تضامنًا مع حق الشعب الفلسطيني |
استئذان (إسلام)
جزء من سلسلة مقالات حول |
الإسلام |
---|
بوابة الإسلام |
الاستئذان أدب من الآداب الاجتماعية،[1] التي تحفظ خصوصية الإنسان فيما لا يرغب أن يطلع عليه أحد، وذلك لحفظ الأعراض ورعاية الحقوق والحرمات من الانتهاك من قِبَل الآخرين[2]، وتعني طلب إباحة التصرف ممن له حق الإباحة.[3] فلا يدخل عليه أحد بيته إلا بإذنه، ولا يتصرف أحد في حق من حقوقه إلا بعد أن يأذن له. فالاستئذان أدب يحفظ للفرد حقه في خصوصيته فلا تكشف له عورة وينتهك له حرمه إلا بإذنه وبمعرفته. فالاستئذان عند دخول البيوت على سبيل المثال يحقق للبيوت حرمتها، ويجنب أهلها الحرج الواقع من المفاجأة والمباغتة والتأذي بانكشاف العورات.[4]
معنى الاستئذان
لغة
- ذكر علماء اللغة للفظ إذن استعمالات شتى، وأبرزها أنه يفيد معنى العلم أو الإعلام، يُقال: أذن به إذنًا وأذانة: أي علم.[5]
- قال ابن منظور: أذِن له في الشيء إذنًا: أباحه له.[6]
- قال الفيروزآبادي: أذن بالشيء: علم به، واستأذنه: طلب منه الإذن.[7]
اصطلاحًا
الاستئذان: «طلب الإذن، أو طلب إباحة التصرف ممن له حق الإباحة»[3]، وقد يعرّف بحسب نوع الاستئذان كتعريف الفقهاء للاستئذان عند دخول بيوت الآخرين أو عند دخول البالغين على محارمهم بقولهم: التماس الإذن تأدبًا خشية الاطلاع على عورة.[8] أو طلب الإذن في الدخول لمحل لا يملكه المستأذن.[9]
مصطلحات مقاربة
يعبر عن الاستئذان بألفاظ أخرى مثل: الإذن: «وهو فك الحَجْر، وإطلاق التصرف لمن كان ممنوعاًشرعاً».[10] الاستئناس: المراد به الاستئذان.[11]، وقد جاء في قوله تعالى في آداب دخول البيت لغير أهله: ﴿حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾ [النور:27]. ووجه التعبير عن الاستئذان بالاستئناس: أنه مثله في معنى،[12]، وقيل بل إن التعبير بالاستئناس قد يفيد معنى آخر غير الاستئذان، فهو استئذان وزيادة؛ لأن المعنى: حتى تستشعروا أنس أهل البيت بكم، ففيها إشارة لطيفة وهي أنه ينبغي للزائر أن يرجع إذا تبين له من حال صاحب البيت أنه لا يرغب دخوله وإن صرَّح بالإذن.[13] وعلى هذا يكون تعريف الاستئذان الذي هو لدخول البيوت: طلب الإذن للدخول ممن له حق الإذن والإباحة.[14] وقال قتادة ومجاهد: تستأْنسوا هو الاستئذان.[15]
الاستئذان في القرآن
وردت لفظة أَذن ومشتقاتها في القرآن 82 مرة، وفي 33 سورة، منها 21 مكية و 12 سورة مدنية، وهذا يدل على أهميتها.[16] واختصت الآيات المدنية بآداب الاستئذان لدخول البيوت وعلى أفراد الأسرة بعضهم على بعض.
حكم الاستئذان في الإسلام
قال النووي: أجمع العلماء أن الاستئذان مشروع وتظاهرت به دلائل القرآن والسنة وإجماع الأمة.[17] فقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا﴾ [النور:27] حيث إن (لَا) ناهية ونهى عن ذلك لما فيه من التصرف في ملك الغير بغير إذنه، فإن شاء أذن وإن شاء لم يأذن.[18] فظاهر الآية يدل على تحريم دخول بيوت الغير بغير إذن؛ لأن النهي المتجرّد عن القرائن يفيد التحريم على الأصح.[19][20]
الحكمة من الاستئذان
الاستئذان أدب رفيع يحفظ حرمات الناس، فلا يتيح الفرصة لأي إنسان أن يطَّلع على أحد بغير إذنه، حتى في حال الشبهة غير المتيقنة، فليس لأي أحد الاطلاع على الآخرين بغير إذنهم، ولهذا فالاستئذان مشروع عمومًا ومرغب فيه لحفظ حقوق الناس وخصوصاتهم حتى ولو كانوا من المحارم (كالأم والأخوات)؛ لقول النبي: «إنما جعل الاستئذان من أجل البصر» فهذا الحديث يؤخذ منه مشروعية الاستئذان على كل أحد حتى المحارم؛ لئلا تكون منكشفة العورة.[21] قال ابن بطال: إنما جُعِل -أي الاستئذان- خوفَ النظر إلى عورة المؤمن وما لا يحل منه.[22]
صور من الاستئذان
- الاستئذان عند دخول البيوت:
للبيوت حرمتها في الإسلام و لاصحاب البيت حقهم في أن لا يدخل عليهم أحد بدون أذنهم، قال الله تعالي: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾ [النور:27]. - الاستئذان بين أهل البيت:
ومن الأحكام الشرعية استئذان الأطفال والخدم عند دخولهم على الوالدين ونحوهم من المحارم في ثلاث أوقات خاصة وردت في القرآن حيث قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ٥٨﴾ [النور:58]. وهذه الأوقات الثلاثة من قبل صلاة الصبح وقت إبدال ثياب النوم بثياب اليقظة، وفي وقت الظهيرة حين تضعون ثيابكم للقيلولة، وبعد صلاة العشاء لأنه وقت نومكم وخلع ثياب اليقظة ولبس ثوب النوم،[23] أما البالغون فإنهم يستئذنون عند الدخول على المحارم في كل الأوقات. لقوله تعالى: ﴿وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ٥٩﴾ [النور:59]. وفي الاستئذان على المحارم من النساء كالأم، والأخت وغيرهن فلا يدخل عليهن في أماكن راحتهن وغرفهن حتى يستأذن عليهن بطرق الباب أو أي وسيلة أخرى، وفي الحديث: أن رجلًا سأل حذيفة فقال: أَأَسْتَأْذِنُ عَلَى أُمِّي؟ فَقَالَ: إِنْ لَمْ تَستَأذِنْ عَليهَا رَأيْتَ مَا تَكْرَه.[24] - استئذان البكر قبل تزويجها:
على ولي المرأة البكر أن يستئذن وليته قبل عقد نكاحها، وعُدّت موافقتها شرطاً لصحة النكاح. قال النبي: «لا تُنكحُ الأيِّمُ حتى تُستأمرَ، ولا تُنكحُ البِكرُ حتى تُستأذنَ، قالُوا: وكيف إذنُها؟ قال: أن تسكُت».[25]
من آداب الاستئذان عند دخول البيوت
هناك جملة من آداب الدخول على البيوت شرعت للحفاظ على العورات ومنها:
- السلام وقول المُستأذِن أأدخل: فقد جاء في الحديث: «أن رجلاً من بني عامر استأذن على النبي وهو في بيت فقال: أألج؟، فقال النبي لخادمه اخرج إلى هذا فعلِّمه الاستئذان. فقال له: قل: السلام عليكم، أأدخل، فسمعه الرجل فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فأذن له النبي فدخل».[26]
- الاستئذان ثلاثاً: لقول النبي: «إذا استأذن أحدكم ثلاثًا فلم يُؤذن له فليرجع». قال ابن عبد البر: السنة في الاستئذان ثلاث مرات لا يزاد عليها، ويحتمل أن يكون ذلك على معنى الإباحة والتخفيف على المستأذن، فمن استأذن أكثر من ثلاث مرات لم يحرج.[27] وأما الحكمة من الاستئذان ثلاثاَ، فقد قال بعض العلماء: إن الأُولى استعلام، والثانية تأكيد، والثالثة إعذار.[12] وإن لم يؤذن له بعد الثلاث ظهر أن ربَّ البيت لا يريد الإذن، أو لعله يمنعه من الجواب عنه عذر لا يمكنه قطعه. فينبغي أن ينصرف بعد الثلاث؛ لأن الزيادة تقلق رب المنزل، وربما يضره الإلحاح حتى ينقطع عما كان مشغولاً به.[28]
- مراعاة الأوقات في الاستئذان: فمن آداب الاستئذان اجتناب أوقات راحة الإنسان ونومه مثل: الأوقات المتأخرة من الليل أو المفاجأة، وقد جاء في حديث أنس: «أن النبي كان لا يطرق أهله ليلاً، وكان يأتيهم غدوة أو عشية» قال أهل اللغة: الطُروق بالضم المجيء بالليل من سفر أو من غيره على غفلة.[29]
- الرجوع عند عدم الإذن: إذا لم يؤذن للمستأذن فليرجع، فربما كان صاحب البيت لا يستطيع الاستقبال، قال تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا﴾ [النور:28].
مقالات ذات صلة
المراجع
- ^ مجلة البحوث الإسلامية، العدد 82: الاستئذان وأنواعه في ضوء السنّة، عبدالكريم الجاسم، 341.
- ^ إسلام ويب مقال بعنوان: الاستئذان في السنة النبوية. نسخة محفوظة 17 أكتوبر 2013 على موقع واي باك مشين.
- ^ أ ب معجم لغة الفقهاء، محمد رواس قلعة جي، حامد قنيبي،1405هـ _ 1985 م، دار النفائس، بيروت. ط 1، ص 53.
- ^ أحكام الاستئذان في السنة والقرآن، أحمد العريني، دار الوطن، ط1، ص14 .
- ^ المعجم الوسيط (1/ 11) مادة «أذن».
- ^ لسان العرب (9/ 13) مادة «أذن».
- ^ القاموس المحيط، الفيروز آبادي، مادة أذن.
- ^ أحكام الاستئذان في السنة والقرآن، أحمد العريني، دار الوطن، ط1، ص 12
- ^ فتح الباري، ابن حجر العسقلاني، ٥/١١.
- ^ كتاب التعريفات، علي بن محمد الجرجاني، 1990 م، مكتبة لبنان، بيروت، ص47.
- ^ القاموس الفقهي لغة واصطلاحا، سعدي أبو حبيب، دار الفكر. دمشق، ط2، 1408 هـ - 1988 م، ص 28.
- ^ أ ب أحكام القرآن لابن العربي (3/ 1359).
- ^ أحكام الاستئذان في السنة والقرآن، أحمد العريني، دار الوطن، ط1، ص21.
- ^ مجلة "تبيان" للدراسات القرآنية العدد18، 1436هـ، الاستئذان في سورة النور "دراسة موضوعية "، العباس بن حسين الحازمي، ص 33.
- ^ لسان العرب، ابن منظور، الناشر: دار صادر – بيروت، ط 1، 6/ 10.
- ^ الاستئذان في القرآن والسنة دراسة موضوعية، بحث متطلب لنيل درجةالماجستير، جامعة النجاح الوطنية، إعداد إسلام كمال سعيد، ص 19.
- ^ تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، أبو العلا محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفورى (المتوفى: 1353هـ)، دار الكتب العلمية - بيروت، ط1، 7/ 385.
- ^ تفسير القرآن العظيم، ابن كثير الدمشقي، ٣/ ٢٨١.
- ^ . أضواءالبيان،الشنقيطي،(١٦٩/٦)
- ^ انظر:أحكام الاستئذان في السنة والقرآن، أحمد العريني، دار الوطن، ط1، ص38.
- ^ انظر:أحكام الاستئذان في السنة والقرآن، أحمد العريني، دار الوطن، ط1، ص59.
- ^ شرح ابن بطال على صحيح البخاري 9/ 18.
- ^ المختصر في التفسير بإشراف مركز تفسير للدراسات القرآنية ص(357).
- ^ رواه البخاري في الأدب المفرد، صحيح الأدب المفرد برقم (810)، وحسنه الألباني.
- ^ رواه البخاري (5136)، ومسلم (1419).
- ^ أخرجه البخاري في الأدب المفرد، باب إذا قال: أدخل؟ ولم يسلّم (2/ 518 بشرحه، فضل االله الصمد)، وأبو داود في الأدب، باب كيف الاستئذان، وصححه الألباني صحيح سنن أبي داود 3/ 973.
- ^ التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، ابن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (المتوفى:463هـ) تحقيق: مصطفى العلوي، محمد البكري، الناشر: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية – المغرب، عام النشر: 1387 هـ، (3/ 197).
- ^ أحكام الاستئذان في السنة والقرآن، أحمد العريني، دار الوطن، ط1، ص47.
- ^ فتح الباري، ابن حجر العسقلاني، 9/ 251.
مصادر
- الاستئذان في القرآن والسنة دراسة موضوعية (تحميل الكتاب PDF)
- كتاب الآداب الشرعية (المكتبة الشاملة) (تحميل الكتاب PDF)