القياسات النفسية أو القياس النفسي هو حقل يهتم بنظريات وآليات قياس الإدراك والتي تشمل قياس القدرات العقلية والاتجاهات وسمات الشخصية وقياس التعلم. يُعنى العاملون بهذا الحقل بإعداد الاستبيانات والمقاييس والاختبارات والتحقق من صلاحيتها (الصدق والثبات)، وباعداد فحوص تقييم الشخصية. ويشتمل ذلك على المهمتين بإعداد الأدوات وإجراء القياسات وبتطوير المقاربة النظرية لهذه القياسات. يحمل معظم العاملين في حقل القياس النفسي مؤهلات في هذا المجال، وإن كان من الممكن أن يكونوا من اختصاصات مختلفة كالعاملين في مجال التعليم وفروع علم النفس المختلفة.[1]

يُعنى هذا المجال بالقياس الموضوعي للمهارات والمعارف، والقدرات، والتصرفات، وصفات الشخصية، والإنجاز التعليمي. يركز بعض الباحثين في مجال القياس النفسي على وضع أدوات التقييم والتحقق من فاعليتها، مثل الاستبيانات والاختبارات وآراء المُقيّمين واختبارات الشخصية. يركز آخرون على الأبحاث المتعلقة بنظرية القياس (على سبيل المثال، نظرية الاستجابة للعناصر؛ الارتباط داخل المجموعات).

يُوصف الممارسون بأنهم متخصصون بقياس العمليات النفسية، إذ يمتلكون مؤهلات نوعية ومعظمهم من علماء النفس الحاصلين على تدريب متقدم للخريجين. يعمل العديد منهم -بالإضافة إلى المؤسسات الأكاديمية التقليدية - لصالح الحكومة أو في أقسام الموارد البشرية، ويتخصص آخرون بوصفهم محترفين في مجال التعلم والتطوير.

المنشأ التاريخي

جاءت الاختبارات النفسية من اثنين من التيارات الفكرية: التيار الأول من قبل داروين وغالتون وكاتل حول قياس الفروقات الفردية، أما الثاني فمن هربارت وفيبر وفخنر وفونت وقياساتهم في الفيزياء النفسية حول المفهوم نفسه. المجموعة الثانية من الأفراد وأبحاثهم هي ما أدت إلى تطوير علم النفس التجريبي والاختبارات القياسية.[2]

التيار الفيكتوري

كان تشارلز داروين مصدر إلهام من بعد السير فرانسيس غالتون الذي أدى إلى إنشاء القياس النفسي. في عام 1859، نشر داروين كتابه «أصل الأنواع»، الذي يتعلق بالاختلافات الفردية في الحيوانات. ناقش هذا الكتاب كيفية اختلاف الأفراد في أنواعهم وكيفية امتلاكهم خصائص وميزات تجعلهم أكثر أو أقل تأقلمًا ونجاحًا. فالأشخاص القادرون على التأقلم والنجاح هم الذين سيبقون على قيد الحياة، وسيفسحون المجال للجيل القادم الذي سيكون على نفس القدر من التأقلم والنجاح أو حتى أكثر. أدت هذه الفكرة التي دُرست سابقًا في الحيوانات إلى دراسة غالتون للبشر واهتمامه حول كيفية اختلافهم عن بعضهم البعض، والأهم من ذلك كيفية قياس تلك الاختلافات.

كتب غالتون كتابًا بعنوان «عبقري وراثي» عن الميزات والخصائص المختلفة التي يمتلكها الأشخاص التي تجعلهم مناسبين وملائمين أكثر من غيرهم. هذه الاختلافات اليوم، مثل الوظائف الحسية والحركية (زمن الارتكاس، وحدة الرؤية، والقوة البدنية) هي مجالات مهمة في علم النفس. أُجريت الكثير من الأعمال النظرية والتطبيقية المبكرة في القياس النفسي في محاولة لقياس الذكاء. ابتكر غالتون، الذي يُعرف باسم والد القياسات النفسية، العديد من الاختبارات العقلية وأدرجها ضمن قياساته البشرية. استمر جايمس ماكين كاتل، الذي يُعد رائدًا في مجال القياس النفسي، في نشر أعمال غالتون وتوسيعها. صاغ كاتل أيضًا مصطلح الاختبار العقلي، وهو المسؤول عن الأبحاث والمعارف التي أدت في نهاية المطاف إلى تطوير الاختبارات الحديثة. (كابلان وَساكوزو، 2010).

التيار الألماني

يرتبط منشأ القياس النفسي أيضًا بالمجال المتعلق بعلم الطبيعة النفسية، أو ما يُسمى بالفيزياء النفسية. في نفس الوقت الذي توصل فيه كل من داروين وغالتون وكاتل إلى اكتشافاتهم، كان هربارت مهتمًا أيضًا بكشف أسرار الوعي البشري من خلال الأسلوب العلمي. (كابلان وَساكوزو، 2010). كان هربارت مسؤولًا عن إنشاء نماذج رياضية للعقل، والتي كانت مؤثرة في الممارسات التعليمية في السنوات التالية.

اعتمد إرنست هينريخ فيبر على عمل هربارت وحاول إثبات وجود العتبة النفسية، قائلًا إن الحد الأدنى من المنبهات كان ضروريًا لتنشيط الجهاز الحسي. بعد فيبر، توسع غوستاف فخنر على المعرفة التي جمعها من هربارت وفيبر ليبتكر القانون الي تزداد به قوة الإحساس بشكل مشابه لِلوغاريتم شدة التنبيه. كان لفيلهلم فونت، وهو أحد أتباع فيبر وفخنر، الفضل في تأسيس علم النفس الحديث. وأدت تأثيراته إلى تمهيد الطريق للآخرين لتطوير الاختبارات النفسية.[2]

القرن العشرون

طور لويس ليون ثورستون، المتخصص بقياس العمليات النفسية ومؤسس جمعية القياس النفسي وأول رئيس لها في عام 1936، أسلوبًا نظريًا وطبقه من أجل القياس يُعرف باسم قانون الحكم المقارن، وهو أسلوب يرتبط ارتباطًا وثيقًا بنظرية الفيزياء النفسية لإرنست هينريخ فيبر وغوستاف فخنر. بالإضافة إلى ذلك، قدم كل من سبيرمان وثورستن مساهمات مهمة في نظرية عامل التحليل وتطبيقها، وهي طريقة إحصائية طُورت في مجال القياس النفسي واستُخدمت على نطاق واسع. في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين، قدم ليوبولد سزوندي تقييمًا تاريخيًا ومعرفيًا حول تأثير التفكير الإحصائي في علم النفس خلال العقود القليلة الماضية، إذ قال: «خلال العقود الأخيرة، حُظر التفكير النفسي على وجه الخصوص وأُزيل بشكل كامل تقريبًا واستُعيض عنه بالتفكير الإحصائي. هنا تمامًا نرى اليوم الانتشار الكبير لعلم الاختبار وهوس الاختبارات».[3]

في الآونة الأخيرة، طُبقت نظرية القياس النفسي في قياس الشخصية والتصرفات والمعتقدات والإنجازات الأكاديمية. من الصعب قياس هذه الظواهر التي لا يمكن إدراكها وملاحظتها، لذلك طُورت العديد من الأبحاث والعلوم المتراكمة في هذا الاختصاص في محاولة لتعريف مثل هذه الظواهر وتحديدها بشكل صحيح. جادل النقاد، بمن فيهم الممارسون في العلوم الفيزيائية والنشطاء الاجتماعيين، بأن هذا التعريف والتحديد صعب للغاية، وأن مثل هذه القياسات يُساء استخدامها غالبًا كما هو الحال مع اختبارات شخصية القياسات النفسية المستخدمة في إجراءات التوظيف:

على سبيل المثال، من المحتمل ألا يرغب صاحب العمل الذي يريد شخصًا ما لدورٍ يتطلب اهتمامًا ثابتًا ومستمرًا بالتفاصيل المتكررة في إعطاء هذه الوظيفة لشخص مبدع جدًا ويشعر بالملل بسهولة.[4]

تشمل الشخصيات التي قدمت مساهمات كبيرة في القياس النفسي كلًا من كارل بيرسون، وهنري ف. كايسر، وكارل بريغهام، ولويس ليون ثورستون، وإدوارد لي ثورندايك، وجورج راش، ويوغين غالانتر، وجونسون أوكونور، وفريتز م. لورد، وليدارد ر. تاكر، وجاي. لوفينغر ويسمان.

تعريف القياس في العلوم الاجتماعية

تعريف القياس في العلوم الاجتماعية له تاريخ طويل. وهناك تعريف واسع الانتشار حاليًا اقترحه ستانلي سميث ستيفنز في عام 1946، وهو أن القياس هو «إسناد الأعداد إلى الأشياء أو الأحداث وفقًا لقاعدة ما». أُدرج هذا التعريف في الورقة التي اقترح فيها ستيفنز أربعة مستويات للقياس. على الرغم من اعتماده على نطاق واسع، يختلف هذا التعريف في جوانب مهمة عن التعريف الأكثر كلاسيكية للقياس والمعتمد في العلوم الفيزيائية، أي أن القياس العلمي يتطلب تقدير أو اكتشاف نسبة مقدار ما من الصفة الكمية إلى وحدة من نفس الصفة.[5]

في الواقع، قُدم تعريف ستيفنز للقياس ردًا على لجنة فيرغسون البريطانية التي كان رئيسها الفيزيائي إيه. فيرغسون. عُينت اللجنة في عام 1932 من قبل الجمعية البريطانية لتقدم العلوم للتحقيق في إمكانية إجراء التقدير الكمي للأحداث الحسية. على الرغم من أن رئيسها وأعضاءها الآخرين كانوا متخصصين في الفيزياء، شملت اللجنة أيضًا العديد من علماء النفس. سلط تقرير اللجنة الضوء على أهمية تعريف القياس. في حين أن رد ستيفنز كان اقتراح تعريف جديد، والذي كان له أثر كبير في هذا المجال، ولم يكن هذا على الإطلاق الرد الوحيد على التقرير. من الردود الأخرى، التي تختلف اختلافًا ملحوظًا، قبول التعريف الكلاسيكي على النحو المبين في البيان التالي:

لا يختلف القياس في علم النفس والفيزياء بأي حال من الأحوال. يستطيع الفيزيائيون القياس عندما يتمكنون من العثور على العمليات التي يمكنهم من خلالها تلبية المعايير اللازمة، ويجب على علماء النفس القيام بذات الشيء، فلا حاجة للقلق حول الاختلافات الغامضة بين معاني القياس في العِلمين.

المراجع

  1. ^ National Council on Measurement in Education http://www.ncme.org/ncme/NCME/Resource_Center/Glossary/NCME/Resource_Center/Glossary1.aspx?hkey=4bb87415-44dc-4088-9ed9-e8515326a061#anchorP نسخة محفوظة 2017-07-22 على موقع واي باك مشين.
  2. ^ أ ب Kaplan, R.M., & Saccuzzo, D.P. (2010). Psychological Testing: Principles, Applications, and Issues. (8th ed.). Belmont, CA: Wadsworth, Cengage Learning.
  3. ^ Leopold Szondi (1960) Das zweite Buch: Lehrbuch der Experimentellen Triebdiagnostik. Huber, Bern und Stuttgart, 2nd edition. Ch.27, From the Spanish translation, B)II Las condiciones estadisticas, p.396. Quotation:

    el pensamiento psicologico especifico, en las ultima decadas, fue suprimido y eliminado casi totalmente, siendo sustituido por un pensamiento estadistico. Precisamente aqui vemos el cáncer de la testología y testomania de hoy.

  4. ^ Psychometric Assessments. Psychometric Assessments . University of Melbourne. نسخة محفوظة 7 يناير 2011 على موقع واي باك مشين.
  5. ^ Michell، Joel (أغسطس 1997). "Quantitative science and the definition of measurement in psychology". British Journal of Psychology. ج. 88 ع. 3: 355–383. DOI:10.1111/j.2044-8295.1997.tb02641.x.