أرابيكا:نقاش الحذف/التعليم في الوطن العربي

المدرسة الموريتانية

لقد عرفت موريتانيا المدرسة منذ دخول الإسلام إليها حيث قدم الفاتح بنمط مدرسته العربية الإسلامية التي تقوم على إعداد الفرد المسلم لحياته الدنيا والأخرى امتثالا لقول الحق تبارك وتعالى: ( وابتغ فيما ءاتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ... ) ،وتهيئه لنشر العقيدة الإسلامية والذود عنها، وقد ظلت هذه المدرسة مرتبطة بشكل وثيق مع منبعها في قلب الدولة الإسلامية ، وقد اتضحت معالم المدرسة الموريتانية بجلاء بعد أن أسس عبد الله ابن ياسين رباطه الذي كان منطلق دولة المرابطين (الشناقطة) التي اتخذت من صهوات الجياد ،وظهور العيس منابر وتحت خيام الصوف وفوق ضفاف الأودية وبين الكثبان والهضاب مدارس لأحكام الشرع، واللغة العربية والأخلاق الإسلامية حيث يقول المختار ولد بونه: ونحن ركب من الأشراف منتظم أجل ذا العصر قدرا دون أدنانا قد اتخذنا ظهور العيس مدرسة بـها نبين ديـن الله تبيـانـا هذه المدرسة هي المحظرة التي وصلت إلينا بما لها من نظم ومناهج . وعند ما جاء الاستعمار كان يحمل رسالته الحضارية : حيث يقول فكتور هيكو سنة 1841 اثر احتلال الجزائر : <<أعتقد أن غزونا الجديد مفرح وعظيم فهو تفوق الحضارة على البربرية، وهو عبارة عن شعب مستنير يلاقي شعب في ظلام ليل دامس، إننا يونان هذا العالم وعلينا إنارته .>> غاية هذه الرسالة الحضارية إذا هي نشر القيم والعقائد الفرنسية وطمس معالم العروبة والإسلام متخذين لذلك تعليم اللغة الفرنسية عن طريق مدرسة الاستعمار حيث يقول شارل ديجول : <<إن الفرنسية تحقق للفرنسيين ما يعجز الفرنسيون عن صنعه لأنفسهم بأنفسهم>> ويقول فلتير : <<إن تعليم لغتنا هو أنجع السبل لتعزيز نفوذنا...>> * ونجد في تعميم الوالي الفرنسي لإحدى المستعمرات- ابرفيي Brevier – <<لا ينبغي لسياستنا التعليمية أن تفصل عن سياستنا الوطنية بصفة عامة فهي أصدقه تعبير لها وأكثر أساليبها فعالية >>. كما تتضح مرامي المستعمر من خلال خطاب أول مدير لمدرسة تكوين المعلمين بالجزائر سنة 1865م حيث يقول : <<إن المدارس الأساسية ورشات سيتم من خلال لها بناء أكثر الأسلحة ضمان للغزو واستسلام الشعوب>>. وهكذا بدأت مدرسة الاستعمار في موريتانيا بالمعسكرات تعد المترجمين والوكلاء الإداريين وقد عهد بالتدريس فيها إلى ضباط صف في الجيش من الفرنسيين. ذلك لأن المدرسة الأهلية (المحظرة) وقفت شامخة على أسس قوية مما جعل الدخيل الجديد يتعثر لفترات طويلة مرت خلالها مجموعة من المحاولات تمثلت في إنشاء أنماط من المدارس الجديدة من أهمها : - مدارس الأرياف (وهي مدارس تستمد نفوذها من القبائل المحسوبة عليها) - مدارس الحضر ( وهي مدارس على الضفة يرتادها أبناء عمال الإدارة الاستعمارية ). وقد تبين عدم جدوائية هذين النوعين من المدارس كما يبين ذلك تقرير المفتش العام للتعليم النظامي، السيد نشرتون الذى قدمه 1932 حيث يقول:<< إن مشكلة تمدرس العرب هي قبل كل شيء مشكلة سياسية..... فالهدف هو تهذيب وتعليم أبناء أصحاب النفوذ الاجتماعي وكسب ود المشايخ ولذلك أنشأت مدرسة لأبناء العرب الذين سيأخذون مكانهم في المجتمع ذلك لأننا في إقليم حديث على الاستقرار والسلم ،حيث الاعتبارات السياسية المحلية لا تزال راجحة.إننا في إقليم مسلم حيث يجب الأخذ بالحسبان وبصفة جادة الحياة الدينية للقبائل، إننا في إقليم بدو رحل حيث نمط العيش يحتم التنقل وهذا يتطلب ملاءمة النمط والتنظيم المدرسي مع هذه الحقيقة . وأخيرا إننا في اقليم يتمسك فيه التسلسل القيادي القبلي بقوته لذلك يجب على التعليم فيه أن يعتمد على المجتمع الأهلي ...>> وتجدر الإشارة أن نماذج المدارس التي سبق ذكرها ظلت دون جدوائية لأن أصحاب النفوذ كانوا يرغبون عن إرسال أبنائهم إليها وهذا ما جعل من المستعمر تبنى نمطا خاصا بالعرب سماه المدرسة (La Medrassa ) وقد جلب لها المعلمين الجزائريين من أصحاب الثقافة العربية الإسلامية المالكيي المذهب . وبعد أن نالت البلاد استقلالها بادرت السلطات الوطنية بتعزيز مكانة اللغة العربية والعلوم الدينية في المدرسة النظامية كما بدأ التفكير في توسيع الخريطة المدرسية . وقد حظي التعليم المحظري بأعمال موازية أملا بتقريب الهوة بين خصمي الأمس- مدرسه المستعمر، والمحظرة. و يتضح من خلال هذه المعالجة أن النظام التربوي الموريتاني قد أسس على أنقاض مدرستين متباينتي الأهداف والمشارب. 1- المحظرة ،وهي امتداد للمدرسة العربية الإسلامية التي تعمل على صيانة موروث ثقافي وعقدي عريق، تخوف من الانفتاح على عالم التقنيات وغزو الفضاء. 2-مدرسة نظامية، وليدة مدرسة المستعمر التي ترمي هذا الموروث بالرجعية والتعصب وتدعوا إلى التقليد الأعمى والتفسخ الحضاري. وقد انعكس هذا الصراع على الساحة الثقافية والسياسية المحلية مطلع الاستقلال ولا تزال آثاره واضحة حتى اليوم، وقد أشار أستاذنا العلامة محمد سالم ولد عدود إلى هذا الصراع في البيتين التاليين: شكا دين الهدى مما دهاه بأيدي جامدين و ملحدين شباب يحسبون الدين جهلا وشيب يحسبون الجهل دينا فولد هذا الصراع بذور مدرسة موريتانية حديثة لا تزال تصارع إرثا ثقيلا يحول دون خروجها للوجود محافظة على التراث الحضاري الوطني ،ومتفتحة على عالم التقنيات.youssef boussalef