عمر للتاريخ أن أبا موسى كتب إلى عمر أنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ، فجمع عمر الناس، فقال بعضهم: "أرخ بالمبعث"، وبعضهم: "أرخ بالهجرة"، فقال عمر: "الهجرة فرقت بين الحق والباطل"، فأرخوا بها"، وذلك سنة سبع عشرة، فلما اتفقوا قال بعضهم ابدءوا برمضان، فقال عمر: "بل بالمحرم فإنه منصرف الناس من حجهم"، فاتفقوا عليه.<ref name="التأريخ الهجري">[http://www.saaid.net/Doat/Althahabi/2.htm التأريخ الهجري أحداث ومناسبات.] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20171214094228/http://saaid.net/Doat/Althahabi/2.htm |date=14 ديسمبر 2017}}</ref> وفي رواية أخرى أن أحدهم رفع صكًا لعمر محله [[شعبان|شهر شعبان]]، فقال: {{اقتباس مضمن|أي شعبان، الماضي أو الذي نحن فيه، أو الآتي؟ ضعوا للناس شيئاً يعرفون فيه حلول ديونهم}}، فيُقال إنه أراد بعضهم أن يؤرخوا كما تؤرخ [[فرس (مجموعة إثنية)|الفرس]] بملوكهم، كلما هلك ملك أرخوا من تاريخ ولاية الذي بعده، فكرهوا ذلك، ومنهم من قال: "أرخوا [[تقويم ميلادي|بتاريخ الروم]] من زمان [[الإسكندر الأكبر|الإسكندر]]"، فكرهوا ذلك، وقال قائلون: "أرخوا من مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وقال آخرون: "من مبعثه عليه السلام"، وأشار [[علي بن أبي طالب]] وآخرون أن يؤرخ من [[الهجرة النبوية|هجرته من مكة إلى المدينة]] لظهوره لكل أحد فإنه أظهر من المولد والمبعث. فاستحسن ذلك عمر والصحابة، فأمر عمر أن يؤرخ من هجرة الرسول وأرخوا من أول تلك السنة من [[محرم (توضيح)|محرمها]].<ref name="التأريخ الهجري"/>

== اغتياله ==
[[ملف:Tarikhuna bi-uslub qasasi-The Conspiracy to kill Umar.jpg|تصغير|يمين|رسمٌ تخيُلي لِعبد الرحمن بن أبي بكر وقد رأى الهرمزان وفيروز وجفينة النصراني قُبيل مقتل عمر يتشاورون وقد سقط منهم خنجر ذو نصلين.]]
[[ملف:Flickr - omar chatriwala - Greeting the prophet.jpg|تصغير|250بك|منظر أمامي لحجرة عائشة حيث دفن عمر بن الخطاب بجانب الرسول محمد وأبي بكر.]]
كان عدد من [[فرس (مجموعة إثنية)|الفرس]] الذين بقوا على [[زرادشتية|المجوسية]] يضمرون الحقد والكراهية لقائد الدولة الإسلامية التي [[الفتح الإسلامي لفارس|دحرت جيوشهم وقضت على إمبراطوريتهم واسعة الأطراف]]،<ref>''الفكر الإصلاحي المعاصر في العالم الإسلامي''. تأليف مزهر الدين صدّيقي، ''Adam Publishers & Distributors''. صفحة: 147</ref> ففي شهر أكتوبر من سنة [[644]] اتجه عمر لأداء [[الحج في الإسلام|الحج]] في [[مكة]] حيث يُعتقد أن مخططي الاغتيال اتبعوه حتى [[جبل عرفة]]، حيث سُمع صوت يهتف أن عمرَ لن يقف مرة أخرى على الجبل، وفي رواية أخرى شوهد رجل وهو يهتف أن هذا حج الخليفة الأخير، وفي أخرى أن إحدى الجمرات أصابت رأس ابن الخطاب خلال الرجم وسُمع صوت أحدهم يقول أنه لن يحج مجددًا. وفي جميع الأحوال، يتفق المؤرخون أنه بعد عودة عمر بن الخطاب إلى [[المدينة المنورة]] طعنه [[أبو لؤلؤة المجوسي|أبو لؤلؤة فيروز الفارسي]] بخنجر ذات نصلين ست طعنات، وهو يُصلي الفجر بالناس، وكان ذلك يوم الأربعاء [[26 ذو الحجة|26 ذي الحجة]] سنة [[23 هـ]]، الموافق لسنة 644 م، ثم حُمل إلى منزله والدم يسيل من جرحه وذلك قبل طلوع [[الشمس]]. وحاول المسلمون القبض على القاتل فطعن ثلاثة عشر رجلاً مات منهم ستة، فلما رأى [[عبد الرحمن بن عوف]] ذلك ألقى رداءً كان معه على أبي لؤلؤة فتعثر مكانه وشعر أنه مأخوذ لا محالة فطعن نفسه منتحرًا. وبذلك دفن أبو لؤلؤة فيروز الفارسي، أخبار المؤامرة والدوافع إليها، فاختلفت الروايات حسب ما يستنتجهُ المؤرخون.<ref>''[[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير]]''. [[تاريخ الطبري|تاريخ الرسل والملوك]]، الجزء الرابع، صفحة: 190-191. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. [[دار المعارف]] - [[القاهرة]]، [[1960]]</ref><ref>''[[ابن كثير الدمشقي|ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر]]''. [[البداية والنهاية]]، الجزء السابع، صفحة: 137، 148، 149. مكتبة المعارف - بيروت (1981)، ومكتبة العصر - الرياض (1966).</ref>

من أبرز الروايات والاستنتاجات التي قيلت حول حادثة اغتيال عمر بن الخطاب، أن الأخير كان قد حرّم على المشركين الذين [[بلوغ (إنسان)|بلغوا الحلم]] أن يدخلوا المدينة المنورة لما انطوت عليه قلوبهم من ضغائن وأحقاد ضد [[الإسلام]]، ولكن [[المغيرة بن شعبة]] عامله على [[الكوفة]] كتب إليه يطلب منهُ الإذن بدخول غُلام له اسمه فيروز، ويُكنى بأبي لؤلؤة، لينتفع به المسلمون لأنه كان يتقن عدة صناعات فهو حداد ونجار ونقاش فوافق عمر، وذات يوم اشتكى أبو لؤلؤة لعمر أن المغيرة يفرض عليه خراجًا كبيرًا، فلما سمع منه عمر قال له إن خراجك ليس بالكبير على ما تقوم به من أعمال، فاغتاظَ [[أبو لؤلؤة المجوسي]] من ذلك، وأضمرَ الشرَ والحقد عدة أيام ثم ترجمه بطعن الخليفة.<ref name="مفكرة الإسلام">[http://www.islammemo.cc/2004/02/17/1394.html مفكرة الإسلام: مقتل الفاروق عمر بن الخطاب ـ المؤامرة العالمية.] تاريخ التحرير: الثلاثاء [[17 فبراير]] [[2004]] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20180117131626/http://islammemo.cc/2004/02/17/1394.html |date=17 يناير 2018}}</ref> ويستند القائلون بهذه الرواية إلى القصة التي تقول أن [[عبد الرحمن بن أبي بكر]]، وهو رجل صالح ثقة، شهد أنه رأى [[الهرمزان]] وفيروز وجفينة [[المسيحية|النصراني]] ليلة الحادث يتشاورون فلما فوجئوا به اضطربوا وسقط منهم خنجر ذو نصلين وشهد [[عبد الرحمن بن أبي بكر]] أنه نفس [[خنجر|الخنجر]] الذي طعن به عمر.<ref name="مفكرة الإسلام"/> أما الهرمزان فكان من ملوك المجوس الفرس على منطقة [[الأهواز|الأحواز]]، وقد أسره [[مسلم|المسلمون]] وعفا عمر عنهُ بعد نكثه العهد مرارًا، وكان الحقد يملأ قلبه لأنه فقد مُلكه، وعندما شعرَ بالخطر أظهر [[الإسلام]]، ولكن الناس كانوا يشكون في إسلامه. وأما جفينة [[المسيحية|النصراني]] فهو من [[مسيحيون|مسيحيي]] [[الحيرة]] أرسله [[سعد بن أبي وقاص]] إلى المدينة ليعلم أبناءها [[قراءة|القراءة]] و[[كتابة|الكتابة]].<ref name="مفكرة الإسلام"/> وقال بعض المؤرخين أنه كان [[يهود|لليهود]] دور في المؤامرة، واستدلوا على ذلك بأن [[كعب الأحبار]]، وكان يهوديًا من أهل [[اليمن]] أسلم في عهد عمر وأفاض على الناس من أخبار الإسرائيليات، وترجع كثير من إسرائيليات التفسير لروايته، فلما جاء كعب هذا لعمر قبل مقتله بثلاثة أيام، فقال له: {{اقتباس مضمن|يا أمير المؤمنين اعهد فإنك ميت في ثلاثة أيام}}، فقال عمر: {{اقتباس مضمن|وما يدريك؟}}، قال: {{اقتباس مضمن|أجد في كتاب الله عز وجل [[التوراة]]}}، قال عمر: {{اقتباس مضمن|الله! إنك لتجد عمر بن الخطاب في التوراة؟}}، قال: {{اقتباس مضمن|اللهم لا ولكني أجد صفتك وحليتك، وأنه قد فنى أجلك}}.<ref name="مفكرة الإسلام"/> وهذه الرواية إن صحت تجعل الكثير يشكون في كون كعب هذا خلع في المؤامرة لكن هذه الرواية على الأغلب لم تصح.

=== الشورى واستخلاف خليفته ===
{{أعضاء الشورى بعد عمر}}
مما لا شك فيهِ أنَ عمر بن الخطاب أثبتَ مدى حكمتهِ وهو على فراش الموت، عندما أرسى القاعدة الأساسية في الحكم، والتي دعا [[الإسلام]] إليها على أساس مبدأ الشورى. وكان عمر يفكر في البداية في [[أبو عبيدة بن الجراح|أبي عبيدة بن الجراح]] أو [[سالم مولى أبي حذيفة]] ولكنهما توفيا قبله وقال: {{اقتباس مضمن|لو كان أبو عبيدة بن الجراح حيًا استخلفته، فإن سألني ربي قلت: "سمعت نبيك يقول: أنه أمين هذه الأمة"، ولو كان سالم مولى أبي حُذيفة حيا استخلفته، فإن سألني ربي قلت: "سمعت نبيك يقول: أن سالمًا شديد الحب لله"}}،<ref>عقد الفريد ج 4 ص 274 وتاريخ الطبري ج 5 ص 34.</ref> فقال له أحد المسلمين: «استخلف ابنك عبد الله». فقال: {{اقتباس مضمن|قاتلك الله، والله ما أردت الله بذلك، ويحك لا إرب لنا في أموركم، ما حمدتها لنفسي فأرغبها لواحد من أهل بيتي، إن كان خيرًا فقد أصبنا منه، وإن كان شرًا فحسب آل عمر أن يُحاسب منهم رجلٌ واحد ويُسأل عن أمر أمة محمد. لقد أجهدت نفسي وحرمت أهلي، وإن نجوت لا عليَّ ولا لي، فإني إذا لسعيد.}}

بناءً على هذا أوصى عمر أن يكون الأمر شورى بعده في ستة ممن توفي النبي محمد وهو عنهم راضٍ وهم: [[عثمان بن عفان]]، [[علي بن أبي طالب]]، [[طلحة بن عبيد الله]]، [[الزبير بن العوام]]، [[عبد الرحمن بن عوف]]، و[[سعد بن أبي وقاص]].<ref>''[[ابن كثير الدمشقي|ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر]]''. [[البداية والنهاية]]، الجزء السابع، صفحة: 137، 138، 144. مكتبة المعارف - بيروت (1981)، ومكتبة العصر - الرياض (1966).</ref> ولم يذكُر عمر بن الخطاب في الشورى، سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، رغم أنه أحد [[العشرة المبشرون بالجنة|العشرة المشهود لهم بالجنة]]، وذلك لكونهِ ابن عمه. كما أمر بحضور ابنه عبد الله مع أهل الشورى ليشير بالنصح دون أن يكون له من الأمر شيء، ثم أوصى [[صهيب بن سنان]] أن يصلي بالمسلمين ثلاثة أيام حتى تنقضي الشورى.<ref>''الفاروق، عمر''، [[محمد حسين هيكل]]. الفصل: وفاة عمر</ref> ماتَ عمر بن الخطاب بعد ثلاثة أيام من طعنهِ، ودُفن صباح يوم الأحد [[1 محرم|أول محرم]] سنة [[24 هـ]]، الموافق لسنة 644 م، بالحجرة النبوية إلى جانب [[أبو بكر الصديق|أبي بكر الصديق]] والنبي محمد، وكان عمره خمسًا وستين سنة. وكانت خلافته عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام وقيل عشر سنين وخمسة أشهر وإحدى وعشرين ليلة،<ref>''[[محمد بن سعد البغدادي|ابن سعد، محمد أبو عبد الله]]''. الطبقات الكبرى، الجزء الأول، صفحة: 265. دار صادر ودار بيروت - بيروت (1957)</ref> وقد استطاع في هذه الفترة القصيرة أن يُرسي قواعد الدولة الإسلامية الأولى التي أنشأها النبي محمد {{صلى الله عليه وسلم}}.
=== وصية عمر للخليفة من بعده ===
أوصى عمر بن الخطاب الخليفة من بعده فقال:
{{اقتباس مضمن|أوصيك بتقوى الله وحده لا شريك له، وأوصيك بالمهاجرين الأوَّلين خيرًا: أن تعرف لهم سابقتهم. وأوصيك بالأنصار خيرًا؛ فاقبل من مُحسنهم وتجاوز عن مُسيئهم. وأوصيك بأهل الأمصار خيرًا؛ فإنّهم ردء العدو، وجباة الأموال والفيء لا تحمل فيئهم إلا عن فضلٍ منهم. وأوصيك بأهل البادية خيرًا؛ فإنّهم أصل العرب، ومادّة الإسلام: أن تأخذ من حواشي أموال أغنيائهم، فتُردَّ على فقرائهم. وأوصيك بأهل الذّمّة خيرًا: أن تقاتل من ورائهم، ولا تكلفهم فوق طاقتهم، إذا أدَّوا ما عليهم للمؤمنين طوعا، أو عن يد وهم صاغرون. وأوصيك بتقوى الله وشدة الحذر منه، ومخافة مقته؛ أن يطَّلع منك على ريبة. وأوصيك أن تخشى الله في الناس ولا تخشى الناس في الله. وأوصيك بالعدل في الرّعية، والتفرُّغ لحوائجهم وثغورهم. ولا تُؤثِر غنيهم على فقيرهم، فإنّ ذلك -بإذن الله- سلامةٌ لقلبك وحطٌّ لوزرك، وخيرٌ في عاقبة أمرك، حتّى تُفضى من ذلك إلى مّن يعرف سريرتك، ويحول بينك وبين قلبك. وآمرك أن تشتدَّ في أمر الله، وفي حدوده ومعاصيه، على قريب الناس وبعيدهم، ثم لا تأخذك في أحدٍ الرّأفة حتى تنتهك منه مثل ما انتهك من حرمه، واجعل الناس سواءّ عندك، لا تبالي على مَنْ وجب الحق، ولا تأخذك في الله لومة لائم. وإياك والأثرة والمحاباة، فيما ولّاك الله مما أفاء الله على المؤمنين، فتجُور وتَظِلم، وتحرم نفسك من ذلك ما قد وسَّعه الله عليك.
وقد أصبحت بمنزلةٍ من منازل الدنيا والآخرة، فإن اقترفت لدنياك عدلا وعفّة عمّا بسط الله لك؛ اقترفت به إيمانًا ورضوانًا، وإن غلبك عليه الهوى ومالت بك شهوة، اقترفت به سُخط الله ومعاصيه. وأوصيك ألا ترخص لنفسك ولا لغيرك في ظلم أهل الذّمّة، وقد أوصيتك وحضضتك ونصحت لك، ابتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة. واخترت من دلالتك ما كنت دالاً عليه نفسي وولدي، فإن عملت بالذي وعظتك، وانتهيت إلى الذي أمرتك، أخذت به نصيبًا وافيًا وحظا وافرا. وإن لم تقبل ذلك ولم يهمَّك، ولم تنزل معاظم الأمور عند الذي يرضى به الله عنك، يكن ذلك بك انتقاصًا، ورأيك فيه مدخولًا؛ لأن الأهواء مشتركة. ورأس كلُّ خطيئة، والدّاعي إلى كل هلكة إبليس، وقد أضلَّ القرون السالفة قبلك فأوردهم النّار، ولبئس الثمن أن يكون حظَّ امرئ موالاة لعدوّ الله، والداعي إلى معاصيه! ثم اركب الحق وخض إليه الغمرات، وكن واعظا لنفسك. وأناشدك الله لما ترحمت على جماعة المسلمين فأجللت كبيرهم، ورحمت صغيرهم، ووقَّرت عالمهم. ولا تضربهم فيذلوا، ولا تستأثر عليهم بالفيء فتغضبهم، ولا تحرمهم عطاياهم عند محلها فتفقرهم، ولا تجمِّرهم في البعوث فتقطع نسلهم، ولا تجعل المال دولة بين الأغنياء منهم، ولا تغلق بابك دونهم فيأكل قويهم ضعيفهم، هذه وصيتي إياك، وأشهد الله عليك، وأقرأ عليك السلام.}}<ref>{{استشهاد بكتاب
| عنوان = البيان والتبيين
| مسار = http://archive.org/details/zidane3943_hotmail_20160128_0428
| لغة = Arabic
| ناشر = مكتبة الخانجي للطباعة والنشر
| مؤلف1 = الجاحظ
| محرر1 = عبد السلام محمد هارون
| سنة = 1998
| طبعة = السابعة
| صفحة = ج 2، ص46
}}</ref>
=== ما بعد الحادثة ===
اجتمع أهل الشورى في بيت [[المسور بن مخرمة]]، وقيل في حجرة عائشة، وقيل في [[بيت مال|بيت المال]]. ثم انحصر الأمر بين ثلاثة بعد أن فوّض الزبير ما يستحقه إلى علي، وفوّض سعد ما له إلى عبد الرحمن، وترك طلحة حقه إلى [[عثمان بن عفان|عثمان]]. ثم انخلع عبد الرحمن بن عوف ليختار بين اثنين: علي وعثمان، فأخذ يستشير المسلمين سرًا وجهرًا، فرادى ومثنى ومجتمعين، مدة ثلاثة أيام بلياليها. ثم اجتمع المسلمون في المسجد، ووقف عبد الرحمن بن عوف تحت المنبر وبايع [[عثمان بن عفان]] ثم بايعه علي بن أبي طالب والمسلمون في [[3 محرم]] سنة [[24 هـ]]، الموافق لسنة [[644]]م.<ref>الدولة العربية الإسلامية الأولى (1-41 هـ / 623-661 م). الطبعة الثالثة 1995 م. دكتور عصام شبارو. دار النهضة العربية، بيروت - لبنان. صفحة: 335</ref>

== شخصية عمر بن الخطاب ==
=== هيئته الخارجية ===
كان عمر بن الخطاب أبيض البشرة تعلوه حمرة، وقيل أنه صار أسمر في [[عام الرمادة]] حيث أصابته مع المسلمين مجاعة شديدة.<ref name="أ">[http://dostor.org/culture/news/10/august/23/26274 جريدة الدستور: «الخلفاء.. أبو بكر وعمر وعثمان وعلي»] - تاريخ الولوج: 24/8/2010. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20100828075415/http://dostor.org/culture/news/10/august/23/26274 |date=28 أغسطس 2010}}</ref> وكان حسن الخدين، أصلع الرأس. له لحية مقدمتها طويلة وتخف عند العارضيان وقد كان يخضبها بالحناء وله شارب طويل.<ref>تهذيب ا\لسماء (2/14) و(كنز العمال عن أبي نعيم ج12 ص645)</ref> وكان في وجهه خطان أسودان من البكاء لشدة خشيته من الله،<ref>المتفق والمفترق - الخطيب البغدادي 1/134</ref><ref>صفة الصفوة - ابن الجوزي 1/49</ref> أما شاربه فقيل أنه كان طويلاً من أطرافه وقد روى [[الطبراني]]، قال: {{اقتباس مضمن|حدثنا عبد الله بن [[أحمد بن حنبل]] حدثني أبي ثنا إسحق بن عيسى الطباع قال: "رأيت [[مالك بن أنس]] وافر الشارب فسألته عن ذلك فقال حدثني [[زيد بن أسلم]] عن عامر بن [[عبد الله بن الزبير]] أن عمر بن الخطاب كان إذا غضب فتل شاربه ونفخ"}}.<ref>[[المعجم الكبير]]، تأليف: [[الطبراني]]، ج1، ص65.</ref> وكان طويلاً جسيماً تصل قدماه إلى الأرض إذا ركب الفرس يظهر كأنه واقف وكان [[أعسر]]اً سريع المشي.
=== علمه وموافقات القرآن له ===
كان عمر قد أوتي من العلم ما فاق به الكثير من الصحابة، وقد شهد له بذلك النبي محمد فقال: {{اقتباس مضمن|بينا أنا نائم أوتيت بقدح لبن فشربت حتى إني لأرى الري يخرج في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: '''العلم'''}}.<ref>{{استشهاد ويب
| مسار = https://www.dorar.net/hadith/sharh/4386
| عنوان = بَيانُ فَضيلةٍ العلم لعُمرَ رَضيَ اللهُ عنه
| تاريخ = 17-09-2021
| موقع = الدرر السنية
| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210917202647/https://www.dorar.net/hadith/sharh/4386
| تاريخ أرشيف = 17-09-2021
| تاريخ الوصول = 17-09-2021
}}</ref> وقال أيضًا: {{اقتباس مضمن|بينا أنا نائم رأيت الناس عرضوا عليَّ وعليهم قُمص، فمنها ما يبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعُرض عليَّ عمر وعليه قميص اجتره، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: '''الدين'''}}.<ref>{{استشهاد ويب
| مسار = https://islamweb.net/ar/library/index.php?page=bookcontents&flag=1&bk_no=52&ID=6708
| عنوان = فتح الباري شرح صحيح البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمر بن الخطاب
| موقع = إسلام ويب
| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210917203241/https://islamweb.net/ar/library/index.php?page=bookcontents&flag=1&bk_no=52&ID=6708
| تاريخ أرشيف = 17-09-2021
| تاريخ الوصول = 17-09-2021
}}</ref>

فقد كان عمر بن الخطاب فقيهًا وكان عبقريًا ملهمًا، متوقد الذكاء، سريع البديهة، وقد قال فيه عبد الله بن مسعود: إني لأحسب عُمر قد ذهب بتسعة أعشار العلم، وقد رأى النبي فيه وفي أبي بكر رؤيا فقال: {{اقتباس مضمن|رَأَيْتُ النَّاسَ اجْتَمَعُوا، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ قَامَ عُمَرُ فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا فَأَرْوَى فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَفْرِي فَرْيَهُ حَتَّى ضَرَبَ النَّاس بِعَطَنٍ}}، والتي وقع تأويلها في خلافة عمر.<ref>{{استشهاد ويب
| مسار = https://islamonline.net/شيء-من-فقه-عمر/
| عنوان = فقه عمر بن الخطاب رضي الله عنه
| تاريخ = 2021-09-17
| موقع = اسلام اون لاين
| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210917205739/https://islamonline.net/شيء-من-فقه-عمر/
| تاريخ أرشيف = 2021-09-17
| تاريخ الوصول = 2021-09-17
}}</ref>

وكان عمر يحرص على الزواج رغبةً في الولد وتكثير النسل، فكلما سرح واحدةً من نسائه الأربع أو تموت يأتي بأخرى مكانها، حتى بلغ عدد زوجاته أربع عشرة امرأة، وكان له من الولد عشرةٌ من البنين وسبعةٌ من البنات، وكان يقول: إني لأكره نفسي على الجِماع رجاء أن يخرج الله مني نسمةً تسبح الله.<ref>{{استشهاد ويب
| مسار = https://islamweb.org/ar/library/index.php?page=bookcontents&ID=13083&bk_no=71&flag=1
| عنوان = كتاب السنن الكبرى، كتاب النكاح
| موقع = إسلام ويب
| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210917211118/https://islamweb.org/ar/library/index.php?page=bookcontents&ID=13083&bk_no=71&flag=1
| تاريخ أرشيف = 2021-09-17
}}</ref> ومن أعظم ما تميز به عمر نزول عددٍ من آيات القرآن موافقةً لرأيه، فقد قال ابن عمر:{{اقتباس مضمن|ما نزل بالناس أمرٌ قط فقالوا فيه وقال فيه عمر؛ إلا نزل فيه القرآن على نحو ما قال عمر}}.<ref>{{استشهاد ويب
| مسار = https://dorar.net/hadith/search?q=%20الحق%20على%20لسان%20عمر%20&st=a&xclude=&d[]=1
| عنوان = الموسوعة الحديثية: اللهَ جعَلَ الحَقَّ على لِسانِ عُمَرَ وقَلبِه
| تاريخ = 2021-09-17
| موقع = الدرر السنية
| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210917204730/https://dorar.net/hadith/search?q=+الحق+على+لسان+عمر+&st=a&xclude=&d%5B%5D=1
| تاريخ أرشيف = 2021-09-17
| تاريخ الوصول = 2021-09-17
}}</ref> ومن الآيات التي نزلت موافقةً لرأى عمر ما أخبر به هو عن نفسه، فقال:{{اقتباس مضمن|وافقت ربي في ثلاث؛ قلت: يا رسول الله، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت: [[ملف:Ra bracket.png|وصلة=|12بك]]وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى[[ملف:La bracket.png|وصلة=|12بك]] <small>[[سورة البقرة|البقرة]]: 125</small>. وقلت: يا رسول الله، لو أمرت نساءك أن يحتجبن؛ فإنه يكلمهن البر والفاجر، فنزلت آية الحجاب. واجتمع نساء النبي {{صلى الله عليه وسلم}} في الغيرة عليه، فقلتُ لهن: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن، فنزلت هذه الآية}}.<ref>{{استشهاد ويب
| مسار = https://islamqa.info/ar/answers/299455/حقيقة-موافقات-عمر-للقران
| عنوان = حقيقة موافقات عمر للقرآن
| موقع = الإسلام سؤال وجواب
| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210917203752/https://islamqa.info/ar/answers/299455/حقيقة-موافقات-عمر-للقران
| تاريخ أرشيف = 17-09-2021
| تاريخ الوصول = 17-09-2021
}}</ref> ومن القضايا التي نزل فيها القرآن موافقًا لرأي عمر قضية أسرى بدر؛ قال ابن عباسٍ: {{اقتباس مضمن|فلما أسروا الأُسارى قال رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} لأبى بكرٍ وعمر: ما ترون في هؤلاء الأُسارى؟ فقال أبو بكر: يا نبي الله، هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوةً على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}}: ما ترى يا ابن الخطاب؟ فقال عمر: لا والله يا رسول الله، ما أرى الذى رأى أبو بكر، ولكنى أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم، فتمكن عليًّا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكنني من فلان وهو نسيبٌ لي فأضرب عنقه؛ فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوى رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} ما قال أبو بكر ولم يهو ما قال عمر، فلما كان من الغد جاء عمر فإذا رسول الله وأبو بكرٍ قاعدين يبكيان، فقال: يا رسول الله، أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاءً بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}}: أبكي للذي عرض على أصحابك، من أخذهم الفداء، لقد عُرض عليا عذابهم أدنى من هذه الشجرة، وأنزل الله {{تعالى}}: {{قرآن|الأنفال|67|إلى آية=69|لا تخريج=1}}<small>[[سورة الأنفال|الأنفال]]:الآيات67؛69</small>}}.<ref>{{استشهاد ويب
| مسار = https://islamweb.net/ar/library/index.php?page=bookcontents&idfrom=3381&idto=3381&bk_no=1&ID=826
| عنوان = صحيح مسلم - كتاب الجهاد والسير - باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم- الجزء رقم1
| تاريخ = 2021-09-17
| موقع = إسلام ويب
| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210917204143/https://islamweb.net/ar/library/index.php?page=bookcontents&idfrom=3381&idto=3381&bk_no=1&ID=826
| تاريخ أرشيف = 2021-09-17
| تاريخ الوصول = 2021-09-17
}}</ref> ووافق القرآن قول عمر في مسألة تحريم الخمر، وعدم الصلاة على زعيم المنافقين عبد الله بن أُبى بن سلول.<ref>{{استشهاد ويب
| مسار = https://fiqh.islamonline.net/موافقات-عمر-بن-الخطاب/
| عنوان = موافقات عمر بن الخطاب
| موقع = إسلام اون لاين
| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210917211429/https://fiqh.islamonline.net/موافقات-عمر-بن-الخطاب/
| تاريخ أرشيف = 2021-09-17
}}</ref>

=== في السياسة ===
[[ملف:Mohammad adil rais-Caliph Umar's empire at its peak 644.PNG|تصغير|[[خلافة راشدة|الدولة الإسلامية]] في ذروة اتساعها خلال عهد عمر بن الخطاب.]]
يُعتبر عمر بن الخطاب أحد أبرز عباقرة السياسة عبر التاريخ، وفي إحدى الاستبيانات احتل المرتبة الثانية والخمسين ضمن قائمة أكثر الشخصيات تأثيرًا في تاريخ البشرية.<ref>''The 100'', Michael H. Hart</ref> كان عمر لا يتعاطى [[سياسة|السياسة]] خلال عهد النبي محمد، أما بعد وفاة الأخير، أظهر عمر حنكة وبراعة في شؤون السياسة، فكان له الفضل في جعل الكثير من الصحابة يُبايعون أبا بكر بالخلافة، وكان طيلة عهده يعاونه في شؤون الحكم وإدارة الدولة المتنامية يومًا بعد يوم. وبعد وفاة أبو بكر ومبايعة عمر الخلافة، استطاع أن يكسب تأييد الكثير من القبائل البدوية بعد أن أطلق سراح جميع سجنائهم الذين اعتقلوا خلال [[حروب الردة]]. وكان لمهارته في الخطابة أثر كبير في ازدياد شعبيته بين الناس، وبالأخص الطبقات الفقيرة والمحرومة في المجتمع الإسلامي الفتيّ. أثبت عمر بن الخطاب كفائته في إدارة شؤون الدولة خلال عام القحط الذي وقعت البلاد خلاله في مجاعة عظيمة، فتمكن بفضل اتباعه لأساليب فعّآلة ديناميكية من إنقاذ ملايين الأشخاص من الموت. وأكثر ما يشهد لابن الخطاب ببراعته في حكم الدولة، إنشائه لبنيان إداري متين تمكن بواسطته من حكم دولة مترامية الأطراف ومتعددة القوميات، وإبقائها متماسكة موحدة لفترة استمرت سنين طويلة بعد وفاته،<ref>''Islamic Imperialism'', Efraim Karsh, page no: 25</ref> وكذلك إعجاب وتعلّق أبناء الأراضي المفتوحة حديثًا به لانتهاجه سياسة التسامح الديني التي يدعو إليها [[القرآن]]، مع [[أهل الكتاب]] خاصةً، ولفرضه ضرائب عليهم أقل مما كانوا يدفعونه للحكام الروم والفرس خلال العهد السابق للإسلام، ولإبقائه عدد من حكّام الولايات من أهل تلك البلاد في مناصبهم، ولمنعه الاقتتال بين الطوائف الدينية الكتابية. وكان عمر بن الخطاب شديدًا مع عمال الدولة الإسلامية، فكان يوصيهم بأهالي الأقاليم خيرًا، فيروي [[محمد بن جرير الطبري|الطبري]] أن عمر بن الخطاب خطب الناس يوم [[الجمعة]] فقال: {{اقتباس مضمن|اللهم إني أشهدك على أمراء الأمصار، إني إنما بعثتهم ليعلموا الناس دينهم وسنة نبيهم، وأن يقسموا فيهم فيئهم، وأن يعدلوا، فإن أشكل عليهم شيء رفعوه إلي}}.<ref name="إدارة عمر بن الخطاب"/> وكان إذا استعمل العمال على الأقاليم خرج معهم يشيعهم ويوصيهم فيقول: {{اقتباس مضمن|إني لم أستعملكم على أشعارهم ولا على أبشارهم، وإنما استعملتكم عليهم لتقيموا بهم الصلاة، وتقضوا بينهم بالحق، وتقسموا بالعدل، وإني لم أسلطكم على أبشارهم ولا أشعارهم، ولا تجلدوا العرب فتذلوها، ولا تجمروها فتفتنوها، ولا تغفلوا عنها فتحرموها، جردوا القرآن، وأقلوا من رواية محمد {{صلى الله عليه وسلم}} وأنا شريككم}}.<ref name="إدارة عمر بن الخطاب"/>

وكان عمر بن الخطاب يُتابع أمور الدولة بنفسه على الدوام، فلم يكتفي بأن يحسن اختيار عماله، بل كان يبذل أقصى الجهد لمتابعتهم بعد أن يتولوا أعمالهم ليطمئن على حسن سيرتهم ومخافة أن تنحرف بهم نفوسهم، وكان شعاره لهم: «خير لي أن أعزل كل يوم واليًا من أن أبقي ظالمًا ساعة نهار». كما استمر يطلب منهم على الدوام أن يرسلوا وفدًا من أهل البلاد ليسألهم عن بلادهم، عن الخراج المفروض عليهم ليتأكد بذلك من عدم ظلمهم، ويطلب شهادتهم.<ref name="إدارة عمر بن الخطاب"/> ومن شدّة حرصه على إقامة العدل في البلاد، فكّر قبل مقتله أن يجول على الولايات شخصيًّا لمراقبة العمال، ويتفقد أحوال الرعية، وقال: {{اقتباس مضمن|لئن عشت إن شاء الله لأسيرن في الرعية حولاً، فإني أعلم أن للناس حوائج تقطع دوني، أما عمالهم فلا يرفعونها إليّ، وأما هم فلا يصلون إليّ، فأسير إلى الشام فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى الجزيرة فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى الكوفة فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى البصرة فأقيم بها شهرين}}.<ref name="إدارة عمر بن الخطاب"/> كما كان عمر بن الخطاب يخشى انتشار كبار [[صحابة|الصحابة]] في المناطق التي انتشر فيها الإسلام حيث إغراء الدنيا بامتلاك الضياع وافتتان المسلمين بهم مما يوفر لكل منهم الأرض والمال والأتباع فيكون لنفسه دولة داخل الدولة، فتضيع بذلك الخلافة وينقسم المسلمون. لذلك كان يقول لهم: «إني أخاف أن تروا الدنيا وأن يراكم أبناؤها».<ref>الدولة العربية الإسلامية الأولى (1-41 هـ / 623-661 م). الطبعة الثالثة 1995 م. دكتور عصام شبارو. دار النهضة العربية، بيروت - لبنان. صفحة: 334</ref> وكان هذا هو السبب وراء عزل عمر [[خالد بن الوليد|لخالد بن الوليد]] بعد أن فُتن الناس به وتحدثوا عن انتصاراته في الشام والعراق،<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Weston|2008|p=43}}</ref> فتغنّى الشعراء بفعاله، فوهبهم خالد من ماله وأغدق عليهم، ولمّا بلغه أن الخليفة عزله، اتجه للمدينة المنورة للقاء عمر، محتجًا على ما اعتبره ظلمًا، إلا أن عمر أصر على قراره، ونُقل عنه أنه قال: {{اقتباس مضمن|إني لم أعزل خالدًا عن سخطة ولا خيانة، ولكن الناس فتنوا به، فخفت أن يوكلوا إليه ويُبتلوا به. فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع، وألا يكونوا بعرض فتنة.<ref>[[محمد حسين هيكل|هيكل]]، الفاروق عمر، ص 258</ref><ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|أكرم|1982|p=488}}</ref><ref>{{استشهاد ويب|مسار= http://www.hadielislam.com/arabic/?pg=articles/article&id=29392|عنوان= عزل خالد بن الوليد|عمل= هدى الإسلام|لغة= العربية|تاريخ الوصول= 02-01-2011| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20180930093821/http://www.hadielislam.com/arabic/index.php?pg=articles/article&id=29392 | تاريخ أرشيف = 30 سبتمبر 2018 |url-status=dead}}</ref>}}

=== عسكريته ===
[[ملف:Sword of Umar ibn al-Khittab-mohammad adil rais.JPG|تصغير|200بك|يمين|السيف ذو الوشاح سيف عمر بن الخطاب.]]
{{غزوات عمر بن الخطاب}}{{حروب عمر بن الخطاب}}
اشتهر عمر بن الخطاب بقوته البدنية الهائلة، فكان إذا ضرب أوجع، يُصارع الفتيان في سوق عكاظ فيصرعهم، وقد طغت عليه هذه السمعة أكثر مما طغت عليه سمعته كمبارز [[سيف|بالسيف]]، لكن أكثر ما اشتهر به في كتب التاريخ كان استراتيجياته العسكرية الباهرة، التي وضعته ضمن قائمة أبرز العسكريين في التاريخ. لعب عمر وخالد بن الوليد دور أساسي في رسم الاستراتيجية العسكرية لجيوش المسلمين خلال [[حروب الردة]]، لكن عبقرية الأول العسكرية لم تتجلى إلا عام [[636]]م عندما تمكن من تفكيك الحلف الفارسي البيزنطي، بعد أن أبرم الإمبراطور [[هرقل]] والشاه [[يزدجرد الثالث]] اتفاقًا تعاهدا خلاله على السير معًا ومواجهة المسلمين عدوهم المشترك. وقد استغل عمر بن الخطاب عدم مقدرة الشاه الفارسي على الوصول بجيوشه في فترة متزامنة مع وصول جيش الروم، فهاجمهم ودفعهم إلى القتال وهم ما زالوا غير مستعدين. وقد فعل ذلك عبر دفعه بفرق صغيرة من الجنود إلى خطوط الجيش البيزنطي، واستمر يفعل ذلك حتى بدا للروم وكأن سيلاً متدفقًا من الإمدادات يصل تباعًا إلى المسلمين، فانقضوا عليهم على الرغم من ممانعة الإمبراطور هرقل، فوقعوا في الفخ الذي نُصب لهم، و[[معركة اليرموك|تم الفوز للمسلمين]]. كذلك أقدم عمر على نقل قسم من جيش الشام إلى [[العراق]] حتى يلقى جحافل الفرس إلى جانب جيش العراق، وقد أثبتت هذه الخطة مدى كفاءتها عندما أنزل جنود الشام المخضرمين هزيمة قاسية بالفرس في [[معركة القادسية]] الحاسمة.

كان لاستراتيجية عمر بن الخطاب وبعد نظره أثر كبير في فوز المسلمين خلال معركة حمص الثانية سنة 638 م، عندما قام مسيحيو [[الجزيرة الفراتية]] من العرب، بمهاجمة جناح الجيش الإسلامي بمعاونة الروم، فأخذوا المسلمين على حين غرّة ثم ضربوا الحصار على المدينة. فأمر عمر بتحريك جيش العراق وفتح بلاد [[مسيحيون عرب|نصارى العرب]] المُشاركين في الهجوم، أي الجزيرة، ليُشتت قواتهم ويُفرقها، فهاجم المسلمون تلك البلاد، مما جعل المُحاصرين يلتفتون ناحية وطنهم للدفاع عنه، لكن عمرَ أرسل إلى [[سعد بن أبي وقاص]] قائد جيش العراق أن يُرسل إلى [[حمص]] مددًا عسكريًا ليضغط على العدو ويُشتت قواتهم أكثر فأكثر، وقد أقدم على قيادة فرقة عسكرية بنفسه وسار بها من المدينة المنورة إلى حمص، ولمّا بلغ مسامع المحاصرين قدوم تلك الأعداد الهائلة من الجنود، انسحبوا عائدين إلى ديارهم، فتمكن المسلمون من الحفاظ على حمص وفتحوا قسمًا من [[بلاد الرافدين|بلاد مابين النهرين]] و[[أرمينيا|أرمينية]].

يُعد فتح جميع أراضي [[ساسانيون|الإمبراطورية الفارسية الساسانية]] أهم إنجازات عمر بن الخطاب العسكرية على الإطلاق. كان عمر بن الخطاب قد هادن الفرس بضع سنوات جعل خلالها من [[زاغروس|جبال زاغروس]] الحد الفاصل بين أراضي الدولة الإسلامية والإمبراطورية الفارسية، وبعد أن استراح الجيش وعاود الجنود استعدادهم، أمر الخليفة بمهاجمة الفرس مجددًا، فتمكن المسلمون من هزيمتهم الهزيمة الكبرى في [[معركة نهاوند]]، ثم انطلقوا يفتحون جميع المدن والقلاع الحصينة، وكانت إستراتيجية ابن الخطاب تتمثل في مهاجمة الأهداف مرارًا وتكرارًا من عدّة جوانب حتى تسقط، وقد تمكن من فتح تخوم الإمبراطورية عبر مهاجمته مركزها أولاً، فعزل بذلك [[أذربيجان]] وفارس الشرقية، ثم أصدر أوامره بالهجوم عليها، فسقطت دون عناء كبير، ثم حوّل أنظاره إلى سیستان و[[كرمان]] وفتحها، عازلاً بذلك [[خراسان الكبرى|خراسان]]. وفي المرحلة الأخيرة من فتح فارس، هاجم المسلمون خراسان وهزموا الفرس آخر هزيمة على ضفاف نهر جيحون، وهرب الشاه [[يزدجرد الثالث]] إلى [[آسيا الوسطى]].<ref name=Umar>[https://www.agepedia.org/wiki/OMAR_I الموسوعة الأمريكية لسنة 1851] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20160201110935/http://www.agepedia.org/wiki/OMAR_I |date=01 فبراير 2016}} {{وصلة مكسورة|تاريخ=2020-08-02|bot=JarBot}}</ref>

=== مواقفه وآراءه ===
[[ملف:Tarikhuna bi-uslub qasasi-Hormuzan brought before Umar.jpg|تصغير|200بك|رسمٌ تخيُلي لِعُمر بن الخطَّاب نائمًا في ظل شجرة نخيل (لم تُصوَّر ملامحه احترامًا) وقد أُحضر رسول الفُرس أمامه. تُعد هذه إحدى أشهر الوقائع التاريخيَّة التي يُستدل فيها على ابتعاد عُمر بن الخطَّاب عن الأُبهة ومعيشة المُلوك.]]
يشتهر عمر بن الخطّاب عند [[أهل السنة والجماعة]] بكونه رجل مواقف، وصاحب أقوال وآراء بارزة ومهمة، فيرون أنه كان دائم الرقابة لله في نفسه وفي عماله وفي رعيته، بل إنه ليشعر بوطأة المسؤولية عليه حتى تجاه البهائم العجماء فيقول: {{اقتباس مضمن|والله لو أن [[بغل]]ة عثرت بشط الفرات لكنت مسؤولاً عنها أمام الله، وأخاف أن يسألني الله عنها: "لماذا لم تفتح لها الطريق يا عمر؟"}}، ومن شدّة شعوره بالمسؤولية عن رعيته، حلف لما اشتد الجوع بالناس في [[عام الرمادة]] أن لا يأتدم [[سمن حيواني|بالسمن]] حتى يفتح على المسلمين عامه هذا، فصار إذا أكل خبز الشعير و[[تمر|التمر]] بغير أدم يقرقر بطنه في المجلس فيضع يده عليه ويقول : {{اقتباس مضمن|إن شئت قرقر وإن شئت لا تقرقر، مالك عندي أدم حتى يفتح الله على المسلمين}}. وكان عمر يأمر قادته في الجهاد ألا يغزوا بالمسلمين، ولا ينزلوهم منزل هلكة، وقد خطب في ولاته في إحدى المرات فقال: {{اقتباس مضمن|اعلموا أنه لا حلم أحب إلى الله {{تعالى}}، ولا أعم من حلم إمام ورفيقه، وأنه ليس أبغض إلى الله ولا أعم من جهل إمام وخرقه، واعلموا أنه من يأخذ بالعافية فيمن بين ظهرانيه يرزق العافية فيمن هو دونه}}.<ref name="إدارة عمر بن الخطاب"/> وبلغ من درجة شعوره بالمسؤولية أنه لم يكن ينام إلا قليلاً، فكان ينعس وهو قاعد فقيل له: «يا أمير المؤمنين ألا تنام؟»، فقال: {{اقتباس مضمن|كيف أنام؟ إن نمت بالنهار ضيعت أمور المسلمين، وإن نمت بالليل ضيعت حظي من الله عز وجل}}.<ref>''[[ابن الجوزي|أبو الفرج ابن الجوزي]]''، صفة الصفوة، الجزء الثاني. حققه وعلق عليه محمود فاخوري وخرج أحاديثه محمد رواس قلعجي. دار المعرفة-بيروت. صفحة: 382</ref>

يرى أهل السنة والجماعة أن عمرَ كان رجلاً إيجابيًا، والإيجابية هي التفاعل مع الأحداث، والتأثير في سيرها، وعدم السكوت عن الفعل الشاذ، ومن هذا التعريف يستدلون على إيجابيته، فكان يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويسعى للتغيير بكل الوسائل المتاحة، ما لم تتعارض مع دينه وعقيدته، ومن مظاهر إيجابيته عدم السكوت عن المشورة، وإن لم يكن ذلك مطلوبًا منه.<ref>[http://islamstory.com/ar/إيجابية_عمر_بن_الخطاب موقع قصة الإسلام: إيجابية عمر بن الخطاب]. إشراف الدكتور راغب السرجاني. تاريخ التحرير: 04/10/2006 - 11:00 مساءً {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20161231074527/http://islamstory.com:80/ar/إيجابية_عمر_بن_الخطاب |date=31 ديسمبر 2016}}</ref> وكان كذلك رجلاً متواضعًا يعيش، كما أبا بكر قبله، وعثمان وعلي بعده، حياةً بعيدة عن الأبّهة والترف، وكان يصرف على نفسه بما يربحه من التجارة،<ref name="الخليفة">المصور في التاريخ، الجزء التاسع. حضارات العالم في العصور القديمة والوسطى. تأليف: شفيق جحا، [[بهيج عثمان]]، [[منير البعلبكي]]. الطبعة التاسعة عشر، أيلول/سبتمبر 1999. [[دار العلم للملايين]]، [[بيروت]] - [[لبنان]]. صفحة: 355</ref> ولم يتخذ لنفسه قصرًا أو ملبسًا فاخرًا، ولم يعش حياة الملوك، ومن أبرز القصص التي يُستدل بها على ذلك، الرواية الشهيرة التي تقول أن رسولاً من الفرس اتجه إلى المدينة المنورة ليرى كيف يعيش ملكها وكيف يتعامل مع شعبه، ولمّا وصل واستدل على بيت الخليفة، وجده مبنيًا من [[طين (توضيح)|طين]] وعليه شعر [[ماعز]] وضعه عمر لكي لا يسقط المطر فينهدم البيت على رأسه وأولاده، ولمّا سأل عن الخليفة، أشار الناس إلى رجل نائم تحت ظل شجرة، وفي ثوبه عدد من الرقع، وبدون أي حراسة، فتعجب من هذا المنظر ولم تصدق ما رأته عيناه وتذكر [[كسرى (توضيح)|كسرى]] فارس وقصوره وحرسه وخدمه فقال قولته المشهورة: {{اقتباس مضمن|حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر}}. كذلك يعتبر السنّة عمر بن الخطاب أحد أكثر الرجال عدلاً في التاريخ، ويؤكدون اعتقادهم بما نُقل عن الرسول محمد من أحاديث، منها ما رواه الإمام [[أحمد بن حنبل]] بسنده عَنْ [[أبو هريرة|أَبِي هُرَيْرَةَ]] قَالَ: {{اقتباس مضمن|قَالَ رَسُولُ اللَّهِ {{صلى الله عليه وسلم}}: "إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ"}}.<ref name="عدل ابن الخطاب">[http://islamstory.com/ar/عدل_عمر_بن_الخطاب#_ftn1 قصة الإسلام: عدل عمر بن الخطاب]. إشراف الدكتور راغب السرجاني. تاريخ التحرير: 01/05/2006 - 12:00 صباحًا {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20161128114453/http://islamstory.com:80/ar/عدل_عمر_بن_الخطاب |date=28 نوفمبر 2016}}</ref> وما ورد في [[موطأ الإمام مالك|موطأ]] الإمام [[مالك بن أنس]] بسنده عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: {{اقتباس خاص|إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اخْتَصَمَ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ وَيَهُودِيٌّ، فَرَأَى عُمَرُ أَنَّ الْحَقَّ لِلْيَهُودِيِّ، فَقَضَى لَهُ، فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: "وَاللَّهِ لَقَدْ قَضَيْتَ بِالْحَقِّ". فَضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالدِّرَّةِ، ثُمَّ قَالَ: "وَمَا يُدْرِيكَ؟" فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: "إِنَّا نَجِدُ أَنَّهُ لَيْسَ قَاضٍ يَقْضِي بِالْحَقِّ إِلاَّ كَانَ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكٌ وَعَنْ شِمَالِهِ مَلَكٌ يُسَدِّدَانِهِ، وَيُوَفِّقَانِهِ لِلْحَقِّ مَا دَامَ مَعَ الْحَقِّ، فَإِذَا تَرَكَ الْحَقَّ عَرَجَا وَتَرَكَاهُ"<ref>محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني المصري الأزهري. شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك: كتاب الأقضية، [https://islamweb.net/ar/library/index.php?page=bookcontents&ID=526&idfrom=2927&idto=2930&flag=0&bk_no=77&ayano=0&surano=0&bookhad=0 باب الترغيب في القضاء بالحق]. مكتبة الثقافة الدينية ([[1424 هـ]] / [[2003]]م) {{استشهاد ويب |عنوان=نسخة مؤرشفة |تاريخ الوصول=7 يوليو 2012 |مسار=http://www.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=2927&idto=2930&bk_no=77&ID=526 |تاريخ أرشيف=29 سبتمبر 2018 |مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20180929203545/http://www.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=2927&idto=2930&bk_no=77&ID=526 |url-status=bot: unknown }}</ref>}} ومن القصص الأخرى التي وردت عن عدل عمر بن الخطاب، أن رجلاً [[أقباط|قبطيًا]] أتاه يومًا من [[مصر]] يشكو إليه ضرب أحد أبناء [[عمرو بن العاص]] لابنه الذي كان يعمل في خدمته، عندما كانا [[فروسية|يتسابقان على ظهر الخيل]]، معتمدًا على سلطان والده عمرو والي مصر. فقرر الرجل رفع الأمر إلى خليفة المسلمين الذي سمع بعدله مع الجميع، حتى يأخذ بحق ولده، ولمّا تبين لعمر صحة كلامه، كتب إلى عمرو بن العاص أن يحضر إلى [[المدينة المنورة]] بصحبة ابنه، فلما حضر الجميع أمامه، ناول عمر الغلام القبطي [[سوط]]ًا وأمره أن يقتص لنفسه من ابن عمرو بن العاص، فضربه حتى رأى أنه قد استوفى حقه وشفا ما في نفسه. ثم قال له عمر: {{اقتباس مضمن|لو ضربت عمرو بن العاص ما منعتك؛ لأن الغلام إنما ضربك لسلطان أبيه}}، ثم التفت إلى عمرو بن العاص قائلاً: {{اقتباس مضمن|متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟}}.<ref>[https://www.islamweb.net/ar/fatwa/36194/ إسلام ويب، مركز الفتوى: قصة قول عمر "متى استعبدتم الناس.."] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20120807055314/http://www.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=36194 |date=07 أغسطس 2012}}</ref> يعدّ أهل السنّة عمر أيضًا أحد أكثر الرجال بعدًا للنظر، ومن أشهر الروايات التي يستدلون بها على ذلك، تلك التي جاء فيها تصرفه عندما كان في زيارة لكنيسة القيامة في القدس. فبعد فتح المدينة، دعاه البطريرك صفرونيوس لتفقد [[كنيسة القيامة]]، فلبى دعوته، وأدركته [[الصلاة في الإسلام|الصلاة]] وهو فيها فتلفت إلى البطريرك وقال له «أين أصلي؟»، فقال «مكانك صلِ»، فقال: {{اقتباس مضمن|ما كان لعمر أن يُصلّي في كنيسة القيامة فيأتي المسلمون من بعدي ويقولون هنا صلى عمر ويبنون عليه مسجدًا}}. وابتعد عنها رمية حجر وفرش عباءته وصلى.<ref>[http://198.62.75.1/www1/ofm/ag/Jerusalem9_Ar.html الدليل الكتابي والسياحي للأرض المقدسة: *القدس - كنيسة القيامة - والقبر المقدس* نظرة على التاريخ] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20120118235640/http://198.62.75.1/www1/ofm/ag/Jerusalem9_Ar.html |date=18 يناير 2012}}</ref><ref>الحجارة الحية، فؤاد فرح، دار د.آبو منه، الناصرة 2002، ص. 22</ref> فيعتبرون أن عمر خاف من نشوب صراع بين المسلمين والمسيحيين على ملكية الكنيسة من بعده، وأن يكون لهذا الصراع نتائج لا تُحمد عُقباها، فيؤدي ذلك إلى تشويه صورة الإسلام وأهله.

== اللقب والكنية ==
=== الفاروق ===
لقبه «الفاروق» وكنيته «أبو حفص»، أما كنيته، فقد قيل أن [[محمد|الرسول محمد]] كنّاه بذلك يوم بدر<ref>الرياض النضرة في مناقب العشرة - أبو جعفر الطبري ج1 ص131</ref><ref>السيرة النبوية لابن إسحاق</ref> ويرجع سبب إطلاق [[مسلم|المسلمين]] [[أهل السنة والجماعة|السنّة]] لقب «الفاروق» على عمر ابن الخطاب، لأنه حسب الروايات أنه أظهر [[إسلام|الإسلام]] في [[مكة]] وفرّق بين الحق والباطل. وكان الناس يهابونه، فعندما آمن وجاء إلى الرسول في دار الأرقم بن أبي الارقم قال له: «ألسنا على حق؟» قال: «'''بلى'''» قال: «والذي بعثك بالحق لنخرجن». وخرج المسلمون في صفين صف يتقدمه [[حمزة بن عبد المطلب]] وصف يتقدمه عمر فيعتبرون أن فرق الله به بين الكفر والإيمان.<ref>صحيح التوثيق في سيرة وحياة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ص15.</ref> وقيل أول من سماه بذلك النبي محمد. فقد روى [[ابن عساكر]] في [[تاريخ دمشق (كتاب)|تاريخ دمشق]] و[[الفضل بن دكين|أبو نعيم]] في [[حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (كتاب)|حلية الأولياء]] عن [[عبد الله بن عباس|ابن عباس]] أنه قال:
{{اقتباس|سألت عمر رضي الله عنه "لأي شيء سميت الفاروق؟" قال: "أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام، ثم شرح الله صدري للإسلام"، فقلت: "الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى، فما في الأرض نسمة أحب إلي من نسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم"، قلت: "أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟" قالت أختي: "هو في دار الأرقم بن الأرقم عند الصفا"، فأتيت الدار وحمزة في أصحابه جلوس في الدار، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت، فضربت الباب فاستجمع القوم، فقال لهم حمزة: "مالكم؟" قالوا: "عمر"، قال: "فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بمجامع ثيابه ثم نثره فما تمالك أن وقع على ركبته"، فقال: "ما أنت بمنته يا عمر؟" قال: "فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله". قال: "فكبّر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد"، قال: "فقلت: يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا؟" قال: "بلى، والذي نفسي بيده إنكم على الحق إن متم وإن حييتم"، قال: "فقلت: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن"، فاخرجناه في صفين حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر، له كديد ككديد الطحين حتى دخلنا المسجد، قال: "فنظرت إلى قريش وإلى حمزة فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها فسماني رسول الله{{صلى الله عليه وسلم}} يومئذ الفاروق. وفرق الله بين الحق والباطل."<ref>مختصر تاريخ دمشق لإبن منظور - ج6 ص11</ref><ref>حلية الأولياء لأبي نعيم - ج1 ص20</ref>}}

وروى الطبري في [[تاريخ الطبري|تاريخه]]، و[[ابن أبي شيبة]] في تاريخ المدينة و[[ابن سعد (توضيح)|ابن سعد]] و[[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير]] في [[أسد الغابة في معرفة الصحابة]] عن أبي عمرو ذكوان قال:{{اقتباس مضمن| "قلت لعائشة: "من سمى عمر الفاروق؟" قالت: النبي صلى الله عليه وسلم".<ref>تاريخ الطبري - ج2 ص406</ref><ref>الطبقات الكبرى لإبن سعد - ج3 ص271</ref><ref>أسد الغابة لإبن الأثير - ج2 ص318</ref>}} وروى ابن عساكر في تاريخ دمشق و[[المتقي الهندي]] في [[كنز العمال]] عن النزال بن سبرة قال: {{اقتباس مضمن|وافقنا من علي يومًا أطيب نفسًا ومزاجًا فقلنا يا أمير المؤمنين حدثنا عن عمر بن الخطاب قال: "ذاك امرؤ سماه الله الفاروق فرق به بين الحق والباطل".<ref>الرياض النضرة في مناقب العشرة لأبي جعفر الطبري - ج1 ص131</ref><ref>تاريخ دمشق لإبن عساكر - ج44 ص50</ref><ref>كنز العمال للبهانفوري - ج13 ص232</ref>}} وقيل سماه به [[أهل الكتاب]]. قال [[محمد بن سعد البغدادي|ابن سعد]] في الطبقات الكبرى: {{اقتباس مضمن| قال ابن شهاب: "بلغنا أن أهل الكتاب كانوا أول من قال لعمر الفاروق، وكان المسلمون يأثرون ذلك من قولهم، ولم يبلغنا أن رسول الله ذكر من ذلك شيئاً ولم يبلغنا"<ref>الطبقات الكبرى لإبن سعد - ج3 ص2710</ref>}} وقيل سماه به [[جبريل]] عليه السلام، رواه البغوي.<ref>فتح الباري شرح صحيح البخاري - كتاب مناقب الصحابة - باب مناقب عمر بن الخطاب.</ref><ref>[https://www.islamweb.net/ar/fatwa/97489/ إسلام ويب، مركز الفتاوى، تسمية الفاروق] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20130319114122/http://www.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=97489 |date=19 مارس 2013}}</ref>

=== أمير المؤمنين ===
على خلاف مع [[الشيعة]]، يرى [[أهل السنة والجماعة|أهل السنة]] أن عمر بن الخطاب أول من سُمي بأمير المؤمنين، فبعد وفاة النبي محمد خلفه [[أبو بكر الصديق|أبو بكر]] والذي كان يُلقب بخليفة رسول الله كما يروي ذلك [[أهل السنة والجماعة|أهل السنة]]. فلما توفي [[أبو بكر الصديق|أبو بكر]] أوصى للخلافة بعده لعمر بن الخطاب، فقيل لعمر «خليفة خليفة رسول الله». فاعترض عمر على ذلك قائلاً: {{اقتباس مضمن|فمن جاء بعد عمر قيل له خليفة خليفة خليفة رسول الله فيطول هذا ولكن أجمعوا على اسم تدعون به الخليفة يدعى به من بعده الخلفاء}} فقال بعض أصحاب الرسول: {{اقتباس مضمن|نحن المؤمنون وعمر أميرنا}}. فدُعي عمر أمير المؤمنين.<ref>تاريخ دمشق لإبن عساكر ج44 ص9</ref>

وروى [[محمد بن إسماعيل البخاري|البخاري]] في [[الأدب المفرد]] و[[أبو عبد الله الحاكم النيسابوري|الحاكم]] في [[المستدرك على الصحيحين (كتاب)|المستدرك]] و[[الطبراني]] في [[المعجم الكبير]] وغيرهم: أن [[عمر بن عبد العزيز]] سأل أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة: لم كان أبو بكر يكتب: من أبي بكر خليفة رسول الله، ثم كان عمر يكتب بعده: من عمر بن الخطاب خليفة أبي بكر، من أول من كتب: أمير المؤمنين؟ فقال: {{اقتباس مضمن|حدثتني جدتي الشفاء، وكانت من المهاجرات الأول، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا هو دخل السوق دخل عليها، قالت: "كتب عمر بن الخطاب إلى عامل العراقين: أن ابعث إلي برجلين جلدين نبيلين، أسألهما عن العراق وأهله، فبعث إليه صاحب العراقين بلبيد بن ربيعة، وعدي بن حاتم، فقدما المدينة فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد، ثم دخلا المسجد فوجدا عمرو بن العاص، فقالا له: يا عمرو، استأذن لنا على أمير المؤمنين عمر، فوثب عمرو فدخل على عمر فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال له عمر: ما بدا لك في هذا الاسم يا ابن العاص؟ لتخرجن مما قلت، قال: نعم، قدم لبيد بن ربيعة، وعدي بن حاتم، فقالا لي: استأذن لنا على أمير المؤمنين، فقلت: أنتما والله أصبتما اسمه، وإنه الأمير، ونحن المؤمنون"}}. فجرى الكتاب من ذلك اليوم.<ref>المعجم الكبير للطبراني حديث رقم 46</ref><ref>الأدب المفرد للبخاري حديث رقم 1023</ref> وقال [[شمس الدين الذهبي|الذهبي]] في «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام»: قال الزهري: «أول من حيا عمر [[أمير المؤمنين|بأمير المؤمنين]] [[المغيرة بن شعبة]]».<ref>تاريخ الإسلام للذهبي - ج2 ص138</ref>

في حين يرى [[الشيعة]] على أن [[علي بن أبي طالب]] هو أول من لقب بأمير المؤمنين.<ref>[http://www.usolaldin.org/MOALFAT/QURAN/JOZ3/fq3-3/394.htm القرآن الكريم ورواية المدرستين ج3] للسيد [[مرتضى العسكري]] {{وصلة مكسورة|date= يوليو 2017 |bot=JarBot}} {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20141021045054/http://usolaldin.org/MOALFAT/QURAN/JOZ3/fq3-3/394.htm |date=21 أكتوبر 2014}}</ref><ref>[http://www.dalilulhaq.com/faq/questions.php?sid=63&qid=2584 لقب أمير المؤمنين] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20200316144520/http://www.dalilulhaq.com/ |date=16 مارس 2020}}</ref> ويُروى كذلك أن [[عبد الله بن جحش|عبد الله بن جحش الأسدي]] هو أول من سُمي بأمير المؤمنين في السرية التي بعثه فيها النبي [[محمد]] إلى نخلة حسب الأحاديث الصحيحة الواردة في كتب السنة<ref>الفاروق عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين ل[[محمد رضا]]</ref>

== أزواجه وذريته ==
[[ملف:ذرية سيدنا عمر.png|لاإطار|770بك|مركز|ذرية عمر بن الخطاب وزوجاته]]
تزوج وطلق ما مجموعه سبع نساء في الجاهلية والإسلام وله ثلاثة عشر ولدًا،<ref>فصل الخطاب في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، شخصيته وعصره، د.علي محمد محمد الصلابي ص19</ref> أما نسائه فهن:
;قبل الإسلام
* '''[[قريبة الصغرى بنت أبي أمية|قريبة بنت أبي أمية]]''' بن المغيرة بن مخزوم المخزومية القرشية، أخت [[أم سلمة]]، بقيت قريبة على شركها، وقد تزوجها عمر في الجاهلية، فلما أسلم عمر بقيت هي على شركها زوجة له، حتى نزلت الآية: {{قرآن|الممتحنة|10}}، وذلك بعد [[صلح الحديبية]] فطلّقها ثم تزوجها [[معاوية بن أبي سفيان]] وكان مشركاً، ثم طلقها. ولم يرد أنها ولدت لعمر.
* '''[[أم كلثوم بنت عمرو الخزاعية|أم كلثوم مليكة بنت جرول]]''' الخزاعية: تزوجها في [[جاهلية|الجاهلية]] ولدت له زيدًا، و[[عبيد الله بن عمر بن الخطاب|عبيد الله]]، ثم طلقها بعد صلح الحديبية بعد نزول الآية: {{قرآن|ولا تُمَسِّكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}}، فتزوجها [[أبو جهم بن حذيفة]] وهو من قومها وكان مثلها مشركًا.
* '''[[زينب بنت مظعون]]''' بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح الجمحية القرشية: أخت [[عثمان بن مظعون]]، تزوجها بالجاهلية في [[مكة]]، ثم أسلما وهاجرا معًا إلى [[المدينة المنورة]] ومعهما ابنهما [[عبد الله بن عمر بن الخطاب|عبد الله بن عمر]]. وولدت له [[حفصة بنت عمر|حفصة]] وعبد الرحمن و[[عبد الله بن عمر بن الخطاب|عبد الله]].

;بعد الإسلام
* '''[[جميلة بنت ثابت]]''' بن أبي الأقلح الأوسية الأنصارية: وهي أخت [[عاصم بن ثابت]] كان اسمها عاصية فسماها النبي محمد '''جميلة'''، تزوجها في السنة السابعة من الهجرة ولدت له ولدًا واحدًا في العهد النبوي هو [[عاصم بن عمر بن الخطاب|عاصم]] ثم طلقها عمر. فتزوجت بعده [[زيد بن حارثة]] فولد له عبد الرحمن بن زيد فهو أخو عاصم بن عمر.
* '''[[عاتكة بنت زيد]]''' وهي ابنة [[زيد بن عمرو بن نفيل|زيد بن عمرو]] بن نفيل بن عدي العدوية القرشية. وأخت [[سعيد بن زيد]] أحد [[العشرة المبشرون بالجنة|العشرة المبشرين بالجنة]]، زوجة [[عبد الله بن أبي بكر]] من قبله،<ref>ترتيب وتهذيب البداية والنهاية خلافة عمر للسُّلمي ص 7</ref> ولدت له ولدًا واحدًا هو عياض بن عمر. تزوجت من [[الزبير بن العوام]] بعد وفاة عمر.
* ''' أم حكيم بنت الحارث''' بن هشام بن مخزوم المخزومية القرشية: كانت تحت [[عكرمة بن أبي جهل]]،<ref>البداية والنهاية (7/44)</ref> فقتل عنها في [[معركة اليرموك]]، فخلف عليها [[خالد بن سعيد]] بن العاص، فقتل عنها يوم مرج الصفر، فتزوجها عمر بن الخطاب، فولدت له فاطمة بنت عمر.
* '''[[أم كلثوم بنت علي|أم كلثوم]] بنت [[علي بن أبي طالب|علي]]''' بن أبي طالب الهاشمية القرشية:{{للهامش|1}}. تزوجها وهي صغيرة السن، وذلك في السنة السابعة عشرة للهجرة،<ref>الذهبي في سير أعلام النبلاء</ref> وبقيت عنده إلى أن قتل، وهي آخر أزواجه، ونقل الزهري وغيره: أنها ولدت لعمر زيد،<ref>ولد في آخر حياة أبيه، سنة ثلاث وعشرين. ومات في المدينة وهو لا يزال شابا، وذلك في خلافة معاوية، وفي ولاية سعيد بن العاص على المدينة. وصلى عليه أخوه لأبيه عبد الله بن عمر، ومعه عدد من المسلمين، ومنهم خالاه الحسن والحسين</ref> ورقية.<ref>الكامل في التاريخ(2/212)</ref>

== الآراء والمواقف حول عمر ==
=== نظرة أهل السنة والجماعة ===
[[ملف:Umar bin al khattab, Hagia Sophia.jpg|تصغير|تخطيط لاسم عمر بن الخطاب على إحدى جدران [[آيا صوفيا]].]]
[[ملف:Айя-София2.JPG|تصغير|منظر جانبيّ آخر داخل آيا صوفيا يظهر فيه تخطيط اسم النبيّ محمد وعمر بن الخطاب جنبًا إلى جنب.]]
يُعدّ عمر بن الخطاب أحد أكثر الشخصيات تبجيلاً عند [[أهل السنة والجماعة]]، فيعتبرونه أحد أكثر الرجال ورعًا وتقوى، ومن أشد [[صحابة|الصحابة]] حبًا للإسلام ودفاعًا عنه وعن أهله، ومن أكثرهم إخلاصًا له. وهم يقرون بصحة خلافته كما يقرون بصحة خلافة باقي [[الخلفاء الراشدون|الخلفاء الراشدين]]، ويعتبر أهل السنة أن عمرَ كان مثالًا للقائد الصالح، فلم يتخذ عرشًا ولم يعش حياةً مختلفة عن حياة الناس العاديين ودائمًا ما فضّل مصلحة الأمة الإسلامية على مصلحته الشخصية، وإنه ثالث خير الناس للأمة بعد [[النبي محمد|الرسول محمد]] و[[أبو بكر الصديق|أبي بكر]]،<ref>العقيدة الواسطية لإبن تيمية مع شرح العقيدة الواسطية لإبن عثيمين - ج1 ص593</ref> وذلك نقلاً عن [[علي بن أبي طالب]]، حيث روى [[محمد بن إسماعيل البخاري|البخاري]] في [[صحيح البخاري|صحيحه]] و[[أبو عيسى محمد الترمذي|الترمذي]] في [[سنن الترمذي|السنن]] و[[الطبراني]] في [[المعجم الأوسط]]، عن [[محمد بن الحنفية]] (وهو محمد بن علي بن أبي طالب) قال:
{{اقتباس|قلت لأبي: "أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟" قال: "أبو بكر". قلت: "ثم مَن؟" قال: "ثم عمر". وخشيت أن يقول عثمان، قلت: "ثم أنت؟" قال: "ما أنا إلا رجل من المسلمين".<ref>صحيح البخاري - حديث رقم 3395</ref><ref>سنن أبي داود - حديث رقم 4013</ref><ref>المعجم الأوسط للطبراني - حديث رقم 822</ref>}}

وقد وردت أحاديث وآثار عديدة تبين فضل عمر ومكانته. ومنها:
* ما رواه البخاري و[[مسلم بن الحجاج|مسلم]] و[[أحمد بن شعيب النسائي|النسائي]] والطبراني و[[أحمد بن حنبل|أحمد]] وغيرهم عن [[سعد بن أبي وقاص]] قال:
{{اقتباس|أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر: "'''والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكًا فَجّا إلا سلك فَجّا غير فَجّك'''"-[[حديث صحيح]]<ref>السنن الكبرى للنسائي حديث رقم 8130</ref><ref>مسند أحمد حديث رقم 1392</ref><ref>صحيح مسلم حديث رقم 4410</ref><ref>صحيح البخاري حديث رقم 3051</ref>}}
* وروى [[محمد بن إسماعيل البخاري|البخاري]] عن أبي هريرة و[[مسلم بن الحجاج|مسلم]] عن [[عائشة (توضيح)|عائشة]] أن الرسول قال:
{{اقتباس|'''إنه كان قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب'''-[[حديث صحيح]]<ref>صحيح مسلم حديث رقم 2398</ref><ref>صحيح البخاري حديث رقم 3469</ref>}}
* وروى [[الطبراني]] في [[المعجم الكبير|الكبير]] (8813/9) بإسناد حسن من طريق زائدة عن عاصم عن زر عن [[عبد الله بن مسعود]] قال:
{{اقتباس|إذا ذكر الصالحون فحي هلا بعمر، إن إسلامه كان نصرًا، وإن إمارته كانت فتحًا، وايم الله ما أعلم على الأرض شيئًا إلا وقد وجد فقد عمر حتى العضاه، وايم الله إني لأحسب بين عينيه ملكًا يسدده ويرشده، وايم الله إني لأحسب الشيطان يفرق منه أن يحدث في [[إسلام|الإسلام]] حدثا فيرد عليه عمر}}
* وعن طلحة بن عبيد الله قال: {{اقتباس مضمن|ما كان عمر بأولنا إسلامًا ولا أقدمنا هجرة، ولكنه كان أزهدنا في الدنيا وأرغبنا في الآخرة}}، خرجه الفضائلي.<ref>الرياض النضرة في مناقب العشرة - أبو جعفر الطبري ج1 ص139</ref>

أحاديث مرفوعة:
* قَالَ [[محمد|رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]]: «''' إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلِي نَبِيٌّ إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ سَبْعَةَ رُفَقَاءَ نُجَبَاءَ وُزَرَاءَ، وَإِنِّي أُعْطِيتُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ: [[حمزة بن عبد المطلب|حَمْزَةُ]]، وَ[[جعفر بن أبي طالب|جَعْفَرٌ]]، وَ[[علي بن أبي طالب|عَلِيٌّ]]، وَ[[الحسن بن علي|حَسَنٌ]]، وَ[[الحسين بن علي|حُسَيْنٌ]]، وَ[[أبو بكر الصديق|أَبُو بَكْرٍ]]، وَعُمَرُ، وَ[[المقداد بن عمرو|الْمِقْدَادُ]]، وَ[[عبد الله بن مسعود|عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ]]، وَ[[أبو ذر الغفاري|أَبُو ذَرٍّ]]، وَ[[حذيفة بن اليمان|حُذَيْفَةُ]]، وَ[[سلمان الفارسي|سَلْمَانُ]]، وَ[[عمار بن ياسر|عَمَّارٌ]]، وَ[[بلال بن رباح|بِلَالٌ]] '''».<ref>[[مسند أحمد|مسند الإمام أحمد بن حنبل]] رقم [[حديث نبوي|الحديث]]: 1219 (حديث مرفوع).</ref><ref>[http://library.islamweb.net/hadith/display_hbook.php?bk_no=118&pid=60135&hid=221 إسلام ويب، موسوعة الحديث: فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20140110090302/http://library.islamweb.net/hadith/display_hbook.php?bk_no=118&pid=60135&hid=221 |date=10 يناير 2014}}</ref>

=== نظرة الشيعة ===
{{أيضا|سقيفة بني ساعدة|مظلومية الزهراء}}
تُقسم وجهة النظر الشيعية حول عمر بن الخطاب إلى قسمين: رأي [[شيعة اثنا عشرية|الشيعة الإثنا عشرية]] ورأي [[زيدية|الشيعة الزيدية]]. أما الإثنا عشرية فنظرتهم إلى ابن الخطاب نظرة سلبية، وهو عندهم منقلب خائن للنبي محمد، ومغتصب لحق علي بن أبي طالب في خلافة المسلمين، وعند بعض المراجع فهو قاتل ابنة الرسول وزوجة الإمام علي، [[فاطمة الزهراء]]. وفي هذه الرواية أن عمرَ اتجه إلى دار فاطمة ليأتي بعلي و[[الزبير بن العوام]] ليبايعا أبا بكر بالخلافة، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة فقالت: «يا بن الخطاب، أجئت لتحرق دارنا؟» قال: «نعم، أو تدخلوا ما دخلت فيه الأمة»،<ref>انساب الاشراف، بلاذری، ج1، ص586</ref><ref>الامامة والسیاسة، ابن قتیبة الدینوری، تحقیق الشیری - ج 1 - ص 30</ref><ref>الامامة والخلافة، مقاتل بن عطیه، ص160 و161 که با مقدّمه‌ای از دکتر حامد داود استاد دانشگاه عین الشمس قاهره به چاپ رسیده، چاپ بیروت، مؤسّسة البلاغ</ref> وقد أشار عدد من علماء الشيعة إلى أن عمر بن الخطاب أضرم النار في الدار وتعرّض لفاطمة بالضرب بعد أن قاومته، الأمر الذي جعلها تجهض حملها وتفارق الحياة بعد فترة، على أنهم اختلفوا في كيفية حصول ذلك على وجه الدقة.<ref>محمدحسین کاشف‌الغطاء: جنة المأوی. بیروت: دارالأضواء. ص 135.</ref> كذلك تعتبر الاثنا عشرية أن أوّل من لُقب بالفاروق من قبل النبي محمد هو [[علي بن أبي طالب]].<ref name="كنز العمال">سماه الرسول بهذا كما ورد في كتب الفريقين ولكن ضعَّفها أهل السنة [[كنز العمال|كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال]] - [http://www.al-eman.com/الكتب/كنز+العمال+في+سنن+الأقوال+والأفعال+**/i18&p1 حرف الفاء] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20101203083755/http://www.al-eman.com/Islamlib/viewchp.asp?BID=137&CID=370 |date=03 ديسمبر 2010}}</ref> أما الزيدية فنظرتهم إلى عمر بن الخطاب أكثر اعتدالاً، فهم يقرون بصحة خلافته ولا يسبّونه، لكنهم يعتقدون على الرغم من ذلك أن الإمام عليًا أحق بالخلافة، وذلك بناءً على مبدأ خلافة المفضول مع وجود الأفضل.<ref>{{استشهاد بكتاب| ناشر = منشورات جامعة أكسفورد|ردمك= 9780195305036| الأخير = روثفين| الأول = ماليس| عنوان = الإسلام في العالم| وصلة = https://archive.org/details/islaminworld0000ruth_c4c4| تاريخ = 2006-04-20| صفحة=[https://archive.org/details/islaminworld0000ruth_c4c4/page/186 186]}}</ref> وقد ورد في عدد من المراجع الشيعية أن عمر لما حضرته الوفاة رفض تسمية أحدًا من الستة قائلًا: {{اقتباس مضمن|واللَّه، ما يمنعني أن أستخلفك يا سعد إلّا شدّتك وغلظتك، مع أنّك رجلُ حربٍ! وما يمنعني منك يا عبد الرحمن إلّا أنّك فرعون هذه الاُمّة! وما يمنعني منك يا زبير إلّا أنّك مؤمن الرضى، كافر الغضب! وما يمنعني من طلحة إلّا نَخْوته وكِبْره، ولو وليها وضع خاتمه في إصبع امرأته! وما يمنعني منك يا عثمان إلّا عصبيّتك وحبّك قومَك وأهلَك! وما يمنعني منك يا عليّ إلّا حرصك عليها! وإنّك أحرى القوم، إن وُلِّيتها، أن تقيم على الحقّ المبين، والصراط المستقيم}}.<ref>لنَّخْوة: الكِبْر والعُجْب، والأنَفَة والحَمِيَّة (النهاية: 34:5)</ref><ref>الإمامة والسياسة: 43:1 وراجع الإيضاح: 500</ref>

=== نظرة المسيحية ===
من المعروف أن الكنائس المسيحية [[كاثوليكية|الكاثوليكية]] و[[أرثوذكسية (توضيح)|الأرثوذكسية]] و[[بروتستانتية|البروتستانتية]]، لا تقدم رأيًا في الشخصيات غير الدينية، فموقفها ونظرتها محصورة في أنبياء ومؤسسي الديانات الأخرى، أما أتباعهم وصحابتهم فلا تبدي رأيها بهم غالبًا. غير أن احتكاك المسلمين بالمسيحيين في الشام والعراق ومصر خلال عهد عمر بن الخطاب، ولجوء بعض رجال الدين النصارى إليه شخصيًا ليرفع ظلم الروم عن رعاياهم، جعل بعض المؤرخين المسيحيين يذكرون عمر بن الخطاب بالخير ويحيطونه بالاحترام والتبجيل.<ref>سوريا صنع دولة وولادة أمة، وديع بشور، دار اليازجي، دمشق 1994، طبعة أولى، ص. 110</ref> ونقل البعض أمثال [[ميخائيل السرياني|ميخائيل الكبير]] أنّ [[أرثوذكسية مشرقية|رافضي مجمع خلقيدونية]] رددوا: «''المجد لربّ النقمة الذي نجانا على يد الإسماعيليين من البيزنطيين''»،<ref>المارونية في أمسها وغدها، بولس نعمان وآخرون، منشورات دير سيدة النصر، غوسطا 1997، ص. 25-26</ref> ويرى المؤرخ اليسوعي [[هنري لامنس]] أن هذا التعاون والترحيب هو ما يفسّر السقوط السريع [[بلاد الشام|للشام]] و[[العراق]] البالغ عدد سكانها زهاء أربعة ملايين نسمة بفترة زمنية قصيرة وبعدد قليل نسبيًا من الجنود.<ref>سوريا صنع دولة وولادة أمة، مصدر سابق، ص. 111 وما تلاها.</ref> وكان لمنح عمر سكان إيلياء «القدس» عهدًا بحماية أماكن عبادتهم وبتوفير الأمان لهم ولأموالهم، وبحرية ممارسة شعائرهم الدينية، مقابل دفع الجزية سنويًا لبيت المال، أثر في حصوله على احترام وحب المسيحيين الذين عاصروه، والعديد من الذين تابعوا سيرته في الأجيال اللاحقة.<ref>الحجارة الحية، فؤاد فرح، دار د.آبو منه، الناصرة 2002، ص. 24</ref>

=== رأي الغرب ===
* قال المؤرخ الأمريكي [[واشنطن إيرفينج|واشنطن ايرفينجفي]] كتابه «محمد وخلفاؤه»:
{{اقتباس خاص|إن تاريخ عمر بالكامل يظهر لنا أنه (عمر) كان ذو عقليّة فذّة، ونزاهة ثابتة صلبة، وعدالة صارمة، وكان أكثر من أي أحد آخر هو المؤسس للإمبراطورية الإسلامية، مؤكدا ومنفّذا للوحي النبوي، مساعدا ومشاورا لأبي بكر خلال فترة خلافته القصيرة، وواضعا ومؤسسا للأنظمة واللوائح التي تنظم إدارة القانون عبر حدود وأنحاء الفتوحات الإسلامية الممتدة بسرعة، وقد كانت (سياسة) اليد الصارمة التي تعامل بها مع قادة جيوشه الأكثر شعبية في خضم جيوشهم وفي أبعد مشاهد إنتصاراتهم، أعطت (هذه السياسة) دليلا بارزا على قدرته الاستثنائية على الحكم.

من خلال بساطة عاداته وازدرائه لمظاهر البهاء والترف والأبهة، فقد اقتدى بمثال النبي وأبو بكر. وقد سعى بشكل مستمر ليؤثر ويحث قادة جيوشه على التحلي بهذه الصفات والسياسات، ففي رسائله لقادة الجيوش كان يقول: "حذار من الترف الفارسي، سواء في المطعم أو في الملبس والزموا عادات بلادكم البسيطة، وسينصركم الله عليهم وسيفتح لكم." وقد كانت عقيدته القوية واقتناعه الراسخ بهذه السياسات هي التي جعلته يتشدد في معاقبة كُلّ أسلوب متباه وإنغماس فاخر في ضبّاطِه. وبالإضافة لذلك، فإن المراسم المتبّعة (في وقته) تشير بالثناء على قلبه بالإضافة إلى عقله، فقد نهى أن تُباع أية امرأة وقعت في الأسر وقد وُلد لها طفل على أنها رقيق، وأما عند توزيع الأعطيات للمسلمين، من الغنائم أو من بيت المال، فقد قسّمها حسب حاجات وليس مميزات الطالبين، وكان يقول: "الله أعطانا هذه الأشياء الدنيوية لسدّ احتياجاتنا، وليس لمكافأة فضائلنا، تلك المكافأة حسابها في الآخرة".<ref>[https://web.archive.org/web/20160305102558/https://books.google.ca/books?id=tV4WAAAAYAAJ&pg=RA1-PA133&lpg=RA1-PA133&dq=#v=onepage&q&f=false Mahomet and His Successors] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20200324090142/https://web.archive.org/web/20160305102558/https://books.google.ca/books?id=tV4WAAAAYAAJ&pg=RA1-PA133&lpg=RA1-PA133&dq= |date=24 مارس 2020}}</ref>}}
* ويقول المستشرق الإسكتلندي [[وليم موير]] في كتابه «صعود وانحدار الخلافة»:
{{اقتباس خاص|إن حياة عمر لا تتطلب الكثير لإظهار ملامحها، البساطة والواجب كانتا مبادءه التوجيهية، النزاهة والعدل والتفاني كانت الميزات الرائدة في حكمه، وكانت تثقل كاهله مسؤولية الخلافة حتى أنه كان يقول: "يا ليت أمي لم تلدني، أو أني كنت قصبا من عشب بدلا من ذلك". كان في صباه ذا مزاج ناري سريع الإتّقاد، ومن ثم عُرف بعد ذلك في الأيام القادمة خلال صحبته الأولى لمحمد كالمحامي الصارم المتأهب للثأر، ومن ذلك نصيحته بأن يقتل أسارى بدر، ولكن التقدم في العمر فضلا عن كاهل المسؤولية قد خففت من حدّته، وكان حسّه بالعدالة قويّا. وباستثناء ما وقع بينه وبين خالد بن الوليد من المشاحنات، فإنه لم يسجَّل عليه أي عمل من الطغيان أو الظلم، وحتى في مسألته مع خالد فإنما كانت معاملته له كخصم في الحق وليس لأهواء شخصية. وكان اختياره لقادة جيوشه خاليا من المحاباة والتفضيلية، وباستثناء عمّار والمغيرة فإن اختياره كان دائما محظوظا.

إن القبائل والجماعات المختلفة في أنحاء الإمبراطورية، والتي تمثل المصالح الأكثر تنوعا، قد وضعت في نزاهته الثقة المطلقة، وقد أبقت قبضته القوية على انضباط القانون والإمبراطورية... كان يجوب شوارع وأسواق المدينة وسوطه بيده، جاهزا لمعاقبة المفترين فورا، وهكذا ظهر المثل "أن درّة عمر (سوطه) مهاب أكثر من سيف غيره". ولكن مع كل هذا، فقد كان رقيق القلب، وسجّلت له أفعال من الشفقة والرحمة لا تعدّ مثل مواساة وتخفيف حاجات الأرامل واليتامى.." <ref>[https://books.google.ca/books?id=4N8-AAAAYAAJ&pg=PA220&lpg=PA220&dq=&hl=en#v=onepage&q&f=false ''The Caliphate: Its Rise, Decline, and Fall''] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20160413130523/https://books.google.ca/books?id=4N8-AAAAYAAJ&pg=PA220&lpg=PA220&dq=&hl=en |date=13 أبريل 2016}}</ref>}}
* وفي كتاب «تاريخ أفول وسقوط الدولة الرومانية»، يقول المؤرخ الإنجليزي [[إدوارد جيبون]]:
{{اقتباس خاص|ومع ذلك فإن عفّة تواضع عمر لم تكن بأقل مستوى من فضائل أبي بكر، كان طعامه (عمر) يتكون من مجرد التمر أو الخبز، وكان شرابه الماء. وكان يخطب بالناس وعليه ثوب مخرّق في إثني عشر موضعا. وقد رآه المرزبان (حاكم مقاطعة فارسي) عندما أتى زائرا ليؤدي لعمر فروض الطاعة، رآه نائما مع الفقراء المعدمين في أحد طرقات المدينة. إن هذا التواضع والتسامح مقرونا بزيادة الدخل العام (للدولة) مكّن عمر من توزيع الأعطيات على المؤمنين بشكل عادل ومنتظم متجاهلا لمكافأة نفسه. فمثلا أعطى العباس عم الرسول أول وأعلى المخصصات، حوالي خمس وعشرين ألف درهم. وخصص خمسة آلاف للمجاهدين الأولين ممن شهدوا بدرا، أعطى للباقين من أصحاب محمد ثلاثة آلاف درهم لكل منهم.
... خلال خلافته ومن سبقه (أبو بكر) فقد كان فاتحو الشرق هم عبيد الله المخلصون، كانت الثروات المجتمعة مكرّسة للنفقات، للحرب والسلام، في مزيج حكيم من الغنيمة والعدالة. حافظ هذا على اتحاد وانضباط أهل الصحراء عن طريق سعادة نادرة كوّنت توازنا بين تنفيذ الحكم المطلق والحكم الجمهوري من خلال ثوابت متساوية للكل.<ref>''[https://books.google.ca/books?id=4N8-AAAAYAAJ&pg=PA220&lpg=PA220&dq=%22Yet+the+abstinence+and+humility+of+Omar%22&source=bl&ots=1xOEhSF3Pj&sig=dR-GE8JFPW09biUTYXn1G95QgK8&hl=en&ei=WMQrTNilLoWNnQfllcDOCQ&sa=X&oi=book_result&ct=result#v=onepage&q=%22Yet%20the%20abstinence%20and%20humility%20of%20Omar%22&f=false The Decline and Fall of the Roman Empire]'' {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20160305124925/https://books.google.ca/books?id=4N8-AAAAYAAJ&pg=PA220&lpg=PA220&dq= |date=05 مارس 2016}}</ref>}}

== هوامش ==
* {{هامش|1}} يختلف علماء [[أهل السنة والجماعة|السنة]] و[[الشيعة]] في مسألة زواج عمر بن الخطاب من [[أم كلثوم بنت علي|أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب]]، إذ أن السنّة يؤكدونها بينما الشيعة ينكرونها. ووفق الرواية السنية فإن عمرَ خطب أم كلثوم وهي صغيرة، فقيل له: «ما تريد إليها؟»، قال: "إني سمعت [[محمد|رسول الله]] {{صلى الله عليه وسلم}} يقول: "كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي«. وروى عبد الله بن أسلم عن جده أن عمر تزوجها فأصدقها أربعين ألفًا. وبهذا فإن السنّة يعتقدون أن عمر تزوج بأم كلثوم حتى يُصبح من أنسباء النبي محمد. ويروى أن عمرَ قال [[علي بن أبي طالب|لعلي]]:» زوجنيها أبا حسن فإني أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد«. قال:» فأنا أبعثها أليك، فإن رضيتها فقد زوجتها«. قال:» فبعثها إليه ببرد وقال لها: «قولي له هذا البرد الذي قلت لك»، فقالت له ذلك، فقال: «قولي له قد رضيت الله عنك»، ووضع يده على ساقها فكشفها، فقالت: «أتفعل هذا؟ لولا أنك أمير المؤمنين لكسرت أنفك»، ثم مضت إلى أبيها فأخبرته، وقالت: «بعثتني إلى شيخ سوء!» قال: «يا بنية إنه زوجك». ونقل الزهري وغيره أنها ولدت لعمر [[زيد بن عمر بن الخطاب|زيدًا]]، وقيل ولدت رقية.<ref>[https://www.yabeyrouth.com/pages/index1264.htm موقع يا بيروت: أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20150712063354/http://www.yabeyrouth.com/pages/index1264.htm |date=12 يوليو 2015}} {{وصلة مكسورة|تاريخ=2020-10-13|bot=JarBot}}</ref> أما الشيعة فقد ذهب عدد من علمائهم إلى أن أم كلثوم زوجة عمر هي بنت جرول لأنه عند بعضهم أن أم عبيد الله بن عمر بن الخطاب هي [[أم كلثوم بنت عمرو الخزاعية|أم كلثوم بنت جرول]]. فقال قال [[ابن حبان]]: {{اقتباس مضمن|عبيد الله بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي أمه بنت حارثة بن وهب الخزاعي قتل يوم صفين وكان مع معاوية}}،<ref>[[ابن حيان القرطبي|ابن حبان، محمد]]، الثقات - الجزء الخامس - رقم الصفحة: 63 - رقم: 3866</ref> وقال [[ابن حجر (توضيح)|ابن حجر]]: {{اقتباس مضمن|عبيد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي أمه [[أم كلثوم بنت عمرو الخزاعية|أم كلثوم بنت جرول الخزاعية]] وهو أخو حارثة بن وهب الصحابي المشهور لأمه ولد في عهد النبي}}.<ref>[[ابن حجر (توضيح)|ابن حجر]]، الإصابة في تمييز الصحابة - الجزء الخامس - رقم الصفحة: 52 - رقم: 6244</ref> ويقول بعض علماء الشيعة أنه لو سُلّم جدلاً أن الزواج قد وقع فعمر ظاهره مسلم وعندهم يجوز تزويج المسلم، والزواج في نفسه لا يدل على شيء، وفي كثير من الأحيان الزواج لا يدل على الفضل والمحبة كما في زواج [[فرعون]] من [[آسية (توضيح)|آسية بنت مزاحم]]، فهي كانت مؤمنة، فإن كانت الشريعة في تلك الأزمنة تجوّز زواج الكافر من المسلمة فيمكن القول بأن عمر مسلم ويجوز أن يتزوج من أم كلثوم وهذا لا يدل على أي فضيلة، فعلى سبيل المثال، عندما رأى النبي [[لوط]] أن المصلحة المرتبطة بالشريعة تقتضي أن يطلب من قومه وهم كفار، الزواج من بناته، طلب ذلك منهم.<ref>[http://www.ansaralhojah.com/alrad/alguds/1.htm أكذوبة زواج عمر من أم كلثوم ابنة الإمام علي (ع)]{{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20130602104835/http://www.ansaralhojah.com/alrad/alguds/1.htm |date=02 يونيو 2013}}</ref>

=== مراجع ===
<div class="reflist4" style="height: 220px; overflow: auto; padding: 3px">
{{مراجع|2}}
</div>

== كتب ودراسات عنه ==
{|
|valign="top"|
* {{استشهاد بكتاب|عنوان=عز الدين أبو الحسن علي بن محمد بن أبي الكرم الشيباني|الأول=[[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير]]|الأخير=[[الكامل في التاريخ]] – المجلدان الثاني والثالث|ناشر=دار صادر|سنة=1979}}
* {{استشهاد بكتاب|عنوان=محمد قباني|الأخير=الوجيز في الخلافة الراشدة|ناشر=دار الفاتح - دار وحي القلم|سنة=الطبعة الأولى سنة 2006}}
* {{استشهاد بكتاب|عنوان=[[محمود شيت خطاب]]|الأخير=عمر بن الخطاب: الفاروق القائد|ناشر=دار مكتبة الحياة|سنة=الطبعة الثانية سنة 1966}}
* {{استشهاد بكتاب|عنوان=شبير أحم محمد علي الباكستاني|الأخير=عصر الصّدِّيق|ناشر=الدار السعودية|سنة=الطبعة الأولى سنة 1983}}
* {{استشهاد بكتاب|عنوان=علي محمد محمد الصلابي|الأخير=فصل الخطاب في سيرة عمر بن الخطاب|ناشر=مكتبة الصحابة، مكتبة التابعين|سنة=الطبعة الأولى سنة 2002}}
* {{استشهاد بكتاب|عنوان=[[أحمد عادل كمال]]|الأخير=الطريق إلى دمشق|ناشر=دار النفائس|سنة=الطبعة الثالثة سنة 1985}}
* {{استشهاد بكتاب|عنوان=سهيل زكار|الأخير=اليرموك والفتح العمري الإسلامي للقدس|ناشر=دار الفكر|سنة=الطبعة الأولى سنة 2002}}
* {{استشهاد|عنوان=سيف الله: خالد بن الوليد&nbsp;– دراسة عسكرية تاريخية عن معاركه وحياته|الأول=آغا إبراهيم|الأخير=أكرم|ناشر=مؤسسة الرسالة|سنة=1982|isbn=0195977149}}
* {{استشهاد|عنوان=عبقرية خالد|الأول=عباس محمود|الأخير=العقاد|ناشر=دار نهضة مصر|سنة=2002|isbn=9771418734|مؤلف-وصلة=عباس محمود العقاد}}
* {{استشهاد بكتاب|عنوان=[[أحمد عادل كمال]]|الأخير=الطريق إلى المدائن|ناشر=دار النفائس|سنة=الطبعة السادسة سنة 1986}}
|valign="top"|
* {{استشهاد بكتاب|عنوان=[[محمود شيت خطاب]]|الأخير=قادة فتح العراق والجزيرة|ناشر=دار الفكر|سنة=الطبعة الثالثة سنة 1977}}
* {{استشهاد بكتاب|عنوان=[[أحمد عادل كمال]]|الأخير=القادسية|ناشر=دار النفائس|سنة=الطبعة الثالثة سنة 1977}}
* {{استشهاد بكتاب|عنوان=[[أحمد عادل كمال]]|الأخير=سقوط المدائن|ناشر=دار النفائس|سنة=الطبعة الثالثة سنة 1984}}
* [[عبقريات العقاد الإسلامية|عبقرية عمر]] - المؤلف [[عباس محمود العقاد]].
* [http://www.al-mostafa.info/data/arabic/depot3/gap.php?file=018159.pdf نظرات في فقه الفاروق عمر بن الخطاب] - [[محمد محمد المدني]].
* [http://www.al-mostafa.info/data/arabic/depot2/gap.php?file=015332.pdf مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب] - [[ابن الجوزي]].
* [http://al-mostafa.info/data/arabic/depot3/gap.php?file=000946.pdf عمر بن الخطاب: الوثيقة الخالده للدين الخالد] - [[عبد الكريم الخطيب]].
* [http://www.al-mostafa.info/data/arabic/depot3/gap.php?file=i000849.pdf الفاروق عمر بن الخطاب] - محمد رضا.
* [http://www.waqfeya.com/book.php?bid=5202 فصل الخطاب في سيرة ابن الخطاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب شخصيته وعصره] - [[علي الصلابي|علي محمد الصلابي]].
* [http://www.waqfeya.com/book.php?bid=3878 موسوعة فقه عمر بن الخطاب] - [[محمد رواس قلعه جي]].
* عبد الساتر، لبيب (2003). الحضارات. دار المشرق، بيروت. ط 16.
|}
* عمر بن الخطاب والمشكلات الاقتصادية المعاصرة: البطالة، الربا والفائدة، التأمين، عجز الموازنة، [[مجدي عبد الفتاح سليمان]]، 2003م، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع.

== انظر أيضًا ==

* [[الخلافة الراشدة]]
* [[بنو عدي]]
* [[فاروق (اسم)]]
* [[عمر (مسلسل)|مسلسل عمر بن الخطاب]]
* [[الحملات العسكرية في عهد الخليفة عمر]]

== وصلات خارجية ==
{{روابط شقيقة}}
* [http://www.islamstory.com/عمر-بن-الخطاب قصة عمر بن الخطاب] - موقع قصة الإسلام.
* [http://www.islamstory.com/عمر_بن_الخطاب_في_ميزان_الإسلام عمر بن الخطاب في ميزان الإسلام] - موقع قصة الإسلام.
* [http://www.saaid.net/wahat/q124.htm القصيدة العمرية من روائع الشعر العربي - حافظ إبراهيم] - موقع صيد الفوائد.
* [http://www.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=6447&idto=6484&bk_no=60&ID=6278 ترجمة عمر بن الخطاب من كتاب سير أعلام النبلاء] - موقع إسلام ويب.

{{بداية صندوق}}
{{s-hou|رأس [[بنو عدي|بني عدي]]||حوالي سنة 584م||3 نوفمبر 644م|[[قريش]]}}
{{s-rel|su}}
{{صندوق تعاقب/سبقه|before=[[أبو بكر الصديق]]}}
{{تعاقب-لقب|title= [[خلافة إسلامية|أمير المؤمنين]]<br /><small>[[الخلفاء الراشدون|ثاني الخلفاء الراشدين]]</small>|years=23 أغسطس 634م – 3 نوفمبر 644م}}
{{صندوق تعاقب/تبعه|after=[[عثمان بن عفان]]}}
{{نهاية صندوق}}
{{العشرة المبشرون بالجنة}}{{شجرة عائلة العشرة المبشرين بالجنة}}{{الخلفاء الراشدون}}{{شريط سفلي محمد}}
{{صحابة}}{{صحابة شهدوا غزوة أحد}}{{صحابة شهدوا غزوة بدر}}{{صحابة شهدوا غزوة الخندق}}{{الخلفاء المسلمون}}{{غزوات ومعارك القرن الأول الهجري}}
{{مجددون}}
{{فقهاء الصحابة}}

{{ضبط استنادي}}
{{شريط بوابات|أعلام|الإسلام|التاريخ الإسلامي|التقويم الهجري|الحديث النبوي|الخلافة الراشدة|العرب|العصور الوسطى|شبه الجزيرة العربية|صحابة}}
{{شريط محتوى متميز|مختارة|التاريخ=26 سبتمبر 2012|النسخة=9595221}}

[[تصنيف:عمر بن الخطاب| ]]
[[تصنيف:الخلفاء الراشدون]]
[[تصنيف:العشرة المبشرون بالجنة]]
[[تصنيف:أشخاص اعتنقوا الإسلام]]
[[تصنيف:أشخاص من الفتح الإسلامي لفارس]]
[[تصنيف:حفاظ القرآن]]
[[تصنيف:خلفاء القرن 7]]
[[تصنيف:خلفاء مغتالون]]
[[تصنيف:شخصيات من الشاهنامة]]
[[تصنيف:شهداء الصحابة]]
[[تصنيف:صحابة]]
[[تصنيف:صحابة شهدوا بيعة الرضوان]]
[[تصنيف:صحابة شهدوا غزوة الخندق]]
[[تصنيف:صحابة شهدوا غزوة أحد]]
[[تصنيف:صحابة شهدوا غزوة بدر]]
[[تصنيف:صحابة شهدوا غزوة تبوك]]
[[تصنيف:ضحايا قتل ذكور]]
[[تصنيف:قادة عسكريون مسلمون]]
[[تصنيف:مسلمون عرب]]
[[تصنيف:ملكيون قتلوا في القرن 7]]
[[تصنيف:مواليد 40 ق هـ]]
[[تصنيف:مواليد 584]]
[[تصنيف:مواليد في مكة]]
[[تصنيف:وفيات 23 هـ]]
[[تصنيف:وفيات 24 هـ]]
[[تصنيف:وفيات 644]]
[[تصنيف:وفيات بالأسلحة البيضاء]]
[[تصنيف:وفيات بالطعن]]
[[تصنيف:وفيات في المدينة المنورة]]