صلاح الدين الأيوبي: الفرق بين النسختين

اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لا يوجد ملخص تحرير
ط (استبدال قوالب (بداية قصيدة، بيت ، شطر، نهاية قصيدة) -> أبيات)
 
لا ملخص تعديل
 
سطر 8: سطر 8:
| caption = رسم تخيلي لصلاح الدين في العقد السادس من عُمره
| caption = رسم تخيلي لصلاح الدين في العقد السادس من عُمره
| reign = 589-567 هـ / 1174–1193 م
| reign = 589-567 هـ / 1174–1193 م
| coronation = 567 هـ /1174 م، [[القاهرة]]، {{علم الدولة الأيوبية}}
| coronation = 567 هـ /1174 م، [[القاهرة]]، [[الدولة الأيوبية]]
| othertitles = الملك الناصر / صلاح الدين
| othertitles = الملك الناصر / صلاح الدين
| full name = يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب الدُويني التكريتي
| full name = يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب الدُويني التكريتي
| predecessor = [[نور الدين زنكي]]
| predecessor = [[نور الدين زنكي]]
| successor = [[الأفضل بن صلاح الدين]] (الشام)<br />[[العزيز عماد الدين عثمان|العزيز عثمان]] (مصر)
| successor = [[الأفضل بن صلاح الدين]] (الشام)<br />[[العزيز عماد الدين عثمان|العزيز عثمان]] (مصر)
| dynasty = [[الدولة الأيوبية|السلطنة الأيوبية]]
| dynasty = [[الدولة الأيوبية]]
| date of birth = [[532 هـ]] / [[1138]]م
| date of birth = [[532 هـ]] / [[1138]]م
| place of birth = [[قلعة تكريت]]، {{الدولة العباسية}}
| place of birth = [[قلعة تكريت]]، [[الدولة العباسية]]
| date of death = [[صفر (شهر)|27 صفر]] [[589 هـ]]<br />  ([[4 مارس]] [[1193]]م)  (55–56 عامًا)
| date of death = [[صفر (شهر)|27 صفر]] [[589 هـ]]<br />  ([[4 مارس]] [[1193]]م)  (55–56 عامًا)
| place of death = [[دمشق]]، [[ملف:Flag of Ayyubid Dynasty.svg|20بك]] [[الدولة الأيوبية|السلطنة الأيوبيّة]]
| place of death = [[دمشق]]، [[الدولة الأيوبية]]
| place of burial = [[المدرسة العزيزية]]، [[دمشق]]، [[سوريا]]
| place of burial = [[المدرسة العزيزية]]، [[دمشق]]، [[سوريا]]
| الجنسية =  
| الجنسية =  
سطر 66: سطر 66:
{{استشهاد بكتاب | عنوان = william of tyre، XIX،page960| مؤلف = Peter W. Edbury and John Gordon| سنة = 1991 }}</ref> في حين نجح الرسول المرسل إلى [[القسطنطينية]] بسبب إدراك الإمبراطور [[مانويل كومنينوس|عمانوئيل كومنينوس]] اختلال توازن القوى في المنطقة. فعرض تعاون الأسطول الإمبراطوري مع حملة [[عموري الأول]]، الذي وجد الفرصة مناسبة بسبب انشغال الملك [[نور الدين زنكي]] في مشاكله الداخلية، إضافة إلى وفاة أسد الدين شيركوه وتعيين صلاح الدين خلفًا له والذي كان الملك عموري يراه شخصًا غير محنك.<ref name="صليبيون ج2">
{{استشهاد بكتاب | عنوان = william of tyre، XIX،page960| مؤلف = Peter W. Edbury and John Gordon| سنة = 1991 }}</ref> في حين نجح الرسول المرسل إلى [[القسطنطينية]] بسبب إدراك الإمبراطور [[مانويل كومنينوس|عمانوئيل كومنينوس]] اختلال توازن القوى في المنطقة. فعرض تعاون الأسطول الإمبراطوري مع حملة [[عموري الأول]]، الذي وجد الفرصة مناسبة بسبب انشغال الملك [[نور الدين زنكي]] في مشاكله الداخلية، إضافة إلى وفاة أسد الدين شيركوه وتعيين صلاح الدين خلفًا له والذي كان الملك عموري يراه شخصًا غير محنك.<ref name="صليبيون ج2">
{{استشهاد بكتاب | عنوان = تاريخ الحروب الصليبية ج2 صفحة 442| مؤلف = [[ستيفين رونسيمان]]| صفحات = 570  | سنة = 1997 }}</ref>
{{استشهاد بكتاب | عنوان = تاريخ الحروب الصليبية ج2 صفحة 442| مؤلف = [[ستيفين رونسيمان]]| صفحات = 570  | سنة = 1997 }}</ref>
[[ملف:Capturing Damiate.jpg|تصغير|مركز|600بك|<center>حصار دمياط من قبل الأسطول الصليبي والبيزنطي.</center>]]
[[ملف:Capturing Damiate.jpg|تصغير|مركز|600بك|<center>حصارُ الأسطول الصليبي والبيزنطي دمياطَ.</center>]]
استعد صلاح الدين بشكل جيد، فقد استطاع التخلص من حرس قصر الخليفة الفاطمي [[العاضد لدين الله]] واستبداله بحرس موالين له.<ref name="الكامل في «">{{استشهاد بكتاب | عنوان = الكامل في التاريخ ج 11 صفحة 568 | مؤلف = ابن الأثير| صفحات = 504  | سنة = 2003 }}</ref> وكان ذلك لتأخر الحملة الصليبية ثلاث أشهر منذ انطلاقها في [[13 شوال]] سنة [[564 هـ]]، الموافق فيه [[10 يوليو]] سنة [[1169]]م، بسبب عدم حماسة الأمراء [[بارون|والبارونات]] الصليبيين للمعركة بعد المعارك الأخيرة التي هُزموا فيها، <ref name="صليبيون ج2"/> استهل الصليبيون حملتهم بحصار مدينة [[دمياط]] في [[1 صفر]] سنة [[565 هـ]]، الموافق فيه [[25 أكتوبر]] سنة [[1169]]م، فأرسل صلاح الدين قواته بقيادة شهاب الدين محمود وابن أخيه تقي الدين عمر، وأرسل إلى نور الدين زنكي يشكو ما هم فيه من المخافة ويقول: {{اقتباس مضمن|إن تأخرت عن دمياط ملكها الإفرنج، وإن سرت إليها خلفني المصريون في أهلها بالشر، وخرجوا من طاعتي، وساروا في أثري، والفرنج أمامي؛ فلا يبقى لنا باقية}}، <ref>{{استشهاد بكتاب|الأخير= ابن الأثير|مؤلف-وصلة= ابن الأثير|عنوان= [[الكامل في التاريخ]]، الجزء العاشر، أحداث 565 هـ|سنة= 2008|ناشر= دار التوفيقية للطباعة|مكان= القاهرة|صفحات= ص 23}}</ref> وقال نور الدين في ذلك: {{اقتباس مضمن|إني لأستحي من الله أن أبتسم والمسلمون محاصرون بالفرنج}}.<ref name="عيون الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية">{{استشهاد بكتاب | عنوان = عيون الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية | مؤلف =  شهاب الدين عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي| صفحات = 302  | سنة = 1991 }}</ref> فسار نور الدين إلى الإمارات الصليبية في [[بلاد الشام]] وقام بشن الغارات على حصون الصليبيين ليخفف الضغط عن مصر.<ref name="ابت">{{استشهاد بكتاب | عنوان = البداية والنهاية| مؤلف =  الحافظ عماد الدين أبي الفداء إسماعيل ابن كثير ج16| صفحات = 440  | سنة = 1968 }}</ref> وقامت حامية دمياط بدور أساسي في الدفاع عن المدينة وألقت سلسلة ضخمة عبر [[نهر النيل|النهر]]، منعت وصول سفن الروم إليها، وهطلت أمطار غزيرة حولت المعسكر الصليبي إلى مستنقع فتهيأوا للعودة وغادروا دمياط بعد حصار دام خمسين يومًا، بعد أن أحرقوا جميع أدوات الحصار. وعندما أبحر الأسطول البيزنطي، هبت عاصفة عنيفة، لم يتمكن البحارة - الذين كادوا أن يهلكوا جوعًا - من السيطرة على سفنهم فغرق معظمهم.<ref name="صليبيون يي">{{استشهاد بكتاب | عنوان = تاريخ الحروب الصليبية ج2 صفحة 443| مؤلف = [[ستيفين رونسيمان]]| صفحات = 570  | سنة = 1997 }}</ref>
استعد صلاح الدين استعدادًا جيدًا، فقد استطاع التخلص من حرس قصر الخليفة الفاطمي [[العاضد لدين الله]] واستبداله بحرس موالين له.<ref name="الكامل في «">{{استشهاد بكتاب | عنوان = الكامل في التاريخ ج 11 صفحة 568 | مؤلف = ابن الأثير| صفحات = 504  | سنة = 2003 }}</ref> وكان ذلك لتأخر الحملة الصليبية ثلاث أشهر منذ انطلاقها في [[13 شوال]] سنة [[564 هـ]]، الموافق فيه [[10 يوليو]] سنة [[1169]]م، بسبب عدم حماسة الأمراء [[بارون|والبارونات]] الصليبيين للمعركة بعد المعارك الأخيرة التي هُزموا فيها، <ref name="صليبيون ج2"/> استهل الصليبيون حملتهم بحصار مدينة [[دمياط]] في [[1 صفر]] سنة [[565 هـ]]، الموافق فيه [[25 أكتوبر]] سنة [[1169]]م، فأرسل صلاح الدين قواته بقيادة شهاب الدين محمود وابن أخيه تقي الدين عمر، وأرسل إلى نور الدين زنكي يشكو ما هم فيه من المخافة ويقول: {{اقتباس مضمن|إن تأخرت عن دمياط ملكها الإفرنج، وإن سرت إليها خلفني المصريون في أهلها بالشر، وخرجوا من طاعتي، وساروا في أثري، والفرنج أمامي؛ فلا يبقى لنا باقية}}، <ref>{{استشهاد بكتاب|الأخير= ابن الأثير|مؤلف-وصلة= ابن الأثير|عنوان= [[الكامل في التاريخ]]، الجزء العاشر، أحداث 565 هـ|سنة= 2008|ناشر= دار التوفيقية للطباعة|مكان= القاهرة|صفحات= ص 23}}</ref> وقال نور الدين في ذلك: {{اقتباس مضمن|إني لأستحي من الله أن أبتسم والمسلمون محاصرون بالفرنج}}.<ref name="عيون الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية">{{استشهاد بكتاب | عنوان = عيون الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية | مؤلف =  شهاب الدين عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي| صفحات = 302  | سنة = 1991 }}</ref> فسار نور الدين إلى الإمارات الصليبية في [[بلاد الشام]] وقام بشن الغارات على حصون الصليبيين ليخفف الضغط عن مصر.<ref name="ابت">{{استشهاد بكتاب | عنوان = البداية والنهاية| مؤلف =  الحافظ عماد الدين أبي الفداء إسماعيل ابن كثير ج16| صفحات = 440  | سنة = 1968 }}</ref> وقامت حامية دمياط بدور أساسي في الدفاع عن المدينة وألقت سلسلة ضخمة عبر [[نهر النيل|النهر]]، منعت وصول سفن الروم إليها، وهطلت أمطار غزيرة حولت المعسكر الصليبي إلى مستنقع فتهيأوا للعودة وغادروا دمياط بعد حصار دام خمسين يومًا، بعد أن أحرقوا جميع أدوات الحصار. وعندما أبحر الأسطول البيزنطي، هبت عاصفة عنيفة، لم يتمكن البحارة - الذين كادوا أن يهلكوا جوعًا - من السيطرة على سفنهم فغرق معظمهم.<ref name="صليبيون يي">{{استشهاد بكتاب | عنوان = تاريخ الحروب الصليبية ج2 صفحة 443| مؤلف = [[ستيفين رونسيمان]]| صفحات = 570  | سنة = 1997 }}</ref>


لاحق صلاح الدين وجيشه فلول الجيش الصليبي المنسحب شمالاً حتى اشتبك معهم في مدينة [[دير البلح]] سنة [[1170]]م، <ref name="LnY2">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Lyons|Jackson|1982|p=43}}</ref> فخرج الملك [[عموري الأول]] وحاميته من [[فرسان الهيكل]] من مدينة [[غزة]] لقتال صلاح الدين، لكن الأخير استطاع تفادي الجيش الصليبي وحوّل مسيرته إلى غزة نفسها حيث دمّر البلدة التي بناها الصليبيون خارج أسوار المدينة.<ref>Pringle, 1993, p.208.</ref> تفيد بعض الوثائق أنه خلال هذه الفترة، قام صلاح الدين بفتح قلعة [[أم الرشاش|إيلات]] التي بناها الصليبيون على جزيرة صغيرة في [[خليج العقبة]] في 10 ربيع الآخر 566 هـ، <ref name="الكامل 566">{{استشهاد بكتاب|الأخير= ابن الأثير|مؤلف-وصلة= ابن الأثير|عنوان= [[الكامل في التاريخ]]، الجزء العاشر، أحداث 566 هـ|سنة= 2008|ناشر= دار التوفيقية للطباعة|مكان= القاهرة|صفحات= ص 32-33}}</ref> على الرغم من أنها لم تمثل تهديدًا للبحرية الإسلامية، إلا أن فرسانها كانوا يتعرضون في بعض الأحيان للسفن والقوارب التجارية الصغيرة.<ref name="LnY2"/>
لاحق صلاح الدين وجيشه فلول الجيش الصليبي المنسحب شمالاً حتى اشتبك معهم في مدينة [[دير البلح]] سنة [[1170]]م، <ref name="LnY2">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Lyons|Jackson|1982|p=43}}</ref> فخرج الملك [[عموري الأول]] وحاميته من [[فرسان الهيكل]] من مدينة [[غزة]] لقتال صلاح الدين، لكن الأخير استطاع تفادي الجيش الصليبي وحوّل مسيرته إلى غزة نفسها حيث دمّر البلدة التي بناها الصليبيون خارج أسوار المدينة.<ref>Pringle, 1993, p.208.</ref> تفيد بعض الوثائق أنه خلال هذه الفترة، قام صلاح الدين بفتح قلعة [[أم الرشاش|إيلات]] التي بناها الصليبيون على جزيرة صغيرة في [[خليج العقبة]] في 10 ربيع الآخر 566 هـ، <ref name="الكامل 566">{{استشهاد بكتاب|الأخير= ابن الأثير|مؤلف-وصلة= ابن الأثير|عنوان= [[الكامل في التاريخ]]، الجزء العاشر، أحداث 566 هـ|سنة= 2008|ناشر= دار التوفيقية للطباعة|مكان= القاهرة|صفحات= ص 32-33}}</ref> على الرغم من أنها لم تمثل تهديدًا للبحرية الإسلامية، إلا أن فرسانها كانوا يتعرضون في بعض الأحيان للسفن والقوارب التجارية الصغيرة.<ref name="LnY2"/>
سطر 99: سطر 99:
راسل كمشتكين شيخ [[الحشاشون|الحشاشين]] المدعو رشيد الدين سنان، الذي كان على خلاف مع صلاح الدين ويمقته مقتًا شديدًا بعد أن أسقط [[الدولة الفاطمية]]، واتفق معه على أن يقتل صلاح الدين في قلب معسكره، <ref name="LP3">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Lane-Poole|1906|p=138}}</ref> فأرسل كتيبة مكونة من ثلاثة عشر حشاشًا استطاعت التغلغل في المعسكر والتوجه نحو خيمة صلاح الدين، إلا أن أمرهم انفضح قبل أن يشرعوا بالهجوم، فقُتل أحدهم على يد أحد القادة، وصُرع الباقون أثناء محاولتهم الهرب.<ref name="LJ3"/><ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Lane-Poole|1906|p=139}}</ref>
راسل كمشتكين شيخ [[الحشاشون|الحشاشين]] المدعو رشيد الدين سنان، الذي كان على خلاف مع صلاح الدين ويمقته مقتًا شديدًا بعد أن أسقط [[الدولة الفاطمية]]، واتفق معه على أن يقتل صلاح الدين في قلب معسكره، <ref name="LP3">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Lane-Poole|1906|p=138}}</ref> فأرسل كتيبة مكونة من ثلاثة عشر حشاشًا استطاعت التغلغل في المعسكر والتوجه نحو خيمة صلاح الدين، إلا أن أمرهم انفضح قبل أن يشرعوا بالهجوم، فقُتل أحدهم على يد أحد القادة، وصُرع الباقون أثناء محاولتهم الهرب.<ref name="LJ3"/><ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Lane-Poole|1906|p=139}}</ref>


وفي أثناء ذلك، تحرّك [[ريموند الثالث]] صاحب [[طرابلس (لبنان)|طرابلس]] لمهاجمة [[حمص]]، وحشد جيشه بالقرب من [[النهر الكبير الجنوبي]]، على الحدود [[لبنان|اللبنانية]] [[سوريا|السورية]] الشمالية حاليًا، لكنه سرعان ما تراجع عن تحقيق هدفه، لمّا بلغه أن صلاح الدين قد أرسل فرقة عسكرية كبيرة مجهزة بالعتاد اللازم لتنضم إلى حامية المدينة.<ref name="البداية 570"/><ref name="LJ4"/> وفي غضون هذا الوقت كان أعداء صلاح الدين في [[بلاد الشام|الشام]] و[[الجزيرة الفراتية]] يطلقون حملات مضادة له ويهاجمونه كلّما سنحت الفرصة، فقالوا أنه نسي أصله، فهو ليس سوى خادم للملك العادل [[نور الدين زنكي]]، بل خادم ناكر للمعروف لا يؤتمن على شيء، خان سيده ومولاه ونفى ولده من بلاد أبيه إلى بلاد أخرى، وجعل يُحاصرها بعد ذلك. فردّ صلاح الدين على تلك الحملات الشرسة قائلاً أنه لم يُحاصر [[حلب]] ولم يحضر إلى الشام منذ البداية إلا لحماية [[العالم الإسلامي|دار الإسلام]] والمسلمين من الجيوش الصليبية، وليستعيد ما سُلب من [[الأراضي المقدسة]]، وإن هذه مهمة لا يمكن أن يتولاها صبي لم يبلغ أشدّه بعد، ويسهل التلاعب به من قبل أصحاب النفوس الخبيثة. وليُطمئن الناس أكثر، سار صلاح الدين على رأس جيشه إلى [[حماة]] ليُقاتل فرقة صليبية أُرسلت لفتح المدينة، إلا أن الصليبيين انسحبوا قبل اللقاء بعد أن بلغهم حجم الجيش الأيوبي، <ref name="LJ4">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Lyons|Jackson|1982|pp=88–89}}</ref> فدخل صلاح الدين المدينة بسهولة، وتسلّم [[قلعة حماة|قلعتها]] في شهر مارس من سنة [[1175]]م، بعد مقاومة عنيفة من حاميتها.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Lane-Poole|1906|p=140}}</ref>
وفي أثناء ذلك، تحرّك [[ريموند الثالث]] صاحب [[طرابلس (لبنان)|طرابلس]] لمهاجمة [[حمص]]، وحشد جيشه بالقرب من [[النهر الكبير الجنوبي]]، على الحدود [[لبنان|اللبنانية]] [[سوريا|السورية]] الشمالية حاليًا، لكنه سرعان ما تراجع عن تحقيق هدفه، لمّا بلغه أن صلاح الدين قد أرسل فرقة عسكرية كبيرة مجهزة بالعتاد اللازم لتنضم إلى حامية المدينة.<ref name="البداية 570"/><ref name="LJ4"/> وفي غضون هذا الوقت كان أعداء صلاح الدين في [[بلاد الشام|الشام]] و[[الجزيرة الفراتية]] يطلقون حملات مضادة له ويهاجمونه كلّما سنحت الفرصة، فقالوا أنه نسي أصله، فهو ليس سوى خادم للملك العادل [[نور الدين زنكي]]، بل خادم ناكر للمعروف لا يؤتمن على شيء، خان سيده ومولاه ونفى ولده من بلاد أبيه إلى بلاد أخرى، وجعل يُحاصرها بعد ذلك. فردّ صلاح الدين على تلك الحملات الشرسة قائلاً أنه لم يُحاصر [[حلب]] ولم يحضر إلى الشام منذ البداية إلا لحماية [[العالم الإسلامي|دار الإسلام]] والمسلمين من الجيوش الصليبية، وليستعيد ما سُلب من [[الأراضي المقدسة]]، وإن هذه مهمة لا يمكن أن يتولاها صبي لم يبلغ أشدّه بعد، ويسهل أن يتلاعب به أصحابُ النفوس الخبيثة. وليُطمئن الناس أكثر، سار صلاح الدين على رأس جيشه إلى [[حماة]] ليُقاتل فرقة صليبية أُرسلت لفتح المدينة، إلا أن الصليبيين انسحبوا قبل اللقاء بعد أن بلغهم حجم الجيش الأيوبي، <ref name="LJ4">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Lyons|Jackson|1982|pp=88–89}}</ref> فدخل صلاح الدين المدينة بسهولة، وتسلّم [[قلعة حماة|قلعتها]] في شهر مارس من سنة [[1175]]م، بعد مقاومة عنيفة من حاميتها.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Lane-Poole|1906|p=140}}</ref>


بعد هذه الأحداث، علم [[سيف الدين غازي|سيف الدين غازي بن قطب الدين مودود بن عماد الدين زنكي]] صاحب [[الموصل]] أن صلاح الدين قد استفحل أمره وعظم شأنه، وخاف إن غفل عنه استحوذ على البلاد واستقرت قدمه في الملك وتعدى الأمر إليه، فأنفذ عسكرًا وافرًا وجيشًا عظيمًا وقدّم عليه أخاه عز الدين مسعود بن قطب الدين مودود وساروا يريدون لقاءه ليردوه عن البلاد، <ref name="يا بيروت"/> فلما بلغ صلاح الدين ذلك فك الحصار عن [[حلب]] في مستهل [[رجب]] من السنة عائدًا إلى [[حماة]] استعدادًا للقائهم. وعندما وصل عز الدين مسعود إلى حلب، انضم إلى جيشه عسكر ابن عمه [[الصالح إسماعيل|الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين]]، وخرجوا في جمع عظيم، فلما عرف صلاح الدين بمسيرهم سار حتى وافاهم على قرون حماة وراسلهم وراسلوه واجتهد أن يصالحوه فما صالحوه، ورأوا أن ضرب المصاف معه ربما نالوا به غرضهم، <ref name="يا بيروت"/> والتقى الجمعان عند قرون حماة قرب [[نهر العاصي]]، ووقعت بينهما معركة عظيمة هزم فيها الزنكيون على يد صلاح الدين، وأُسرت جماعة منهم، وذلك في [[19 رمضان|التاسع عشر من شهر رمضان]] من سنة [[570 هـ]]، <ref name="البداية 570"/> الموافقة في [[23 أبريل]] من سنة [[1175]] م، ثم سار صلاح الدين عقيب انتصاره ونزل على حلب مرة أخرى، فصالحه الزنكيون على أخذ [[معرة النعمان]] [[كفرطاب|وكفرطاب]] وبارين.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Lane-Poole|1906|p=141}}</ref>
بعد هذه الأحداث، علم [[سيف الدين غازي|سيف الدين غازي بن قطب الدين مودود بن عماد الدين زنكي]] صاحب [[الموصل]] أن صلاح الدين قد استفحل أمره وعظم شأنه، وخاف إن غفل عنه استحوذ على البلاد واستقرت قدمه في الملك وتعدى الأمر إليه، فأنفذ عسكرًا وافرًا وجيشًا عظيمًا وقدّم عليه أخاه عز الدين مسعود بن قطب الدين مودود وساروا يريدون لقاءه ليردوه عن البلاد، <ref name="يا بيروت"/> فلما بلغ صلاح الدين ذلك فك الحصار عن [[حلب]] في مستهل [[رجب]] من السنة عائدًا إلى [[حماة]] استعدادًا للقائهم. وعندما وصل عز الدين مسعود إلى حلب، انضم إلى جيشه عسكر ابن عمه [[الصالح إسماعيل|الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين]]، وخرجوا في جمع عظيم، فلما عرف صلاح الدين بمسيرهم سار حتى وافاهم على قرون حماة وراسلهم وراسلوه واجتهد أن يصالحوه فما صالحوه، ورأوا أن ضرب المصاف معه ربما نالوا به غرضهم، <ref name="يا بيروت"/> والتقى الجمعان عند قرون حماة قرب [[نهر العاصي]]، ووقعت بينهما معركة عظيمة هزم فيها الزنكيون على يد صلاح الدين، وأُسرت جماعة منهم، وذلك في [[19 رمضان|التاسع عشر من شهر رمضان]] من سنة [[570 هـ]]، <ref name="البداية 570"/> الموافقة في [[23 أبريل]] من سنة [[1175]] م، ثم سار صلاح الدين عقيب انتصاره ونزل على حلب مرة أخرى، فصالحه الزنكيون على أخذ [[معرة النعمان]] [[كفرطاب|وكفرطاب]] وبارين.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Lane-Poole|1906|p=141}}</ref>
سطر 107: سطر 107:
استمرت الحرب بين الأيوبيين والزنكيين على الرغم من انتصار صلاح الدين في [[حماة]]، وحدثت الموقعة الأخيرة بينهما في صيف سنة [[1176]]م. كان صلاح الدين قد أحضر جيوشه من [[مصر]] استعدادًا للقاء الحاسم، وقام [[سيف الدين غازي|سيف الدين غازي بن قطب الدين مودود]] بتجنيد الرجال في المناطق التي ما زال يسيطر عليها، في [[ديار بكر]] وقرى وبلدات [[الجزيرة الفراتية]].<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Lane-Poole|1906|p=143}}</ref> عبر [[الدولة الأيوبية|الأيوبيون]] [[نهر العاصي]] متجهين شمالاً حتى وصلوا [[تل السلطان (توضيح)|تل السلطان]] على بعد 24 كيلومترًا (15 ميلاً) من [[حلب]]، حيث قابلوا الجيش الزنكي، فاشتبك الجيشان في معركة ضارية، واستطاع [[الدولة الزنكية|الزنكيون]] دحر ميسرة الجيش الأيوبي، فاندفع صلاح الدين بنفسه تجاه حرّاس سيف الدين غازي وأعمل فيهم [[سيف|السيف]]، فتشجع الأيوبيون واندفعوا يمزقون صفوف الجيش الزنكي، فذُعر الزنكيون وأخذوا يتقهقرون تاركين في ساحة المعركة الكثير من القتلى، <ref name="البداية 571">{{استشهاد بكتاب |الأخير= ابن كثير|مؤلف-وصلة= ابن كثير|عنوان= [[البداية والنهاية]]، الجزء الثامن، أحداث 571 هـ|سنة= 2008|ناشر= دار التوفيقية للطباعة|مكان= القاهرة|صفحات= ص 415-418}}</ref> كاد سيف الدين أن يكون من ضمنهم. قُتل في المعركة العديد من ضبّاط الجيش الزنكي وأُسر بعضهم الآخر، وغنم الأيوبيون معسكر الزنكيين بما فيه من خيام وأمتعة وخيول وأسلحة، وعامل صلاح الدين الأسرى معاملة كريمة، فمنحهم هدايا وأطلق سراحهم، ثم وزّع غنائم المعركة كلها على جنوده، ولم يحتفظ بشيء لنفسه.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Lane-Poole|1906|p=144}}</ref>
استمرت الحرب بين الأيوبيين والزنكيين على الرغم من انتصار صلاح الدين في [[حماة]]، وحدثت الموقعة الأخيرة بينهما في صيف سنة [[1176]]م. كان صلاح الدين قد أحضر جيوشه من [[مصر]] استعدادًا للقاء الحاسم، وقام [[سيف الدين غازي|سيف الدين غازي بن قطب الدين مودود]] بتجنيد الرجال في المناطق التي ما زال يسيطر عليها، في [[ديار بكر]] وقرى وبلدات [[الجزيرة الفراتية]].<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Lane-Poole|1906|p=143}}</ref> عبر [[الدولة الأيوبية|الأيوبيون]] [[نهر العاصي]] متجهين شمالاً حتى وصلوا [[تل السلطان (توضيح)|تل السلطان]] على بعد 24 كيلومترًا (15 ميلاً) من [[حلب]]، حيث قابلوا الجيش الزنكي، فاشتبك الجيشان في معركة ضارية، واستطاع [[الدولة الزنكية|الزنكيون]] دحر ميسرة الجيش الأيوبي، فاندفع صلاح الدين بنفسه تجاه حرّاس سيف الدين غازي وأعمل فيهم [[سيف|السيف]]، فتشجع الأيوبيون واندفعوا يمزقون صفوف الجيش الزنكي، فذُعر الزنكيون وأخذوا يتقهقرون تاركين في ساحة المعركة الكثير من القتلى، <ref name="البداية 571">{{استشهاد بكتاب |الأخير= ابن كثير|مؤلف-وصلة= ابن كثير|عنوان= [[البداية والنهاية]]، الجزء الثامن، أحداث 571 هـ|سنة= 2008|ناشر= دار التوفيقية للطباعة|مكان= القاهرة|صفحات= ص 415-418}}</ref> كاد سيف الدين أن يكون من ضمنهم. قُتل في المعركة العديد من ضبّاط الجيش الزنكي وأُسر بعضهم الآخر، وغنم الأيوبيون معسكر الزنكيين بما فيه من خيام وأمتعة وخيول وأسلحة، وعامل صلاح الدين الأسرى معاملة كريمة، فمنحهم هدايا وأطلق سراحهم، ثم وزّع غنائم المعركة كلها على جنوده، ولم يحتفظ بشيء لنفسه.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Lane-Poole|1906|p=144}}</ref>


سار صلاح الدين بعد انتصاره ليعاود حصار مدينة [[حلب]]، وفي أثناء سيره فتح الجيش الأيوبي حصن [[بزاعة]] وحصن [[منبج]]، <ref name="الكامل 571">{{استشهاد بكتاب|الأخير= ابن الأثير|مؤلف-وصلة= ابن الأثير|عنوان= [[الكامل في التاريخ]]، الجزء العاشر، أحداث 571 هـ|سنة= 2008|ناشر= دار التوفيقية للطباعة|مكان= القاهرة|صفحات= ص 76-82}}</ref> ومن ثم توجّه غربًا لإخضاع حصن [[أعزاز]]، وعندما ضرب الجيش الحصار على الحصن، اقتحم بعض [[الحشاشون|الحشاشين]] المندسين المعسكر واستطاع أحدهم الوصول إلى خيمة صلاح الدين وضربه [[سكين|بسكين]] على رأسه، فحمته الخوذة غير أن السكين مرت على خده وجرحته جرحًا هينًا، واستطاع إمساك الحشاش، فصارعه الأخير أرضًا وحاول نحره، لكن صلاح الدين تمكن منه، وأعانه عليه وعلى رفاقه الجنود الأيوبيون وأقاربه وقتلوهم جميعًا.<ref name="البداية 571"/> كان لمحاولة [[اغتيال|الاغتيال]] هذه أثر كبير على صلاح الدين، فقد عزم على القضاء على [[كمشتكين بن دانشمند|كمشتكين]] أمير حلب، <ref name="LP7"/> الذي سبق وتواطأ مع الحشاشين لقتل صلاح الدين، وأصبح شديد الحذر لا يُقابل إلا من يعرفه. يقول [[أبو شامة المقدسي]] في كتابه ''الروضتين في أخبار الدولتين'': {{اقتباس خاص|لمّا فتح السلطان حصن [[بزاعة]] و[[منبج]] أيقن من هم تحت سلطتهم بخروج ما في أيديهم من المعاقل، والقلاع  ونصبوا الحبائل للسلطان. فكاتبوا سنانًا صاحب [[الحشاشون|الحشيشية]] مرة ثانية، ورغبوه بالأموال والمواعيد، وحملوه على البتاع فأرسل، {{بحاجة لمصدر|لعنه الله|تاريخ=أغسطس 2018}}، جماعة من أصحابه فجاءوا بزي الأجناد، ودخلوا بين المقاتلة وباشروا الحرب وأبلوا فيها أحسن البلاء، وامتزجوا بأصحاب السلطان لعلهم يجدون فرصة ينتهزونها. فبينما السلطان يومًا جالس في خيمة، والحرب قائمة والسلطان مشغول بالنظر إلى القتال، إذ وثب عليه أحد الحشيشية وضربه [[سكين|بسكينة]] على رأسه، وكان محترزًا خائفًا من الحشيشية، لا يترع الزردية عن بدنه ولا صفائح [[حديد|الحديد]] عن رأسه؛ فلم تصنع ضربة الحشيشي شيئا لمكان صفائح الحديد وأحس الحشيشي بصفائح الحديد على رأس السلطان فسبح يده بالسكينة إلى [[وجنة|خد]] السلطان فجرحه وجرى [[دم|الدم]] على وجهه؛ فتتعتع السلطان بذلك.
سار صلاح الدين بعد انتصاره ليعاود حصار مدينة [[حلب]]، وفي أثناء سيره فتح الجيش الأيوبي حصن [[بزاعة]] وحصن [[منبج]]، <ref name="الكامل 571">{{استشهاد بكتاب|الأخير= ابن الأثير|مؤلف-وصلة= ابن الأثير|عنوان= [[الكامل في التاريخ]]، الجزء العاشر، أحداث 571 هـ|سنة= 2008|ناشر= دار التوفيقية للطباعة|مكان= القاهرة|صفحات= ص 76-82}}</ref> ومن ثم توجّه غربًا لإخضاع حصن [[أعزاز]]، وعندما ضرب الجيش الحصار على الحصن، اقتحم بعض [[الحشاشون|الحشاشين]] المندسين المعسكر واستطاع أحدهم الوصول إلى خيمة صلاح الدين وضربه [[سكين|بسكين]] على رأسه، فحمته الخوذة غير أن السكين مرت على خده وجرحته جرحًا هينًا، واستطاع إمساك الحشاش، فصارعه الأخير أرضًا وحاول نحره، لكن صلاح الدين تمكن منه، وأعانه عليه وعلى رفاقه الجنود الأيوبيون وأقاربه وقتلوهم جميعًا.<ref name="البداية 571"/> كان لمحاولة [[اغتيال|الاغتيال]] هذه أثر كبير على صلاح الدين، فقد عزم على القضاء على [[كمشتكين بن دانشمند|كمشتكين]] أمير حلب، <ref name="LP7"/> الذي سبق وتواطأ مع الحشاشين لقتل صلاح الدين، وأصبح شديد الحذر لا يُقابل إلا من يعرفه. يقول [[أبو شامة المقدسي]] في كتابه ''الروضتين في أخبار الدولتين'': {{اقتباس خاص|لمّا فتح السلطان حصن [[بزاعة]] و[[منبج]] أيقن من هم تحت سلطتهم بخروج ما في أيديهم من المعاقل، والقلاع  ونصبوا الحبائل للسلطان. فكاتبوا [[سنان شيخ الجبل|سنانًا]] صاحب [[الحشاشون|الحشيشية]] مرة ثانية، ورغبوه بالأموال والمواعيد، وحملوه على البتاع فأرسل جماعة من أصحابه فجاءوا بزي الأجناد، ودخلوا بين المقاتلة وباشروا الحرب وأبلوا فيها أحسن البلاء، وامتزجوا بأصحاب السلطان لعلهم يجدون فرصة ينتهزونها. فبينما السلطان يومًا جالس في خيمة، والحرب قائمة والسلطان مشغول بالنظر إلى القتال، إذ وثب عليه أحد الحشيشية وضربه [[سكين|بسكينة]] على رأسه، وكان محترزًا خائفًا من الحشيشية، لا يترع الزردية عن بدنه ولا صفائح [[حديد|الحديد]] عن رأسه؛ فلم تصنع ضربة الحشيشي شيئا لمكان صفائح الحديد وأحس الحشيشي بصفائح الحديد على رأس السلطان فسبح يده بالسكينة إلى [[وجنة|خد]] السلطان فجرحه وجرى [[دم|الدم]] على وجهه؛ فتتعتع السلطان بذلك.


ولما رأى الحشيشي ذلك هجم على السلطان وجذب رأسه، ووضعه على الأرض وركبه لينحره؛ وكان من حول السلطان قد أدركهم دهشة أخذت عقولهم. وحضر في ذلك الوقت سيف الدين يازكوج، وقيل إنه كان حاضرًا، فاخترط سيف وضرب الحشيشي فقتله. وجاء آخر من الحشيشية أيضا يقصد السلطان، فاعترضه الأمير داود بن منكلان الكردي وضربه [[سيف|بالسيف]]، وسبق الحشيشي إلى ابن منكلان فجرحه في جبهته، وقتله ابن منكلان، ومات ابن منكلان من ضربة الحشيشي بعد أيام. وجاء آخر من [[باطنية|الباطنية]] فحصل في سهم الأمير علي بن أبي الفوارس فهجم على الباطني، ودخل الباطني فيه ليضربه فأخذه علي تحت إبطه، وبقيت يد الباطني من ورائه لا يتمكن من ضربه، فصاح علي: «اقتلوه واقتلوني معه»، فجاء ناصر الدين محمد بن شيركوه فطعن بطن الباطني بسيفه، وما زال يخضخضه فيه حتى سقط ميتًا ونجا ابن أبي الفوارس. وخرج آخر من الحشيشية منهزمًا، فلقيه الأثير شهاب الدين محمود، خال السلطان فتنكب الباطني عن طريق شهاب الدين فقصده أصحابه وقطعوه بالسيوف.
ولما رأى الحشيشي ذلك هجم على السلطان وجذب رأسه، ووضعه على الأرض وركبه لينحره؛ وكان من حول السلطان قد أدركهم دهشة أخذت عقولهم. وحضر في ذلك الوقت سيف الدين يازكوج، وقيل إنه كان حاضرًا، فاخترط سيف وضرب الحشيشي فقتله. وجاء آخر من الحشيشية أيضا يقصد السلطان، فاعترضه الأمير داود بن منكلان الكردي وضربه [[سيف|بالسيف]]، وسبق الحشيشي إلى ابن منكلان فجرحه في جبهته، وقتله ابن منكلان، ومات ابن منكلان من ضربة الحشيشي بعد أيام. وجاء آخر من [[باطنية|الباطنية]] فحصل في سهم الأمير علي بن أبي الفوارس فهجم على الباطني، ودخل الباطني فيه ليضربه فأخذه علي تحت إبطه، وبقيت يد الباطني من ورائه لا يتمكن من ضربه، فصاح علي: «اقتلوه واقتلوني معه»، فجاء ناصر الدين محمد بن شيركوه فطعن بطن الباطني بسيفه، وما زال يخضخضه فيه حتى سقط ميتًا ونجا ابن أبي الفوارس. وخرج آخر من الحشيشية منهزمًا، فلقيه الأثير شهاب الدين محمود، خال السلطان فتنكب الباطني عن طريق شهاب الدين فقصده أصحابه وقطعوه بالسيوف.
سطر 117: سطر 117:
=== الحملة على الحشاشين ===
=== الحملة على الحشاشين ===
{{أيضا|الحشاشون}}
{{أيضا|الحشاشون}}
[[ملف:شيخ الجبل راشد الدين سنان.jpg|تصغير|يمين|رسمٌ تخيُليّ لِشيخ الجبل راشد الدين سنان، زعيم الحشيشية.]]
[[ملف:شيخ الجبل راشد الدين سنان.jpg|تصغير|يمين|رسمٌ تخيُليّ لِشيخ الجبل [[سنان شيخ الجبل|راشد الدين سنان]]، زعيم الحشيشية.]]
[[ملف:Masyaf - Gesamtansicht.jpg|تصغير|250بك|[[مصياف|قلعة مصياف]]، إحدى معاقل الحشاشين، حاصرها صلاح الدين شهر [[أغسطس]] عام [[1176]]م، ولم يتمكن من اقتحامها.]]
[[ملف:Masyaf - Gesamtansicht.jpg|تصغير|250بك|[[مصياف|قلعة مصياف]]، إحدى معاقل الحشاشين، حاصرها صلاح الدين شهر [[أغسطس]] عام [[1176]]م، ولم يتمكن من اقتحامها.]]
بعد أن تحالف صلاح الدين مع الزنكيين وأبرم معاهدة سلام مع [[مملكة بيت المقدس]]، لم يبق له من خطر يهدد دولته إلا [[الحشاشون|طائفة الحشاشين]] بقيادة [[سنان شيخ الجبل|شيخ الجبل رشيد الدين سنان بن سليمان بن محمود]]، كانت هذه الطائفة تتبع طريقة الاغتيال المنظم للتخلص من أعدائها ومنافسيها. وكان الحشاشون يمتنعون في سلسلة من [[قلعة|القلاع]] و[[حصن|الحصون]] في عدد من المواقع المشرفة الشاهقة في [[جبال الساحل السوري|جبال النصيرية]]، ولمّا عزم صلاح الدين على إبادة طائفتهم وكسر شوكتهم، أرسل بعض الفرق العسكرية إلى جبالهم، وأعاد ما تبقى من جنود إلى [[مصر]]، وتولّى صلاح الدين قيادة الجيش بنفسه، وضرب الحصار على جميع قلاع الحشاشين خلال شهر أغسطس من عام [[1176]]م، لكنه لم يتمكن من فتح أي منها، ففك الحصار وانسحب بجيشه مدمرًا كل المعاقل غير الحصينة التابعة لتلك الطائفة أثناء سيره.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Lane-Poole|1906|p=148}}</ref> بينما ذكر [[ابن كثير الدمشقي|ابن كثير]] و[[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير]] أن صلاح الدين حاصر حصنهم مصياف وقتل منهم وسبى ثم شفع فيهم خاله شهاب الدين محمود بن يكش، فقبل شفاعته فصالح الحشاشين، ثم كرّ راجعًا إلى دمشق.<ref name="البداية 572">{{استشهاد بكتاب |الأخير= ابن كثير|مؤلف-وصلة= ابن كثير|عنوان= [[البداية والنهاية]]، الجزء الثامن، أحداث 572 هـ|سنة= 2008|ناشر= دار التوفيقية للطباعة|مكان= القاهرة|صفحات= ص 419}}</ref><ref name="الكامل 572">{{استشهاد بكتاب|الأخير= ابن الأثير|مؤلف-وصلة= ابن الأثير|عنوان= [[الكامل في التاريخ]]، الجزء العاشر، أحداث 572 هـ|سنة= 2008|ناشر= دار التوفيقية للطباعة|مكان= القاهرة|صفحات= ص 83-86}}</ref> غير أن بعض المخطوطات العائدة لرشيد الدين سنان نصّت على أن صلاح الدين انسحب خوفًا على حياته، وإنه كان ينثر [[رماد|الرماد]] و[[غبار]] [[طبشور|الطبشور]] حول خيمته ليلاً عندما حاصر قلعة [[مصياف]]، ليعرف ما إذا كان الحشاشون يأتون ليلاً بالقرب منه، وجعل كل حارس من حرّاسه يحمل [[مصباح|سراجًا مضيئًا]].<ref name="LP4">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Lane-Poole|1906|pp=149–150}}</ref>
بعد أن تحالف صلاح الدين مع الزنكيين وأبرم معاهدة سلام مع [[مملكة بيت المقدس]]، لم يبق له من خطر يهدد دولته إلا [[الحشاشون|طائفة الحشاشين]] بقيادة [[سنان شيخ الجبل|شيخ الجبل راشد الدين سنان بن سلمان بن محمد]]، كانت هذه الطائفة تتبع طريقة الاغتيال المنظم للتخلص من أعدائها ومنافسيها. وكان الحشاشون يمتنعون في سلسلة من [[قلعة|القلاع]] و[[حصن|الحصون]] في عدد من المواقع المشرفة الشاهقة في [[جبال الساحل السوري|جبال النصيرية]]، ولمّا عزم صلاح الدين على إبادة طائفتهم وكسر شوكتهم، أرسل بعض الفرق العسكرية إلى جبالهم، وأعاد ما تبقى من جنود إلى [[مصر]]، وتولّى صلاح الدين قيادة الجيش بنفسه، وضرب الحصار على جميع قلاع الحشاشين خلال شهر أغسطس من عام [[1176]]م، لكنه لم يتمكن من فتح أي منها، ففك الحصار وانسحب بجيشه مدمرًا كل المعاقل غير الحصينة التابعة لتلك الطائفة أثناء سيره.<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Lane-Poole|1906|p=148}}</ref> بينما ذكر [[ابن كثير الدمشقي|ابن كثير]] و[[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير]] أن صلاح الدين حاصر حصنهم مصياف وقتل منهم وسبى ثم شفع فيهم خاله شهاب الدين محمود بن يكش، فقبل شفاعته فصالح الحشاشين، ثم كرّ راجعًا إلى دمشق.<ref name="البداية 572">{{استشهاد بكتاب |الأخير= ابن كثير|مؤلف-وصلة= ابن كثير|عنوان= [[البداية والنهاية]]، الجزء الثامن، أحداث 572 هـ|سنة= 2008|ناشر= دار التوفيقية للطباعة|مكان= القاهرة|صفحات= ص 419}}</ref><ref name="الكامل 572">{{استشهاد بكتاب|الأخير= ابن الأثير|مؤلف-وصلة= ابن الأثير|عنوان= [[الكامل في التاريخ]]، الجزء العاشر، أحداث 572 هـ|سنة= 2008|ناشر= دار التوفيقية للطباعة|مكان= القاهرة|صفحات= ص 83-86}}</ref> غير أن بعض المخطوطات العائدة لراشد الدين سنان نصّت على أن صلاح الدين انسحب خوفًا على حياته، وإنه كان ينثر [[رماد|الرماد]] و[[غبار]] [[طبشور|الطبشور]] حول خيمته ليلاً عندما حاصر قلعة [[مصياف]]، ليعرف ما إذا كان الحشاشون يأتون ليلاً بالقرب منه، وجعل كل حارس من حرّاسه يحمل [[مصباح|سراجًا مضيئًا]].<ref name="LP4">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Lane-Poole|1906|pp=149–150}}</ref>


أما بالنسبة لرواية صلاح الدين نفسه، فقد قال فيها أن حرّاسه لاحظوا لمعان [[معدن]] على إحدى تلال [[مصياف]] ذات ليلة، ومن ثم اختفى بين خيم الجنود، وأفاد صلاح الدين أنه استيقظ من نومه ليرى شخصًا يخرج من الخيمة، وكانت [[مصباح|المصابيح]] فيها قد بُعثرت وبقرب [[سرير]]ه عثر على كعك مرقق، وهي العلامة المميزة للحشاشين، وفي أعلى الخيمة وجد رسالة معلقة [[خنجر|بخنجر]] مسموم كُتب فيها تهديد له إن لم يغادر الجبال فسوف يُقتل. عندئذ صاح صلاح الدين أن سنانًا كان في خيمته وغادرها، وقد جعلته هذه التجربة يُدرك عجزه قتال الحشاشين وإفنائهم بسرعة، فطلب من جنوده أن يراسلوهم كي يُبرم حلفًا معهم، <ref name="LP4"/> فيكون بهذا قد حقق انتصارًا آخر، ألا وهو حرمان الصليبيين من حليف مهم.<ref name="LP5">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Lane-Poole|1906|p=151}}</ref>
أما بالنسبة لرواية صلاح الدين نفسه، فقد قال فيها أن حرّاسه لاحظوا لمعان [[معدن]] على إحدى تلال [[مصياف]] ذات ليلة، ومن ثم اختفى بين خيم الجنود، وأفاد صلاح الدين أنه استيقظ من نومه ليرى شخصًا يخرج من الخيمة، وكانت [[مصباح|المصابيح]] فيها قد بُعثرت وبقرب [[سرير]]ه عثر على كعك مرقق، وهي العلامة المميزة للحشاشين، وفي أعلى الخيمة وجد رسالة معلقة [[خنجر|بخنجر]] مسموم كُتب فيها تهديد له إن لم يغادر الجبال فسوف يُقتل. عندئذ صاح صلاح الدين أن سنانًا كان في خيمته وغادرها، وقد جعلته هذه التجربة يُدرك عجزه قتال الحشاشين وإفنائهم بسرعة، فطلب من جنوده أن يراسلوهم كي يُبرم حلفًا معهم، <ref name="LP4"/> فيكون بهذا قد حقق انتصارًا آخر، ألا وهو حرمان الصليبيين من حليف مهم.<ref name="LP5">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Lane-Poole|1906|p=151}}</ref>
سطر 127: سطر 127:
[[ملف:Citadel, Cairo, Egypt1.jpg|تصغير|يسار|250بك|[[قلعة القاهرة (توضيح)|قلعة الجبل بالقاهرة]] الشهيرة باسم قلعة صلاح الدين.]]
[[ملف:Citadel, Cairo, Egypt1.jpg|تصغير|يسار|250بك|[[قلعة القاهرة (توضيح)|قلعة الجبل بالقاهرة]] الشهيرة باسم قلعة صلاح الدين.]]
[[ملف:تمثال لصلاح الدين الأيوبي 2.JPG|تصغير|250بك|يسار|تمثال لصلاح الدين الأيوبي- بقلعة صلاح الدين، في [[القاهرة]].]]
[[ملف:تمثال لصلاح الدين الأيوبي 2.JPG|تصغير|250بك|يسار|تمثال لصلاح الدين الأيوبي- بقلعة صلاح الدين، في [[القاهرة]].]]
انسحب صلاح الدين من [[جبال الساحل السوري|جبال النصيرية]] بعد أن لم يتمكن من فتح قلاعها عائدًا إلى [[دمشق]]، وسرّح جنوده الشوام وجعلهم يعودون إلى منازلهم للراحة والاستعداد للحروب القادمة، ثم رحل عن المدينة برفقة حرسه فقط قاصدًا [[مصر]]، فوصل [[القاهرة]] بعد حوالي شهر. كان على صلاح الدين تنظيم كثير من الأمور في الديار المصرية بعدما غاب عنها حوالي سنتين قضاها في معارك متواصلة في الشام، وفي مقدمة هذه الأمور تحصين القاهرة وإعادة بناء أقسامها المهدمة، فأقدم على إصلاح أسوارها وإمداد المزيد منها، كذلك شرع في بناء [[قلعة القاهرة (توضيح)|قلعة القاهرة]] سنة [[573 هـ]]، <ref name="LP5"/> التي عُرفت فيما بعد بقلعة صلاح الدين والتي أشرف على بنائها [[بهاء الدين قراقوش]]، <ref name="البداية 573">{{استشهاد بكتاب |الأخير= ابن كثير|مؤلف-وصلة= ابن كثير|عنوان= [[البداية والنهاية]]، الجزء الثامن، أحداث 573 هـ|سنة= 2008|ناشر= دار التوفيقية للطباعة|مكان= القاهرة|صفحات= ص 421-423}}</ref> وبئر يوسف البالغ من العمق 85 مترًا (280 قدمًا). ومن أعمال صلاح الدين الأخرى بناء جسر ضخم في [[الجيزة (توضيح)|الجيزة]] ليُشكل إحدى خطوط الدفاع الأوليّة ضد غزو [[موريون|مغربي]] محتمل.<ref name="LP6">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Lane-Poole|1906|p=153}}</ref>
انسحب صلاح الدين من [[جبال الساحل السوري|جبال النصيرية]] بعد أن لم يتمكن من فتح قلاعها عائدًا إلى [[دمشق]]، وسرّح جنوده الشوام وجعلهم يعودون إلى منازلهم للراحة والاستعداد للحروب القادمة، ثم رحل عن المدينة برفقة حرسه فقط قاصدًا [[مصر]]، فوصل [[القاهرة]] بعد نحو شهر. كان على صلاح الدين تنظيم كثير من الأمور في الديار المصرية بعدما غاب عنها نحو سنتين قضاها في معارك متواصلة في الشام، وفي مقدمة هذه الأمور تحصين القاهرة وإعادة بناء أقسامها المهدمة، فأقدم على إصلاح أسوارها وإمداد المزيد منها، كذلك شرع في بناء [[قلعة القاهرة (توضيح)|قلعة القاهرة]] سنة [[573 هـ]]، <ref name="LP5"/> التي عُرفت فيما بعد بقلعة صلاح الدين والتي أشرف على بنائها [[بهاء الدين قراقوش]]، <ref name="البداية 573">{{استشهاد بكتاب |الأخير= ابن كثير|مؤلف-وصلة= ابن كثير|عنوان= [[البداية والنهاية]]، الجزء الثامن، أحداث 573 هـ|سنة= 2008|ناشر= دار التوفيقية للطباعة|مكان= القاهرة|صفحات= ص 421-423}}</ref> وبئر يوسف البالغ من العمق 85 مترًا (280 قدمًا). ومن أعمال صلاح الدين الأخرى بناء جسر ضخم في [[الجيزة (توضيح)|الجيزة]] ليُشكل إحدى خطوط الدفاع الأوليّة ضد غزو [[موريون|مغربي]] محتمل.<ref name="LP6">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Lane-Poole|1906|p=153}}</ref>


بقي صلاح الدين في [[القاهرة]] يُشرف على الأعمال العمرانية فيها، فبنى إلى جانب المباني العسكرية بضعة [[مدرسة إسلامية|مدارس]] لنشر العلم، وتابع إدارة البلاد الداخلية بنفسه، واهتم بالمؤسسات الاجتماعية التي تساعد الناس وتخفف عنهم عناء الحياة، وتعهد بالإنفاق على [[فقر|الفقراء]] والغرباء الذين يلجؤون للمساجد للعيش فيها، وجعل من [[مسجد ابن طولون|مسجد أحمد بن طولون]] في [[القاهرة]] مأوى للغرباء الذين يقدمون مصر من [[المغرب العربي|بلاد المغرب]].<ref>[http://kids.islamweb.net/subjects/SalahElDin.html إسلام ويب، صلاح الدين الأيوبي... قاهر الصليبيين:]«صلاح الدين».. من دعاة الحضارة والإصلاح {{webarchive|url=https://web.archive.org/web/20110812030850/http://kids.islamweb.net/subjects/SalahElDin.html |date=12 أغسطس 2011}} {{استشهاد ويب |مسار=https://kids.islamweb.net/subjects/salaheldin.html |عنوان=نسخة مؤرشفة |تاريخ الوصول=5 سبتمبر 2019 |تاريخ أرشيف=17 فبراير 2014 |مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20140217143824/http://kids.islamweb.net/subjects/salaheldin.html |حالة المسار=dead}}</ref> يقول [[عبد الله بن المقفع|ابن المقفع]]: {{اقتباس خاص|إن الملك صلاح الدين عامل رعيته في بلاد مصر بخير يعجز الواصف عن وصفه وأرسى العدل وأحسن إلى المصريين وأزال مظالم كثيرة على الناس وأمر بإبطال الملاهي في بلاد مصر وأبطل كل منكر شرير وأقام حدود شريعة الإسلام. وكان يجلس للحكم بين الناس فينصف المظلوم من الظالم ويكون في مجلسه مجموعه من الفقهاء ومشاهير الدولة للنظر في القضايا بين الناس والعمل بما توجبه أحكام الشريعة والحق والعدل.<ref>[[عبد الله بن المقفع|ساويرس ابن المقفع أسقف الأشمونين]]، تاريخ البطاركة مخطوط سيره الآباء البطاركة – أعدّه الأنبا صمؤيل أسقف شبين القناطر وتوابعها، طباعة النعام للطباعة والتوريدات، رقم الإيداع 17461/ لسنة [[1999]] الجزء الثاني ص 56</ref>}} وفي شهر جمادى الآخر سنة [[573 هـ]] الموافق فيه نوفمبر من سنة [[1177]]م أغار الصليبيون على ضواحي [[دمشق]]، فاعتبر صلاح الدين أن الهدنة مع [[مملكة بيت المقدس]] قد نُقضت وانتهى أمرها، وجمع الرجال وسار إلى [[فلسطين]] ليُغير على بعض المواقع الصليبية، فما كان من الصليبيين إلا أن أرسلوا جزءًا كبيرًا من جيشهم إلى مدينة [[حارم]] جنوب [[حلب]] ليحولوا انتباهه إلى تلك الأنحاء، لكن صلاح الدين استمر بغاراته على بعض المواقع الثانوية في فلسطين بعدما فرغت من الرجال الذين أرسلوا مع الجيش الصليبي شمالاً ثم توجّه إلى [[عسقلان]]، <ref name="LP6"/> التي قال عنها إنها «عروس الشام» بعد أن رأى الوضع مؤاتيًا لهكذا تحرّك. يقول المؤرخ الصليبي [[وليم الصوري]] أن الجيش الأيوبي تكوّن من 26,000 جندي، 8,000 منهم كانوا يشكلون النخبة، و18,000 كانوا [[عبودية|أرقاء]] [[عرق أسود|زنوجًا]] من [[السودان]]. واصل صلاح الدين يغزو المواقع الصليبية الثانوية الواحد تلو الآخر، فهاجم [[الرملة]] و[[اللد]]، وبلغ [[البلدة القديمة (القدس)|بوّابات القدس]].<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Lane-Poole|1906|p=154}}</ref>
بقي صلاح الدين في [[القاهرة]] يُشرف على الأعمال العمرانية فيها، فبنى إلى جانب المباني العسكرية بضعة [[مدرسة إسلامية|مدارس]] لنشر العلم، وتابع إدارة البلاد الداخلية بنفسه، واهتم بالمؤسسات الاجتماعية التي تساعد الناس وتخفف عنهم عناء الحياة، وتعهد بالإنفاق على [[فقر|الفقراء]] والغرباء الذين يلجؤون للمساجد للعيش فيها، وجعل من [[مسجد ابن طولون|مسجد أحمد بن طولون]] في [[القاهرة]] مأوى للغرباء الذين يقدمون مصر من [[المغرب العربي|بلاد المغرب]].<ref>[http://kids.islamweb.net/subjects/SalahElDin.html إسلام ويب، صلاح الدين الأيوبي... قاهر الصليبيين:]«صلاح الدين».. من دعاة الحضارة والإصلاح {{webarchive|url=https://web.archive.org/web/20110812030850/http://kids.islamweb.net/subjects/SalahElDin.html |date=12 أغسطس 2011}} {{استشهاد ويب |مسار=https://kids.islamweb.net/subjects/salaheldin.html |عنوان=نسخة مؤرشفة |تاريخ الوصول=5 سبتمبر 2019 |تاريخ أرشيف=17 فبراير 2014 |مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20140217143824/http://kids.islamweb.net/subjects/salaheldin.html |حالة المسار=dead}}</ref> يقول [[عبد الله بن المقفع|ابن المقفع]]: {{اقتباس خاص|إن الملك صلاح الدين عامل رعيته في بلاد مصر بخير يعجز الواصف عن وصفه وأرسى العدل وأحسن إلى المصريين وأزال مظالم كثيرة على الناس وأمر بإبطال الملاهي في بلاد مصر وأبطل كل منكر شرير وأقام حدود شريعة الإسلام. وكان يجلس للحكم بين الناس فينصف المظلوم من الظالم ويكون في مجلسه مجموعه من الفقهاء ومشاهير الدولة للنظر في القضايا بين الناس والعمل بما توجبه أحكام الشريعة والحق والعدل.<ref>[[عبد الله بن المقفع|ساويرس ابن المقفع أسقف الأشمونين]]، تاريخ البطاركة مخطوط سيره الآباء البطاركة – أعدّه الأنبا صمؤيل أسقف شبين القناطر وتوابعها، طباعة النعام للطباعة والتوريدات، رقم الإيداع 17461/ لسنة [[1999]] الجزء الثاني ص 56</ref>}} وفي شهر جمادى الآخر سنة [[573 هـ]] الموافق فيه نوفمبر من سنة [[1177]]م أغار الصليبيون على ضواحي [[دمشق]]، فاعتبر صلاح الدين أن الهدنة مع [[مملكة بيت المقدس]] قد نُقضت وانتهى أمرها، وجمع الرجال وسار إلى [[فلسطين]] ليُغير على بعض المواقع الصليبية، فما كان من الصليبيين إلا أن أرسلوا جزءًا كبيرًا من جيشهم إلى مدينة [[حارم]] جنوب [[حلب]] ليحولوا انتباهه إلى تلك الأنحاء، لكن صلاح الدين استمر بغاراته على بعض المواقع الثانوية في فلسطين بعدما فرغت من الرجال الذين أرسلوا مع الجيش الصليبي شمالاً ثم توجّه إلى [[عسقلان]]، <ref name="LP6"/> التي قال عنها إنها «عروس الشام» بعد أن رأى الوضع مؤاتيًا لهكذا تحرّك. يقول المؤرخ الصليبي [[وليم الصوري]] أن الجيش الأيوبي تكوّن من 26,000 جندي، 8,000 منهم كانوا يشكلون النخبة، و18,000 كانوا [[عبودية|أرقاء]] [[عرق أسود|زنوجًا]] من [[السودان]]. واصل صلاح الدين يغزو المواقع الصليبية الثانوية الواحد تلو الآخر، فهاجم [[الرملة]] و[[اللد]]، وبلغ [[البلدة القديمة (القدس)|بوّابات القدس]].<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Lane-Poole|1906|p=154}}</ref>
سطر 173: سطر 173:
على الرغم من تردده فيما مضى في إتمام عملية المبادلة، إلا أنه كان واثقًا من نجاحه لتيقّنه من أن حلب هي «الباب الذي سيفتح له الأراضي» وأن «هذه المدينة هي عين الشام وقلعتها وبؤبؤها».<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Lyons|Jackson|1982|p=199}}</ref> بالنسبة لصلاح الدين الأيوبي، كان الاستيلاء على المدينة يمثّل له نهاية أكثر من ثماني سنوات من الانتظار، فقد قال لفروخ شاه «نحن لا نملك إلا الانتظار، وحلب ستكون لنا.» فمن وجهة نظره، أنه باستيلائه على حلب سيستطيع الآن تهديد الساحل الصليبي كله.<ref name="LY201">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Lyons|Jackson|1982|p=201}}</ref>
على الرغم من تردده فيما مضى في إتمام عملية المبادلة، إلا أنه كان واثقًا من نجاحه لتيقّنه من أن حلب هي «الباب الذي سيفتح له الأراضي» وأن «هذه المدينة هي عين الشام وقلعتها وبؤبؤها».<ref>{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Lyons|Jackson|1982|p=199}}</ref> بالنسبة لصلاح الدين الأيوبي، كان الاستيلاء على المدينة يمثّل له نهاية أكثر من ثماني سنوات من الانتظار، فقد قال لفروخ شاه «نحن لا نملك إلا الانتظار، وحلب ستكون لنا.» فمن وجهة نظره، أنه باستيلائه على حلب سيستطيع الآن تهديد الساحل الصليبي كله.<ref name="LY201">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Lyons|Jackson|1982|p=201}}</ref>


بعد أن قضى ليلة واحدة في قلعة حلب، سار صلاح الدين إلى حارم بالقرب من [[أنطاكية (توضيح)|أنطاكية]] الإمارة الصليبية. كانت حارم تحت حكم «سرخك» أحد [[مملوك (توضيح)|المماليك]] صغار الشأن، الذي قدم صلاح الدين الأيوبي له عرضًا بمدينة [[بصرى]] وأراضٍ في دمشق في مقابل حارم، ولكن عندما طلب سرخك الحصول على المزيد، أرغمته حامية البلدة على الخروج، <ref name="الكامل 579"/><ref name="LY201"/> حيث تم إلقاء القبض عليه من قبل تقي الدين نائب صلاح الدين الأيوبي بعد مزاعم بأنه كان يخطط للتنازل عن حارم إلى [[بوهمند الثالث أمير أنطاكية]]. بعد استسلام حارم، شرع صلاح الدين الأيوبي في ترتيب دفاعات المدينة استعدادًا للصليبيين، وأوفد إلى الخليفة وأتباعه في [[اليمن]] و[[بعلبك]] بأنه سيهاجم [[أرمينيا|الأرمينيين]]. وقبل أن يهم بالتحرك، كان لا بد من تسوية بعض التفاصيل الإدارية، فقد وافق صلاح الدين الأيوبي على هدنة مع بوهمند في مقابل رد أسرى مسلمين كان يحتجزهم، ثم ولّى علم الدين سليمان بن جندر، <ref name="الكامل 579"/> وهو الأمير الذي انضم إلى صلاح الدين في حلب، إدارة [[أعزاز]]، كما ولّى سيف الدين اليزقوج، مملوك عمه [[أسد الدين شيركوه بن شاذي|أسد الدين شيركوه]] السابق الذي أنقذه من محاولة اغتيال في أعزاز، إدارة حلب.<ref name="Lyons202">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Lyons|Jackson|1982|pp=202–203}}</ref>
بعد أن قضى ليلة واحدة في قلعة حلب، سار صلاح الدين إلى حارم بالقرب من [[أنطاكية (توضيح)|أنطاكية]] الإمارة الصليبية. كانت حارم تحت حكم «سرخك» أحد [[مملوك (توضيح)|المماليك]] صغار الشأن، الذي قدم صلاح الدين الأيوبي له عرضًا بمدينة [[بصرى]] وأراضٍ في دمشق في مقابل حارم، ولكن عندما طلب سرخك الحصول على المزيد، أرغمته حامية البلدة على الخروج، <ref name="الكامل 579"/><ref name="LY201"/> حيث ألقى القبضَ عليه تقيُّ الدين نائب صلاح الدين الأيوبي بعد مزاعم بأنه كان يخطط للتنازل عن حارم إلى [[بوهمند الثالث أمير أنطاكية]]. بعد استسلام حارم، شرع صلاح الدين الأيوبي في ترتيب دفاعات المدينة استعدادًا للصليبيين، وأوفد إلى الخليفة وأتباعه في [[اليمن]] و[[بعلبك]] بأنه سيهاجم [[أرمينيا|الأرمينيين]]. وقبل أن يهم بالتحرك، كان لا بد من تسوية بعض التفاصيل الإدارية، فقد وافق صلاح الدين الأيوبي على هدنة مع بوهمند في مقابل رد أسرى مسلمين كان يحتجزهم، ثم ولّى علم الدين سليمان بن جندر، <ref name="الكامل 579"/> وهو الأمير الذي انضم إلى صلاح الدين في حلب، إدارة [[أعزاز]]، كما ولّى سيف الدين اليزقوج، مملوك عمه [[أسد الدين شيركوه بن شاذي|أسد الدين شيركوه]] السابق الذي أنقذه من محاولة اغتيال في أعزاز، إدارة حلب.<ref name="Lyons202">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Lyons|Jackson|1982|pp=202–203}}</ref>


=== حربه من أجل الموصل ===
=== حربه من أجل الموصل ===
سطر 192: سطر 192:
بعد أن نجح صلاح الدين في أن يجمع [[مصر]] و[[سوريا]] و[[الحجاز]] و[[تهامة]] و[[العراق]] في دولة إسلامية موحدة قوية تحيط ب[[مملكة بيت المقدس]] والإمارات الصليبية من الشمال والشرق والجنوب، واطمأن إلى وحدتها وتماسكها، انتقل إلى تحقيق القسم الثاني من مخططه السياسي، وهو محاربة الصليبيين وطردهم من البلاد، <ref name="الدولة الأيوبية"/> وجاءَته الفرصة حين تعرّض [[أرناط|أرناط آل شاتيون]] صاحب [[الكرك]] لقافلة غزيرة الأموال كثيرة الرجال فأخذهم عن آخرهم ونهب أموالهم ودوابهم وسلاحهم، فأرسل إليه صلاح الدين يلومه ويُقبح فعله وغدره ويتوعده إن لم يطلق الأسرى والأموال، فلما رفض أرسل صلاح الدين، الذي كان آنئذ في [[دمشق]]، إلى جميع الأطراف باستدعاء العساكر لحرب [[أرناط]]، وتوجه بنفسه إلى [[بصرى]]، ومنها إلى [[الأردن]] ونزل بثغر الأقحوان.<ref name="الموسوعة العربية">[http://arab-ency.com.sy/ency/details/703/4/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%8A%D9%88%D8%A8%D9%8A%D9%88%D9%86 الموسوعة العربية: الأيوبيون (570 ـ 658 هـ/1175 ـ 1259 م)]، صلاح الدين والصليبيون {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20221121172901/http://web.archive.org/screenshot/http://arab-ency.com.sy/ency/details/703/4/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%8A%D9%88%D8%A8%D9%8A%D9%88%D9%86 |date=04 مارس 2016}}</ref>
بعد أن نجح صلاح الدين في أن يجمع [[مصر]] و[[سوريا]] و[[الحجاز]] و[[تهامة]] و[[العراق]] في دولة إسلامية موحدة قوية تحيط ب[[مملكة بيت المقدس]] والإمارات الصليبية من الشمال والشرق والجنوب، واطمأن إلى وحدتها وتماسكها، انتقل إلى تحقيق القسم الثاني من مخططه السياسي، وهو محاربة الصليبيين وطردهم من البلاد، <ref name="الدولة الأيوبية"/> وجاءَته الفرصة حين تعرّض [[أرناط|أرناط آل شاتيون]] صاحب [[الكرك]] لقافلة غزيرة الأموال كثيرة الرجال فأخذهم عن آخرهم ونهب أموالهم ودوابهم وسلاحهم، فأرسل إليه صلاح الدين يلومه ويُقبح فعله وغدره ويتوعده إن لم يطلق الأسرى والأموال، فلما رفض أرسل صلاح الدين، الذي كان آنئذ في [[دمشق]]، إلى جميع الأطراف باستدعاء العساكر لحرب [[أرناط]]، وتوجه بنفسه إلى [[بصرى]]، ومنها إلى [[الأردن]] ونزل بثغر الأقحوان.<ref name="الموسوعة العربية">[http://arab-ency.com.sy/ency/details/703/4/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%8A%D9%88%D8%A8%D9%8A%D9%88%D9%86 الموسوعة العربية: الأيوبيون (570 ـ 658 هـ/1175 ـ 1259 م)]، صلاح الدين والصليبيون {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20221121172901/http://web.archive.org/screenshot/http://arab-ency.com.sy/ency/details/703/4/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%8A%D9%88%D8%A8%D9%8A%D9%88%D9%86 |date=04 مارس 2016}}</ref>


في [[9 جمادى الآخرة]] سنة [[579 هـ]]، الموافق فيه [[29 سبتمبر]] سنة [[1183]]م، عبر صلاح الدين [[نهر الأردن]] لمهاجمة [[بيسان]] التي وجدها خاوية. وفي اليوم التالي، أضرمت قواته النار في البلدة، <ref name="الكامل 579"/> وساروا غربًا، ليعترضوا تعزيزات الصليبيين من حصني الكرك و[[الشوبك (توضيح)|الشوبك]] على طول طريق [[نابلس]] وأسروا عددًا منهم. وفي تلك الأثناء، كانت قوة الصليبيين الرئيسية بقيادة [[غي دي لوزينيان|غي آل لوزنيان]]، قرين [[سيبيلا ملكة أورشليم|ملكة القدس سيبيلا]] أخت [[بلدوين الرابع|بلدوين]]، قد تحركت من [[صفورية]] إلى [[العفولة]]. أرسل صلاح الدين الأيوبي 500 مقاتل لمناوشة قوات الصليبيين، وسار بنفسه إلى [[معركة عين جالوت|عين جالوت]]. وعندما تقدمت القوات الصليبية، والتي كانت أكبر قوة جمعتها المملكة من مواردها الخاصة، ولكنها كانت لا تزال أقل من قوات المسلمين، تراجع الأيوبيون بشكل غير متوقع إلى عين جالوت. رغم وجود بضع الغارات الأيوبية، بما في ذلك الهجمات على [[زرعين]] و[[الطيبة (الجليل)|الطيبة]] و[[جبل طابور]]، لم يشارك الصليبيون بكامل قواتهم في [[معركة العفولة (1183)|معركة العفولة]]، التي قاد فيها صلاح الدين رجاله عبر النهر منسحبًا ببطء.<ref name="Lyons202"/>
في [[9 جمادى الآخرة]] سنة [[579 هـ]]، الموافق فيه [[29 سبتمبر]] سنة [[1183]]م، عبر صلاح الدين [[نهر الأردن]] لمهاجمة [[بيسان]] التي وجدها خاوية. وفي اليوم التالي، أضرمت قواته النار في البلدة، <ref name="الكامل 579"/> وساروا غربًا، ليعترضوا تعزيزات الصليبيين من حصني الكرك و[[الشوبك (توضيح)|الشوبك]] على طول طريق [[نابلس]] وأسروا عددًا منهم. وفي تلك الأثناء، كانت قوة الصليبيين الرئيسية بقيادة [[غي دي لوزينيان|غي آل لوزنيان]]، قرين [[سيبيلا ملكة أورشليم|ملكة القدس سيبيلا]] أخت [[بلدوين الرابع|بلدوين]]، قد تحركت من [[صفورية]] إلى [[العفولة]]. أرسل صلاح الدين الأيوبي 500 مقاتل لمناوشة قوات الصليبيين، وسار بنفسه إلى [[معركة عين جالوت|عين جالوت]]. وعندما تقدمت القوات الصليبية، والتي كانت أكبر قوة جمعتها المملكة من مواردها الخاصة، ولكنها كانت لا تزال أقل من قوات المسلمين، تراجع الأيوبيون تراجعًا غير متوقع إلى عين جالوت. رغم وجود بضع الغارات الأيوبية، بما في ذلك الهجمات على [[زرعين]] و[[الطيبة (الجليل)|الطيبة]] و[[جبل طابور]]، لم يشارك الصليبيون بكامل قواتهم في [[معركة العفولة (1183)|معركة العفولة]]، التي قاد فيها صلاح الدين رجاله عبر النهر منسحبًا ببطء.<ref name="Lyons202"/>
[[ملف:Saladin and Guy.jpg|تصغير|صلاح الدين الأيوبي و[[غي دي لوزينيان]] بعد [[معركة حطين]].]]
[[ملف:Saladin and Guy.jpg|تصغير|صلاح الدين الأيوبي و[[غي دي لوزينيان]] بعد [[معركة حطين]].]]
ومع ذلك، أثارت المزيد من الهجمات الصليبية غضب صلاح الدين الأيوبي. فقد استمر [[أرناط|أرناط آل شاتيون]] يهاجم [[تجارة|القوافل التجارية]] العائدة للمسلمين وطرق [[الحج في الإسلام|الحج]] بأسطول في [[البحر الأحمر]]، وهو الممر المائي الذي كان من اللازم لصلاح الدين بقائه مفتوحًا. وردًا على ذلك، بنى صلاح الدين أسطولاً من 30 سفينة لمهاجمة [[بيروت]] في عام [[1182]]م. هدد رينالد بمهاجمة مدن المسلمين المقدسة [[مكة]] و[[المدينة المنورة]]، وهو ما رد عليه صلاح الدين بمحاصرة [[الكرك]] قلعة أرناط الحصينة مرتين، عامي [[1183]] و[[1184]]، فردّ رينالد بنهب قافلة حجيج عام [[1185]]، ووفقًا لمؤرخ [[القرن 13|القرن الثالث عشر]] الإفرنجي [[وليم الصوري]]، فقد قبض [[أرناط]] على أخت صلاح الدين في تلك الغارة على القافلة، <ref>Old French Continuation of William of Tyre</ref> وهو ما لم تثبته المصادر المعاصرة، سواءً الإسلامية أو الأوروبية، وذكرت بدلاً من ذلك أن [[أرناط]] هاجم القافلة، وأن جند صلاح الدين حموا شقيقته وابنها حتى وصلوا دون أي ضرر.
ومع ذلك، أثارت المزيد من الهجمات الصليبية غضب صلاح الدين الأيوبي. فقد استمر [[أرناط|أرناط آل شاتيون]] يهاجم [[تجارة|القوافل التجارية]] العائدة للمسلمين وطرق [[الحج في الإسلام|الحج]] بأسطول في [[البحر الأحمر]]، وهو الممر المائي الذي كان من اللازم لصلاح الدين بقائه مفتوحًا. وردًا على ذلك، بنى صلاح الدين أسطولاً من 30 سفينة لمهاجمة [[بيروت]] في عام [[1182]]م. هدد رينالد بمهاجمة مدن المسلمين المقدسة [[مكة]] و[[المدينة المنورة]]، وهو ما رد عليه صلاح الدين بمحاصرة [[الكرك]] قلعة أرناط الحصينة مرتين، عامي [[1183]] و[[1184]]، فردّ رينالد بنهب قافلة حجيج عام [[1185]]، ووفقًا لمؤرخ [[القرن 13|القرن الثالث عشر]] الإفرنجي [[وليم الصوري]]، فقد قبض [[أرناط]] على أخت صلاح الدين في تلك الغارة على القافلة، <ref>Old French Continuation of William of Tyre</ref> وهو ما لم تثبته المصادر المعاصرة، سواءً الإسلامية أو الأوروبية، وذكرت بدلاً من ذلك أن [[أرناط]] هاجم القافلة، وأن جند صلاح الدين حموا شقيقته وابنها حتى وصلوا دون أي ضرر.


بعد أن استعصى [[قلعة الكرك|حصن الكرك]] المنيع على صلاح الدين أدار وجهه وجهة أخرى وعاود مهاجمة عز الدين مسعود بن مودود الزنكي في نواحي [[الموصل]] التي كان قد بدأت جهوده في ضمها سنة [[1182]]م، إلا أن تحالف عز الدين مع حاكم [[أذربيجان]] و[[جبال (إيران)|مملكة جبال]]، والذي أرسل جنوده عبر [[زاغروس|جبال زاغروس]] عام [[1185]]م، جعل صلاح الدين يتردد في هجومه. وحينما علم المدافعون عن الموصل، بأن تعزيزات في طريقها إليهم، ارتفعت معنوياتهم وزادوا من جهودهم، وقد تزامن ذلك مع مرض صلاح الدين، لذا ففي شهر مارس من سنة [[1186]]م، تم التوقيع على معاهدة سلام.<ref>Bosworth, 1989, p. 781</ref>
بعد أن استعصى [[قلعة الكرك|حصن الكرك]] المنيع على صلاح الدين أدار وجهه وجهة أخرى وعاود مهاجمة عز الدين مسعود بن مودود الزنكي في نواحي [[الموصل]] التي كان قد بدأت جهوده في ضمها سنة [[1182]]م، إلا أن تحالف عز الدين مع حاكم [[أذربيجان]] و[[جبال (إيران)|مملكة جبال]]، والذي أرسل جنوده عبر [[زاغروس|جبال زاغروس]] عام [[1185]]م، جعل صلاح الدين يتردد في هجومه. وحينما علم المدافعون عن الموصل، بأن تعزيزات في طريقها إليهم، ارتفعت معنوياتهم وزادوا من جهودهم، وقد تزامن ذلك مع مرض صلاح الدين، لذا ففي شهر مارس من سنة [[1186]]م، وُقِّع على معاهدة سلام.<ref>Bosworth, 1989, p. 781</ref>


=== معركة حطين ===
=== معركة حطين ===
سطر 224: سطر 224:
[[ملف:BalianofIbelin1490.jpg|تصغير|250بك|يمين|[[باليان|باليان بن بارزان]] صاحب [[الرملة]] و[[نابلس]] وحامي [[القدس]]، يُسلّم المدينة للسلطان صلاح الدين الأيوبي.]]
[[ملف:BalianofIbelin1490.jpg|تصغير|250بك|يمين|[[باليان|باليان بن بارزان]] صاحب [[الرملة]] و[[نابلس]] وحامي [[القدس]]، يُسلّم المدينة للسلطان صلاح الدين الأيوبي.]]
[[ملف:ChristiansBeforeSaladin.jpg|تصغير|250بك|السكّان الفرنجة بين يديّ صلاح الدين بعد استرجاعه للقدس.]]
[[ملف:ChristiansBeforeSaladin.jpg|تصغير|250بك|السكّان الفرنجة بين يديّ صلاح الدين بعد استرجاعه للقدس.]]
استشار صلاح الدين الأيوبي مجلسه وقبل هذه الشروط، على أن يتم دفع فدية على كل من فيها مقدارها عشرة دنانير من كل رجل وخمسة دنانير من كل امرأة ودينارين عن كل صبي وكل صبية لم يبلغ سن الرشد، فمن أدى ما عليه في المهلة التي قدرها أربعين يومًا، صار حرًا.<ref name="الكامل 583"/> ثم سمح صلاح الدين بعد أن انقضت المهلة لمن لم يستطع الدفع منهم بالمغادرة دون فدية، <ref>Runciman (1990), p 465.</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مسار=http://books.google.com/books?id=7CP7fYghBFQC&pg=PA1101&dq=saladin+balian+jerusalem+siege+-wikipedia+-%22Kingdom+of+Heaven%22+destroy+temple+mount&sig=lu0RI7bOVMyPYmxqHXVUiaWTkkw|عنوان=E. J. Brill's First Encyclopaedia of Islam, 1913–1936 |ردمك=9789004097902 | سنة=1993 | ناشر=Brill| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20160415040849/https://books.google.com/books?id=7CP7fYghBFQC | تاريخ أرشيف = 15 أبريل 2016}}</ref> ولكن تم بيع معظم المقاتلة منهم عبيدًا.<ref name="Saladin">[https://www.britannica.com/event/Crusades The era of the Second and Third Crusades » The Crusader states to 1187], Encyclopædia Britannica {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20150607222951/http://www.britannica.com/EBchecked/topic/144695/Crusades/25607/The-Crusader-states-to-1187 |date=07 يونيو 2015}}</ref> دخل صلاح الدين المدينة في [[الإسراء والمعراج|ليلة المعراج]] يوم [[27 رجب]] سنة [[583 هـ]]، الموافق فيه [[2 أكتوبر]] سنة [[1187]]م، وسمح لل[[يهود]] بالعودة للمدينة، <ref>Scharfstein and Gelabert, 1997, p. 145.</ref> وهو ما دفع سكان عسقلان من اليهود لاستيطان القدس.<ref>Rossoff, 2001, p. 6.</ref> وأغلق صلاح الدين [[كنيسة القيامة]] بوجه الفرنجة بعد فتح المدينة، وأمر بترميم [[مسجد عمر بن الخطاب (القدس)|المحراب العمري]] القديم وحمل منبر مليح من [[حلب]] كان الملك نور الدين محمود بن زنكي قد أمر بصنعه ليوضع في المسجد الأقصى متى فُتح بيت المقدس، فأمر صلاح الدين بحمله من حلب ونُصب ب[[المسجد الأقصى]]، <ref name="الكامل 583"/> وأزيل ما هناك من آثار مسيحية منها [[صليب|الصليب]] الذي رفعه الإفرنج على قبة المسجد، وغُسلت الصخرة المقدسة بعدة أحمال [[ماء ورد]] وبُخّرت وفُرشت ورُتّب في المسجد من يقوم بوظائفه وجُعلت به مدرسة [[شافعية|للفقهاء الشافعية]]، ثم أعاد صلاح الدين فتح الكنيسة وقرر على من يرد إليها من الفرنج ضريبة يؤديها.<ref name="استرجاع القدس"/>
استشار صلاح الدين الأيوبي مجلسه وقبل هذه الشروط، على أن تُدفع فدية على كل من فيها مقدارها عشرة دنانير من كل رجل وخمسة دنانير من كل امرأة ودينارين عن كل صبي وكل صبية لم يبلغ سن الرشد، فمن أدى ما عليه في المهلة التي قدرها أربعين يومًا، صار حرًا.<ref name="الكامل 583"/> ثم سمح صلاح الدين بعد أن انقضت المهلة لمن لم يستطع الدفع منهم بالمغادرة دون فدية، <ref>Runciman (1990), p 465.</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مسار=http://books.google.com/books?id=7CP7fYghBFQC&pg=PA1101&dq=saladin+balian+jerusalem+siege+-wikipedia+-%22Kingdom+of+Heaven%22+destroy+temple+mount&sig=lu0RI7bOVMyPYmxqHXVUiaWTkkw|عنوان=E. J. Brill's First Encyclopaedia of Islam, 1913–1936 |ردمك=9789004097902 | سنة=1993 | ناشر=Brill| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20160415040849/https://books.google.com/books?id=7CP7fYghBFQC | تاريخ أرشيف = 15 أبريل 2016}}</ref> ولكن بِيعت معظم المقاتلة منهم عبيدًا.<ref name="Saladin">[https://www.britannica.com/event/Crusades The era of the Second and Third Crusades » The Crusader states to 1187], Encyclopædia Britannica {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20150607222951/http://www.britannica.com/EBchecked/topic/144695/Crusades/25607/The-Crusader-states-to-1187 |date=07 يونيو 2015}}</ref> دخل صلاح الدين المدينة في [[الإسراء والمعراج|ليلة المعراج]] يوم [[27 رجب]] سنة [[583 هـ]]، الموافق فيه [[2 أكتوبر]] سنة [[1187]]م، وسمح لل[[يهود]] بالعودة للمدينة، <ref>Scharfstein and Gelabert, 1997, p. 145.</ref> وهو ما دفع سكان عسقلان من اليهود لاستيطان القدس.<ref>Rossoff, 2001, p. 6.</ref> وأغلق صلاح الدين [[كنيسة القيامة]] بوجه الفرنجة بعد فتح المدينة، وأمر بترميم [[مسجد عمر بن الخطاب (القدس)|المحراب العمري]] القديم وحمل منبر مليح من [[حلب]] كان الملك نور الدين محمود بن زنكي قد أمر بصنعه ليوضع في المسجد الأقصى متى فُتح بيت المقدس، فأمر صلاح الدين بحمله من حلب ونُصب ب[[المسجد الأقصى]]، <ref name="الكامل 583"/> وأزيل ما هناك من آثار مسيحية منها [[صليب|الصليب]] الذي رفعه الإفرنج على قبة المسجد، وغُسلت الصخرة المقدسة بعدة أحمال [[ماء ورد]] وبُخّرت وفُرشت ورُتّب في المسجد من يقوم بوظائفه وجُعلت به مدرسة [[شافعية|للفقهاء الشافعية]]، ثم أعاد صلاح الدين فتح الكنيسة وقرر على من يرد إليها من الفرنج ضريبة يؤديها.<ref name="استرجاع القدس"/>


وقد ابتهج المسلمون ابتهاجًا عظيمًا بعودة [[القدس]] إلى ربوع [[العالم الإسلامي|الأراضي الإسلامية]] و[[الدولة العباسية|الخلافة العباسية]]، وحضر ناس كثيرون ليسلموا على السلطان ومن هؤلاء الرشيد أبو محمد عبد الرحمن بن بدر بن الحسن بن مفرج النابلسي، الشاعر المشهور، فأنشد صلاح الدين قصيدة طويلة من مائة بيت يمدحه ويُهنئه بالفتح، <ref name="يا بيروت"/> ومما جاء في القصيدة:
وقد ابتهج المسلمون ابتهاجًا عظيمًا بعودة [[القدس]] إلى ربوع [[العالم الإسلامي|الأراضي الإسلامية]] و[[الدولة العباسية|الخلافة العباسية]]، وحضر ناس كثيرون ليسلموا على السلطان ومن هؤلاء الرشيد أبو محمد عبد الرحمن بن بدر بن الحسن بن مفرج النابلسي، الشاعر المشهور، فأنشد صلاح الدين قصيدة طويلة من مائة بيت يمدحه ويُهنئه بالفتح، <ref name="يا بيروت"/> ومما جاء في القصيدة:
سطر 235: سطر 235:
=== حصار صور وعكا ===
=== حصار صور وعكا ===
{{مفصلة|حصار عكا}}
{{مفصلة|حصار عكا}}
[[ملف:Tyre 1187.jpg|تصغير|250بك|حصار [[صور (توضيح)|صور]] من قبل الجيش الأيوبي سنة [[1187]].]]
[[ملف:Tyre 1187.jpg|تصغير|250بك|حصار الجيش الأيوبي [[صور (لبنان)|لصور]] سنة [[1187]].]]
كان معظم أمراء الفرنجة وفرسانها يذهبون إلى المدن الحصينة التي ما زالت في أيديهم مثل [[أنطاكية (توضيح)|أنطاكية]] و[[صور (توضيح)|صور]]، وكانت الأخيرة يحكمها ملك من ملوك [[أوروبا]] هو [[كونراد من مونفيراتو|كونراد مركيز مونفيراتو]]، ويقول البعض أنه رومي ابن اخت إمبراطور [[القسطنطينية]].<ref name="استرجاع القدس"/> وكانت صور أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية من [[القدس]]، لذا كان من المتوقع أن يقوم صلاح الدين بفتحها أولاً، لكنه فضّل استرجاع المدينة المقدسة أولاً ليرفع من معنويات المسلمين قبل التوجه لحصار المدينة المحصنة. وقبل حصار صور توجّه صلاح الدين بجيشه إلى قلعة [[صفد]] وحاصرها سبعة شهور، ولمّا نفذ الطعام وجاعت الحامية اضطروا أن يسلموا القلعة له وطلب الأمان، وعندما غادرها جنود الفرنجة وفرسانهم ذهبوا إلى صور وكانت كل قلعة أو حصن أو مدينة تطلب الأمان ويسلمونها إلى صلاح الدين، كان الفرنجة يغادرونها إلى صور فقويت بوجود فرسان الفرنجة فيها، فصمدت في وجه صلاح الدين سنة كاملة، أضف إلى ذلك أن المركيز ظلّ يقوّي ويحمي ويدبر احتياجات المدينة طيلة أيام الحصار، حتى دبّ اليأس إلى فؤاد السلطان، ففك الحصار عنها مؤجلاً تحقيق الفتح إلى فرصة قادمة. وفي سنة [[1188]]م أطلق صلاح الدين سراح الملك [[غي دي لوزينيان|غي آل لوزينيان]] وأعاده إلى زوجته [[سيبيلا ملكة أورشليم|سيبيلا]]، فذهبا ليعيشا في [[طرابلس (لبنان)|طرابلس]]، ثم توجها إلى أنطاكية، قبل أن يُقررا الذهاب إلى صور، لكن كونراد رفض السماح لهما بالدخول إلى المدينة كونه لم يعترف بشرعيّة ملكيّة غي.<ref name="استرجاع القدس"/>
كان معظم أمراء الفرنجة وفرسانها يذهبون إلى المدن الحصينة التي ما زالت في أيديهم مثل [[أنطاكية (توضيح)|أنطاكية]] و[[صور (توضيح)|صور]]، وكانت الأخيرة يحكمها ملك من ملوك [[أوروبا]] هو [[كونراد من مونفيراتو|كونراد مركيز مونفيراتو]]، ويقول البعض أنه رومي ابن اخت إمبراطور [[القسطنطينية]].<ref name="استرجاع القدس"/> وكانت صور أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية من [[القدس]]، لذا كان من المتوقع أن يقوم صلاح الدين بفتحها أولاً، لكنه فضّل استرجاع المدينة المقدسة أولاً ليرفع من معنويات المسلمين قبل التوجه لحصار المدينة المحصنة. وقبل حصار صور توجّه صلاح الدين بجيشه إلى قلعة [[صفد]] وحاصرها سبعة شهور، ولمّا نفذ الطعام وجاعت الحامية اضطروا أن يسلموا القلعة له وطلب الأمان، وعندما غادرها جنود الفرنجة وفرسانهم ذهبوا إلى صور وكانت كل قلعة أو حصن أو مدينة تطلب الأمان ويسلمونها إلى صلاح الدين، كان الفرنجة يغادرونها إلى صور فقويت بوجود فرسان الفرنجة فيها، فصمدت في وجه صلاح الدين سنة كاملة، أضف إلى ذلك أن المركيز ظلّ يقوّي ويحمي ويدبر احتياجات المدينة طيلة أيام الحصار، حتى دبّ اليأس إلى فؤاد السلطان، ففك الحصار عنها مؤجلاً تحقيق الفتح إلى فرصة قادمة. وفي سنة [[1188]]م أطلق صلاح الدين سراح الملك [[غي دي لوزينيان|غي آل لوزينيان]] وأعاده إلى زوجته [[سيبيلا ملكة أورشليم|سيبيلا]]، فذهبا ليعيشا في [[طرابلس (لبنان)|طرابلس]]، ثم توجها إلى أنطاكية، قبل أن يُقررا الذهاب إلى صور، لكن كونراد رفض السماح لهما بالدخول إلى المدينة كونه لم يعترف بشرعيّة ملكيّة غي.<ref name="استرجاع القدس"/>
[[ملف:Siege of Acre.jpg|تصغير|250بك|[[حصار عكا (توضيح)|حصار عكا]].]]
[[ملف:Siege of Acre.jpg|تصغير|250بك|[[حصار عكا (توضيح)|حصار عكا]].]]
سطر 299: سطر 299:


=== الأدب ===
=== الأدب ===
أثارت رواية [[طارق علي]] «كتاب صلاح الدين الأيوبي»، <ref>(London: Verso, 1998)</ref> الاهتمام بصلاح الدين والعالم الذي عاش فيه. كما أن الشاعر [[دانتي أليغييري]] مؤلف [[الكوميديا الإلهية]] قد وضعه في المطهر مع عدد من الشخصيات التي عدها كافرة - وفق معتقده [[الكنيسة الرومانية الكاثوليكية|المسيحي الكاثوليكي]] - لكنها في نظره شخصيات صالحة وسامية أخلاقيًا (وضع دانتي الرسول [[محمد]] في المطهر كذلك). كما أن صلاح الدين يُصوَّر بشكل مقبول في رواية [[والتر سكوت]] «التعويذة» ([[اللغة الإنجليزية|بالإنجليزية]]: The Talisman) المكتوبة سنة [[1825]]م.
أثارت رواية [[طارق علي]] «كتاب صلاح الدين الأيوبي»، <ref>(London: Verso, 1998)</ref> الاهتمام بصلاح الدين والعالم الذي عاش فيه. كما أن الشاعر [[دانتي أليغييري]] مؤلف [[الكوميديا الإلهية]] قد وضعه في المطهر مع عدد من الشخصيات التي عدها كافرة - وفق معتقده [[الكنيسة الرومانية الكاثوليكية|المسيحي الكاثوليكي]] - لكنها في نظره شخصيات صالحة وسامية أخلاقيًا (وضع دانتي الرسول [[محمد]] في المطهر كذلك). كما أن صلاح الدين يُصوَّر تصويرًا مقبولًا في رواية [[والتر سكوت]] «التعويذة» ([[اللغة الإنجليزية|بالإنجليزية]]: The Talisman) المكتوبة سنة [[1825]]م.


== انظر أيضًا ==
== انظر أيضًا ==

قائمة التصفح