هذه المقالة يتيمة. ساعد بإضافة وصلة إليها في مقالة متعلقة بها

هيجل وفلسفة التاريخ

من أرابيكا، الموسوعة الحرة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

فلسفة التاريخ عند هيجل (بالإنجليزية: Philosophy of History)‏ ما هي فلسفة التاريخ؟ من الضروري أولا أن نفهم المقصود بمصطلح «فلسفة التاريخ»، من وجهة نظر هيجل. يتضمن كتاب هيجل «فلسفة التاريخ» كمية كبيرة من المعلومات التاريخية، ويمكن أن يجده القارئ مُوجِزا للتاريخ العالمي؛ من الحضارات القديمة في الصين والهند وبلاد فارس، مرورا باليونان القديمة، وصولا إلى العصور الرومانية، ثم تتبع مسار التاريخ الأوروبي من النظام الإقطاعي إلى حركة الإصلاح الديني، ثم إلى عصر التنوير والثورة الفرنسية.

وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن هيجل لم يكن ينظر إلى كتابه هذا بوصفه مجرد سرد للأحداث التاريخية؛ فعمله عمل فلسفي؛ لأنه يأخذ الحقائق التاريخية المجردة باعتبارها مادة خاما ويحاول أن يتجاوزها لما هو أبعد منها. حتى إن هيجل نفسه قال إن «فلسفة التاريخ تعني فقط التأمل العميق فيه.» ومع أن هذا قد يكون تعريفه الخاص لفلسفة التاريخ، فإنه يعطي فكرة غير كافية عما كان هيجل بصدده في كتابه «فلسفة التاريخ».[1]

عرض الفكرة

إن ما غفله هيجل في تعريفه هو مقصده الذي يتمثل في أن «التأمل العميق» للتاريخ ينبغي أن يسعي لتقديم مادته الخام باعتبارها جزءا من عملية تطور عقلانية، وهكذا يكشف معني تاريخ العالم ودلالته.

وهنا يتضح أحد آراء هيجل المحورية؛ ألا وهو إيمانه بأن التاريخ يحمل بعض المعاني والدلالات. فلو أن هيجل استعرض التاريخ وفقا لرؤية ماكبث البائسة للحياة بوصفه «قصة يرويها معتوه، مليئة بالضجة والغضب، ولا تعني شيئا»؛ لما حاول مطلقا تأليف كتابه «فلسفة التاريخ»، ولكان أهم عمل في حياته مختلفا تماما.

بالطبع تتشابه وجهة النظر العلمية الحديثة كثيرا مع رؤية ماكبث؛ فهي تخبرنا بأن كوكبنا مجرد نقطة صغيرة في كون بحجم لا يمكن تخيله، وأن الحياة على هذا الكوكب بدأت من اندماج عرضي للغازات، ثم تطورت بواسطة قوى الانتخاب الطبيعي الجامدة. وتماشيا مع هذه الرؤية لنشأة نوعنا، يرفض معظم الفكر الحديث افتراض أن للتاريخ أي غاية أبعد من الغايات الفردية الهائلة المتنوعة للبشر الذين لا حصر لهم؛ الذين يصنعون التاريخ.

في عصر هيجل، لم يكن هناك أي شيء غير مألوف بشأن اعتقاده الراسخ بأن التاريخ البشري ليس مجرد مجموعة غير منظمة من الأحداث؛ بالتأكيد هذا الاعتقاد في الواقع ليس غريبا حتى في وقتنا الحالي؛ نظرا لأن الفكر الديني كان يرى على نحو تقليدي أن هناك معنی ودلالة في مسار التاريخ البشري، حتى وإن لم يكن له دلالة إلا كمقدمة لعالم أفضل لم يأت بعد.[1]

تاريخ له مغزى

هناك العديد من الطرق المختلفة التي يمكن بواسطتها استيعاب الادعاء الذي يرى أن التاريخ له مغزى؛ فيمكن اعتباره ادعاء يشير إلى أن التاريخ هو من تدابير إلهٍ قام بإيجاد هذه العملية بالكامل؛ أو بطريقة أكثر غموضا، يمكن اعتبار أن الغرض منه هو الإشارة إلى أن الكون ذاته قد تكون له غايات على نحو ما.

إن التأكيد على أن التاريخ ذو مغزى يمكن استنباطه من جميع الدلالات الدينية أو الروحانية، ويمكن فهمه ببساطة من خلال الزعم الأكثر تقييدا بأن التأمل في ماضينا يمكننا من إدراك مسار التاريخ، والغاية التي سيصل إليها في النهاية. وهذه الغاية، لحسن الحظ، هي غاية مرجوة؛ ومن ثم يمكننا تقبلها باعتبارها هدفا لمساعينا.

يمكن فهم كتاب هيجل «فلسفة التاريخ» بطرق شتى، تتشابه مع هذه الطرق المختلفة لاستيعاب الزعم بأن هناك مغزى للتاريخ. ووفقا لاستراتيجيتنا العامة في تناول أفكار هیجل، سنبدأ بالعناصر الموجودة في الكتاب، والتي تؤكد على أن للتاريخ مغزى، وذلك من خلال الطريقة الثالثة، الأقل غموضا، من الطرق المتعددة لاستيعاب وجهة النظر هذه.[2]

كتاب فلسفة التاريخ

في مقدمة كتابه «فلسفة التاريخ»، يوضح هيجل صراحة وجهة نظره حول مسار التاريخ البشري كله ووجهته، فيقول: «تاريخ العالم ليس إلا تقدم الوعي بالحرية.» تحدد هذه الجملة الفكرة الرئيسية للكتاب بالكامل (بل ويمكن القول بأنها أيضا تلخص الفكرة الرئيسية في فكر هيجل؛ لكن المزيد عن ذلك سيأتي لاحقا). والآن يجب أن نرى كيف قام هيجل بتوضيح فكرته الرئيسية هذه.[2]

الإمبراطورية الفارسية

الحرية في الشرق

جيورج فيلهلم فريدريش هيغل

يبدأ هيجل بوصف ما أسماه «العالم الشرقي»، الذي يقصد به الصين والهند والإمبراطورية الفارسية القديمة. ويعتبر هيجل حضارتي الصين والهند القديمتين «جامدتين»؛ أي مجتمعات وصلت لنقطة معينة من التطور، ثم بطريقة ما سرعان ما تجمدت في مكانها. ويصفهما هيجل بأنهما «خارج نطاق تاريخ العالم»؛ أي ليستا جزءا من عملية التطور الشاملة التي هي أساس فلسفته التاريخية. يبدأ التاريخ الحقيقي بالإمبراطورية الفارسية، التي يقول عنها هيجل إنها «الإمبراطورية الأولى التي زالت».

إن حديث هيجل عن العالم الشرقي يتضمن العديد من التفاصيل، تتعلق كلها بفكرة أنه في المجتمع الشرقي يوجد شخص واحد فقط يتمتع بحريته؛ ألا وهو الحاكم، أما بقية المجتمع، فجميعهم يفتقرون إلى الحرية؛ لأنهم يجب أن يخضعوا إرادتهم للبطريرك أو اللاما أو الإمبراطور أو الفرعون أو أيا كان اللقب الذي قد يطلق على الحاكم المطلق المستبد.[2]

ويمتد الافتقار إلى الحرية هذا إلى مستوى عميق للغاية؛ فلا يعني هذا فقط أن رعايا الحاكم المطلق يعلمون أنه بإمكان الحاكم معاقبتهم بقسوة لعصيانهم رغبته؛ فذلك قد يوحي بأن لديهم إرادة مستقلة، وأن بإمكانهم التفكير - ويفكرون بالفعل - فيما إذا كان من الحكمة أو الصواب طاعة الحاكم المطلق.

يشير هيجل إلى أن الحقيقة هي عدم امتلاك الرعايا الشرقيين إرادة مستقلة بالمعنى الحديث؛ ففي بلاد الشرق، فإن القانون، وحتى الأخلاق ذاتها، يخضعان لتشريع خارجي. فلا يوجد لديهم مفهومنا عن الضمير الفردي؛ ولذلك لا توجد إمكانية لتشكيل الأفراد لأحكامهم الأخلاقية بأنفسهم بشأن الصواب والخطأ. في وجهة نظر سكان الشرق – ما عدا الحاكم – تأتي الآراء المتعلقة بهذه المسائل من الخارج؛ فهي حقائق خاصة بالعالم، ولا يمكن التشكيك فيها مثلها مثل وجود الجبال والبحار.[3]

انعدام الاستقلالية الشخصية

وفقا لهيجل، تأخذ حالة انعدام الاستقلالية الشخصية هذه أشكالا مختلفة في الثقافات الشرقية المختلفة، لكن النتيجة دائما ما تكون واحدة. يخبرنا هيجل أن الدولة الصينية كانت مؤسسة على حكم الأسرة؛ فالحكومة قائمة على الحكم الأبوي للإمبراطور، وينظر الآخرون لأنفسهم على أنهم أبناء الدولة. وهذا هو السبب الذي يجعل المجتمع الصيني يشدد بقوة على الاحترام والطاعة اللذين يدين بهما الشخص لوالديه. وفي الهند - على النقيض - لا يوجد مفهوم الحرية الفردية؛ لأن النظام الأساسي للمجتمع - نظام الطبقات الاجتماعية الذي يحدد لكل شخص من ذكر أو أنثى وظيفته في الحياة - لا يعد نظاما سياسيا، بل أمرا طبيعيا؛ ومن ثم غير قابل للتغيير. وهكذا لا تكون السلطة الحاكمة في الهند حاكما بشريا مطلقا مستبدا، وإنما الاستبداد هنا هو استبداد الطبيعة.

أما في بلاد فارس فالأمر مختلف؛ فعلى الرغم من أن الإمبراطور الفارسي يبدو للوهلة الأولى حاكما مطلقا يتشابه في كثير من الأمور مع إمبراطور الصين، فإن أساس الإمبراطورية الفارسية ليس قائما على مبدأ الطاعة الأسرية الطبيعية الذي يمتد إلى جميع أرجاء الدولة فحسب، بل على مبدأ عام يطبق فيه القانون على الحاكم كما يطبق على رعاياه.

فبلاد فارس كانت ملكية ثيوقراطية قائمة على ديانة زرادشت، التي كانت تتضمن عبادة «النور». يبدي هيجل اهتماما كبيرا بفكرة النور بوصفه شيئا نقيا وكونيا، مثل الشمس التي تضيء بنورها للجميع وتنفع الجميع على حد سواء. لا يعني هذا بالطبع أن بلاد فارس كانت تؤيد المساواة بين البشر؛ فالإمبراطور ظل هو الحاكم المطلق؛ ومن ثم الشخص الحر الوحيد في الإمبراطورية. لكن حقيقة أن حكمه كان قائما على مبدأ عام ولا ينظر إليه بوصفه حقيقة طبيعية، كانت تعني وجود احتمالية حدوث تطور.

إن فكرة الحكم استنادا على مبدأ فكري أو روحي تدل على بداية نمو الوعي بالحرية الذي كان هيجل معنيا بتتبعه؛ وعليه كانت هذه هي بداية «التاريخ الحقيقي».[4]

مراجع

  1. ^ أ ب بيتر سنجر. هيجل: مقدمة قصيرة جدًا. ص 26: مؤسسة هنداوي. {{استشهاد بكتاب}}: يحتوي الاستشهاد على وسيط غير معروف وفارغ: |بواسطة= (مساعدة)صيانة الاستشهاد: مكان (link)
  2. ^ أ ب ت بيتر سنجر. هيجل: مقدمة قصيرة جدًا. ص 27: مؤسسة هنداوي. {{استشهاد بكتاب}}: يحتوي الاستشهاد على وسيط غير معروف وفارغ: |بواسطة= (مساعدة)صيانة الاستشهاد: مكان (link)
  3. ^ بيتر سنجر. هيجل: مقدمة قصيرة جدًا. ص 28: مؤسسة هنداوي. {{استشهاد بكتاب}}: يحتوي الاستشهاد على وسيط غير معروف وفارغ: |بواسطة= (مساعدة)صيانة الاستشهاد: مكان (link)
  4. ^ بيتر سنجر. هيجل: مقدمة قصيرة جدًا. ص 29: مؤسسة هنداوي. {{استشهاد بكتاب}}: يحتوي الاستشهاد على وسيط غير معروف وفارغ: |بواسطة= (مساعدة)صيانة الاستشهاد: مكان (link)