موقف الحكومة المصرية من حكومة عبد الكريم قاسم

هذه هي النسخة الحالية من هذه الصفحة، وقام بتعديلها عبود السكاف (نقاش | مساهمات) في 17:15، 18 نوفمبر 2023. العنوان الحالي (URL) هو وصلة دائمة لهذه النسخة.

(فرق) → نسخة أقدم | نسخة حالية (فرق) | نسخة أحدث ← (فرق)

بقيت العلاقات المصرية \ السورية، على عهد الوحدة، مع عراق حركة يوليو \ تموز 1958 تطرح باشكالية، حيث اتخذت جانب الدعم في مستهل الحركة ثم مالبثت ان انكفئت بعد شهور. ولالقاء الضوء على تلك العلاقة وتداعياتها وأسبابها في ادناه أهم الأسباب التي أدت بالعلاقة إلى الفتور والتوتر.

ملف:جريدة الجمهورية العدد 27 نوفمبر 1959.jpg
جريدة الجمهورية العدد 27 نوفمبر 1959

انظر كلمة عبد الناصر في26/11/1959 يرد على اتهامات عبد الكريم قاسم: افتح الجزء الثاني لسماع تسجيل الكلمة بهذا الصدد.

انظر نص موقف حكومة الجمهورية العربية المتحدة في الاهرام الجزء الأول

انظر نص موقف حكومة الجمهورية العربية المتحدة في الاهرام الجزء الثاني

مشكلة العلاقات الثنائية

بقيت العلاقات الثنائية بين مصر وسوريا المتوحدتان في الاتحاد العربي المسمى، الجمهورية المتحدة برئاسة جمال عبد الناصر، والعراق برئاسة وزراء عبد الكريم قاسم، علاقات متوترة لأسباب تتعلق بتناقض المنهج الايديولجي لكلا النظامين ورغبة عبد الناصر في تحقيق وحدة عربية تتبع التوجة الناصري، فنظام عبد الناصر كان يفسر كل نضرياته عل انها جزء من التيار القومي العربي ويطمح لتحقيق حلم توحيد أقاليم العرب كما كان في عهد الخلافات المختلفة. اما نظام حكم عبد الكريم قاسم فكان يحاول مقاومة الضغوط الناصرية المتمثلة بالتيار القومي في الحكومة من أجل التعجيل بالوحدة من جهة ومقاومة المد الشيوعي في العراق من جهة أخرى المدفوع بالإعجاب بالتجارب الشيوعية ومعاداة للغرب ودورة في تحييد العراق عن دورة العربي والإقليمي. مما حدا بعبد الكريم قاسم لان يعتمد على معايير الفردية في الحكم، بسبب فقدانه الثقة بمن حوله وعدم إعطاء الحكومة العراقية الفتية الوقت الكافي لترسي بناء المؤسسات المدنية.

الصراع الاعلامي

امتعض عبد الناصر من الخطاب الاعلامي الموجه من إذاعة العراق الرسمية وهي تنقل إليه ما يجرى في محكمة المهداوي، من تهجم على الجمهورية العربية المتحدة، ومن سب لها وشتم، ومن اتهام ضدها وافتراء حسب ادعاء القاهرة، حتى وصل الأمر إلى حد أن يقال أن القاهرة ودمشق عملاء للاستعمار والصهيونية، وأن الدولار قد عثر في القاهرة ودمشق على عباد له أو عبيد ينصاعون لأوامره ويخضعون لرغباته.

وحكومة بغداد في الطرف الآخر، قد اتهمت مرارا إذاعة صوت العرب القاهرية والصحف المصرية، بإثارة الراي العام ضد الحكومة العراقية، ووقوفها ضد طموحات بغداد بالامتداد للكويت فيما عرف بازمة الكويت عام 1961.

بداية الازمة

 
العقيد رفعت الحاج سري الدين مؤسس أولى خلايا تنظيم الضباط الوطنيين عام 1949

تعتقد حكومة القاهرة بان للازمة تداعيات قبل حركة 14 يوليو \ تموز 1958، حين بادرت بعض خلايا الضباط العراقييين بتأسيس تنظيم سري لهم يهدف لتقويض نظام الحكم الملكي، وذلك على شكل تنظيمات أو خلايا مصغرة تبلورت وتشكلت في ثكنات العراق ومعسكراته المختلفة. وكانت لكل كتلة أو خلية قد تأسست على وفق مباديء وايديولوجية التكتل الذي مثل هذه الخلية أو تلك، فمنها من تأسس على مباديء عراقية وطنية صرفة ومنها تاسس على مباديء قومية وحدوية ومنها الآخر تاسس على مباديء إسلامية وأخرى قد تاسس على مباديء شيوعية وهكذا. لذلك كان الصراع داخل التنظيم موجودا قبل الحركة ولكنه لم يكن ظاهرا للعيان بسبب توحد الجهود نحو هدف واحد هو إسقاط النظام الملكي. وبعد قيام الحركة طفت على الساحة هذه الاختلافات الايديولوجية والتي انعكست بدورها على العلاقة مع القاهرة.

انظر مقال تنظيم الضباط الوطنيين

عامل آخر كانت تعزى له توتر العلاقات بين الحكومتين، ذلك ان نوعا من التنافس على زعامة الوطن العربي بدات تلوح في الافق أيضا بسبب الإرث الحضاري لكلا الحضارتين والبلدين، الذان تنازعا على زعامة العرب منذ فترات طويلة ويعزز هذا القول في الجانب العراقي، مكانة بغداد كعاصمة للخلافة العباسية في اوج عصرها الذهبي، واحتضان بغداد للسلالة الهاشمية من أبناء الشريف حسين صاحب الثورة العربية الكبرى التي كانت مثار اعجاب الاحرار العرب التواقين للاستقلال بولاياتهم من السيطرة التركية والتي كانت متوحدة ضمن اطار الخلافة قبل احتلال امصارهم وتجزئتها على اثر اتفاقية سايكس بيكو. في الجانب المصري كانت القاهرة عاصمة ومركز الخلافة على عهد الوالي المملوكي الظاهر بيبرس الذي احتضن آخر خلفاء بني العباس بعد سقوط الخلافة على يد المغول عام 1258 م. زد على ذلك العوامل الإستراتيجية والعسكرية والسباق في التنمية بين البلدين.

كان عبد الناصر يعتبر نفسه قائدا لوحدة العرب ورائد القومية العربية، في المقابل أطلق عبد الكريم قاسم على نفسة صفة الزعيم الاوحد.

كان عبد الناصر يوحي للعلام المصري بان يقدم نفسه على أنه الراعي للثوار في العراق قبل وبعد الثورة!! وان حكومة عبد الناصر وتحدت اساطيل البريطانيين والاميركان الذين جائا لإسقاط الثورة، معرضين بلادهم للخطر!!! وتورد الأهرام ما نصه:

في البداية لم تكن فجر 14 يوليو، يوم الثورة في العراق يا سيدى، وإنما كانت قبل ذلك بزمان طويل. كانت يا سيدى قبل عام من الثورة على الأقل...أنت تذكر. ذلك الوقت نص الرسالة التي بعث بها عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف إلى جمال عبد الناصر بهدف التنسيق والدعم:

في ذلك اليوم يا سيدي «عبد الكريم قاسم» سعيت، وسعى معك زميلك وصديقك وشريكك في الثورة - عبد السلام عارف - لكى تتصل بدمشق والقاهرة وتبعث برسالة إلى الرئيس جمال عبد الناصر.وكنت يومها في الأردن ومعك عبد السلام عارف. وتسللتما ذات ليلة في السر إلى قرية على الحدود مع سوريا والتقيتما بعدد من المسئولين السوريين وسألتماهم إن كان منهم من يستطيع أن ينقل رسالة منكما إلى القاهرة.

ومع ذلك فلنسم الأشخاص بأسمائهم لكى تكون الصورة كلها واضحة لا لغز فيها ولا طلسم.

تلك الليلة، في درعا، على الحدود السورية - الأردنية، التقيتما، أنت وعبد السلام عارف بأمين النفورى وزير المواصلات اليوم وأحمد عبد الكريم وزير البلديات وعبد الحميد السراج وزير الداخلية في الإقليم السوري! هل تذكر يا سيدى؟ تذكر طبعاً! وفي تلك الليلة يا سيدى، تكلم عبد السلام عارف أمامك، وأفضى بالسر كاملاً إليهم ثم تكرر اللقاء ثم كانت رسالة محددة منكما، طلبتما أن تنقل إلى القاهرة، ويطلب من القاهرة الرد عليها:

«إن هناك تنظيماً سرياً في الجيش العراقى، وإن ضباط هذا التنظيم قد فاض بهم الألم وما عادوا يطيقون الصبر أو يقدرون عليه، وإنهم سوف يتحركون مهما كلفهم الأمر ضد نوري السعيد وكل من يمثله، ابتداءً من حلف بغداد، إلى التآمر على القومية العربية».

هذه هي الرسالة.

والرد الذي يطلبونه عليها:

«نود التفضل باعلامنا موقف حكومة الجمهورية العربية المتحدة، وسيادة الرئيس جمال عبد الناصر عن كيفية ابداء النصح ومن خلال خبرتكم في ثورة 23 يوليو من امكانية تنظيم صفوف الضباط في العراق، وماهو تصوركم لكيفية بديء التحرك، وما هو السبيل إلى وضع خطة، ثم ما هي الضمانات التي تستطيع القاهرة أن تقدمها للتنظيم، وما هو مدى المساعدة التي يمكن أن تبذل لحماية الثورة وحماية العمل الذي نقوم به؟».

تذكر يا سيدى الزعيم ذلك طبعاً ولا تنساه ولعلك يا سيدى أيضاً تذكر ولا تنسى الرد الذي وصل إليكما من القاهرة.

لقد طار عبد الحميد السراج بعد لقائه بكما إلى القاهرة يحمل الرسالة ويطلب الرد من الرئيس جمال عبد الناصر شخصياً.

ثم عاد السراج يحمل الرد.

ماذا كان الرد يا سيدى؟

كان الرد:

1 - أن خير ضمان للذى تشعرون أن واجبكم يدعوكم إليه هو أن تحفظوا أمركم سراً حتى علينا.

2 - إنكم وحدكم تقدرون على وضع الخطة التي تتلاءم مع ظروف بلادكم، والخطة التي نجحت صباح 23 يوليو في القاهرة لا تصلح للتطبيق في بغداد بسبب اختلاف الظروف.

3 - إن الذي يضع الخطة لابد أن يكون هو نفس الذي ينفذها، لأن كل خطة ناجحة يجب أن تكون مرنة في نفس الوقت، تشكل نفسها في حدود الفكرة العامة، مع تطورات التنفيذ دقيقة بدقيقة، ولو أن خطة 23 يوليو نفذت بحذافيرها كما وضعت قبل بدء التنفيذ لما لاقت النجاح الذي لاقته، ولذلك يجب أن يضع الخطة لأى عمل في العراق من يملك ساعة التنفيذ أن يغير ويبدل بما يتلاءم مع التطورات ويستفيد منها.

4- إن الذي يريد أن يقوم بعمل ثورى لا يسأل عن الضمانات، وإنما هو يقدر موقفه، وضمانه الوحيد هو استعداده لبذل آخر قطرة من دمه في سبيل ما يؤمن به من هدف.

5 - إن الفكرة والخطة والهدف، يجب أن تنبع من العراق لكى لا يكون مجالاً للتشويش على الثورة بعد وقوعها بأنها كانت من وحى بلد بذاته أو شخص بذاته.

6 - إن الفرص لنجاح ثورة في العراق واسعة عريضة.

7 - إن الرأى العام العربي أولاً سوف يهب لحمايتها.

8 - إن البلاد العربية كلها تحكمها الآن تيارات متحررة، ولقد اختلفت الظروف الآن عما كانت عليه مثلا سنة 1952 عندما قامت الثورة المصرية، فلقد كانت المنطقة كلها في ذلك الوقت تحت حكم الاستعمار مباشرة أو تحت حكم أعوان الاستعمار.

9 - وأخيراً، فإن كل حركة للتحرر في العراق، تستطيع أن تطمئن من غير اتفاق ومن غير سابق تشاور، أنه في اللحظة التي تعلن فيها عن نفسها، سوف تلقى من القاهرة، كل ما وراء القاهرة وما أمامها من عون وتأييد بالعمل، وليس بمجرد إلقاء الخطب.

ذلك كان هو الرد يا سيدى. رد صادق مخلص، لا يستغلك ولا يلعب بك، لا يتدخل في أمرك ولا يفرض عليك، يخلص لك النصيحة ويضع أمامك عبرة التجربة. .. ثم يقف وراءك إلى غير ما حدّ، من غير ما اتفاق، ويطلب منك أن تحفظ سرك، ويكتم في قلبه نفس السر لا يبوح به حتى بعد قيام الثورة!

«إن العدوان على الجمهورية العراقية، عدوان على الجمهورية العربية المتحدة، وأن الجمهورية العربية المتحدة ستقاتل جنباً إلى جنب مع جمهورية العراق».

ما كانت تردده الآلة الاعلامية المصرية من رعاية ومن دعم للثورة في العراق كان في الحقيقة مرده إلى التودد القائم بين التيار القومي في الحكومة العراقية الجديدة وبين عبد الناصر. لذا كان عبد الناصر مسارعا في إعلان تأييده للثورة وملحا من أجل إعلان الوحدة كمخرج له من الأزمات السياسية التي كان يعانيها بسبب توجهاته التصادمية مع كل من أمريكا وبريطانيا وإسرائيل والسعودية والأنظمة العربية التي لا توفقه في الراي والتوجة. لذا كان توجة عبد الناصر لدعم الثورة العراقية والادعاء بدعمها منذ البداية والمساهمة في بنائها في الحقيقة للمحاولة لبدء صفحة جديدة من النظرية الناصرية التي كان عبد الناصر والآلة الإعلامية المصرية آنذاك تحاول فرضها على الدول العربية. لم تلق محاولات عبد الناصر أي صدى لدى الحكومة العراقية الجديدة التي كانت في أغلبها وطنية تطمح لبناء عراق قوي ومستقل في محيط تتنازعه التحديات والحروب. مما حدا بعبد الناصر لشن حمله اعلامية شعواء متوافقة مع محاولات عملية على الأرض لإسقاط حكومة عبد الكريم قاسم.

عبد السلام عارف في دمشق

وبعد نجاح الحركة توجه عبد الناصر إلى دمشق لاسناد الحركة حيث زارها للموازرة والشكر وفد رأسه عبد السلام عارف طالبا التوقيع على ميثاق دفاع مشترك، عسكرياً اقتصادياً ثقافياً، الذي وافقت على توقيعه القاهرة.

الانه تدريجيا وحسب اعتقاد الحكومة المصرية بان تيارات متناقضة داخل اكما اتهمت القاهرة بغداد بانها كانت تسعى حركة أو ثورة العراق حيث بعد هيمنة تيار عبد الكريم قاسم الميال للفكر الشيوعي، شن حملة من الجفاء ضد حكومة عبد الناصر القومية ووصل الهجوم بين الطرفين إلى حد تلفيق التهم حيث اعلنت حكومة عبد الكريم قاسم بان القاهرة تساند حركة العصيان التي قادها العقيد عبد الوهاب الشواف في الموصل. اما القاهرة فانها اعلنت تورط حكومة عبد الكريم قاسم من خلال تصريحات قاسم الصحفية بانه يسعى للهجوم العسكري على سوريا المتوحدة مع مصر وانه يسعى إلى إفشال الوحدة السورية المصرية بدعم بعض الضباط الانفصاليين. في المقابل أيضا اتهمت حكومة بغداد، القاهرة بانها دابت على التدخل في الشؤون الداخلية العراقية وتدعم التيارات القومية ضد التيارات السياسية الأخرى، كما اتهمت حكومة عبد الكريم قاسم القاهرة بان سفارتها أصبحت مقرا للعمليات التي توجه الأحداث منها.

وبطبيعة الحال، كل طرف قد نفى التهم التي نسبها الطرف الآخر اليه.

هناك وثيقة تاريخية وخطيرة وهي محاضر محادثات مايسمى بالوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق نيسان عام 1963 حين اعترف عبد الناصر بمد المتمردين في منطقة عقرة بالمال والسلاح وهذه الوثيقة هي من منشورات الأهرام. والكل يعلم بأن الإذاعة اللاسلكية التي كانت تذيع بيانات المتمردين قد وصلت عن طريق القامشلي السورية.

الصراع على القيادة بين المـُـنفذ والمتـَـنفذ

اعتقدت حكومة عبد الناصر بان الصراع في العراق داخلي بدئه عبد الكريم قاسم في مسعى له للهيمنة على الحكم واقصاء زملاء الامس من مفجري الحركة من أعضاء تنظيم الضباط الوطنيين.

حيث وجهت حكومة عبد الناصر عدد من التهم لحكومة قاسم منها، محاولاته لاقصاء الضباط من المساهمين الفاعلين بالحركة وابعادهم عن مراكز القرار بالقوة، وتصفيتهم إذا اقتضى الأمر، وذلك في ضوء وشاية أو بلاغ قامت به السفارة البريطانية، الهدف منه أحداث وقيعة بين رجالات الحركة، وحسب ادعاء القاهرة التي نشرت بعض الوثائق والبرقيات التي تسربت عن اجتماعات عبد الكريم قاسم السرية مع السفير البريطاني.

ثم تسائل الراي العام حول تداعيات الخلاف بين عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف. حيث اتهمت القاهرة بأتساع الهوة بين الرجلين وما يمثلاه من تيارين معتقدةً بان المليشيات الشيوعية الداعمة لعبد الكريم قاسم كانت وراء توسيع شقة الخلاف بين قادة الحركة، حتى كان يوم الذروة، الذي أعفى فيه عبد السلام عارف من منصب نائب القائد العام للقوات المسلحة.

وتسائلت القاهرة عن دواعي الخلاف ما نصه: ".. ولكن ذلك أيضاً لم يكن شأننا، ولا كان مما يجوز لنا أن نتدخل فيه.وإنما كما قلت لك - يا سيادة الزعيم - أدهشتنا الطريقة التي تم بها إعفاء عبد السلام عارف... مجرد دهشة. كان مجلس الوزراء العراقي مجتمعاً وكنت تحضره وكان عبد السلام يحضره معك وفي وسط الاجتماع يا سيدى استأذنت وخرجت لنصف ساعة، ثم عدت إلى الاجتماع، ومضى الاجتماع وانتهى بعد منتصف الليل، ولا أحد يشعر أن شيئاً حدث في نصف الساعة التي غبتها عنه.وخرج عبد السلام عارف مع غيره من حضور الاجتماع وراح يركب سيارته، وإذا سائق السيارة يسأله:

 
عبد السلام عارف

- ماذا حدث؟ لقد أذاعت محطة بغداد أنك أعفيت من منصب نائب القائد العام للقوات المسلحة؟ وذهل عبد السلام عارف، ولم يركب السيارة وإنما كرّ عائداً إلى حيث كنت يا سيدى ومعك بعض الوزراء يتحدثون إليك قبل أنصرافهم من اجتماع المجلس. وسألك عبد السلام، أمامهم جميعاً يا سيدى عما حدث، وقلت له يا سيدى والدموع تترقرق من عينيك إنك كنت مغلوباً على أمرك، وأن قواد الفرق الأربعة اجتمعوا وقرروا ضرورة تنحية عبد السلام عارف، وأنك توسلت إليهم لكى يعدلوا عن قرارهم ولكنهم صمموا وأنك تحت الضغط وافقت ولم يكن مفر أن توافق، ثم كان لابد أن يذاع النبأ فأذيع.

وسألك عبد السلام عارف:

- لماذا لم تقل لى بعد أن عدت إلى قاعة المجلس، أو لماذا لم تقل لمجلس الوزراء ما حدث؟

وقلت يا سيدى:

- إن قلبى لم يطاوعنى يا عبد السلام!

كانت لعبد السلام عارف شعبية وسط الرأى العام في العراق، ولم يكن ذلك شاذاً ولا مستغرباً. وكنت تريد قوة في الشارع، تظهر بالتجمعات والهتافات، ما يبين أن الشعب يؤيدك وحدك ولا يؤيد عبد السلام، وكنت تريد أيضاً أن تكون هذه القوة قادرة في نفس الوقت على العمل ضد من ينتصر لعبد السلام. هنا يا سيدى بدأ الدور الكبير في الوقيعة، لا بينك وبين عبد السلام عارف وحسب وإنما كانت للذين قصدوا ليلعبوا هذا الدور أهداف أخرى غير أهدافك يا سيدى.

السفير البريطانى وراء الكواليس

ووصل الخلاف إلى اوجه بعد تواتر الأنباء عن سلسلة اجتماعات عقدها رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم مع السفير البريطاني بغية الوقوف ضد تنامي نفوذ الرئيس المصري جمال عبد الناصر.

وفي المقابل اتهمت بغداد القاهرة بمحاولة الهيمنة على العراق، وتنفيذ مخططات بريطانية قديمة.

فاوردت الحكومة المصرية على لسان هيكل ما نصه :

وذات يوم، يا سيدى الزعيم، دخل عليك السفير البريطانى في بغداد السير مايكل رايت، يقول لك وهو يعرف أن ما يقول يلاقى في نفسك صدى، فإن السفير البريطانى - يا سيادة الزعيم - يعيش في بغداد ويعرف ما يجرى في سراديبها.

قال لك السفير البريطانى، ولقد أبلغت أنت الأمر بعدها لمجلس الوزراء: «إن عبد السلام عارف يتآمر ضدك، وإن عناصر من حزب البعث تؤيده»

ثم قلت أنت يا سيدى الزعيم:

«إن السفير البريطانى قد حمل إليك خمسة تحذيرات متعاقبة من مؤامرات يدبرها عبد السلام عارف ضدك». وجاء الحزب الشيوعى، يا سيادة الزعيم في أعقاب السفير البريطانى يحمل إليك من المعلومات ما يرضى الاتجاه الذي حزمت رأيك عليه:

"إن عبد السلام عارف يتآمر، ويتآمر معه عدد من الضباط، وأن الفكرة هي المناداة بوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة.

وقيل لك، يا سيدى في ذلك الوقت:

- إنهم يريدون أن يسلبوك منصب رئيس وزراء العراق، واحتمالات رئاسة الجمهورية فيه بعد ذلك، ثم لا يكون أمامك بعدها إلا أن ترضى بلقب شرفى، حتى لقب المواطن العربي الأول سبقك إليه شكرى القوتلى وليس أمامك خيار، بعد رئاسة الوزارة، وبعد احتمال رئاسة الجمهورية إلا أن تصبح المواطن العربي الثاني! كذلك قالوا لك يا سيدى!

وكما خرج عبد السلام عارف من منصب نائب القائد العام، خرج بعدها من منصب نائب رئيس الوزراء ومن منصب وزير الداخلية. وأنت يا سيدى تظهر التأثر أمامه وأمام الوزراء، وتبدو بأسى المغلوب على أمره.

ثم طلبت من عبد السلام عارف أن يعطيك فرصة لتسوّى الأمر مع قادة فرق الجيش واقترحت عليه أن يسافر إلى بون وأعطيته العهد أن يعود يوم 5 سبتمبر فيجد كل شيء كما كان بل أشد صفاء.

وسافر عبد السلام عارف إلى بون. وحين عاد عبد السلام عارف يوم 5 سبتمبر لم تكن عودته مفاجأة لك يا سيادة الزعيم، وإنما كانت عودته بناء على اتفاقك معه.

وألقيت القبض يا سيادة الزعيم الأوحد على عبد السلام عارف.

ومن ناحية أخرى كان الحزب الشيوعى السورى، الذي وجد متنفساً له وفرصة في العراق قد بدأ يهاجم الوحدة، ويدعو ضدها، وكان الحزب الشيوعى العراقى عوناً له بالطبع وسنداً. ولم تكن الطبول التي تدق ضد الوحدة في بغداد تريد أن يكون تأثيرها داخل العراق وحده، وإنما كان الأساس في دقاتها أن يتردد الصدى في دمشق.

وكانت الوحدة ثم حل الأحزاب في سوريا قد فاجأت الحزب الشيوعى السورى على غير استعداد، في الوقت الذي كان يعتبر نفسه فيه أقوى الأحزاب السورية، وأقربها إلى السيطرة على مقاليد الأمور. ولم تكن المنظمات الشيوعية بعد ذلك تريد - فقط - أن لا يتكرر ولا في بغداد ما حدث لها من قبل في دمشق... لم تكن تريد أن لا يتكرر ذلك فقط. قال الرئيس جمال عبد الناصر في المنيا:

"إن عبد الكريم قاسم هو قائد ثورة العراق وزعيمها. وإن القومية العربية، والوحدة العربية، هما أولاً وأخيراً التضامن العربى، وإن الصور الدستورية ليست لها قيمة بجوار التضامن المخلص الصادق. وإن الوحدة الدستورية، لا يمكن أن تتم إلا بإجماع كامل على طلبها". كان هذا كله يا سيادة الزعيم الأوحد، شبه رسالة خاصة إليك. كان معناها واضحاً.

في يوم 4 ديسمبر الماضي - واضغط الآن على الجرس واستدع مدير مخابراتك لكى تتقصى الحقيقة منه - دخل مراسل أمريكي اسمه «فيلبس» إلى مبنى السفارة البريطانية في بغداد وقضى ساعة وبضع دقائق مع السفير البريطانى فيها السير مايكل رايت، ثم خرج إلى مكتب البرقيات الخارجية في بغداد وبعث إلى نيويورك ببرقية نصها كما يلى:

THERE IS GROWING ALARM HERE OVER STRONG POSSIBILITY OF ANOTHER COUPAND OR REVOLUTION IN IRAQ STOP FROM BEST POSSIBLE SOURCE AM TOLD US AND BRITISH INTELLIGENCE AGREE NASSER STRONGLY SUPPORTING AN OPPOSITION MOVE IN IRAQ AGAINST KASSEM.

إن النص العربي الكامل لهذه البرقية التي أرسلت في يوم 4 ديسمبر من مكتب البرقيات الخارجية هو كما يلى بالحرف الواحد:

"يتزايد الشعور بالفزع هنا من احتمال قيام انقلاب أو ثورة أخرى في العراق. قف - وقد علمت من أوثق المصادر أن ناصر يؤيد الاتجاه المعارض بالعراق ضد قاسم.. وقد أيدت المخابرات البريطانية والأمريكية ذلك - قف - تملك سفارة الولايات المتحدة أدلة قاطعة على أن المصريين يساندون الثائر القديم رشيد عالي الكيلانى بالمال والسلاح ضد قاسم - قف - قيل إن ناصر قد أزعجه زيادة النشاط الشيوعى في العراق ويحتمل أن يكون لديه الأمل في أن يتمكن رشيد عالي من إقامة حكومة ترتبط أشد الارتباط بمصر - قف -هناك بعض الشك حول هذا الموضوع كما تزداد الشكوك في أن يكون رشيد عالي يلعب دوراً مزدوجاً، أي يلعب في الظاهر لحساب ناصر، ويلعب في الباطن لحساب نفسه - قف-يعتقد البريطانيون أن الانقلاب سيأتى في يوم قريب بينما يقدر له الأمريكيون شهراً على الأقل - قف - يخشى البريطانيون بصفة خاصة من احتمال إثارة الجماهير الذين يعتبرونه سيؤدى إلى سفك مزيد من الدماء أكثر مما حدث في المرة الماضية - قف - تقول التقارير أن رشيد عالي وعد المصريين بأن يحصل لهم على تأييد عدد كبير من القبائل ولكن قيل إن ناصر يشك في تأييد الجيش لرشيد عالي، ولذلك فإن ناصر تواق إلى تدبير هذا الانقلاب ببطء للحصول على نجاح مؤكد - قف - ولو أن المصدر الذي استقيت منه هذه الأخبار لا يمكن الإفصاح عنه هنا، إلا أنه من المؤكد أن هذه الأنباء هي آخر وأدق ما وصل إليه الخبراء ورجال المخابرات الموجودون هنا، ولقد أرسلت هذه المعلومات فعلاً إلى لندن وواشنطن عن طريقهم.

الإمضاء فيلبس

والأهم من ذلك، يطلب السفير البريطانى بذاته السير مايكل رايت - مقابلتك على الفور في اليوم التالى لإرسال هذه البرقية. يطلب مقابلتك عند منتصف الليل يوم 5 ديسمبر، ويطلبها على الفور، وتتم المقابلة في مبنى وزارة الدفاع في الساعة الثانية صباحاً يوم 6 ديسمبر.

ثم يقول السفير يا سيدى - السفير البريطانى سير مايكل رايت:

«إن المخابرات البريطانية وصلتها معلومات مؤكدة أن رشيد عالي الكيلانى يدبر انقلاباً ضدك، وأنه يتصل ببعض الضباط في الجيش فعلاً، وأن مالاً وسلاحاً قد وضعا تحت تصرفه ليقوم بالانقلاب، وذلك لكى يكون الطريق مفتوحاً بعدها لانضمام العراق في وحدة أو اتحاد مع الجمهورية العربية المتحدة».

ولما خرج السفير البريطانى يا سيدى وقّعت الأمر بالقبض على رشيد عالي الكيلانى!

وقال المهداوى بالحرف الواحد:

«لقد تبين أنّ ما يسمّى بثورة رشيد عالي الكيلانى كان خيانة كبرى لمصلحة الاستعماريين والصهاينة».

وحدة ام اتحاد

 
جلال جعفر الاوقاتي قائد القوة الجوية أحد الزعماء البارزين في الحزب الشيوعي العراقي

كانت حكومة بغداد والقادة الشيوعيون الداعمون لها يرفضون مبدأ الوحدة القومية وتحت ضغط الجماهير والقطاعات السياسية القومية التي تطالب بالانضمام للوحدة السورية المصرية، قد استبدلوا هذا الشعار بشعار آخر وهو استبدال الوحدة باتحاد فدرالي.

وبدات المقارنات بين الوحدة والاتحاد، حيث اعتبرت الزعامات العراقية بان الوحدة الاندماجية محفوفة بالمخاطر وانها تضيع الخصوصيات الوطنية لكل بلد في حين ان الاتحاد الفدرالي يمنح خصوصية لمجتمعات تلك الدول.

وقد صرح رئيس حزب الوطني الديمقراطي كامل الجادرجى بانه قد اجتمع مع عبد الناصر وحدثه بأنه لكى تتم وحدة أو يتم اتحاد بين الجمهورية العربية المتحدة وبين العراق يجب أن يتوفر ما هو أكثر من مجرد الاتفاق والالتقاء فحسب، بل ينبغى أن يتوفر بحث ادق التفاصيل وان يكون شكل الاتحاد لامركزي تحتفظ فيه الأقاليم بنوع من الاستقلال وان يكون للحزب الشيوعي دورا في الحكم، مما حدى بالرئيس المصري إلى رفض هذه الصيغة.


وبعد فشل الجادرجي في مهمته حول الجدال الحاصل بين «الوحدة» و«الاتحاد» أدى ذلك بالحزب الشيوعي بان ينطلق بمظاهرات رافضا أسلوب الوحدة والاتحاد رافعا شعار:

«جمهورية لا إقليم».

المقال الرئيسي حركة يوليو 1958

مراجع

  • الأهرام- بتاريخ 27/01/1959.. بقلم محمد حسنين هيكل
  • الأهرام- بتاريخ 17/12/1958.. بقلم محمد حسنين هيكل