الدولة العباسية: الفرق بين النسختين

لا يوجد ملخص تحرير
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
 
سطر 105: سطر 105:
[[ملف:Baghdad 150 to 300 AH-ar.png|يمين|180بك|تصغير|مخطط بناء [[بغداد]] وتوسعها بين عامي [[767]] و[[912]]م الموافق [[150]] و[[300]]هـ.]]
[[ملف:Baghdad 150 to 300 AH-ar.png|يمين|180بك|تصغير|مخطط بناء [[بغداد]] وتوسعها بين عامي [[767]] و[[912]]م الموافق [[150]] و[[300]]هـ.]]
[[ملف:العبَّاس بن عبد المُطلب.png|تصغير|يرجع نسب الخلفاء العباسيين لعم النبي [[العباس بن عبد المطلب|العبَّاس بن عبد المُطلب]] وهو من أهل البيت. ]]
[[ملف:العبَّاس بن عبد المُطلب.png|تصغير|يرجع نسب الخلفاء العباسيين لعم النبي [[العباس بن عبد المطلب|العبَّاس بن عبد المُطلب]] وهو من أهل البيت. ]]
ويمكن إرجاع نضوج الدعوة العباسية إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وابنه إبراهيم الذي سجنه آخر الأمويين [[مروان بن محمد]] في مدينة [[حران (تركيا)|حران،]] إلى أن توفي عام [[746]]م،<ref>[http://islamtoday.net/bohooth/artshow-86-6797.htm الدعوة العباسية ودورها في نهاية الدولة الأموية]، بحوث ودراسات، 22 شباط 2011. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20200224044623/http://islamtoday.net/bohooth/errorpage.htm?aspxerrorpath=/bohooth/articles.aspx |date=24 فبراير 2020}}</ref> فتولى أخوه [[أبو العباس السفاح|أبو العباس]] شؤون الحركة العباسية، بناءً على دعوة [[أبو مسلم الخراساني|أبي مسلم الخراساني]]؛ فقد قام [[أبو مسلم الخراساني|أبو مسلم]] بإعلان قيام الدولة العباسية في [[خراسان الكبرى|خراسان،]] وحارب [[نصر بن سيار الكناني|نصر بن سيار]] الوالي الأموي فيها، وانتصر عليه، ثم احتلّ مدينة [[مرو الشاهجان|مرو،]] ومنها انتقل [[أبو العباس السفاح|أبو العباس]] إلى [[الكوفة]] في [[أغسطس]] سنة [[742]]م بشكل سري، وظل مختفيًا حتى [[29 أكتوبر]] [[750]]م، الموافق [[12 ربيع الأول]] سنة [[132 هـ|132هـ]] حين بايعه أهل [[الكوفة]] بالخلافة، لتدخل عملية خلق الدولة العباسية مرحلتها الأخيرة؛ إذ التقى إثر ذلك الجيش الأموي بقيادة [[مروان بن محمد|مروان بن محمد،]] وجيش العباسيين بقيادة [[أبو العباس السفاح|أبي العباس]] قرب [[نهر الزاب الكبير|نهر الزاب]] شمال العراق بين [[الموصل]] و[[أربيل]]، وكانت الغلبة للعباسيين، الذين أتموا فتح [[عراق العرب|العراق،]] وانتقلوا منها إلى [[بلاد الشام]] [[تاريخ مصر الإسلامية|فمصر؛]] حيث طاردوا فلول الجيش الأموي، وقتلوا الخليفة [[مروان بن محمد]] في معركة بوصير. وبفتحهم [[تاريخ مصر الإسلامية|مصرَ]] دانت لهم سائر الأمصار التي كانت تابعة للأمويين، وتأسست الدولة العباسية، ثالث مراحل [[خلافة إسلامية|تاريخ الخلافة]]، بعد [[الخلفاء الراشدون|الراشدية]] و[[الدولة الأموية|الأموية]]، وبويع [[أبو العباس السفاح|أبو العباس]] بالخلافة، ولقب بالسفّاح لكثرة سفكه الدماءَ،<ref>[http://islam.aljayyash.net/encyclopedia/book-6-22 خلافة أبو العباس السفاح]، موسوعة الأسرة المسلمة، 22 شباط 2011. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20171011224605/http://islam.aljayyash.net/encyclopedia/book-6-22 |date=11 أكتوبر 2017}}</ref> خصوصًا لدى دخوله [[دمشق]] حاضرة الأمويين؛ إذ نهب بيوت الأسرة الأموية والمقربين منها، وأحرق قصورهم، ثم نبش قبور خلفائهم، ولم ينج من الأسرة الأموية سوى [[عبد الرحمن الداخل|عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك]]، الذي انتقل إلى [[المغرب|المغرب،]] ثم دخل [[الأندلس|الأندلس،]] فاستقلَّ بها مؤسسًا حكمًا أمويًا فيها. أما [[أبو العباس السفاح]] فقد نقل عاصمة الدولة من حران التي كان [[مروان بن محمد]] قد نقل إليها عاصمة الدولة الأموية، إلى [[الكوفة]] رغم أنه لم يلبث بها إلا قليلًا، حتى انتقل للعيش في [[محافظة الأنبار|الأنبار]]، وإثر وفاته عام [[754]]م، ودفنه في [[محافظة الأنبار|الأنبار]]، أخذت البيعة لأخيه [[أبو جعفر المنصور|أبي جعفر المنصور،]] والذي كان [[أبو العباس السفاح|السفاح]] قد عينه [[ولي عهد|وليًّا للعهد]].<ref>[http://www.google.com/url?sa=t&source=web&cd=5&ved=0CDsQFjAE&url=http%3A%2F%2Fwww.bawazir.com%2FAbbasid-caliphate%2FAbu-jaafar-al-mansour-the-serious-ruler.htm&rct=j&q=%D8%A3%D8%A8%D9%88%20%D8%AC%D8%B9%D9%81%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B5%D9%88%D8%B1&ei=GQRkTenXO5DBtgfI95XPCw&usg=AFQjCNGfyo1k2aHiU7fMDCaDfzmdhzUzWg&cad=rja أبو جعفر المنصور، الحاكم الجاد]، موقع أسرة باوزير العباسية الهاشمية، 22 شباط 2011. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20230602014156/http://www.google.com/url?sa=t&source=web&cd=5&ved=0CDsQFjAE&url=http%3A%2F%2Fwww.bawazir.com%2FAbbasid-caliphate%2FAbu-jaafar-al-mansour-the-serious-ruler.htm&rct=j&q=%D8%A3%D8%A8%D9%88%20%D8%AC%D8%B9%D9%81%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B5%D9%88%D8%B1&ei=GQRkTenXO5DBtgfI95XPCw&usg=AFQjCNGfyo1k2aHiU7fMDCaDfzmdhzUzWg&cad=rja|date=2023-06-02}}</ref>
ويمكن إرجاع نضوج الدعوة العباسية إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وابنه إبراهيم الذي سجنه آخر الأمويين [[مروان بن محمد]] في مدينة [[حران (تركيا)|حران،]] إلى أن توفي عام [[746]]م،<ref>[http://islamtoday.net/bohooth/artshow-86-6797.htm الدعوة العباسية ودورها في نهاية الدولة الأموية]، بحوث ودراسات، 22 شباط 2011. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20200224044623/http://islamtoday.net/bohooth/errorpage.htm?aspxerrorpath=/bohooth/articles.aspx |date=24 فبراير 2020}}</ref> فتولى أخوه [[أبو العباس السفاح|أبو العباس]] شؤون الحركة العباسية، بناءً على دعوة [[أبو مسلم الخراساني|أبي مسلم الخراساني]]؛ فقد قام [[أبو مسلم الخراساني|أبو مسلم]] بإعلان قيام الدولة العباسية في [[خراسان الكبرى|خراسان،]] وحارب [[نصر بن سيار الكناني|نصر بن سيار]] الوالي الأموي فيها، وانتصر عليه، ثم احتلّ مدينة [[مرو الشاهجان|مرو،]] ومنها انتقل [[أبو العباس السفاح|أبو العباس]] إلى [[الكوفة]] في [[أغسطس]] سنة [[742]]م بشكل سري، وظل مختفيًا حتى [[29 أكتوبر]] [[750]]م، الموافق [[12 ربيع الأول]] سنة [[132 هـ|132هـ]] حين بايعه أهل [[الكوفة]] بالخلافة، لتدخل عملية خلق الدولة العباسية مرحلتها الأخيرة؛ إذ التقى إثر ذلك الجيش الأموي بقيادة [[مروان بن محمد|مروان بن محمد،]] وجيش العباسيين بقيادة [[أبو العباس السفاح|أبي العباس]] قرب [[نهر الزاب الكبير|نهر الزاب]] شمال العراق بين [[الموصل]] و[[أربيل]]، وكانت الغلبة للعباسيين، الذين أتموا فتح [[عراق العرب|العراق،]] وانتقلوا منها إلى [[بلاد الشام]] [[تاريخ مصر الإسلامية|فمصر؛]] حيث طاردوا فلول الجيش الأموي، وقتلوا الخليفة [[مروان بن محمد]] في معركة بوصير. وبفتحهم [[تاريخ مصر الإسلامية|مصرَ]] دانت لهم سائر الأمصار التي كانت تابعة للأمويين، وتأسست الدولة العباسية، ثالث مراحل [[خلافة إسلامية|تاريخ الخلافة]]، بعد [[الخلفاء الراشدون|الراشدية]] و[[الدولة الأموية|الأموية]]، وبويع [[أبو العباس السفاح|أبو العباس]] بالخلافة، ولقب بالسفّاح لكثرة سفكه الدماءَ،<ref>[http://islam.aljayyash.net/encyclopedia/book-6-22 خلافة أبو العباس السفاح]، موسوعة الأسرة المسلمة، 22 شباط 2011. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20171011224605/http://islam.aljayyash.net/encyclopedia/book-6-22 |date=11 أكتوبر 2017}}</ref> خصوصًا لدى دخوله [[دمشق]] حاضرة الأمويين؛ إذ نهب بيوت الأسرة الأموية والمقربين منها، وأحرق قصورهم، ثم نبش قبور خلفائهم، ولم ينج من الأسرة الأموية سوى [[عبد الرحمن الداخل|عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك]]، الذي انتقل إلى [[المغرب|المغرب،]] ثم دخل [[الأندلس|الأندلس،]] فاستقلَّ بها مؤسسًا حكمًا أمويًا فيها. أما [[أبو العباس السفاح]] فقد نقل عاصمة الدولة من حران التي كان [[مروان بن محمد]] قد نقل إليها عاصمة الدولة الأموية، إلى [[الكوفة]] رغم أنه لم يلبث بها إلا قليلًا، حتى انتقل للعيش في [[محافظة الأنبار|الأنبار]]، وإثر وفاته عام [[754]]م، ودفنه في [[محافظة الأنبار|الأنبار]]، أخذت البيعة لأخيه [[أبو جعفر المنصور|أبي جعفر المنصور،]] والذي كان [[أبو العباس السفاح|السفاح]] قد عينه [[ولي عهد|وليًّا للعهد]].


كانت فترة حكم [[أبو جعفر المنصور|المنصور]] توطيدًا لدعائم الدولة الجديدة؛ فقضى على الثورات المتلاحقة التي هددتها، وقتل [[أبو مسلم الخراساني|أبا مسلم الخراساني،]] مع كونه سبب حصول العباسيين على الخلافة خوفًا من امتداد نفوذه، وقضى على ثورة [[المدينة المنورة]]، التي بايع أهلها [[محمد النفس الزكية|محمدَ بنَ عبدِ الله بن الحسن،]] الملقب بالنفس الزكية، بالخلافة، وقضى على ثورات شبيهة في [[البصرة]] و[[واسط (توضيح)|واسط]] و[[الأهواز]]، كما قام بخلع ابن أخيه [[عيسى بن موسى]] من ولاية العهد، بعد أن استغله لسنوات في توطيد حكمه والقضاء على مخالفيه، لذا يصفه الباحث عبد القادر عيّاش بالقول بأن [[أبو جعفر المنصور|أبا جعفر المنصور]] أعظم رجل من العباسيين، شدة وبأسًا ويقظة وثباتًا؛ شحن الثغور والأطراق، وأمن السبل، وعرف بميله إلى الاقتصاد في النفقات، حتى امتلأت خزائنه، تاركًا لابنه [[أبو عبد الله المهدي|المهدي]] ثروة جعلته ينفق في سعة.<ref>حضارة وادي الفرات، عبد القادر عياش، دار الأهالي، دمشق 1996، ص.270</ref> ومن الأعمال العمرانية الهامة التي ارتبطت به تشييده مدينة [[بغداد]] على [[دجلة|نهر دجلة،]] ونقله عاصمة الخلافة إليها، وظل مقيمًا بها إلى أن توفي في [[7 أكتوبر]] سنة [[775]]م، الموافق [[6 ذو الحجة|6 ذي الحجة]] سنة [[158 هـ|158هـ]]،<ref>[http://www.google.com/url?sa=t&source=web&cd=4&ved=0CDYQFjAD&url=http%3A%2F%2Fislam.aljayyash.net%2Fencyclopedia%2Fbook-6-23&rct=j&q=%C8%E4%C7%C1%20%C8%DB%CF%C7%CF&ei=cwRkTdeiEIa4tgehibW-DA&usg=AFQjCNHTDAT2B41-wQFmZuYBXcyVEQyBGg&cad=rja خلافة أبي جعفر المنصور]، الموسوعة المسلمة، 22 شباط 2011. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20230607162223/http://www.google.com/url?sa=t&amp;source=web&amp;cd=4&amp;ved=0CDYQFjAD&amp;url=http%3A%2F%2Fislam.aljayyash.net%2Fencyclopedia%2Fbook-6-23&amp;rct=j&amp;q=%C8%E4%C7%C1%20%C8%DB%CF%C7%CF&amp;ei=cwRkTdeiEIa4tgehibW-DA&amp;usg=AFQjCNHTDAT2B41-wQFmZuYBXcyVEQyBGg&amp;cad=rja|date=2023-06-07}}</ref> في قصر الخلد الذي شيَّده مقابل [[دجلة|نهر دجلة]]. أما على الصعيد الديني فقد توفي خلال عهده الإمام [[أبو حنيفة النعمان]] مؤسس [[حنفية|المذهب الحنفي]] لدى [[أهل السنة والجماعة|السنة]]. وقد تلا [[أبو جعفر المنصور|المنصور]] في الخلافة ابنُه [[المهدي|محمد المهدي،]] والذي اهتم بالخدمات الداخلية؛ فنظم البريد والطرقات، وأصلح الزراعة، ونقل عنه رفاهة الشعب وعدالة القضاء الذي كان يرأسه بنفسه، كما نقل عن المهدي ورعه وميله للالتزام [[الشريعة الإسلامية|بالشريعة]]، والعناية بالفقراء وأصحاب الأمراض والمساجين في جميع أنحاء الدولة، ممهدًا بذلك لبدء العصر الذهبي لسلالة آل العباس.<ref>حضارة وادي الفرات، مرجع سابق، ص.270-271</ref>
كانت فترة حكم [[أبو جعفر المنصور|المنصور]] توطيدًا لدعائم الدولة الجديدة؛ فقضى على الثورات المتلاحقة التي هددتها، وقتل [[أبو مسلم الخراساني|أبا مسلم الخراساني،]] مع كونه سبب حصول العباسيين على الخلافة خوفًا من امتداد نفوذه، وقضى على ثورة [[المدينة المنورة]]، التي بايع أهلها [[محمد النفس الزكية|محمدَ بنَ عبدِ الله بن الحسن،]] الملقب بالنفس الزكية، بالخلافة، وقضى على ثورات شبيهة في [[البصرة]] و[[واسط (توضيح)|واسط]] و[[الأهواز]]، كما قام بخلع ابن أخيه [[عيسى بن موسى]] من ولاية العهد، بعد أن استغله لسنوات في توطيد حكمه والقضاء على مخالفيه، لذا يصفه الباحث عبد القادر عيّاش بالقول بأن [[أبو جعفر المنصور|أبا جعفر المنصور]] أعظم رجل من العباسيين، شدة وبأسًا ويقظة وثباتًا؛ شحن الثغور والأطراق، وأمن السبل، وعرف بميله إلى الاقتصاد في النفقات، حتى امتلأت خزائنه، تاركًا لابنه [[أبو عبد الله المهدي|المهدي]] ثروة جعلته ينفق في سعة.<ref>حضارة وادي الفرات، عبد القادر عياش، دار الأهالي، دمشق 1996، ص.270</ref> ومن الأعمال العمرانية الهامة التي ارتبطت به تشييده مدينة [[بغداد]] على [[دجلة|نهر دجلة،]] ونقله عاصمة الخلافة إليها، وظل مقيمًا بها إلى أن توفي في [[7 أكتوبر]] سنة [[775]]م، الموافق [[6 ذو الحجة|6 ذي الحجة]] سنة [[158 هـ|158هـ]]، في قصر الخلد الذي شيَّده مقابل [[دجلة|نهر دجلة]]. أما على الصعيد الديني فقد توفي خلال عهده الإمام [[أبو حنيفة النعمان]] مؤسس [[حنفية|المذهب الحنفي]] لدى [[أهل السنة والجماعة|السنة]]. وقد تلا [[أبو جعفر المنصور|المنصور]] في الخلافة ابنُه [[المهدي|محمد المهدي،]] والذي اهتم بالخدمات الداخلية؛ فنظم البريد والطرقات، وأصلح الزراعة، ونقل عنه رفاهة الشعب وعدالة القضاء الذي كان يرأسه بنفسه، كما نقل عن المهدي ورعه وميله للالتزام [[الشريعة الإسلامية|بالشريعة]]، والعناية بالفقراء وأصحاب الأمراض والمساجين في جميع أنحاء الدولة، ممهدًا بذلك لبدء العصر الذهبي لسلالة آل العباس.<ref>حضارة وادي الفرات، مرجع سابق، ص.270-271</ref>


=== العصر الذهبي (785 -847) ===
=== العصر الذهبي (785 -847) ===
سطر 158: سطر 158:
وفق أكثر النظريات انتشارًا؛ فإن [[الدولة السلجوقية|السلاجقة]] هم جمهرة من القبائل التركية الرحل المحاربة، كانت تستقر في [[الصين|الصين،]] وانتقلت منها إلى [[بخارى|بخارى؛]] حيث اعتنقت [[الإسلام]] في عهد مؤسسها سلجوق،<ref>أخبار الدولة السلجوقية. صدر الدين الحسيني. ت. محمد اقبال. دار الآفاق الجديدة: بيروت 1984.</ref> ثم استطاعت تحت زعامة [[طغرل بك]] السيطرة التدريجية على أملاك [[الدولة الغزنوية|الدولة الغزنوية،]] ثم الدخول إلى [[بغداد]] بناءً على طلب الخليفة، الذي عين [[طغرل بك]] سلطانًا، وخطب باسمه في [[15 ديسمبر|15 ديسمبر،]] سنة [[1055]]م، الموافق [[22 رمضان]]، سنة [[447 هـ|447هـ]]، ولقبه «بملك المشرق والمغرب»، وزوجه ابنته.<ref>[http://www.islamstory.com/%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D8%AC%D9%82%D8%A9 الدولة السلجوقية]، قصة الإسلام، 1 آذار 2011. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20200308171537/http://islamstory.com/ |date=8 مارس 2020}}</ref>
وفق أكثر النظريات انتشارًا؛ فإن [[الدولة السلجوقية|السلاجقة]] هم جمهرة من القبائل التركية الرحل المحاربة، كانت تستقر في [[الصين|الصين،]] وانتقلت منها إلى [[بخارى|بخارى؛]] حيث اعتنقت [[الإسلام]] في عهد مؤسسها سلجوق،<ref>أخبار الدولة السلجوقية. صدر الدين الحسيني. ت. محمد اقبال. دار الآفاق الجديدة: بيروت 1984.</ref> ثم استطاعت تحت زعامة [[طغرل بك]] السيطرة التدريجية على أملاك [[الدولة الغزنوية|الدولة الغزنوية،]] ثم الدخول إلى [[بغداد]] بناءً على طلب الخليفة، الذي عين [[طغرل بك]] سلطانًا، وخطب باسمه في [[15 ديسمبر|15 ديسمبر،]] سنة [[1055]]م، الموافق [[22 رمضان]]، سنة [[447 هـ|447هـ]]، ولقبه «بملك المشرق والمغرب»، وزوجه ابنته.<ref>[http://www.islamstory.com/%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D8%AC%D9%82%D8%A9 الدولة السلجوقية]، قصة الإسلام، 1 آذار 2011. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20200308171537/http://islamstory.com/ |date=8 مارس 2020}}</ref>


وإثر وفاته عام [[1063]]م، كان [[طغرل بك]] قد حقق استقرارًا سياسيًّا واقتصاديًّا في الأوضاع، وقد خلفه [[ألب أرسلان]] الذي امتد حكمه حتى [[القدس|القدس،]] واستطاع عقب انتصاره في [[معركة ملاذكرد]] تأسيس دولة سلجوقية في [[الأناضول|الأناضول،]] هي الأولى من نوعها،<ref>كتاب «دولة السلاجقة: وبروز مشروع إسلامي لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي» ل[[علي الصلابي|علي محمد الصلابي]]، الطبعة الأولى 2006، دار المعرفة بيروت - لبنان.</ref> غير أنه قتل في إحدى معاركه عام [[1064|1064م،]] وتلاه ابنه [[جلال الدولة ملك شاه|جلال الدولة ملكشاه]]، الذي شهدت سلطنته وفاة الخليفة [[عبد الله القائم بأمر الله|القائم بأمر الله،]] بعد خلافة استمرت خمسة وأربعين عامًا، تعكس الاستقرار وتحسن الأوضاع المعيشية، وبويع [[عبد الله المقتدي بأمر الله|المقتدي بأمر الله]] بالخلافة. وقد اهتم [[جلال الدولة ملك شاه|ملكشاه]] بالعلوم والفنون، وشيَّد في [[بغداد]] مرصدًا فلكيًّا، ومسجدًا كبيرًا دعي: «جامع السلطان».<ref>[https://books.google.com.lb/books?id=MSLZDwAAQBAJ&pg=PA33&lpg=PA33&dq=%D9%88%D9%82%D8%AF+%D8%A7%D9%87%D8%AA%D9%85+%D9%85%D9%84%D9%83%D8%B4%D8%A7%D9%87+%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%88%D9%85+%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86%D9%88%D9%86+%D9%88%D8%B4%D9%8A%D9%91%D8%AF+%D9%81%D9%8A+%D8%A8%D8%BA%D8%AF%D8%A7%D8%AF+%D9%85%D8%B1%D8%B5%D8%AF%D9%8B%D8%A7+%D9%81%D9%84%D9%83%D9%8A%D9%8B%D8%A7+%D9%88%D9%85%D8%B3%D8%AC%D8%AF%D9%8B%D8%A7+%D9%83%D8%A8%D9%8A%D8%B1%D9%8B%D8%A7+%D8%AF%D8%B9%D9%8A+%C2%AB%D8%AC%D8%A7%D9%85%D8%B9+%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%86%C2%BB&source=bl&ots=zk2gG27FXH&sig=ACfU3U1ajAI1w2KP2bvQ1zgjNoGMmdcwPw&hl=en&sa=X&ved=2ahUKEwjy3tnpk5fsAhVDOBoKHcklB3IQ6AEwA3oECAkQAg#v=onepage&q=%D9%88%D9%82%D8%AF%20%D8%A7%D9%87%D8%AA%D9%85%20%D9%85%D9%84%D9%83%D8%B4%D8%A7%D9%87%20%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%88%D9%85%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86%D9%88%D9%86%20%D9%88%D8%B4%D9%8A%D9%91%D8%AF%20%D9%81%D9%8A%20%D8%A8%D8%BA%D8%AF%D8%A7%D8%AF%20%D9%85%D8%B1%D8%B5%D8%AF%D9%8B%D8%A7%20%D9%81%D9%84%D9%83%D9%8A%D9%8B%D8%A7%20%D9%88%D9%85%D8%B3%D8%AC%D8%AF%D9%8B%D8%A7%20%D9%83%D8%A8%D9%8A%D8%B1%D9%8B%D8%A7%20%D8%AF%D8%B9%D9%8A%20%C2%AB%D8%AC%D8%A7%D9%85%D8%B9%20%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%86%C2%BB&f=false تاريخ الدولة العباسية، الجزء الثاني، ص 33]. مركز المكتب الأكاديمي. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20201003002545/https://books.google.com.lb/books?id=MSLZDwAAQBAJ&pg=PA33&lpg=PA33&dq=وقد+اهتم+ملكشاه+بالعلوم+والفنون+وشيّد+في+بغداد+مرصدًا+فلكيًا+ومسجدًا+كبيرًا+دعي+«جامع+السلطان»&source=bl&ots=zk2gG27FXH&sig=ACfU3U1ajAI1w2KP2bvQ1zgjNoGMmdcwPw&hl=en&sa=X&ved=2ahUKEwjy3tnpk5fsAhVDOBoKHcklB3IQ6AEwA3oECAkQAg#v=onepage&q=وقد%20اهتم%20ملكشاه%20بالعلوم%20والفنون%20وشيّد%20في%20بغداد%20مرصدًا%20فلكيًا%20ومسجدًا%20كبيرًا%20دعي%20«جامع%20السلطان»&f=false |date=3 أكتوبر 2020}}</ref> وقد برز في عهده أيضًا [[عمر الخيام|عمر الخيام،]] كما ثار [[قرامطة|القرامطة]] في [[البصرة]] في عهده عدة مرات، وبوفاته عام [[1092]]م أخذت الدولة السلجوقية بفقدان قوتها؛ إذ تفرقت إلى عدة دول مستقلة في [[بلاد الشام]] و[[عراق العرب|العراق]] و[[بلاد فارس]] وغيرها، بل تحولت الساحة إلى دسائسَ، وتحالفات بين الملوك السلاجقة ضد بعضهم البعض، بهدف توسيع إمارتهم.
وإثر وفاته عام [[1063]]م، كان [[طغرل بك]] قد حقق استقرارًا سياسيًّا واقتصاديًّا في الأوضاع، وقد خلفه [[ألب أرسلان]] الذي امتد حكمه حتى [[القدس|القدس،]] واستطاع عقب انتصاره في [[معركة ملاذكرد]] تأسيس دولة سلجوقية في [[الأناضول|الأناضول،]] هي الأولى من نوعها،<ref>كتاب «دولة السلاجقة: وبروز مشروع إسلامي لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي» ل[[علي الصلابي|علي محمد الصلابي]]، الطبعة الأولى 2006، دار المعرفة بيروت - لبنان.</ref> غير أنه قتل في إحدى معاركه عام [[1064|1064م،]] وتلاه ابنه [[جلال الدولة ملك شاه|جلال الدولة ملكشاه]]، الذي شهدت سلطنته وفاة الخليفة [[عبد الله القائم بأمر الله|القائم بأمر الله،]] بعد خلافة استمرت خمسة وأربعين عامًا، تعكس الاستقرار وتحسن الأوضاع المعيشية، وبويع [[عبد الله المقتدي بأمر الله|المقتدي بأمر الله]] بالخلافة. وقد اهتم [[جلال الدولة ملك شاه|ملكشاه]] بالعلوم والفنون، وشيَّد في [[بغداد]] مرصدًا فلكيًّا، ومسجدًا كبيرًا دعي: «جامع السلطان». وقد برز في عهده أيضًا [[عمر الخيام|عمر الخيام،]] كما ثار [[قرامطة|القرامطة]] في [[البصرة]] في عهده عدة مرات، وبوفاته عام [[1092]]م أخذت الدولة السلجوقية بفقدان قوتها؛ إذ تفرقت إلى عدة دول مستقلة في [[بلاد الشام]] و[[عراق العرب|العراق]] و[[بلاد فارس]] وغيرها، بل تحولت الساحة إلى دسائسَ، وتحالفات بين الملوك السلاجقة ضد بعضهم البعض، بهدف توسيع إمارتهم.


لا شكّ أن تكلفة هذه الحروب الداخلية المستمرة، لم تؤثر فقط على الاستقرار الاجتماعي في البلاد؛ فقد أثرت على الوضع الاقتصادي أيضًا بسبب كلفتها الباهظة، ما سهَّل تحقيق انتصار [[الحملة الصليبية الأولى]] عام [[1098]]م، وكان المستظهر بالله حينها يشغل منصب الخليفة منذ عام [[1094]]م.<ref>[http://www.hadielislam.com/arabic/?pg=articles%2Farticle&id=9151 خلافة المستظهر بالله]، موقع هدي الإسلام، 1 آذار 2011. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20200225153521/http://www.hadielislam.com/arabic/?pg=articles%2Farticle&id=9151 |date=25 فبراير 2020}} {{وصلة مكسورة|تاريخ=2020-10-13|bot=JarBot}}</ref>
لا شكّ أن تكلفة هذه الحروب الداخلية المستمرة، لم تؤثر فقط على الاستقرار الاجتماعي في البلاد؛ فقد أثرت على الوضع الاقتصادي أيضًا بسبب كلفتها الباهظة، ما سهَّل تحقيق انتصار [[الحملة الصليبية الأولى]] عام [[1098]]م، وكان المستظهر بالله حينها يشغل منصب الخليفة منذ عام [[1094]]م.<ref>[http://www.hadielislam.com/arabic/?pg=articles%2Farticle&id=9151 خلافة المستظهر بالله]، موقع هدي الإسلام، 1 آذار 2011. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20200225153521/http://www.hadielislam.com/arabic/?pg=articles%2Farticle&id=9151 |date=25 فبراير 2020}} {{وصلة مكسورة|تاريخ=2020-10-13|bot=JarBot}}</ref>
سطر 371: سطر 371:
[[ملف:Cut sugarcane.jpg|يسار|250بك|تصغير|سوق [[قصب السكر]]: عرف العباسيون صناعة السكر منه، وخلال [[حملات صليبية|الحملات الصليبية]] انتقلت الصناعة إلى [[أوروبا]] مع جملة الصناعات الأخرى التي أخذها الصليبيون من المسلمون.]]
[[ملف:Cut sugarcane.jpg|يسار|250بك|تصغير|سوق [[قصب السكر]]: عرف العباسيون صناعة السكر منه، وخلال [[حملات صليبية|الحملات الصليبية]] انتقلت الصناعة إلى [[أوروبا]] مع جملة الصناعات الأخرى التي أخذها الصليبيون من المسلمون.]]
[[ملف:Baghdad old Abbasid Minaret.jpg|يمين|250بك|تصغير|بقايا سوق الغزال، وتظهر في الصورة مئذنة مسجد الخليفة، والذي يعود بناؤه لعهد [[علي المكتفي بالله|المكتفي بالله]] ([[901]] -[[907]])، وقد دعي هذا السوق لاحقًا باسم «البازار».]]
[[ملف:Baghdad old Abbasid Minaret.jpg|يمين|250بك|تصغير|بقايا سوق الغزال، وتظهر في الصورة مئذنة مسجد الخليفة، والذي يعود بناؤه لعهد [[علي المكتفي بالله|المكتفي بالله]] ([[901]] -[[907]])، وقد دعي هذا السوق لاحقًا باسم «البازار».]]
ويمكن التمييز بين نوعين من المدن: المدن الكبرى؛ [[حلب|كحلب]] و[[القاهرة|القاهرة،]] والمدن الأصغر حجمًا وأقل أهمية؛ [[طرابلس|كطرابلس]]. أما كبرى المدن فكانت [[بغداد]]، وقد وصل عدد سكانها في [[القرن 9|القرن التاسع]] إلى مليون نسمة، لتكون أكبر مدينة في العالم.<ref>[http://www.google.com/url?sa=t&source=web&cd=6&ved=0CFIQFjAF&url=http%3A%2F%2Fwww.iraqnaa.com%2Faniraq%2Fbag.htm&ei=_w2rTaL1I4TQsAPvgKX7DA&usg=AFQjCNEHWYiWIsIHlUC8qx4OEqAo-Zvw3w مدينة بغداد]، تاريخ العراق، 17 نيسان 2011. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20200623053726/http://www.iraqnaa.com/aniraq/bag.htm |date=23 يونيو 2020}}</ref> وكان السوق في المدن الصغرى مختلطًا بجميع أنواع السلع، أما في المدن الكبرى فكان هناك عدة أسواق؛ كسوق الوراقين وسوق النجارين وسوق الخضار وسواها، ويشرف على كل سوق مجموعة من العمال؛ يشرفون على نظافة السوق، والتأكد من عدم غش التجار بالموازين، كما يشرفون على الآداب العامة، مع تخصيص أماكن لبيع [[خمر|الخمور]] وغيرها من منكرات [[الشريعة الإسلامية]]. كما نظم عمال الصناعة أنفسهم فيما دعي «الطوائف الصناعية»، وهي أشبه بالنقابات في عصرنا الحالي، ومهامها الحفاظ على حقوق العاملين في المهنة، وتشرف على تعليم الراغبين بامتهانها أصول المهنة.<ref>[http://www.google.com/url?sa=t&source=web&cd=1&ved=0CBMQFjAA&url=http%3A%2F%2Fwww.islamonline.net%2Fservlet%2FSatellite%3Fc%3DArticleA_C%26pagename%3DZone-Arabic-ArtCulture%252FACALayout%26cid%3D1184649208790&ei=0AyrTcHPCo6CsQPJ4KX6DA&usg=AFQjCNE7mlOW9HByucSC4cVtKgKXxObdyw الحركة النقابية]، إسلام أون لاين، 17 نيسان 2011. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20200526110650/https://archive.islamonline.net/5802 |date=26 مايو 2020}}</ref> ومع تراجع وضع الدولة الاقتصادي ازداد الفقر فازدادت الفاقة، ولم تستطع التكايا المخصصة لرعاية الفقراء من أداء واجباتها كما كانت في السابق. وتشير الأدبيات العباسية، بعد [[القرن 9|القرن التاسع]]، إلى انتشار الفساد والرشوة حتى في سلك القضاء. ومن أسباب الانهيار الاقتصادي تكلفة الحروب المتواصلة، سواءٌ بين [[الدولة السلجوقية|السلاجقة]] أنفسهم أم مع [[حملات صليبية|الصليبيين]]، وسوى ذلك فقد ضرب القحط والجفاف [[عراق العرب|العراق]] و[[بلاد الشام]] فترة طويلة، وزلزلت المنطقة عدة مرات [[زلزال|بهزات أرضية]]، ومحصلة القول: إن ضعف الدولة العباسية كان في أحد شقوقه اقتصاديًّا.
ويمكن التمييز بين نوعين من المدن: المدن الكبرى؛ [[حلب|كحلب]] و[[القاهرة|القاهرة،]] والمدن الأصغر حجمًا وأقل أهمية؛ [[طرابلس|كطرابلس]]. أما كبرى المدن فكانت [[بغداد]]، وقد وصل عدد سكانها في [[القرن 9|القرن التاسع]] إلى مليون نسمة، لتكون أكبر مدينة في العالم. وكان السوق في المدن الصغرى مختلطًا بجميع أنواع السلع، أما في المدن الكبرى فكان هناك عدة أسواق؛ كسوق الوراقين وسوق النجارين وسوق الخضار وسواها، ويشرف على كل سوق مجموعة من العمال؛ يشرفون على نظافة السوق، والتأكد من عدم غش التجار بالموازين، كما يشرفون على الآداب العامة، مع تخصيص أماكن لبيع [[خمر|الخمور]] وغيرها من منكرات [[الشريعة الإسلامية]]. كما نظم عمال الصناعة أنفسهم فيما دعي «الطوائف الصناعية»، وهي أشبه بالنقابات في عصرنا الحالي، ومهامها الحفاظ على حقوق العاملين في المهنة، وتشرف على تعليم الراغبين بامتهانها أصول المهنة. ومع تراجع وضع الدولة الاقتصادي ازداد الفقر فازدادت الفاقة، ولم تستطع التكايا المخصصة لرعاية الفقراء من أداء واجباتها كما كانت في السابق. وتشير الأدبيات العباسية، بعد [[القرن 9|القرن التاسع]]، إلى انتشار الفساد والرشوة حتى في سلك القضاء. ومن أسباب الانهيار الاقتصادي تكلفة الحروب المتواصلة، سواءٌ بين [[الدولة السلجوقية|السلاجقة]] أنفسهم أم مع [[حملات صليبية|الصليبيين]]، وسوى ذلك فقد ضرب القحط والجفاف [[عراق العرب|العراق]] و[[بلاد الشام]] فترة طويلة، وزلزلت المنطقة عدة مرات [[زلزال|بهزات أرضية]]، ومحصلة القول: إن ضعف الدولة العباسية كان في أحد شقوقه اقتصاديًّا.


مساحة الدولة المترامية الأطراف، وتمركزها في قلب [[العالم القديم]]، جعل من أراضيها معبرًا تجاريًّا وممرًّا لقوافل البضائع بين [[شرق آسيا|الشرق الأقصى]] و[[أوروبا]]، ولعلّ [[طريق الحرير|طريق الحرير،]] الذي يعود لفترة ما [[قبل الميلاد]] أشهرها، وقد اشتهر بتجارة التوابل والعطور، وكذلك الطريق الجنوبي نحو [[إفريقيا|أفريقيا؛]] حيث كان التجار يسوقون بضائعهم مقابل الحصول على الذهب الذي اشتهرت به تلك الأصقاع، خصوصًا مملكة [[غانا]] وقبائل [[السودان]] الوثنية، كما نشطت خلال هذا الطريق تجارة الرقيق. وقد ارتبطت الدولة العباسية بعلاقات جيدة مع الممالك المتعاقبة في [[إثيوبيا|أثيوبيا]] حاليًا وأشهرها مملكة النوبة، والتي سمحت للعباسيين التنقيب عن [[ذهب|الذهب]] و[[زمرد|الزمرد]] في أراضيها، كما كان هناك طريق تجاري بحري يربط [[البصرة]] جنوب [[عراق العرب|العراق]] بالساحل الإيراني، ومنه نحو [[الهند]] و[[الصين|الصين،]] وكانت الرحلة به تستغرق ستة أشهر. كانت الدولة تفرض إتاوات على القوافل، ما أمّن لها قطاعًا نقديًا ثابتًا للخزينة، غير أنه في زمن الخلافة العباسية في القاهرة، اكتشف [[البرتغال]]يون [[رأس الرجاء الصالح]]، فتحولت مع الاكتشاف الجديد طرق التجارة صوب نصف الكرة الجنوبي، ما أدَّى، آنذاك، إلى فقدان الدولة موقعها كمتحكم بالطرق التجارية، فأدى ذلك إلى زيادة الوضع الاقتصادي، خلال العهد المملوكي، تدهورًا. وعمومًا؛ فإن العهد المملوكي لم يتميز قط بازدهار اقتصادي، ويضرب المؤرخون مثالًا على ذلك بأن عدد سكان [[تاريخ مصر الإسلامية|مصر]] و[[بلاد الشام]] قد انخفض إلى الثلث عمَّا كان الوضع عليه قبل استلام [[الدولة المملوكية|المماليك]] السلطةَ.<ref>سوريا صنع دولة، مرجع سابق، ص.172</ref> ويعود ذلك بشكل رئيسي للفساد المالي، واحتكار الثروة، والصراعات بين المماليك أنفسهم، علمًا بأن المماليك قد تمتعوا باستقرار سياسيٍّ، بعد هزيمة المغول عام [[1261|1261م،]] وجلاء الصليبيين عام [[1291]]م.
مساحة الدولة المترامية الأطراف، وتمركزها في قلب [[العالم القديم]]، جعل من أراضيها معبرًا تجاريًّا وممرًّا لقوافل البضائع بين [[شرق آسيا|الشرق الأقصى]] و[[أوروبا]]، ولعلّ [[طريق الحرير|طريق الحرير،]] الذي يعود لفترة ما [[قبل الميلاد]] أشهرها، وقد اشتهر بتجارة التوابل والعطور، وكذلك الطريق الجنوبي نحو [[إفريقيا|أفريقيا؛]] حيث كان التجار يسوقون بضائعهم مقابل الحصول على الذهب الذي اشتهرت به تلك الأصقاع، خصوصًا مملكة [[غانا]] وقبائل [[السودان]] الوثنية، كما نشطت خلال هذا الطريق تجارة الرقيق. وقد ارتبطت الدولة العباسية بعلاقات جيدة مع الممالك المتعاقبة في [[إثيوبيا|أثيوبيا]] حاليًا وأشهرها مملكة النوبة، والتي سمحت للعباسيين التنقيب عن [[ذهب|الذهب]] و[[زمرد|الزمرد]] في أراضيها، كما كان هناك طريق تجاري بحري يربط [[البصرة]] جنوب [[عراق العرب|العراق]] بالساحل الإيراني، ومنه نحو [[الهند]] و[[الصين|الصين،]] وكانت الرحلة به تستغرق ستة أشهر. كانت الدولة تفرض إتاوات على القوافل، ما أمّن لها قطاعًا نقديًا ثابتًا للخزينة، غير أنه في زمن الخلافة العباسية في القاهرة، اكتشف [[البرتغال]]يون [[رأس الرجاء الصالح]]، فتحولت مع الاكتشاف الجديد طرق التجارة صوب نصف الكرة الجنوبي، ما أدَّى، آنذاك، إلى فقدان الدولة موقعها كمتحكم بالطرق التجارية، فأدى ذلك إلى زيادة الوضع الاقتصادي، خلال العهد المملوكي، تدهورًا. وعمومًا؛ فإن العهد المملوكي لم يتميز قط بازدهار اقتصادي، ويضرب المؤرخون مثالًا على ذلك بأن عدد سكان [[تاريخ مصر الإسلامية|مصر]] و[[بلاد الشام]] قد انخفض إلى الثلث عمَّا كان الوضع عليه قبل استلام [[الدولة المملوكية|المماليك]] السلطةَ.<ref>سوريا صنع دولة، مرجع سابق، ص.172</ref> ويعود ذلك بشكل رئيسي للفساد المالي، واحتكار الثروة، والصراعات بين المماليك أنفسهم، علمًا بأن المماليك قد تمتعوا باستقرار سياسيٍّ، بعد هزيمة المغول عام [[1261|1261م،]] وجلاء الصليبيين عام [[1291]]م.
سطر 377: سطر 377:
وكانت العملة الرسمية هي [[دينار|الدينار]]، وهو مطبوع من معدني [[ذهب|الذهب]] و[[فضة|الفضة]]، وكان ولاة الأمر يعمدون إلى خلطه بالقليل من النحاس أو البرونز، بهدف طباعة كميات أكبر من النقد. ونظام الضرائب مؤسس وفق [[الشريعة الإسلامية]] من خراج وعشور و[[زكاة]]، وفي بعض الأحيان كان السلاطين أو الخلفاء يفرضون ضرائب استثنائية لم تنص عليها الشريعة، ما تسبب في اعتراض الفقهاء، ومنها [[جمرك|المكوس]].<ref>[http://www.alshirazi.com/compilations/history/men_tamaddon/part2/4.htm نظام الجباية]، موقع الشيرازي، 17 نيسان 2011. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20200623050400/http://www.alshirazi.com/compilations/history/men_tamaddon/part2/4.htm |date=23 يونيو 2020}}</ref> وعمومًا؛ فإن الضرائب الإسلامية كانت في الغالب تُجبَى سنويًا، أما المكوس فتجبى شهريًا. أما إنفاق أموال الدولة فكان وفق رؤية السلاطين أو الخلفاء، فعلى الرغم من أن الشريعة قد نظمت طرق الجباية، لم تنظم طرق الإنفاق، ما أسهم في ارتباط طرق الإنفاق بشخصية الحاكم وحاشيته؛ إذا كان مصلحًا ملتزمًا أنفق المال في خدمة الدولة وتحسين مرافقها، أو أهمل الأمر كليًّا أو جزئيًّا، وقد نقل عن نفقات قصور الخلافة بأنها كانت تشكل ثلث واردات الدولة في بعض العهود.
وكانت العملة الرسمية هي [[دينار|الدينار]]، وهو مطبوع من معدني [[ذهب|الذهب]] و[[فضة|الفضة]]، وكان ولاة الأمر يعمدون إلى خلطه بالقليل من النحاس أو البرونز، بهدف طباعة كميات أكبر من النقد. ونظام الضرائب مؤسس وفق [[الشريعة الإسلامية]] من خراج وعشور و[[زكاة]]، وفي بعض الأحيان كان السلاطين أو الخلفاء يفرضون ضرائب استثنائية لم تنص عليها الشريعة، ما تسبب في اعتراض الفقهاء، ومنها [[جمرك|المكوس]].<ref>[http://www.alshirazi.com/compilations/history/men_tamaddon/part2/4.htm نظام الجباية]، موقع الشيرازي، 17 نيسان 2011. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20200623050400/http://www.alshirazi.com/compilations/history/men_tamaddon/part2/4.htm |date=23 يونيو 2020}}</ref> وعمومًا؛ فإن الضرائب الإسلامية كانت في الغالب تُجبَى سنويًا، أما المكوس فتجبى شهريًا. أما إنفاق أموال الدولة فكان وفق رؤية السلاطين أو الخلفاء، فعلى الرغم من أن الشريعة قد نظمت طرق الجباية، لم تنظم طرق الإنفاق، ما أسهم في ارتباط طرق الإنفاق بشخصية الحاكم وحاشيته؛ إذا كان مصلحًا ملتزمًا أنفق المال في خدمة الدولة وتحسين مرافقها، أو أهمل الأمر كليًّا أو جزئيًّا، وقد نقل عن نفقات قصور الخلافة بأنها كانت تشكل ثلث واردات الدولة في بعض العهود.


إحدى مصادر الدخل كانت الغزوات؛ فقد اعتاد العباسيون في عهود القوة تسيير غزوة كل صيف نحو التخوم والثقور، ودعيت هذه الغزوات بالصوائف،<ref>[http://www.google.com/url?sa=t&source=web&cd=10&ved=0CGcQFjAJ&url=http%3A%2F%2Fwww.dahsha.com%2Fold%2Fviewarticle.php%3Fid%3D26535&ei=dgyrTaXPLIu-sQOy88D5DA&usg=AFQjCNHTqWOq5gm94xBJTBmvoAK9F7IRYw عصر ابن سينا السياسي]، موقع كتب، 17 نيسان 2011. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20200525095050/https://www.dahsha.com/web.html?id=26535 |date=25 مايو 2020}}</ref> ولم يكن الهدف منها توسيع رقعة الدولة بقدر ما كان كسب غنائم وكميات نقد جديدة، سواءٌ عن طرق الصلح بفرض الجزية، أم عن طريق الاستيلاء على مقدرات الأماكن المقصودة ونهبها؛ يمكن ملاحظة ذلك بأن مساحة الدولة لم تتسع حتى في عهود القوة، كما هو الحال في الدولتين [[الخلفاء الراشدون|الراشدية]] و[[الدولة الأموية|الأموية]] من قبلها، و[[الدولة العثمانية|العثمانية]] من بعدها.
إحدى مصادر الدخل كانت الغزوات؛ فقد اعتاد العباسيون في عهود القوة تسيير غزوة كل صيف نحو التخوم والثقور، ودعيت هذه الغزوات بالصوائف، ولم يكن الهدف منها توسيع رقعة الدولة بقدر ما كان كسب غنائم وكميات نقد جديدة، سواءٌ عن طرق الصلح بفرض الجزية، أم عن طريق الاستيلاء على مقدرات الأماكن المقصودة ونهبها؛ يمكن ملاحظة ذلك بأن مساحة الدولة لم تتسع حتى في عهود القوة، كما هو الحال في الدولتين [[الخلفاء الراشدون|الراشدية]] و[[الدولة الأموية|الأموية]] من قبلها، و[[الدولة العثمانية|العثمانية]] من بعدها.
مك
مك