قصيدة الفرزدق في علي بن الحسين
قصيدة الفرزدق في مدح علي بن الحسين هي إحدى أشهر القصائد في مدح الإمام علي بن الحسين بن علي أبي طالب الإمام الرابع عند الشيعة الاثنا عشرية، مدح بها همامُ بن غالب الدارمي التميمي المعروف بالفرزدق الإمامَ السجاد في المسجد الحرام بحضور هشام بن عبد الملك بعدما انتهى علي بن الحسين من طواف الكعبة وأراد استلام الحجر.[1]
روي القصيدة كثير من علماء المسلمين والمؤلفين، منهم: محمد باقر المجلسي في «بحار الأنوار[2]»، الشيخ المفيد في كتابه الإرشاد[3]، وابن شهرآشوب المازندراني في مناقب آل أبي طالب[4] الذي روي عن «حلية الأولياء» لأبي نعيم الأصفهاني، و«الأغاني» لأبي الفرج الإصفهاني[5]، و«حلية الأبرار في أحوال محمد و آله الأطهار[6]» للسيد هاشم البحراني، و«تاريخ دمشق[7]» لابن عساكر وغيرهم.
خلفية
حجّ هشام بن عبد الملك قبل أن يلي الخلافة[8] وجهد أن يستلم الحجر الأسود، فلم يصل إليه لكثرة زحام الناس عليه.[9] فنُصـب له منبر فجلس علیه وأطاف به أهل الشام، فبينما هو كذلك إذ أقبل علي بن الحسين السجاد وعلیه إزار ورداء، من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم رائحةً وأنظفُهم ثوبا، بين عينيه سجّادة فطاف بالبيت، فلما بلغ الحجر الأسود تنحّى الناس كلّهم وأخلَوا له الحجر ليستلمَه، هيبة وإجلالا له، فغاظ ذلك هشاما وبلغ منه. فقال شامي: من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة[8] يا أمير المؤمنين؟! فنكره هشام وقال: لاَ أعرِفُه، لئلاّ يرغب فيه أهل الشام ويسمعوا منه. فقال الفرزدق (وكان من شعراء بني أمية ومادحيهم) وكان حاضراً: لكنّي أنا أعرفه. فقال الرجل الشاميّ: مَن هو يا أبا فراس؟! فأنشأ قصيدة ذكر بعضها في «الأغاني»[5]، و«حلية الأولياء[6]» والإرشاد[3]، والقصيدة بتمامها هذه:
القصيدة
يَا سَـائِلِي: أَيْنَ حَـلَّ الجُـودُ وَالكَـرَمُ | عِنْـدِي بَـيَـانٌ إذَا طُـلاَّبُـهُ قَـدِمُـوا | |
هَذَا الذي تَعْـرِفُ البَطْـحَاءُ وَطْـأَتَـهُ | وَالبَـيْـتُ يَعْـرِفُـهُ وَالحِـلُّ وَالحَـرَمُ | |
هَذَا ابْنُ خَيْرِ عِبَادِ اللَهِ كُلِّهِمُ | هَذَا التَّقِيُّ النَّقِيُّ الطَّاهِرُ العَلَمُ | |
هَذَا الذي أحْمَدُ المُخْتَارُ وَالِدُهُ | صَلَّى عَلَیهِ إلَهِي مَا جَرَى القَلَمُ | |
لَوْ يَعْلَمُ الرُّكْنُ مَنْ قَدْ جَاءَ يَلْثِمُهُ | لَخَرَّ يَلْثِمُ مِنْهُ مَا وَطَى القَدَمُ | |
هَذَا عليٌ رَسُولُ اللَهِ وَالِدُهُ | أَمْسَتْ بِنُورِ هُدَاهُ تَهْتَدِي الاُمَمُ | |
هَذَا الَّذِي عَمُّهُ الطَّيَّارُ جَعْفَرٌ | وَالمَقْتُولُ حَمْزَةُ لَيْثٌ حُبُّهُ قَسَمُ | |
هَذَا ابْنُ سَيِّدَةِ النِّسْوَانِ فَاطِمَةٍ | وَابْنُ الوَصِيِّ الَّذِي في سَيْفِهِ نِقَمُ | |
إذَا رَأتْهُ قُرَيْشٌ قَالَ قَائِلُهَا | إلَی مَكَارِمِ هَذَا يَنْتَهِي الكَرَمُ | |
يَكَادُ يُمْسِكُهُ عِرْفَانَ راحته | رُكْنُ الحَطِيمِ إذَا مَا جَاءَ يَسْتَلِمُ | |
وَلَيْسَ قُولُكَ: مَنْ هَذَا؟ بِضَائِرِهِ | العُرْبُ تَعْرِفُ مَنْ أنْكَرْتَ وَالعَجَمُ | |
يُنْمَى إلَی ذَرْوَةِ العِزِّ الَّتِي قَصُرَتْ | عَنْ نَيْلِهَا عَرَبُ الإسْلاَمِ وَالعَجَمُ | |
يُغْضِي حَيَاءً وَيُغْضَى مِنْ مَهَابَتِهِ | فَمَا يُكَلَّمُ إلاَّ حِينَ يَبْتَسِمُ | |
يَنْجَابُ نُورُ الدُّجَى عَنْ نُورِ غُرِّتِهِ | كَالشَّمْسِ يَنْجَابُ عَنْ إشْرَاقِهَا الظُّلَمُ | |
بِكَفِّهِ خَيْزُرَانٌ رِيحُهُ عَبِقٌ | مِنْ كَفِّ أَرْوَعَ فِي عِرْنِينِهِ شَمَمُ | |
مَا قَالَ: لاَ، قَطُّ إلاَّ فِي تَشَهُّدِهِ | لَوْلاَ التَّشَهُّدُ كَانَتْ لاَؤهُ نَعَمُ | |
مُشتَقَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَهِ نَبْعَتُهُ | طَابَتْ عَنَاصِرُهُ وَالخِيمُ وَالشِّيَمُ | |
حَمَّالُ أثْقَالِ أَقْوَامٍ إذَا فُدِحُوا | حُلْوُ الشَّمَائِلِ تَحْلُو عِنْدَهُ نَعَمُ | |
إنْ قَالَ قَالَ بمِا يَهْوَى جَمِيعُهُمُ | وَإنْ تَكَلَّمَ يَوْماً زَانَهُ الكَلِمُ | |
هَذَا ابْنُ فَاطِمَةٍ إنْ كُنْتَ جَاهِلَهُ | بِجَدِّهِ أنبِيَاءُ اللَهِ قَدْ خُتِمُوا | |
اللهُ فَضَّلَهُ قِدْماً وَشَرَّفَهُ | جَرَى بِذَاكَ لَهُ فِي لَوْحِهِ القَلَمُ | |
مَنْ جَدُّهُ دَانَ فَضْلُ الآنْبِيَاءِ لَهُ | وَفَضْلُ أُمَّتِهِ دَانَتْ لَهَا الاُمَمُ | |
عَمَّ البَرِيَّةَ بِالإحْسَانِ وَانْقَشَعَتْ | عَنْهَا العِمَأيَةُ وَالإمْلاَقُ وَالظُّلَمُ | |
كِلْتَا يَدَيْهِ غِيَاثٌ عَمَّ نَفْعُهُمَا | يُسْتَوْكَفَانِ وَلاَ يَعْرُوهُمَا عَدَمُ | |
سَهْلُ الخَلِيقَةِ لاَ تُخْشَى بَوَادِرُهُ | يَزِينُهُ خَصْلَتَانِ: الحِلْمُ وَالكَرَمُ | |
لاَ يُخْلِفُ الوَعْدَ مَيْمُوناً نَقِيبَتُهُ | رَحْبُ الفِنَاءِ أَرِيبٌ حِينَ يُعْتَرَمُ | |
مِنْ مَعْشَرٍ حُبُّهُمْ دِينٌ وَبُغْضُهُمُ | كُفْرٌ وَقُرْبُهُمُ مَنْجىً وَمُعْتَصَمُ | |
يُسْتَدْفَعُ السُّوءُ وَالبَلْوَى بِحُبِّهِمُ | وَيُسْتَزَادُ بِهِ الإحْسَانُ وَالنِّعَمُ | |
مُقَدَّمٌ بَعْدَ ذِكْرِ اللَهِ ذِكْرُهُمْ | فِي كُلِّ فَرْضٍ وَمَخْتُومٌ بِهِ الكَلِمُ | |
إنْ عُدَّ أهْلُ التُّقَى كَانُوا أئمَّتَهُمْ | أوْ قِيلَ: مَنْ خَيْرُ أَهْلِ الارْضِ قِيلَ: هُمُ | |
لاَ يَسْتَطِيعُ جَوَادٌ بُعْدَ غَأيَتِهِمْ | وَلاَ يُدَانِيهِمُ قَوْمٌ وَإنْ كَرُمُوا | |
هُمُ الغُيُوثُ إذَا مَا أزْمَةٌ أزَمَتْ | وَالاُسْدُ أُسْدُ الشَّرَى وَالبَأْسُ مُحْتَدِمُ | |
يَأبَى لَهُمْ أَنْ يَحِلَّ الذَّمُّ سَاحَتَهُمْ | خِيمٌ كَرِيمٌ وَأيْدٍ بِالنَّدَى هُضُمُ | |
لاَ يَقْبِضُ العُسْرُ بَسْطاً مِنْ أكُفِّهِمُ | سِيَّانِ ذَلِكَ إنْ أثْرَوْا وَإنْ عَدِمُوا | |
أيٌّ القَبَائِلِ لَيْسَتْ فِي رَقَابِهِمُ | لاِوَّلِيَّةِ هَذَا أوْ لَهُ نِعَمُ | |
مَنْ يَعْرِفِ اللَهَ يَعْرِفْ أوَّلِيَّةَ ذَا | فَالدِّينُ مِنْ بَيْتِ هَذَا نَالَهُ الاُمَمُ | |
بُيُوتُهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ يُسْتَضَاءُ بِهَا | فِي النَّائِبَاتِ وَعِنْدَ الحُكْمِ إنْ حَكَمُوا | |
فَجَدُّهُ مِنْ قُرَيْشٍ فِي أُرُومَتِهَا | مُحَمَّدٌ وَعليّ بَعْدَهُ عَلَمُ | |
بَدرٌ له شَاهِدٌ وَالشِّعْبُ مِنْ أُحُدٍ | والخَنْدَقَانِ وَيَومُ الفَتْحِ قَدْ عَلِمُوا | |
وَخَيْبَرٌ وَحُنَيْنٌ يَشْهَدَانِ لَهُ | وَفِي قُرَيْضَةَ يَوْمٌ صَيْلَمٌ قَتَمُ | |
مَوَاطِنٌ قَدْ عَلَتْ فِي كُلِّ نائِبَةٍ | علی الصَّحَابَةِ لَمْ أَكْتُمْ كَمَا كَتَمُوا[2][8] |
بعد إنشاء القصيدة
فغضب هشام ومنع جائزته وقال : ألا قلت فينا مثلها؟ قال : هات جدا كجدّه وأبا كأبيه وأمّا كأمه حتى أقول فيكم مثلها، فحبسوه بعسفان بين مكة والمدينة فبلغ ذلك علي بن الحسين فبعث إليه باثني عشر ألف درهم وقال: اعذرنا يا أبا فراس، فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به، فردها وقال: يا ابن رسول الله ما قلت الذي قلت إلا غضبا لله ولرسوله، وما كنت لارزأ عليه شيئا، فردها الإمامُ إليه[2] وقال: «بحقي عليك لما قبلتها فقد رأى الله مكانك وعلم نيتك[2]، نحن أهل بيت لا يعود إلينا ما أعطينا»[5][8](في نقل آخر: «إنا أهل بيت إذا وهبنا شيئاً لا نستعيده[10]») فقبلها.
فجعل الفرزدق يهجو هشاما وهو في الحبس ، فكان مما هجاه به قوله :
أيحبسني بين المدينة والتي | إليها قلوب الناس يهوي منيبها | |
يقلب رأسا لم يكن رأس سيد | وعينا له حولاء باد عيوبها[8][11] |
فأخبر هشام بذلك فأطلقه، وفي رواية أبي بكر العلاف أنه أخرجه إلى البصرة.[2]
مصادر
- ^ قصيدة الفرزدق لعلي بن الحسين- الثقات للعجلي- أحمد بن عبد الله العجلي الكوفي- المجلد 1- الصفحة 345 نسخة محفوظة 24 أكتوبر 2017 على موقع واي باك مشين.
- ^ أ ب ت ث ج قصيدة الفرزدق- العلامة المجلسي- بحار الأنوار- المجلد 46- الصفحة 125 نسخة محفوظة 23 أكتوبر 2017 على موقع واي باك مشين.
- ^ أ ب الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد- الشيخ المفيد- المجلد 2- الصفحة 150 نسخة محفوظة 23 أكتوبر 2017 على موقع واي باك مشين.
- ^ المناقب لابن شهرآشوب- ابن شهرآشوب المازندراني- المجلد 4- الصفحة 169 نسخة محفوظة 17 ديسمبر 2019 على موقع واي باك مشين.
- ^ أ ب ت لأبيات التي مدح بها الفرزدق علي بن الحسين- الأغاني- أبو الفرج الأصفهاني- المجلد 15- الصفحة 217 نسخة محفوظة 13 أبريل 2020 على موقع واي باك مشين.
- ^ أ ب حلية الأبرار في أحوال محمد و آله الأطهار(ع)- هاشم البحراني- المجلد 3- الصفحة 303 نسخة محفوظة 17 ديسمبر 2019 على موقع واي باك مشين.
- ^ تاريخ مدينة دمشق- ابن عساكر- المجلد 41- الصفحة 400 نسخة محفوظة 13 أبريل 2020 على موقع واي باك مشين.
- ^ أ ب ت ث ج مناقب علي بن الحسين- أعيان الشيعة- محسن الأمين العاملي- المجلد 1- الصفحة 629 نسخة محفوظة 11 مايو 2020 على موقع واي باك مشين.
- ^ وفيات الأئمة- من علماء البحرين والقطيف- المجلد 1- الصفحة 155 نسخة محفوظة 17 ديسمبر 2019 على موقع واي باك مشين.
- ^ - حديث قصيدة الفرزدق- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان- ابن خلكان- المجلد 6- الصفحة 95 نسخة محفوظة 13 مارس 2020 على موقع واي باك مشين.
- ^ ديوان الفرزدق- المجلد 1- الصفحة 51
قصيدة الفرزدق في علي بن الحسين في المشاريع الشقيقة: | |