بنيوية

من أرابيكا، الموسوعة الحرة
(بالتحويل من البنيوية)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

البنيوية (بالإنجليزية: Structuralism)‏أساسا منهج بحث مستخدم في عدة تخصصات علمية تقوم على دراسة العلاقات المتبادلة بين العناصر الأساسية المكونة لبنى يمكن أن تكون: عقلية مجردة، لغوية، اجتماعية، ثقافية.[1][2][3][4] بالتالي فإن البنيوية تصف مجموعة نظريات مطبقة في علوم ومجالات مختلفة مثل الإنسانيات والعلوم الاجتماعية والاقتصاد لكن ما يجمع جميع هذه النظريات هو تأكيدها على أن العلاقات البنيوية بين المصطلحات تختلف حسب اللغة/الثقافة وأن هذه العلاقات البنيوية بين المكونات والاصطلاحات يمكن كشفها ودراستها. بالتالي تصبح البنيوية مقاربة أو طريقة (منهج) ضمن التخصصات الأكاديمية بشكل عام يستكشف العلاقات الداخلية للعناصر الأساسية في اللغة، أو الأدب، أوالحقول المختلفة للثقافة بشكل خاص مما يجعلها على صلة وثيقة بالنقد الأدبي وعلم الإنسان الذي يعنى بدراسة الثقافات المختلفة. تتضمن دراسات البنيوية محاولات مستمرة لتركيب «شبكات بنيوية» أو بنى اجتماعية أو لغوية أو عقلية عليا. من خلال هذه الشبكات البنيوية يتم إنتاج ما يسمى «المعنى» (meaning) من خلال شخص معين أو نظام معين أو ثقافة معينة. يمكن اعتبار البنيوية كاختصاص أكاديمي أو مدرسة فلسفية بدأت حوالي 1958 وبلغت ذروتها في الستينات والسبعينات.

تاريخ البنيوية

برزت البنيوية في بدايتها في مطلع القرن التاسع عشر ضمن حقل علم النفس، لكن نجمها سطع فعلا في منتصف القرن العشرين حين لاقت شعبية منقطعة النظير مخترقة جميع أنواع العلوم والتخصصات. ظهرت البنيوية كمنهج ومذهب فكري على أنها ردة فعل على الوضع (الذري) (من ذرة: أصغر أجزاء المادة) الذي ساد العالم الغربي في بداية القرن العشرين، وهو وضع تغذى من وأنعكس على تشظي المعرفة وتفرعها إلى تخصصات دقيقة متعددة تم عزلها بعضها عن بعض لتجسد من ثم (إن لم تغذ) مقولة الوجوديين حول عزلة الإنسان وانفصامه عن واقعه والعالم من حوله، وشعوره بالإحباط والضياع والعبثية، ولذلك ظهرت الأصوات التي تنادي بالنظام الكلي المتكامل والمتناسق الذي يوحد ويربط العلوم بعضها ببعض، ومن ثم يفسر العالم والوجود ويجعله مرة أخرى بيئة مناسبة للإنسان.

ولا شك أن هذا المطلب مطلب (عقدي) إيماني، إذ أن الإنسان بطبعه بحاجة إلى (الإيمان). ولم يشبع هذه الرغبة ما كان وما زال سائدا من المعتقدات الأيديولوجية، خاصة الماركسية والنظرية النفسية الفرويدية، فقد افتقرت مثل تلك المذاهب إلى الشمول الكافي لتفسير الظواهر عامة، وكذلك إلى (العلمية) المقنعة، ظهرت البنيوية (ولعلها ما زالت) كمنهجية لها إيحاءاتها الإيديولوجية بما أنها تسعى لأن تكون منهجية شاملة توحد جميع العلوم في نظام إيماني جديد من شأنه أن يفسر علميا الظواهر الإنسانية كافة، علمية كانت أو غير علمية. من هنا كان للبنيوية أن ترتكز مرتكزا معرفيا (إبستيمولوجيا).

فاستحوذت علاقة الذات الإنسانية بلغتها وبالكون من حولها على اهتمام الطرح البنيوي في عموم مجالات المعرفة: الفيزياء، والرياضيات، والانثروبولوجيا، وعلم الاجتماع، والفلسفة والأدب. وركزت المعرفة البنيوية على كون (العالم) حقيقة واقعة يمكن للإنسان إدراكها. ولذلك توجهت البنيوية توجها شموليا إدماجيا يعالج العالم بأكمله بما فيه الإنسان. أبرز من عمل ضمن اطارها وعمل على تطويرها: فريديناند دي سوسير وكلود ليفي شتراوس.

مفاهيم البنيوية: تستند البنيوية إلى مجموعة من المصطلحات والمفاهيم الإجرائية في عملية الوصف والملاحظة والتحليل وهي أساسية في تفكيك النص وتركيبه كالنسق والنظام والبنية والداخل والعناصر والشبكة والعلاقات والثنائيات وفكرة المستويات وبنية التعارض والاختلاف والمحايثة والسانكرونية والدياكرونية والدال والمدلول والمحور التركيبي والمحور الدلالي والمجاورة والاستبدال والفونيم والمورفيم والمونيم والتفاعل، والتقرير والإيحاء، والتمفصل المزدوج.الخ. وهذه المفاهيم ستشتغل عليها فيما بعد كثير من المناهج النقدية ولاسيما السيميوطيقا الأدبية والأنتروبولوجيا والتفكيكية والتداوليات وجمالية القراءة والأسلوبية والموضوعاتية.

أنواع البنيوية:إذا تأملنا البنيوية جيدا وبعمق دقيق باعتبارها مقاربة ومنهجا وتصورا فإننا سنجد بنيويات عدة وليس بنيوية واحدة: فهناك البنيوية اللسانية مع دوسوسور ومارتنيه وهلمسليف وجاكبسون وتروبوتسكوي وهاريس وهوكيت وبلومفيلد. والبنيوية السردية Narratologie مع رولان بارت وكلود بريمون وجيرار جنيت. والبنيوية الأسلوبية stylistique مع ريفاتير وليو سبيتزر وماروزو وبيير غيرو، وبنيوية الشعر مع جان كوهن ومولينو وجوليا كريستيفا ولوتمان. والبنيوية الدراماتورجية أو المسرحية Dramaturgie مع هيلبو. أو البنيوية السينمائية مع كريستيان ميتز. والبنيوية السيميوطيقية مع غريماس وفيليب هامون وجوزيف كورتيس. والبنيوية النفسية مع جاك لاكان وشارل مورون، والبنيوية الأنتروبولوجية خاصة مع زعيمها كلود ليڤي شتراوس الفرنسي وفلاديمير بروب الروسي، والبنيوية الفلسفية مع جان بياجيه وميشيل فوكو وجاك دريدا ولوي ألتوسير.

البنيوية التكوينية: (Genetie Structuralism) البنيوية التكوينية، أو التوليدية، فرع من فروع البنيوية نشأ استجابة لسعي بعض المفكرين والنقاد الماركسيين للتوفيق بين طروحات البنيوية، في صيغتها الشكلية، وأسس الفكر الماركسي أو الجدلي، كما يسمى أحيانا، في تركيزه على التفسير المادي الواقعي للفكر والثقافة عموما. أسهم عدد من المفكرين في صياغة هذا الاتجاه منهم المجري جورج لوكاش، والفرنسي بيير بورديو. غير أن المفكر الأكثر إسهاما من غيره في تلك الصياغة هو الفرنسي الروماني الأصل لوسيان غولدمان. وكانت طروحات غولدمان نابعة وبشكل أكثر وضوحا من طروحات المفكر والناقد المجري جورج لوكاش الذي طور النظرية النقدية الماركسية باتجاهات سمحت لتيار كالبنيوية التكوينية بالظهور وعلى النحو الذي ظهرت به، في الوقت الذي أفاد فيه أيضا من دراسات عالم النفس السويسري جان بياجيه، وقد أشار غولدمان إلى تأثير بياجيه تحديدا في استعماله لمصطلح (البنيوية التكوينية): (لقد عرفنا أيضا العلوم الإنسانية الوضعية، وبتحديد أكثر المنهج الماركسي بتعبير مماثل تقريبا (استعرناه، علاوة على ذلك، من جان بياجيه)، هو البنيوية التكوينية.

خصائص المدرسة البنيوية

  • منهج تحليل شمولي يكشف العلاقات التي تعطي لعناصر البناء قيمة وضعها في كل منتظم.
  • يرتكز التحليل البنيوي على تحليل العناصر المكونة للموضوع وطريقة قيامها بوظائفها، ويترك المناهج الأخرى تتناول العالم الخارجي.
  • يهدف المنهج البنيوي إلى إعادة بناء الظاهرة على نحو موضوعي يكشف قوانينها ووظائفها، فالبنية نتيجة التحليل والتركيب.
  • تعدد المعنى حيث أن البنية تتسع لدلالات عدة تنتجها المستويات البنائية والعلاقات المعقدة في تفاعلها المستمر.
  • لا يهدف المنهج البنيوي إلى تقييم العمل الأدبي بالجودة أو الرداءة وإنما غايته التحليل الذي يكشف عن تجربة النص، نظامها، عناصرها، علاقاتها، ومستوياتها.[5]

الاتجاهات البنيوية

  • البنيوية النقدية: ترى أن الأدب نظاماً رمزياً يحوي اللغـة، فأعادوا تعريف العنصر الأساسي للبنى اللغوية (الإشـارة)، حيث أعلنوا أنها ليست اسماً لمسمى، وإنما هي كل مركب يربط الصورة السمعية (الـدال) بـالمفهوم (المدلول)، وجعل العلاقة بينهما اعتباطية. ورأوا أن "اللغة نظام من الإشارات تعبر عـن الأفكـار، فهي لذلك تقارن بنظام كتابة الأبجدية الصامتة، والطقوس الرمزية، والصيغ الـسياسية، والـشارات العسكرية... الخ. فحولوا الأدب إلى منطق مثل المسائل الحسابية
  • البنيوية الاجتماعية: نظرية نقدية تنطلق من حقيقة بديهية، مفادها أن الكتابة مستوى اجتماعي في مستويات اجتماعية أخرى وهي لا تترجم سوى حقائق زمنها، وتدور حول ثنائيات: الأدب والحياة، الأدب والمجتمع، الأدب والواقع الأدب والإنـسان، الأدب والتاريخ. الأمر الذي يؤكد على أنه لا قيمة للكتابة إلا عبر إضافتها إلى علاقة أخرى متغيـرة فـي المضمون والشكل داخل مجرى التاريخ وضفاف.
  • البنيوية الفلسفية: تستهدف البنيوية الحذر والحرص على الموضوعية فالنسق هو عبارة عـن تفكير بارد يفتقر إلى الحماس، لا علاقة له بأشخاص، شيد بعيداً عن الذات الفردية أو الجمعيـة ، ولا يعترف بوجود ذات قادرة على التعبير وعلى العمل المستقل، فالعلوم الإنسانية ليست سوى محطة في تاريخ الفكر الإنساني، والإنسان اختراع حديث العهد؛ صورة لا يتجاوز عمرها مئتي عام ، فهو مجرد انعطـاف وسيختفي بصفته موضوعًا للمعرفة، وذلك عندما تتخذ المعرفة شكلاً جديدًا آخر
  • البنيوية النفسية: انتقلـت البؤرة النقدية من سيكولوجية المؤلف – أو بديله ، أي الشخصية إلى سيكولوجية القارئ ، ومنها إلـى العلاقات بين المؤلف والقارئ والنص واللغة – والتسمية وضعها فرويد عندما بدل نهجه العلاجـي كعلاج يبغي الكشف عن الكبت والجهر بما كان قد جرى إنكاره، والـسبب الـذي يجعل التحدث عن الأدب أمراً مناسباً للتحليل النفسي ، هو أن لديه ما يقوله عن اللغة ، فهو أولاً وقبل كل شيء العلاج الناطق "إذ أن العلاج ينطلق من الحوار بين المريض والمحلل ، أما مادة التـشخيص فهي لغوية إلى حد بعيد" [6]

مراجع

  1. ^ "معلومات عن بنيوية على موقع psh.techlib.cz". psh.techlib.cz. مؤرشف من الأصل في 2019-12-14.
  2. ^ "معلومات عن بنيوية على موقع britannica.com". britannica.com. مؤرشف من الأصل في 2019-04-07.
  3. ^ "معلومات عن بنيوية على موقع vocab.getty.edu". vocab.getty.edu. مؤرشف من الأصل في 2020-02-13.
  4. ^ "البنيوية .. وانتاج المعنى -". 8 فبراير 2021. مؤرشف من الأصل في 2020-02-17. اطلع عليه بتاريخ 2021-04-13.ترجمة واعداد: ناطق خلوصي. أرنتروبوس.
  5. ^ جان بياجيه (1985م). البنيوي. بيروت: منشورات عويدات. ص. 9.
  6. ^ التيمومي (2013م). المدارس التاريخية الحديثة. بيروت: دار التنوير. ص. 153–155.
  • D'Andrade, R. 1995. The development of cognitive anthropology. Cambridge: Cambridge University Press.
  • Beth, E.W., and Piaget, J. (1966) Mathematical Epistemology and Psychology. Dordrecht: D. Reidel.
  • Francois Dosse. History of Structuralism (two volumes). University of Minnesota Press, 1998.
  • Kuper, A. 1988. The Invention of Primitive Society: Transformations of an Illusion. London: Routledge.
  • Laughlin, Charles D. and Eugene G. d'Aquili (1974) Biogenetic Structuralism. New York: Columbia University Press.
  • Leach, E. 1954. Political Systems of Highland Burma. London: Bell.
  • Leach, E. 1966. Rethinking Anthropology. Northampton: Dickens.
  • Levi-Strauss, C. 1969. The Elementary Structures of Kinship. London: Eyre and Spottis-woode.
  • Caws, P. 2000 Structuralism: A Philosophy for the Human Sciences New York: Humanity Books

انظر أيضًا