طراز فني سلجوقي

هذه هي النسخة الحالية من هذه الصفحة، وقام بتعديلها عبود السكاف (نقاش | مساهمات) في 21:14، 4 يوليو 2022 (بوت:تدقيق إملائي V2.2). العنوان الحالي (URL) هو وصلة دائمة لهذه النسخة.

(فرق) → نسخة أقدم | نسخة حالية (فرق) | نسخة أحدث ← (فرق)

الطراز الفني السلجوقي ينسيب إلى السلاجقة وهم قبائل من التركمان الرحل، قدموا من إقليم القرغيز في آسيا الوسطى، واستقروا بالهضبة الإيرانية. كان السلاجقة من أتباع المذهب السني، وأتيح لهم منذ القرن الخامس الهجرى (منتصف القرن الحادى عشر الميلادى) الاستيلاء على السلطان في الشرق الأدنى؛ ولكن امبراطوريتهم الواسعة لم تلبث أن تمزقت، وآل حكمها إلى أسر صغيرة أسسها بعض أفراد أسرتهم أو كبار قوادهم (الأتابكة)، ثم قضى عليها المغول في القرن السابع الهجرى (بداية القرن الثالث عشر). وقد كان الأمراء السلاجقة يشملون الفنون برعايتهم في آسيا الصغرى والعراق وإيران، ولكن العنصر التركى الذي ينتمون إليه لم يظهر تأثيره في العمائر والتحف الفنية في عصره لأنهم كانوا يستخدمون أبناء البلاد أنفسهم في الأقاليم الإسلامية المختلفة، ويشجعونهم بما يكلفونم به من عمل أو يشترونه من تحف فنية. ومع ذلك كله فقد نشأ تحت رعايتهم طراز قائم بذاته، امتاز بضخامة العمائر واتساعها ومظهرها القوي، كما امتاز أيضا باستخدام رسوم الكائنات الحية محوّرة عن الطبيعة، على النحو الذي امتازت به الفنون الإسلامية عامة. ومن مميزات الطراز السلجوقي، عدا ذلك، كثرة استخدام الزخارف المجسمة ولا سيما في وجهات العمائر.

ضريح خالد وليد في وسط باكستان يتميز بالعناصر المعمارية السلجوقية التي أدخلت إلى المنطقة.

ولكن الواقع أن أهم الآثار الفنية اتى خلفها هذا الطراز السلجوقي تنسب إلى آسيا الصغرى وأرمينية وبلاد الجزيرة والشام. وما يلاحظ في العمائر الدينية السلجوقية أنها لم تكن مقصورة في أغلب الأحيان على المساجد فحسب، بل كثر بناء الأضرحة عل شكل أبراج اسطوانية أو ذات أضلاع وأوجه عدة، أو على شكل عمائر ذات قباب، كما أدخل السلاجقة بناء المدارس لتعلم المذهب السنى. والواقع أن المذهب الشافعي كان له أتباع كثيرون متفرفون في بعض بقاع إيران، ولكن هذا المذهب السني لم تكن له صفة رسمية إلا على يد السلاجقة، ولا سيما الوزير نظام الملك الذي شيد له المدارس الفخمة والذي عرف برعايته للشاعر والفليسوف الإيرانى عمر الخيام. على أن ما شيد في إيران من تلك المدارس لم يبق منه شئ. وقد كان كله لتدريس المذهب الشافعى، بينما غلب مذهب ابن حنبل على المدارس التي أسست في العراق، ومذهب أبى حنيفة على ما شيد منها في الموصل وسورية. وقد حدث بعد ذلك أن الخليفة العباسى المستنصر بالله (623 - 640 هـ، 1226 - 1242 م) شيد المدرسة النى تنسب اليه في بغداد، وجعلها لتدريس المذاهب السنية الأربعة.

وقد كان لبناء المدارس أثر كبير في تصميم المساجد بعد ذلك؛ فقد استطاعت إبران أن تجمع بين تصميم المدارس ذات الصحن المستطيل واستخدام القباب في المساجد؛ وانتقل هذا النظام الجديد في تشييد المساجد إلى الكثير من الأقطار الإسلامية. وصار الصحن في المساجد الجديدة لا يختلف كثيرا عن فناء المدرسة.

مما يلاحظ في العمائر السلجوقية على وجه الإطلاق ما للمدخل من الضخامة وخطورة الشأن. كما تمتاز العمائر السلجوقية المختلفة بتنوع الزخارف في أبوابها تنوعا تزيده الثروة الزخرفية ظهورا، ويكسب البناء طابعا خاصا.

مسجد الجامع أصفهان

وقد شهد العصر السلجوقي في إيران تقدما عظيما في بناء العمائر ذات القباب والأقبية كما نرى في الجزء الذي بني على يد السلطان ملكشاه من مسجد الجمعة بمدينة إصفهان.

جامع كاشان

على أن أعظم تجديد أصابته العمائر الإيرانية في القرنين السادس والسايع بعد الهجرة (الثانى عشر والثالث عشر) هو تزيين الجدران بالزخارف القاشانية من اللوحات أو الفسيفساء. وعرفت إيران في المساجد محاريب مسطحة لا تجويف فيها؛ ولكن عليها رسوما تمثل محربا يحف به عمودان بارزان. وكات هذه المحاريب تصنع من الجص أو من القاشاني ذي البريق المعدنى. وفي القسم الإسلامى من متحف برلين محراب من القاشانى مُؤرخ من سنة 623 نهـ (1226 ميلادية) وبظن أنه كان في مسجد الميدان بمدينة قاشان.

وقد شهد العصر السلجوق في ميدان الكتابة تجديدا خطير الشأن؛ اذ استخدمت الكتابة النسخية المستديرة، فضلا عن الكتابة الكوفية التي كانت تُجمّل بالفروع النباتية وتوصل حروفها بعضها ببعض فوصلت إلى حد كبير من الجمال والثروة الزخرفية. ويختلف تاريخ استخدام الخط النسخ باختلاف الأقطار الإسلامية ولكن يمكن بوجه عام اعتبار القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) عصر الانتقال إلى هذا النوع من الكتابة.

كما ذاع استخدام الورق في العصر السلجوقي، ولم يعد الرق يستعمل إلا في المناسبات النادرة. وقد أخذ المسلمون صناعة الورق عن الصينيين، وكان بدء إنتاجه في سمرقند، ثم انشرت صناعته في سائر الأقاليم الإسلامية.

"تحضير الدواء من العسل" مترجم ومصور من ديوسكوريد من قبل مدرسة بغداد

وتنسب إلى العصر السلجوقي أولى مدارس الرسم والتصوير في الإسلام، وتسمى في معظم الأحيان مدرسة بغداد أو العراق، ولكنها في الواقع عربية أكثر منها إيرانية، ويذكر أن صور تلك المدرسة كانت لا تقل عن الصور الغربية المعاصرة لها في دقة الألوان ونضارتها، وقوة الرسم واتزانه، وأنها كانت متاثرة بأساليب الرسم والتصوير عند أصحاب مذهب مانى في معابد بلاد التركستان الشرقية وأديرتها. وقد كان ماني من كار المصلحين الاجتماعيين في إيران عاش في القرن الثالث الميلادى وبشر بمذهب ديني جديد هو مزيج من الزرادشتية؛ دين الإيرانيين القديم والمسيحية. وكان مانى مصوّرا قديرا، ولعل تلاميذه كانوا كذلك أيضا؛ فقد سار هو وأتباعه على توضيح كتبهم الدينية بالرسوم والصور، كما نعرف من المصادر التاريخية والأدبية، ومن الصور التي عثر عليها العالمان الألمانيان فون لوكوك وجرينفيدل في مدينة طرفان من أعمال التركستان الصينية. وقد كانت هذه المدينة بين عامي 143 و 225 بعد الهجرة (760 - 840 م) عاصمة لدولة الاويغور التركية الجنس والمانوية المذهب. والمعروف أن أمراء السلاجقة وقوادهم كانوا يستخدمون في بطانتهم كتابا من أصل اويغوري. وأكبر الظن أن أثرهم في قيام مدرسة العراق كان أعظم من أثر أتباع الكنيسة المسيحية في بلاد الشام والجزيرة.

كانت صناعة التحف المعدنية زاهرة في العصر السلجوقي. وكانت مقاطعة خراسان في طليعة الأقالم السلجوقية إلى امتازت في هذا الميدان؛ ولا غرو فانها كانت في عصر الدولة السامانية (261 - 389 هـ، 874 - 999 م) مركزا عظيما لإنتاج التحف والأوانى من البرونز، وتزينها بالزخارف الإيرانية القديمة ذات الطراز الساساني. وتوجد في بعض المتاحف والمجموعات الأثرية الخاصة عددا كيرا من التحف المعدنية لا ترال عليها زخارف من الطرز التي سبقت العصر الإسلامي، ولكن فيها بعض تفاصيل دقيقة تظهر لذوى الخبرة وتدل على أن هذه التحف مصنوعة

في صدر الإسلام، واحتفظ الفنانون في صناعتها بالأساليب الفنية الساسانية؛ بل احتفظوا عدا ذاك بأشكال التحف والأوانى القديمة. أما في عصر السلاجقة فقد ذاعت شهرة خراسان بصناعة التحف من النحاس والفضة وتطبيقها (تكفيتها) بالفضة في القرنين الخامس والسادس بعد الهجرة (الحادى عشر والثانى عشر بعد الميلاد). وكانت هذه التحف تزين في أغلب الأحيان بأشرطة أفقية من الزخارف فيها كتابات نسخية، تنتهي بعض قوائم الحروف فيها برسوم رؤوس آدمية، وفيها رسوم راقصات وفرسان ومناظر طرب وموسيقى وبهلوان وما إلى ذلك.

على أن المدينة التي قدّر لها أن تصبح أعظم مركر لصناعة التحف المعدنية المنزلة بالفضة والذهب هي مدينة الموصل في القرنين السادس والسابع بعد الهجرة (الثاني عشر والثالث عشر بعد الميلاد). وامتازت منتجاتها بدقة الزخارف المطبقة أي المطعمة، وباستخدام الذهب في التطبيق أو التكفيت، مما اكسب تلك التحف جمالا وإبداعا عَظيْمين؛ ولا عجب فقد كانت كراهية اتخاذ الأواني من المعادن النفيسة سببا في العمل على تطبيق النحاس والبرونز بزخارف الفضة والذهب.

وقد كان لمدرسة الموصل أكبر الأثر في تطور صناعة المعادن في سائر الأقطارالإسلامية؛ فقد رحل منها صناع كثيرون إلى القاهرة وحلب وبغداد ودمشق وأسسوا مدارس جديدة لصناعة التحف المعدنية وتطبيقها بالفضة والذهب في أسلوب فني يظهر فيه التاثر بأساليب مدرسة الموصل في هذا الميدان.

وازدهرت صناعة الخزف في العصر السلجوقي وظهرت المهارة التي ورثها صناع الحزف الإيرانيون والعراقيون عن العصور القديمة. وأقبل القوم على استخدام القاشاني لتزيين الجدران، والخزف لصناعة الأوانى الجميلة، وذاعت شهرة مدينتي الرقة والموصل. إلا أن المركز الذي يرتبط مع العصر السلجوقي هو مدينة الري جنوبي طهران. فهو المركز الثالث لإنتاج الخزف السلجوقي بل هو أعظمها على الإطلاق. فقد ظلت هذه المدينة حتى القرن السابع الهجرى (النصف الأول من القرن الثالث عشر الميلادى) مقر صناعة زاهرة جدّا، وموطنا لانتاج أنواع دقيقة وبديعة من الخزف الذي أكسب إيران في هذا الميدان شهرة لا تدانيها شهرة الصين في ذلك العصر، والذي امتاز بتنوع أشكاله وجالما وإبداع زخارفه واتزانها. والواقع أن أكبر مركز لصناعة الخزف ذي البريق المعدني كان في مصر إبان العصر الفاطمي. ثم أصبحت القيادة في هذا الميدان لمدينة الرى منذ القرن السادس الهجرى (الثاني عشر الميلادي)

بهرام جور

وتوصل الخزفيون فيها إلى التجديد في صناعتهم إبان القرن السادس الهجرى (الثاني عشر الميلادي) فلم تعد منتجاتهم مقصورة على النوع الذي يعرف باسم جبري وينسب معظمه إلى ما بين القرنين الرابع والسادس الهجري (العاشر والثانى عشر بعد الميلاد). وهو شعبى يمتاز بزخارفه المحفورة حفرا عميقا على أرضية من الفروع النباتية، والتي تذكر بعض الشئ بالزخارف الساسانية في رسومها المكونة من حيوان أو طائر، يكسبه الحفر العميق شيئا من البروز. وفّق الخزفيون بمدينة الري في القرن السادس (منتصف القرن الثانى عشر الميلادى) إلى صناعة الحزف ذى البريق المعدنى أسموه مينائى. وهو في أغلب الأحيان آنية، وفي بعض الأحيان لوحات، مدهونة بطلاء أبيض، فوقه رسوم متعدّدة الألوان من صور آدمية وفرسان، وأمراء على عروشهم، وحيوانات وطيور، وصور توضح قصصا من الأدب أو التاريخ الايرانى كقصة بهرام جور وخسرو وشيرين، وما إلى ذلك من الرسوم الدقيقة التي تشبه رسوم المخطوطات في المدرسة السلجوقية، والتي كان بعض أجزائها مذهباً. ومن المحتمل أن يكون مصورو المخطوطات قد اشتركوا في رسم الزخارف على بعض تلك الأوانى الخزفية. بيد أن عددا منها كانت رسومه من الفروع النباتية وليس فيها رسوم آدمية؛ كما أن بعضها كان طلاؤه أزرق أو أخضر. وثمة نوع كانت زخارفه بارزة ومجسمة.

أما صناعة الزجاج وتمويهه بالمينا فقد كان مركزها في العصر السلجوقي منذ القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) في أقليم سورية؛ وكانت زخارفه الدقيقة تشبه زخارف الخزف المصنوع في الري والتحف المعدنية المصنوعة في الموصل.

سجاد مسجد علاء الدين

وقد ازدهرت في عضر السلاجقة صناعة السجاد التي كانت قبل ذلك في يد القبائل الرحل بآسيا الوسطى؛ ومما يؤسف له أننا لا نعرف اليوم نماذج من هذه الصناعة بإيران في العصر المذكور؛ فان ما بقي من منتجات تلك الصناعة لا يتجاوز بعض قطع تنسب إلى آسيا الصغرى، وقد كانت في مسجد علاء الدين في قونية وهي اليوم محفوظة بالمتحف الإسلامي في اسطنبول. وألوان هذه القطع من مختلف درجات الأحمر والأزرق؛ وكانت الأرضية في ذلك السجاد مزينة بزخارف هندسية مكرّرة أو برسوم أشكال صغيرة كثيرة الأضلاع؛ ويحف بالأرضية من الجهات الأربع إطار من رسوم حروف كوفية لا تقرأ.

ولم يكن عصر السلاجقة من العصور الذهبية في تاريخ الفنون فحسب، بل ازدهرت فيه الثقافة الإيرانية الإسلامية في ميادينها المختلفة، ولا سيما في عصر ملكشاه ووزيره نظام الملك، الذي ألف كاب سياسة نامه وأنشأ المدرسة النظامية في بغداد، وشمل برعايته أعلام المفكرين في عَصره مثل الغزالي وعمر الخيام.

على أن السلاجقة في آسيا الصغرى أتيح لهم القيام بعمل حازم جليل، فقد قضوا على الصبغة البيزنطية التي كانت سائدة في تلك البلاد منذ العصور القديمة وجعلوها منطقة نفوذ إيرانية؛ فصارت التقافة الإيرانية والأساليب الفنية الإيرانية صاحبة السيادة في بلاطهم بمدينة قونية، وظل تاثير الطرز الفنية الإيرانية عظيما في العمائر والتحف الفنية التي أنتجتها تركيا من عصر السلاجقة حتى عصر الأتراك العثمانيين.

قالب:سلسلة الفنون في إيران