قدوة (إسلام)
القدوة من المصطلحات التي وردت في القرآن الكريم ، وقد ساق الله تعالى الكثير من سير الأنبياء والصالحين وأمر بالاقتداء بهم ، كما قال تعالى : ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ ؛لأن للقدوة أثرًا عظيمًا في بناء المقتدي ، وصياغة شخصيته ، وتنمية قدراته ؛ ولهذا فإن الله - عز وجل - بعث الرسل إلى أُممهم لتبليغ دعوته قولاً وعملاً ؛ ليرى الخلق الدعوة تتجسد في واحدٍ منهم ، يأكل كما يأكلون ، ويشرب كما يشربون ؛ فيتأثروا به ، ويقتدوا به ؛ فيعملون بعمله ، ويأتسون بخلقه.
تعريف القدوة
لغة :
قال ابن فارس :
« ( قدو ) القاف والدال والحرف المعتل : أصل صحيح يدلُّ على اقتباس بالشيء واهتداء ، ومُقادَرة في الشيء حتى يأتي به مساريًا لغيره. من ذلك قولهم : فلان قُدوةٌ ( بضم القاف وكسرها ) : يقتدى به. ويقولون : إن القَدْوَ : الأَصل الذي يتشعب منه الفروع ».[1] وقال ابن منظور : « والقُدْوَةُ والقِدْوةُ : الأُسوةُ. يقال : فلانٌ قُدوة يُقتدَى به ».[2]
اصطلاحًا :
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تفسير قوله تعالى : ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ … ﴾« الأسوة كالقُدوة ، وهي اتباع الغير على الحالة التي يكون عليها حسنةً أو قبيحة »[3]
المصطلحات المقاربة :
- الأسوة
قال ابن منظور : « الأُسوةُ والإسوةُ : القدوة ، ويقال : ائتسي به ، أي : اقتدِ به ، وكن مثله. قال الليث : فلان يأتسي بفلانٍ أي يرضى لنفسه ما رضيهُ ويقتدي به ».[4] فالأسوة هي القدوة سواء بسواء.
أنواع القدوة
القدوة الحسنة
رسول الله هو القدوة العظمى ، والأسوة الكبرى ، صاحب الخلق الأكمل والمنهج الأعظم ، وفيه يقول الله تعالى : ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ … ﴾. قال القرطبي : « واختلف في هذه الأسوة بالرسول عليه السلام : هل هي على الإيجاب ، أو على الاستحباب. على قولين : أحدهما : على الإيجاب حتى يقوم دليل على الاستحباب ، والثاني : على الاستحباب حتى يقوم دليل على الإيجاب. ويحتمل أن يحمل على الإيجاب في أمور الدين ، وعلى الاستحباب في أمور الدنيا »[5] ويمكن أن يقال ما دلَّ الدليل على إيجابه ، فيجب الائتساء به ، وما دلَّ الدليل على استحبابه فيستحب ، وما دلَّ على الإباحة فهو مباح..وكذلك الاقتداء يكون بعباد الله الصالحين ممن هم دون الأنبياء : قال الله تعالى : ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ ﴾. قال القرطبي في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ مَعَهُ): « يعني أصحاب إبراهيم من المؤمنين ».
القدوة السيئة
القدوة السيئة : وهي الأسوة المرفوضة ، والاتباع المنهي عنه ؛ لما يشتمل من مفاسد العقائد والأهواء والبدع والضلالات.. وقد حذّر منها القرآن الكريم والرسول الأمين ؛ وذلك عبر صور عديدة ، منها : النهي عن اتباع الفاسد من عقائد الآباء ، قال الله تعالى : ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ ﴾، وقال عز وجل : ﴿بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ * وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ * قُلْ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ﴾.
نماذج من الاقتداء
عن النعمان بن سالم ، عن عمرو بن أوس قال : حدثني عنبسةُ بنُ أبي سفيان في مرضه الذي مات فيه ، قال : سمعت أمَّ حبيبة تقول : سمعت رسولَ الله يقول : « من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بُني له بهن بيتٌ في الجنة ». قالت أم حبيبة : فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله. وقال عنبسةُ : فما تركتهن منذ سمعتهن من أم حبيبة. وقال عمرو بن أوس : ما تركتهن منذ سمعتهن من عنبسة. وقال النعمان بن سالم : ما تركتهن منذ سمعتهن من عمرو بن أوس.[6]
انظر أيضًا
مراجع
- ^ معجم مقاييس اللغة : 5 / 66 - 67 باختصار
- ^ لسان العرب : 5 / 3556 .
- ^ أضواء البيان : 8 / 135 ، عن موسوعة نضرة النعيم : 2 / 349 .
- ^ لسان العرب : 14 / 35 ، نقلاً عن موسوعة نضرة النعيم : 1 / 349 .
- ^ الجامع لأحكام القرآن : 14 / 159
- ^ ( ) رواه مسلم ، كتاب صلاة المسافرين ، باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن ، وبيان عددهن ، برقم : 728 .