عرض مصدر سورة الكافرون

{{صندوق معلومات سورة
| اسم السورة      = الكَافِرُون
| لقطة_شاشة_للسورة= Surah Al-Kafirun.png
| رقم السورة      = 109
| مكية/مدنية      = مكية
| الأسماء_الأخرى    = قل يا أيها الكافرون، الكافرين، المقشقشة، الإخلاص، العبادة، الدين
| عدد الآيات       = 6
| عدد الكلمات     = 26
| عدد الحروف      = 95
| ترتيب نزولها    = 18
| السورة السابقة في النزول= سورة الماعون
| السورة اللاحقة في النزول = سورة الفيل
| عدد_الآيات_حول_المواضيع_الخاصة= وجوب التبرؤ من الكافرين ودينهم
| السورة السابقة في المصحف     = سورة الكوثر
| السورة اللاحقة في المصحف      = سورة النصر
| الصوت          = Chapter 109, Al-Kafirun (Mujawwad) - Recitation of the Holy Qur'an.mp3
| عنوان_الصوت    = تلاوة لسورة الكافرون
}}
'''سُورَةُ الكَافِرُون''' هي [[سورة]] [[آية مكية|مكية]] من [[مفصل (قرآن)|مُفَصَّل]] [[القرآن]]، آياتها ستٌّ وترتيبها في ال[[مصحف]] تسعةٌ ومئة بعد [[سورة الكوثر]] وقبل [[سورة النصر]]، في [[جزء عم|الجزء الثلاثين]]، نزلت بعد [[سورة الماعون]]. وهي السورة الثامنة عشرة في عداد نزول السور. تتحدث السورة عن البراءة من [[الكفر في الإسلام|الكافرين]] ومما يعبدون، وفيها تأييس الكافرين من أن يوافقهم النبي في شيءٍ مما هم عليه من الكفر سواءٌ كان في الزمن الحالي وقت نزول السورة أو في الزمن المستقبلي، وفيها أن دين [[الإسلام]] لا يخالطه شيءٌ من [[تعدد الآلهة|الشرك]]. وذلك بعدما جاء جماعة من صناديد [[قريش]] منهم [[الوليد بن المغيرة]] و[[العاص بن وائل السهمي]] [[الأسود بن المطلب|والأسود بن المطلب]] و[[أمية بن خلف]] إلى النبي يعرضون عليه أن يعبدوا ما يعبد ويعبد ما عبدوا فقالوا: يَا [[محمد|مُحَمَّدُ]]، هَلُمَّ فَلْنَعْبُدْ مَا تَعْبُدُ، وَتَعْبُدُ مَا نَعْبُدُ، وَنَشْتَرِكُ نَحْنُ وَأَنْتَ فِي أَمْرِنَا كُلِّهِ، فنزلت السورة.

لها عدة أسماء جاءت في الآثار ومما أطلق عليها العلماء، وتسميتُها في [[مصحف|المصاحف]] [[علم التفسير|وكتب التفسير]] «سُورَةُ الْكافِرُونَ». في [[الكشاف (تفسير)|الكشاف]] و[[المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز|تفسير ابن عطية]] [[متن الشاطبية|وحرز الأماني]] بـ"سورة الكافرين" بياء الخفض، وعنَّونها [[محمد بن إسماعيل البخاري|البخاري]] في كتاب التفسير من [[صحيح البخاري|صحيحه]] بسورة "قل يا أيها الكافرون". وذكر [[الزمخشري]] في «[[الكشاف (تفسير)|الكشاف]]»: أنها وسورة الإخلاص تسميان المقشقشتين، ومن أسمائها أيضًا «سُورَةُ العبادة» و«سُورَةُ الدين» و«سُورَةُ الإخلاص». لا اختلافَ في [[القراءات العشر]] للسورة، إلا في كلمتي «وَلِيَ دِينِ»، قرأ [[رواية حفص عن عاصم|حفص عن عاصم]] و[[نافع المدني|نافع]] و[[هشام عن ابن عامر|هشام]] و[[البزي عن ابن كثير|البزي]] بِخُلْفٍ عنه بفتح الياء من "وَلِيَ دِينِ" وأسكنها الباقون من [[قارئ القرآن|القراء]].

لها العديد من الفضائل، فقد ورد العديد من [[الحديث النبوي|الأحاديث النبوية]] في فضل سورة الكافرون أن قراءتها براءة من ال[[شرك بالله|شرك]]، ووردت بعض الروايات أنها تعدل ربع [[القرآن]]، كان النبي يخصصها بالقراءة مع [[سورة الإخلاص]] في بعض [[نافلة|السنن النوافل]] مثل [[طواف|ركعتي الطواف]]، وركعتي سنة الفجر، وركعتي سنة المغرب. كما أوصى النبي لأحد الصحابة أن يقرأها إذا أوى إلى فراشه.

== نص السورة ==
نص سورة الكافرون برواية [[رواية حفص عن عاصم|حفص لقراءة عاصم]]:
{{وسط|{{قرآن|الكافرون|1|5|لا تخريج=1|الرسم=عثماني}}}}
بدأت السورة ب[[فعل أمر]] {{قرآن|الكافرون|1}}، ولم يُذكر فيها [[الله|لفظ الجلالة]]، لا اختلافَ في [[القراءات العشر]] للسورة، إلا في كلمتي «وَلِيَ دِينِ»، قرأ [[رواية حفص عن عاصم|حفص عن عاصم]] و[[نافع المدني|نافع]] و[[هشام عن ابن عامر|هشام]] و[[البزي عن ابن كثير|البزي]] بِخُلْفٍ عنه بفتح الياء من "وَلِيَ" من قوله تعالى {{قرآن|الكافرون|6}} وأسكنها الباقون من القراء وهو الوجه الثاني للبزي.<ref>{{استشهاد مختصر|القاضي|1981|ص=348}}</ref> ذكرَ النحاس أن مَن فتح الياء في قوله {{قرآن|وَلِيَ}} قال: «هي [[اسم (نحو)|اسم]] فكرهت أن أخل به».<ref>{{استشهاد مختصر|النحاس|1985|ج=5|ص=302}}</ref> وقال ابن خالويه «فلأن الاسمَ الياءُ واتصلتْ بحرفٍ واحدٍ ففُتحتْ تكثيراً للكلمة»،<ref>{{استشهاد مختصر|ابن خالويه|1992|ج=3|ص=81}}</ref> وقرأ الجمهور (دِينِ) بدون ياء بعد النون وقْفًا ووَصْلًا على أن ياء المتكلم محذوفة للتخفيف مع بقاء الكسرة على النون. وقرأه [[يعقوب الحضرمي|يعقوب]] بإثبات الياء في الوصل والوقف.<ref name="مولد تلقائيا1">{{استشهاد مختصر|ابن عاشور|1984|ج=30|ص=584}}</ref> وقالوا لأنها اسم فلا تُحذف. وقالوا أن حذفها لرعايةِ الفواصلِ سائغ وإن كانتِ اسما.<ref name=":3">{{استشهاد مختصر|الشوكاني|2007|ص=1662}}</ref>

=== تعدادها ===
عدد آيات سورة الكافرون ست آيات، في جميع [[علم عد الآيات|مدارس عدد الآيات]] ليس فيها اختلاف.<ref name=":8">{{استشهاد مختصر|الداني|1994|ص=293}}</ref> أما عدد كلماتها فست وعشرون كلمة. واختلفوا في حروفها على قولين: الأول قول [[أبو عمرو الداني|أبي عمرو الداني]] أربعة وتسعون حرفًا، والثاني قول [[الخطيب الشربيني]] أربعة وسبعون حرفًا، فقال: «وهي ست آيات وست عشرون كلمة وأربعة وسبعون حرفًا».<ref name="ReferenceA">{{استشهاد مختصر|الشربيني|1868|ج=4|ص=599}}</ref> وعدد حروفها المرسومة في [[مصحف عثمان|المصحف العثماني]] 95 حرفًا.

== زمن النزول ==
هي [[آية مكية|سورة مكية]] في قول [[عبد الله بن مسعود|ابن مسعود]] و[[الحسن البصري|الحسن]] و[[عكرمة البربري|عكرمة]]، وذهبَ [[قتادة بن دعامة|قتادة]] [[الضحاك بن مزاحم|والضحاك]] [[عبد الله بن عباس|وابن عباس]] إلى أنها [[آية مدنية|مدنية]].<ref>{{استشهاد مختصر|القرطبي|1935|ج=20|ص=224}}</ref> قالَ [[ابن عطية الأندلسي]]: {{اقتباس مضمن|وهي مكية إجماعًا}}،<ref>{{استشهاد مختصر|ابن عطية|2001|ج=5|ص=531}}</ref> وقالَ [[محمد الطاهر بن عاشور]] {{اقتباس مضمن|وهي مكية بالاتفاق في حكاية [[ابن عطية الأندلسي|ابن عطية]] و[[ابن كثير الدمشقي|ابن كثير]]، وروي عن [[عبد الله بن الزبير|ابن الزبير]] أنها مدنية.}}،<ref name=":0">{{استشهاد مختصر|ابن عاشور|1984|ج=30|ص=579}}</ref> وهي السورة الثامنة عشرة في عداد نزول السور، نزلت بعد [[سورة الماعون]] وقبل [[سورة الفيل]].<ref name=":9">{{استشهاد مختصر|ابن عاشور|1984|ج=30|ص=580}}</ref>

== سبب النزول ==
[[ملف:Last pages of a Qur’an manuscript from Patani with colourful chapter headings (BL Or 15227, ff. 302v-303r).jpg|تصغير|سورة الكافرون من مخطوطة الملايو تعود إلى عصر [[مملكة فطاني]] في النصف الثاني من [[القرن 19|القرن التاسع عشر]]. محفوطة ضمن المخطوطات الشرقية في [[المكتبة البريطانية]].]]
ذكر [[ابن إسحاق]] عن [[عبد الله بن عباس]] أن [[الوليد بن المغيرة]] و[[العاص بن وائل السهمي]] [[الأسود بن المطلب|والأسود بن المطلب]] و[[أمية بن خلف]] في جماعة آخرين من صناديد [[قريش]] وساداتهم أتوا [[محمد|النبي]] فقالوا له: يَا مُحَمَّدُ، هَلُمَّ فَلْنَعْبُدْ مَا تَعْبُدُ، وَتَعْبُدُ مَا نَعْبُدُ، وَنَشْتَرِكُ نَحْنُ وَأَنْتَ فِي أَمْرِنَا كُلِّهِ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي جِئْتَ بِهِ خَيْرًا مِمَّا بِأَيْدِينَا، كُنَّا قَدْ شَارَكْنَاكَ فِيهِ، وَأَخَذْنَا بِحَظِّنَا مِنْهُ. وَإِنْ كَانَ الَّذِي بِأَيْدِينَا خَيْرًا مِمَّا بِيَدِكَ، كُنْتَ قَدْ شَرِكْتَنَا فِي أَمْرِنَا، وَأَخَذْتَ بِحَظِّكَ مِنْهُ. فنزلت السورة.<ref name=":5">{{استشهاد مختصر|القرطبي|1935|ج=20|ص=225}}</ref>

وعن [[عبد الله بن عباس|ابن عباس]]: أن قريشًا وعدوا رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} أن يعطوه مالًا فيكون أغنى رجل بمكة، ويزّوجوه ما أراد من النساء، ويطئوا عقبه، فقالوا له: هذا لك عندنا يا محمد، وكفّ عن شتم آلهتنا، فلا تذكرها بسوء، فإن لم تفعل فإنا نعرض عليك خصلة واحدة، فهي لك ولنا فيها صلاح. قال: ما هي؟ قالوا: تعبد آلهتنا سنة: [[اللات]] [[العزى|والعزى]]، ونعبد إلهك سنة، قال: حتى أنْظُرَ ما يأْتي مِنْ عِنْدِ رَبّي. فجاء [[وحي|الوحي]] من [[اللوح المحفوظ]]: {{قرآن|الكافرون|1}} السورة، وأنزل الله: {{قرآن|قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ}}... إلى قوله: {{قرآن|فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}}.<ref>{{استشهاد مختصر|السيوطي|2006|ص=266}}</ref>

وأخرج [[عبد الرزاق الصنعاني|عبد الرزاق]] [[ابن المنذر النيسابوري|وابن المنذر]] عن [[وهب بن منبه|وهب]] قال: قالت قريش للنبي {{صلى الله عليه وسلم}}: إن سرك أن نتبعك عامًا وترجع إلى ديننا عامًا، فأنزل الله: {{قرآن|الكافرون|1}} إلى آخر السورة. وأخرج [[عبد بن حميد]]، [[ابن المنذر النيسابوري|وابن المنذر]]، [[أبو بكر بن مردويه|وابن مردويه]] عن [[عبد الله بن عباس|ابن عباس]]: أن قريشًا قالت: لو استلمت آلهتنا لعبدنا إلهك، فأنزل الله: {{قرآن|الكافرون|1}}.<ref>{{استشهاد مختصر|السيوطي|2006|ص=267}}</ref> وقال [[أبو صالح السمان|أبو صالح]] عن [[عبد الله بن عباس|ابن عباس]]: أنهم قالوا لرسول الله {{صلى الله عليه وسلم}}: لو استلمت بعض هذه الآلهة لصدقناك؛ فنزل [[جبريل]] على النبي {{صلى الله عليه وسلم}} بهذه السورة فيئسوا منه، وآذوه، وآذوا أصحابه.<ref name=":5" />

== التسمية ==
[[ملف:Sura109 (cropped).jpeg|تصغير|نص سورة الكافرون حسب [[الخط العثماني|الرسم العثماني]] من برنامج [[مصحف المدينة النبوية|مصحف المدينة المنورة]].]]
يُطلق العلماء على سور القرآن أسماء مختلفة،<ref>{{استشهاد مختصر|الشايع|2011|ص=14}}</ref> وهذه السورة من بين السور التي حصلت على العديد من الأسماء المختلفة. وأشهر أسمائها "الكافرون" وهو اسم السورة في [[مصحف عثمان|المصحف العثماني]]. ومن الأسماء التي أطلقها العلماء على السورة:<ref name=":0" /><ref name=":2">{{استشهاد مختصر|الرازي|2000|ج=32|ص=357- 358}}</ref>
* في المصاحف ومعظم التفاسير سُميت بـ "'''سورة الكافرون'''" بإضافة "سورة" إلى "الكافرون" وثبوت واو الرفع على حكاية لفظ القرآن الواقع في أولها. ووقع في [[الكشاف (تفسير)|الكشاف]] و[[المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز|تفسير ابن عطية]] و[[متن الشاطبية|حرز الأماني]] بـ"سورة الكافرين" بياء الخفض في لفظ "الكافرين"، وعنونها [[محمد بن إسماعيل البخاري|البخاري]] في كتاب التفسير من [[صحيح البخاري|صحيحه]] بسورة "قل يا أيها الكافرون".
* '''سورة المقشقشة'''؛ يقال: تقشقش المريض مما به أي أبلَّ وبرئ، ذكر [[الزمخشري]] في «[[الكشاف (تفسير)|الكشاف]]»: أنها و[[سورة الإخلاص]] تسميان المقشقشتين، أي المبرئتين من الشرك ومن [[نفاق|النفاق]]. قَالَ [[أبو عبيد القاسم بن سلام|أَبو عُبَيْدٍ]]: كَمَا يُقَشْقِشُ الهِنَاءُ الجرَبَ فيُبْرِئُه، وَقِيلَ: هُمَا: «قُلْ يَا أَيُّهَا الْكافِرُونَ، [[سورة الإخلاص|وقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ]]».<ref>{{استشهاد مختصر|ابن عادل|1998|ج=20|ص=528}}</ref> وقال [[محمد الطاهر بن عاشور|ابن عاشور]]: «فيكون اسم المقشقشة مشتركًا بين أربع سور هذه -أي [[سورة الإخلاص]]- و[[سورة الناس]] [[سورة التوبة|وسورة براءة]] وسورة الكافرون».<ref>{{استشهاد مختصر|ابن عاشور|1984|ج=30|ص=624}}</ref>
* تسمى أيضا '''سورة الإخلاص''' فيكون هذان الاسمان مشتركين بينها وبين سورة {{قرآن|الإخلاص|1}}.<ref name=":0" />
* '''سورة العبادة''': جاء في [[جمال القراء (كتاب)|جمال القراء]] أنها تسمى سورة العبادة.<ref name=":0" />
* '''سورة الدين''': جاء في [[بصائر ذوي التمييز]] [[مجد الدين الفيروزآبادي|للفيروزآبادي]] أنها تُسمى سورة الدين.<ref name=":0" />

== فضلها ==
[[ملف:Qur'an Neirizi.jpg|تصغير|سورتا [[سورة الكوثر|الكوثر]] والكافرون من [[مصحف]] يعود إلى نهاية عصر [[الدولة الصفوية]] سنة [[1117 هـ]].]]
وردت العديد من [[الحديث النبوي|الأحاديث النبوية]] في فضل سورة الكافرون، واشتهر في الأحاديث أن قراءة هذه السورة براءة من ال[[شرك بالله|شرك]]، كان النبي يخصصها بالقراءة مع [[سورة الإخلاص]] في بعض [[نافلة|السنن النوافل]] مثل [[طواف|ركعتي الطواف]]، وركعتي سنة الفجر، وركعتي سنة المغرب. كما أوصى النبي أحد الصحابة أن يقرأها إذا أوى إلى فراشه. فعن نوفل بن فروة الأشجعي، أن النبي {{صلى الله عليه وسلم}} قال لنوفل: اقرأْ "قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ" في كل ليلة، ونَم عَلَى خاتِمَتِها؛ فإنها براءةٌ من الشركِ، أخرجه أصحاب السنن الثلاثة و[[ابن حبان]] و[[أبو عبد الله الحاكم النيسابوري|الحاكم]] وصححه [[ابن حجر العسقلاني]]،<ref>{{استشهاد مختصر|ابن حجر|1959|ج=11|ص=125}}</ref> وأخرج [[أحمد بن حنبل|أحمد]]، [[الطبراني|والطبراني]] في [[معاجم الطبراني|الأوسط]] عن [[الحارث بن جبلة]]، وقال [[الطبراني]] عن [[قائمة الصحابة#ج|جبلة بن حارثة]]، وهو أخو [[زيد بن حارثة]] قال: قلت يا رسول الله علمني شيئًا أقوله عند منامي قال: إذا أخذت مضجعك من الليل فاقرأ قل يا أيها الكافرون حتى تمر بآخرها فإنها براءة من الشرك. وأخرج [[أبو يعلى الموصلي|أبو يعلى]]، [[الطبراني|والطبراني]] عن [[عبد الله بن عباس|ابن عباس]] قال: قال رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}}: ألا أدلكم على كلمة تنجيكم من الإشراك بالله تقرؤون قل يا أيها الكافرون عند منامكم.<ref>{{استشهاد مختصر|الشوكاني|2007|ص=1661}}</ref> وأخرج [[أحمد بن حنبل|أحمد]]، وابن الضريس، [[البغوي|والبغوي]]، [[حميد بن مخلد بن قتيبة|وحميد بن زنجويه]] في ترغيبه عن شيخ أدرك النبي قال: خرجت مع النبي {{صلى الله عليه وسلم}} في سفر فمر برجل يقرأ قل يا أيها الكافرون فقال: أما هذا فقد برئ من الشرك، وإذا آخر يقرأ قل هو الله أحد فقال: بها وجبت له الجنة وفي رواية أما هذا فقد غفر له.<ref name=":3" />

وردت الروايات عن النبي أن سورة الكافرون تعدل ربع القرآن، وقد وروى [[أبو عيسى محمد الترمذي|الترمذي]] عن [[عبد الله بن عباس|ابن عباس]] قال: قال رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}}: قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن، وقل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن. وعن [[عبد الله بن عمر بن الخطاب|ابن عمر]] قال: "صلى النبي {{صلى الله عليه وسلم}} بأصحابه [[صلاة الفجر]] في سفر، فقرأ قل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، ثم قال: قرأت بكم ثلث القرآن وربعه".<ref name=":4"/> وفسر ذلك [[عبد الرحمن المباركفوري|المباركفوري]] في [[تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي|تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي]] فقال: {{اقتباس مضمن|لأن القرآن يشتمل على أحكام الشهادتين وأحوال النشأتين فهي لتضمنها البراءة من الشرك ربع}}.<ref>{{استشهاد مختصر|المباركفوري|1990|ص=166|ج=8}}</ref>

وروى [[جبير بن مطعم]] أن النبي قال: "أتحب يا جبير إذا خرجت سفرًا أن تكون من أمثل أصحابك هيئة وأكثرهم زادا "؟ قلت: نعم. قال: "فاقرأ هذه السور الخمس من أول قل يا أيها الكافرون إلى [[سورة الناس|قل أعوذ برب الناس]] وافتتح قراءتك [[البسملة|ببسم الله الرحمن الرحيم]]". قال: فوالله لقد كنت غير كثير المال، إذا سافرت أكون أبذهم هيئةً، وأقلهم زادًا، فمذ قرأتهن صرت من أحسنهم هيئةً، وأكثرهم زادًا، حتى أرجع من سفري ذلك.<ref name=":4">{{استشهاد مختصر|القرطبي|1935|ج=20|ص=224- 225}}</ref>

في [[صحيح مسلم]] من حديث [[جابر بن عبد الله الأنصاري|جابر]] أن رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} قرأ بهذه السورة، وبقل هو الله أحد في ركعتي [[طواف|الطواف]]. وفي [[صحيح مسلم]] أيضًا من حديث [[أبو هريرة|أبي هريرة]] أن رسول الله قرأ بهما في [[صلاة الفجر|ركعتي الفجر]]. وأخرج [[أحمد بن حنبل|أحمد]]، [[أبو عيسى محمد الترمذي|والترمذي]] [[حديث حسن|وحسنه]] [[أحمد بن شعيب النسائي|والنسائي]]، [[ابن ماجه|وابن ماجه]]، [[ابن حبان|وابن حبان]]، [[أبو بكر بن مردويه|وابن مردويه]] عن [[عبد الله بن عمر بن الخطاب|ابن عمر]] أن رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} قرأ في الركعتين قبل الفجر والركعتين بعد المغرب بضعًا وعشرين مرة، أو بضع عشرة مرة قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد.<ref name=":3" /> وأخرج [[أبو داود]] و[[أحمد بن شعيب النسائي|النسائي]] و[[ابن ماجه]] و[[الدارقطني]] و[[أبو عبد الله الحاكم النيسابوري|الحاكم]] و[[أبو بكر البيهقي|البيهقي]] عن [[أبي بن كعب]] قال: «كان رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} ‌يوتر ‌بسبح ‌اسم ‌ربك ‌الأعلى، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد».<ref>{{استشهاد مختصر|الشوكاني|2007|ص=1610}}</ref>

وأخرج [[أبو بكر بن مردويه|ابن مردويه]] عن [[زيد بن أرقم]] قال: قال رسول الله: من لقي الله بسورتين فلا حساب عليه قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد. وعن [[أبو مسعود البدري|أبي مسعود الأنصاري]] قال: من قرأ قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد في ليلة فقد أكثر وأطاب.<ref name=":3" /> وقال [[عبد الله بن عباس|ابن عباس]]: "ليس في القرآن أشد غيظا [[إبليس|لإبليس]] منها؛ لأنها توحيد وبراءة من الشرك". وقال الأصمعي: كان يقال لـ قل يأيها الكافرون، وقل هو الله أحد المقشقشتان؛ أي أنهما تبرئان من النفاق.<ref name=":4" />

== مناسبة السورة ==
[[ملف:Al-Kafirun.jpg|تصغير|سورة الكافرون من مصحف يعود إلى عصر [[الدولة القاجارية]]. كُتب في عنوان السورة: "سورة الكافرون ست آيات نزلت بمكة".]]

=== مناسبتها مع ما قبلها من السور ===
ذكر [[فخر الدين الرازي|الفخر الرازي]] اتصال سورة الكافرون بالسور التي قبلها، ففي [[سورة الكوثر]] أمر الله رسوله بعبادته، والشكر له على نعمه الكثيرة، بإخلاص العبادة له، وفي هذه السورة التصريح بما أشير إليه فيما سلف.<ref name=":6">{{استشهاد مختصر|التفسير الوسيط|1973|ج=10|ص=2034}}</ref> يقول الرازي: {{اقتباس مضمن|وفي سورة الكوثر: إنا أعطيناك الكوثر وأتيت بالإيمان والأعمال الصالحات بمقتضى قولنا: فصل لربك وانحر بقي عليك التواصي بالحق والتواصي بالصبر، وذلك هو أن تمنعهم بلسانك وبرهانك عن عبادة غير الله، فقل: يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون.. كأنه تعالى يقول: يا محمد أنسيت أنني لما أخرت الوحي عليك مدة قليلة، قال الكافرون: إنه ودعه ربه وقلاه، فشق عليك ذلك غاية المشقة، حتى أنزلت عليك السورة، وأقسمت بالضحى والليل إذا سجى أنه ما ودعك ربك وما قلى فلما لم تستجز أن أتركك شهرا ولم يطب قلبك حتى ناديت في العالم بأنه ما ودعك ربك وما قلى أفتستجيز أن تتركني شهرا وتشتغل بعبادة آلهتهم فلما ناديت بنفي تلك التهمة، فناد أنت أيضا في العالم بنفي هذه التهمة وقل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون.}}.<ref>{{استشهاد مختصر|الرازي|2000|ج=32|ص=325}}</ref>

=== مناسبتها مع سورة الإخلاص ===
ذكر [[جلال الدين السيوطي|السيوطي]] [[فخر الدين الرازي|والفخر الرازي]] اتصال سورة الكافرون في المعنى مع [[سورة الإخلاص]]، لكون السورتين اشتملتا على [[التوحيد في الإسلام|التوحيد]]، لذا كان النبي يقرؤهما معًا في [[صلاة الفجر]]، [[طواف|وسنة الطواف]]، [[صلاة الضحى|وسنة الضحى]]، وسنة المغرب، وصبح المسافر، [[صلاة المغرب|ومغرب]] ليلة [[الجمعة]]. ففي سورة الكافرون نفى الله عبادة ما يعبدون، وفي سورة الإخلاص صرح الله بأنه هو المعبود الأحد، وأقام الدليل عليه بأنه صمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، ولا يستحق العبادة إلا من كان كذلك، وليس في معبوداتهم ما هو كذلك.<ref>{{استشهاد مختصر|السيوطي|1978|ص=161}}</ref> كذلك اشتركت السورتان في بعض الأسامي مثل المقشقشتين والمبرئتين، من حيث إن كل واحدة منهما تفيد براءة القلب عما سوى الله تعالى، يقول الفخر الرازي: {{اقتباس مضمن|(قل ياأيها الكافرون) يفيد بلفظه البراءة عما سوى الله وملازمة الاشتغال بالله و(قل هو الله أحد) يفيد بلفظه الاشتغال بالله وملازمة الإعراض عن غير الله أو من حيث إن: (قل ياأيها الكافرون) تفيد براءة القلب عن سائر المعبودين سوى الله، و(قل هو الله أحد) تفيد براءة المعبود عن كل ما لا يليق به.}}.<ref name=":2" />

== تفسير السورة ==
[[ملف:Verses Of Holy Qur'an.jpg|تصغير|[[مخطوط]] لصفحتين من [[القرآن]] تشمل سور الكافرون [[سورة النصر|والنصر]] [[سورة المسد|والمسد]] [[سورة الإخلاص|والإخلاص]] مكتوبة باللون الأسود مع علامات التشكيل باللون الأحمر وفواصل الآيات المذهبة. كُتبت عناوين السور [[خط الرقعة|بخط الرقعة]] الأبيض على خلفية ذهبية.]]
تتحدث السورة عن البراءة من [[الكفر في الإسلام|الكافرين]] ومما يعبدون، وفيها تأييس الكافرين من أن يوافقهم النبي في شيءٍ مما هم عليه من الكفر سواءٌ كان في الزمن الحالي وقت نزول السورة أو في الزمن المستقبلي، وفيها أن دين [[الإسلام]] لا يخالطه شيءٌ من [[تعدد الآلهة|الشرك]].<ref name=":9" /> تحتوي السورة على أساليب ال[[نفي (توضيح)|نفي]] وال[[جزم (نحو)|جزم]] وال[[توكيد]]؛ لتنهي كل قول وتقطع كل مساومة وتفرق نهائيًا بين ال[[التوحيد في الإسلام|توحيد]] و[[تعدد الآلهة|الشرك]]، وتقيم المعالم واضحة، ولا تقبل المساومة [[تأويل|والتأويل]].

=== الآية الأولى ===
{{قرآن|الكافرون|1}}: افتتاحها بـ (قل) للاهتمام بما بعد القول بأنه كلام يراد إبلاغه إلى الناس بوجه خاص منصوص فيه على أنه مرسل بقول يبلغه، والسور المفتتحة بالأمر بالقول خمس سور: [[سورة الجن|قل أوحي]]، وسورة الكافرون، [[سورة الإخلاص|وسورة الإخلاص]]، [[المعوذتان|والمعوذتان]]، فالثلاث الأول لقول يبلغه، والمعوذتان لقول يقوله لتعويذ نفسه. [[أسلوب نداء|والنداء]] (يا أيها الكافرون) موجه للأربعة الذين قالوا للنبي: فلنعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد، كما في خبر [[أسباب النزول (علم)|سبب النزول]]. وابتدئ خطابهم بالنداء لإبلاغهم؛ لأن النداء يستدعي إقبال أذهانهم على ما سيلقى عليهم. ونودوا بوصف الكافرين تحقيرًا لهم وتأييدًا لوجه التبرؤ منهم، وإيذانًا بأنه لا يخشاهم إذا ناداهم بما يكرهون مما يثير غضبهم. قال [[القرطبي]]: {{اقتباس مضمن|إن المعنى: قل للذين كفروا يا أيها الكافرون. أن يعتمدهم في ناديهم فيقول لهم: يا أيها الكافرون. وهم يغضبون من أن ينسبوا إلى الكفر.}}.<ref>{{استشهاد مختصر|ابن عاشور|1984|ج=30|ص=581}}</ref> قال [[ابن كثير الدمشقي|ابن كثير]]: هذه السورة سورة البراءة من العمل الذي يعمله المشركون، وهي آمرة بالإخلاص فيه، فقوله: {{قرآن|الكافرون|1}} شمل كل كافر على وجه الأرض، ولكن المواجهين بهذا الخطاب هم كفار [[قريش]].<ref name=":7">{{استشهاد مختصر|ابن كثير|1998|ج=8|ص=479}}</ref>

=== الآية الثانية والثالثة ===
{{قرآن|الكافرون|2|إلى آية=3}} أي قل لهم يا محمد لا أعبد ما تعبدون وما تشركون بالله، فأمر الله رسوله أن يقطع أطماع الكافرين في مساومتهم له في عقيدته للاختلاف التام بينه وبينهم في المعبود وفي طريقة [[العبادة في الإسلام|العبادة]].<ref name=":6" /> واختلف [[علم التفسير|المفسرون]]، فقيل أن هاتين الآيتين تفيدان نفي العبادة في الحال، والآيتين الرابعة والخامسة تفيدان نفي العبادة في المستقبل، كما فسرها [[محمد بن جرير الطبري|الطبري]] وغيره من المفسرين.<ref name=":10">{{استشهاد مختصر|الطبري|2001|ج=24|ص=702}}</ref> بينما فسرها [[محمد الطاهر بن عاشور|ابن عاشور]] أن النفي بلا النافية يفيد النفي في الحال والاستقبال جميعًا، فنفي عبادته آلهتهم في المستقبل، لأنهم عرضوا عليه أن يعبد آلهتهم بعد سنة مستقبلة. ولذلك جاء في جانب نفي عبادتهم لله بنفي [[اسم الفاعل]] الذي هو حقيقة في الحال بقوله: ولا أنتم عابدون، أي: ما أنتم بمغيرين إشراككم الآن لأنهم عرضوا عليه أن يبتدئوا هم فيعبدوا الرب الذي يعبده النبي سنة.<ref>{{استشهاد مختصر|ابن عاشور|1984|ج=30|ص=582}}</ref> قال [[ابن كثير الدمشقي|ابن كثير]]: إنهم من جهلهم دعوا رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} إلى عبادة أوثانهم سنة، ويعبدون معبوده سنة، فأنزل الله هذه السورة، وأمر رسوله {{صلى الله عليه وسلم}} فيها أن يتبرأ من دينهم بالكلية، فقال: {{قرآن|الكافرون|2|لا تخريج=1}} يعني: من [[صنم|الأصنام]] والأنداد، {{قرآن|الكافرون|3}} وهو الله وحده لا شريك له.<ref name=":7" />

=== الآية الرابعة والخامسة ===
[[ملف:Headings for Chapters 108-111 of the Qur'an (CBL Is 1534, f.307b).jpg|تصغير|سورة الكافرون من نسخة للقرآن الكريم وُجدت في [[إيران]]، تعود إلى سنة 1574-75م ([[982 هـ]]). محفوظة في [[مكتبة تشستر بيتي|مكتبة تشيستر بيتي]].]]
{{قرآن|الكافرون|4|إلى آية=5}} اختلف [[علم التفسير|المفسرون]] على قولين، الأول أنها تفيد نفي العبادة في المستقبل، قال [[الأخفش الأكبر|الأخفش]] والفَرّاءُ: المَعْنى لا أعْبُدُ السّاعَةَ ما تَعْبُدُونَ، ولا أنْتُمْ عابِدُونَ السّاعَةَ ما أعْبُدُ، ولا أنا عابِدٌ في المُسْتَقْبَلِ ما عَبَدْتُمْ، ولا أنْتُمْ عابِدُونَ في المُسْتَقْبَلِ ما أعْبُدُ. وقال [[أبو إسحاق الزجاج]]: {{اقتباس مضمن|نَفى رَسُولُ اللَّهِ {{ص}} بِهَذِهِ السُّورَةِ عِبادَةَ آلِهَتِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ في الحالِ وفِيما يُسْتَقْبَلُ، ونَفى عَنْهم عِبادَةَ اللَّهِ في الحالِ وفِيما يُسْتَقْبَلُ}}.<ref name=":3" /> وقال [[محمد بن جرير الطبري|الطبري]]: {{اقتباس مضمن|يقول تعالى ذكره لنبيه محمد {{صلى الله عليه وسلم}}، وكان المشركون من قومه فيما ذكر عرضوا عليه أن يعبدوا الله سنة، على أن يعبد نبي الله صلى الله عليه وسلم آلهتهم سنة، فأنزل الله مُعَرِّفَهُ جوابَهم في ذلك: (قل) يا محمد لهؤلاء المشركين الذين سألوك عبادة آلهتهم سنة، على أن يعبدوا إلهك سنة (يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) بالله {{قرآن|الكافرون|2|لا تخريج=1}} من الآلهة والأوثان الآن {{قرآن|الكافرون|3}} الآن، (وَلَا أَنَا عَابِدٌ) فيما أستقبل، (ما عبدتم) فيما مضى (ولا أنتم عابدون) فيما تستقبلون أبدا (ما أعبد) أنا الآن، وفيما أستقبل. وإنما قيل ذلك كذلك؛ لأن الخطاب من الله كان لرسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} في أشخاص بأعيانهم من المشركين، قد علم أنهم لا يؤمنون أبدًا، وسبق لهم ذلك في السابق من علمه، فأمر نبيه {{صلى الله عليه وسلم}} أن يؤيسهم من الذي طمعوا فيه، وحدثوا به أنفسهم، وأن ذلك غير كائن منه ولا منهم، في وقت من الأوقات، وآيس نبي الله {{صلى الله عليه وسلم}} من الطمع في إيمانهم، ومن أن يفلحوا أبدًا، فكانوا كذلك لم يفلحوا ولم ينجحوا، إلى أن قتل بعضهم [[غزوة بدر|يوم بدر]] بالسيف، وهلك بعضهم قبل ذلك كافرًا.<ref name=":10" />}}

والقول الثاني أنه تكرارٌ للمعني وهو من أساليب [[توكيد لفظي|التوكيد]]، للتأكيد في قطع أطماعهم؛ قال [[القرطبي]]: كما تقول: والله لا أفعل كذا، ثم والله لا أفعله. قال أكثر أهل المعاني: نزل القرآن [[لسان العرب|بلسان العرب]]، ومن مذاهبهم التكرار إرادة التأكيد والإفهام، كما أن من مذاهبهم الاختصار إرادة التخفيف والإيجاز؛ لأن خروج الخطيب والمتكلم من شيء إلى شيء أولى من اقتصاره في المقام على شيء واحد؛ قال الله تعالى: {{قرآن|الرحمن|13}}. {{قرآن|المرسلات|15}}. {{قرآن|النبأ|4|إلى آية=5}}. {{قرآن|الشرح|5|إلى آية=6}}. كل هذا على التأكيد.. ومثله كثير. وقيل: هذا على مطابقة قولهم: تعبد آلهتنا ونعبد إلهك، ثم نعبد آلهتنا ونعبد إلهك، ثم تعبد آلهتنا ونعبد إلهك فنجري على هذا أبدًا سنة وسنة. فأجيبوا عن كل ما قالوه بضده؛ أي إن هذا لا يكون أبدًا.<ref>{{استشهاد مختصر|القرطبي|1935|ج=20|ص=226- 227}}</ref>

=== الآية السادسة ===
[[ملف:109006 Al-Kafirun UrduScript.jpg|تصغير|الآية السادسة والآخيرة من سورة الكافرون.]]
{{قرآن|الكافرون|6}} لكم دينكم فلا تتركونه أبدًا؛ لأنه قد ختم عليكم، وقضي أن لا تنفكوا عنه، وأنكم تموتون عليه، ولي ديني الذي أنا عليه، لا أتركه أبدًا؛ لأنه قد مضى في سابق علم الله أني لا أنتقل عنه إلى غيره.<ref>{{استشهاد مختصر|الطبري|2001|ج=24|ص=704}}</ref> ومن معناها أنها فيها معنى التهديد؛ وهو كقوله تعالى: {{قرآن|لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ}} أي إن رضيتم بدينكم، فقد رضينا بديننا. ومعنى لكم دينكم أي جزاء دينكم، ولي جزاء ديني. وقيل: المعنى لكم جزاؤكم ولي جزائي؛ لأن الدين في اللغة هو الجزاء.<ref>{{استشهاد مختصر|القرطبي|1935|ج=20|ص=229}}</ref> قال [[عبد الله بن عباس|ابن عباس]]: لكم كفركم بالله ولي التوحيد والإخلاص له.<ref>{{استشهاد مختصر|الرازي|2000|ج=32|ص=332}}</ref>

استدل [[محمد بن إدريس الشافعي|الإمام الشافعي]] وغيره بهذه الآية على أن الكفر كله ملة واحدة، وأن الأديان - ما عدا [[الإسلام]] - كلها كالشيء الواحد في البطلان، قال [[ابن كثير الدمشقي]]: {{اقتباس مضمن|وقد استدل [[محمد بن إدريس الشافعي|الإمام أبو عبد الله الشافعي]] وغيره بهذه الآية الكريمة: {{قرآن|الكافرون|6}} على أن الكفر كله ملة واحدة تورثه اليهود من النصارى، وبالعكس؛ إذا كان بينهما نسب أو سبب يتوارث به؛ لأن الأديان - ما عدا الإسلام - كلها كالشيء الواحد في البطلان. وذهب [[أحمد بن حنبل]] ومن وافقه إلى عدم توريث النصارى من اليهود وبالعكس.}}.<ref>{{استشهاد مختصر|ابن كثير|1998|ج=8|ص=508}}</ref>

تُستخدم الآية في [[ضرب المثل|أمثال عامة الناس]] للدلالة على المتاركة والاختلاف، وقد [[مكروه|كره]] بعض العلماء استخدام آيات القرآن في أمثال عامة الناس، فقال [[فخر الدين الرازي|الفخر الرازي]]: {{اقتباس مضمن|جرت عادة الناس بأن يتمثلوا بهذه الآية عند المتاركة وذلك غير جائز؛ لأنه تعالى ما أنزل القرآن ليتمثل به، بل ليتدبر فيه ثم يعمل بموجبه}} بينما رد على قوله [[محمد الطاهر بن عاشور]] قائلًا: {{اقتباس مضمن|وهذا كلام غير محرر؛ لأن التمثل به لا ينافي العمل بموجبه، وما التمثل به إلا من تمام بلاغته واستعداد للعمل به. وهذا المقدار من التفسير تركه الفخر في المسودة.}}.<ref name="مولد تلقائيا1" />

ذكر بعض المفسرين أن هذه الآية [[نسخ (إسلام)|منسوخة]] ب[[آية السيف]]، ونفى غالب المفسرين ذلك لأنها [[جملة خبرية]] تقريرية كقوله تعالى: {{قرآن|لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ}}، قال [[الشوكاني]]: {{اقتباس مضمن|قِيلَ وهَذِهِ الآيَةُ مَنسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، وقِيلَ لَيْسَتْ بِمَنسُوخَةٍ، لِأنَّها أخْبارٌ والأخْبارُ لا يَدْخُلُها النَّسْخُ.}}.<ref name=":3" /> وقال [[أبو جعفر النحاس]]:<ref>{{استشهاد مختصر|النحاس|2009|ج=3|ص=154، 155}}</ref> {{اقتباس خاص|لم يجد فيهنّ [[نسخ (إسلام)|ناسخًا ولا منسوخًا]]، وإذا تدبّرت ذلك وجدت أكثرهنّ وأكثر ما ليس فيه ناسخٌ ولا منسوخٌ إنّما هو فيما لا يجوز أن يقع فيه نسخٌ لأنّه لا يجوز أن يقع نسخٌ في [[توحيد الله|توحيد اللّه]] عزّ وجلّ، ولا في [[أسماء الله الحسنى|أسمائه]]، ولا في [[صفات الله العليا|صفاته]]، والعلماء يقولون: ولا في إخباره، ومعناه: ولا في إخباره بما كان وما يكون والحكمة في هذا: أنّ النّسخ إنّما يكون في أحكام الشّرائع من [[الصلاة في الإسلام|الصّلاة]]، [[الصوم في الإسلام|والصّيام]]، [[حرام|والحظر]]، [[مباح|والإباحة]].}}

== إعراب السورة ==
{| class="wikitable " width="100%" style="text-align:center" border="1" style="background-color:white"
|- bgcolor="#cccccc"
|-
! bgcolor="#cccccc" colspan=6 align="center"|إعراب سورة الكافرون<ref name="إعراب">{{استشهاد مختصر|سلامة|2006|ص=211، 212}}</ref><ref>{{استشهاد مختصر|درويش|1992|ج=10|ص=600- 601}}</ref>
|-
! style="color:#000000" width=25% %| الآية
! style="color:#000000" width=70% %| الإعراب
|-
| {{قرآن|الرسم=عثماني|لا تخريج=1|الكافرون|1}}
| «قُلۡ»: [[فعل أمر]] مبني على السّكون، والفاعل [[ضمير مستتر]] تقديره أنت، والجملة ابتدائية لا محل لها. «يا» حرف نداء، «أي» منادى نكرة مقصودة، «ها» للتنبيه، «الكافرون» صفة أو بدل مرفوع وعلامة رفعة الضمة، والجملة في محل نصب مقول القول.<ref name="إعراب2">{{استشهاد مختصر|الدعاس|2004|ج=3|ص=473}}</ref>
|-
| {{قرآن|الرسم=عثماني|لا تخريج=1|الكافرون|2}}
| لا نافية، أَعۡبُدُ: [[فعل مضارع]] مرفوع بالضمة، وفاعله ضمير مستتر تقديره أنا، وجملة (لا أعبد) في محل نصب حال من فاعل (قل) المستتر، مَا: [[اسم موصول]] بمعنى الذي في محل نصب [[مفعول به]]، تَعۡبُدُونَ: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، والواو فاعل، وجملة (تعبدون) صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
|-
| {{قرآن|الرسم=عثماني|لا تخريج=1|الكافرون|3}}
| «ولا» الواو حرف عطف، «لا» نافية، «أنتم» ضمير مبني في محل رفع [[مبتدأ]]، «عابدون» [[خبر (نحو)|خبر]] مرفوع بالواو، وجملة (ولا أنتم عابدون) معطوفة على ما قبلها فهي في محل نصب حال مثلها، «ما» [[اسم موصول]] بمعنى الذي في محل نصب مفعول به ل[[اسم الفاعل]] (عابدون)، «أعبد» فعل مضارع مرفوع بالضمة، فاعله مستتر، وجملة (أعبد) صلة الموصول (ما) لا محل لها من الإعراب.
|-
| {{قرآن|الرسم=عثماني|لا تخريج=1|الكافرون|4}}
| «ولا» الواو حرف عطف، «لا» نافية، «أنا» ضمير مبني في محل رفع مبتدأ، «عابد» خبر مرفوع بالضمة، وجملة (ولا أنا عابد) معطوفة على ما قبلها فهي في محل نصب حال مثلها «ما» [[اسم موصول]] بمعنى الذي في محل نصب مفعول به ل[[اسم الفاعل]] (عابد)، «عبدتم» [[فعل ماض]] مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع، والتاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل، والميم: حرف مبني على السكون للدلالة على جمع الذكور لا محل له من الإعراب، وجملة "عبدتم" صلة موصول لا محل لها من الإعراب، والعائد محذوف تقديره: عبدتموه.<ref name="إعراب2"/>
|-
| {{قرآن|الرسم=عثماني|لا تخريج=1|الكافرون|5}}
| نفس إعراب الآية الثالثة
|-
| {{قرآن|الرسم=عثماني|لا تخريج=1|الكافرون|6}}
| «لكم دينكم» اللام حرف جر، والكاف ضمير مبني في محل جر، لكم في محل رفع خبر مقدم، ودينكم مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة، والكاف ضمير مبني في محل جر [[إضافة (العربية)|مضاف إليه]]، والجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها، «ولي دين» الواو حرف عطف، واللام حرف جر، والياء ضمير مبني في محل جر، و«لي» في محل رفع خبر مقدم، ودين: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة، والياء المحذوفة في (دين) في محل جر مضاف إليه فإن أصل الكلمة (ديني) كما سبق، وجملة (ولي دين) معطوفة على (لكم دينكم) لا محل لها من الإعراب مثلها.<ref name="إعراب2"/>
|}

== المراجع ==
{{مراجع}}
=== معلومات المراجع المُفصَّلة ===
{{بداية المراجع}}
{{قائمة أعمدة|عدد الأعمدة=2|الأعمدة=
* {{استشهاد بويكي بيانات|Q115641715|مرجع=الشربيني1868}}
* {{استشهاد بويكي بيانات|Q115683910|مرجع=القرطبي1935}}
* {{استشهاد بويكي بيانات|Q116945634|مرجع=ابن حجر1959}}
* {{استشهاد بويكي بيانات|Q117720372|مرجع=التفسير_الوسيط1973}}
* {{استشهاد بويكي بيانات|Q115732199|مرجع=السيوطي1978}}
* {{استشهاد بويكي بيانات|Q115641917|مرجع=القاضي1981}}
* {{استشهاد بويكي بيانات|Q115641984|مرجع=ابن عاشور1984}}
* {{استشهاد بويكي بيانات|Q115782668|مرجع=النحاس1985}}
* {{استشهاد بويكي بيانات|Q117836285|مرجع=المباركفوري1990}}
* {{استشهاد بويكي بيانات|Q115640897|مرجع=درويش1992}}
* {{استشهاد بويكي بيانات|Q118645669|مرجع=ابن خالويه1992}}
* {{استشهاد بويكي بيانات|Q115651867|مرجع=الداني1994}}
* {{استشهاد بويكي بيانات|Q115730072|مرجع=ابن عادل1998}}
* {{استشهاد بويكي بيانات|Q115701544|مرجع=ابن كثير1998}}
* {{استشهاد بويكي بيانات|Q115730115|مرجع=الرازي2000}}
* {{استشهاد بويكي بيانات|Q116984845|مرجع=ابن عطية2001}}
* {{استشهاد بويكي بيانات|Q97221368|مرجع=الطبري2001}}
* {{استشهاد بويكي بيانات|Q115640158|مرجع=الدعاس2004}}
* {{استشهاد بويكي بيانات|Q116996141|مرجع=السيوطي2006}}
* {{استشهاد بويكي بيانات|Q115683765|مرجع=سلامة2006}}
* {{استشهاد بويكي بيانات|Q117717783|مرجع=الشوكاني2007}}
* {{استشهاد بويكي بيانات|Q118146494|مرجع=النحاس2009}}
* {{استشهاد بويكي بيانات|Q115615370|مرجع=الشايع2011}}
}}
{{نهاية المراجع}}

== وصلات خارجية ==
{{روابط شقيقة}}
* {{استشهاد ويب
| مسار = https://islamqa.info/ar/answers/2241/من-فضاىل-سورة-الاخلاص
| عنوان = 2241 - من فضائل سورة الإخلاص
| تاريخ = 22 نوفمبر 2000
| لغة = ar
| تاريخ الوصول = 31 أكتوبر 2022
|موقع = الإسلام سؤال وجواب
|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20230417214149/https://islamqa.info/ar/answers/2241/من-فضاىل-سورة-الاخلاص|تاريخ أرشيف=2023-04-17}}
* {{استشهاد ويب
| مسار = https://www.islamweb.net/ar/fatwa/56952/السورة-التي-تسمى-المقشقشة
| عنوان = 56952 - السورة التي تسمى المقشقشة، إسلام ويب
| تاريخ الوصول = 28 نوفمبر 2022
| تاريخ = 16 ديسمبر 2004
|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20230417214148/https://www.islamweb.net/ar/fatwa/56952/السورة-التي-تسمى-المقشقشة|تاريخ أرشيف=2023-04-17}}
* {{استشهاد ويب
| مسار = https://islamqa.info/ar/answers/246202/اخر-ما-يقال-قبل-النوم
| عنوان = 246202 - آخر ما يُقال قبل النوم
| موقع = الإسلام سؤال وجواب
| لغة = ar
| تاريخ الوصول = 2023-03-10
|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20230417214147/https://islamqa.info/ar/answers/246202/اخر-ما-يقال-قبل-النوم|تاريخ أرشيف=2023-04-17}}
{{فهرس سور القرآن}}
{{ضبط استنادي}}
{{شريط بوابات|الإسلام|القرآن}}
{{شريط محتوى متميز|1=جيدة|التاريخ=23 يوليو 2023|النسخة=63458203|تاريخ مراجعة الزملاء=23 مايو 2023}}

[[تصنيف:سور مكية|كافرون]]
[[تصنيف:سور|كافرون]]
[[تصنيف:نصوص دينية]]
[[تصنيف:نصوص مقدسة]]