الثورة الإيبيرية
كانت الثورة الإيبيرية (197 - 195 قبل الميلاد) تمردًا للشعوب الإيبيرية على الهيمنة الرومانية في ولايتي هسبانيا الأقرب وهسبانيا الأبعد، اللتان أنشأتهما الدولة الرومانية في هسبانيا قبل فترة وجيزة من التمرد لتنظيم حكم هذه الأراضي.[1]
قسمت الجمهورية الرومانية مكتسباتها في جنوب شبه الجزيرة الإيبيرية وشرقها عام 197 إلى ولايتين: هسبانيا الأقرب وهسبانيا الأبعد، ويحكم كل منها بريتور (حاكم). طُرحت العديد من الاحتمالات المسببة للصراع، لكن السبب الأكثر قبولًا هو ذلك المستمد من التغييرات الإدارية والمالية الناتجة عن تحويل الإقليم إلى ولايتين.[2][3]
بعد بدء الثورة في الولاية الأبعد، أرسلت روما الحاكم غايوس سيمبرونيوس توديتانوس إلى الولاية الأقرب وماركوس هيلفيوس بلاسيون إلى الولاية الأبعد.[4] قُتل غايوس توديتانوس أثناء الاشتباكات، قبل فترة وجيزة من انتشار التمرد إلى الولاية الأقرب. ومع ذلك، فقد حصد ماركوس هيلفيوس بلاسيون - الذي تعامل مع التمرد عقب وصوله إلى ولايته دون اعتبار أو حسبان - انتصارًا مهمًا على الكلت الإيبيريين في معركة إليتورجي. كان الوضع بعيدًا عن السيطرة كل البعد، وأرسلت روما الحاكمان كوينتوس مينوسيوس تيرموس وكوينتوس فابيوس بوتيو في محاولة أخرى لتسوية النزاع. ومع ذلك، فشلا في حل الموقف بالكامل، ولو أن كوينتوس مينوسيوس قد حقق بعض الانتصارات، مثل معركة توردا، حيث تمكن من أسر الجنرال الإسباني بيسادين.[5][6]
أرسلت روما في عام 195 قبل الميلاد، على إثر هذه الأحداث، القنصل ماركوس بورسيوس كاتو على رأس جيش قنصلي لقمع الثورة، وعندما وصل إلى هسبانيا، وجد الولاية الأقرب بأكملها في حالة تمرد، وكانت القوات الرومانية تسيطر على عدد قليل من المدن المحصنة.[7] أنشأ كاتو تحالفًا مع بيليستاج ملك الإليرغيت، وحصل أيضًا على دعم بوبليوس مانليوس، الحاكم المعين حديثًا لهسبانيا الأقرب وأُرسل كقنصل مساعد. توجه كاتو إلى شبه الجزيرة الإيبيرية، ونزل في رود وأخمد تمرد الهسبان الذين يحتلون الميدان. انتقل بعدها مع جيشه إلى إمبوريون، حيث نشبت أكبر معركة في الصراع، ضد جيش من السكان الأصليين متفوق عدديًا بشكل لافت. بعد معركة طويلة وصعبة، حقق القنصل نصرًا كاملًا، وتمكن من إلحاق 40,000 ضحية في صفوف العدو. بعد انتصار كاتو الكبير في هذه المعركة الحاسمة، التي قضت على القوات الإسبانية، عادت الولاية الأقرب إلى السيطرة الرومانية.[8][9]
وعلى الجانب الآخر، ظلت الولاية الأبعد غير خاضعة للسيطرة، وكان على القنصل التوجه نحو تورديتانيا لدعم الحاكمان بوبليوس مانليوس وأبيوس كلوديوس نيرو. حاول كاتو إقامة تحالف مع الكلت الإيبيريين، الذين عملوا كمرتزقة مأجورين لدى التورديتانيين، وكان بحاجة لخدماتهم، لكنه فشل في إقناعهم.[10] بعد استعراض للقوة، بالعبور مع الفيلق الروماني في جميع أنحاء إقليم الكلت الإيبيريين، أقنعهم بالعودة إلى أراضيهم. كان خضوع جيش الأصليين مجرد مظهر، وعندما انتشرت شائعات رحيل كاتو إلى روما، استؤنف التمرد. كان على كاتو أن يتصرف مرة أخرى بحزم وشدة، وهزم المتمردين شر هزيمة في معركة برغيوم. أخيرًا، باع كاتو الأسرى كعبيد ونُزع سلاح سكان الولاية الأصليين.[11][12]
المواجهات الأولى
قسمت الجمهورية الرومانية عام 197 قبل الميلاد مكتسباتها في جنوب شبه الجزيرة الإيبيرية وشرقها إلى ولايتين: هسبانيا الأقرب (الساحل الشرقي، من جبال البرانس إلى قرطاجنة)، التي سُميت فيما بعد تاراكونيس وعاصمتها تاراكو، وهسبانيا الأبعد (تقريبًا الأندلس الحالية)، وعاصمتها قرطبة، ويحكم كل منها بريتور. نتج عن تحول الإقليم إلى ولايتين تغييرات إدارية ومالية مهمة، ولم تقبل القبائل المحلية تطبيق الستيبينديوم (من أشكال الضرائب)، لذلك في عام 197 قبل الميلاد، وبعد انتهاء الحرب المقدونية الثانية مباشرة، اندلعت ثورة كبيرة في جميع أنحاء المنطقة المحتلة في هسبانيا بسبب النهب الذي مارسته الجمهورية.[13]
توجب تعيين حكام للولايتين الجديدتين، لذلك أرسلت الجمهورية البريتور غايوس سيمبرونيوس توديتانوس إلى هسبانيا الأقرب وماركوس هيلفيوس بلاسيون إلى هسبانيا الأبعد مع 8,000 جندي من المشاة و800 فارس لتسريح المحاربين الأقدم، ومع أمرٍ بترسيم حدود الولايتين. عندما وصل ماركوس هيلفيوس إلى ولايته، واجه تمردًا كبيرًا، فأبلغ مجلس الشيوخ. ثار العديد من الزعماء المحليين في هسبانيا الأبعد، من بينهم الريغولا كولكاس على رأس جيش 17 مدينة، والأمير لوكسينيوس، قائد قوات مدينتي كارمو وباردو. انضمت أيضًا مدن مالقة والمنكب وبايتوريا بأكملها إلى الثورة.[14]
بعد ذلك بوقت قصير، اتسعت رقعة الحرب، التي بدأت في الولاية الأبعد، لتصل إلى الولاية الأقرب أيضًا، حيث توفي حاكمها، غايوس سيمبرونيوس توديتانوس متأثرًا بجروح أُصيب بها في المعركة، إلى جانب العديد من الجنود، في نهاية عام 197 قبل الميلاد؛ وظلت الولاية دون حاكم حتى العام التالي. من المحتمل أن ماركوس هيلفيوس نفسه، حاكم الولاية الأبعد، تولى أيضًا السيطرة على الولاية الأقرب حتى وصول خليفة سيمبرونيوس.[15]
كان كوينتوس مينوسيوس تيرموس وكوينتوس فابيوس بوتيو الحاكمان المنتخبان في عام 196 قبل الميلاد لتولي مسؤولية هسبانيا الأقرب وهسبانيا الأبعد على الترتيب. مُنحا تعزيزات تتكون من فيلقين و4,000 جندي من المشاة و300 فارس، وأُمرا بالمغادرة على عجل إلى الولايتين لمواصلة الحرب. هزم كوينتوس مينيسيوس المتمرد بودار وبيسادين في مكان غير محدد يدعى توردا، وتسبب في سقوط 12,000 ضحية ضمن صفوف الهسبان، واحتجز الجنرال بيسادين. نتيجة لذلك، حاز كوينتوس مينوسيوس على شرف النصر عند عودته إلى روما عام 195 قبل الميلاد.[16]
انتصار الرومان في إليتورجي
نظرًا للنجاح المحدود الذي حققه حاكم هسبانيا الأقرب عام 196 قبل الميلاد، أعلن مجلس الشيوخ الروماني أنها «ولاية قنصلية»، نظرًا لأن تدخل الجيش القنصلي كان ضروريًا للسيطرة على الوضع. انتُخب ماركوس بورسيوس كاتو الأكبر قنصلًا في عام 195 قبل الميلاد إلى جانب صديقه لوسيوس فاليريوس فلاكوس، وكان من نصيب كاتو، بالقرعة، تولي مسؤولية هسبانيا الأقرب. انتُخب أيضًا حاكمان لهسبانيا الأبعد وهسبانيا الأقرب، أبيوس كلوديوس نيرو وبوبليوس مانليوس، على الترتيب، مع قواتٍ خاصة بهما، على الرغم من أنه، بسبب حالة الطوارئ، سُمح لهما بإضافة 2,000 جندي مشاة و200 فارس إلى الفيالق التي تسلموها من أسلافهم. شرع القنصل ماركوس بورسيوس كاتو، الذي لم يكن قادرًا على منع إلغاء قانون أوبيا، مع قواته في هسبانيا لتولي مسؤولية الولاية الأقرب مع بوبليوس مانليوس كمساعد، فترك الولاية الأبعد لأبيوس كلوديوس.[17]
كان على ماركوس هيلفيوس بلاسيون، على الرغم من أنه سلم حكومة الولاية إلى خليفته، البقاء في هسبانيا بسبب مرض عضال. بعد تعافيه، تعرض للهجوم من قِبل 20,000 كلتي إيبيري بالقرب من إليتورجي، وكان محاطًا بستة آلاف جندي أرسلهم الحاكم أبيوس كلوديوس نيرو. تمكن ماركوس هيلفيوس من صد المهاجمين وهزمهم وأوقع منهم نحو 12,000 ضحية. احتل الرومان إليتورجي، وحظي ماركوس هيلفيوس بلاسيون بفضل هذا الانتصار على الأوفاتيو، مراسم احتفال رومانية، منحه إياه مجلس الشيوخ عام 195 قبل الميلاد. لكنه لم يكن مؤهلًا لمراسم النصر، بعد أن قاتل في ولاية تنتمي إلى حاكم آخر. عند وصوله إلى روما، سلّم ماركوس هيلفيوس 14,732 رطلًا من الفضة غير المسكوكة إلى الجمهورية، و17,023 رطلًا مسكوكًا، و119,439 رطلًا من الفضة الأوسنزية. وهكذا وصل ماركوس هيلفيوس إلى روما بعد عامين مما كان مخططا له. تُعطي كميات الثروة هذه المأخوذة من هسبانيا فكرة عن اضطرابات الشعوب الأصلية، ويمكن اعتبارها سببًا محتملًا للتمرد.[18]
المراجع
- ^ Grant (1987, p. 122)
- ^ Arrayás Morales (2005, p. 40)
- ^ Martínez Gázquez (1992, p. 172)
- ^ Titus Livius () (XXXIII, 44, 4-5)
- ^ Titus Livius () (XXXII, 27, 7; XXXII, 28, 2 and 11)
- ^ Appian (1968) (39)
- ^ Moure Romanillo (1991, p. 575)
- ^ Appian (1968) (39-41)
- ^ Martínez Gázquez (1992, p. 107)
- ^ Martínez Gázquez (1992, p. 168)
- ^ Rovira i Virgili (1920, p. 55)
- ^ Ramon i Arrufat (1982)
- ^ Titus Livius () (XXVII, 4)
- ^ Titus Livius () (XXVIII, 38; XXIX, 1—3, 13; XXXII, 7)
- ^ Martínez Gázquez (1992, p. 160)
- ^ Martínez Gázquez (1992, p. 28)
- ^ Titus Livius () (XXXII, 28, 11)
- ^ Titus Livius () (XXXII, 28, 2-11)