ثورة ود حبوبة
يفتقر محتوى هذه المقالة إلى الاستشهاد بمصادر. (نوفمبر 2023) |
هذه مقالة غير مراجعة.(نوفمبر 2023) |
دولة العبدلاب عبقرية سودانية في العصور الوسطى
* باحث سوداني ينسف (المسلّمة) التاريخية التي تقول
بأسبقية الفونج في تأسيس الدولة
* د. محمد صالح محيي الدين: العبدلاب دولة مستقلة
وتحالفها مع الفونج تحالف عسكري
* الاتفاق بين الفونج والعبدلاب أسس لشراكة عسكرية
وسياسية وتميز بالندية
* الإسلام في السودان انتشر عن طريق المصاهرة
والمعايشة والاختلاط
رأينا في هذه الصحيفة أن نقوم باستعراض عددٍ من الدراسات السودانية
في شتى المجالات السياسية والتاريخية والاقتصادية والثقافية والفنية
بهدف إتاحة فرصة للأجيال المعاصرة للتعرف على الفكر السوداني في
مجالاته المتنوعة والمتجددة، فالباحثون السودانيون لا يقلون شأناً
وشأواً عن رصفائهم في كل بقاع العالم ولهم نظرياتهم ورؤاهم التي
تستحق أن نقف عندها ونحتفي بها ونعرّضها (للمباحثة) والمدارسة
والسودان غني بدراسات قيمة مخبوءة في أرفق مكتبات الجامعات
في شكل كتب ورسائل ماجستير ودكتوراه تحتاج لنفض الغبار عنها
وتقديمها مجلوة لأجيالنا الحاضرة ليتخيروا منها ما تشتهيه ميولهم
الفكرية والثقافية لأن الحراك الفكري لا ينضج إلا بالمدارسة والأفكار
لا تفوح رائحتها إلا من بين نيران المغامرة الفكرية والمبادرة والمبادأة.د
وبين أيدينا دراسة فريدة من نوعها، طريفة في موضوعها، وهي الدراسة
التي أعدها الأستاذ محمد صالح محيي الدين لنيل درجة الماجستير من
جامعة الخرطوم ومن ثم نشرت الدراسة في كتاب بعنوان الرسالة نفسها
وهو (مشيخة العبدلاب وأثرها في الحياة السياسية في السودان) وأهمية
الدراسة أوضحها الكاتب في صدر تقديمه لها بقوله (ترجع أهمية دولة
العبدلاب في تاريخ السودان إلى أنها تمثل نقطة تحول بارزة فيه فقد كانت
أول حكومة عربية إسلامية خالصة لا مكان للجدل في عروبتها انتقلت
بالسودان –مع سلطنة الفونج- لأول مرة من بلد تسيطر عليه دولة
مسيحية زهاء عشرة قرون إلى عهد جديد تسود فيه دولة الإسلام).
ويقول الباحث: (إن مشيخة العبدلاب (1504-1821) برزت للوجود
في وقت كانت فيه أجزاء كبيرة من القارة الأفريقية وفي مقدمتها
السودان غير مطروقة من الغربيين ولا معروفاً عنها إلا النذر اليسير
فالسودان لم يعرفه المؤرخون الأوربيون معرفة علمية صحيحة إلا بعد
الفتح التركي المصري أي بعد سقوط دولة العبدلاب وللحصول على
معلومات موثقة حول دولة العبدلاب التي قال الباحث إن المصادر
التاريخية حولها شحيحة ونادرة بذل الباحث جهداً خارقاً في التقصي
من خلال المراجع العربية مثل أبن عبد الحكم والبلاذري والمسعودي
والمراجع السودانية وكتب الرحالة.
وقام بتقويم هذه المصادر والمراجع حتى تمكن من إعداد رسالته التي
تعتبر أول ما كتب عن تاريخ العبدلاب ويمهد الباحث لموضوعه بدخول
العرب في السودان الشمالي وبما أن هذا الموضوع مطروق للكثيرين
إلا أن هناك إشارةً مهمة أوردها الكاتب نقلاً عن المسعودي ويؤيده
الدكتور محمد محمود الصياد اللذان يقولان: (وهنا لا بد من أن نشير
إلى أن الجماعات العربية لا ترجع هجرتها إلى السودان إلى القرن
السابع الميلادي أي إلى وقت ظهور الإسلام في السودان فحسب)
وإنما تعود إلى زمن أبعد من هذا بكثير (فقد عرف العرب هذه المناطق
قبل الإسلام إذ وصلوا مصر والسودان للتجارة باحثين عن الذهب
والعاج والبهارات وغيرها وكثيراً ما عبروا بوغاز باب المندب أو
برزخ السويس أو عبروا البحر الأحمر وقد استقر بعض هؤلاء دون
شك في البلاد) وهذا النص يؤكد وجود العرب منذ أقدم العصور في
السودان ولم يكن بالطبع وجوداً طارئاً كما يحاول بعض المغرضين
إثارة الغبار حول دخول العرب للسودان وتلك قصة أخرى.
ويذكر الباحث أن الروايات التاريخية تواترت على أن سوبا عاصمة
علوة المسيحية كان سقوطها في أوائل القرن السادس عشر الميلادي
على أيدي جماعة من الفونج كانت تقيم في جبال (لولو) ثم انتقلت
منها إلى سنار وجماعة أخرى من عرب القواسمة وهم من أصل جهني
كانوا يقيمون حول سوبا وعلى أنقاض علوة قامت قري وسنار..
أفلا يلزم عملياً من هذا السقوط الذي أحدثه العرب بمملكة علوة أنه
مسبوق بوصول جماعات عربية كبيرة وكثيفة إلى هذه الديار؟..
أعداد عربية من الوفرة بحيث يتسنى لها طبع هذه البلاد بطابع عربي
إسلامي يمثل العامل الحاسم في إنهاء دولة مسيحية استنفدت أغراضها
بتحول أهلها إلى الإسلام؟!..
ويضيف الباحث بقوله: (ونستطيع أن نتبيّن المدى الذي وصلت إليه
الكثرة العربية في أرض علوة من قول كثير من المصادر السودانية:
(إن قبائل جهينة وحدها حول سوبا عاصمة مملكة علوة بلغت اثنين
وخمسين قبيلة واستقرت هذه الجماعات العربية (على شكل مجموعات
متفرقة تحت سلطان ملوك علوة محافظة على نظامها القبلي ولا بد
أنهم كانوا يدفعون إلى ملك علوة ويفهم من نص ذكره أحد أحفاد الشيخ
عبد الله جماع مؤسس دولة العبدلاب أن الشيخ عبد الله (910هـ-
970هـ) كان يتولى في ذلك الوقت جمع الإتاوات من القبائل العربية
ويدفعها لخزينة مملكة علوة وقد جاء في مخطوط هذا الحفيد ما نصه
(ولقد كان الشيخ عبد الله جماع مقدماً على العرب يدفع خراجهم للنوبة
المسيحية) وجاء في موضع آخر من المخطوط (فتجمعوا –أي العرب-
تحت إمرة رجل منهم يدعى عبد الله بن محمد الباقر. وكان صاحب الرأي
في العرب والمشورة والوسيط بين النوبة والعرب في كل الشؤون).
ويذكر الباحث نقلاً عن الشاطر بصيلي أحد المؤرخين القدامى (ولم يحاول
المهاجرون انتزاع السلطان من الأسرات الحاكمة بقوة السيف بل تركوا
الأمر ليأخذ طريقه العادي وشغلوا أنفسهم بتوطيد أقدامهم في الدولة
الجديدة موضعاً موضعاً فمنهم من اشتغل بالزراعة وممارسة الحرف في
المدن وفي مواطن الخصب واختلطوا بذلك مع السكان اختلاطاً كاملاً).
ومنهم من استهواه أن يسيح في الصحراء وراء إبله طلباً لمواطن الرعي
أنىّ كانت ومنهم من نقل التجارة على إبله عبر الطرق الصحراوية بين
النيل وموانئ البحر الأحمر ومصر والمناطق المجاورة.
كذلك لم يحاول هؤلاء العرب أن يقوموا بعمل جماعي مباشر يهدف إلى
نشر الدين الإسلامي بين السكان كما يقول الباحث (بل اكتفوا بمساكنة
السكان الأصليين كل على دينه) إلى أن انتشر الإسلام بينهم بالتدريج
بعد المعايشة والمصاهرة والاختلاط بل إن العرب لم يطالبوا بحكم ذاتي
أو مملكة خاصة (ولكن كانت لهم أحياؤهم الخاصة في المدن الكبيرة
ولهم قراهم الخاصة).
وهذه دلالة ذات قيمة في سلوك المهاجرين الأوائل من العرب إلى السودان
وهو في الأصل سلوك إسلامي عالمي إذ أن الإسلام انتشر بالمعايشة
والمساكنة ولم ينتشر بحد السيف سواء في هذه البلاد أو في أي بقعة
من العالم المهم أن عبدالله جماع شرع في مراسلة رئيس الفونج عمارة
دونقس ليرى إمكانية عقد حلف بين الفوج وعرب القواسمة للقضاء
على ملوك سوبا التي تعيش حالة من التدهور والاضطراب وقد أورد
الباحث نصاً لمندور المهدي في كتابه السودان من أقدم العصور يقول
فيه: (فالثابت أنه في أوائل القرن السادس عشر حوالي سنة 1505م
تحالفت قبيلة القواسمة العربية مع الفونج على أن يقضوا على دولة
علوة المسيحية التي كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة وكان على رأس
القواسمة شيخ يدعى عبد الله جماع وكان على رأس الفونج عمارة
دونقس).
وكان هذا الحلف يقوم على شروط منها أن يقود عبد الله جماع الجيش
ويمده حليفه عمارة بالعسكر والمؤن وأن العرب الموجودين في منطقة
الفونج يخدمهم شيخ دار ولد جماع (وخدمة العرب تعنى جمع الضرائب
منهم) ونص الاتفاق على النجدة عند الحاجة بالقوة والمال إذا اعتدت
دولة أخرى على الجزء الذي يحكمه العرب أو الجزء الذي يحكمه
الفونج وأوضح الاتفاق أن الجزء الذي يملكه الفونج هو منطقة الجزيرة
الواقعة بين النيلين الأبيض والأزرق وبقية السودان من نصيب العبدلاب
وأن التولية لأي رئيس جديد في سنار أو في قري لا تتم إلا بحضور
مفوضين من العاصمتين والكبير في السن من أبناء الشيخ عبد الله جماع
أو الملك عمارة دونقس هو صاحب الكلمة فيها وإذا حضر ولد جماع
بسنار (عاصمة الفونج) لا يدق نحاس مع نحاسه وكذلك الحال بقري
(عاصمة العبدلاب) لايدق نحاس مع نحاس مك الفونج.
وأن رؤساء قبائل العرب الذين هم أهل الطواقي (شارات الملك) تتم
توليتهم في قري (أي عندما يتم اختيارهم رؤساء لقبائلهم لا يتم تدشينهم
إلا في قري).
وكان إبرام هذا الاتفاق سنة 910هـ- 1504م باتفاق الروايات.
ويؤكد الباحث على أن ملوك العبدلاب لم يكونوا وكلاءً أو نواباً أو وزراء
للفونج أو نحو ذلك مما يقول به بعض المؤلفين المحدثين ويقطع الباحث
بقولهSadلاشك عندي أن شيوخ العبدلاب كانوا يتمتعون بقدر وافر وعظيم
من الاستقلال الذاتي في إدارة شؤون الأقاليم التي كانت تخضع لسلطانهم
وقدم الباحث أدلة الإثبات على هذه الدعوى استحياء من نصوص قديمة
وضعت أساساً لتعالج أموراً أخرى حيث يذكر ظاهرة الاستقلال ومداه من
عدة نصوص من كتاب طبقات ود ضيف الله إذ يقول صاحب الطبقات
وهو يعدد العلماء الذين قدموا إلى السودان: (وقدم الشيخ عبد الرازق أبو
قرون من دارالصعيد إلى دار الأبواب، وقدومه في دولة الملك بادي أبو
رباط وفي قري الأمر دائر بين قنيص وعجيب ولدي عربي ولد عجيب.
ويقول في ترجمة الشيخ النور بن موسى أبوقصة: (أعطاه الله القبول
عند الملوك والسلاطين وملوك الفونج والعرب) ويترجم للشيخ بدر
الدين أم بارك قائلاًSadهو أحد الأئمة الأربعة الذين كانوا في عصر واحد
وانقادت لهم العرب والعجم) ويتحدث عن شجاعة بدوي أبو دليق فيقول
(المظلوم والمرقوب من سنار وقري ما تجد من يقوي قلبه إلا ود أبو
دليق) وعندما تحدث عن مقدم تاج الدين البهار يقال: (وكان قدومه أول
النصف الثاني من القرن العاشر أول ملك الشيخ عجيب المانجلك)
فماذا يقر في الذهن من تأمل النص علىSadالعرب والعجم والعرب الفونج
وسنار وقرّي وماذا يفهم من التاريخ –لقدوم أهل العلم- بزمن حكم أحد
ملوك سنار وأحد شيوخ قري في آن دون الاكتفاء بملك سنار؟.
وتتوالى نصوص الطبقات مؤكدة وجود حكومتين منفصلتي في السودان
فعند الترجمة للشيخ حسن ود حسونة يقول المؤلف: (الخيل المعبّدات
يجلبوهن إلى تقلي ودار برقوق ودارفور وسنار وأولاد عجيب وتجدر
الإشارة هنا إلى أن تقلي في هذا الإبان كانت مملكة مستقلة عن كل
نفوذ وكذلك الحال بالنسبة لدار برقو وطبيعي أن تلازم صفة الاستقلال
كذلك كلا من سنار وعاصمة أولاد عجيب قري..
ويورد الباحث من أوثق المصادر القديمة المعروفة إلى الآن التي تقول
بقيادة عبد الله جماع منذ البداية لدولة العبدلاب وأنه صاحب الفضل
في قيام الحكم الإسلامي يقول هولت(أمام ملكة علوة فإن حظها لم يكن
كحظ المقرة إذ عاشت إلى أن أسقطها القائد العربي عبدالله جماع
وانتقلت بذلك عاصمة البلاد من سوبا إلى قرّي)؟
وهكذا تصّور لنا دراسة الدكتور محمد صالح محيي الدين هذه العبقرية
الفذة في القرون الوسطى وترشح من خلالها عدة فوائد أهمها أن تغلغل
العرب في السودان كان طبيعياً وأن انتشار الإسلام كان بالمعايشة
والمصاهرة والاختلاط وأن دولة العبدلاب كانت عبقرية سودانية ف
ي العصورالوسطى بإرسائها لنظام الأحلاف العسكرية والشراكة
السياسية في السودان القديم والمتجدد. 🏹🏹
منغول. *أحفاد السنانير*دولة العبدلاب السودانية
عوض بشير،، القواسمة
هذه المقالة غير مصنفة. (نوفمبر 2023) |