هذه المقالة يتيمة. ساعد بإضافة وصلة إليها في مقالة متعلقة بها
يرجى فتح الوصلات الداخلية للمقالات المتعلّقة بموضوع المقالة.
يرجى مراجعة هذه المقالة وإزالة وسم المقالات غير المراجعة، ووسمها بوسوم الصيانة المناسبة.

بيير دوف بيرخوف

من أرابيكا، الموسوعة الحرة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

هو مفكر يهودى روسى: "دوف بيير بورخوف" (1881- 1917م)، ترجع له نظرية الصهيونية الماركسية، حين زاوج بين ظروف المشكلة القومية اليهودية التاريخية و فكرة صراع الطبقات، وفقا لتأويله للنظرية الماركسية في كتابه أو مقالته الشهيرة تحت عنوان "المسألة القومية والصراع الطبقى" عام 1905، حين رأى أن الماركسية اهتمت "بعلاقات الإنتاج" لكنها لم تلتفت "لظروف الإنتاج" وأوضاع كل طبقة قومية عاملة على حده والمشاكل التى قد تقابلها لأسباب تاريخية تراكمت على مدى الزمن، والصراع القومى الذى قد يكون داخل طبقة البلوريتاريا العالمية أيضا التى يرى انها لا تمثل كلا واحدا متسقا بدوافع قومية وتاريخية واحدة "هذه المجتمعات تتمايز عن بعضا البعض في بعض الأخلاق. إذا لم يكن الأمر كذلك، ما كنا نستطيع التحدث عن طبقة برجوازية إنجليزية، على سبيل المثل، وعن طبقة برجوازية ألمانية أو عن البلوريتاريا الأمريكية وعن البلوريتاريا الروسية"[1] ، وبنى نظريته على فكرة المفهوم المادى للمسألة اليهودية، فقام بتقديم مشكلة اليهود في إطار أنها مشكلة "نمط اقتصادى" خاطئ متوارث تاريخيا، يعود لطبيعة اليهود كأقليات وجماعات مشتتة، اضطرت للعمل في مهن طفيلية انتهازية على هامش العمليات الإنتاجية الاقتصادية في المجتمعات التى تواجدوا بها، مهن ذات علاقة برأس المال على مدار تاريخها، وفى مقدمتها مهنة المرابى، التى كانت تشعل العداء والكراهية ضدهم في البلدان التى يعيشون فيها، باعتبار اليهود فئة طفيلية انتهازية مستغلة للمجتمع؛ بما كان يستتبع بالتالى عملية الاضطهاد المفترضة وفق هذا السياق ضدهم.

ولكى تحل مشكلة النمط الاقتصادى (المنحرف بطبيعته الطفيلية عن النظرية الماركسية المفترضة من وجهة نظره) للأقليات اليهودية المشتتة – آنذاك – في بقاع أوربا، يجب تحويل الأقليات اليهودية المشتتة، إلى مجتمع عادى وطبيعى، وتحويل جموع اليهود المشتتة إلى شعب له أرض وحدود مستقلة، ومن ثم تحويل هذا الشعب إلى عمال (بروليتاريين) مرتبطين بالأرض والمصانع والعمل في وطنها الجديد، فتتغير أنماطه السلوكية وقيمه الحاكمة وأفكاره التقليدية الموروثة ويتخلص من الاضطهاد من وجهة نظره "كقاعدة، كل تباين بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج يؤدى إلى مشكلة اجتماعية والتى يمكن أن تحل فقط عن طريق تحرير الطبقة المضطهدة"[2] ، وينصلح هرم اليهود الوظيفى الذى كان يسميه بالهرم المقلوب، حيث قاعدة الهرم كانت تجارا ومثقفين وحرفيين، ورأسه قله من العمال والفلاحين، وتصبح قاعدة الهرم من البروليتاريا والفلاحين ورأسه الصغير قلة من الحرفيين والتجار والمثقفين.[3]

وهكذا بكل بساطة استطاع "بورخوف"، أن يقدم للقومية اليهودية تنظيرا أيديولوجيا ماركسيا مزعوما، من الذكاء بحيث اتبعه وصدقه جموع العمال اليهودية.

ولكن مكمن الخطورة في الصهيونية الماركسية، كان جانب آخر لم يكشف عنه "بورخوف" سريعا، كانت خطورتها تكمن: في أنها هى التى وضعت الأساس النظرى العلمانى (غير الدينى) للصهيونية السياسية، حتى تقبل بفلسطين وطنا على أسس نظرية اقتصادية / علمانية وليس على أسس دينية / تاريخية محضة، وقدمت فلسطين في داخل سياق نظرى ماركسى كمكان يصلح لاحتضان الدولة اليهودية المقترحة، فقبلها كانت الصهيونية السياسية لهرتسل على استعداد للقبول بأى مكان، وكانت الدعاوى التى تطالب بفلسطين، يمكن أن نطلق عليها في إجمالها دعاوى مشحونة بدفعة عاطفية من تاريخ اليهود الدينى / القومى.

لكن الصهيونية الماركسية، كانت هى التى قدمت نظرية، جعلت اليسار اليهودى الماركسى يقبل بها، فبالنسبة للرجل اليهودى العامل في أوربا والذى كانت معظم أفكاره تنتمى لليسار العلمانى مثل العديد من عمال أوربات آنذاك، كان هناك بعض الرفض - يتراوح بين الشدة والضعف - لفكرة فلسطين كوطن قومى لليهود، باعتبارها فكرة رجعية تعتمد على التراث الدينى المرفوض من قبلهم، لكن جاءت الماركسية الصهيونية لتحسم الأمر، وتقدم لليسار اليهودى الصهيونى تحليلا ماركسيا نظريا، يجعل قبول فلسطين أمرا مستساغا عندهم.

ففى أغسطس 1917 م بعد أن أسس حزب "بوعلى زيون" بعدة سنوات (11 عاما)، طالب "بورخوف" في مؤتمر لنفس الحزب بتوطين اليهود في فلسطين على أسس اشتراكية [4]، وقدم أسباب اختياره لفلسطين على أسس علميه اقتصادية بحتة، وكانت من ضمن الأسباب التى جعلته يرى في فلسطين وطنا مناسبا لليهود! أنه وضع عدة شروط للبلد الذى يحقق الظروف الإنتاجية الأمثل للدولة اليهودية المقترحة مثل:

-        عدم جاذبية هذا البلد إلا لغير اليهود الكادحين.

-        يجب أن يكون بجوار هذه البلد أسواق لتصريف منتجات اليهود.

-        يجب أن يكون هذا البلد متخلفا شبه زراعى.

-        انحدار المستوى الثقافى والسياسى لهذا البلد.[5]

وهنا كان سر الداء في نظرية "بورخوف" لاستيطان اليهود في فلسطين، فهو منذ البداية، قدم لهم الآخر الفلسطينى / العربى / المسلم، في صورة الجاهل المتخلف الممكن استخدامه كسوق لتصريف المنتجات، وهى نظرية عنصرية / استغلالية، لا تتفق مع ما تقول به الماركسية من مساواة بين القوميات، ودعاوى إنسانية مفترضة يتحدث عنها المؤمنون بها! فهو حين وصف شعب فلسطين العربى بانحدار المستوى السياسى والثقافى، مهد لفكرة العنصرية (منتبها أو لم يكن منتبها)، ولفكرة تفوق الشعب اليهودى القادم من الحضارة الأوربية العلمانية والماركسية، نحو الشرق المتخلف (وهى نفس أفكار ومنطلقات النظرة الغربية الاستشراقية والاستعمارية الإمبريالية للعرب والمسلمين)، فلقد جاء بورخوف للشرق العربى المسلم، بنفس الدعاوى والمنطلقات التى كان يستخدمها ويتذرع بها الغرب الكولونيالى (الاستعمارى) الرأسمالى، ولكنه هذه المرة كان غربا كولونياليا استعماريا، ولكن على الطبعة والديباجة والشعارات والأفكار الصهيونية الماركسية، منتظرا أن يستقبله العرب الجهلة والسذج وفارغى العقول بالورود، وينضمون لمشروعه الصهيونى الماركسى الغربى الوافد لإنقاذهم وتطوير حياتهم..!

ثم في برنامجه التنفيذى، ومحاولة منه لتجميل عنصريته، حاول التخفيف من هذه اللهجة، ووضع العمال العرب (بصفته الماركسية لا القومية هنا) في حساباته، حين وضع عدة مبادئ لتنفيذ المشروع في الواقع منها: غياب العنصرية أو التفرقة الدينية أو العرقية (بين اليهود والعرب)، العمل المشترك بين العمال (العرب واليهود) ضد الرأسمالية العالمية، السعى لبناء دولة علمانية اشتراكية (كمرحلة من مراحل الماركسية الأممية) تقوم على الملكية الجماعية وتأميم كل وسائل الإنتاج (يملكها العرب واليهود معا)، العمل ضد البرجوازية اليهودية بصفتها جزء من البرجوازية العالمية، العمل على هجرة البرجوازية اليهودية الصغيرة التى ستتحول لطبقة عمالية (بروليتاريا)، وتكثيف هذه الهجرة وتنظيمها سياسيا بشكل مؤسسى منضبط وصارم.

وفى هذه الفقرة السابقة يتضح صفة هامة وخطيرة ستصبح فيما بعد هى القشة التى ستقصم ظهر البعير، فهو في الفقرة السابقة قدم للحركة الصهيونية الماركسية هدفين متناقضين، الأول: هو بناء الدولة اليهودية في فلسطين (كفكرة قومية)، والثانى: يطالب فيه جموع اليهود في تلك الدولة – بعد ذلك - بالتخلى عن فكرة القومية محركهم في المرحلة الأولى لبناء الدولة، والانضمام لعمل البروليتاريا العالمى ضد الرأسمالية والبرجوازية.

وكان "بورخوف" يسمى هذه النقطة في برنامجه الحد الأدنى (أى إقامة دولة اليهود على أرض فلسطين)، والحد الأقصى (أى التحول نحو الاشتراك في عمل الطبقة العاملة العالمية ضد الرأسمالية والبرجوازية)، وهذا له دور هام في تحليل أفكار ومرجعيات تيار "ما بعد الصهيونية" التى يقول دعاتها اليوم: دعونا الآن ننسى الماضى وآلامه، ونتحول لدولة ذات أيديولوجيا مغايرة، ومثل هذه الأفكار الجديدة / القديمة...، تحمل نفس المرجعية الماركسية الصهيونية كما في الأصل عند "بورخوف"، أو قد يطورها بعض مفكرى ما بعد الصهيونية نحو الليبرالية والديمقراطية، المهم أننا نرى في هذه النقطة (الدولة اليهودية أولا ثم العمل البروليتارى الثورى لاحقا) الأصل لمعظم تيارات ما بعد الصهيونية الموجودة حاليا في دولة المشروع الصهيونى "إسرائيل" على أرض فلسطين المحتلة.

هذه النقطة أيضا (المزج بين القومية والماركسية)، ستجعل الصهيونية الماركسية كعربة واحدة يجرها حصانان مختلفان، يسير كل منهما في اتجاه مضاد للآخر، ولكن الملاحظ (وفى ظاهرة ستكون مهمة لنا أيضا في تحليل اليسار في المرحلة الإسرائيلية) أن الانتصار سيكون دائما، في صالح حصان القومية اليهودية، بحيث ستصبح صفة التحول الأيديولوجى و جنوح الماركسية الصهيونية نحو اليمين العنصرى... صفة تاريخية تلازم الصهيونية الماركسية حتى الآن، وتجعلها تنكمش تنظيميا وحركيا في أضيق الحدود، حتى أصبحت حاليا مجرد نخبة محدودة، يمكن أن يعد أعضاؤها على أصابع اليد، لا تملك وجودا جماهيريا بين المستوطنين اليهود على أرض فلسطين المحتلة.

ويمكننا بنسب متفاوتة أن ننسب أو نرد معظم – إن لم يكن كل - أحزاب اليسار الصهيونى التى أنشأت في فلسطين، لـ "بورخوف" وحده، بداية من "الحزب الشيوعى الفلسطينى" الذى انشق عن حزب "بوعلى زيون" في الأصل، وحزب "بوعلى زيون" ذاته بالطبع، وحزب "أحدوت هاعفودا"، وحزب "هاشومير هاتسعير"، وهى الأحزاب التى فيما بعد مثلت كل أطياف اليسار الصهيونى في فلسطين، وشكلت "مباى" و"مبام"، ومن بعدهما "المعراخ" ثم أخيرا حزب "هاعفودا"، اتصفت هذه الأحزاب بأنها أخذت تجنح دائما نحو اليمين، تحت ضغط فكرة الاحتلال والاستيطان والسيطرة والعنصرية، وتغلب ذلك على فكرة المشاركة والحكم المشترك ووحدة عمل الطبقة العاملة العربية واليهودية، كما يعود لـ "بورخوف" أيضا أحزاب ما يسمى اليسار الراديكالى، والتى يمثلها حاليا حزب "ركاح" (القائمة الشيوعية الجديدة) والموجود بوصفه القوى الرئيسية داخل "حداش" (الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة).

  1. ^ بيير برخوف: مقالة "المسألة القومى والصراع الطبقى" المصدر: Zionism and Israel على الموقع : http://www.zionism-israel.com/hdoc/ber_borochov_national_question.htm "نسخة مؤرشفة". مؤرشف من الأصل في 2022-11-17. اطلع عليه بتاريخ 2023-11-19.{{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: BOT: original URL status unknown (link)
  2. ^ المسألة القومية والصراع الطبقى، مرجع سابق.
  3. ^ عزيز العظمة، اليسار الصهيونى: من بدايته حتى إعلان الدولة، مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، 1969، ص 46.
  4. ^ عبد الوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، دار الشروق، مصر، المجلد السادس، ص 218.
  5. ^ المرجع السابق، ص 220