أرابيكا:مساعدة للمستخدمين الجدد/أرشيف/2013/أبريل

د. اياد رستم المصري، د. ميرنا حسين مصطفى الجامعة الهاشمية، معهد الملكة رانيا للسياحة والتراث، الجامعة الهاشمية، الزرقاء، الأردن

المقدمة:

إن العلاقة بين اليد من جهة والخلق والإبداع من جهة أخ رى واضحة منذ أقدم العصور، فقد استخدمها الإنسان قديما في صنع أدواته البدائية وفي الرسم على جدران الكهوف وعمل المنحوتات الإنسانية والحيوانية وصناعة الأواني الفخارية، وهذه رمزية لقدرة خلاقة مرتبطة باليد، وعليه فان الآلهة عندما ترفعها، تكون وكأنها تشير إلى نسبة خاصية الخلق لها، فهي التي تمنحها. وكما هو الحال في مصر العليا قديما، فقد خلق إله الخزف خنوم البشر باستخدام يديه على دولابه، ودعته بعض الكتابات الهيروغليفية بالخالق(سيرنج 1992:271). و مثلت اليد العنصر الأنثوي في عملية الخلق أحيانا، وقد مُثل الإله آتوم ويده في العصور القديمة على التوابيت بوصفهما مقدسان، وبعد ذلك صار لقب (يد الإله) لقباً خاصاً بالزوجة الملكية التي تنجب من يرث العرش (الحسيني 2005).

وتأتي حركة رفع اليدين إلى الأعلى في العديد من النقوش السامية كدلالة على الصلاة ومحاولة استمداد القوة من الآلهة، ولذلك أصول قديمة، فعلى احد النقوش الصخرية من العصر الحجري القديم في صعدة/ اليمن، نجد مشهدا فريدا من نوعه ، وهو ذلك الذي يظهر فيه الرجل في مشهد الصيد وسط مجموعة من الط ا رئد الكبيرة، وقد استعد لإطلاق سهمه، وقد وقفت خلفه المرأة تمارس طقسا سحريا من اجل إمداد الرجل بالقوة و التأثير على الحيوان، نجدها وقد رفعت يديها إلى الأعلى لاستمداد الخصوبة من داخل جسدها ثم إطلاقها للخارج نحو الرجل حتى تسري فيه وتعطيه القوة ليتغلب على تلك الطرائد الشرسة. ونجد تمثيلا لحركة اليدين إلى الأعلى من قبل الأشكال الأنثوية في أعمال بلاد ما بين النهرين القديمة وبالتحديد في موقع تل حسونة ، فهناك رسم على الفخار يعود إلى ما قبل الميلاد، وقد ظهر في وسط الآنية الفخارية عدد من النساء يمارسن نشاطا سحريا برفع الذراعين إلى الأعلى (الدباغ 1985 : الشكل 1)،


ويمتد ذلك لنجده في حضارة وادي النيل، فقد ظهرت الأشكال الأنثوية على الأواني الفخارية التي تعود إلى عصر تل العمارنة (أواسط الألف الثاني قبل الميلاد ) وفي احد هذه الأشكال نجد رجلين يقومان بإسناد ذراعي المرأة المرفوعتين لإطالة مدة وقوفها على هذه الهيئة ومن ثم إدامة فترة تأثيرها السحري

(السواح 1996 :259-258).

لقد رسم الإنسان القديم اليد في الكهوف كتعويذة سحرية لتحميه من الشر، وتشير إلى بعض طقوسه الدينية في تضحية بعض الحيوانات. وفي بعض الحضارات، لا يازل يضع الناذرون طبعات أيديهم على الجدران بحيث تتجه أصابعهم إلى الأعلى رمزا للطلب من الإله (سيرنج 1992:271)). وقد تطورت هذه الدلالات في الفترات اللاحقة كما سنرى لتشمل أوضاعا ومعان أكثر تنوعا، سيتم استعراضها كما جاءت في المعتقدات الدينية والمنحوتات السامية.


اليد في المنحوتات السامية ودلالاتها

ظهرت رمزية اليد في العديد من الحضارات القديمة، وكانت السامية منها، سواء كان ذلك في كتاباتهم أو فنونهم وخصوصا في المنحوتات التي تمثل الآلهة أو علية القوم. تعددت حركة اليد ورمزيتها حتى في الحضارة الواحدة، وكانت أكثر هذه الحركات ظهوار ودلالة هي:

أولا

رفع اليد اليمنى إلى الأمام بحيث تكون إلى جانب الكتف الأيمن وتكون راحة اليد مواجهة للمقابل. يعود أصل هذه الحركة إلى الشرق الأدنى القديم. واستخدمت لدى العديد من الحضارات السامية. كما هو الحال عند الفينيقيين فقد ظهرت لديهم مرتبطة بآلهة وملوك وعلية قوم ومتعبدين ( شكل 8)


وظهرت أيضا عند الفنيقيين إلهة ترفع يديها الإثنتين بنفس الحركة، الأول هو إله ذكر يشير إلى الخصوبة من خلال ارتباطه برؤوس ثيران (Karageorghis 2001:189) والثانية هي إلهة أنثى تشير إلى الخصوبة أيضا من خلال ظهورها عارية ،(Eugenia and Semmler 2001:290) وهي الصفة التي عادة ما تظهر بها إلهة الخصوبة في مختلف الحضارات القديمة.

وحظيت هذه الحركة لدى العرب قبل الإسلام بأهمية كبيرة. فعند الأنباط ظهرت في المنحوتات الفخارية الصغيرة التي تمثل الإلهة النبطية العزى بدورها كإلهة خصوبة، وهي تجلس على العرش عارية وترفع يدها اليمنى في حركة منح البركة كما في الاشكال من كتاب (el-Khouri 2002: 46, Fig. 1-4, 20, 31, 75-83). وفي تمثال فخاري آخر ظهرت الإلهة نايكه (Nike)وهي عارية بجناحيها المفتوحين على جانبي كتفيها وهي ترفع يدها اليمنى بنفس الحركة كما في .(Parr 1990: 84, 1)

وكان لهذه الحركة أهمية أكبر في مملكة الحضر، عندما ظهرت في العديد من تماثيلهم الم دورة التي تمثل أفراد من الأسرة الحاكمة هناك، كالملوك والأمراء والأميرات والنبلاء، إضافة إلى ظهورها في العديد من المنحوتات الحجرية التي تمثل الكهنة والتجار والفرسان والمتعبدين (شكل 13 )

( " سفر ومصطفى 1974 : أشكال 19,224 ,212 ,211 ,199, 197 ،45،53 ,44, 42، 36 ,
33-30 ، 27 ،25 ،21 ،20 ،17- 14 ,11،326, 324 ,301 ,261 ,251 ,243-240,327)

في حالة نادرة رفعت اليد اليسرى (سفر ومصطفى 1974 : شكل 262 ). وفي حالات قليلة أيضا ظهرت الإلهة وهي ترفع يدها اليمنى (سفر ومصطفى 1974: شكل 220,224)

وارتبطت هذه الحركة عند العرب التدمريين مع الآلهة والمتعبدين، كما هو الحال في المنحوتة البارزة التي ظهر بها إله الشمس بين الإلهة اللات ومتعبد وهو يرفع يده اليمنى بحركة منح البركة ( شكل 6) (Colledge 1976) . وبنفس الحركة ظهرت الإلهة اللات على مذبح يعود إلى القرن الأول الميلادي ( شكل : 49, Fig. 39) كما ظهرت وهي جالسة على عرش وٕالى جانبها أسد بحيث ترفع يدها اليمنى بحركة منح البركة وتحمل بيدها اليسرى سعفة نخيل . (Colledge 1976: 53, Fig. 49) (5) .(Tanabe 1986) ( 1)