تضامنًا مع حق الشعب الفلسطيني |
عبد المجيد جان ماري دوشمان
يفتقر محتوى هذه المقالة إلى الاستشهاد بمصادر. (مارس 2023) |
عبد المجيد جان ماري دوشمان (1908-1988) قسيس فرنسي تحوَّل من المسيحيّة إلى الإسلام.
حياته
ولد وترعرع في فرنسا. كان معجبًا في شبابه بالأب شارل دو فوكو، الذي نظَّم من حوله مجموعة دينية تعمل على تنصير المسلمين. دخل معهدًا لإعداد القساوسة، وتخرَّج منه عام 1932 م، وهو في الرابعة والعشرين من عمره، وعُيِّن على رأس كنائس عديدة في المدن والقرى المجاورة لمدينته لومان، التي كان يقطن في أحد أحيائها الشَّعبيَّة. وكان رسامًا موهوبًا، منضبطًا في عمله، مثاليًّا مع الكنيسة. عثر سنة 1367هـ/1947 م على ترجمة فرنسية لسورة الفاتحة، فصار يقرأها في أدعيته المسيحية وهو على نصرانيّته، وحصل أنّه زار مسجد باريس عام 1377 هـ/1957 م بمناسبة معرض فنِّي، فاشترى هناك ترجمة كاملة للقرآن، وكان يقرأ القرآن عدَّة مرات في العام.
وبعد انتهاء حرب الجزائر تعرّف على بعض الجزائريين الذين هاجروا مع الجيش الفرنسي، وبعد انتهاء تعاقدهم خرجوا من الثكنات الواقعة قرب مدينة لو مان، واتّصلوا به كي يساعدهم في بحثهم عن عمل. وهكذا تمّ الاتصال بين الأب دوشمان والجالية الإسلامية بمدينة لو مان وضواحيها. وممّا لاحظه التأثير الدينيّ على سلوكهم وثقافتهم، وكان يُحسن الحوار معهم، رغم جهلهم للّغة الفرنسية وعدم إلمامه باللغة العربيّة إلى أن فكّر يوماً بفتح مسجد كي يتجمّع فيه العمّال الذين كانوا يُصَلّون في بيته. فوجّه الطلب الأوّل الى ادارة الكنيسة كي تقبل بيع قطعة من الأرض لجمعيّة مسلمي السارت التي أسّسها عدد من المهاجرين ذوي الأقدميّة بفرنسا، بوحي من القسيس الذي حرّر النصوص الأساسيّة، وقام ببقيّة الاجراءات الاداريّة سنة 1970 م. لكنَّ الكنيسة لم توافق على تنفيذ هذا المشروع بسبب الأفكار المسبقة عن الإسلام السائدة آنذاك داخل الأوساط المسيحية، إلا أنّ إلحاح الأب دوشمان جعل الأسقف شوفالييه يوافق على بيع قطعة من الأرض تقع في حي "فلونسار" على الطريق المؤديّ الى مدينة تور، وهكذا شرع في بناء المسجد بفضل تطوّع عدد من العمّال المسلمين (الذين يشتغلون في قطاع البناء) وتمويل من طرف محسنين آخرين. وكان الأب دوشمان هو أسخى هؤلاء المحسنين، حيث كان يدفع ثمن التكاليف التي لم يتمكّن من دفعها العُمّال، وهكذا فُتح واحد من أكبر المساجد خارج باريس في أوائل السبعينات، واستمرّ الأب دوشمان في اعتنائه بالجالية الإسلاميّة الى أن صار يتردّد على المقاهي ليلتقي بالعمّال المسلمين المنسيين من حكوماتهم، والمتروكين من طرف الفرنسيين والهيئات المسمّاة بالوطنيّة. وعندما كان يحاول أن ينهاهم عن شرب الخمر ردّ عليه مرّة أحدهم قائلاً له: "لماذا تشرب الخمر وأنتَ رجل دين؟ " فقرّر القسيس منذ ذلك الوقت ترك شرب الخمر، كي تصبح نصائحه مسموعة لدى الذين يسعى من أجل انقاذهم. ثم صار يرافق الذين هجروا المقاهي ليرجعوا الى المسجد ليصلّي معهم يوم الجمعة، وفي شهر رمضان، بدأ يصوم مع المسلمين، في حين كان يتابع نشاطه كقسيس مسيحيّ يقوم بالصّلوات والوعظ في كنائس لو مان وضواحيها. وكان المسيحيّون التقليديّون يتذوّقون خطبه الدينيّة. بعد أن شرع في تعميق معرفته للإسلام صار يقرأ كلّ ما نُشر عن هذا الدين. وراجع دروسه الدينية، وفتح من جديد الكتب التي كانت مسطّرة في برنامج معهد إعداد القسيسين الذي تخرّج منه سنة 1932 م. إلى أن أصبح خبيرًا في المقارنة بين الديانتين المسيحية والإسلام. وصار يُدخِل كثيراً من الأفكار الإسلاميّة في خطبه الدينيّة الموجّهة للمسيحيين. واجتاز مراحل شتّى أدّت به الى رفض عدد من المعتقدات المسيحيّة مثل فكرة ألوهية المسيح وفكرة التثليث. وبعد صدور كتاب نشره الكاردينال دانيالو، في أواخر الستينات من القرن العشرين، تساءل فيه المؤلّف حول الظروف التي كُتبت فيها الأناجيل، وتأثير القديس بولس (الذي لم يعرف المسيح) على محرّري الأناجيل، صار الأب دوشمان يقارن هذا باحتفاظ المسلمين بالنصّ الأصليّ. ثمَّ صار يدخل المسجد أيام الجمعة ويصلي مع المسلمين، ثم صام معهم رمضان.
زار الهند وباكستان سنة 1396 هـ واستغرقت زيارته هذه 40 يومًا، فاحتفظ بانطباعات إيجابية، وكأنه اقتنع بالإسلام، ولكنَّه أخفاه لأمور أسرية بحتة، وفي عام 1402 هـ قرَّ في روعه أن يُغيّر اسمه فاتخذ له اسم "عبدالمجيد"، وهو اسم الشاب التونسي الذي ساعده على معرفة الإسلام، ومع ذلك كان يخطب في النصارى، فلاحظوا أنه يركِّز في أحاديثه هذه على عظمة الله أكثر مما يتحدث عن شخصية المسيح. وفي سنة 1403 هـ أعلن إسلامه رسميًّا في مسجد باريس، فأثارت هذه الخطوة ضجيجًا في الأوساط المسيحية والإسلامية.
وفاته
غادر مدينة لومان بغرب فرنسا، وانتقل للإقامة في المغرب سنة 1987 م فقضى أيّامه الأخيرة في الدار البيضاء، ومات هناك بين المسلمين وهو في الثمانين من عمره، وقد اصطدم بالفرق الموجود بين فكرته عن الإسلام، وبين أوضاع المسلمين الراهنة، ودفن بمقبرة المدينة المغربية في الدار البيضاء بناءً على رغبته.
آثاره
وضع كتابًا يتهكَّم فيه على تصرُّفات بعض المسؤولين في الكنيسة، إلّا أنَّه آثرَ ألّا ينشر هذا الكتاب، الذي كان يقرأ صفحات منه للقسيسين للتندُّر حينما يدعوهم إلى مائدته.