الدولة الطولونية: الفرق بين النسختين

لا يوجد ملخص تحرير
(الرجوع عن التعديل 65441892 بواسطة 41.46.15.203 (نقاش))
 
لا ملخص تعديل
 
سطر 41: سطر 41:
'''الدَّولةُ الطُّولُونِيَّة''' أو '''الإِمَارَةُ الطُّولُونِيَّة''' أو '''دَوْلَةُ بَنِي طُولُون'''، وتُعرفُ اختصارًا وفي الخِطاب الشعبي باسم '''الطولونيُّون'''، هي إمارة إسلاميَّة أسَّسها [[أحمد بن طولون|أحمد بن طولون التغزغزي التُركي]] في [[تاريخ مصر الإسلامية|مصر]]،<ref group="ْ">'' The Emergence of Muslim Rule in India: Some Historical Disconnects and Missing Links'', Tanvir Anjum, '''Islamic Studies''', Vol. 46, No. 2 (Summer 2007), 233.</ref> وتمدَّدت لاحقًا باتجاه [[بلاد الشام|الشَّام]]، لِتكون بِذلك أول دُويلة تنفصل سياسيًّا عن [[الدولة العباسية|الدولة العبَّاسيَّة]] وتتفرَّد سُلالتها بِحُكم الديار المصريَّة والشَّاميَّة. قامت الدولة الطُولونيَّة خِلال زمن تعاظم قُوَّة [[ترك|التُرك]] في الدولة العبَّاسيَّة وسيطرة الحرس التُركي على مقاليد الأُمور، وهو ذاته العصر الذي كان يشهد نُموًا في [[شعوبية|النزعة الشُعوبيَّة]] وتغلُّب نزعة الانفصال على شُعوب ووُلاة الدولة مُترامية الأطراف، فكان قيام الدولة الطولونيَّة إحدى النتائج الحتميَّة لِتنامي هذا الفكر.
'''الدَّولةُ الطُّولُونِيَّة''' أو '''الإِمَارَةُ الطُّولُونِيَّة''' أو '''دَوْلَةُ بَنِي طُولُون'''، وتُعرفُ اختصارًا وفي الخِطاب الشعبي باسم '''الطولونيُّون'''، هي إمارة إسلاميَّة أسَّسها [[أحمد بن طولون|أحمد بن طولون التغزغزي التُركي]] في [[تاريخ مصر الإسلامية|مصر]]،<ref group="ْ">'' The Emergence of Muslim Rule in India: Some Historical Disconnects and Missing Links'', Tanvir Anjum, '''Islamic Studies''', Vol. 46, No. 2 (Summer 2007), 233.</ref> وتمدَّدت لاحقًا باتجاه [[بلاد الشام|الشَّام]]، لِتكون بِذلك أول دُويلة تنفصل سياسيًّا عن [[الدولة العباسية|الدولة العبَّاسيَّة]] وتتفرَّد سُلالتها بِحُكم الديار المصريَّة والشَّاميَّة. قامت الدولة الطُولونيَّة خِلال زمن تعاظم قُوَّة [[ترك|التُرك]] في الدولة العبَّاسيَّة وسيطرة الحرس التُركي على مقاليد الأُمور، وهو ذاته العصر الذي كان يشهد نُموًا في [[شعوبية|النزعة الشُعوبيَّة]] وتغلُّب نزعة الانفصال على شُعوب ووُلاة الدولة مُترامية الأطراف، فكان قيام الدولة الطولونيَّة إحدى النتائج الحتميَّة لِتنامي هذا الفكر.


نشأ مُؤسس هذه السُلالة، أحمد بن طولون، نشأةً عسكريَّةً في [[سامراء|سامرَّاء]] التي كانت حاضرة [[خلافة إسلامية|الخِلافة الإسلاميَّة]] حينها، ولمَّا عيَّن الخليفة [[محمد المعتز بالله|أبو عبد الله المُعتز بالله]] الأمير بايكباك التُركي واليًا على مصر في سنة [[254 هـ|254هـ]] المُوافقة لِسنة [[868]]م، وقع اختيار بايكباك على ابن زوجته أحمد بن طولون لِيكون نائبًا عنهُ في حُكم الولاية.<ref name="المقدمة">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= جحا، شفيق|مؤلف2= [[منير البعلبكي|البعلبكي، مُنير]]|مؤلف3= [[بهيج عثمان|عُثمان، بهيج]]|عنوان= المُصوَّر في التاريخ|طبعة= التاسعة عشرة|سنة= 1999م|ناشر= [[دار العلم للملايين]]|مكان= بيروت، لُبنان|صفحة=13 - 14}}</ref> ومُنذُ أن قدم ابن طولون مصر، عمل على ترسيخ حُكمه فيها. وكان يتخلَّص من سُلطة الوالي الأصيل بِإغرائه بالمال والهدايا التي كان يُرسلها إليه. وعندما طلب إليه الخليفة [[أبو إسحاق محمد المهتدي بالله|أبو إسحٰق مُحمَّد المُهتدي بالله]] أن يتولَّى إخضاع عامل [[فلسطين]] المُتمرِّد على الدولة، سنحت لهُ الفُرصة التي كان ينتظرُها، فقد أنشأ ابن طولون جيشًا كبيرًا من [[مملوك (توضيح)|المماليك]] [[ترك|التُرك]] و[[روم (توضيح)|الرُّوم]] و[[عرق أسود|الزُنوج]] ودعم حُكمه به. وقد أخذ من الجُند والنَّاس [[بيعة|البيعة]] لِنفسه على أن يُعادوا من عاداه ويُوالوا من والاه.<ref name="المقدمة" /> وبِفضل هذا الجيش استطاع أن يقضي على الفتن الداخليَّة التي قامت ضدَّه، واستطاع أن يرفض طلب وليُ عهد الخليفة [[الموفق بالله|أبا أحمدٍ طلحة بن جعفر المُوفَّق بالله]] الذي كان يستعجله إرسال المال لِيستعين به على القضاء على [[ثورة الزنج|ثورة الزُنج]] [[البصرة|بالبصرة]]. ومُنذُ ذلك الوقت أصبحت دولة ابن طولون مُستقلَّة سياسيًّا عن الخِلافة العبَّاسيَّة.<ref name="المقدمة" /> وعندما طلب الخليفة إلى ابن طولون أن يتخلَّى عن منصبه إلى «أماجور» والي الشَّام، رفض ابن طولون ذلك، وتوجَّه إلى الشَّام وضمَّها إلى مصر.<ref name="المقدمة" />
نشأ مُؤسس هذه السُلالة، أحمد بن طولون، نشأةً عسكريَّةً في [[سامراء|سامرَّاء]] التي كانت حاضرة [[خلافة إسلامية|الخِلافة الإسلاميَّة]] حينها، ولمَّا عيَّن الخليفة [[محمد المعتز بالله|أبو عبد الله المُعتز بالله]] الأمير بايكباك التُركي واليًا على مصر في سنة [[254 هـ|254هـ]] المُوافقة لِسنة [[868]]م، وقع اختيار بايكباك على ابن زوجته أحمد بن طولون لِيكون نائبًا عنهُ في حُكم الولاية.<ref name="المقدمة">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= جحا، شفيق|مؤلف2= [[منير البعلبكي|البعلبكي، مُنير]]|مؤلف3= [[بهيج عثمان|عُثمان، بهيج]]|عنوان= المُصوَّر في التاريخ|طبعة= التاسعة عشرة|سنة= 1999م|ناشر= [[دار العلم للملايين]]|مكان= بيروت، لُبنان|صفحة=13 - 14}}</ref> ومُنذُ أن قدم ابن طولون مصر، عمل على ترسيخ حُكمه فيها. وكان يتخلَّص من سُلطة الوالي الأصيل بِإغرائه بالمال والهدايا التي كان يُرسلها إليه. وعندما طلب إليه الخليفة [[محمد المهتدي بالله|أبو إسحٰق مُحمَّد المُهتدي بالله]] أن يتولَّى إخضاع عامل [[فلسطين]] المُتمرِّد على الدولة، سنحت لهُ الفُرصة التي كان ينتظرُها، فقد أنشأ ابن طولون جيشًا كبيرًا من [[مملوك (توضيح)|المماليك]] [[ترك|التُرك]] و[[روم (توضيح)|الرُّوم]] و[[عرق أسود|الزُنوج]] ودعم حُكمه به. وقد أخذ من الجُند والنَّاس [[بيعة|البيعة]] لِنفسه على أن يُعادوا من عاداه ويُوالوا من والاه.<ref name="المقدمة" /> وبِفضل هذا الجيش استطاع أن يقضي على الفتن الداخليَّة التي قامت ضدَّه، واستطاع أن يرفض طلب وليُ عهد الخليفة [[الموفق بالله|أبا أحمدٍ طلحة بن جعفر المُوفَّق بالله]] الذي كان يستعجله إرسال المال لِيستعين به على القضاء على [[ثورة الزنج|ثورة الزُنج]] [[البصرة|بالبصرة]]. ومُنذُ ذلك الوقت أصبحت دولة ابن طولون مُستقلَّة سياسيًّا عن الخِلافة العبَّاسيَّة.<ref name="المقدمة" /> وعندما طلب الخليفة إلى ابن طولون أن يتخلَّى عن منصبه إلى «[[أماجور التركي|أماجور]]» والي الشَّام، رفض ابن طولون ذلك، وتوجَّه إلى الشَّام وضمَّها إلى مصر.<ref name="المقدمة" />


لم يُفكِّر ابن طولون بعد استقلاله السياسي عن الخِلافة، بالانفصال الديني عنها لأنَّ الخِلافة مثَّلت في نظره وفي نظر جمهور المُسلمين ضرورة دينيَّة لاستمرار الوحدة الإسلاميَّة، ولِأنَّها تُشكِّلُ رمزًا يربط أجزاء [[العالم الإسلامي]] المُختلفة، فحرص على أن يستمرَّ الدُعاء للخليفة العبَّاسي على منابر المساجد في مصر والشَّام، واعترف بسُلطته الروحيَّة والدينيَّة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= طقُّوش، مُحمَّد سُهيل|عنوان= تاريخ الطولونيين والأخشيديين والحمدانيين|طبعة= الأولى|صفحة= 6|سنة= [[1429 هـ|1429هـ]] - [[2008]]م|ناشر= دار النفائس|ردمك= 9789953184562|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وشرع أحمد بن طولون في القيام بِأعمالٍ عُمرانيَّة تُعبِّرُ عن مدى اهتمامه الشديد بِمصر، وتعكس تطلُّعاته إلى إقامة إمارته الخاصَّة، فأسس ضاحيةً [[الفسطاط|لِلفسطاط]] هي [[القطائع]] اتخذها عاصمةً لِإمارته، وبنى فيها [[مسجد ابن طولون|مسجده المشهور]]، وقوَّى الجبهة الدَّاخليَّة من خِلال تنمية موارد الثروة، ومُضاعفة الدخل في ميادين الإنتاج، وأصلح أقنية الري، والسُدود الخرِبة. وبعد وفاة ابن طولون جاء ابنه [[خمارويه|خُمارويه]] الذي لم تُفلح دولة الخِلافة في أن تُزيح حُكمه عن الشَّام، فاضطرَّت إلى أن تعقد معهُ مُعاهدة صُلح ضمنت للدولة الطولونيَّة حُكم مصر والشَّام مُقابل [[جزية]] تؤديها. وبعد خُمارويه الذي مات اغتيالًا في [[دمشق]]، تولَّى الحُكم ولداه أبو العساكر جيش ثُمَّ هٰرون. ولم يكن هٰرون قادرًا على مُقاومة هجمات [[قرامطة|القرامطة]] الذين أخذوا يُغيرون على المُدن الشَّاميَّة، فاضطرَّ الخليفة [[علي المكتفي بالله|أبو أحمد علي المُكتفي بِالله]] إلى أن يُنقذ دمشق من القرامطة بِجُيوشٍ يُرسلها من [[العراق]]. وكان انتصار المُكتفي على القرامطة تجربةً ناجحةً دفعتهُ إلى أن يتخلَّص من الحُكم الطولوني العاجز، فوجَّه قُوَّاته البحريَّة والبريَّة إلى مصر، فدخلت الفسطاط وأزالت الحُكم الطولوني الذي دام 37 سنة، وأعادت مصر إلى كنف الدولة العبَّاسيَّة.<ref group="ْ">"[https://www.britannica.com/topic/Tulunid-dynasty Tulunid Dynasty]." ''The New Encyclopædia Britannica'' (Rev Ed edition). (2005). [[موسوعة بريتانيكا]], Incorporated. ISBN 978-1-59339-236-9 {{استشهاد ويب |مسار=https://www.britannica.com/topic/Tulunid-dynasty |عنوان=نسخة مؤرشفة |تاريخ الوصول=30 يونيو 2015 |تاريخ أرشيف=16 أبريل 2008 |مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20080416082434/http://www.britannica.com/eb/article-9073737/Tulunid-Dynasty |حالة المسار=bot: unknown }}</ref>
لم يُفكِّر ابن طولون بعد استقلاله السياسي عن الخِلافة، بالانفصال الديني عنها لأنَّ الخِلافة مثَّلت في نظره وفي نظر جمهور المُسلمين ضرورة دينيَّة لاستمرار الوحدة الإسلاميَّة، ولِأنَّها تُشكِّلُ رمزًا يربط أجزاء [[العالم الإسلامي]] المُختلفة، فحرص على أن يستمرَّ الدُعاء للخليفة العبَّاسي على منابر المساجد في مصر والشَّام، واعترف بسُلطته الروحيَّة والدينيَّة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= طقُّوش، مُحمَّد سُهيل|عنوان= تاريخ الطولونيين والأخشيديين والحمدانيين|طبعة= الأولى|صفحة= 6|سنة= [[1429 هـ|1429هـ]] - [[2008]]م|ناشر= دار النفائس|ردمك= 9789953184562|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وشرع أحمد بن طولون في القيام بِأعمالٍ عُمرانيَّة تُعبِّرُ عن مدى اهتمامه الشديد بِمصر، وتعكس تطلُّعاته إلى إقامة إمارته الخاصَّة، فأسس ضاحيةً [[الفسطاط|لِلفسطاط]] هي [[القطائع]] اتخذها عاصمةً لِإمارته، وبنى فيها [[مسجد ابن طولون|مسجده المشهور]]، وقوَّى الجبهة الدَّاخليَّة من خِلال تنمية موارد الثروة، ومُضاعفة الدخل في ميادين الإنتاج، وأصلح أقنية الري، والسُدود الخرِبة. وبعد وفاة ابن طولون جاء ابنه [[خمارويه|خُمارويه]] الذي لم تُفلح دولة الخِلافة في أن تُزيح حُكمه عن الشَّام، فاضطرَّت إلى أن تعقد معهُ مُعاهدة صُلح ضمنت للدولة الطولونيَّة حُكم مصر والشَّام مُقابل [[جزية]] تؤديها. وبعد خُمارويه الذي مات اغتيالًا في [[دمشق]]، تولَّى الحُكم ولداه أبو العساكر جيش ثُمَّ هٰرون. ولم يكن هٰرون قادرًا على مُقاومة هجمات [[قرامطة|القرامطة]] الذين أخذوا يُغيرون على المُدن الشَّاميَّة، فاضطرَّ الخليفة [[علي المكتفي بالله|أبو أحمد علي المُكتفي بِالله]] إلى أن يُنقذ دمشق من القرامطة بِجُيوشٍ يُرسلها من [[العراق]]. وكان انتصار المُكتفي على القرامطة تجربةً ناجحةً دفعتهُ إلى أن يتخلَّص من الحُكم الطولوني العاجز، فوجَّه قُوَّاته البحريَّة والبريَّة إلى مصر، فدخلت الفسطاط وأزالت الحُكم الطولوني الذي دام 37 سنة، وأعادت مصر إلى كنف الدولة العبَّاسيَّة.<ref group="ْ">"[https://www.britannica.com/topic/Tulunid-dynasty Tulunid Dynasty]." ''The New Encyclopædia Britannica'' (Rev Ed edition). (2005). [[موسوعة بريتانيكا]], Incorporated. ISBN 978-1-59339-236-9 {{استشهاد ويب|عنوان=نسخة مؤرشفة|مسار=https://www.britannica.com/topic/Tulunid-dynasty|تاريخ الوصول=30 يونيو 2015|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20080416082434/http://www.britannica.com/eb/article-9073737/Tulunid-Dynasty|تاريخ أرشيف=16 أبريل 2008|حالة المسار=bot: unknown}}</ref>


== خلفيَّة تاريخيَّة ==
== خلفيَّة تاريخيَّة ==
سطر 55: سطر 55:
=== استخدام التُرك في أجهزة الدولة العبَّاسيَّة ===
=== استخدام التُرك في أجهزة الدولة العبَّاسيَّة ===
[[ملف:A Mamluk from Aleppo.jpg|تصغير|يمين|مملوكٌ تُركيٌّ من مدينة [[حلب]]. استخدم الخُلفاء العبَّاسيُّون التُرك في أجهزة دولتهم، وبالأخص في الحجابة والحراسة والجيش.]]
[[ملف:A Mamluk from Aleppo.jpg|تصغير|يمين|مملوكٌ تُركيٌّ من مدينة [[حلب]]. استخدم الخُلفاء العبَّاسيُّون التُرك في أجهزة دولتهم، وبالأخص في الحجابة والحراسة والجيش.]]
كان الأُمويّون أوَّل من استقدم [[ترك|التُرك]] من [[تركستان|بلادهم]] بعد اعتناقهم [[الإسلام]]، واستخدموهم في الجُيوش وأجهزة الدولة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= طقُّوش، مُحمَّد سُهيل|عنوان= تاريخ الطولونيين والأخشيديين والحمدانيين|طبعة= الأولى|صفحة= 23|سنة= [[1429 هـ|1429هـ]] - [[2008]]م|ناشر= دار النفائس|ردمك= 9789953184562|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وبعد سُقوط الدولة الأُمويَّة وقيام الدولة العبَّاسيَّة على أنقاضها واستقرار دعائمها في عهد أبي جعفر المنصور، برز عددٌ من الشخصيَّات التُركيَّة الذين كان عددهم يزدادُ شيئًا فشيئًا بِتوافُدهم على دار الخِلافة، فاستخدمهم الخُلفاء العبَّاسيّون في العصر العبَّاسي الأوَّل في قُصورهم وائتمنوهم على أسرارهم، وأسندوا إليهم أمر سلامتهم الشخصيَّة. وكان أبو جعفر المنصور أوَّل خليفةٍ عبَّاسيّ اتخذ التُرك بطانة ومُوظفين، فقرَّب حمَّادًا التُركي ووثق به وجعلهُ من خاصَّته وأُمناء سرِّه. وبلغت ثقته به حدًا أنَّهُ كان لا يأمن أحدًا على أسرار سجلَّات الدولة غيره، وكان يُصرُّ المفتاح في كُمِّ قميصه.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الثامن|طبعة= الثانية|صفحة= 103|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> ونفر أبو جعفر المنصور من استخدام العرب في قُصوره، ولم يرضَ بأن يعمل في خدمة قصره أو حرمه، أحدٌ من العرب،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الثامن|طبعة= الثانية|صفحة= 99|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وفضَّل عليهم عناصر أُخرى كالتُرك. وهو أوَّل من ولَّاهم الحجابة، فاختار حمَّادًا التُركي حاجبًا له بعد أن توطدت دعائم الدولة، كما ولَّاهُ [[سواد العراق|السَّواد]].<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= اللُّميلم، عبدُ العزيز مُحمَّد|عنوان= نُفوذُ الأتراك في الخِلافة العبَّاسيَّة وأثره في قيام مدينة سامرَّاء، الجُزء الأوَّل|طبعة= الأولى|صفحة= 204 - 205|سنة= [[1991]]|ناشر= مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> واستخدم [[أبو عبد الله محمد المهدي|أبو عبد الله مُحمَّد المهدي]] عددًا من التُرك في قُصوره مثل شاكر التُركي، وهو أحد قادة الجيش في [[بلاد فارس|فارس]]، وفرج الخادم الذي برز في عهد هٰرون الرشيد فيما بعد، ويحيى بن داود الخرسي الذي ولَّاه مصر في سنة [[162 هـ|162هـ]] المُوافقة لِسنة [[778]]م.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[الجهشياري|الجهشياري، أبو عبد الله مُحمَّد بن عبدوس]]|مؤلف2= تقديم: د. حسن الزين|عنوان= كتاب الوُزراء والكُتَّاب|طبعة= الأولى|صفحة= 134|سنة= [[1408 هـ|1408هـ]] - [[1988]]م|ناشر= دار الفكر الحديث|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وأدَّى الجُند التُرك في عهده دورًا بارزًا في مُحاربة [[خوارج|الخوارج]] عندما ثاروا بِقيادة عبد السلام اليشكري في سنة [[160 هـ|160هـ]] المُوافقة لِسنة [[776]]م في باجرما.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[خليفة بن خياط|ابن خيَّاط، أبو عمرو خليفة بن خيَّاط بن خليفة الشيباني العصفري البصري]]|مؤلف2= تحقيق: د. [[أكرم ضياء العمري]]|عنوان= [[تاريخ خليفة بن خياط]]|طبعة= الثانية|صفحة= 292|سنة= [[1397 هـ|1397هـ]]|ناشر= دار القلم|مكان= [[دمشق]] - [[سوريا]]}}</ref> وتوسَّع هٰرون الرشيد في استخدام التُرك في قُصوره ودوائره وجيشه، فكان أبو سليم فرج الخادم التُركي أحد قادة جيشه، وقد طلب منه الخليفة تعمير مدينة [[طرسوس]] وإكمال بنائها وذلك في سنة [[170 هـ|170هـ]] المُوافقة لِسنة [[786]]م،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الثامن|طبعة= الثانية|صفحة= 234|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> ومسرور الخادم الذي يُعدُّ بِحق من أقرب الناس إلى هٰرون الرشيد الذي وثق به ثقة تفوق الوصف، وقد أسند إليه مُهمَّة التخلُّص من أبرز شخصيَّة برمكيَّة في دار الخِلافة العبَّاسيَّة، وأقربها إلى نفس الخليفة، وهو جعفر بن يحيى البرمكي، فنفَّذ مسرور المُهمَّة بِدقَّة. وضمَّت حاشية الرشيد بعض التُرك، واستخدم [[جارية|الجواري]] من [[فرغانة]] و[[أشروسنة]] وغيرهما، وأضحى بعضهُنَّ محظيات، مثل ماردة بنت شبيب، أُم [[المعتصم بالله|المُعتصم]]، التي تُعد من أحظى النساء لدى الرشيد، وهي تُركيَّة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير الجزري، عزُّ الدين أبي الحسن عليّ بن أبي الكرم الشيباني]]|مؤلف2= تحقيق: أبو الفداء عبدُ الله القاضي|عنوان= [[الكامل في التاريخ]]، الجُزء السَّادس|طبعة= الأولى|صفحة= 76|سنة= [[1407 هـ|1407هـ]] - [[1987]]م|ناشر= دار الكُتب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>
كان الأُمويّون أوَّل من استقدم [[ترك|التُرك]] من [[تركستان|بلادهم]] بعد اعتناقهم [[الإسلام]]، واستخدموهم في الجُيوش وأجهزة الدولة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= طقُّوش، مُحمَّد سُهيل|عنوان= تاريخ الطولونيين والأخشيديين والحمدانيين|طبعة= الأولى|صفحة= 23|سنة= [[1429 هـ|1429هـ]] - [[2008]]م|ناشر= دار النفائس|ردمك= 9789953184562|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وبعد سُقوط الدولة الأُمويَّة وقيام الدولة العبَّاسيَّة على أنقاضها واستقرار دعائمها في عهد أبي جعفر المنصور، برز عددٌ من الشخصيَّات التُركيَّة الذين كان عددهم يزدادُ شيئًا فشيئًا بِتوافُدهم على دار الخِلافة، فاستخدمهم الخُلفاء العبَّاسيّون في العصر العبَّاسي الأوَّل في قُصورهم وائتمنوهم على أسرارهم، وأسندوا إليهم أمر سلامتهم الشخصيَّة. وكان أبو جعفر المنصور أوَّل خليفةٍ عبَّاسيّ اتخذ التُرك بطانة ومُوظفين، فقرَّب حمَّادًا التُركي ووثق به وجعلهُ من خاصَّته وأُمناء سرِّه. وبلغت ثقته به حدًا أنَّهُ كان لا يأمن أحدًا على أسرار سجلَّات الدولة غيره، وكان يُصرُّ المفتاح في كُمِّ قميصه.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الثامن|طبعة= الثانية|صفحة= 103|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> ونفر أبو جعفر المنصور من استخدام العرب في قُصوره، ولم يرضَ بأن يعمل في خدمة قصره أو حرمه، أحدٌ من العرب،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الثامن|طبعة= الثانية|صفحة= 99|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وفضَّل عليهم عناصر أُخرى كالتُرك. وهو أوَّل من ولَّاهم الحجابة، فاختار حمَّادًا التُركي حاجبًا له بعد أن توطدت دعائم الدولة، كما ولَّاهُ [[سواد العراق|السَّواد]].<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= اللُّميلم، عبدُ العزيز مُحمَّد|عنوان= نُفوذُ الأتراك في الخِلافة العبَّاسيَّة وأثره في قيام مدينة سامرَّاء، الجُزء الأوَّل|طبعة= الأولى|صفحة= 204 - 205|سنة= [[1991]]|ناشر= مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> واستخدم [[أبو عبد الله المهدي|أبو عبد الله مُحمَّد المهدي]] عددًا من التُرك في قُصوره مثل شاكر التُركي، وهو أحد قادة الجيش في [[بلاد فارس|فارس]]، وفرج الخادم الذي برز في عهد هٰرون الرشيد فيما بعد، ويحيى بن داود الخرسي الذي ولَّاه مصر في سنة [[162 هـ|162هـ]] المُوافقة لِسنة [[778]]م.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[الجهشياري|الجهشياري، أبو عبد الله مُحمَّد بن عبدوس]]|مؤلف2= تقديم: د. حسن الزين|عنوان= كتاب الوُزراء والكُتَّاب|طبعة= الأولى|صفحة= 134|سنة= [[1408 هـ|1408هـ]] - [[1988]]م|ناشر= دار الفكر الحديث|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وأدَّى الجُند التُرك في عهده دورًا بارزًا في مُحاربة [[خوارج|الخوارج]] عندما ثاروا بِقيادة عبد السلام اليشكري في سنة [[160 هـ|160هـ]] المُوافقة لِسنة [[776]]م في باجرما.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[خليفة بن خياط|ابن خيَّاط، أبو عمرو خليفة بن خيَّاط بن خليفة الشيباني العصفري البصري]]|مؤلف2= تحقيق: د. [[أكرم ضياء العمري]]|عنوان= [[تاريخ خليفة بن خياط]]|طبعة= الثانية|صفحة= 292|سنة= [[1397 هـ|1397هـ]]|ناشر= دار القلم|مكان= [[دمشق]] - [[سوريا]]}}</ref> وتوسَّع هٰرون الرشيد في استخدام التُرك في قُصوره ودوائره وجيشه، فكان أبو سليم فرج الخادم التُركي أحد قادة جيشه، وقد طلب منه الخليفة تعمير مدينة [[طرسوس]] وإكمال بنائها وذلك في سنة [[170 هـ|170هـ]] المُوافقة لِسنة [[786]]م،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الثامن|طبعة= الثانية|صفحة= 234|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> ومسرور الخادم الذي يُعدُّ بِحق من أقرب الناس إلى هٰرون الرشيد الذي وثق به ثقة تفوق الوصف، وقد أسند إليه مُهمَّة التخلُّص من أبرز شخصيَّة برمكيَّة في دار الخِلافة العبَّاسيَّة، وأقربها إلى نفس الخليفة، وهو جعفر بن يحيى البرمكي، فنفَّذ مسرور المُهمَّة بِدقَّة. وضمَّت حاشية الرشيد بعض التُرك، واستخدم [[جارية|الجواري]] من [[فرغانة]] و[[أشروسنة]] وغيرهما، وأضحى بعضهُنَّ محظيات، مثل ماردة بنت شبيب، أُم [[المعتصم بالله|المُعتصم]]، التي تُعد من أحظى النساء لدى الرشيد، وهي تُركيَّة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير الجزري، عزُّ الدين أبي الحسن عليّ بن أبي الكرم الشيباني]]|مؤلف2= تحقيق: أبو الفداء عبدُ الله القاضي|عنوان= [[الكامل في التاريخ]]، الجُزء السَّادس|طبعة= الأولى|صفحة= 76|سنة= [[1407 هـ|1407هـ]] - [[1987]]م|ناشر= دار الكُتب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>


وتوسَّع [[عبد الله المأمون|أبو جعفر عبدُ الله المأمون]] في استخدام التُرك في قُصوره وجُيوشه، واستقدمهم من [[بلاد ما وراء النهر]] بعد أن دخلوا في الإسلام. وازدحمت وُفودهم على بابه، وكان يُبالغ في إكرام من يردُ بابه من مُلوك التُرك.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[البلاذري|البلاذريّ، أحمد بن يحيى بن جابر بن داود]]|عنوان= [[فتوح البلدان|فُتوح البُلدان]]|صفحة= 418|سنة= [[1988]]م|ناشر= دار ومكتبة الهلال|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> ووصل بعض هؤلاء التُرك إلى مناصب قياديَّة، منهم طولون، والد أحمد مُؤسس الدولة الطولونيَّة، وكاوس وقد عيَّنهُ المأمون واليًا على أشروسنة، وابنه [[الأفشين حيدر بن كاوس|الأفشين حيدر]] الذي يُعدُّ من كبار قادة المأمون وأحد الذين قدَّموا خدمات جليلة للدولة بما قاموا به من قمع العديد من الثورات. ولمَّا بُويع للمُعتصم بالخِلافة، كان الصراع بين العرب والفُرس، الذين حظوا بِعطف المأمون خِلال السنوات الأولى من خِلافته، قد بلغ مبلغًا مُرتفعًا، واختلَّت التوازُنات بين العناصر التي تكوَّنت منها الدولة العبَّاسيَّة، وقامت حركاتٌ مُناهضة للدولة ذات خلفيَّات فارسيَّة، فبدأت ثقة المُعتصم بالفُرس تضعُف.<ref name="طقوش27" /> ومن جهةٍ أُخرى، لم يركن المُعتصم إلى العُنصر العربي، ولم يثق بالعرب نظرًا لِكثرة تقلُّبهم واضطرابهم وقيامهم ضدَّ الخُلفاء، بالإضافة إلى أنَّهم فقدوا كثيرًا من مُقومات قُوَّتهم السياسيَّة والعسكريَّة فأصبحوا أقل خُطورة وأضعف شأنًا.<ref name="طقوش27">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= طقُّوش، مُحمَّد سُهيل|عنوان= تاريخ الطولونيين والأخشيديين والحمدانيين|طبعة= الأولى|صفحة= 27|سنة= [[1429 هـ|1429هـ]] - [[2008]]م|ناشر= دار النفائس|ردمك= 9789953184562|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> حملت هذه المُعطيات المُعتصم على أن يُوكِّل أمر سلامته الشخصيَّة إلى فرقةٍ من العُنصر التُركي، لا سيَّما أنَّ طباع هؤلاء النفسيَّة والجسديَّة تتوافق مع مُهتمهم. وأضحى لِهذا العُنصر أثرٌ كبيرٌ في الحياة السياسيَّة والاجتماعيَّة، وأصبح الحرسُ التُركيّ دعامةً من دعائم الخلافة أيَّام حُكمه، من واقع الحِفاظ على دولته والإبقاء على خِلافته في ظل الصراع العربي - الفارسي، فاستخدم التُرك في الجيش على نطاقٍ واسعٍ وجعلهم تحت إمرة قادة منهم، مُسددًا بِذلك ضربة عنيفة لِلقادة والجُند العرب، ولِسياسة أبي جعفر المنصور التقليديَّة التي كانت تستهدف حفظ التوازن في الجيش بين الفرق العربيَّة والفرق الأعجميَّة،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[عبد العزيز الدوري|الدوري، عبدُ العزيز]]|عنوان= العصر العبَّاسي الأوَّل: دراسةٌ في التاريخ السياسي والإداري والمالي |طبعة= الأولى|صفحة= 232|سنة= [[2006]]|ناشر= [[مركز دراسات الوحدة العربية|مركز دراسات الوحدة العربيَّة]]|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وأسكن المُعتصم التُرك مدينة سامرَّاء التي بناها خصيصًا لهم.
وتوسَّع [[عبد الله المأمون|أبو جعفر عبدُ الله المأمون]] في استخدام التُرك في قُصوره وجُيوشه، واستقدمهم من [[بلاد ما وراء النهر]] بعد أن دخلوا في الإسلام. وازدحمت وُفودهم على بابه، وكان يُبالغ في إكرام من يردُ بابه من مُلوك التُرك.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[البلاذري|البلاذريّ، أحمد بن يحيى بن جابر بن داود]]|عنوان= [[فتوح البلدان|فُتوح البُلدان]]|صفحة= 418|سنة= [[1988]]م|ناشر= دار ومكتبة الهلال|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> ووصل بعض هؤلاء التُرك إلى مناصب قياديَّة، منهم طولون، والد أحمد مُؤسس الدولة الطولونيَّة، وكاوس وقد عيَّنهُ المأمون واليًا على أشروسنة، وابنه [[الأفشين حيدر بن كاوس|الأفشين حيدر]] الذي يُعدُّ من كبار قادة المأمون وأحد الذين قدَّموا خدمات جليلة للدولة بما قاموا به من قمع العديد من الثورات. ولمَّا بُويع للمُعتصم بالخِلافة، كان الصراع بين العرب والفُرس، الذين حظوا بِعطف المأمون خِلال السنوات الأولى من خِلافته، قد بلغ مبلغًا مُرتفعًا، واختلَّت التوازُنات بين العناصر التي تكوَّنت منها الدولة العبَّاسيَّة، وقامت حركاتٌ مُناهضة للدولة ذات خلفيَّات فارسيَّة، فبدأت ثقة المُعتصم بالفُرس تضعُف.<ref name="طقوش27" /> ومن جهةٍ أُخرى، لم يركن المُعتصم إلى العُنصر العربي، ولم يثق بالعرب نظرًا لِكثرة تقلُّبهم واضطرابهم وقيامهم ضدَّ الخُلفاء، بالإضافة إلى أنَّهم فقدوا كثيرًا من مُقومات قُوَّتهم السياسيَّة والعسكريَّة فأصبحوا أقل خُطورة وأضعف شأنًا.<ref name="طقوش27">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= طقُّوش، مُحمَّد سُهيل|عنوان= تاريخ الطولونيين والأخشيديين والحمدانيين|طبعة= الأولى|صفحة= 27|سنة= [[1429 هـ|1429هـ]] - [[2008]]م|ناشر= دار النفائس|ردمك= 9789953184562|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> حملت هذه المُعطيات المُعتصم على أن يُوكِّل أمر سلامته الشخصيَّة إلى فرقةٍ من العُنصر التُركي، لا سيَّما أنَّ طباع هؤلاء النفسيَّة والجسديَّة تتوافق مع مُهتمهم. وأضحى لِهذا العُنصر أثرٌ كبيرٌ في الحياة السياسيَّة والاجتماعيَّة، وأصبح الحرسُ التُركيّ دعامةً من دعائم الخلافة أيَّام حُكمه، من واقع الحِفاظ على دولته والإبقاء على خِلافته في ظل الصراع العربي - الفارسي، فاستخدم التُرك في الجيش على نطاقٍ واسعٍ وجعلهم تحت إمرة قادة منهم، مُسددًا بِذلك ضربة عنيفة لِلقادة والجُند العرب، ولِسياسة أبي جعفر المنصور التقليديَّة التي كانت تستهدف حفظ التوازن في الجيش بين الفرق العربيَّة والفرق الأعجميَّة،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[عبد العزيز الدوري|الدوري، عبدُ العزيز]]|عنوان= العصر العبَّاسي الأوَّل: دراسةٌ في التاريخ السياسي والإداري والمالي |طبعة= الأولى|صفحة= 232|سنة= [[2006]]|ناشر= [[مركز دراسات الوحدة العربية|مركز دراسات الوحدة العربيَّة]]|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وأسكن المُعتصم التُرك مدينة سامرَّاء التي بناها خصيصًا لهم.
سطر 63: سطر 63:
انتقلت عاصمة الخِلافة إلى سامرَّاء التي ظلَّت ما يقرب من خمسين سنة حاضرة دولة الخِلافة العبَّاسيَّة، وأضحت مقرًّا للعصبيَّة التُركيَّة الجديدة. ومُنذُ عهد [[المعتصم بالله|المُعتصم]] أخذت تظهر على مسرح الحياة السياسيَّة شخصيَّاتٌ تُركيَّة أدَّت دورًا كبيرًا في الحياة العامَّة، أبرزها الأفشين وأشناس وإيتاخ ووصيف وسيما الدمشقي، وقد خدموا الدولة وساندوها في حُروبها الداخليَّة ضدَّ الحركات المُناهضة التي نشبت في أجزائها المُختلفة، وفي حُروبها الخارجيَّة ضدَّ [[الإمبراطورية البيزنطية|الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة]]. ومع مُرور الزمن أخذ هؤلاء التُرك يتجهون إلى تكوين كيانٍ خاصٍ بهم سواء في كنف الخِلافة أو مُنفصلًا عنها، كما طمع بعضهم في الاستئثار بِشُؤون الحُكم في العاصمة حين أدركوا أنَّ الخِلافة لا يُمكنها الاستغناء عن خدماتهم. وتُعدُّ خِلافة [[هارون الواثق بالله|أبو جعفر هٰرون الواثق بالله]] مرحلة انتقالٍ بين عهدين: الأوَّل هو عهد سيطرة التُرك على مُقدرات الدولة مع بقاء هيبة الخِلافة، والثاني هو عهد سيطرة التُرك مع زوال هيبة الخِلافة وهُبوط مكانة الخُلفاء.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= محمود، حسن أحمد|مؤلف2= الشريف، أحمد إبراهيم|عنوان= العالم الإسلامي في العصر العبَّاسي|طبعة= الخامسة|صفحة= 329|ناشر= دار الفكر العربي|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> ثبَّت التُرك في عهد الواثق أقدامهم في الحُكم، وحصل رُؤساؤهم على نُفوذٍ كبيرٍ حتَّى اضطرَّ الخليفة أن يخلع على أشناس لقب «[[سلطان|السُلطان]]» مُعترفًا لهُ بِحُقوقٍ تتجاوز نطاق المهام العسكريَّة، فكان بِذلك أوَّل خليفةٍ استخلف سُلطانًا،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[جلال الدين السيوطي|السُيوطي، جلالُ الدين عبدُ الرحمٰن بن أبي بكر]]|مؤلف2= تحقيق: حمدي الدمرداش|عنوان= [[تاريخ الخلفاء (كتاب)|تاريخُ الخُلفاء]]|طبعة= الأولى|صفحة= 263|سنة= [[1425 هـ|1425هـ]]-[[2004]]م|ناشر= مكتبة نزار مصطفى الباز|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وأسند إليه أعمال [[الجزيرة الفراتية|الجزيرة الفُراتيَّة]] و[[بلاد الشام|الشَّام]] و[[مصر]]، كما عهد إلى إيتاخ بِولاية [[خراسان (توضيح)|خُراسان]] و[[سند (توضيح)|السند]] وكُور [[دجلة]].<ref name="اليعقوبي">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[اليعقوبي|اليعقوبي، أبو العبَّاس أحمد بن إسحٰق بن جعفر بن وهب بن واضح]]|مؤلف2= تحقيق: عبدُ الأمير مُهنَّا|عنوان= [[تاريخ اليعقوبي]]، الجزء الثاني|طبعة= الأولى|صفحة= 441|سنة= [[1993]]م |ناشر= مؤسسة الأعلمي للمطبوعات|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> نتيجةً لِهذا التوسُّع في الصلاحيَّات ازداد نُفوذ التُرك داخل [[العراق]] وخارجه، فهيمنوا على دار الخِلافة وأحكموا سيطرتهم الفعليَّة على كافَّة أقاليمها، ثُمَّ خطوا خُطوة أُخرى حين اعتقدوا أنَّهُ لا بُدَّ من السيطرة على شخص الخليفة حتَّى يستمر سُلطانهم بوصفه مصدر هذا السُلطان، فأحاطوا به يُراقبون تحرُّكاته، ويُشاركون في المُناقشات السياسيَّة، ومن أجل ذلك، لم يذهبوا إلى ولاياتهم، وأنابوا فيها عُمَّالًا عنهم.<ref name="اليعقوبي" /> وقد شكَّل هذا التدبير خُطوةً سياسيَّةً على طريق انفصال الولايات عن الإدارة المركزيَّة، إذ طمع الوكلاء بِولاياتهم، واستقلَّوا بها مُنتهزين فُرصة ضعف السُلطة المركزيَّة، وعدم معرفة الخليفة بما يجري في الولايات لاطمئنانه إلى من ولَّاهم من التُرك.<ref name="طقوش2">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= طقُّوش، مُحمَّد سُهيل|عنوان= تاريخ الطولونيين والأخشيديين والحمدانيين|طبعة= الأولى|صفحة= 29|سنة= [[1429 هـ|1429هـ]] - [[2008]]م|ناشر= دار النفائس|ردمك= 9789953184562|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>
انتقلت عاصمة الخِلافة إلى سامرَّاء التي ظلَّت ما يقرب من خمسين سنة حاضرة دولة الخِلافة العبَّاسيَّة، وأضحت مقرًّا للعصبيَّة التُركيَّة الجديدة. ومُنذُ عهد [[المعتصم بالله|المُعتصم]] أخذت تظهر على مسرح الحياة السياسيَّة شخصيَّاتٌ تُركيَّة أدَّت دورًا كبيرًا في الحياة العامَّة، أبرزها الأفشين وأشناس وإيتاخ ووصيف وسيما الدمشقي، وقد خدموا الدولة وساندوها في حُروبها الداخليَّة ضدَّ الحركات المُناهضة التي نشبت في أجزائها المُختلفة، وفي حُروبها الخارجيَّة ضدَّ [[الإمبراطورية البيزنطية|الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة]]. ومع مُرور الزمن أخذ هؤلاء التُرك يتجهون إلى تكوين كيانٍ خاصٍ بهم سواء في كنف الخِلافة أو مُنفصلًا عنها، كما طمع بعضهم في الاستئثار بِشُؤون الحُكم في العاصمة حين أدركوا أنَّ الخِلافة لا يُمكنها الاستغناء عن خدماتهم. وتُعدُّ خِلافة [[هارون الواثق بالله|أبو جعفر هٰرون الواثق بالله]] مرحلة انتقالٍ بين عهدين: الأوَّل هو عهد سيطرة التُرك على مُقدرات الدولة مع بقاء هيبة الخِلافة، والثاني هو عهد سيطرة التُرك مع زوال هيبة الخِلافة وهُبوط مكانة الخُلفاء.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= محمود، حسن أحمد|مؤلف2= الشريف، أحمد إبراهيم|عنوان= العالم الإسلامي في العصر العبَّاسي|طبعة= الخامسة|صفحة= 329|ناشر= دار الفكر العربي|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> ثبَّت التُرك في عهد الواثق أقدامهم في الحُكم، وحصل رُؤساؤهم على نُفوذٍ كبيرٍ حتَّى اضطرَّ الخليفة أن يخلع على أشناس لقب «[[سلطان|السُلطان]]» مُعترفًا لهُ بِحُقوقٍ تتجاوز نطاق المهام العسكريَّة، فكان بِذلك أوَّل خليفةٍ استخلف سُلطانًا،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[جلال الدين السيوطي|السُيوطي، جلالُ الدين عبدُ الرحمٰن بن أبي بكر]]|مؤلف2= تحقيق: حمدي الدمرداش|عنوان= [[تاريخ الخلفاء (كتاب)|تاريخُ الخُلفاء]]|طبعة= الأولى|صفحة= 263|سنة= [[1425 هـ|1425هـ]]-[[2004]]م|ناشر= مكتبة نزار مصطفى الباز|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وأسند إليه أعمال [[الجزيرة الفراتية|الجزيرة الفُراتيَّة]] و[[بلاد الشام|الشَّام]] و[[مصر]]، كما عهد إلى إيتاخ بِولاية [[خراسان (توضيح)|خُراسان]] و[[سند (توضيح)|السند]] وكُور [[دجلة]].<ref name="اليعقوبي">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[اليعقوبي|اليعقوبي، أبو العبَّاس أحمد بن إسحٰق بن جعفر بن وهب بن واضح]]|مؤلف2= تحقيق: عبدُ الأمير مُهنَّا|عنوان= [[تاريخ اليعقوبي]]، الجزء الثاني|طبعة= الأولى|صفحة= 441|سنة= [[1993]]م |ناشر= مؤسسة الأعلمي للمطبوعات|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> نتيجةً لِهذا التوسُّع في الصلاحيَّات ازداد نُفوذ التُرك داخل [[العراق]] وخارجه، فهيمنوا على دار الخِلافة وأحكموا سيطرتهم الفعليَّة على كافَّة أقاليمها، ثُمَّ خطوا خُطوة أُخرى حين اعتقدوا أنَّهُ لا بُدَّ من السيطرة على شخص الخليفة حتَّى يستمر سُلطانهم بوصفه مصدر هذا السُلطان، فأحاطوا به يُراقبون تحرُّكاته، ويُشاركون في المُناقشات السياسيَّة، ومن أجل ذلك، لم يذهبوا إلى ولاياتهم، وأنابوا فيها عُمَّالًا عنهم.<ref name="اليعقوبي" /> وقد شكَّل هذا التدبير خُطوةً سياسيَّةً على طريق انفصال الولايات عن الإدارة المركزيَّة، إذ طمع الوكلاء بِولاياتهم، واستقلَّوا بها مُنتهزين فُرصة ضعف السُلطة المركزيَّة، وعدم معرفة الخليفة بما يجري في الولايات لاطمئنانه إلى من ولَّاهم من التُرك.<ref name="طقوش2">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= طقُّوش، مُحمَّد سُهيل|عنوان= تاريخ الطولونيين والأخشيديين والحمدانيين|طبعة= الأولى|صفحة= 29|سنة= [[1429 هـ|1429هـ]] - [[2008]]م|ناشر= دار النفائس|ردمك= 9789953184562|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>


وخطا التُرك خُطوةً إضافيَّةً من أجل تشديد قبضتهم على الخِلافة، فأخذوا يتدخلون في اختيار الخُلفاء وتوليتهم، وكان الواثق هو آخر الخُلفاء الذين تمَّت توليتهم على التقليد الذي كان مُتبعًا من قبل، وعندما مات الواثق لم يعهد لِابنه مُحمَّد بِفعل صغر سنِّه، فنشب الصراع بين فئتين رئيسيَّتين بِشأن اختيار الخليفة. تألَّفت الفئة الأولى من كِبار رجال الدولة من أبناء البيت العبَّاسي والوزير [[محمد الزيات|مُحمَّد بن عبد الملك الزيَّات]] و[[قاضي القضاة|قاضي القُضاة]] [[أحمد بن أبي دؤاد]]، وهُم [[أهل الحل والعقد]] في بيعة الخليفة، وقد رشَّحوا مُحمَّد بن الواثق. وتمثَّلت الفئة الثانية بِقُوَّة التُرك النامية، وقد رشَّحت هذه الفئة [[أبو الفضل جعفر المتوكل على الله|جعفر بن المُعتصم]]، ونجحت في فرضه، وتلقَّب «بالمُتوكِّل على الله».<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء التاسع|طبعة= الثانية|صفحة= 154 - 155|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> شكَّلت هذه الحادثة سابقة خطيرة في تولية الخُلفاء بعد ذلك، إذ أضحى القادة التُرك أهل الحل والعقد، لا تتم الخِلافة إلَّا بِمُوافقتهم ورضاهم، يرفعون الرجل الذي يرتضونه، والعكس صحيح، فأحكموا بذلك قبضتهم على شُؤون الخِلافة، يُصرِّفون الأُمور بِإرادتهم.<ref name="طقوش2" /> وكان أن أدرك المُتوكِّل ومن بعده ابنه [[محمد المنتصر بالله|المُنتصر]] حقيقة موقف التُرك الضاغط على الخِلافة، وشعرا باستبدادهم بِشؤونها، وقلَّة احترامهم لِشخص الخليفة، فحاول كُلًا منهما التخلُّص منهم وتحجيمهم، فتنبَّه هؤلاء إلى الخطر المُحدق بهم، فتخلَّصوا من الخليفتين وقتلوهما.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[المسعودي|المسعودي، أبو الحسن عليّ بن الحُسين بن عليّ]]|مؤلف2= تحقيق: أسعد داغر|عنوان= [[مروج الذهب|مُرُوجُ الذهب ومعادنُ الجوهر]]، الجُزء الرابع|طبعة= الأولى|صفحة= 36 - 39؛ و50 - 51|سنة= [[1965]]|ناشر= دار الأندلس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وهكذا أصبح التُرك سادة الموقف بِحق في عاصمة الخِلافة، ولا يقوى على مُنازعتهم أحد.
وخطا التُرك خُطوةً إضافيَّةً من أجل تشديد قبضتهم على الخِلافة، فأخذوا يتدخلون في اختيار الخُلفاء وتوليتهم، وكان الواثق هو آخر الخُلفاء الذين تمَّت توليتهم على التقليد الذي كان مُتبعًا من قبل، وعندما مات الواثق لم يعهد لِابنه مُحمَّد بِفعل صغر سنِّه، فنشب الصراع بين فئتين رئيسيَّتين بِشأن اختيار الخليفة. تألَّفت الفئة الأولى من كِبار رجال الدولة من أبناء البيت العبَّاسي والوزير [[محمد الزيات|مُحمَّد بن عبد الملك الزيَّات]] و[[قاضي القضاة|قاضي القُضاة]] [[أحمد بن أبي دؤاد]]، وهُم [[أهل الحل والعقد]] في بيعة الخليفة، وقد رشَّحوا مُحمَّد بن الواثق. وتمثَّلت الفئة الثانية بِقُوَّة التُرك النامية، وقد رشَّحت هذه الفئة [[جعفر المتوكل على الله|جعفر بن المُعتصم]]، ونجحت في فرضه، وتلقَّب «بالمُتوكِّل على الله».<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء التاسع|طبعة= الثانية|صفحة= 154 - 155|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> شكَّلت هذه الحادثة سابقة خطيرة في تولية الخُلفاء بعد ذلك، إذ أضحى القادة التُرك أهل الحل والعقد، لا تتم الخِلافة إلَّا بِمُوافقتهم ورضاهم، يرفعون الرجل الذي يرتضونه، والعكس صحيح، فأحكموا بذلك قبضتهم على شُؤون الخِلافة، يُصرِّفون الأُمور بِإرادتهم.<ref name="طقوش2" /> وكان أن أدرك المُتوكِّل ومن بعده ابنه [[محمد المنتصر بالله|المُنتصر]] حقيقة موقف التُرك الضاغط على الخِلافة، وشعرا باستبدادهم بِشؤونها، وقلَّة احترامهم لِشخص الخليفة، فحاول كُلًا منهما التخلُّص منهم وتحجيمهم، فتنبَّه هؤلاء إلى الخطر المُحدق بهم، فتخلَّصوا من الخليفتين وقتلوهما.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[المسعودي|المسعودي، أبو الحسن عليّ بن الحُسين بن عليّ]]|مؤلف2= تحقيق: أسعد داغر|عنوان= [[مروج الذهب|مُرُوجُ الذهب ومعادنُ الجوهر]]، الجُزء الرابع|طبعة= الأولى|صفحة= 36 - 39؛ و50 - 51|سنة= [[1965]]|ناشر= دار الأندلس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وهكذا أصبح التُرك سادة الموقف بِحق في عاصمة الخِلافة، ولا يقوى على مُنازعتهم أحد.


=== أوضاع مصر الداخليَّة قُبيل قيام الإمارة الطولونيَّة ===
=== أوضاع مصر الداخليَّة قُبيل قيام الإمارة الطولونيَّة ===
سطر 138: سطر 138:
ازداد الوضع الطولوني في الشَّام خُطورةً على أثر ظُهور قُوَّة جديدة قُدِّر لها أن تقضي على ما بقي للطولونيين من نُفوذٍ بِموجب الاتفاق الأخير مع العبَّاسيين، وهيبةً في النُفوس، وتُعلي كلمة الخِلافة وتُظهرها بِمظهر المُنقذ للعالم الإسلامي، وتُحلُّها من أيَّة وُعود أعطتها للطولونيين، وتمنحها سندًا شرعيًّا لِغزو مصر واستئصال بني طولون منها. هذه القُوَّة الجديدة هي قُوَّة [[قرامطة|القرامطة]] الذين اجتاحوا الشَّام ونشروا الفوضى والاضطراب في جميع أرجائها، ولم يُفلح الجيش الطولوني بالوُقوف في وجهها ورد خطرها، فضاعت هيبة الطولونيين في نُفوس الناس، وارتفعت صيحات النقمة والاحتجاج في أرجاء العالم الإسلامي في [[غرب آسيا|غربي آسيا]]، وتدفقت الرسائل من عُلماء وأعيان مصر والشَّام إلى دار الخِلافة لالتماس المُساعدة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء العاشر|طبعة= الثانية|صفحة= 97 - 98|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> كانت الخِلافة تنتظر الفُرصة المُؤاتبة لِلتدخُّل وإثبات وُجودها وتأكيد مكاسبها في الشَّام، وإظهار ضُعف الطولونيين، خاصَّةً بعد وفاة المُعتضد واعتلاء [[علي المكتفي بالله|أبو أحمد علي المُكتفي بالله]] سُدَّة الخِلافة، فقرَّر التصدي للقرامطة وضربهم في الشَّام في خُطوةٍ أولى، ومن ثُمَّ القضاء على الطولونيين فيها وفي مصر في خُطوةٍ ثانية. سار الخليفة في جيشٍ عرمرميّ إلى [[الموصل]] ومنها راح يُرسل الجُيوش الواحد تلو الآخر إلى الشَّام للقضاء على القرامطة. توجَّه الجيش الأوَّل إلى حلب وتعداده عشرة آلاف مُقاتل، وعسكر أفراده في وادي بطنان القريب من المدينة، فباغتتهم القُوَّات القُرمُطيَّة وهزمتهم، وقتلت كثيرًا منهم، ونجا القائد أبو الأغر مع نفرٍ من جُنوده لا يتجاوزون الألف، ودخل بهم إلى حلب، فطاردتهم القُوَّات القُرمُطيَّة وحاصرت المدينة، غير أنَّهُ تمكَّن بِمُساعدة سُكَّانها من رفع الحصار بعد اصداماتٍ ضارية مع المُحاصرين، وقتل منهم أعدادًا كثيرة،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن العديم|ابن العديم، كمالُ الدين عُمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العُقيلي]]|مؤلف2= وضع حواشيه: خليل المنصور|عنوان= زبدة الحلب في تاريخ حلب، الجُزء الأوَّل|طبعة= الأولى|صفحة= 94 - 95|سنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1996]]م|ناشر= دار الكُتب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> ووصل الخليفة في غُضون ذلك إلى الرقَّة، وأرسل جيشًا كثيفًا لِمُطاردة القرامطة والقضاء عليهم، بِقيادة مُحمَّد بن سُليمان الكاتب، فالتقى بهم بالقُرب من حماة وهزمهم، واستأصل شأفتهم، ووضع حدًا لِخطرهم في الشَّام، وذلك في سنة [[291 هـ|291هـ]] المُوافقة لِسنة [[904]]م.<ref name="الطبري101">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء العاشر|طبعة= الثانية|صفحة= 108 - 116|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> كما قُبض على الزعيم القُرمُطي الحسن بن زكرويه مع ثلاثمائة ونيِّف من مُرافقيه، فأُرسلوا إلى الخليفة الذي أمر بِإعدامهم فورًا.<ref name="الطبري101" /> وما كاد مُحمَّد بن سُليمان الكاتب يفرغ من الاحتفال بالنصر على القرامطة حتَّى تلقَّى أمرًا من الخليفة بأن يستعد لِحرب الطولونيين، فمضى لِتنفيذ هذه الرغبة، واستعان بالقادة أنفُسهم الذين شاركوه في حرب القرامطة ومُعظمهم ممن خدم في الجيش الطولوني وفرّوا في عهد أبو العساكر جيش، وهُم أعرف الناس بِمصر ومسالِكها، فأعدَّ جيشًا تعداده عشرة آلاف مُقاتل أغلبُهم من الخُراسانيَّة الأشدَّاء.<ref name="الطبري101" /> ودعم الخليفة هذا الجيش البرّي بِحملةٍ بحريَّة، فأرسل قائد الأُسطول العبَّاسي في الشَّام ومصر كي يفرض حصارًا بحريًّا على الثُغور الطولونيَّة ويقطع الإمدادات عنهم.<ref name="الكندي-نهاية">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[أبو عمر الكندي|الكِندي، أبو عُمر مُحمَّد بن يُوسُف بن يعقوب الكِندي المصري]]|مؤلف2= تحقيق: مُحمَّد حسن مُحمَّد حسن إسماعيل، وأحمد فريد المزيدي|عنوان= كتاب الوُلاة وكتاب القُضاة|طبعة= الأولى|صفحة= 180-182|سنة= [[1424 هـ|1424هـ]] - [[2003]]م|ناشر= دار الكُتب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>
ازداد الوضع الطولوني في الشَّام خُطورةً على أثر ظُهور قُوَّة جديدة قُدِّر لها أن تقضي على ما بقي للطولونيين من نُفوذٍ بِموجب الاتفاق الأخير مع العبَّاسيين، وهيبةً في النُفوس، وتُعلي كلمة الخِلافة وتُظهرها بِمظهر المُنقذ للعالم الإسلامي، وتُحلُّها من أيَّة وُعود أعطتها للطولونيين، وتمنحها سندًا شرعيًّا لِغزو مصر واستئصال بني طولون منها. هذه القُوَّة الجديدة هي قُوَّة [[قرامطة|القرامطة]] الذين اجتاحوا الشَّام ونشروا الفوضى والاضطراب في جميع أرجائها، ولم يُفلح الجيش الطولوني بالوُقوف في وجهها ورد خطرها، فضاعت هيبة الطولونيين في نُفوس الناس، وارتفعت صيحات النقمة والاحتجاج في أرجاء العالم الإسلامي في [[غرب آسيا|غربي آسيا]]، وتدفقت الرسائل من عُلماء وأعيان مصر والشَّام إلى دار الخِلافة لالتماس المُساعدة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء العاشر|طبعة= الثانية|صفحة= 97 - 98|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> كانت الخِلافة تنتظر الفُرصة المُؤاتبة لِلتدخُّل وإثبات وُجودها وتأكيد مكاسبها في الشَّام، وإظهار ضُعف الطولونيين، خاصَّةً بعد وفاة المُعتضد واعتلاء [[علي المكتفي بالله|أبو أحمد علي المُكتفي بالله]] سُدَّة الخِلافة، فقرَّر التصدي للقرامطة وضربهم في الشَّام في خُطوةٍ أولى، ومن ثُمَّ القضاء على الطولونيين فيها وفي مصر في خُطوةٍ ثانية. سار الخليفة في جيشٍ عرمرميّ إلى [[الموصل]] ومنها راح يُرسل الجُيوش الواحد تلو الآخر إلى الشَّام للقضاء على القرامطة. توجَّه الجيش الأوَّل إلى حلب وتعداده عشرة آلاف مُقاتل، وعسكر أفراده في وادي بطنان القريب من المدينة، فباغتتهم القُوَّات القُرمُطيَّة وهزمتهم، وقتلت كثيرًا منهم، ونجا القائد أبو الأغر مع نفرٍ من جُنوده لا يتجاوزون الألف، ودخل بهم إلى حلب، فطاردتهم القُوَّات القُرمُطيَّة وحاصرت المدينة، غير أنَّهُ تمكَّن بِمُساعدة سُكَّانها من رفع الحصار بعد اصداماتٍ ضارية مع المُحاصرين، وقتل منهم أعدادًا كثيرة،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن العديم|ابن العديم، كمالُ الدين عُمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العُقيلي]]|مؤلف2= وضع حواشيه: خليل المنصور|عنوان= زبدة الحلب في تاريخ حلب، الجُزء الأوَّل|طبعة= الأولى|صفحة= 94 - 95|سنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1996]]م|ناشر= دار الكُتب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> ووصل الخليفة في غُضون ذلك إلى الرقَّة، وأرسل جيشًا كثيفًا لِمُطاردة القرامطة والقضاء عليهم، بِقيادة مُحمَّد بن سُليمان الكاتب، فالتقى بهم بالقُرب من حماة وهزمهم، واستأصل شأفتهم، ووضع حدًا لِخطرهم في الشَّام، وذلك في سنة [[291 هـ|291هـ]] المُوافقة لِسنة [[904]]م.<ref name="الطبري101">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء العاشر|طبعة= الثانية|صفحة= 108 - 116|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> كما قُبض على الزعيم القُرمُطي الحسن بن زكرويه مع ثلاثمائة ونيِّف من مُرافقيه، فأُرسلوا إلى الخليفة الذي أمر بِإعدامهم فورًا.<ref name="الطبري101" /> وما كاد مُحمَّد بن سُليمان الكاتب يفرغ من الاحتفال بالنصر على القرامطة حتَّى تلقَّى أمرًا من الخليفة بأن يستعد لِحرب الطولونيين، فمضى لِتنفيذ هذه الرغبة، واستعان بالقادة أنفُسهم الذين شاركوه في حرب القرامطة ومُعظمهم ممن خدم في الجيش الطولوني وفرّوا في عهد أبو العساكر جيش، وهُم أعرف الناس بِمصر ومسالِكها، فأعدَّ جيشًا تعداده عشرة آلاف مُقاتل أغلبُهم من الخُراسانيَّة الأشدَّاء.<ref name="الطبري101" /> ودعم الخليفة هذا الجيش البرّي بِحملةٍ بحريَّة، فأرسل قائد الأُسطول العبَّاسي في الشَّام ومصر كي يفرض حصارًا بحريًّا على الثُغور الطولونيَّة ويقطع الإمدادات عنهم.<ref name="الكندي-نهاية">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[أبو عمر الكندي|الكِندي، أبو عُمر مُحمَّد بن يُوسُف بن يعقوب الكِندي المصري]]|مؤلف2= تحقيق: مُحمَّد حسن مُحمَّد حسن إسماعيل، وأحمد فريد المزيدي|عنوان= كتاب الوُلاة وكتاب القُضاة|طبعة= الأولى|صفحة= 180-182|سنة= [[1424 هـ|1424هـ]] - [[2003]]م|ناشر= دار الكُتب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>


تقدَّم مُحمَّد بن سُليمان الكاتب على رأس جيشه إلى دمشق ودخلها من دون مُقاومة، وانضمَّت إليه بقايا القُوَّات الطولونيَّة في الشَّام، ووُلاة الطولونيين الناقمون على هٰرون، ثُمَّ تابع تقدُّمه حتَّى دخل فلسطين، فقدَّم لهُ عاملها الطولوني وصيف بن سوار تكين الطاعة، وانضمَّ إلى قُوَّاته.<ref name="الكندي-نهاية" /> حاول هٰرون التصدّي للجُيوش العبَّاسيَّة واستقطاب وُلاة الشَّام إلى صفِّه مُجددًا، غير أنَّهم لم يستجيبوا له،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن تغري|ابن تغري بردي، أبو المحاسن جمالُ الدين يُوسُف بن تغري بردي بن عبد الله الظاهري الحنفي]]|مؤلف2= قدَّم لهُ وعلَّق عليه: مُحمَّد حُسين شمسُ الدين|عنوان= [[النجوم الزاهرة|النُجوم الزاهرة في مُلوك مصر والقاهرة]]، الجُزء الثالث|طبعة= الأولى|صفحة= 109|سنة= [[1413 هـ|1413هـ]] - [[1992]]م|ناشر= دار الكُتب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وخلال هذا الوقت كان الأُسطول العبَّاسي قد بلغ مدينة [[تنيس]]، حيثُ التقى بالأُسطول الطولوني وهزمهُ شرَّ هزيمة وسقطت المدينة بيده، ثُمَّ لحق به حتَّى [[دمياط|دُمياط]] حيثُ هزمه للمرَّة الثانية واستولى على مراكبه وأُسر بحَّارته، ثُمَّ تقدَّم نحو الفسطاط فأحرق الجسر الشرقي الذي يصلها بالروضة، وخرَّب الجسر الغربي الذي يصلها [[الجيزة (توضيح)|بالجيزة]]، فقطع بِذلك الإمدادات عنها مُمهدًا الطريق للقُوَّات البريَّة لاقتحامها.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= محمود، حسن أحمد|عنوان= حضارة مصر الإسلاميَّة: العصر الطولوني|صفحة= 164|ناشر= دار الفكر العربي|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وفي ظل هذه الظُروف الحرجة قُتل هٰرون وهو ثمل على يد عمَّاه شيبان وعُديّ ليلة الأحد في [[19 صفر]] [[292 هـ|292هـ]] المُوافق فيه [[31 ديسمبر|31 كانون الأوَّل (ديسمبر)]] [[904]]م، وخلفهُ شيبان.<ref name="الكندي-نهاية" /><ref group="ْ">Все монархи мира. Мусульманский Восток VII—XV вв. ([http://slovari.yandex.ru/~книги/Монархи.%20Мусульманский%20Восток%20VII-XV/Тулуниды/]) {{وصلة مكسورة|تاريخ= مايو 2019 |bot=JarBot}} {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20150917102913/https://slovari.yandex.ru/~книги/Монархи. Мусульманский Восток VII-XV/Тулуниды/ |date=17 سبتمبر 2015}}</ref><ref group="ْ">Мюллер Август. История ислама. Книга 5. Аббасиды и Фатимиды. II. Наместники и Эмир аль-умара([https://gumilevica.kulichki.net/MUA/mua52.htm]) {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20180806223126/http://gumilevica.kulichki.net:80/MUA/mua52.htm |date=6 أغسطس 2018}}</ref> وما كاد مُحمَّد بن سُليمان الكاتب يقف على تمزُّق الطولونيين وتفرُّق قُوَّاتهم على هذا الشكل، واطمأنَّ إلى ضُعف المُقاومة الطولونيَّة، حتَّى تقدَّم من فلسطين إلى مصر. وتقهقرت قُوَّات شيبان بن أحمد فدخلت العاصمة للدفاع عنها، فطاردتها القُوَّات العبَّاسيَّة حتَّى وصلت إلى الفسطاط والقطائع وضربت الحصار عليهما، كما تقدَّم الأُسطول العبَّاسي وحاصرهُما من النهر. وتعرَّضت المدينتان للضرب المُتواصل من البرِّ والنهر في ظلِّ مُقاومةٍ طولونيَّةٍ ضارية، ما دفع مُحمَّد بن سُليمان الكاتب إلى أن يعرض الاستسلام على شيبان مُقابل تأمينه وتأمين رجاله، وعندما علم هؤلاء بذلك تركوه وانضموا إلى الجيش العبَّاسي، فاضطرَّ شيبان عندئذٍ إلى طلب الأمان لهُ ولِأهله فمُنح أيَّاه، لكنَّ العساكر لم تعلم بِهذا الصُلح، لِذا حدث في اليوم التالي أن اشتبك الجيشان وانهزمت القُوَّات الطولونيَّة ودخل الجُنود العبَّاسيّون القطائع بِقيادة مُحمَّد بن سُليمان، الذي نقض الأمان الذي منحه لِشيبان، وعامل الأُسرة الطولونيَّة بِقسوة، فأخرجها من مصر وأرسل أفرادها، البالغ عددهم عشرين شخصًا، إلى بغداد مع قادتهم ومواليهم، ونقل معهم آثارهم وتُحفهم، واستصفى أموالهم.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن تغري|ابن تغري بردي، أبو المحاسن جمالُ الدين يُوسُف بن تغري بردي بن عبد الله الظاهري الحنفي]]|مؤلف2= قدَّم لهُ وعلَّق عليه: مُحمَّد حُسين شمسُ الدين|عنوان= [[النجوم الزاهرة|النُجوم الزاهرة في مُلوك مصر والقاهرة]]، الجُزء الثالث|طبعة= الأولى|صفحة= 137 - 140|سنة= [[1413 هـ|1413هـ]] - [[1992]]م|ناشر= دار الكُتب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وهكذا سقطت الدولة الطولونيَّة وعادت مصر ولايةً عبَّاسيَّة كما كانت قبل سبعٍ وثلاثين سنة، وتولّاها مُحمَّد بن سُليمان الكاتب بناءً على أمر الخليفة.
تقدَّم مُحمَّد بن سُليمان الكاتب على رأس جيشه إلى دمشق ودخلها من دون مُقاومة، وانضمَّت إليه بقايا القُوَّات الطولونيَّة في الشَّام، ووُلاة الطولونيين الناقمون على هٰرون، ثُمَّ تابع تقدُّمه حتَّى دخل فلسطين، فقدَّم لهُ عاملها الطولوني وصيف بن سوار تكين الطاعة، وانضمَّ إلى قُوَّاته.<ref name="الكندي-نهاية" /> حاول هٰرون التصدّي للجُيوش العبَّاسيَّة واستقطاب وُلاة الشَّام إلى صفِّه مُجددًا، غير أنَّهم لم يستجيبوا له،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن تغري|ابن تغري بردي، أبو المحاسن جمالُ الدين يُوسُف بن تغري بردي بن عبد الله الظاهري الحنفي]]|مؤلف2= قدَّم لهُ وعلَّق عليه: مُحمَّد حُسين شمسُ الدين|عنوان= [[النجوم الزاهرة|النُجوم الزاهرة في مُلوك مصر والقاهرة]]، الجُزء الثالث|طبعة= الأولى|صفحة= 109|سنة= [[1413 هـ|1413هـ]] - [[1992]]م|ناشر= دار الكُتب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وخلال هذا الوقت كان الأُسطول العبَّاسي قد بلغ مدينة [[تنيس]]، حيثُ التقى بالأُسطول الطولوني وهزمهُ شرَّ هزيمة وسقطت المدينة بيده، ثُمَّ لحق به حتَّى [[دمياط|دُمياط]] حيثُ هزمه للمرَّة الثانية واستولى على مراكبه وأُسر بحَّارته، ثُمَّ تقدَّم نحو الفسطاط فأحرق الجسر الشرقي الذي يصلها بالروضة، وخرَّب الجسر الغربي الذي يصلها [[الجيزة (توضيح)|بالجيزة]]، فقطع بِذلك الإمدادات عنها مُمهدًا الطريق للقُوَّات البريَّة لاقتحامها.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= محمود، حسن أحمد|عنوان= حضارة مصر الإسلاميَّة: العصر الطولوني|صفحة= 164|ناشر= دار الفكر العربي|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وفي ظل هذه الظُروف الحرجة قُتل هٰرون وهو ثمل على يد عمَّاه شيبان وعُديّ ليلة الأحد في [[19 صفر]] [[292 هـ|292هـ]] المُوافق فيه [[31 ديسمبر|31 كانون الأوَّل (ديسمبر)]] [[904]]م، وخلفهُ شيبان.<ref name="الكندي-نهاية" /><ref group="ْ">Все монархи мира. Мусульманский Восток VII—XV вв. ([http://slovari.yandex.ru/~книги/Монархи.%20Мусульманский%20Восток%20VII-XV/Тулуниды/]) {{وصلة مكسورة|تاريخ=مايو 2019|bot=JarBot}} {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20150917102913/https://slovari.yandex.ru/~книги/Монархи. Мусульманский Восток VII-XV/Тулуниды/|date=17 سبتمبر 2015}}</ref><ref group="ْ">Мюллер Август. История ислама. Книга 5. Аббасиды и Фатимиды. II. Наместники и Эмир аль-умара([https://gumilevica.kulichki.net/MUA/mua52.htm]) {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20180806223126/http://gumilevica.kulichki.net:80/MUA/mua52.htm|date=6 أغسطس 2018}}</ref> وما كاد مُحمَّد بن سُليمان الكاتب يقف على تمزُّق الطولونيين وتفرُّق قُوَّاتهم على هذا الشكل، واطمأنَّ إلى ضُعف المُقاومة الطولونيَّة، حتَّى تقدَّم من فلسطين إلى مصر. وتقهقرت قُوَّات شيبان بن أحمد فدخلت العاصمة للدفاع عنها، فطاردتها القُوَّات العبَّاسيَّة حتَّى وصلت إلى الفسطاط والقطائع وضربت الحصار عليهما، كما تقدَّم الأُسطول العبَّاسي وحاصرهُما من النهر. وتعرَّضت المدينتان للضرب المُتواصل من البرِّ والنهر في ظلِّ مُقاومةٍ طولونيَّةٍ ضارية، ما دفع مُحمَّد بن سُليمان الكاتب إلى أن يعرض الاستسلام على شيبان مُقابل تأمينه وتأمين رجاله، وعندما علم هؤلاء بذلك تركوه وانضموا إلى الجيش العبَّاسي، فاضطرَّ شيبان عندئذٍ إلى طلب الأمان لهُ ولِأهله فمُنح أيَّاه، لكنَّ العساكر لم تعلم بِهذا الصُلح، لِذا حدث في اليوم التالي أن اشتبك الجيشان وانهزمت القُوَّات الطولونيَّة ودخل الجُنود العبَّاسيّون القطائع بِقيادة مُحمَّد بن سُليمان، الذي نقض الأمان الذي منحه لِشيبان، وعامل الأُسرة الطولونيَّة بِقسوة، فأخرجها من مصر وأرسل أفرادها، البالغ عددهم عشرين شخصًا، إلى بغداد مع قادتهم ومواليهم، ونقل معهم آثارهم وتُحفهم، واستصفى أموالهم.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن تغري|ابن تغري بردي، أبو المحاسن جمالُ الدين يُوسُف بن تغري بردي بن عبد الله الظاهري الحنفي]]|مؤلف2= قدَّم لهُ وعلَّق عليه: مُحمَّد حُسين شمسُ الدين|عنوان= [[النجوم الزاهرة|النُجوم الزاهرة في مُلوك مصر والقاهرة]]، الجُزء الثالث|طبعة= الأولى|صفحة= 137 - 140|سنة= [[1413 هـ|1413هـ]] - [[1992]]م|ناشر= دار الكُتب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وهكذا سقطت الدولة الطولونيَّة وعادت مصر ولايةً عبَّاسيَّة كما كانت قبل سبعٍ وثلاثين سنة، وتولّاها مُحمَّد بن سُليمان الكاتب بناءً على أمر الخليفة.


== الثقافة والمظاهر الحضاريَّة ==
== الثقافة والمظاهر الحضاريَّة ==
سطر 164: سطر 164:


=== العُلوم والآداب ===
=== العُلوم والآداب ===
اشتُهرت مصر في العصر الطولوني [[الطب والصيدلة في عصر الحضارة الإسلامية|بالطب]]، فظهر من الأطبَّاء سعيد بن ترفيل، وهو مسيحي كان في خدمة أحمد بن طولون، و[[سعيد بن البطريق]] وهو مسيحيٌّ أيضًا كانت له عِدَّة مُؤلَّفات منها تاريخه المُسمَّى «التاريخ المجموع على التحقيق والتصديق».<ref name="الحويري">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= الحُويري، محمود|عنوان= مصر في العصور الوسطى (دراسة في الأوضاع السياسية والحضارية)|طبعة= الأولى|صفحة= 117 - 120|سنة= [[2002]]|ناشر= عين للدراسات والبُحوث الإنسانيَّة والاجتماعيَّة|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> كذلك ظهر خِلال تلك الفترة بعض الكُتّاب الذين اهتموا بِتدوين التاريخ والخطط، ومن أشهرهم [[ابن عبد الحكم|عبد الرحمٰن بن عبد الحكم القُرشي]]، وكان من أهل الرواية والحديث، ثم شُغف بِالقصص والأخبار، وكَلِف بالتاريخ، ومن مُؤلَّفاته كتاب «[[فتوح مصر وأخبارها (كتاب)|فُتوح مصر]]»، ويُعدُّ ابن عبد الحكم أوَّل مُؤرِّخ لِخطط مصر الإسلاميَّة.<ref name="الحويري" /> ومن أشهر مُؤرِّخي مصر في العصر الطولوني [[ابن الداية|أبو جعفر أحمد بن يُوسُف المعروف بابن الداية]]، وقد ألَّف كتابًا في سيرة أحمد بن طولون، وكتابًا آخر في سيرة خُمارويه، كما كان لهُ كُتبًا أُخرى وهي: كتاب «أخبار غلمان بني طولون»، وكتاب «حُسن العُقبى»، وكتاب «أخبار الأطباء»، وكتاب «المُكافأة».<ref name="الحويري" /> وكذلك من أشهر مُؤرخي الدولة الطولونيَّة أبو مُحمَّد عبدُ الله بن مُحمَّد المديني المعروف بالبلويّ، وذكر [[ابن النديم]] أنه كان عالمًا وفقيهًا وواعظًا، وأنه ألَّف كُتبًا كثيرة منها: كتاب الأبواب، وكتاب المعرفة، وكتاب الدين وفرائضه.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن النديم|ابن النديم، أبو الفرج مُحمَّد بن إسحٰق بن مُحمَّد الورَّاق البغدادي المُعتزلي الشيعي]]|مؤلف2= تحقيق: إبراهيم رمضان|عنوان= [[كتاب الفهرست]]|طبعة= الثانية|صفحة= 243|سنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1997]]م|ناشر= دار المعرفة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وقد فُقدت هذه الكُتب جميعًا ولم يبق من مُؤلَّفاته إلا كتابه «سيرة أحمد بن طولون» الذي يُعدُّ من أهم المصادر لِدراسة [[تاريخ مصر الإسلامية|تاريخ مصر]] و[[الشرق الأدنى]] الإسلامي في النصف الثاني من [[قرن 3 هـ|القرن الثالث الهجري]] المُوافق [[القرن 9|للقرن التاسع الميلادي]].<ref name="الحويري" /> وفي العصر الطولوني ازدهرت الدراسات اللُغويَّة، وكان من بين أبرز اللُغويين الوليد بن مُحمَّد التميمي المعروف بولاَّد، كذلك أنجبت المدرسة اللُّغوية [[الدينوري (توضيح)|أحمد بن جعفر الدينوري]] صاحب كتاب «المُهذَّب في النحو»، و[[النحاس (عالم مسلم)|أبا جعفر النحَّاس]] صاحب كتاب «معاني القُرآن ومنسوخه»، ومُحمَّد بن حسَّان النحوي.<ref name="الحويري" />
اشتُهرت مصر في العصر الطولوني [[الطب والصيدلة في عصر الحضارة الإسلامية|بالطب]]، فظهر من الأطبَّاء سعيد بن ترفيل، وهو مسيحي كان في خدمة أحمد بن طولون، و[[سعيد بن البطريق]] وهو مسيحيٌّ أيضًا كانت له عِدَّة مُؤلَّفات منها تاريخه المُسمَّى «التاريخ المجموع على التحقيق والتصديق».<ref name="الحويري">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= الحُويري، محمود|عنوان= مصر في العصور الوسطى (دراسة في الأوضاع السياسية والحضارية)|طبعة= الأولى|صفحة= 117 - 120|سنة= [[2002]]|ناشر= عين للدراسات والبُحوث الإنسانيَّة والاجتماعيَّة|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> كذلك ظهر خِلال تلك الفترة بعض الكُتّاب الذين اهتموا بِتدوين التاريخ والخطط، ومن أشهرهم [[ابن عبد الحكم|عبد الرحمٰن بن عبد الحكم القُرشي]]، وكان من أهل الرواية والحديث، ثم شُغف بِالقصص والأخبار، وكَلِف بالتاريخ، ومن مُؤلَّفاته كتاب «[[فتوح مصر وأخبارها (كتاب)|فُتوح مصر]]»، ويُعدُّ ابن عبد الحكم أوَّل مُؤرِّخ لِخطط مصر الإسلاميَّة.<ref name="الحويري" /> ومن أشهر مُؤرِّخي مصر في العصر الطولوني [[ابن الداية|أبو جعفر أحمد بن يُوسُف المعروف بابن الداية]]، وقد ألَّف كتابًا في سيرة أحمد بن طولون، وكتابًا آخر في سيرة خُمارويه، كما كان لهُ كُتبًا أُخرى وهي: كتاب «أخبار غلمان بني طولون»، وكتاب «حُسن العُقبى»، وكتاب «أخبار الأطباء»، وكتاب «المُكافأة».<ref name="الحويري" /> وكذلك من أشهر مُؤرخي الدولة الطولونيَّة أبو مُحمَّد عبدُ الله بن مُحمَّد المديني المعروف بالبلويّ، وذكر [[النديم|ابن النديم]] أنه كان عالمًا وفقيهًا وواعظًا، وأنه ألَّف كُتبًا كثيرة منها: كتاب الأبواب، وكتاب المعرفة، وكتاب الدين وفرائضه.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن النديم|ابن النديم، أبو الفرج مُحمَّد بن إسحٰق بن مُحمَّد الورَّاق البغدادي المُعتزلي الشيعي]]|مؤلف2= تحقيق: إبراهيم رمضان|عنوان= [[كتاب الفهرست]]|طبعة= الثانية|صفحة= 243|سنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1997]]م|ناشر= دار المعرفة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وقد فُقدت هذه الكُتب جميعًا ولم يبق من مُؤلَّفاته إلا كتابه «سيرة أحمد بن طولون» الذي يُعدُّ من أهم المصادر لِدراسة [[تاريخ مصر الإسلامية|تاريخ مصر]] و[[الشرق الأدنى]] الإسلامي في النصف الثاني من [[قرن 3 هـ|القرن الثالث الهجري]] المُوافق [[القرن 9|للقرن التاسع الميلادي]].<ref name="الحويري" /> وفي العصر الطولوني ازدهرت الدراسات اللُغويَّة، وكان من بين أبرز اللُغويين الوليد بن مُحمَّد التميمي المعروف بولاَّد، كذلك أنجبت المدرسة اللُّغوية [[الدينوري (توضيح)|أحمد بن جعفر الدينوري]] صاحب كتاب «المُهذَّب في النحو»، و[[النحاس (عالم مسلم)|أبا جعفر النحَّاس]] صاحب كتاب «معاني القُرآن ومنسوخه»، ومُحمَّد بن حسَّان النحوي.<ref name="الحويري" />


== الجيش ==
== الجيش ==
سطر 191: سطر 191:
! style="background-color:#F0DC82" width=9% | سنوات الحُكم
! style="background-color:#F0DC82" width=9% | سنوات الحُكم
|-
|-
|colspan=4 align="middle"| إمارة مُستقلَّة إداريًّا بِحُكم الأمر الواقع عن [[الدولة العباسية|الدولة العبَّاسيَّة]] مُنذ عهد الخليفة [[أبو العباس أحمد المعتمد على الله|أبو العبَّاس أحمد المُعتمد على الله]].
|colspan=4 align="middle"| إمارة مُستقلَّة إداريًّا بِحُكم الأمر الواقع عن [[الدولة العباسية|الدولة العبَّاسيَّة]] مُنذ عهد الخليفة [[أحمد المعتمد على الله|أبو العبَّاس أحمد المُعتمد على الله]].
|-
|-
|align="center"|{{خط/عربي|أمير}}<br />{{خط/عربي|أبو العبَّاس}}
|align="center"|{{خط/عربي|أمير}}<br />{{خط/عربي|أبو العبَّاس}}