عرض مصدر الفتح الإسلامي لفارس

{{معلومات نزاع عسكري
| اسم_النزاع   = الفتحُ الإسلاميُّ لِفارِس
| جزء_من       = [[فتوحات إسلامية|الفُتوحات الإسلاميَّة]]
| صورة         = الفتح الإسلامي لفارس.svg
| تعليق        = خريطة تُظهرُ مسار حملات المُسلمين لِفتح بلاد [[الإمبراطورية الساسانية|الإمبراطوريَّة الفارسيَّة الساسانيَّة]]
| تاريخ        = [[12 هـ|12هـ]] \ [[633]]م - [[33 هـ|33هـ]] \ [[654]]م<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|الأخير=Pourshariati|الأول=Parvaneh|مؤلف-وصلة=:en:Parvaneh Pourshariati|عنوان=Decline and Fall of the Sasanian Empire: The Sasanian-Parthian Confederacy and the Arab Conquest of Iran|مكان=London and New York|ناشر=I.B. Tauris|سنة=2008|isbn=978-1-84511-645-3|مسار=https://books.google.com/books?id=3DEBAwAAQBAJ|صفحة=469| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20221107120359/https://books.google.com/books?id=3DEBAwAAQBAJ | تاريخ أرشيف = 7 نوفمبر 2022 }}</ref>
| مكان         = [[بلاد الرافدين|العراق]]، و[[القوقاز|القفقاس]]، و[[بلاد فارس|فارس]]، و[[خراسان الكبرى|خُراسان]] 
| نتيجة        = 
* نصرٌ إسلاميٌّ ساحق
* انهيار الإمبراطوريَّة الفارسيَّة الساسانيَّة ودُخولها في حظيرة دولة الإسلام
* ظُهور عدَّة سُلالات فارسيَّة حاكمة في [[طبرستان]] 
| خصم1         = <small>'''[[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] [[الإمبراطورية الساسانية|الإمبراطوريَّة الساسانيَّة]]'''<br/>[[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] [[ألبانيا القوقازية|إمارة أرَّان]] (633–636)<br/>[[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] [[مناذرة|إمارة المناذرة]] (633–637م)<br/>[[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] مرزبانات الکُنارَنگ (633–651م)<br/>[[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] بنو إسپابودان (633–651م)<br/>[[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] دولة الهون البيض (651–654م)<br/>[[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] بنو مهران (633–651م)<br/>[[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] بنو كارن (633–654م)<br/>[[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] الدولة الدابویگانيَّة (642–651م)</small>
| خصم2         = <small>'''[[ملف:BlackFlag.svg|20بك]] [[الخلافة الراشدة|دولة الخِلافةُ الرَّاشدة]]'''<br/>[[ملف:BlackFlag.svg|20بك]] مرزبانات الکُنارَنگ  (بعد سنة 651م)</small>
| قائد1        = {{قائمة مخفية
|title         = {{ط|انظر}}
|1 =  [[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] '''[[يزدجرد الثالث]]'''
|2 =  [[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] [[رستم فرخزاد|رُستم فرّخزاد]] {{قفم}}
|3 =  [[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] مهباذان
|4 =  [[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] هُذيل بن عمران
|5 =  [[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] [[هرمزان|الهُرمُزان]] {{أسير حرب}}
|6 =  [[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] أنشوجان {{قفم}}
|7 =  [[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] [[أندرزاغر]]
|8 =  [[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] [[بهمن جاذويه]] {{قفم}}
|9 =  [[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] [[بيروز خسرو|فيروز خسرو]] {{قفم}}
|10=  [[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] جابان 
|11=  [[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] مهران بهرام چوبين
|12=  [[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] مردانشاه {{قفم}}
|13=  [[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] بهرام
|14=  [[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] إسفنديار {{استسلم}}
|15=  [[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] گلینوش فهمي {{قفم}}
|16=  [[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] مهران بهرام الرضي {{قفم}} 
|17=  [[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] [[زاديه|زاديه بن ماهبیان]] 
|18=  [[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] فرّخزاد {{استسلم}}
|19=  [[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] سياوخش {{قفم}} 
|20=  [[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] شهريار بن كنارة {{قفم}} 
|21=  [[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] گريگور {{قفم}} 
|21=  [[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] مهران الهمذاني {{قفم}} 
|22=  [[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] شهروراز جاذويه {{قفم}} 
|23=  [[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] كارن {{قفم}} 
|24=  [[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] موصل الثالث ماميكونيان {{قفم}} 
|25=  [[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] ڤاراستيروتس{{قفم}} 
|26=  [[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] موتا الديلميّ {{قفم}} 
|27=  [[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] نارسي 
|28=  [[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] ترويه 
|29=  [[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] كنارة {{استسلم}}
|30=  [[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] رُبيز {{قفم}} 
|31=  [[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] شيرزاده 
|32=  [[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] مردانشاه الدماونديّ {{استسلم}}
|33=  [[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] جوان شیر
|34=  [[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] برزان جاه
|35=  [[ملف:Derafsh Kaviani.png|20بك]] أپارويز
}}
| قائد2= {{قائمة مخفية
|title = {{ط|انظر}}
|1  =  [[ملف:BlackFlag.svg|20بك]] '''[[أبو بكر الصديق|أبو بكرٍ الصِّدّيق]]'''
|2  =  [[ملف:BlackFlag.svg|20بك]] '''[[عمر بن الخطاب|عُمر بن الخطَّاب]]'''
|3  =  [[ملف:BlackFlag.svg|20بك]] [[خالد بن الوليد]]
|4  =  [[ملف:BlackFlag.svg|20بك]] [[المثنى بن حارثة الشيباني|المُثنّى بن حارثة الشيبانيّ]]
|5  =  [[ملف:BlackFlag.svg|20بك]] [[أبو عبيدة بن الجراح|أبو عُبيدة بن الجرَّاح]]
|6  =  [[ملف:BlackFlag.svg|20بك]] [[سعد بن أبي وقاص|سعد بن أبي وقَّاص]]
|7  =  [[ملف:BlackFlag.svg|20بك]] [[زهرة بن الحوية التميمي|زُهرة بن الحويَّة التميميّ]]
|8  =  [[ملف:BlackFlag.svg|20بك]] [[هاشم بن عتبة|هاشم بن عُتبة]]
|9  =  [[ملف:BlackFlag.svg|20بك]] [[القعقاع بن عمرو التميمي]]ّ
|10 =  [[ملف:BlackFlag.svg|20بك]] [[أبو موسى الأشعري]]ّ
|11 =  [[ملف:BlackFlag.svg|20بك]] [[عمار بن ياسر|عمَّار بن ياسر]]
|12 =  [[ملف:BlackFlag.svg|20بك]] [[النعمان بن مقرن المزني|النُعمان بن مُقرّن المزني]] {{قفم}}
|13 =  [[ملف:BlackFlag.svg|20بك]] [[حذيفة بن اليمان|حُذيفة بن اليمان]]
|14 =  [[ملف:BlackFlag.svg|20بك]] [[المغيرة بن شعبة|المُغيرة بن شُعبة الثقفي]]
|15 =  [[ملف:BlackFlag.svg|20بك]] أُسامة بن أبي العاص
|16 =  [[ملف:BlackFlag.svg|20بك]] [[عاصم بن عمرو التميمي]]ّ
|17 =  [[ملف:BlackFlag.svg|20بك]] [[الأحنف بن قيس|الأحنف بن قيسٍ التميميّ]]
|18 =  [[ملف:BlackFlag.svg|20بك]] [[عبد الله بن عامر بن كريز|عبدُ الله بن عامر بن كريز]]
|19 =  [[ملف:BlackFlag.svg|20بك]] كنارة
|20 =  [[ملف:BlackFlag.svg|20بك]] فرُخزاد (في [[الري (إيران)|الريِّ]] فقط)
}}
| سبقه = [[حروب الردة]]
| تبعه = *[[الفتح الإسلامي لما وراء النهر]]
*[[الفتح الإسلامي لأرمينية]]
*[[الفتح الإسلامي للسند]]}} 
{{الفتح الإسلامي لفارس}}{{صندوق حملة الفتوحات الإسلامية}}'''الفَتْحُ الإسْلَامِيُّ لِفَارِسَ''' أو '''الغَزْوُ الإسْلَامِيُّ لِفَارِسَ''' ([[اللغة الفارسية|بالفارسيَّة]]: {{خط/عربي|fa|فَتْحِ اِيرانْ تَوَسُّطِ مُسَلْمانانْ}})، وفي بعض المصادر ذات الصبغة القوميَّة خُصُوصًا يُعرفُ هذا الحدث باسم '''الفَتْحُ العَرَبِيُّ لِفَارِسْ''' ([[اللغة الفارسية|بالفارسيَّة]]: {{خط/عربي|fa|فَتْحِ اِيرانْ تَوَسُّطِ اَعْرابْ}})،<ref group="ْ">{{استشهاد بموسوعة|الأخير= Morony|الأول= M.|موسوعة= Encyclopædia Iranica|لغة= en|عنوان= ʿARAB ii. Arab conquest of Iran|مسار= https://iranicaonline.org/articles/arab-ii|تاريخ= [[1986]]|ناشر= Encyclopædia Iranica Foundation|المجلد= 2|صفحات= 203-210|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20170820003932/http://www.iranicaonline.org/articles/arab-ii|تاريخ أرشيف=[[20 أغسطس]] [[2017]]}}</ref> هي سلسلةٌ من الحملات العسكريَّة شنَّها المُسلمون على [[الإمبراطورية الساسانية|الإمبراطوريَّة الفارسيَّة الساسانيَّة]] المُتاخمة لِحُدود [[الخلافة الراشدة|دولة الخِلافة الرَّاشدة]]، وقد أفضت هذه الفُتوح إلى انهيار الإمبراطوريَّة سالِفة الذِكر وانحسار الديانة [[مجوس|المجوسيَّة]] في بِلاد إيران وإقبال [[فرس (قوم)|الفُرس]] على اعتناق [[الإسلام]]. بدأت تلك الفُتوحات زمن [[أبو بكر الصديق|أبي بكرٍ الصدّيق]] بِغزو المُسلمين [[بلاد الرافدين|للعِراق]]، المركز السياسي والاقتصادي للإمبراطوريَّة،<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1=Humphreys, R. Stephen|عنوان= Between Memory and Desire: The Middle East in a Troubled Age|صفحة= 180|سنة= [[1999]]|ناشر= University of California Press|لغة= en|isbn =0520214110|مسار=http://books.google.nl/books?id=WLY4GML3GBoC&pg=PA180&dq=iraq+political+economic+centre+sassanid&hl=en&sa=X&ei=f1InUfafIYuR0QW7wIGYBQ&ved=0CDAQ6AEwAA#v=onepage&q=iraq%20political%20economic%20centre%20sassanid&f=false|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20141021074922/http://books.google.nl/books?id=WLY4GML3GBoC&pg=PA180&dq=iraq+political+economic+centre+sassanid&hl=en&sa=X&ei=f1InUfafIYuR0QW7wIGYBQ&ved=0CDAQ6AEwAA|تاريخ أرشيف=21 أكتوبر 2014}}</ref> سنة [[11 هـ|11هـ]] المُوافقة لِسنة [[633]]م بِقيادة [[خالد بن الوليد]]، فبقي حتى استكمل فتح العراق بالكامل، ثُمَّ نُقل خالد بعد ذلك إلى الجبهة الروميَّة بالشَّام لاستكمال [[الفتح الإسلامي للشام|الفُتوحات]]، فتعرَّض المُسلمون في العراق لِهُجومٍ مُضادٍ من قِبل الفُرس مما أفقدهم ما فتحوه مع خالد بن الوليد. فبدأت الموجة الثانية من الفُتوحات تحت قيادة [[سعد بن أبي وقاص|سعد بن أبي وقَّاص]] سنة [[14 هـ|14هـ]] المُوافقة لِسنة [[636]]م، فكان النصر الحاسم في [[معركة القادسية|معركة القادسيَّة]] التي أنهت سيطرة الساسانيين على الجبهة الغربيَّة لِفارس. فانتقلت الحُدود الطبيعيَّة ما بين الدولة الإسلاميَّة الفتية والفُرس من العراق إلى [[زاغروس|جِبال زاگرُس]]. ولكن وبسبب الغارات المُستمرَّة للفُرس على العِراق، فقد أمر الخليفة [[عمر بن الخطاب|عُمر بن الخطَّاب]] بتجريد الجُيوش لِفتح سائر بِلاد فارس سنة [[21 هـ|21هـ]] المُوافقة لِسنة [[642]]م، ولم تمضي سنة [[23 هـ|23هـ]] المُوافقة لِسنة [[644]]م حتى استُكمل القضاء على تلك الإمبراطوريَّة وفتح فارس برُمَّتها.

هذا الفتح السريع لِبلاد فارس من خلال سلسلةٍ من الهجمات المُنسقة تنسيقًا جيدًا، والتي أدارها عُمر بن الخطَّاب من [[المدينة المنورة|المدينة المُنوَّرة]] على بُعد آلاف الأميال من ميادين المعارك في فارس، كانت له أعظم انتصار، وأكسبته سمعة كأحد أعظم العباقرة الإستراتيجيين والسياسيين في التاريخ.<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب |عنوان=The Muslim Conquest of Persia |الأول=A.I. |الأخير= Akram |الفصل=1 |isbn=978-0-19-597713-4|سنة=1975|لغة=en}}</ref> مُعظم المُؤرخين المُسلمين قد قالوا بأنَّ المُجتمع المدني في بلاد فارس عند بداية الفُتوحات الإسلاميَّة كان في حالة تدهورٍ وانحطاط، وبالتالي فإنهم احتضنوا تلك الجُيوش العربيَّة الغازية بأذرعٍ مفتوحة. كما أن مُنجزات الحضارة الفارسيَّة لم تُهمل، فقد تم استيعابها في النظام الإسلامي الجديد. بالمُقابل، يسعى عددٌ من المؤرخين الإيرانيين القوميين إلى إبراز وإظهار جانب المُقاومة القوميَّة للفُرس ضدَّ الفاتحين الجُدد، والتي استمرَّت سنواتٍ طويلة قبل أن يخضع الفُرس للمُسلمين.<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[عباس ميلاني|Milani, Abbas]]|عنوان= Lost Wisdom: Rethinking Persian Modernity in Iran|صفحة= 15|سنة= 2004|ناشر= Mage Publishers|مكان= Hoboken, N.J|لغة= en|isbn=0934211892}}</ref> استبدل الفُرس أبجديَّتهم [[أبجدية عربية|بالأبجديَّة العربيَّة]] بعد أن استقرَّ الحُكم الإسلامي في بِلادهم، وأقدموا على اعتناق الإسلام تدريجيًا، لكنَّهم لم يتعرَّبوا عكس بعض أهل [[بلاد الرافدين|العراق]]،<ref name="google.com.sa">{{استشهاد بكتاب|عنوان=تاريخ مدينة دمشق الجزء الأول|مؤلف=ابن عساكر الدمشقي|ناشر=دار الكتب العلمية|سنة=2012|صفحة=363|مسار= https://www.google.com.sa/books/edition/%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE_%D9%85%D8%AF%D9%8A%D9%86%D8%A9_%D8%AF%D9%85%D8%B4%D9%82_1_37_%D8%AC1/VpdLDwAAQBAJ?hl=en&gbpv=1&dq=%22%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D9%87%D9%85+%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9+%D9%81%D9%82%D8%A7%D8%AA%D9%84%D9%88%D8%A7%22&pg=PT362&printsec=frontcover|آخرون=مصطفى عبد القادر عطا|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20231101053330/https://www.google.com.sa/books/edition/%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE_%D9%85%D8%AF%D9%8A%D9%86%D8%A9_%D8%AF%D9%85%D8%B4%D9%82_1_37_%D8%AC1/VpdLDwAAQBAJ?hl=en&gbpv=1&dq=%22%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D9%87%D9%85+%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9+%D9%81%D9%82%D8%A7%D8%AA%D9%84%D9%88%D8%A7%22&pg=PT362&printsec=frontcover|تاريخ أرشيف=2023-11-01}}</ref><ref name="ReferenceA">{{استشهاد بدورية محكمة|مسار= https://www.google.com.sa/books/edition/%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A7%D8%AA/Cd0rAQAAIAAJ?hl=en&gbpv=1&bsq=%22%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A8%D8%A7%D8%A6%D9%84+%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A+%D8%A7%D8%B4%D8%AA%D8%B1%D9%83%D8%AA+%D9%81%D9%8A+%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%B1%D9%85%D9%88%D9%83%22&dq=%22%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A8%D8%A7%D8%A6%D9%84+%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A+%D8%A7%D8%B4%D8%AA%D8%B1%D9%83%D8%AA+%D9%81%D9%8A+%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%B1%D9%85%D9%88%D9%83%22&printsec=frontcover|تاريخ=1987|ناشر=الجامعة الأردنية مجلة دراسات|مكان=الأردن|المجلد=14|طبعة=10-12|عنوان=دراسات<!-- عنوان مولد بالبوت -->|تاريخ الوصول=2023-11-06|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20231101053331/https://www.google.com.sa/books/edition/%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A7%D8%AA/Cd0rAQAAIAAJ?hl=en&gbpv=1&bsq=%22%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A8%D8%A7%D8%A6%D9%84+%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A+%D8%A7%D8%B4%D8%AA%D8%B1%D9%83%D8%AA+%D9%81%D9%8A+%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%B1%D9%85%D9%88%D9%83%22&dq=%22%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A8%D8%A7%D8%A6%D9%84+%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A+%D8%A7%D8%B4%D8%AA%D8%B1%D9%83%D8%AA+%D9%81%D9%8A+%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%B1%D9%85%D9%88%D9%83%22&printsec=frontcover|تاريخ أرشيف=2023-11-01}}</ref> و[[بلاد الشام|الشَّام]] و[[مصر]]، وفضَّلوا الاحتفاظ بهويَّتهم القوميَّة الخاصَّة، وفي وقتٍ لاحق، امتزجت الثقافة الفارسيَّة بالثقافة الإسلاميَّة ونتج عنها ثقافةً جديدة مُميَّزة انعكست بشكلٍ واضح على أغلب أنحاء [[المشرق (مصطلح)|المشرق]].

== نُبوءة فتح فارس في المُعتقد الإسلامي ==
يؤمن [[مسلم|المُسلمون]] بأنَّ الرسول مُحمَّد تنبأ بفتح فارس على يد المُسلمين قبل سنواتٍ عديدةٍ من وُقوع هذا الأمر، كما أشار أنَّ أهلها سيُسلمون وسيحسُن إسلامهم بعد ذلك، ووردت في ذلك عدَّة أحاديث، ومن ذلك حديثٌ رواه الإمام [[مسلم بن الحجاج|مُسلم بن الحجَّاج]] في [[صحيح مسلم|صحيحه]] عن [[جابر بن سمرة|جابر بن سمُرة]] عن نافع بن عُتبة عن الرسول أنَّهُ قال: {{اقتباس مضمن|تَغْزُونَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ فَيَفْتَحُهَا اللهُ، ثُمَّ فَارِسَ فَيَفْتَحُهَا اللهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الرُّومَ فَيَفْتَحُهَا اللهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الدَّجَّالَ فَيَفْتَحُهُ اللهُ}}.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[مسلم بن الحجاج|النيسابوري، أبو الحُسين مُسلم بن الحجَّاج بن مُسلم]]|آخرون=مُحمَّد فؤاد عبد الباقي|عنوان= صحيح مُسلم|المجلد=4|صفحة= 2225|سنة= [[1374 هـ|1374هـ]] - [[1955]]م|ناشر= مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه|مكان= [[القاهرة]]|مسار=https://shamela.ws/book/1727/7218|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20221125185129/https://shamela.ws/book/1727/7218|تاريخ أرشيف=[[25 نوفمبر]] [[2022]]}}</ref> وفي حديثٍ آخر ورد في صحيح مُسلم، نقلًا عن جابر بن سمُرة أيضًا، أنَّ الرسول مُحمَّد قال: {{اقتباس مضمن|لَتَفْتَحَنَّ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ كَنْزَ آلِ كِسْرَى الَّذِي فِي الْأَبْيَضِ}}،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[مسلم بن الحجاج|النيسابوري، أبو الحُسين مُسلم بن الحجَّاج بن مُسلم]]|آخرون=مُحمَّد فؤاد عبد الباقي|عنوان= صحيح مُسلم|المجلد=4|صفحة= 2237|سنة= [[1374 هـ|1374هـ]] - [[1955]]م|ناشر= مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه|مكان= [[القاهرة]]|مسار=https://shamela.ws/book/1727/7263|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20221125190942/https://shamela.ws/book/1727/7263|تاريخ أرشيف=[[25 نوفمبر]] [[2022]]}}</ref> وعن [[عدي بن حاتم الطائي|عُدي بن حاتم الطائيّ]] قال: {{اقتباس مضمن| بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ {{صلى الله عليه وسلم}} إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ، فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ  فَشَكَا إِلَيْهِ قَطْعَ السَّبِيلِ، فَقَالَ: " يَا عَدِيُّ ، هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ ؟ " قُلْتُ : لَمْ أَرَهَا، وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا، قَالَ: " فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ ، فَلَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لا تَخَافُ أَحَدًا إِلا اللَّهُ "، قُلْتُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي: فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا الْبِلادَ ، "وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ ، لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزَ كِسْرَى"، قُلْتُ: كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ ؟ قَالَ: " كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ، فَلا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ…"}}.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن إسماعيل البخاري|البُخاري، أبو عبد الله مُحمَّد بن إسماعيل]]|آخرون=[[مصطفى ديب البغا]]|عنوان= صحيح البُخاري|طبعة= الخامسة|صفحة= 1316|المجلد=3|سنة= [[1414 هـ|1414هـ]] - [[1993]]م|ناشر= دار ابن كثير ودار اليمامة|مكان= [[دمشق]]|مسار=https://shamela.ws/book/735/5579|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20221125190641/https://shamela.ws/book/735/5579|تاريخ أرشيف=[[25 نوفمبر]] [[2022]]}}</ref> وأشار عُدي إلى أنَّه رأى الظعينة ترتحل من الحيرة حَتَّى تطوف [[الكعبة|بالكعبة]] لا تخاف إلا الله، وكان فيمن افتتحوا كُنوز [[كسرى الثاني|كسرى]] بن هُرمز بالفعل.<ref>{{استشهاد بموسوعة|موسوعة= موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة|عنوان= هلاك كسرى وقیصر وزوال ملكهما|مسار= http://www.quran-m.com/firas/arabicold/print_details.php?page=show_det&id=841|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20150924083820/http://www.quran-m.com/firas/arabicold/print_details.php?page=show_det&id=841|تاريخ أرشيف= [[24 سبتمبر]] [[2015]]}}</ref> وورد في [[سنن النسائي|سُنن النسائي]] رواية مفادها أنَّ الرسول مُحمَّد عندما كان و[[الصحابة|أصحابه]] يحفرون [[غزوة الخندق|الخندق]] حول [[المدينة المنورة|المدينة]] للحيلولة بينها وبين مُشركي [[قريش|قُريش]]، ظهرت لهم [[صخر]]ة حالت بينهم وبين الحفر، فقام النبيّ [[محمد]] وأخذ المِعول ووضع ردائه ناحية الخندق وقال: {{قرآن|وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}}، وضرب الحجر فكسر ثُلثه، وينقُلُ [[سلمان الفارسي]]ّ أنَّ [[برق|البرق]] لمع مع تلك الضربة، وكرَّر ذلك ثلاثًا حتَّى كسر الصخرة كُلَّها، ثُمَّ خرج وجلس، فسألهُ سلمان: {{اقتباس مضمن|يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُكَ حِينَ ضَرَبْتَ مَا تَضْرِبُ ضَرْبَةً إِلَّا كَانَتْ مَعَهَا بَرْقَةٌ}}، فقال لهُ النبيّ: {{اقتباس مضمن|يَا سَلْمَانُ رَأَيْتَ ذَلِكَ؟}}، فردَّ عليه: {{اقتباس مضمن|إِي وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ}}، قال: {{اقتباس مضمن|فَإِنِّي حِينَ ضَرَبْتُ الضَّرْبَةَ الْأُولَى رُفِعَتْ لِي مَدَائِنُ كِسْرَى وَمَا حَوْلَهَا وَمَدَائِنُ كَثِيرَةٌ، حَتَّى رَأَيْتُهَا بِعَيْنَيَّ}}، فسأله سلمان: {{اقتباس مضمن|ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَفْتَحَهَا عَلَيْنَا وَيُغَنِّمَنَا دِيَارَهُمْ، وَيُخَرِّبَ بِأَيْدِينَا بِلَادَهُمْ}}، فدعا النبيُّ بذلك.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[أحمد بن شعيب النسائي|النسائي، أبو عبد الرحمٰن أحمد بن شعيب بن علي بن سنان]]|عنوان= سُنن النسائي|طبعة= الأولى|صفحة= 43|المجلد=6|سنة= [[1348 هـ|1348هـ]] - [[1930]]م|ناشر= المكتبة التجارية الكبرى|مكان= [[القاهرة]]|مسار=https://shamela.ws/book/829/4792|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20221125193245/https://shamela.ws/book/829/4792|تاريخ أرشيف=[[25 نوفمبر]] [[2022]]}}</ref>

== العلاقات العربيَّة الفارسيَّة قبل الفُتوح ==
{{أيضا|يوم ذي قار}}
{{صور متتابعة
| رصف    = right
 | اتجاه = vertical
 | عرض   = 180
 | صورة1 = Parthian Empire at its greatest extent.png
 | تعليق1= [[الإمبراطورية الفرثية|الدَّولة الأشكانيَّة]] في أقصى اتساعها، وتظهرُ حدودها شاملةً [[عراق العرب]] و[[إقليم البحرين|البحرين]]
 | صورة2 = Sassanid Empire 620-627.svg
 | تعليق2= الإمبراطوريَّة الساسانيَّة في أقصى اتساعها وتظهرُ حدودها شاملةً [[عراق العرب]] و[[بلاد الشام|الشَّام]] و[[إقليم البحرين|البحرين]] وعُمان واليمن، وجميعُها من بلاد العرب أو من البلاد ذات الوُجود العربي الملحوظ
}}
[[ملف:Kamal-ud-din Bihzad 001.jpg|تصغير|[[مناذرة|المناذرة]] يُشيدون [[قصر الخورنق]] بإيعازٍ من الشاهنشاه [[يزدجرد بن سابور|يزدجرد الأثيم]].]]
تجاور الفُرسُ والعربُ في شمال شبه الجزيرة العربيَّة طيلة مئات السنين، كما سيطر الفُرس على شرق شبه الجزيرة وكان لهم نُفوذٌ ب[[إقليم اليمن|اليمن]]، فكانت العلاقة بين الطرفين تتخذُ شكل التبعيَّة السياسيَّة غالبًا. أضحت المنطقة المُجاورة [[الفرات|للفُرات]] الجنوبي هدفًا لِهجرة [[قبيلة|قبائل]] عربيَّة في عصر [[ملوك طوائف الإسكندر|مُلوك طوائف الإسكندر]]{{للهامش|1}}، وينسب الإخباريّون هذه الهجرة إلى [[تنوخيون|قبائل تنّوخ]]. والتنّوخيّون هم بحسب [[محمد بن جرير الطبري|الطبري]] تكتّلٌ قديمٌ بين جماعة عربيَّة يمنيَّة قديمة، وبعض القبائل الشماليَّة، من بني [[معد بن عدنان]]، [[قيس عيلان|كقيس عيلان]] و[[أزد|الأزد]] و[[قضاعة (قبيلة)|قضاعة]]، و[[كهلان]]، و[[بنو لخم|لخم]]، مُتآزرة مُتناصرة مُجتمعة في [[إقليم البحرين|البحرين]]، مُتوسِّعة بانضمام قبيلة نمارة إليها.<ref name="المناذرة">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الأوَّل|طبعة= الثانية|صفحة= 609 - 612|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وعند العلَّامة الأب [[لويس شيخو|لويس شيخو اليسوعي]] هم تكتلٌ من ثلاث قبائل من [[مسيحيون عرب|نصارى العرب]] هي: بهراء وتنّوخ و[[تغلب]]، اجتمعوا في البحرين.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[لويس شيخو|شيخو اليسوعي، العلَّامة الأب لويس]]|عنوان= بيروت تاريخها وآثارها|طبعة= الثالثة|صفحة= 67|سنة= [[1994]]م|ناشر= [[دار المشرق]]. ISBN 272141031|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وأخذت هذه القبائل تتطلَّع إلى النُزوح إلى مشارف العراق بهدف الاستقرار، وسنحت لها الفُرصة عندما نشب في بلاد فارس الصِّراع على السُلطة في أواخر عهد [[الإمبراطورية الفرثية|الدولة الأشكانيَّة]]، فهاجرت إلى الحيرة و[[الأنبار (مدينة)|الأنبار]]. أقام التنّوخيّون في [[الحيرة]] في ظل النُفوذ الفارسيّ، يُدينون بالولاء للفُرس إلى أن قدم إليها تبَّع [[أسعد الكامل|أسعد أبو كرب بن مليكيكرب الحِميري]]، فخلَّف فيها جماعةً من جُنده ممن لم يقووا على المضيِّ معه، وأمَّ [[بدو|البدو]] المدينة لابتياع حاجاتهم، ولم يلبثوا أن أقاموا فيها، فأضحى سُكَّان المدينة أخلاطًا من قبائل العرب.<ref name="المناذرة"/> وفي عهد الملك [[جذيمة الأبرش|جُذيمة الوضَّاح بن مالك بن فهم الأبرش]]، توسَّع عرب الحيرة على حساب الفُرس الإشكانيين الذين كانت دولتهم قد أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، فشنّوا الغارات على قبائل الأعراب، وسيطر جُذيمة الأبرش على الأنبار و[[بقة (مدينة)|بقّة]] و[[هيت]] و[[عين تمر|عين التمر]] وأطراف البر إلى الغمير وال[[قطقطانة]] وما وراء ذلك، وامتدَّت سيطرته إلى الضفَّة الشرقيَّة لِنهر الفُرات، وغزا [[طسم وجديس|طسمًا وجُديسًا]] بعد سُقوط الدولة الأشكانيَّة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[اليعقوبي|اليعقوبي، أبو العبَّاس أحمد بن إسحٰق بن جعفر بن وهب بن واضح]]|مؤلف2= تحقيق: عبدُ الأمير مُهنَّا|عنوان= [[تاريخ اليعقوبي]]، الجزء الأوَّل|طبعة= الأولى|صفحة= 254|سنة= [[1993]]م |ناشر= مؤسسة الأعلمي للمطبوعات|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>

حالف جُذيمة الأبرش الإمبراطوريَّة الساسانيَّة بعد قيامها، فأمَّن لِنفسه صداقتها، وتجنَّب مصير الممالك العربيَّة التي آلت إليه، كالحضر. خلف اللخميّون التنوخيّون في مملكة الحيرة، وعمد أوَّل ملوكهم، وهو [[عمرو بن عدي|عمرو بن عُدي بن نصر اللخميّ]] إلى التحالف مع الفُرس الساسانيين مُتبعًا خُطى سلفه، وقد استغلَّ الفُرس هذا الحلف لِتحقيق أطماعهم في السيطرة على شمالي [[بلاد الرافدين]]، التي فتحها عمرو بن عُدي بعد سُقوط [[مملكة الحضر]].<ref name="المناذرة2">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الأوَّل|طبعة= الثانية|صفحة= 627|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> ولمَّا تولّى [[امرؤ القيس بن عمرو (الأول)|امرؤ القيس بن عمرو]] العرش، عيَّنه الشاه [[سابور الأول|شاپور الأوَّل بن أردشير]] على فرج العرب من [[ربيعة (قبيلة)|ربيعة]] و[[مضر]] وسائر من ببادية العراق والحجاز و[[الجزيرة الفراتية|الجزيرة الفُراتيَّة]]<ref name="المناذرة2"/> تقديرًا لِفُتوحاته العظيمة باسم الإمبراطوريَّة الساسانيَّة والتي بلغت أسوار [[نجران]]، كما يُستدلُّ من الكتابة المنقوشة على [[نقش النمارة|قبره]] بالخط النبطيّ واللسان العربي الشماليّ، في خرائب النمارة [[حوران|بحوران الشَّام]].<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[رينيه ديسو|ديسو، رينيه]]|مؤلف2= ترجمة وتحقيق عبدُ الحميد الدواخلي|عنوان=تاريخ العرب في سوريا قبل الإسلام|طبعة= الأولى|صفحة= 36|سنة= [[1959]]م|ناشر= لجنة التأليف والترجمة|مكان= [[القاهرة]] - [[الجمهورية العربية المتحدة|الجُمهوريَّة العربيَّة المُتحدة]]}}</ref> وفي زمن [[النعمان بن امرئ القيس|النُعمان السائح بن امرئ القيس]]، عهد الشاهنشاه [[يزدجرد بن سابور|يزدجرد الأثيم]] بابنه الوليد [[بهرام جور|بهرام گور]] إلى الملك سالِف الذِكر وأمره ببناء منزلٌ على ظهر الحيرة بريءٌ من الأدواء والأسقام كي يشبَّ ابنه صحيحًا فصيحًا، بعد أن ابتُلي بوفاة جميع أبناءه الرُضَّع، فابتنى له النُعمان [[قصر الخورنق]]، فكافأه الشاهنشاه بأن ملَّكهُ على العرب، ومنحهُ مرتبتين سُنيتين وكِسوة على قدر منزلته، واعتنى النُعمان بتربية الأمير حتّى شبَّ ومات والده.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الثاني|طبعة= الثانية|صفحة= 67|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وعمل المُنذر بن النُعمان على دعم ومُساعدة بهرام گور حتَّى يصل إلى عرش فارس، بعد أن حاول بعض أهل مملكته إقصاءه عن سُدَّة الحُكم لِنُشوئه في بلاد العرب وتخلُّقه بأخلاقهم وعاداتهم وتقاليدهم، بما في ذلك التقاليد المسيحيَّة التوحيديَّة التي دخلت واستقرَّت في نُفوس عرب الحيرة، ولأنَّهُ من وِلد يزدجرد الأثيم الذي اشتهر بِسوء السيرة، فقدَّم المُنذر قوَّةً عسكريَّةً إلى بهرام گور مكَّنتهُ من استرجاع عرشه، وبذلك زادت مكانته في البلاط السَّاسانيّ.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[اليعقوبي|اليعقوبي، أبو العبَّاس أحمد بن إسحٰق بن جعفر بن وهب بن واضح]]|مؤلف2= تحقيق: عبدُ الأمير مُهنَّا|عنوان= [[تاريخ اليعقوبي]]، الجزء الأوَّل|طبعة= الأولى|صفحة= 205|سنة= [[1993]]م |ناشر= مؤسسة الأعلمي للمطبوعات|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>
[[ملف:Khosrau I Textile.jpg|تصغير|مُنمنمة على منسوجة صوفيَّة مصريَّة، منسوخة عن مُنمنة فارسيَّة ساسانيَّة، منسوخة بدورها عن لوحةٍ جصيَّة تُظهرُ الشاه [[كسرى الثاني]] يُقاتلُ الجيش [[مملكة أكسوم|الأكسومي]] [[الإمبراطورية الإثيوبية|الحبشيّ]] في [[إقليم اليمن|اليمن]].]]
[[ملف:Joseph Dhu Nuwas Portrait.jpg|تصغير|يمين|[[ذو نواس|ذو نوَّاس يُوسُف أسأر الحِميري]]، حليف الفُرس وصاحب المحرقة المسيحيَّة في نجران.]]
عمل الفُرس أيضًا على التحالف مع عرب الجنوب، كما عرب الشمال، وذلك بهدف مُقاومة النُفوذ الرومي في جنوب شبه الجزيرة العربيَّة، الذي انتشر عبر حليفة الروم، أي [[مملكة أكسوم|مملكة أكسوم الحبشيَّة]]، بواسطة التجارة و[[تبشير بالإنجيل|التبشير]] [[المسيحية|بالمسيحيَّة]] بين اليمنيين. ففي الوقت الذي كانت فيه الحبشة تتلقى تشجيعًا من الإمبراطور البيزنطي [[قنسطنس|فلاڤيوس يوليوس قسطنس]] الذي كان يهدف إلى نشر الدين المسيحيّ في بلاد العرب، كان بعضُ النُبلاء ومُلوك اليمن يتذمرون من تنامي النُفوذ الحبشي والرومي، فقاموا بُمحاربة المسيحيَّة السياسيَّة عبر فكرٍ دينيٍّ سياسيٍّ آخر، فجلب الملك أبو كرب أسعد الديانة [[اليهودية|اليهوديَّة]] من [[يثرب]] ودعا اليمنيين إلى اعتناقها ففعلوا، وهدموا العديد من الهياكل والمعابد المُكرَّسة للآلهة الوثنيَّة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن سعيد المغربي|ابنُ سعيدٍ الأندلُسيّ، نورُ الدين أبو الحسن عليّ بن موسى العنسيّ]]|مؤلف2= تحقيق الدكتور نصرت عبد الرحمٰن|عنوان= نشوة الطرب في تاريخ جاهليَّة العرب|طبعة= الأولى|صفحة= 149|سنة= [[1982]]م|ناشر= مكتبة الأقصى|مكان= [[عمان (مدينة)|عمَّان]] - [[الأردن]]}}</ref> بناءً على هذا، وجد الفُرس أنَّ اليمن قد أصبحت أرضًا خصبةً لامتداد نُفوذهم إليها، فتطلَّعوا إلى التحالف مع [[يهود اليمن|اليهود]] والمذاهب النصرانيَّة المُناهضة للبيزنطيين مثل [[نسطورية|النُسطوريَّة]]، فدعموا اليهود حتَّى تحكّموا باليمن طيلة [[القرن 5|القرن الخامس الميلاديّ]]، فقبضوا على أجهزة [[مملكة حمير|المملكة الحِميريَّة]] وبخاصَّةً الماليَّة، وسيطروا على المراكز المُهمَّة حتَّى الملكيَّة نفسها، فكان جميع مُلوك حِمير مُنذُ عهد أبو كرب أسعد (400م) حتَّى عهد مرثد إلن (495م) مُتهودين باستثناء عبد كلال بن مُثوّب، لكنَّ الحال لم يستمر هكذا، فتراجع النُفوذ الفارسيّ أمام الروميّ، وانتشرت المسيحيَّة في طول البلاد وعرضها، واستحال النصارى هم سادة [[إقليم اليمن|اليمن]] الحقيقيين.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= طقّوش، مُحمَّد سُهيل|عنوان= تاريخ العرب قبل الإسلام|طبعة= الأولى|صفحة= 314|سنة= [[1430 هـ|1430هـ]] - [[2009]]م|ناشر= دار النفائس|ردمك= 9789953184654|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> ولم يرضى بعضُ المُلوك برؤية تنامي النُفوذ البيزنطي مُجددًا في بلادهم، ومن هؤلاء [[ذو نواس|ذو نوَّاس يُوسُف أسأر الحِميري]]، الذي اعتنق اليهوديَّة كي يُحارب بها المسيحيَّة السياسيَّة، ويبدو أنَّهُ رأى أنَّ استقرار حُكمه يتوقَّف على القضاء على الذين يُصدّرون المسيحيَّة إلى اليمن وبقاء اليمن مُوالية لِفارس، فاضطهد النصارى اضطهادًا شديدًا، حيثُ جمع [[مسيحيو نجران|أهل نجران]] وخيَّرهم بين العودة إلى الوثنيَّة أو الموت حرقًا، ففضَّل مُعظهم الموت في سبيل الإيمان، فحفر ذو نوَّاس أخاديد في الأرض وألقى المسيحيين فيها مع [[إنجيل|أناجيلهم]] وأضرم فيهم النار أحياء،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[اليعقوبي|اليعقوبي، أبو العبَّاس أحمد بن إسحٰق بن جعفر بن وهب بن واضح]]|مؤلف2= تحقيق: عبدُ الأمير مُهنَّا|عنوان= [[تاريخ اليعقوبي]]، الجزء الأوَّل|طبعة= الأولى|صفحة= 51|سنة= [[1993]]م |ناشر= مؤسسة الأعلمي للمطبوعات|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[عبد الملك بن هشام|ابن هشام، أبو مُحمَّد عبدُ الملك الحِميري المعافري]]|مؤلف2= تحقيق مُصطفى السقَّا و[[إبراهيم الإبياري|إبراهيم الأبياري]] وعبد الحفيظ الشلبي|عنوان= [[السيرة النبوية لابن هشام|السيرة النبويَّة لابن هشام]]، الجزء الأوَّل|طبعة= الثانية|صفحة= 51|سنة= [[1375 هـ|1375هـ]] - [[1955]]م|ناشر= شركة مكتبة ومطبعة مُصطفى البابي الحلبي وأولاده |مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> ووردت تلك القصَّة في [[القرآن|القُرآن]] [[سورة البروج|بِسورة البُروج]]: {{قرآن|البروج|4|إلى آية=8}}. عند ذلك ثارت حفيظة بيزنطية وعقدت العزم على عزل ذي نوَّاس عن حُلفائه الفُرس، فتمَّ إبرام صُلح بين الروم والفُرس تخلَّت فارس بموجبه عن مصالحها في اليمن.

استمرَّ عربُ الشمال في [[عراق العرب|العراق]] مُوالين للفُرس طيلة السنوات اللاحقة على تراجع نُفوذ فارس في [[إقليم اليمن|اليمن]]، فعاونوهم في مُواجهة البيزنطيين وحُلفائهم الغساسنة، فقدَّم ملك الحيرة المُنذر بن امرئ القيس بن ماء السماء عونًا كبيرًا للفُرس في [[الحرب الإيبيرية|حربهم]] مع [[روم بيزنطيون|الروم]]، وكان رأس الحربة التي شغلت بيزنطية وجُيوشها عُقودًا طويلة، وأكمل ابنه عمرو بن المُنذر هذا النهج فأغار على الغساسنة وأجبرهم على دفع الأتاوة، ووسَّع نُفوذه حتَّى شمل العراق كُلَّه و[[الأردن]] حتَّى اليمامة، وغزا بني تغلب وطيء وتميم.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[أبو الفرج الأصفهاني|الأصفهاني، أبو الفرج عليّ بن الحُسين]]|مؤلف2= تحقيق الدكتور [[إحسان عباس|إحسان عبَّاس]] والدكتور إبراهيم السعافين والأستاذ بكر عبَّاس|عنوان= [[كتاب الأغاني]]، الجزء الحادي عشر|طبعة= الثالثة|صفحة= 55 - 56|سنة= [[1429 هـ|1429هـ]] - [[2008]]م|ناشر= دار صادر|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وفي عهد أبو قابوس النُعمان بن المُنذر، تدهورت علاقات [[عرب]] الحيرة مع الفُرس، فألقى كسرى القبض على النُعمان وحبسه حتَّى مات.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير الجزري، عزُّ الدين أبي الحسن عليّ بن أبي الكرم مُحمَّد بن مُحمَّد بن عبدُ الكريم بن عبد الواحد الشيباني]]|مؤلف2= تحقيق أبو الفداء عبدُ الله القاضي|عنوان= [[الكامل في التاريخ]]، الجزء الأوَّل|طبعة= الأولى|صفحة= 440 - 441|سنة= [[1407 هـ|1407هـ]] - [[1987]]م|ناشر= دار الكُتب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وانتهى بوفاة النُعمان حُكم اللخميين أو المناذرة في الحيرة، لأنَّ كسرى عيَّن مكانه رجلًا من طيء اسمه [[إياس بن قبيصة الطائي|إياس بن قُبيصة]]،<ref name="ذي قار">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الثاني|طبعة= الثانية|صفحة= 193 - 195|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وقد أدّى زوال أُسرة المناذرة إلى تحطيم الحاجز الذي أقامه الفُرس أمام [[عرب|العرب]]، فانكشفت الإمبراطوريَّة الساسانيَّة، ووقفت القبائل العربيَّة وجهًا لوجه أمامها، إذ لم تصُدُّهم قُوَّة، فأخذوا يشُنون الغارات على أطراف الإمبراطوريَّة في [[عراق العرب|العراق]] وساعدهم على ذلك الاضطراب الداخليّ بفعل الصِراع على السُلطة وانهماك [[كسرى الثاني|كسرى]] بالحرب مع البيزنطيين، وتوغَّل بعضهم داخل العراق، وما لبث أن اشتبك [[عرب|العرب]] والفُرس في مُواجهةٍ كبيرة عُرفت باسم «[[يوم ذي قار|معركة ذي قار]]» أو «[[يوم ذي قار]]» عندما أراد كسرى استرجاع مال وسلاح النُعمان بن المُنذر وكان الأخير قد أودعه لدى [[هانئ بن مسعود الشيباني]]، ورفض هذا تسليمه، فأراد كسرى استرجاعه بالقوَّة، لكنَّ جيشه انهزم أمام العرب وولّى الأدبار.<ref name="ذي قار"/> عزل الفُرس على أثر خسارتهم في [[يوم ذي قار|ذي قار]]، إياس بن قُبيصة الطائيّ عن حُكم الحيرة، وعيَّنوا عليها حاكمًا فارسيًا هو آزاذبه بن ماهان الهمذاني، إلَّا أنَّ هذا لم يتمكّن من إن يُعيد الثقة التي كانت بين المناذرة والأكاسرة وأن يُحسِّن العلاقة التي ساءت بين [[عرب|العرب]] والفُرس، فاستقلَّت القبائل العربيَّة التي ارتبطت بالإمبراطوريَّة الساسانيَّة في [[إقليم البحرين|البحرين]] وأواسط شبه الجزيرة العربيَّة، ما اضطرَّ الفُرس إلى أعادة أحد أبناء النُعمان، وهو المُنذر المغرور، إلى حُكم الحيرة، وفي روايةٍ أُخرى أنَّ [[عرب]] الحيرة استغلّوا الاضطراب الدَّاخليّ في فارس بفعل الصراع على السُلطة، فعزلوا آزاذبه وأقاموا المُنذر مكانه، ولم يكن أمام الأكاسرة سوى الاعتراف بالأمر الواقع.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن خلدون|ابن خلدون، أبو زيد عبدُ الرحمٰن مُحمَّد بن مُحمَّد وليُّ الدين الحضرميّ الإشبيليّ]]|مؤلف2= تحقيق خليل شحادة|عنوان= [[العبر وديوان المبتدأ والخبر|تاريخ ابن خلدون المُسمّى كتاب العِبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر]]، الجزء الثاني|طبعة= الثانية|صفحة= 268|سنة= [[1408 هـ|1408هـ]] - [[1988]]م|ناشر= دار الفكر|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وفي تلك الفترة، كان الرسول مُحمَّد قد وطَّد دعائم الدولة الإسلاميَّة في [[المدينة المنورة|المدينة المُنوَّرة]]، وأرسل [[رسائل النبي محمد|العديد من الرسائل]] إلى الحُكَّام المُجاورين، ومنهم نجاشي الحبشة [[أصحمة النجاشي|أصحمة بن أبجر]]، و[[هرقل]] قيصر الروم، و[[المقوقس|المُقوقس قيرس السَّكندري]] عامل الروم على مصر، و[[كسرى الثاني]] شاه فارس، يدعوهم فيها إلى [[الإسلام]]، وقد قام [[عبد الله بن حذافة السهمي|عبدُ الله بن حُذافة السهميّ]] بنقل رسالة الرسول إلى [[كسرى الثاني|كسرى]]، وكان نص الرسالة كالتالي: {{اقتباس مضمن|{{بسملة 3}}،  مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى كِسْرَى عَظِيمِ فَارِسَ، سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، وَآمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَشَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ وَأَدْعُوكَ بِدُعَاءِ اللَّهِ، فَإِنِّي أَنَا رَسُولُ اللَّهِ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً؛ لأُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ. فَإِنْ تُسْلِمْ تَسْلَمْ، وَإِنْ أَبَيْتَ فَإِنَّ إِثْمَ الْمَجُوسِ عَلَيْكَ}}.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن سعد البغدادي|ابن سعد البغدادي، أبو عبدُ الله مُحمَّد]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد عبدُ القادر عطا|عنوان= [[كتاب الطبقات الكبير]]، الجزء الأوَّل|طبعة= الأولى|صفحة= 360|سنة= [[1410 هـ|1410هـ]] - [[1990]]م|ناشر= دار الكُتب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير الجزري، عزُّ الدين أبي الحسن عليّ بن أبي الكرم مُحمَّد بن مُحمَّد بن عبدُ الكريم بن عبد الواحد الشيباني]]|مؤلف2= تحقيق أبو الفداء عبدُ الله القاضي|عنوان= [[الكامل في التاريخ]]، الجزء الثاني|طبعة= الأولى|صفحة= 389|سنة= [[1407 هـ|1407هـ]] - [[1987]]م|ناشر= دار الكُتب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الثاني|طبعة= الثانية|صفحة= 295 - 296|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وقد أثارت تلك الرسالة غضب [[كسرى الثاني|كسرى]]، فأمسكها ومزَّقها وقال: {{اقتباس مضمن|عَبْدٌ مِنْ رَعِيَّتِي يَكْتُبُ اسْمُهُ قَبْلِي}}، وسبَّ النبيّ، فلمَّا بلغته هذه الكلمات دعا على شاه فارس وقال: {{اقتباس مضمن|مَزَّقَ اللَّهُ مُلْكَهُ}}.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن قيم الجوزية|ابن قيم الجوزيَّة، مُحمَّد بن أبي بكر بن أيّوب بن سعد شمسُ الدين]]|عنوان= [[زاد المعاد في هدي خير العباد]]، الجزء  الثالث|طبعة= السابعة والعشرون|صفحة= 689|سنة= [[1415 هـ|1415هـ]] - [[1994]]م|ناشر= مؤسسة الرسالة، ومكتبة المنار الإسلاميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]؛ [[مدينة الكويت|الكويت]] - [[الكويت|دولة الكويت]]}}</ref>

== أوضاع الإمبراطوريَّة الساسانيَّة عشيَّة الفُتوح الإسلاميَّة ==
=== الوضع السياسي ===
[[ملف:The assassination of Chosroës Parvez.jpg|تصغير|يمين|مُنمنمة فارسيَّة تُظهر اغتيال كسرى الثاني، وبداية دور الضعف والانحلال في الإمبراطوريَّة الساسانيَّة.]]
أخذ الضعف يدُبُّ في فارس بعد اغتيال [[كسرى الثاني]] سنة 628م عقب هزيمته على يد الروم في الشَّام ومصر، فتسلَّط على الحُكم أحد القادة ويُدعى «شهريار»، فثار عليه الأُمراء وقتلوه ونصبوا مكانه طفلًا اسمه «جوانشير»، وهو ابن كسرى الثاني من زوجه [[شيرين (ملكة فارسية)|شيرين]]، ثُمَّ قُتل فخلفته أخته «[[بوران دخت|بوران]]» (أو [[بوران دخت|بوراندخت]]).<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[أبو حنيفة الدينوري|الدينوري، أبو حنيفة أحمد بن داود]]|مؤلف2= تحقيق عبد المنعم عامر|مؤلف3= مُراجعة الدكتور [[جمال الدين الشيال|جمالُ الدين الشيَّال]]|عنوان= [[الأخبار الطوال]]|طبعة= الأولى|صفحة= 111|سنة= [[1960]]م|ناشر= دار إحياء الكتاب العربي |مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> دام حُكمُ بوران سنة وأربعة أشهر قبل أن تخلفها أختها «آرزميدخت». وظهر في عهدها القائد [[رستم فرخزاد|رُستم فرّخزاد]] كأحد القادة الأقوياء، ويبدو أنَّه استاء من تولّي امرأة عرش الأكاسرة الساسانيين، كما حنق عليها لِقتلها والده «فرخ‌هرمز» في مُناسبةٍ سابقة، فزحف نحو [[المدائن|العاصمة]] واستولى عليها وعزل الملكة وسمل عينيها.<ref name="طقوش1">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= طقّوش، مُحمَّد سُهيل|عنوان= تاريخ الخُلفاء الرَّاشدين: الفُتوحات والإنجازات السياسيَّة|طبعة= الأولى|صفحة= 94|سنة= [[1424 هـ|1424هــ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|ردمك= 9953181012|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وتتابع على الحُكم حُكَّامٌ ضعاف مثل هُرمز الخامس وكسرى الرَّابع، لكن لم يكن مُعترفًا بهما إلَّا في بعض أجزاء البلاد. ثُمَّ تولّى عرش الإمبراطوريَّة الساسانيَّة أحد عشر ملكًا على مدى أربع سنوات كان آخرهم [[يزدجرد الثالث]] ابن الأمير شهريار الذي استولى على الحُكم بمُساعدة القائد رُستم سالِف الذِكر.<ref name="طقوش1"/> وفي واقع الأمر لم يكن الشاه الأخير سوى دُمية صوريَّة بيد رُستم، الذي أضحى الحاكم الفعليّ للإمبراطوريَّة المُتداعية، وفق عُرفٍ كان قد شاع مُنذ السنوات التي تلت موت كسرى الثاني، إذ مال التطوّر شيئًا فشيئًا نحو التسلُّط العسكريّ، واستقلَّ كُل قائد ووالي بولايته أو إقطاعه، وكأنَّهُ وراثي، وبخاصَّةٍ عندما هوت الأُسرة المالكة إلى تدهورها النهائيّ. وقد كثُرت مُحاولات اغتصاب السُلطة من قِبل القادة. ويُعدُّ تسلُّط هؤلاء آخر مرحلة من مراحل التطوّر السياسي أيَّام الساسانيين. ولكنَّ نظام الإقطاع الذي برز في هذه المرحلة لم يكن لديه مُتسعٌ من الوقت ليتَّحد قبل الفتح الإسلامي. ومُنذُ عهد فيروز الثاني الذي تولّى الحُكم بعد آرزميدخت، كانت جميع الأقاليم الواقعة شرقيّ مدينة [[مرو الروذ]] في [[خراسان الكبرى|خُراسان]] خارجة عن سُلطة الدولة، ولم تكن [[هراة]] نفسها تابعة للساسانيين. وخضعت الولايات الواقعة على شواطئ [[بحر قزوين]] للديالمة، واستقرَّت الولايات الشماليَّة والشرقيَّة في أيدي مُلوك وأُمراء مُستقلين. وقد حاول رُستم جاهدًا أن يعمل على إعادة اللُحمة والقوَّة إلى الدولة، لكنَّهُ وجد نفسهُ عاجزًا عن وقف زحف المُسلمين الجارف.<ref name="طقوش1"/> ومن الجدير بالذِكر أنَّ البعض قد اعتبر أنَّ ضم [[مناذرة|مملكة الحيرة]] إلى الفُرس أحد أهم عوامل سُقوط الإمبراطوريَّة الساسانيَّة أمام جحافل الجيوش الإسلاميَّة وسهَّل فتح فارس أمامهم، حيث وافق [[مناذرة|المناذرة]] بأن يكونوا جواسيس للمُسلمين بعد هزيمتهم في [[معركة الحيرة]] أمام [[خالد بن الوليد]].<ref group="ْ">Iraq After the Muslim Conquest By Michael G. Morony، pg. 233</ref>

=== الوضع الاجتماعي ===
[[ملف:Sassanid Music Plate 7thcentury.jpg|تصغير|يمين|لوحة من [[القرن 7|القرن السَّابع الميلادي]] تُصوَّر موسيقيي العصر الساساني يعزفون أمام أحد النُبلاء.]]
كان المُجتمع الفارسي الساساني قائمًا على نظام مُلزم للطبقات وفق هيكلٍ أنشأه مؤسس هذه السُلالة الشاه [[أردشير الأول|أردشير بن بابك]]، وقد بقي هذا الهيكل الاجتماعيّ والإداريّ من الأُمور المُقدَّسة التي لا تحتمل التغيير حتَّى أواخر عهد الإمبراطوريَّة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= كريستنسن، آرثر|مؤلف2= ترجمة وتحقيق يحيى الخشَّاب وعبد الوهَّاب عزَّام|عنوان= إيران في عهد الساسانيين|طبعة= الأولى|صفحة= 84 - 85|سنة= [[1998]]م|ناشر= [[الهيئة المصرية العامة للكتاب|الهيئة المصريَّة العامَّة للكتاب]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> ونصَّت [[أبستاق|الأبستاق]]، أي الكتاب المُقدَّس [[مجوس|للمجوس]]، على ثلاث طبقات اجتماعيَّة باستثناء طبقة الحُكَّام، هي: رجالُ الدين، ورجالُ الحرب والحرَّاثين، وأصحاب المهن والحِرف. غير أنَّ تطوّر الحياة العامَّة في الإمبراطوريَّة، أفرز نظامًا سُباعيًا على أساس سبع طبقات، وقُسِّمت كُل طبقة بدورها إلى عدَّة أقسام. كانت '''الطبقة الأولى''' تتكوَّن من المُلوك والأُمراء وحُكَّام الولايات، وعلى رأسهم شاه فارس الذي يحكم وفقًا لِنظريَّة الحق الإلهي المُقدَّس للمُلوك، ويحمل لقب «شاهَنشاه» أي «ملك المُلوك»، ويُدعى حاكم الولاية «مرزبان» ويحمل لقب «شاه» أي «ملك». والإمارة وراثيَّة شرط الالتزام بما يفرضه الشاهَنشاه من تدابير يتمثَّل بعضها بالتزام الأمير المُقطع وضع قوَّاته العسكريَّة تحت تصرُّفه وتأدية جزية مُعيَّنة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= كريستنسن، آرثر|مؤلف2= ترجمة وتحقيق يحيى الخشَّاب وعبد الوهَّاب عزَّام|عنوان= إيران في عهد الساسانيين|طبعة= الأولى|صفحة= 89|سنة= [[1998]]م|ناشر= [[الهيئة المصرية العامة للكتاب|الهيئة المصريَّة العامَّة للكتاب]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وكانت '''الطبقة الثانية''' هي طبقة الأشراف، ويُشكِّلُ هؤلاء الطبقة القويَّة المُكوَّنة من رؤساء الأُسر السبع المُمتازة، ولِكُلِّ أسرةٍ من هذه الأُسر منطقة نُفوذ تُقيمُ فيها إلى جانب انخراط أفرادها في البلاط، ويحتكرون بعض الوظائف العامَّة مثل تتويج الملك والتعبئة العسكريَّة وإدارة شؤون الحرب وجباية الضرائب.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= كريستنسن، آرثر|مؤلف2= ترجمة وتحقيق يحيى الخشَّاب وعبد الوهَّاب عزَّام|عنوان= إيران في عهد الساسانيين|طبعة= الأولى|صفحة= 93 - 96|سنة= [[1998]]م|ناشر= [[الهيئة المصرية العامة للكتاب|الهيئة المصريَّة العامَّة للكتاب]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وتكوَّنت '''الطبقة الثالثة''' من رجال الدين، وهم عدَّة أقسام، يرأسهم قاضي القضاة أو «موبذان موبذ»، ثُمَّ المؤابذة والزُهَّاد والسدنة، والهرابذة خُدَّام النار المُقدَّسة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= كريستنسن، آرثر|مؤلف2= ترجمة وتحقيق يحيى الخشَّاب وعبد الوهَّاب عزَّام|عنوان= إيران في عهد الساسانيين|طبعة= الأولى|صفحة= 103|سنة= [[1998]]م|ناشر= [[الهيئة المصرية العامة للكتاب|الهيئة المصريَّة العامَّة للكتاب]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وتألَّفت '''الطبقة الرَّابعة''' من رجال الحرب، يترأسهم «إيران سپهبد»، وتشمل صلاحيَّاته وزارة الحرب وقيادة الجيش العُليا، يليه الضُبَّاط على اختلاف رُتبهم ويُطلق عليهم لقب «الأساورة».<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= كريستنسن، آرثر|مؤلف2= ترجمة وتحقيق يحيى الخشَّاب وعبد الوهَّاب عزَّام|عنوان= إيران في عهد الساسانيين|طبعة= الأولى|صفحة= 118 - 119|سنة= [[1998]]م|ناشر= [[الهيئة المصرية العامة للكتاب|الهيئة المصريَّة العامَّة للكتاب]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> أمَّا '''الطبقة الخامسة''' فكانت تتألَّف من موظفي الدواوين أو الكُتَّاب، وهي تضم كُتَّاب الرسائل والحسابات والشُعراء والأطباء والمُنجمون. وكانت '''الطبقة السَّادسة''' تتكوَّن من «الدَّهاقون»، وهم رؤساء القُرى ومُلَّاك الأراضي الذين يستمدون قوَّتهم من الملكيَّة الوراثيَّة للإدارة المحليَّة، ووظيفتهم الأساسيَّة هي استلام الضرائب وتمويل الدولة. أمَّا '''الطبقة السَّابعة'''، فهي طبقة الشعب، وهم الفلَّاحون والصُنَّاع والرُعاة والتُجَّار وأهل الحِرف.<ref name="طقوش2">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= طقّوش، مُحمَّد سُهيل|عنوان= تاريخ الخُلفاء الرَّاشدين: الفُتوحات والإنجازات السياسيَّة|طبعة= الأولى|صفحة= 96 - 97|سنة= [[1424 هـ|1424هــ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|ردمك= 9953181012|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>

تفاوتت الطبقات الاجتماعيَّة الفارسيَّة سالِفة الذِكر في النسب والمنزلة، وظهر التمييز بينها واضحًا في المركب والملبس والمسكن وعدد الزوجات والجاريات والخدم،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= كريستنسن، آرثر|مؤلف2= ترجمة وتحقيق يحيى الخشَّاب وعبد الوهَّاب عزَّام|عنوان= إيران في عهد الساسانيين|طبعة= الأولى|صفحة= 302|سنة= [[1998]]م|ناشر= [[الهيئة المصرية العامة للكتاب|الهيئة المصريَّة العامَّة للكتاب]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> فلِكُلِّ فردٍ منزلته ومرتبته ومكانه المُحدد في الجماعة. وحُظر الانتقال من طبقةٍ إلى طبقة أعلى منها بوجهٍ عام إلَّا في حُدودٍ ضيِّقةٍ، على أنَّ هذا الاستثناء لا يطالُ الارتقاء إلى طبقة رجال الدين. فالموبذ يجب أن يكون ابن موبذ، لاعتقاد أفراد هذه الطبقة أنَّهم أُسرة واحدة لا يجوز لأجنبيّ أن ينتسب إليها. ضاق أبناء الشعب الفارسيّ بهذا النظام، فالفرد منهم كان يشقى ويتعب لِتربية أولاده ورعايتهم، حتَّى إذا شبُّوا وبدأوا يُساعدونه على تحمّل أعباء الحياة؛ جمعهم الأشراف ليُقدموهم إلى الشاهَنشاه الذي يقذف بهم في أُتون الحروب. ولقد استهان الشاهَنشاهات بِرؤساء الطبقات الرفيعة، فلم يُراعوا حق الدين والوطن، ورُبَّما أجلس بعضهم عدوَّ البلاد على العرش. كما أنَّ رجال الدين خلعوا لِباس التقوى، وألهاهم جمع المال، وفُتنوا بالمظاهر، وناصبوا الأشراف العداء السافر، وأخذ بعضهم يكيدُ لِبعض، وكانت كُلُّ طائفةٍ تسعى لِمصلحتها دون النظر إلى مصلحة المجموع.<ref name="طقوش2"/> أفقدت هذه الأوضاع الشَّاذة ثقة الفارسيّ بِمُجتمعه ووطنه، وتزعزع إيمانه بهذا النظام، ولم تقضِ إصلاحات [[كسرى الأول|كسرى الأوَّل أنوشروان]] على ما في نُفوس الناس من الشُعور بالظلم، والتطلُّع إلى من يتحدَّث عن المُساواة وتكافؤ الفُرص بين النَّاس، حتَّى وجدوا ذلك في الدين الإسلامي.<ref name="طقوش2"/>
[[ملف:Ardeshir Babakan and Ahuramazda Photo From Sahand Ace.jpg|تصغير|نقش لإله الخير عند المجوس أهورامزدا والشاهنشاه [[أردشير الأول|أردشير الأوَّل]].]]
=== الوضع الديني ===
اتَّخذ الفُرس الساسانيّون، مُنذُ بداية عهدهم، [[الزرادشتية|المجوسيَّة (الزرادشتيَّة)]] دينًا رسميًا. ومن خصائص هذا الدين تقديس عناصر الطبيعة. وللشمس عند الساسانيين حُرمة عظيمة، غير أنَّ النار أعظم شأنًا، لذلك دخلت كعاملٍ رئيسٍ في عباداتهم. وبُيوتُ النَّار عندهم هي مراكز العبادة والتقديس. يعتقد المجوس بوجود إلهٍ للخير والنور، خالقٍ يُسمّونه «[[أهورامزدا]]»، وإلهٌ للشر والظُلمة يُسمّونه «آهرمان» ولكنَّهُ ليس بمُستوى أهورامزدا. فالمجوسيَّة بهذا تقومُ على الثنويَّة والنزاع الدائم بين إله الخير وإله الشر، لكنَّ النصر في النهاية سيكون للإله الأوَّل بما يبذله الإنسان من أعمالٍ حسنةٍ للتغلُّب على روح الشَّر. وابتُلي الساسانيّون بِنزاعاتٍ دينيَّةٍ بعد ظُهور الديانتين [[المانوية|المانويَّة]] و[[مزدكية|المزدكيَّة]] بفعل اختلاف فلسفاتها وتعاليمها. وكان تشجيع الأكاسرة لإحدى هذه الديانات يدفع مُعتنقيها إلى اضطهاد مُخالفيهم، وقد أضاع هذا التناحر البلاد حين وضعها في جوٍ مشحونٍ بالنزاعات.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= طقّوش، مُحمَّد سُهيل|عنوان= تاريخ الخُلفاء الرَّاشدين: الفُتوحات والإنجازات السياسيَّة|طبعة= الأولى|صفحة= 98|سنة= [[1424 هـ|1424هــ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|ردمك= 9953181012|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>

=== الوضع العسكري ===
[[ملف:Sassanid army helmet by Nickmard Khoey.jpg|تصغير|يمين|خوذة عسكريَّة ساسانيَّة.]]
نحت الإمبراطوريَّة الساسانيَّة، مُنذُ بداية حياتها السياسيَّة، منحىً توسُعيًا، بهدف إحياء [[الإمبراطورية الأخمينية|الإمبراطوريَّة الأخمينيَّة]] التي قضى عليها [[الإسكندر الأكبر]]، وقد تطلَّب ذلك إنشاء جيشٍ مُنظمٍ وقويٍّ، لذلك أدخل الشاهنشاه أردشير الأوَّل طوائف الجُند التي كانت تتبع صاحب الإقطاع في الجيش النظاميّ. والمعروف أنَّ الفُرسان الدَّارعين يُشكِّلون القوَّة الضاربة في الجيش الفارسيّ، وأنَّ النصر يتوقَّف على مدى اندفاعهم وشجاعتهم في القتال، وبِخاصَّةً الفرقة المعروفة بالخالدين، وهي مؤلَّفة من عشرة آلاف فارس يُختارون من بين المُجلِّين.<ref name="الجيش الفارسي">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= كريستنسن، آرثر|مؤلف2= ترجمة وتحقيق يحيى الخشَّاب وعبد الوهَّاب عزَّام|عنوان= إيران في عهد الساسانيين|طبعة= الأولى|صفحة= 198 - 199|سنة= [[1998]]م|ناشر= [[الهيئة المصرية العامة للكتاب|الهيئة المصريَّة العامَّة للكتاب]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وتتخذُ [[فيل آسيوي|الفيلةُ]] مكانها خلف الفُرسان، وكأنَّها حُصون، وتُشكِّلُ عامل رُعبٍ لِخيل العدوّ، وعامل ثقة لأفراد الجيش الفارسيّ، كما يُحملُ عليها أبراجٌ من الخشب مشحونةٌ بالمُقاتلين والسِّلاح ورُماة النِبال وحاملي الرَّايات، ويُقدِّمونها أحيانًا أمامهم، ويجعلون منها نُواةً لِفِرقهم، تلتفُّ حول كُلِّ فيلٍ فرقةٍ من الجيش. وإذا ذُعر فيلٌ أثناء المعركة وارتدَّ على جُنود الفُرس، يُبادرُ الفيَّال إلى قتله.<ref name="الجيش الفارسي"/> 
[[ملف:Ancient Sasanid Cataphract Uther Oxford 2003 06 2(1).jpg|تصغير|فارسٌ ساسانيٌّ مُدرَّع.]]
شكَّل المُشاةُ مؤخَّرة الجيش، وهُم من أهل القُرىـ يُستدعون إلى الحرب دون أجرٍ أو حافز، ويلبسون دروعًا من [[خيزران|الخيزران]] المُتشابك المُغطّى بِجلدٍ غير مدبوغٍ، وهُم جنودٌ غير مهرة عادةً، يُولّون الأدبار قبل أن يبدأ العدوُّ بالحرب.<ref name="الجيش الفارسي"/> واعتمد الجيشُ الفارسيّ على [[مرتزق|المُرتزقة]] أيضًا، وهُم من الشُعوب القاطنة في أطراف الإمبراطوريَّة من الذين اشتهروا بالشِّدَّة في القتال، مثل: السجستانيّون، والسَّاجيّون، والقفقاسيّون، والدَّيالمة، وغيرهم. يقودُ الشاهنشاه، عادةً، الجيش في المعارك، ويُنصبُ العرش الملكيّ وسط الجيش، ويُحيطُ به خدمه وحاشيته وفِرقة من الجُند المُكلَّفة بِحراسته.

اقتبس الفُرس بعضُ الفُنون العسكريَّة من [[رومان (شعب)|الرومان]] ومن خُلفائهم المشرقيين، أي الروم البيزنطيين، مثل عمليَّات حِصار القِلاع واستعمال [[منجنيق|المجانيق]] والأبراج المُتحرِّكة وآلات الحِصار الأُخرى التي كانت تُستعملُ قديمًا، كما نفَّذوا أُسلوب حرق المحاصيل الزِّراعيَّة حتَّى لا يستفيد العدُوُّ منها، وفتح السُدود في الأراضي التي يُخصِّبها الرَّي، حتَّى يغرق الوادي ويُوقف تقدُّم العدوّ. هذا ويُشترط بالقائد أن تتوفَّر فيه الصِّفات العسكريَّة الضروريَّة لإدارة الحرب والقُدرة على وضع وتنفيذ الخِطط العسكريَّة. لم يكن الفُرس شديدي البأس في الحرب، ولم يعتادوا القِتال ببسالة إلَّا أن يكونوا على مسافةً بعيدةً من عدوِّهم، وإذا شعروا بأنَّ فِرقهم تتراجع يتقهقرون مُطلقين خلفهم سِهامهم حتَّى يُخففوا من مُطاردة عدوِّهم لهم. تعتمدُ الخِطط العسكريَّة التي طبَّقها السَّاسانيّون في القِتال، على الصَّدمة بأفواجٍ مُنظمةٍ من الفُرسان الدَّارعين في صُفوفٍ كثيفةٍ، كما طبَّقوا نِظام التعبئة القائم على المُقدِّمة من الفُرسان، والقلب الذي يرتاد أفرادُه مكانًا مُشرفًا، والجناحين والمُؤخَّرة من الرُماة والمُشاة، وهو نِظامُ الزَّحف من خِلال تقسيم الجيش إلى كراديس.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن قتيبة|الدينوريّ، أبو مُحمَّد عبدُ الله بن مُسلم بن قُتيبة]]|عنوان= عيون الأخبار، الجزء الأوَّل|صفحة= 112|سنة= [[1418 هـ|1418هـ]]|ناشر= دار الكُتب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> والواقع أنَّ هذا النظام العسكريّ، لم يثبت أمام التعبئة الإسلاميَّة القائمة على الكر والفر، والمعروف أيضًا أنَّ المُسلمين استعملوا أيضًا أُسلوب الكراديس في القِتال.

=== العلاقة مع الروم البيزنطيين ===
{{أيضا|الحرب الساسانية البيزنطية 602-628}}
ورث الساسانيون العلاقات العدائية مع [[الإمبراطورية الرومانية|الرومان]] من أسلافهم [[الإمبراطورية الفرثية|الپارثيين]]. وفي القرن الثالث الميلادي، شن الساسانيون عدد من الهجمات على الأراضي الرومانية، واستطاع الرومان استيعاب تلك الهجمات دون أن يفقدوا أيًا من أراضيهم. لكن مع مرور الوقت نجح الساسانيون في تحقيق بعض المكاسب، وسرعان ما انعكس الوضع في منتصف القرن الرابع الميلادي. ومع انقسام الإمبراطورية الرومانية، ورث [[الإمبراطورية البيزنطية|البيزنطيون]] الصراع مع الساسانيون في تلك البقعة، وأُضيف إلى البعد السياسي للحروب بينهما بعدًا دينيًا بعد دخول البيزنطيون في [[المسيحية]]. كانت الحروب بين الطرفين سجال، فلم يستطع أيّ منهم تحقيق نصر عسكري حاسم. في العقود التي سبقت الفتح الإسلامي، استطاع البيزنطيون الانتصار على الساسانيين في الحرب التي دارت بينهما بين سنتي 572 و591 م التي تحالفوا فيها مع الأمير الساساني المنفي [[كسرى الثاني]]، ومكّنوه من استعادة عرشه من يد [[بهرام جوبين]]، واستولوا على مناطق من شمال شرق بلاد الرافدين ومعظم أرمينية الفارسية ومناطق من القفقاس.<ref group="ْ">{{استشهاد|عنوان=The Roman Eastern Frontier and the Persian Wars (Part II, 363-630 AD) |مؤلف1-الأخير=Dodgeon |مؤلف1-الأول=Michael H. | مؤلف2-الأخير=Greatrex|مؤلف2-الأول=Geoffrey|مؤلف3-الأخير=Lieu|مؤلف3-الأول= Samuel N. C.|سنة=2002 |ناشر=Routledge|isbn=0-415-00342-3 |مسار= http://books.google.com/books?id=zoZIxpQ8A2IC|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20161118232008/https://books.google.com/books?id=zoZIxpQ8A2IC|تاريخ أرشيف=2016-11-18|صفحة=174|لغة=en}}</ref><ref group="ْ">{{استشهاد | الأخير = Oman| الأول =Charles|مؤلف-وصلة=| عنوان =Europe, 476-918, Volume 1| ناشر =Macmillan| سنة =1893|مسار= http://books.google.com/books?id=N6A-AAAAYAAJ|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20160609175649/https://books.google.com/books?id=N6A-AAAAYAAJ|تاريخ أرشيف=2016-06-09|صفحة=151|لغة=en}}</ref><ref group="ْ" name="مولد تلقائيا1">{{استشهاد |الأخير=Norwich |الأول=John Julius |عنوان=A Short History of Byzantium|ناشر= Vintage Books |سنة=1997 |isbn=0-679-77269-3|مسار= http://books.google.com/books?id=ElLZK1EOjHsC|مؤلف-وصلة=|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20160506035512/https://books.google.com/books?id=ElLZK1EOjHsC|تاريخ أرشيف=2016-05-06|صفحة=87|لغة=en}}</ref>
[[ملف:Bernat, Martin Saint Helena & Heraclius taking the Holy Cross to Jerusalem.jpg|تصغير|يمين|أيقونة إسپانيَّة من القرن الخامس عشر الميلاديّ تُظهرُ هرقل يُعيد الصليب الحقيقي إلى بيت المقدس، وتظهر إلى جانبه [[هيلانة|القديسة هيلانة]].]]
أنهكت تلك الحرب الخزانة الروميَّة. دفع ذلك الإمبراطور البيزنطي [[موريكيوس|موريس]] لفرض تدابير مالية صارمة وخفض أجور الجيش، مما أدى إلى أربعة تمردات.<ref group="ْ">{{استشهاد|عنوان=Byzantium and Its Army, 284-1081|الأخير=Treadgold |الأول=Warren T. |سنة=1998|ناشر=Stanford University Press|isbn=0-8047-3163-2|مسار= http://books.google.com/books?id=xfV0LkMNaLUC|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190608115605/https://books.google.com/books?id=xfV0LkMNaLUC|تاريخ أرشيف=2019-06-08|صفحات=205–206|لغة=en}}</ref> نتج عنها في النهاية إعلان الجيش للقائد [[فوقاس]] إمبراطورًا لبيزنطة، وبعد فترة قُتل موريس على يد جنود فوقاس<ref group="ْ" name="مولد تلقائيا1" /><ref group="ْ">{{استشهاد|عنوان=A History of the Byzantine State and Society|الأخير=Treadgold |الأول=Warren T. |سنة=1997 |ناشر=Stanford University Press|isbn=0-8047-2630-2|مسار= http://books.google.com/books?id=nYbnr5XVbzUC|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190419011738/https://books.google.com/books?id=nYbnr5XVbzUC|تاريخ أرشيف=2019-04-19|صفحة=235|لغة=en}}</ref><ref group="ْ">{{استشهاد | الأخير = Oman| الأول =Charles|مؤلف-وصلة=| عنوان =Europe, 476-918, Volume 1| ناشر =Macmillan| سنة =1893|مسار= http://books.google.com/books?id=N6A-AAAAYAAJ|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20160609175649/https://books.google.com/books?id=N6A-AAAAYAAJ|تاريخ أرشيف=2016-06-09|صفحة=153|لغة=en}}</ref> أعلن نارسيس أحد قادة موريس وحاكم ولاية بلاد الرافدين الرومانية العصيان على فوقاس، وتحصّن في [[الرها]]،<ref group="ْ">{{استشهاد|عنوان=The Roman Eastern Frontier and the Persian Wars (Part II, 363-630 AD) |مؤلف1-الأخير=Dodgeon |مؤلف1-الأول=Michael H. | مؤلف2-الأخير=Greatrex|مؤلف2-الأول=Geoffrey|مؤلف3-الأخير=Lieu|مؤلف3-الأول= Samuel N. C.|سنة=2002 |ناشر=Routledge|isbn=0-415-00342-3 |مسار= http://books.google.com/books?id=zoZIxpQ8A2IC|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20161118232008/https://books.google.com/books?id=zoZIxpQ8A2IC|تاريخ أرشيف=2016-11-18|صفحة=174|لغة=en|صفحات=183–184}}</ref> فبعث له فوقاس بقائده جرمانوس لحصار الرها. لجأ نارسيس حينها لطلب العون من كسرى الثاني ملك الفرس، فاتخذها كسرى الثاني حُجة لقتال البيزنطيين، ولاستعادة ما فقده الساسانيون في أرمينية وبلاد الرافدين.<ref group="ْ">{{استشهاد | الأخير = Oman| الأول =Charles|مؤلف-وصلة=| عنوان =Europe, 476-918, Volume 1| ناشر =Macmillan| سنة =1893|مسار= http://books.google.com/books?id=N6A-AAAAYAAJ|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20160609175649/https://books.google.com/books?id=N6A-AAAAYAAJ|تاريخ أرشيف=2016-06-09|صفحة=155|لغة=en}}</ref><ref group="ْ">{{استشهاد|الأخير=Foss|الأول=Clive|سنة=1975|عنوان=The Persians in Asia Minor and the End of Antiquity|ناشر= Oxford University Press|صحيفة=The English Historical Review|المجلد=90|لغة=en|صفحة=722|doi=10.1093/ehr/XC.CCCLVII.721|postscript=.}}</ref> هزم الساسانيون البيزنطيون في معركة دارا سنة 605م،<ref group="ْ">{{استشهاد|عنوان=The Roman Eastern Frontier and the Persian Wars (Part II, 363-630 AD) |مؤلف1-الأخير=Dodgeon |مؤلف1-الأول=Michael H. | مؤلف2-الأخير=Greatrex|مؤلف2-الأول=Geoffrey|مؤلف3-الأخير=Lieu|مؤلف3-الأول= Samuel N. C.|سنة=2002 |ناشر=Routledge|isbn=0-415-00342-3 |مسار= http://books.google.com/books?id=zoZIxpQ8A2IC|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20161118232008/https://books.google.com/books?id=zoZIxpQ8A2IC|تاريخ أرشيف=2016-11-18|صفحة=174|لغة=en|صفحة=184}}</ref> مما أدى إلى اندلاع التذمر ضد فوقاس،<ref group="ْ">{{استشهاد | الأخير = Kaegi| الأول =Walter Emil | مؤلف-وصلة=| عنوان =Heraclius: Emperor of Byzantium| ناشر =Cambridge University Press| سنة =2003|isbn = 0-521-81459-6|مسار= http://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190827173403/https://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|تاريخ أرشيف=2019-08-27|صفحة=39|لغة=en}}</ref> وفي سنة 608 م، أعلن [[هرقل الكبير]] حاكم إفريقية الروماني نفسه إمبراطورًا.<ref group="ْ">{{استشهاد | الأخير = Kaegi| الأول =Walter Emil | مؤلف-وصلة=| عنوان =Heraclius: Emperor of Byzantium| ناشر =Cambridge University Press| سنة =2003|isbn = 0-521-81459-6|مسار= http://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190827173403/https://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|تاريخ أرشيف=2019-08-27|صفحة=41|لغة=en}}</ref> وامتدت الاضطرابات في الولايات الرومانية لتشمل الشَّام سنة 610م.<ref group="ْ">{{استشهاد | الأخير = Kaegi| الأول =Walter Emil | مؤلف-وصلة=| عنوان =Heraclius: Emperor of Byzantium| ناشر =Cambridge University Press| سنة =2003|isbn = 0-521-81459-6|مسار= http://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190827173403/https://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|تاريخ أرشيف=2019-08-27|صفحة=55|لغة=en}}</ref><ref group="ْ">{{استشهاد|عنوان=The Roman Eastern Frontier and the Persian Wars (Part II, 363-630 AD) |مؤلف1-الأخير=Dodgeon |مؤلف1-الأول=Michael H. | مؤلف2-الأخير=Greatrex|مؤلف2-الأول=Geoffrey|مؤلف3-الأخير=Lieu|مؤلف3-الأول= Samuel N. C.|سنة=2002 |ناشر=Routledge|isbn=0-415-00342-3 |مسار= http://books.google.com/books?id=zoZIxpQ8A2IC|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20161118232008/https://books.google.com/books?id=zoZIxpQ8A2IC|تاريخ أرشيف=2016-11-18|صفحة=174|لغة=en|صفحة=187}}</ref> ثم استطاعت حملة بحرية وجهها هرقل الأكبر بقيادة ابنه [[هرقل]] من الاستيلاء على [[القسطنطينية]]، وأسر فوقاس، وإعدامه.<ref group="ْ">{{استشهاد | الأخير = Kaegi| الأول =Walter Emil | مؤلف-وصلة=| عنوان =Heraclius: Emperor of Byzantium| ناشر =Cambridge University Press| سنة =2003|isbn = 0-521-81459-6|مسار= http://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190827173403/https://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|تاريخ أرشيف=2019-08-27|صفحة=49|لغة=en}}</ref> وبعد وقت قصير، توفي هرقل الأكبر وخلفه ابنه هرقل.<ref group="ْ">{{استشهاد | الأخير = Kaegi| الأول =Walter Emil | مؤلف-وصلة=| عنوان =Heraclius: Emperor of Byzantium| ناشر =Cambridge University Press| سنة =2003|isbn = 0-521-81459-6|مسار= http://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190827173403/https://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|تاريخ أرشيف=2019-08-27|صفحة=52|لغة=en}}</ref> استغل الفرس تلك الاضطرابات، وتوغلوا في الأناضول،<ref group="ْ">{{استشهاد | الأخير = Kaegi| الأول =Walter Emil | مؤلف-وصلة=| عنوان =Heraclius: Emperor of Byzantium| ناشر =Cambridge University Press| سنة =2003|isbn = 0-521-81459-6|مسار= http://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190827173403/https://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|تاريخ أرشيف=2019-08-27|صفحة=54|لغة=en}}</ref> كما هاجموا المدن الحدودية في أرمينية وبلاد الرافدين.<ref group="ْ">{{استشهاد | الأخير = Kaegi| الأول =Walter Emil | مؤلف-وصلة=| عنوان =Heraclius: Emperor of Byzantium| ناشر =Cambridge University Press| سنة =2003|isbn = 0-521-81459-6|مسار= http://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190827173403/https://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|تاريخ أرشيف=2019-08-27|صفحة=67|لغة=en}}</ref> حاول هرقل طلب الصلح مع الساسانيين، إلا أنهم رفضوا طلبه كونهم منتصرين عسكريًا.<ref group="ْ">{{استشهاد | الأخير = Kaegi| الأول =Walter Emil | مؤلف-وصلة=| عنوان =Heraclius: Emperor of Byzantium| ناشر =Cambridge University Press| سنة =2003|isbn = 0-521-81459-6|مسار= http://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190827173403/https://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|تاريخ أرشيف=2019-08-27|صفحة=65|لغة=en}}</ref> هاجم القائد الفارسي [[شهربراز]] ولاية [[سوريا (ولاية رومانية)|سورية الرومانية]]<ref group="ْ">{{استشهاد | الأخير = Kaegi| الأول =Walter Emil | مؤلف-وصلة=| عنوان =Heraclius: Emperor of Byzantium| ناشر =Cambridge University Press| سنة =2003|isbn = 0-521-81459-6|مسار= http://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190827173403/https://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|تاريخ أرشيف=2019-08-27|صفحة=74|لغة=en}}</ref> ونجح في الاستيلاء على [[أنطاكية (مدينة تاريخية)|أنطاكية]]<ref group="ْ">{{استشهاد | الأخير = Kaegi| الأول =Walter Emil | مؤلف-وصلة=| عنوان =Heraclius: Emperor of Byzantium| ناشر =Cambridge University Press| سنة =2003|isbn = 0-521-81459-6|مسار= http://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190827173403/https://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|تاريخ أرشيف=2019-08-27|صفحة=75|لغة=en}}</ref> و[[طرطوس]]، لتنقطع الصلة بين القسطنطينية وولاياتها الجنوبية في فلسطين ومصر وإفريقية.<ref group="ْ">{{استشهاد | الأخير = Kaegi| الأول =Walter Emil | مؤلف-وصلة=| عنوان =Heraclius: Emperor of Byzantium| ناشر =Cambridge University Press| سنة =2003|isbn = 0-521-81459-6|مسار= http://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190827173403/https://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|تاريخ أرشيف=2019-08-27|صفحة=77|لغة=en}}</ref> ثم ضموا [[دمشق]] و[[أفاميا|أفامية]] و[[حمص]] سنة 613م، حاول القائد البيزنطي نسطاس مقاومة الفرس إلا أنه هُزم في [[درعا|أذرعات]].<ref group="ْ">{{استشهاد | الأخير = Kaegi| الأول =Walter Emil | مؤلف-وصلة=| عنوان =Heraclius: Emperor of Byzantium| ناشر =Cambridge University Press| سنة =2003|isbn = 0-521-81459-6|مسار= http://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190827173403/https://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|تاريخ أرشيف=2019-08-27|صفحة=78|لغة=en}}</ref> وفي سنة 614م، استولوا على القدس بعد حصار<ref group="ْ">{{استشهاد |الأخير=Ostrogorsky|الأول=George|مؤلف-وصلة=|عنوان=History of the Byzantine State|ناشر=Rutgers University Press|سنة=1969|ISBN=978-0-8135-1198-6|مسار= http://books.google.com/books?id=PjMts15kLz0C|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20160610143526/https://books.google.com/books?id=PjMts15kLz0C|تاريخ أرشيف=2016-06-10|صفحة=95|لغة=en}}</ref> وحرقوا عدد من الكنائس بينها [[كنيسة القيامة]]، واستولوا على مقدسات مسيحية ك[[الصليب الحقيقي]] و[[الحربة المقدسة]] و[[الإسفنجة المقدسة|الاسفنجة المقدسة]].<ref group="ْ">{{استشهاد |الأخير=Norwich |الأول=John Julius |عنوان=A Short History of Byzantium|ناشر= Vintage Books |سنة=1997 |isbn=0-679-77269-3|مسار= http://books.google.com/books?id=ElLZK1EOjHsC|مؤلف-وصلة=|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20160506035512/https://books.google.com/books?id=ElLZK1EOjHsC|تاريخ أرشيف=2016-05-06|صفحة=90|لغة=en}}</ref> ثم غزا القائد الفارسي شهربراز مصر سنة 618م،<ref group="ْ">{{استشهاد | الأخير = Oman| الأول =Charles|مؤلف-وصلة=| عنوان =Europe, 476-918, Volume 1| ناشر =Macmillan| سنة =1893|مسار= http://books.google.com/books?id=N6A-AAAAYAAJ|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20160609175649/https://books.google.com/books?id=N6A-AAAAYAAJ|تاريخ أرشيف=2016-06-09|صفحة=206|لغة=en}}
</ref> واقتحموا [[الإسكندرية]] بعد عام من الحصار.<ref group="ْ">{{استشهاد | الأخير = Kaegi| الأول =Walter Emil | مؤلف-وصلة=| عنوان =Heraclius: Emperor of Byzantium| ناشر =Cambridge University Press| سنة =2003|isbn = 0-521-81459-6|مسار= http://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190827173403/https://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|تاريخ أرشيف=2019-08-27|صفحة=91|لغة=en}}</ref>
[[ملف:Cherub plaque Louvre MRR245 n2.jpg|تصغير|يسار|200بك|شاه فارس [[كسرى الثاني]] يخضعُ لإمبراطور الروم، القيصر [[هرقل]]، مقطع من صحيفة معدنيَّة منقوشة على صليبٍ [[فرنجة|إفرنجيّ]] من [[القرن 12|القرن الثاني عشر الميلاديّ]].]]
في سنة 622م، شنّ هرقل هجومًا مضادًا على الفرس<ref group="ْ">{{استشهاد | الأخير = Kaegi| الأول =Walter Emil | مؤلف-وصلة=| عنوان =Heraclius: Emperor of Byzantium| ناشر =Cambridge University Press| سنة =2003|isbn = 0-521-81459-6|مسار= http://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190827173403/https://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|تاريخ أرشيف=2019-08-27|صفحة=112|لغة=en}}</ref> بدأه بمهاجمة [[كبادوكيا|قبادوقية]]،<ref group="ْ" name="مولد تلقائيا2">{{استشهاد بهارفارد دون أقواس|Norwich|1997|p=91}}</ref> فانسحبت قوات الفرس بقيادة شهربراز من أمامه من الأناضول.<ref group="ْ">{{استشهاد | الأخير = Kaegi| الأول =Walter Emil | مؤلف-وصلة=| عنوان =Heraclius: Emperor of Byzantium| ناشر =Cambridge University Press| سنة =2003|isbn = 0-521-81459-6|مسار= http://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190827173403/https://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|تاريخ أرشيف=2019-08-27|صفحة=115|لغة=en}}</ref> بعدها عرض هرقل مرة أخرى الصلح مع الفرس سنة 624م، غير أن كسرى رفض مجددًا.<ref group="ْ">{{استشهاد | الأخير = Kaegi| الأول =Walter Emil | مؤلف-وصلة=| عنوان =Heraclius: Emperor of Byzantium| ناشر =Cambridge University Press| سنة =2003|isbn = 0-521-81459-6|مسار= http://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190827173403/https://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|تاريخ أرشيف=2019-08-27|صفحة=122|لغة=en}}</ref> في العام نفسه، شنّ هرقل هجومًا على أراضي الساسانيين مخترقًا أرمينية و[[أذربيجان (إيران)|أذربيجان]] ليفاجيء الفرس في معقلهم.<ref group="ْ" name="مولد تلقائيا2" /> أمضى هرقل عامين في حملته تلك، حقق فيها بعض الانتصارات غير الحاسمة.<ref group="ْ">{{استشهاد | الأخير = Kaegi| الأول =Walter Emil | مؤلف-وصلة=| عنوان =Heraclius: Emperor of Byzantium| ناشر =Cambridge University Press| سنة =2003|isbn = 0-521-81459-6|مسار= http://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190827173403/https://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|تاريخ أرشيف=2019-08-27|صفحة=129|لغة=en}}</ref><ref group="ْ">{{استشهاد | الأخير = Kaegi| الأول =Walter Emil | مؤلف-وصلة=| عنوان =Heraclius: Emperor of Byzantium| ناشر =Cambridge University Press| سنة =2003|isbn = 0-521-81459-6|مسار= http://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190827173403/https://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|تاريخ أرشيف=2019-08-27|صفحة=130|لغة=en}}</ref><ref group="ْ">{{استشهاد|عنوان=The Roman Eastern Frontier and the Persian Wars (Part II, 363-630 AD) |مؤلف1-الأخير=Dodgeon |مؤلف1-الأول=Michael H. | مؤلف2-الأخير=Greatrex|مؤلف2-الأول=Geoffrey|مؤلف3-الأخير=Lieu|مؤلف3-الأول= Samuel N. C.|سنة=2002 |ناشر=Routledge|isbn=0-415-00342-3 |مسار= http://books.google.com/books?id=zoZIxpQ8A2IC|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20161118232008/https://books.google.com/books?id=zoZIxpQ8A2IC|تاريخ أرشيف=2016-11-18|صفحة=174|لغة=en|صفحة=204}}</ref> وفي سنة 626م، أعد كسرى جيشًا كبيرًا بقيادة قائده شاهين لمنع هرقل من غزو فارس، وأرسل آخر صغير بقيادة شهربراز لمهاجمة القسطنطينية، كما نسّق مع [[آفار أوراسيا|الآڤار]] أعداء البيزنطيين لمحاصرة القسطنطينية من جهتيها الآسيوية والأوروبية،<ref group="ْ">{{استشهاد|عنوان=Byzantium and Its Army, 284-1081|الأخير=Treadgold |الأول=Warren T. |سنة=1998|ناشر=Stanford University Press|isbn=0-8047-3163-2|مسار= http://books.google.com/books?id=xfV0LkMNaLUC|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190608115605/https://books.google.com/books?id=xfV0LkMNaLUC|تاريخ أرشيف=2019-06-08|صفحة=297|لغة=en}}</ref> إلا أن المدينة صمدت وفشل الحصار،<ref group="ْ">{{استشهاد | الأخير = Oman| الأول =Charles|مؤلف-وصلة=| عنوان =Europe, 476-918, Volume 1| ناشر =Macmillan| سنة =1893|مسار= http://books.google.com/books?id=N6A-AAAAYAAJ|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20160609175649/https://books.google.com/books?id=N6A-AAAAYAAJ|تاريخ أرشيف=2016-06-09|صفحة=211|لغة=en}}</ref><ref group="ْ">{{استشهاد |الأخير=Norwich |الأول=John Julius |عنوان=A Short History of Byzantium|ناشر= Vintage Books |سنة=1997 |isbn=0-679-77269-3|مسار= http://books.google.com/books?id=ElLZK1EOjHsC|مؤلف-وصلة=|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20160506035512/https://books.google.com/books?id=ElLZK1EOjHsC|تاريخ أرشيف=2016-05-06|صفحة=93|لغة=en}}</ref> مما أغضب كسرى وأمر بقتل شهربراز، الذي علم بالأمر وانسحب بجيشه إلى الشَّام، مما أضعف من قوة الفرس.<ref group="ْ">{{استشهاد | الأخير = Kaegi| الأول =Walter Emil | مؤلف-وصلة=| عنوان =Heraclius: Emperor of Byzantium| ناشر =Cambridge University Press| سنة =2003|isbn = 0-521-81459-6|مسار= http://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190827173403/https://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|تاريخ أرشيف=2019-08-27|صفحة=151|لغة=en}}</ref>

رد هرقل على ذلك بأن تحالف مع ال[[خزر]]<ref group="ْ">{{استشهاد | الأخير = Kaegi| الأول =Walter Emil | مؤلف-وصلة=| عنوان =Heraclius: Emperor of Byzantium| ناشر =Cambridge University Press| سنة =2003|isbn = 0-521-81459-6|مسار= http://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190827173403/https://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|تاريخ أرشيف=2019-08-27|صفحة=143|لغة=en}}</ref> الذين شنوا هجومهم على الفرس في القفقاس.<ref group="ْ">{{استشهاد |الأخير=Norwich |الأول=John Julius |عنوان=A Short History of Byzantium|ناشر= Vintage Books |سنة=1997 |isbn=0-679-77269-3|مسار= http://books.google.com/books?id=ElLZK1EOjHsC|مؤلف-وصلة=|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20160506035512/https://books.google.com/books?id=ElLZK1EOjHsC|تاريخ أرشيف=2016-05-06|صفحة=92|لغة=en}}</ref> ثم فاجأ هرقل الفرس بمهاجمتهم في شتاء 627م، وألحق بالفرس هزيمة قاسية في [[نينوى]].<ref group="ْ">{{استشهاد | الأخير = Kaegi| الأول =Walter Emil | مؤلف-وصلة=| عنوان =Heraclius: Emperor of Byzantium| ناشر =Cambridge University Press| سنة =2003|isbn = 0-521-81459-6|مسار= http://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190827173403/https://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|تاريخ أرشيف=2019-08-27|صفحة=161|لغة=en}}</ref> تسببت الهزائم المتلاحقة التي ألحقها هرقل بالفرس في حملته إلى ثورة الجيش على كسرى الثاني وخلعه وتنصيب ابنه [[قباد الثاني|قباذ الثاني]] الذي بادر بطلب الصلح مع هرقل. وقد تم هذا الصلح لينجح بذلك هرقل في استعادة كافة الأراضي البيزنطية التي استولى عليها الفرس من قبل، إضافة إلى استعادة أسرى البيزنطيين ومقدساتهم الدينية المسلوبة من القدس سنة 614م.<ref group="ْ">{{استشهاد | الأخير = Kaegi| الأول =Walter Emil | مؤلف-وصلة=| عنوان =Heraclius: Emperor of Byzantium| ناشر =Cambridge University Press| سنة =2003|isbn = 0-521-81459-6|مسار= http://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190827173403/https://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|تاريخ أرشيف=2019-08-27|صفحة=94|لغة=en}}</ref><ref group="ْ">{{استشهاد | الأخير = Oman| الأول =Charles|مؤلف-وصلة=| عنوان =Europe, 476-918, Volume 1| ناشر =Macmillan| سنة =1893|مسار= http://books.google.com/books?id=N6A-AAAAYAAJ|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20160609175649/https://books.google.com/books?id=N6A-AAAAYAAJ|تاريخ أرشيف=2016-06-09|صفحة=212|لغة=en}}</ref><ref group="ْ">{{استشهاد | الأخير = Kaegi| الأول =Walter Emil | مؤلف-وصلة=| عنوان =Heraclius: Emperor of Byzantium| ناشر =Cambridge University Press| سنة =2003|isbn = 0-521-81459-6|مسار= http://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|postscript=.|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190827173403/https://books.google.com/books?id=tlNlFZ_7UhoC|تاريخ أرشيف=2019-08-27|صفحة=178|لغة=en}}</ref>

== صُعود الخِلافة الإسلاميَّة ==
{{أيضا|حروب الردة{{!}}حُرُوبُ الرِّدَّة}}
توفي الرسول مُحمَّد ضُحى يوم الإثنين [[12 ربيع الأول|12 ربيع الأوَّل]] [[11 هـ|11هـ]]، المُوافق فيه [[7 يونيو|7 حُزيران (يونيو)]] [[632]]م، وبعد وفاته بُويع أبو بكر الصدِّيق بالخِلافة ليتولّى شؤون المُجتمع الإسلامي الجديد الذي كوَّنهُ الرسول خِلال حياته، فكانت خِلافته قصيرة لم تزد عن سنتين وثلاثة أشهر وعشرة أيَّام.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= طقّوش، مُحمَّد سُهيل|عنوان= تاريخ الخُلفاء الرَّاشدين: الفُتوحات والإنجازات السياسيَّة|طبعة= الأولى|صفحة= 29|سنة= [[1424 هـ|1424هــ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|ردمك= 9953181012|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> لكن رُغم ذلك، وقع خلال تلك الفترة حدثان بارزان يُعدَّان من أبرز أحداث التاريخ الإسلامي على الإطلاق، هُما الرِّدَّة وانطلاق [[فتوحات إسلامية|الفُتوح الإسلاميَّة]] خارج نِطاق [[شبه الجزيرة العربية|شبه الجزيرة العربيَّة]]، وكان لكُلٍّ منهما تأثيره الخاص على مُستقبل الدعوة الإسلاميَّة والعرب. أمَّا الرِّدَّة فهي الاسم الذي يُطلق على انتفاضة القبائل على أطراف شبه الجزيرة العربيَّة على الحُكم الجديد الذي قام في المدينة المُنوَّرة، فنبذ قسمٌ منهم الإسلام والتفَّ حول عددٍ من مُدعي النُبوَّة الذين جعلوا أنفسهم أندادًا للنبيّ مُحمَّد، تُحرِّكُهم دوافع اقتصاديَّة أو سياسيَّة،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= بيضون، إبراهيم|عنوان= ملامح التيَّارات السياسيَّة في القرن الأوَّل الهجريّ|طبعة= الأولى|صفحة= 25 - 26|سنة= [[1979]]م|ناشر= [[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربيَّة]]|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وبعضهم الآخر أعلن رغبته بالحِفاظ على الإسلام لكنَّهم منعوا [[زكاة|الزكاة]] كونهم اعتبروها نوعًا من الذُلِّ والتبعيَّة، يدفعونها بصفتهم الطرف المغلوب، ولم يُدركوا أنَّها إحدى [[أركان الإسلام|أركان الدين]].<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= شبارو، عصام مُحمَّد|عنوان= الدولة العربيَّة الإسلاميَّة الأولى|طبعة= الثالثة|صفحة= 239 - 240|سنة= [[1995]]م|ناشر= [[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربيَّة]]|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>

وفي جميع الأحوال فإنَّ أبا بكر قاتل القبائل المُرتدَّة جميعها، فأرسل إليها نُخبة القادة المُسلمين مثل [[خالد بن الوليد]] و[[عمرو بن العاص]] و[[عكرمة بن أبي جهل|عِكرمة بن أبي جهل]] وغيرهم، فهزموهم وقضوا على حركاتهم، فعادوا للدخول في الإسلام. وترتب على حُرُوبُ الرِّدَّة عدَّة نتائج مُهمَّة منها إعطاء المُسلمين الثقة بالنفس وبِالنظام الذي اختاروه وبِالقُدرة على الانتصار، وهي ثِقةٌ هامَّةٌ وضروريَّةٌ في مُواجهة قِوى كُبرى تتمتَّع بِقُدراتٍ ماديَّةٍ وكثرةٍ عدديَّةٍ، هذا إلى جانب الإيمان بالهدف. كما شكَّلت فُرصةً للمُسلمين كي يتدربون تدريبًا عسكريًا عمليًا على مُستوى الجُيوش الكبيرة، ابتداءً من الحشد والتعبئة العامَّة إلى التحرُّكات والسير والالتحام، إلى أعمال الدوريَّات والحِصار والجاسوسيَّة والتدابير اللوجستيَّة. ويُمكنُ وصف هذه الحُروب بِمثابة جسر عبر المُسلمون العرب عليه إلى خارج شبه الجزيرة العربيَّة بِهدف الفتح.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[أحمد عادل كمال|كمال، أحمد عادل]]|عنوان= الطريق إلى المدائن|طبعة= السَّادسة|صفحة= 181 - 185|سنة= [[1986]]م|ناشر= دار النفائس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>

== فُتوحات العراق في عهد أبو بكر ==
[[ملف:Mohammad adil rais-Khalid's conquest of Iraq-ar.png|تصغير|صورة توضح مسار طريق خالد بن الوليد عند فتحه للعراق.]]
قال محمد حسين علي محاسنة في كتابه (الفتح الإسلامي في العراق في صدر الإسلام) "فكرة فتح العراق: كان للعرب صلات مع العراق قبل الفتح إذ كانوا يُغِيرون على أطرافه أو يفدون إليه للتجارة أو للإقامة وكان بعضهم مستقراً في البلاد كما هو شأن عرب الحيرة وعين التمر والأنبار وكان بعضهم الآخر ينتقل في البوادي المطلّة على العراق مثل بادية البصرة وبادية الكوفة...واضطرّ الفرس إلى استرضاء بكر بن وائل مباشرة دون تدخل ملوك الحيرة فأوكَلوا رئاسةَ مسالح عيون الطف إلى قيس بن مسعود الشيباني رئيس بني شيبان ليمنع خطر القبائل عن السواد...وكان في بادية البصرة والكوفة وبادية الشام قُبيل الفتح العربي للعراق مجموعات من القبائل، منها: إياد وبكر بن وائل وتميم وتغلب والنمر وكلب وقضاعة وبنو أسد فقد هاجرت قبيلة إياد نحو العراق واستقرت في الريف غرب الفرات ما بين كربلاء وبادية البصرة...أما بكر بن وائل فكانت منازلها في كاظمة والنباح وذي قار وكانت بكر قد امتدت على أطراف الفرات الجنوبية وتنتشر ما بين الحيرة والأنبار واستمرت في المنطقة في تزايد حتى تحدّت السلطةَ الساسانيةَ في معركة ذي قار".<ref>{{استشهاد بكتاب|عنوان=الفتح الاسلامي في العراق في صدر الإسلام|مؤلف=محمد حسين علي  محاسنة|ناشر=دار الكتاب الثقافي|صفحة=111 و112|مسار= https://www.google.com.sa/books/edition/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%AD_%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A_%D9%81%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%B9/mwjhDwAAQBAJ?hl=en&gbpv=1&dq=%22%D9%83%D8%A7%D9%86+%D9%84%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8+%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%AA+%D9%85%D8%B9+%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82+%D9%82%D8%A8%D9%84+%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%AD%22&pg=PT110&printsec=frontcover|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20231101053330/https://www.google.com.sa/books/edition/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%AD_%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A_%D9%81%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%B9/mwjhDwAAQBAJ?hl=en&gbpv=1&dq=%22%D9%83%D8%A7%D9%86+%D9%84%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8+%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%AA+%D9%85%D8%B9+%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82+%D9%82%D8%A8%D9%84+%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%AD%22&pg=PT110&printsec=frontcover|تاريخ أرشيف=2023-11-01}}</ref> وروى ابن عساكر في [[تاريخ دمشق (كتاب)|تاريخه]] بسنَده عن قدماء أهل الشاء وغيرهم وهو يذكر القبائل التي اشتركت في [[معركة اليرموك]] "وليس فيها أسد ولا تميم ولا ربيعة ولم يكن دارهم إنما كانت دارهم عراقية فقاتلوا أهل فارس بالعراق".<ref name="google.com.sa"/><ref name="ReferenceA"/>

بعد انتهاء [[حروب الردة]] في [[إقليم البحرين|البحرين]]، كان [[المثنى بن حارثة الشيباني]] يُغِير هو ورجال من قومه على تخوم العراق، فبلغ ذلك أبا بكر، فسأل عنه، فأثنى عليه [[قيس بن عاصم التميمي]] قائلاً: {{اقتباس مضمن|هَذَا رَجُلٌ غَيْرَ خَامِلِ الذِّكْرِ، وَلَا مَجْهُوْلَ النَّسَبِ، وَلَا ذَلِيْلَ العِمَادِ}}. ولم يلبث المثنى أن قدم على المدينة المنورة، وقال لأبي بكر: {{اقتباس مضمن|يَا خَليفَةَ رَسُولَ اللَّهِ اسْتَعْمِلْنِي عَلَى مَن أَسْلَمَ مِن قَوْمِي أُقَاتِلُ بِهِمُ هَذِهِ الأَعَاجِمَ مِن أَهْلَ فَارِس}}، فكتب له أبو بكر في ذلك عهدًا.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[البلاذري|البلاذريّ، أحمد بن يحيى بن جابر بن داود]]|عنوان= فُتوح البُلدان|صفحة= 238|سنة= [[1988]]|ناشر= دار ومكتبة الهلال|مكان= [[بيروت]]|مسار=https://shamela.ws/book/12221/235|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20221125211645/https://shamela.ws/book/12221/235|تاريخ أرشيف=[[25 نوفمبر]] [[2022]]}}</ref> 
ثم رأى أبو بكر أن يمُدّ المثنى بمدد، فأمر خالد بن الوليد بالمسير إلى أسفل العراق وأن يأتي الأُبلّة، كما أمر [[عياض بن غنم]] بأن يسير أيضًا إلى أعلى العراق،<ref>{{استشهاد بكتاب|عنوان=تاريخ الأمم والملوك الجزء الثاني|مؤلف=ابن جرير الطبري|ناشر=مطبعة الاستقامة|سنة=1939|صفحة=2|مسار= https://www.google.com.sa/books/edition/Tar%C4%ABkh_al_umam_wal_mul%C5%ABk/Ec705QtmRoIC?hl=en&gbpv=1&bsq=%22%D8%B9%D9%84%D9%89+%D8%AD%D8%B1%D8%A8+%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82+%D8%A3%D9%86+%D9%8A%D8%AF%D8%AE%D9%84%D9%87%D8%A7+%D9%85%D9%86+%D8%A3%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%87%D8%A7%22&dq=%22%D8%B9%D9%84%D9%89+%D8%AD%D8%B1%D8%A8+%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82+%D8%A3%D9%86+%D9%8A%D8%AF%D8%AE%D9%84%D9%87%D8%A7+%D9%85%D9%86+%D8%A3%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%87%D8%A7%22&printsec=frontcover|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20231101053330/https://www.google.com.sa/books/edition/Tar%C4%ABkh_al_umam_wal_mul%C5%ABk/Ec705QtmRoIC?hl=en&gbpv=1&bsq=%22%D8%B9%D9%84%D9%89+%D8%AD%D8%B1%D8%A8+%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82+%D8%A3%D9%86+%D9%8A%D8%AF%D8%AE%D9%84%D9%87%D8%A7+%D9%85%D9%86+%D8%A3%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%87%D8%A7%22&dq=%22%D8%B9%D9%84%D9%89+%D8%AD%D8%B1%D8%A8+%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82+%D8%A3%D9%86+%D9%8A%D8%AF%D8%AE%D9%84%D9%87%D8%A7+%D9%85%D9%86+%D8%A3%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%87%D8%A7%22&printsec=frontcover|تاريخ أرشيف=2023-11-01}}</ref> وأن يسير في طريق دومة الجندل ويأتي العراق ويبدأه من المُصَيَّح شمالي العراق على أن تكون القيادة لمن يصل منهما أولاً إلى المثنى<ref name="ابن الأثير234 ">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير الجزري، عزُّ الدين أبي الحسن عليّ بن أبي الكرم مُحمَّد بن مُحمَّد بن عبدُ الكريم بن عبد الواحد الشيباني]]|آخرون= [[عمر عبد السلام تدمري]]|عنوان= الكامل في التاريخ|المجلد=2|طبعة= الأولى|صفحة= 234 - 235|سنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1997]]م|ناشر= دار الكتاب العربي|مكان= [[بيروت]]|مسار=https://shamela.ws/book/21712/925#p1|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20221125213451/https://shamela.ws/book/21712/925|تاريخ أرشيف=[[25 نوفمبر]] [[2022]]}}</ref> فتعثر عياض في فتح دومة الجندل، فسار خالد إلى العراق في المحرم من سنة 12 هـ،<ref name="ابن الأثير234"/> ووصل قبل عياض بعشرة آلاف جندي، انضم إليهم ثمانية آلاف كانوا مع المثنى،<ref name="الطبري347"/> فكانت القيادة لخالد في العراق.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 343|المجلد=3|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف |مكان= [[القاهرة]]|مسار=https://shamela.ws/book/9783/1616#p1|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20221125220518/https://shamela.ws/book/9783/1616|تاريخ أرشيف=[[25 نوفمبر]] [[2022]]}}</ref> أرسل خالد بن الوليد وعياض بن غنم إلى أبي بكر يستمدّانه، فأرسل [[القعقاع بن عمرو التميمي]] لخالد، وأرسل عبد بن غوث الحميري لعياض. استنكر البعض أن يكون المدد برجل واحد، فقال أبو بكر عن القعقاع : {{اقتباس مضمن|لَا يُهْزَمَ جَيْشٌ فِيْهِ مِثْلَ هَذَا}}، وكذا قال عن عبدٍ الحميري.<ref name="ابن الأثير234"/>

=== معركة ذات السلاسل ===
{{مفصلة|معركة ذات السلاسل}}
أرسل خالد بن الوليد وهو في طريقه إلى العراق إلى [[هرمز (قائد فارسي)|هرمز]] حاكم العراق الفارسي يُخيّره بين الإسلام أو الجزية أو القتال،<ref name="الطبري347">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 347 - 348|المجلد=3|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف |مكان= [[القاهرة]]|مسار=https://shamela.ws/book/9783/1620#p1|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20221125224316/https://shamela.ws/book/9783/1620|تاريخ أرشيف=[[25 نوفمبر]] [[2022]]}}</ref> فآثر هرمز القتال، وأرسل إلى كسرى يطلب المدد، فأمدّه كسرى بإمدادات كبيرة تحرك بها هرمز إلى كاظمة حيث يعسكر جيش المسلمين. ناور خالد بجيشه فتحرك إلى الحفير،<ref name="الطبري347"/> ليجد هرمز [[كاظمة]] خاوية. ثم لاحق هرمز إلى الحفير، وسبقهم إليها، ليعود خالد مجددًا إلى [[كاظمة]]. أراد خالد من ذلك استغلال نقطة ضعف الجيش الفارسي والتي هي ثقل تسليحه، مما يجعل أي تحرك للجيش مُجهد لأفراده. غضب هرمز لذلك، وتحرك بجيشه نحو كاظمة، وعسكر بالقرب من موارد الماء ليمنع الماء عن المسلمين.<ref name="الطبري347"/> فأثار ذلك حماسة المسلمين، وخطب فيهم خالد قائلاً: {{اقتباس مضمن|أَلا انْزِلُوا وَحُطُّوا أَثْقَالَكُمْ، ثُمَّ جَالَدُوهُمْ عَلَى الْمَاءِ، فَلَعَمْرِي لَيَصِيرَنَّ الْمَاءُ لأَصْبَرِ الْفَرِيقَيْنِ، وَأَكْرَمِ الْجُنْدَيْنِ<ref name="الطبري349">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 347 - 348|المجلد=3|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف |مكان= [[القاهرة]]|مسار=https://shamela.ws/book/9783/1622#p1|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20221125224545/https://shamela.ws/book/9783/1622|تاريخ أرشيف=[[25 نوفمبر]] [[2022]]}}</ref>}}.
[[ملف:Battle of chains-mohammad adil rais.gif|240بك|تصغير|يسار|{{مؤشر لوني|#ef1000|[[جيش الخلفاء الراشدين|الجيش الإسلامي]]}}{{مؤشر لوني|#5200FA|[[الجيش الساساني]]}}<br/>حركة الجيش الإسلامي والجيش الساساني قبل المعركة. كانت استراتيجية خالد لخدع الجيش الساساني.]]
أمر هرمز رجاله بربط أنفسهم بالسلاسل،<ref name="الطبري349"/> حتى لا يفروا من أرض المعركة وليستميتوا في القتال. بدأت المعركة بالمبارزة حين طلب هرمز مبارزة خالد، واتفق هرمز مع بعض فرسانه أن يفتكوا بخالد إن خرج للمبارزة. وعند تنفيذ خطتهم، فطن [[القعقاع بن عمرو التميمي]] للأمر، وأدرك خالد، وقتل خالدُ والقعقاعُ هرمزَ وفرسانَه. بمقتل هرمز، اضطربت صفوف الفرس، فاستغل المسلمون الفرصة، وأوقعوا بالفرس هزيمة كبيرة.<ref name="الطبري349"/> استطاع قباذ وأنوشجان قائدي جناحي الجيش الفارسي<ref name="الطبري349"/> الفرار، فأمر خالد المثنى بمطاردة فلول الفرس، فطاردهم المثنى حتى انتهى إلى حصن أميرة ساسانية سماه العرب «حصن المرأة»، فترك أخاه المُعنّى ليحاصره ثم واصل هو المطاردة. ولما بلغت أنباء انتصار المثنى للأميرة، صالحته وتزوجت المعنى.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 350|المجلد=3|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف |مكان= [[القاهرة]]|مسار=https://shamela.ws/book/9783/1623#p1|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20221125224730/https://shamela.ws/book/9783/1623|تاريخ أرشيف=[[25 نوفمبر]] [[2022]]}}</ref> أما المثنى فقد واصل مطاردة فلول الفرس حتى بلغ الأُبلّة، فوجد جيشًا فارسيًا آخر بقيادة قارن بن قريانس يعسكر بالمدينة، فأرسل المثنى ليُعلم خالد بالأمر.

=== معركة المذار ===
{{مفصلة|معركة المذار}}
حين بلغ خالد بن الوليد خبر تمركز جيش قارن بن قريانس في المذار، أسرع خالد بجيشه ليُدرك المثنى. كان هرمز قد كتب إلى كسرى يطلب المدد، فأمده بجيش بقيادة قارن بن قريانس، وما أن وصل هذا الجيش إلى المذار حتى بلغه خبر هزيمة هرمز في [[كاظمة]]. ثم ما لبث أن لحق بجيشه فلول جيش هرمز وفيهم قباذ وأنوشجان قادة جيش هرمز، فجعلهما قارن قائدين لجناحي جيشه. وفي صفر 12 هـ، بدأت المعركة التي سماها المسلمون [[معركة الثني|بوقعة المذار أو الثني]].<ref name="البداية379"/> بالمبارزة حيث طلب قارن من يبارزه، فخرج له معقل بن الأعشى فقتل معقلُ قارنَ، ثم بارز عاصمُ بن عمرو التميمي أنوشجانَ وبارز عديُّ بن حاتم الطائي قباذَ فقتل عاصم وعدي أنوشجان وقباذ،<ref name="الطبري351">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 351|المجلد=2|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف |مكان= [[القاهرة]]|مسار=https://shamela.ws/book/9783/1624#p1|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20221126204255/https://shamela.ws/book/9783/1624|تاريخ أرشيف=[[25 نوفمبر]] [[2022]]}}</ref> وانتصر المسلمون على الفرس،<ref name="الطبري352"/> وقتلوا من الفرس يومئذ ثلاثين ألفًا وغرق منهم الكثير في النهر،<ref name="البداية379"/> كما غنموا من المعركة الكثير، وكان من بين السبي يومئذ حبيب أبو [[الحسن البصري]].<ref name="الطبري352"/> أمر خالد بسبي أبناء المقاتلين، فيما أقرّ المزارعين على ما في أيديهم على أن يؤدوا الجزية، عملاً بوصية الخليفة أبي بكر.<ref name="البداية379">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير الجزري، عزُّ الدين أبي الحسن عليّ بن أبي الكرم مُحمَّد بن مُحمَّد بن عبدُ الكريم بن عبد الواحد الشيباني]]|آخرون= [[عمر عبد السلام تدمري]]|عنوان= الكامل في التاريخ|المجلد= 2|طبعة= الأولى|صفحة= 236|سنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1997]]م|ناشر= دار الكتاب العربي|مكان= [[بيروت]]|مسار= https://shamela.ws/book/21712/927|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20221126210208/https://shamela.ws/book/21712/927#p1|تاريخ أرشيف= 26 نوفمبر 2022|تاريخ الوصول= 26 نوفمبر 2022|حالة المسار= bot: unknown}}</ref> بعد المعركة، بعث خالد بسويد بن مقرن المزني بجند إلى الحفير،<ref name="البداية379"/> وأقام خالد بالمذار، وأرسل من يتجسس أخبار الفرس.<ref name="الطبري352">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 352|المجلد= 3|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف|مكان= [[القاهرة]]|مسار= https://shamela.ws/book/9783/1625|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20221126210210/https://shamela.ws/book/9783/1625#p1|تاريخ أرشيف= 26 نوفمبر 2022|تاريخ الوصول= 26 نوفمبر 2022|حالة المسار= bot: unknown}}</ref>

=== معركة الولجة ===
{{مفصلة|معركة الولجة}}
بعد الهزيمة في المذار، أرسل كسرى يحشد الجيوش لقتال المسلمين، فوافاه أول الجيوش بقيادة أندرزغر حاكم [[خراسان الكبرى|خراسان]] إلى عاصمته [[طيسفون|قسطيفون]]، فأرسله كسرى لقتال المسلمين، وبعث في أثره جيشًا آخر بقيادة [[بهمن جاذويه]] وسلك كل منهما طريقًا غير الآخر. بلغ خالد خبر مسير أندرزغر نحو الولجة،<ref name="الطبري353"/> وانضمام موالي الفرس من العرب من [[بكر بن وائل|بني بكر بن وائل]] إلى جيشه.<ref name="البداية379"/> فأمر خالد جيشه بالاستعداد للرحيل لقتال الجيش في الولجة، وخلف سويد بن مقرن المزني وأمره بأن يلزم الحفير.<ref name="الطبري353">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 353|المجلد= 3|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف|مكان= [[القاهرة]]|مسار= https://shamela.ws/book/9783/1626|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20221126213431/https://shamela.ws/book/9783/1626|تاريخ أرشيف= 26 نوفمبر 2022|تاريخ الوصول= 26 نوفمبر 2022|حالة المسار= bot: unknown}}</ref> وفي ليلة المعركة، أمر خالد بن الوليد بُسر بن أبي رهم وسعيد بن مرة العجلي بأن يسيرا بقوتين من الفرسان، ويختبئا خلف التلال التي كانت في ظهر جيش الفرس، وأن ينتظرا منه إشارته بالهجوم. دارت [[معركة الولجة]] في صفر 12 هـ، وبدأت بالمبارزة فتقدم خالد بن الوليد فبارزه رجل من الفرس وصفه [[محمد بن جرير الطبري|الطبري]] بأنه رجلٌ بألف رجل، فقتله خالد. ثم بدأ القتال بهجوم المسلمين الذي امتصه الفرس ثم بدأوا [[هجوم مضاد|هجومهم المضاد]]، وبدأ المسلمون في التراجع ببطء، ثم أشار خالد لقوات بسر وسعيد بمهاجمة جناحي جيش الفرس ومؤخرته، وأطبق خالد وجيشه على جيش الفرس، مطبقًا [[تكتيك الكماشة]] لتنتهي المعركة بانتصار ساحق للمسلمين، وخسائر فادحة للفرس، وفرار قائد الفرس أندرزغر نحو الصحراء، وموته عطشًا.<ref name="الطبري354">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 354|المجلد= 3|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف|مكان= [[القاهرة]]|مسار= https://shamela.ws/book/9783/1627|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20221126213430/https://shamela.ws/book/9783/1627#p1|تاريخ أرشيف= 26 نوفمبر 2022|تاريخ الوصول= 26 نوفمبر 2022|حالة المسار= bot: unknown}}</ref>
<gallery mode=packed heights=150px>
ملف:Mohammad adil rais--B-ar.png|المرحلة الأولى: المسلمون يشنون هجوم عام على الفرس.
ملف:Mohammad adil rais--C-ar.PNG|المرحلة الثانية: الفرس يردون بهجوم مضاد، وخالد يأمر جيشه بالتراجع ببطء لاحتواء جيش الفرس.
ملف:Mohammad adil rais--D-ar.PNG|فرسان كمين المسلمين يهاجمون جناحي جيش الفرس ومؤخرته.
ملف:Mohammad adil rais--E-ar.png|فرسان المسلمين ومُشاتهم يطبقون على جيش الفرس من كل الجوانب.
</gallery>

=== معركة أُلَّيس ===
{{مفصلة|معركة أليس{{!}}معركة أُليس}}
{{شريط جانبي تاريخ بلاد الرافدين}}
كان من بين قتلى معركة الولجة عددًا من أشراف نصارى بني بكر بن وائل، فغضب لهم قومهم لمقتلهم، وراسلوا الفرس للانتقام من المسلمين. سار بنو بكر بقيادة عبد الأسود العجلي إلى أُلّيس حيث وافى جيشًا فارسيًا كان كسرى قد أرسله لقتال المسلمين بقيادة بهمن جاذويه، الذي عاد في الطريق بعد فترة قصيرة إلى المدائن وخلف محله جابان وأمره أن يبطئ في طريقه حتى يقضي أربه ويعود ليلحق بالجيش. وصل بهمن للمدائن فوجد كسرى في مرض موته، فتأخر بهمن عن اللحاق بجيشه، فسار جابان بالجيش حتى وصل أليس حيث وجد حشودًا من حلفائه العرب من بني عجل وتيم اللات وضُبيعة وعرب الضاحية من أهل الحيرة. بلغ خالد تجمُّع الفرس والعرب في أليس،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 355|المجلد= 3|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف|مكان= [[القاهرة]]|مسار= https://shamela.ws/book/9783/1628|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20221126220156/https://shamela.ws/book/9783/1628#p1|تاريخ أرشيف= 26 نوفمبر 2022|تاريخ الوصول= 26 نوفمبر 2022|حالة المسار= bot: unknown}}</ref> فأمر بالتحرك لقتالهم. وعند بداية المعركة، بارز خالدُ مالكٓ بن قيس وقتله، ثم اشتبك الفريقان في [[معركة أليس|معركة شديدة]] استمات فيها الفرس في القتال، وهم على أمل أن يدركهم بهمن جاذويه بالمدد من عند كسرى، ولمّا تأزم القتال، نذر خالد قائلاً: {{اقتباس مضمن|اللَّهُمَّ إِنَّ لَكَ عَلَيَّ إِنْ مَنَحْتَنَا أَكْتَافَهُمْ أَلا أَسْتَبْقِي مِنْهُمْ أَحَدًا قَدَرْنَا عَلَيْهِ حَتَّى أُجْرِيَ نَهْرَهُمْ بِدِمَائِهِمْ!}} انتصر المسلمون في المعركة، فأمر خالد جنوده أن يمتنعوا عن القتل، وأن يأسروا منهم من استطاعوا، فأمر بسد النهر وأوكل رجالاً لضرب أعناق الأسرى في النهر، فظلوا يومًا وليلة ولم يجر النهر دمًا.<ref name="الطبري356">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 356|المجلد= 3|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف|مكان= [[القاهرة]]|مسار= https://shamela.ws/book/9783/1629|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20221126220155/https://shamela.ws/book/9783/1629#p1|تاريخ أرشيف= 26 نوفمبر 2022|تاريخ الوصول= 26 نوفمبر 2022|حالة المسار= bot: unknown}}</ref> فأشار عليه القعقاع قائلاً: {{اقتباس مضمن|لَوْ أَنَّكَ قَتَلْتَ أَهْلَ الأَرْضِ لَمْ تَجْرِ دِمَاؤُهُمْ، إِنَّ الدِّمَاءَ لا تَزِيدُ عَلَى أَنْ تَرَقْرَقَ مُنْذُ نَهَيْتَ عَنِ السَّيَلانِ، وَنُهِيَتِ الأَرْضُ عَنْ نَشْفِ الدِّمَاءِ، فَأَرْسِلْ عَلَيْهَا، الْمَاءَ تَبَرَّ يَمِينُكَ}} ففعل خالد، فسميت تلك المعركة بنهر الدم.<ref name="الطبري357">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 357|المجلد= 3|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف|مكان= [[القاهرة]]|مسار= https://shamela.ws/book/9783/1630|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20221126220157/https://shamela.ws/book/9783/1630#p1|تاريخ أرشيف= 26 نوفمبر 2022|تاريخ الوصول= 26 نوفمبر 2022|حالة المسار= bot: unknown}}</ref> ثم سار خالد بجيشه إلى أمغيشيا إحدى المدن الكبرى في المنطقة يومئذ، فوجد أهلها قد جلوا عنها، مخلّفين ورائهم الكثير، فأمر خالد بهدمها، لدَوْرِ أهل المدينة في أليس حيث شارك الكثير من أهلها في صفوف جيش الفرس.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 358|المجلد= 3|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف|مكان= [[القاهرة]]|مسار= https://shamela.ws/book/9783/1631|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20221126220154/https://shamela.ws/book/9783/1631#p1|تاريخ أرشيف= 26 نوفمبر 2022|تاريخ الوصول= 26 نوفمبر 2022|حالة المسار= bot: unknown}}</ref>

=== فتح الحيرة ===
{{مفصلة|معركة الحيرة}}
بعد سقوط أمغيشيا، أعد [[زاديه|آزاذبة]] [[ساتراب|مرزبان]] [[الحيرة]] لقتال خالد، وعسكر خارج الحيرة، وأمر ابنه بسدّ الفرات. ركب خالد وجيشُه في ربيع الأول 12 هـ<ref name="الطبري359">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 359|المجلد=3|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف |مكان= [[القاهرة]]|مسار=https://shamela.ws/book/9783/1631#p1|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20221107214442/https://shamela.ws/book/9783/1632|تاريخ أرشيف=[[25 نوفمبر]] [[2022]]}}</ref> السفن التي استولى عليها من معاركه السابقة ليقاتل آزاذبة، وفوجئ بعد ذلك بجنوح السفن وانحسار الماء، فأخبره الملاحون أن الفرس سدّوا النهر، فأسرع خالد بفرسان له فأدرك ابن آزاذبة عند محبس الماء في فم فرات بادقلي، فقاتله وهزمهم، وأجرى النهر مرة أخرى.<ref name="الطبري359"/>

تزامن خبر هزيمة ابن آزاذبة مع وصول الأخبار بموت كسرى، فأسرع آزاذبة بالعودة إلى عاصمة الفرس تاركًا الحيرة دون أن يقاتل المسلمين. أما جيش المسلمين فقد واصلوا مسيرتهم حتى نزلوا [[قصر الخورنق|الخورنق]]، فوجدوا أهل الحيرة متحصنين. فأمر خالد [[ضرار بن الأزور]] بحصار القصر الأبيض الذي تحصن فيه [[إياس بن قبيصة الطائي]]، و[[ضرار بن الخطاب]] بحصار قصر العدسيين وفيه عدي بن عدي، وضرار بن مقرن المزني بحصار ابن أكّال في قصر بني مازن، والمثنى بن حارثة الشيباني بحصار عمرو بن عبد المسيح في قصر ابن بقيلة. دعا المسلمون المتحصنين في الحيرة لإحدى الثلاث الإسلام أو الجزية أو القتال وأمهلوهم يومًا،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 360|المجلد= 3|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف|مكان= [[القاهرة]]|مسار= https://shamela.ws/book/9783/1633|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20221127163324/https://shamela.ws/book/9783/1633#p1|تاريخ أرشيف= 27 نوفمبر 2022|تاريخ الوصول= 27 نوفمبر 2022|حالة المسار= bot: unknown}}</ref> ثم شدّ المسلمون الحصار على أهل الحيرة، فلم يصمدوا كثيرًا وأعلنوا قبولهم الجزية.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 361 - 362|المجلد= 3|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف|مكان= [[القاهرة]]|مسار= https://shamela.ws/book/9783/1634|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20221127163322/https://shamela.ws/book/9783/1634#p1|تاريخ أرشيف= 27 نوفمبر 2022|تاريخ الوصول= 27 نوفمبر 2022|حالة المسار= bot: unknown}}</ref>

=== فتح الأنبار ===
{{مفصلة|معركة الأنبار}}
[[ملف:Tarikhuna bi-uslub qasasi-Khalid ibn al-Walid at Al-Anbar.jpg|تصغير|رسم تخيُلي لِخالد بن الوليد أثناء حصار الأنبار.]]
بعد فتح الحيرة، توافد الدهَّاقين على خالد بن الوليد في مقره بالحيرة، ليدخلوا في طوع المسلمين، ويعاهدوه على أداء الجزية.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 364|المجلد= 3|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف|مكان= [[القاهرة]]|مسار= https://shamela.ws/book/9783/1637|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20221127171935/https://shamela.ws/book/9783/1637#p1|تاريخ أرشيف= 27 نوفمبر 2022|تاريخ الوصول= 27 نوفمبر 2022|حالة المسار= bot: unknown}}</ref> بعدئذ، وزّع خالد حاميات على الأماكن التي ضمها، ثم استخلف القعقاع بن عمرو في الحيرة، وخرج بجنده وعلى مقدمة جيشه [[الأقرع بن حابس|الأقرع بن حابس التميمي]] لضم المناطق التي بينه وبين [[محافظة دومة الجندل|دومة الجندل]] التي تعثر [[عياض بن غنم]] في فتحها، حتى لا يُؤتى بعدوٍ من خلفه.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 372 - 373|المجلد= 3|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف|مكان= [[القاهرة]]|مسار= https://shamela.ws/book/9783/1645|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20221127171942/https://shamela.ws/book/9783/1645#p1|تاريخ أرشيف= 27 نوفمبر 2022|تاريخ الوصول= 27 نوفمبر 2022|حالة المسار= bot: unknown}}</ref> اتجه خالد صوب [[محافظة الأنبار|الأنبار]] فوجد أهلها تحصّنوا وخندقوا حولهم بقيادة شيرزاد حاكم ساباط، فطاف خالد بالخندق وأوصى رماته باستهداف عيون المدافعين عن الحصن، فأصيب منهم نحو ألف عين، فسماها المسلمون [[معركة ذات العيون|ذات العيون]]. عندئذ، طلب شيرزاد الصلح،<ref name="الطبري374"/> اشترط خالد أمورًا امتنع شيرزاد عن قبولها،<ref name="الطبري374">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 374 - 375|المجلد= 3|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف|مكان= [[القاهرة]]|مسار= https://shamela.ws/book/9783/1647|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20221127171941/https://shamela.ws/book/9783/1647#p1|تاريخ أرشيف= 27 نوفمبر 2022|تاريخ الوصول= 27 نوفمبر 2022|حالة المسار= bot: unknown}}</ref> فعمد خالد إلى أضيق مكان في الخندق، ونحر ضعاف [[جمل|الإبل]] وألقاها فيه، فاقتحم جنده الخندق ففر المدافعون إلى داخل الحصن، وأرسل شيرزاد مجددًا في طلب الصلح على أن يرحل بمفرزة من جنده دون أمتعة، فقبل خالد ولحق شيرزاد ببهمن جاذويه في المدائن،<ref name="الطبري374"/> ثم صالح خالد أهل تلك المنطقة على أداء الجزية.<ref name="الطبري374"/>

=== معركة عين التمر ===
{{مفصلة|معركة عين التمر}}
لما فرغ خالد من الأنبار، استخلف عليها [[الزبرقان بن بدر|الزبرقان بن بدر التميمي]]، وتوجّه إلى عين التمر التي تجمع فيها جيشان أحدهما فارسي بقيادة مِهران بن [[بهرام جوبين]]، والآخر عربي من [[النمر بن قاسط|بني النمر]] و[[تغلب]] و[[إياد (قبيلة)|إياد]] بقيادة عَقَّة بن أبي عقة. ولما جاءَتهم أنباء مسير خالد إليهم، طلب عقة من مهران أن يترك له أمر قتالهم قائلاً : {{اقتباس مضمن|إِنَّ الْعَرَبَ أَعْلَمُ بِقِتَالِ الْعَرَبِ، فَدَعْنَا وَخَالِد}}، فوافق مهران. وسار عقة بجيشه للقاء جيش خالد، فيما بقي الفرس بعين التمر. والتقى جيش خالد بجيش عقة، فهزمه خالد، ووقع عقة في الأسر. وحين بلغ الخبر مهران، هرب هو وجنوده، بينما اعتصم فلول جيش عقة بحصن عين التمر،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 376|المجلد= 3|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف|مكان= [[القاهرة]]|مسار= https://shamela.ws/book/9783/1649|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20221127182940/https://shamela.ws/book/9783/1649#p1|تاريخ أرشيف= 27 نوفمبر 2022|تاريخ الوصول= 27 نوفمبر 2022|حالة المسار= bot: unknown}}</ref> فحاصرهم خالد حتى افتضّ الحصن، فوجد فيه أربعين غلامًا يتعلمون [[إنجيل|الإنجيل]]، وعليهم باب مغلق، فقسّمهم بين من أبلوا حسنًا في القتال. كان من بين هؤلاء الغلمان نصير أبو [[موسى بن نصير]] وسيرين أبو [[محمد بن سيرين]]<ref name="الطبري377">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 377|المجلد= 3|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف|مكان= [[القاهرة]]|مسار= https://shamela.ws/book/9783/1650|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20221127173348/https://shamela.ws/book/9783/1650#p1|تاريخ أرشيف= 27 نوفمبر 2022|تاريخ الوصول= 27 نوفمبر 2022|حالة المسار= bot: unknown}}</ref> ويسار جد [[ابن إسحاق|محمد بن إسحٰق]] صاحب السيرة<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[البلاذري|البلاذريّ، أحمد بن يحيى بن جابر بن داود]]|عنوان= فُتوح البُلدان|صفحة= 244|سنة= [[1988]]|ناشر= دار ومكتبة الهلال|مكان= [[بيروت]]|مسار= https://shamela.ws/book/12221/241|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20221127173353/https://shamela.ws/book/12221/241#p1|تاريخ أرشيف= 27 نوفمبر 2022|تاريخ الوصول= 27 نوفمبر 2022|حالة المسار= bot: unknown}}</ref>

=== فتح دومة الجندل ===
{{مفصلة|معركة دومة الجندل}}
أشار [[الوليد بن عقبة]] على عياض بن غنم أن يراسل خالد بن الوليد يستمده لفتح دومة الجندل، ففعل عياض، فأجابه خالد بمسيره إليه بنفسه،<ref name="الطبري377"/> فخلف عويم بن كاهل الأسلمي على عين التمر، وخرج يريد [[محافظة دومة الجندل|دومة الجندل]]. ولما فشى خبر مسير خالد إلى دومة الجندل، اجتمعت فرق من بني بهراء وكلب وغسان وتنوخ والضجاعم، لمساندة أهل دومة الجندل. أما أهل دومة الجندل، فكانوا تحت قيادة [[أكيدر بن عبد الملك]] والجودي بن ربيعة، ولما بلغهم دنو خالد، اختلفا فرأى أكيدر مسالمة خالد، وأبى الجودي ذلك، فترك أكيدر المدينة. بلغ خالد ذلك، فأرسل عاصم بن عمرو التميمي في طلب أكيدر، فأسره وأتى به إلى خالد الذي أمر بضرب عنقه لردته عن الإسلام ونقضه عهد النبي محمد. فلما بلغ خالد حصن دومة الجندل، وجد الأحزاب التي اجتمعت لقتاله محيطة بالحصن الذي لم يسعهم. فحاصر خالد الحصن من جهة، وعياض من جهة، فانقسم أهل دومة الجندل قسمين كل منهما يقاتل من يليه من المسلمين، فكان النصر للمسلمين، وأسروا الجودي،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 378|المجلد=3|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف |مكان= [[القاهرة]]|مسار=https://shamela.ws/book/9783/1651#p1|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20221107215116/https://shamela.ws/book/9783/1651|تاريخ أرشيف=[[25 نوفمبر]] [[2022]]}}</ref> فضرب خالد عنقه، وقتل المسلمون المقاتلين من أهل الحصن، ثم أقام خالد بدومة الجندل لفترة، ورد الأقرع إلى الأنبار.<ref name="الطبري379">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 379|المجلد= 3|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف|مكان= [[القاهرة]]|مسار= https://shamela.ws/book/9783/1652|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20221127174756/https://shamela.ws/book/9783/1652#p1|تاريخ أرشيف= 27 نوفمبر 2022|تاريخ الوصول= 27 نوفمبر 2022|حالة المسار= bot: unknown}}</ref>

=== معركة الحُصيد ===
انتهز الفرس وعرب [[الجزيرة الفراتية|الجزيرة]] فرصة خروج خالد لدومة الجندل، وبدأوا يستجمعون قواهم، وخرج جيش فارسي بقيادة زرمهر وروزبه يريدان الأنبار، فكتب الزبرقان للقعقاع في الحيرة بالأمر، فبعث القعقاع أعبد بن فدكي السعدي إلى الحصيد، وعروة بن الجعد البارقي إلى الخنافس لقطع الطريق على الفرس. فرأى روزبه وزرمهر أن ينتظرا حلفائهم من العرب حتى يوافوهم. ثم عاد خالد إلى الحيرة وبلغه الخبر فقرر مواجهتهم،<ref name="الطبري379"/> فأرسل خالد القعقاع و[[أبو ليلى بن فدكي]] لقتال الفرس، فسبقا الفرس إلى عين التمر. ثم أتى كتاب من امرؤ القيس الكلبي إلى خالد بتجمُّع العرب في المصيخ والثني ثأرًا لمقتل عقة بن أبي عقة، فخرج خالد من الحيرة واستخلف عليها عياض بن غنم، وسار وعلى مقدمة جيشه الأقرع بن حابس قاصدًا عين التمر. رأى القعقاع أن زرمهر وروزبه لا يتحركان فسار نحو الحصيد، فتجمّع الفرس لقتاله، فقاتلهم القعقاع وهزمهم، وقُتل روزبه وزرمهر، وفرّت فلول الفرس إلى الخنافس، فسار أبو ليلى بن فدكي يريد قتالهم ففر الفرس إلى المصيخ حيث يعسكر عرب الجزيرة.<ref>{{استشهاد بويكي بيانات|Q114456807|ج=3|ص=380}}</ref>

=== آواخر المعارك ===
{{أيضا|معركة الفراض}}
لجأت فُلولُ الفُرس الناجية من معركة الحُصيد إلى الخنافس، وهي أرضٌ للعرب في طرف العراق قُرب الأنبار من ناحية البردان،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ياقوت الحموي|الحمويّ، شهابُ الدين أبو عبدُ الله ياقوت بن عبدُ الله الروميّ]]|عنوان= [[معجم البلدان|مُعجم البُلدان]]، الجُزء الثاني|طبعة= الثانية|صفحة= 391|سنة= [[1995]]م|ناشر= دار صادر|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> فأدّى ذلك إلى ألقاء الرُعب في قُلوب سُكَّانها، ووهنت نُفوسُهم وفرَّ بعضُهم إلى المصيَّخ للاحتماء بها، ممَّا سهَّل مُهمَّة أبي ليلى، فدخلها دون قِتالٍ يوم [[11 شعبان]] [[12]]هـ المُوافق فيه [[21 أكتوبر|21 تشرين الأوَّل (أكتوبر)]] [[633]]م.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الثالث|طبعة= الثانية|صفحة= 380|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> أُتيح لِخالد بعد هذه الانتصارات، أن يُهاجم المصيَّخ في مُحاولةٍ لِمنع الحُلفاء من الفُرس والعرب من إعادة تنظيم صُفوفهم، فاستدعى قادته، وهاجموا البلدة من ثلاثة محاور، وفاجأوا خُصومهم وهُم نائمون، وذلك في [[19 شعبان]] [[12 هـ|12هـ]] المُوافق فيه [[29 أكتوبر|29 تشرين الأوَّل (أكتوبر)]] [[633]]م.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الثالث|طبعة= الثانية|صفحة= 381 - 382|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> بعد المصيِّخ، وضع المُسلمون موضعا الثنيّ والزُّميل، الواقعان بالجزيرة شرق [[الرصافة (توضيح)|الرِّصافة]]،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ياقوت الحموي|الحمويّ، شهابُ الدين أبو عبدُ الله ياقوت بن عبدُ الله الروميّ]]|عنوان= [[معجم البلدان|مُعجم البُلدان]]، الجُزءان الثاني والثالث|طبعة= الثانية|صفحة= 86 و151 على التوالي|سنة= [[1995]]م|ناشر= دار صادر|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> نصب أعيُنهم، فاقتحموهما من ثلاثة محاور ونجحوا في دخولهما، كما وقعت الرضاب (موضع الرِّصافة قبل بنائها) في أيديهم، وذلك في 23 شعبان 12هـ المُوافق فيه [[2 نوفمبر|2 تشرين الثاني (نوڤمبر)]] [[633]]م.<ref name="أواخر الفُتوح">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الثالث|طبعة= الثانية|صفحة= 382 - 384|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> بعد ذلك تحرَّك خالد بن الوليد ناحية الفراض على الحُدود المُشتركة بين الإمبراطوريتين البيزنطيَّة والساسانيَّة وعرب الجزيرة. فبعد أن بسط سُلطانُ المُسلمين على [[سواد العراق]]، أراد أن يؤمِّن حماية مؤخرة جيشه، حتَّى إذا اجتاز السّواد إلى فارس، كان مُطمئنًا لِما يُخلِّفُ وراءه. وكان الاندفاع الإسلامي حتَّى الفراض توغلًا في أرضٍ يحكُمها البيزنطيّون، ممَّا أثار هؤلاء، كما حقد الفُرس والعرب المُوالون لهم على المُسلمين قتنادوا للثأر ممَّا حلَّ بهم، وبِخاصَّةٍ [[تغلب]] و[[إياد (قبيلة)|إياد]] والنمر، وزحفوا نحو الفراض. وجرى بين الجانبين قتالٌ دمويٌّ رهيب في [[15 ذو القعدة|15 ذي القعدة]] [[12 هـ|12هـ]] المُوافق فيه [[21 يناير|21 كانون الثاني (يناير)]] [[634]]م، انتهى بهزيمة الحُلفاء.<ref name="أواخر الفُتوح"/> كانت معركة الفراض آخر أعمال خالد بن الوليد الكبيرة في العراق، إذ تلقّى أمرًا من الخليفة بالتوجُّه إلى الشَّام لِنجدة الجُيوش الإسلاميَّة المُرابطة هُناك، فترك الحيرة بعد أن استخلف عليها عمرو بن حزم الأنصاري مع [[المثنى بن حارثة الشيباني|المُثنّى بن حارثة الشيباني]].<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= شبارو، عصام مُحمَّد|عنوان= الدولة العربيَّة الإسلاميَّة الأولى|طبعة= الثالثة|صفحة= 271|سنة= [[1995]]م|ناشر= [[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربيَّة]]|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>

== فُتوحات العراق في عهد عُمر ==
{{الجدول الزمني للفتح الإسلامي لفارس}}
[[ملف:Umar.png|تصغير|يمين|تخيط لاسم عُمر بن الخطَّاب ملحوق بدُعاء الرضا عنه.]]
وقع أبو بكرٍ الصدّيق [[حمى|بالحُمَّى]] يوم [[7 جمادى الآخرة]] سنة [[13 هـ|13هـ]] المُوافق فيه [[7 أغسطس|7 آب (أغسطس)]] سنة [[634]]م، واشتدَّ عليه المرض حتَّى أحسَّ بدُنوِّ أجله، فعهد بالخِلافة إلى عُمر بن الخطَّاب بعد أن استشار كِبار الصَّحابة من أهل الحل والعقد لِيقف عند توجُّهاتهم وآرائهم.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الجوزي|ابن الجوزي، جمالُ الدين أبو الفرج عبدُ الرحمٰن بن عليّ بن مُحمَّد]]|مؤلف2= تحقيق حلمي مُحمَّد إسماعيل|عنوان= مناقب أميرُ المؤمنين عُمر بن الخطَّاب {{رضي الله عنه}}|صفحة= 67|سنة= [[1996]]م|ناشر=  دار ابن خلدون|مكان= [[عمان (مدينة)|عمَّان]] - [[الأردن]]}}</ref> وتوفي أبو بكر بعد خمسة عشر يومًا، وبالتحديد يوم الإثنين في [[22 جمادى الآخرة]] [[13 هـ|13هـ]] المُوافق فيه [[22 أغسطس|22 آب (أغسطس)]] [[634]]م. حتَّى وفاة أبي بكر جرت في سواد العراق غارات ومُناوشات عديدة بين المُسلمين وبين الفُرس ومن ساندهم من العرب المُتنصِّرة القاطنين هُناك، لكنَّ هؤلاء عجزوا عن وقف هجمات المُسلمين، واستمرَّت الفرق الإسلاميَّة تجوب أراضي السّواد مُغيرةً على هذه القرية أو تلك، لكن في المُدَّة بين رحيل خالد بن الوليد إلى الشَّام ووفاة أبي بكر، لم تحدث إلَّا اصطدامات محدودة، بفعل أنَّ جيش العراق ضعف بغياب خالد وبخاصَّةً أنَّهُ فصل معه أكثر من نصف القُوَّات. وانهمك الفُرس في المُقابل في الصِّراعات الدَّاخليَّة والتَّنافس على الحُكم، ممَّا أدَّى إلى رُكود الجبهة العراقيَّة. واضطرَّ المُثنَّى، على الرُغم من براعته القتاليَّة وانتصاره على جيشٍ فارسيّ بقيادة هُرمز جاذويه في أواخر شهر ربيع الأوَّل سنة 13هـ المُوافق لِأواخر شهر أيَّار (مايو) سنة 634م، اضطَّر أن ينكفئ إلى الحيرة ويتحصَّن بها، إلَّا أنَّهُ احتفظ بكُلِّ ما غنمهُ المُسلمون من سواد العراق.<ref name="المُثنّى">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الثالث|طبعة= الثانية|صفحة= 411 - 414|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وكان لا بُدَّ للمُسلمين إن رغبوا بالتقدُّم أكثر أن يُعززوا قُوَّاتهم العسكريَّة المُرابطة في العراق، فغادر المُثنّى مُتجهًا إلى المدينة ليبحث مع أبي بكر في الوضع الميداني على الجبهة العراقيَّة ويُقدِّم له مشروعًا جديدًا للتعبئة العامَّة من واقع تجنيد من ظهرت توبتهُ من أهل الرِّدَّة، وعندما وصل إليها وجد أبا بكر مريضًا، ولمَّا أفضى إليه ما جاء من أجله، استدعى عُمر وأوصاهُ بندب النَّاس مع المُثنّى إذا توفي.<ref name="المُثنّى"/>

وما كاد عُمر يفرغ من دفن أبي بكر بعد وفاته حتَّى دعا النَّاس إلى التطوُّع لِحرب الفُرس مع المُثنّى، وركَّز على تعبئة المُسلمين على الجبهة العراقيَّة. وأدَّى المُثنّى دورًا بارزًا في ذلك حين اجتمع به وشرح لهُ الوضع المُتدهور للفُرس، وشجَّعه على إرسال المُسلمين لِتكثيف حملاتهم على أراضي السَّواد، إذ لا بقاء لهم في العراق، إذا لم تُعزَّز قُوَّاتهم هُناك بمددٍ قويٍّ. أحجم مُعظم المُسلمين عن الاستجابة لِنداء عُمر، إذ كانت العرب تهابُ الفُرس وتخافُ الخُروج لِقتالِهم، فكانت حُدود فارس تبدو صعبة في نظر العرب، وخطرة ورهيبة، كما كانت تُثيرُ الكثير من الاحترام في نُفوسهم، ويتجنَّبون تجاوزها خشيةً من مُلوك الفُرس لاعتقادهم بأنَّهم على قدرٍ من القُوَّة يكفل لهم إدخال شُعوب سائر الدُول تحت سُلطانهم.<ref name="الاستنفار">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الثالث|طبعة= الثانية|صفحة= 444 - 445|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وقد أدرك عُمر، من واقع الوضع الميداني، عِظم المُهمَّة، ورأى في المُقابل ضآلة حجم الاستجابة، فكان لا بُدَّ بنظره من إشراك كافَّة المُسلمين ودفعهم لِمُواجهة الفُرس، فقام برفع الحاجز بين القبائل التي استمرَّت على إسلامها بعد وفاة النبيّ وبين القبائل التي ارتدَّت، فدعا من ارتدَّ وحسُن إسلامه للاشتراك في الفُتوح.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[أيمن إبراهيم|إبراهيم، أيمن]]|عنوان= الإسلام والسُلطان والملك|طبعة= الأولى|صفحة= 145|سنة= [[1998]]م|ناشر= دار الجُندي للنشر|مكان= [[القدس]] - [[فلسطين]]}}</ref> كان صدى دعوة عُمر عند قبائل الرِّدَّة من نوعٍ آخر تمامًا قياسًا بِقبائل المدينة، فقد استجابت هذه القبائل لِدعوة الخليفة وكأنَّها كانت تنتظرها، وسارعت بإرسال جُموعها إليه لِتلبية النداء. وهكذا رُفع الحاجز بين المدينة وبين قبائل الرِّدَّة، وأخذت هذه تتدفَّق على المدينة بتسارُعٍ مُذهلٍ طالبةً الاشتراك في الفُتوح.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الثالث|طبعة= الثانية|صفحة= 448|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> واختار عُمر [[أبو عبيد الثقفي|أبا عُبيد بن مسعود الثقفي]] قائدًا للجيش لأنَّه أوَّل من لبّى النداء، مُتجاوزًا المُثنّى الذي أرسلهُ إلى العراق على عجلٍ لِتهيئة الأجواء واستنفار من حسُن إسلامه من أهل الرِّدَّة.<ref name="الاستنفار"/>

=== الوضع الداخليّ في فارس ===
ساد البلاط الفارسيّ آنذاك جوٌّ من الاضطراب بسبب الصراع على العرش، وتهاوى عدَّة مُلوك في تسارُعٍ مُستمرٍّ وفي مُدَّةٍ زمنيَّةٍ قياسيَّة، ففقد الفُرس بذلك فُرصة استغلال الموقف الناجم عن مُغادرة خالد العراق ورحيل المُثنّى إلى المدينة لاستعادة الأراضي التي خسروها أمام المُسلمين وطرد هؤلاء من العراق.<ref name="الاستنفار"/> وفي جميع الأحوال فإنَّ الصراع على مُلك فارس كان قد استقرَّ على تمليك [[بوران دخت|بوراندخت]] بنت كسرى، فاعتلت العرش بمُساعدة القائد [[رستم فرخزاد|رُستم فرُّخزاد]] اصبهبذ خُراسان؛ ثُمَّ رأت في شخصه القائد الذي يُنقذ فارس من كبوتها، من التردي الداخليّ والتقهقر العسكريّ أمام المُسلمين، فملَّكتهُ وعيَّنتهُ على حرب فارس، وأطلقت يدُه في السُلطة مُدَّة عشر سنوات يكونُ المُلك بعدها لآل كِسرى، وأمرت وُلاة الإمبراطوريَّة وأعيانها بِطاعته، فاستجابوا لها. وبذلك أنهى الفُرس صراعاتهم واتَّحدوا لٍمُواجهة الزحف الإسلامي، واستردَّت الإمبراطوريَّة قُوَّتها السَّابقة.<ref name="فرُّخزاد">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الثالث|طبعة= الثانية|صفحة= 447 - 449|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref>

أقدم رُستم على خُطوةٍ أولى وهي خلق وعي قومي فارسي في المُدن والقُرى التي فتحها المُسلمون وإثارة سُكَّانها ضدَّ حُكَّامهم الجُدد. فأرسل العُمَّال والنُقباء إلى جميع مُدن العراق لِيُثيروا الحمية الدينيَّة والقوميَّة. فاندلعت نتيجة ذلك، الثورة ضدَّ المُسلمين في جميع مُدن الفُرات، وفقد هؤلاء المناطق التي كانت بحوزتهم.<ref name="فرُّخزاد"/> وجهَّزت بوران جيشًا كبيرًا بِقيادة نرسي ابن خالة كسرى وجابان وهو أحد أثرياء العراق المعروف بعدائه الشديد للمُسلمين. وسلك هذان القائدان طريقين مُختلفين تحسُبًا من أن ينقض عليهما المُسلمون. فوصل نرسي إلى كسكر بين الفُرات و[[دجلة|دِجلة]] وعسكر فيها بناءً لأوامر رُستم. وتخطّى جابان الحيرة ونزل في موقع مُتقدِّم في النمارق بين الحيرة و[[قادسية (توضيح)|القادسيَّة]]، وطلب القائدان مزيدًا من القُوَّات من المدائن تعزيزًا لِصُفوفهما.<ref name="فرُّخزاد"/> ووصل المُثنّى في هذا الوقت، إلى الحيرة، ولمَّا علِم بالاستعدادات الفارسيَّة الضخمة، أدرك أنَّهُ لا قِبل له بِلقاء من عبَّأهم الفُرس، فآثر الحذر وانسحب من الحيرة إلى موضع خفَّان قُرب [[الكوفة|الكُوفة]]، وأدركهُ أبو عُبيد فيها.<ref name="فرُّخزاد"/>

=== معارك النمارق والسقاطيَّة وباقسياثا ===
{{مفصلة|معركة  النمارق}}
عبَّأ أبو عُبيد جيش المُسلمين البالغ عشرة آلاف مُقاتل وزحف من خفَّان نحو النمارق، وعسكر بمُواجهة جابان. وفي المعركة التي دارت بين الطرفين يوم 8 شعبان 13هـ المُوافق فيه 8 تشرين الأوَّل (أكتوبر) 634م، هُزم الفُرس ووقع جابان في الأسر، ولم يكن يعرفهُ المُسلمون، فتمكَّن بدهائه من خديعة آسره، ففدى نفسهُ وهرب، كما أُسر القائدان جوشن شاه ومُردان، وقُتل الثاني على يد آسره.<ref name="فرُّخزاد"/> توجَّه من نجا من الفُرس إلى كسكر لِينضم إلى جيش نرسي، فطاردهم المُثنّى حتَّى دُرنا، وهي إحدى أبواب فارس. ووصلت في ذلك الوقت أنباء هزيمة جابان إلى المدائن، فجهَّز رُستم جيشًا آخر بقيادة الجاليونس ودفعهُ إلى أرض المعركة مددًا لِنرسي. وتمنَّى هذا الأخير أن يُدركه قبل الاشتباك مع المُسلمين، فراح يُناورُ ويتمهَّلُ في خوض المعركة، غير أنَّ أبا عُبيد لم يُمهلهُ كثيرًا واصطدم بِقُوَّاته في السقاطيَّة الواقعة جنوبي كسكر قُرب [[واسط (توضيح)|واسط]]، وذلك في 12 شعبان 13هـ المُوافق فيه 12 تشرين الأوَّل (أكتوبر) 634م، وانتصر عليه، وفرَّ نرسي في جو الهزيمة القاتم.<ref name="النمارق">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الثالث|طبعة= الثانية|صفحة= 350 - 352|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> رفعت هذه الانتصارات الروح المعنويَّة للمُسلمين، وحفَّزتهم على تكثيف حملاتهم في السَّواد. فأرسل أبو عُبيد مجموعاتٍ صغيرةٍ من الجيش لِمُطاردة فُلول الفُرس والإغارة على قُرى السَّواد.<ref name="النمارق"/> شعر أهلُ القُرى في السَّواد بعجزهم عن مُواجهة غارات المُسلمين، والحدِّ منها وبخاصَّةً أنَّ القُوَّات الفارسيَّة قد انسحبت من المنطقة، فاضطرّوا إلى مُهادنتهم على أن يؤدوا لهم الجزية ويدخُلوا في ذِمَّتهم.<ref name="النمارق"/> عسكر الجالينوس في باقسياثا وتقوّى بمن انضمَّ إليه من فُلول جابان، فاصطدم به أبو عُبيد في 17 شعبان 13هـ المُوافق فيه 16 تشرين الأوَّل (أكتوبر) 634م وهزمه. وفرَّ القائد الفارسيّ من أرض المعركة وعاد إلى المدائن. وانتشر المُسلمون في قُرى السَّواد وغلبوا على تلك البلاد.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[البلاذري|البلاذريّ، أحمد بن يحيى بن جابر بن داود]]|عنوان= [[فتوح البلدان|فُتوح البُلدان]]، الجزء الثاني|صفحة= 307|سنة= [[1988]]م|ناشر= دار ومكتبة الهلال|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>

=== معركة الجسر ===
{{مفصلة|معركة الجسر}}
[[ملف:Umar Farrukh's Battle of al-Qādisiyyah.png|تصغير|يمين|رسم تخيُّلي لِلمُسلمين وهم يُقاتلون [[فيل حربي|الفيلة الحربيَّة]] الفارسيَّة.]]
تملَّك رُستم الغيظ من هزيمة الفُرس، وثارت حفيظة هؤلاء عندما بدأوا يستوعبون مقدار الخطر الحقيقي الذي يُهدِّدهم، فجهَّزوا جيشًا كبيرًا قوامه اثنا عشر ألف مُقاتل و[[فيل آسيوي|فيلة]] بجلاجل وأرسلوه إلى الحيرة، بقيادة [[بهمن جاذويه|ذي الحاجب بهمن جاذويه]]، وهو أشدُّ العجم على المُسلمين، ورافقه الجالينوس. ويبدو أنَّ رُستم أراد أن يكسب معركةً أمام المُسلمين تُعيد إلى دولته مُوازنة الموقف، ولِحُكومته هيبتها، ولِجيُوشه روحها المعنويَّة وثقتها بنفسها. رأى أبو عُبيد، عندما علم بالاستعدادات الفارسيَّة الضخمة؛ أن يتمهَّل ويتحصَّن في مكانٍ أكثر أمنًا، ويُراقب تحرُّكات الجيش الفارسيّ، فارتحل عائدًا إلى الحيرة. وعندما تناهى إلى أسماعه أنَّ وجهة الفُرس هي الحيرة، قرَّر أن يصطدم بهم خارجها، فخرج منها وتوجَّه إلى «قُس الناطف»، على شاطئ الفُرات الشرقي قُرب الكُوفة، ومعهُ تسعة آلاف رجل. ولمَّا وصل بهمن جاذويه إلى قس الناطف عسكر على الضِفَّة المُقابلة، وفصل نهرُ الفُرات بين الجيشين. وتحدَّى أبا عُبيد الفُرس بالعُبور إلى المُسلمين أو يعبر المُسلمون إليهم. ولمَّا قرَّر أن يعبُر بالمُسلمين نهاهُ المُثنّى بن حارثة، فاعتبر ذلك جُبنًا، وتحكَّمت به عواطفهُ فقال: {{اقتباس مضمن|لا يَكُونُونَ أَجْرَأَ عَلَى الْمَوْتِ مِنَّا، بَلْ نَعْبُرُ إِلَيْهِمْ!}}.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الثالث|طبعة= الثانية|صفحة= 454|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> عبر المُسلمون نهر الفُرات فوق جسرٍ قديمٍ ردمهُ أبو عُبيد، وكان بهمن قد ترك لهم مكانًا ضيِّقًا أجبرهم على النُزول فيه خاليًا من مجال الكرِّ والفر، ممَّا أققدهم حُريَّة الحركة والانتشار، وميزة المُناورة، ففرض عليهم بذلك المعركة وأُسلوب القِتال. ودارت بين الطرفين رحى معركة ضارية أدَّت الفيلةُ فيها دورًا كبيرًا، بل إنَّها حدَّدت نتائجها مُبكرًا حيثُ كانت تُجفلُ خيل المُسلمين، وإذ حُشر هؤلاء في مكانٍ ضيِّقٍ، فقد أمطرهُم الفُرس بالسِّهام، ومزَّقوا صُفوفهم. وأمر أبو عُبيد بقتل الفيلة، وعندما أوشكوا على قتلها جميعًا، خبط أحدُ الفيلة، وكان فيلًا أبهتُ لونًا من بقيَّة الفيلة عُرف بالفيل الأبيض، خبط أبا عُبيد ثُمَّ وطئه فمات.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[البلاذري|البلاذريّ، أحمد بن يحيى بن جابر بن داود]]|عنوان= [[فتوح البلدان|فُتوح البُلدان]]، الجزء الثاني|صفحة= 308|سنة= [[1988]]م|ناشر= دار ومكتبة الهلال|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> عندئذٍ أدرك المُثنّى حرج الموقف وأنَّ المعركة خاسرة، فأعلن الإنسحاب، لكنَّ عبد الله بن مرثد الثقفي قطع الجسر على المُسلمين ليُرغمهم على الصُمود، وقيل قطعهُ الفُرس أو انكسر لِقِدمه وعدم قُدرته على تحمّل وزن من عبر عليه، فوقع المُسلمون في مصيدة القتل والغرق. وأعاد المُثنَّى عقد الجسر فتراجع عليه حوالي ثلاثة آلاف رجل نحو أُليس بعد أن قُتل وغرق في الفُرات أربعة آلاف وأُصيب المُثنّى بجراحٍ بليغة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= شبارو، عصام مُحمَّد|عنوان= الدولة العربيَّة الإسلاميَّة الأولى|طبعة= الثالثة|صفحة= 285|سنة= [[1995]]م|ناشر= [[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربيَّة]]|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> لم يتعقَّب بهمن جاذويه المُسلمين لأنَّ أخبارًا وصلته عن نُشوب ثورةٍ ضدَّ رُستم في المدائن، فآثر العودة إليها حتَّى يكون قريبًا من مجرى الأحداث.

=== معركة البُويب ===
{{مفصلة|معركة البويب{{!}}معركة البُويب}}
تلقَّى عُمر بن الخطَّاب نبأ هزيمة المُسلمين بِهُدوءٍ لافت، ولم يؤنِّب الفارّين من ساحة القتال، بل نعى من قضى نحبه وراح يواسي النَّاس.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الثالث|طبعة= الثانية|صفحة= 459|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وأدرك عُمر أنَّ المُثنّى بحاجةٍ إلى مدد يُرسل إليه على وجه السُرعة كي يُواجه هذا الموقف الدقيق، فقام بتكثيف حملاته التعبويَّة بين قبائل الرِّدَّة، وأرسل رُسُله إليها يدعوها للسير نحو فارس لِغزوها، فاستجابت لِندائه، وتوافدت على المدينة الحُشود العظيمة من مُختلف أنحاء شبه الجزيرة العربيَّة، فدفع بها إلى أرض العراق مددًا للمُثنّى، وكان على رأسها [[جرير بن عبد الله البجلي|جُرير بن عبدُ الله البجلي]] وعِصمة بن عبدُ الله الضبّي، وانضمّوا إلى المُثنّى في البُويب على غرب الفُرات. ومن ناحيةٍ أُخرى أرسل المُثنّى النُقباء إلى جميع المناطق الحُدوديَّة يستفزُّ العرب، وكان من ضمنهم جُموعٌ من [[مسيحيون عرب|المسيحيين]] من بني النمر، على رأسهم أنس بن هلال النمريّ، وقد آثر هؤلاء الانضمام إلى المُسلمين والقِتال تحت رايةٍ واحدة ضدَّ [[عجم|العجم]]، بعد أن جمعتهم الرَّابطة اللُغويَّة والقوميَّة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الثالث|طبعة= الثانية|صفحة= 464|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref>

تناهت إلى أسماع الفُرس أنباء الإمدادات الإسلاميَّة التي كانت تُرسل تِباعًا إلى العراق، فهالهم أمرها، وأدركوا أنَّ انتصارهم في [[موقعة الجسر|معركة الجسر]] لم يكن حاسمًا، وأنَّهُ لا بُدَّ من التغاضي عن الخِلافات الداخليَّة وتوحيد الجُهود لدفع الخطر الإسلامي عن البلاد. وهكذا أنهى رُستم خِلافه مع فيروز، الطَّامع باعتلاء العرش الفارسيّ، وتمَّ إعداد جيش قوامه اثنا عشر ألف مُقاتل بِقيادة [[معركة البويب|مهران بن باذان الهمذانيّ]]، ودُفع إلى ساحة القتال.<ref name="البُويب">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[البلاذري|البلاذريّ، أحمد بن يحيى بن جابر بن داود]]|عنوان= [[فتوح البلدان|فُتوح البُلدان]]، الجزء الثاني|صفحة= 254 - 255|سنة= [[1988]]م|ناشر= دار ومكتبة الهلال|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وعندما علِم المُثنّى بأنباء خُروج الفُرس للقِتال، سار بعساكره إلى البُويب وأرسل إلى جُرير بن عبدُ الله البجلي أن يُوافيه هُناك ففعل، وعسكر المُسلمون على شاطئ الفُرات الشرقي، وعسكر الفُرس مُقابلهم لا يفصلُ بينهما سوى النهر.<ref name="البُويب"/> اشتبك الجمعان في رحى معركةٍ طاحنة أدارها المُثنّى بِحكمةٍ بالغة ممَّا كفل لهُ النصر. وقُتل مهران في المعركة وتشتَّت جيشهُ وفرَّ أفراده في فوضى واضطراب، فطاردهم المُسلمون طيلة يومين وقتلوا منهم وأسروا الكثير، وسُمي هذا اليوم «يوم الأعشار» لأنَّهم أحصوا مائة رجلٍ قتل كُلٌّ منهم عشرة في المعركة.<ref name="البُويب"/>

=== تولية يزدجرد الثالث السُلطة ===
جعلت هزيمة البُويب أشراف الفُرس يجتمعون حول تولية ملك عليهم من سُلالة كسرى، فأدركوا خُطورة الموقف، وأنَّ ما بعد سُقوط الحيرة وتكريت وساباط سوى سُقوط المدائن.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= بيضون، إبراهيم|عنوان= ملامح التيَّارات السياسيَّة في القرن الأوَّل الهجريّ|طبعة= الأولى|صفحة= 53 - 54|سنة= [[1979]]م|ناشر= [[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربيَّة]]|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وتشاور أركانُ الحُكم ونصبوا يزدجرد ابن شهريار بن كسرى، وهو [[يزدجرد الثالث]]، وكان عُمره إحدى وعشرين سنة وقيل خمس عشرة سنة، وعزلوا بوراندخت. وعيَّن يزدجرد رُستم فرُّخزاد قائدًا للجيش وكلَّفهُ بأمر المُسلمين في الجنوب، وجدَّد المسالح والثُغور وعيَّن عليها حامياتٍ عسكريَّة، فسمَّى جُند الحيرة والأنبار والمسالح وجُند الأبلة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[الدينوري (توضيح)|الدينوري، أبو حنيفة أحمد بن داود]]|مؤلف2= تحقيق عبد المنعم عامر|مؤلف3= مُراجعة الدكتور [[جمال الدين الشيال|جمالُ الدين الشيَّال]]|عنوان= [[الأخبار الطوال]]|طبعة= الأولى|صفحة= 115 - 119|سنة= [[1960]]م|ناشر= دار إحياء الكتاب العربي |مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref>

=== معركة القادسيَّة ===
{{مفصلة|معركة القادسية{{!}}معركة  القادسيَّة}}
[[ملف:Mohammad adil rais-battlefield of qadisiyyah-ar.PNG|تصغير|يمين|خريطة لِموقع معركة القادسيَّة، ويظهرُ الجيشُ الإسلاميّ باللون الأحمر، والجيشُ الفارسيّ باللون الأزرق.]]
[[ملف:Shahnameh3-1.jpg|تصغير|يمين|مُنمنمة فارسيَّة لِمعركة القادسيَّة من كتاب [[الشاهنامه|شاهنامه]] [[أبو قاسم الفردوسي|لِأبي القاسم الفردوسيّ]].]]
سار الجيشُ الفارسيّ بِقيادة رُستم، فاحتلَّ الجزيرة وحصَّن المُدن إلى الحيرة، فتراجع المُثنّى إلى الطق قُرب الكُوفة، فنقض [[أهل الذمة|أهلُ الذمَّة]] في العراق العُهود والذِمم والمواثيق التي كانوا أعطوها خالد بن الوليد باستثناء البعض منهم، فأخذ المُثنّى يطلُب الإمدادات من عُمر بن الخطَّاب الذي قال: {{اقتباس مضمن|وَاللهِ لَأَضرِبَنَّ مُلُوُكَ الْعَجمِ بِمُلُوكَ الْعَرَبِ}}، وخرج بنفسه في أوَّل مُحرَّم سنة 14هـ المُوافقة لِسنة 635م لِيُعسكر في [[صرار]] على بُعد ثلاثة أميال من المدينة على طريق العراق، يُريد قيادة الجيش الإسلامي بنفسه والذَّهاب للحرب. لكنَّ الصحابة أشاروا عليه أن يبقى في المدينة لأنَّ ذهابه يتعارض مع المصلحة العامَّة، وعرضوا عليه أن يُعيِّن قائدًا للجيش يذهب بدلًا منه، وتقرَّر بعد التشاور تعيين [[سعد بن أبي وقاص|سعد بن أبي وقَّاص]] قائدًا عامًا للحملة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[البلاذري|البلاذريّ، أحمد بن يحيى بن جابر بن داود]]|عنوان= [[فتوح البلدان|فُتوح البُلدان]]، الجزء الثاني|صفحة= 255|سنة= [[1988]]م|ناشر= دار ومكتبة الهلال|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> خرج سعد بن أبي وقَّاص في أربعة آلاف من المدينة المُنوَّرة، وقيل في ستَّة آلاف،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن كثير الدمشقي|ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عُمر القُرشي البصري الدمشقي]]|مؤلف2= تحقيق عبدُ الله بن عبد المُحسن التُركي|عنوان= [[البداية والنهاية]]، الجزء السَّابع|طبعة= الأولى|صفحة= 36|سنة= [[1418 هـ|1418هـ]] - [[1997]]م|ناشر= دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> ثُمَّ لحق به بعد خُروجه أربعة آلاف أُخرى، وانضمَّ إليه ثلاثة آلاف من بني أسد فيهم [[طليحة بن خويلد الأسدي|طُليحة الأسدي]] الذي تنبَّأ أيَّام الرِّدَّة ثُمَّ أسلم، كما لحق به [[الأشعث بن قيس]] في ألفٍ وسبعُمائةٍ من أهل اليمن. وقبل وُصوله بِقليل، توفي المُثنَّى بن حارثة من الجُرح الذي أصابهُ يوم الجسر.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الثالث|طبعة= الثانية|صفحة= 489 - 490|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> نزل سعد بن أبي وقَّاص في «شراف» حيثُ انضمَّت إليه القُوَّات الموجودة في العراق، ثُمَّ سار بالقُوَّات مُجتمعةً فنزل بها بين العذيب والقادسيَّة، والإمدادات تتوالى حسب أوامر عُمر بن الخطَّاب، فانضمَّ إليه [[المغيرة بن شعبة|المُغيرة بن شُعبة]] وهاشم بن عُتبة بن أبي وقَّاص والقعقاع بن عمرو التميميّ وقيس بن مكشوح، وكان هؤلاء أخبر من غيرهم في حرب الفُرس نظرًا لأنَّهم كانوا مع خالد بن الوليد أيَّام الفُتوحات الأولى للعراق.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[اليعقوبي|اليعقوبي، أبو العبَّاس أحمد بن إسحٰق بن جعفر بن وهب بن واضح]]|مؤلف2= تحقيق: عبدُ الأمير مُهنَّا|عنوان= [[تاريخ اليعقوبي]]، الجزء الثاني|طبعة= الأولى|صفحة= 144|سنة= [[1993]]م |ناشر= مؤسسة الأعلمي للمطبوعات|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> كما انضمَّت القبائل العربيَّة المسيحيَّة إلى صُفوف المُسلمين، وأعلنت أنَّ نقضها العهد الذي قطعته لِخالد بن الوليد عند مجيء رُستم كان بضغطٍ من الفُرس الذين أخذوا منها الخِراج، ودخل الكثير من أبنائها في الإسلام.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= شبارو، عصام مُحمَّد|عنوان= الدولة العربيَّة الإسلاميَّة الأولى|طبعة= الثالثة|صفحة= 288|سنة= [[1995]]م|ناشر= [[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربيَّة]]|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>

نزل الفُرس بِقيادة رُستم، بين الحيرة والسياخين، في جيشٍ عرمرميّ قيل بأنَّهُ ضمَّ مائة وعشرين ألف مُقاتل نصفهم من الفُرسان الدَّارعين، وثلاثة وثلاثين فيلًا،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الثالث|طبعة= الثانية|صفحة= 510|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> أي أكثر من ثلاثة أضعاف قُوَّة المُسلمين. وزحف رُستم نحو القادسيَّة، وعسكر على بُعد ميلٍ واحدٍ فقط من المُسلمين، ولم يشتبك معهم في مُحاولةٍ منه لإدخال الضجر والملل إلى قُلوبهم لِينسحب منهم أكبر قدرٍ مُمكن.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير الجزري، عزُّ الدين أبي الحسن عليّ بن أبي الكرم مُحمَّد بن مُحمَّد بن عبدُ الكريم بن عبد الواحد الشيباني]]|مؤلف2= تحقيق أبو الفداء عبدُ الله القاضي|عنوان= [[الكامل في التاريخ]]، الجزء الثاني|طبعة= الأولى|صفحة= 455|سنة= [[1407 هـ|1407هـ]] - [[1987]]م|ناشر= دار الكُتب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> كتب سعد بن أبي وقَّاص إلى عُمر يشرح لهُ الموقف الميدانيّ، فأجابهُ عُمر بأن يبعث إلى شاه فارس من يُناظرونه ويدعونه إلى الإسلام قبل الإقدام على القِتال، فامتثل سعدٌ لِأوامر الخليفة، وبعث النُعمان بن مُقرن وعاصم بن عمرو في طائفةٍ من أصحابه إلى يزدجرد، فسخر منهم ومن العرب أجمعين مُهددًا بِجيش رُستم الذي قال أنَّهُ سيدفن المُسلمين في خندق القادسيَّة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الثالث|طبعة= الثانية|صفحة= 499|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> كما جرت اتصالاتٌ مُكثَّفةٌ بين رُستم وسعد قبل القِتال، وتبادلا السُفراء، إذ كان رُستم قد تردَّد في خوض معركةٍ سافرة مع المُسلمين، وراسل سعدًا يطلب الصُلح، فأرسل لهُ ربيع بن عامر الذي عرض عليه أن يختار بين الإسلام أو الجزية أو الحرب، فيما عرض رُستم الكثير من العطايا والمِنح والوُفود على المُسلمين مُقابل عودتهم إلى بلادهم، فرُفض طلبه جُملةً وتفصيلًا، فاستشاط غضبًا وأقسم بالشمس أن يقتل كُل المُسلمين بحُلول الصباح، فتبدَّدت كُل آمال الصُلح والمُهادنة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الثالث|طبعة= الثانية|صفحة= 518 - 525|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> دامت المُفاوضات بين الفُرس والمُسلمين ثلاثة أيَّام، وفي اليوم الرَّابع وقعت المعركة، فالتقى الجمعان في الميدان، وكان سعدًا قد أُصيب [[عرق النسا|بِعرق النسا]] و[[قرحة (توضيح)|بِقُروحٍ]] مُتعدِّدة، وأصبح عاجزًا عن الحركة والمشي، فتمركز في قصرٍ ملكيٍّ قديمٍ يُشرفُ على ميدان القتال، وعيَّن [[خالد بن عرفطة]] قائدًا عامًا يُشرفُ على المعركة بدلًا منه. والتحم المُسلمون والفُرس في رُحى معركةٍ طاحنة استمرَّت ثلاثة أيَّام وليلة: يوم أرمات، ويوم غواث، ويوم عماس، وليلة الهرير.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= شبارو، عصام مُحمَّد|عنوان= الدولة العربيَّة الإسلاميَّة الأولى|طبعة= الثالثة|صفحة= 290|سنة= [[1995]]م|ناشر= [[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربيَّة]]|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> تحارب الطرفان طيلة الليل وحتَّى غُروب شمس يوميّ أرمات وغواث، وكانت الفيلةُ تُنفرُ الخُيول، فحملوا عليها في يوم عماس بأن هاجموا الفيل الأبيض والفيل الأجرب وهُما أكبرُ الفيلة بأن طعناها في المشافر والعُيون، فخرَّ الأبيضُ صريعًا وفرَّ الأجربُ في النهر فلحقتهُ سائرُ الفيلة، وهُنا وجد المُسلمون الفُرصة سانحة، فقاتلوا الفُرس طيلة الليل، وفي صباح اليوم الرَّابع «يومُ القادسيَّة»، بدأت الهزيمة تحلُّ بالفُرس، فقُتل رُستم على يد هلال بن علقمة التميميّ، وقُتل الجاليونس أثناء مُحاولته الفرار، ولاذ الجيشُ الفارسيّ بالفِرار عبر النهر.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن كثير الدمشقي|ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عُمر القُرشي البصري الدمشقي]]|مؤلف2= تحقيق عبدُ الله بن عبد المُحسن التُركي|عنوان= [[البداية والنهاية]]، الجزء السَّابع|طبعة= الأولى|صفحة= 44 - 46|سنة= [[1418 هـ|1418هـ]] - [[1997]]م|ناشر= دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وبهذا تحطَّمت القُوَّة الميدانيَّة للجيش الفارسيّ وازداد اليأس والاضطراب في البلاد بعد مقتل رُستم، وفُتحت أبواب فارس على مصراعيها أمام المُسلمين للتوغُل في بلاد الأعداء.

=== فتح المدائن ===
{{مفصلة|فتح المدائن}}
{{تاريخ إيران}}
[[ملف:Ctesiphon-ruin 1864.jpg|تصغير|يمين|أطلال إيوان كسرى في العراق. اتخذه المُسلمون مُصلّى عند فتح المدينة.]]
أرسل سعد [[زهرة بن الحوية التميمي]] في كتيبة لحصار بهرسير<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 622|المجلد= 3|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف|مكان= [[القاهرة]]|مسار= https://shamela.ws/book/9783/1894|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20221127211123/https://shamela.ws/book/9783/1894|تاريخ أرشيف= 27 نوفمبر 2022|تاريخ الوصول= 27 نوفمبر 2022|حالة المسار= bot: unknown}}</ref> أو نهرشير وهي المدائن الغربية، فتلقّاه شيرزاد في ساباط بالصلح وأداء الجزية، ثم سار سعد بالجنود إلى مكان يقال له [[مظلم ساباط|مُظلم ساباط]]، فوجد جندًا من الفرس تسمى جند بوران ومعهم [[أسد]] كبير يسمى المُقرّط، فتقدّم له هاشم بن عتبة فقتل الأسد، وهاجم المسلمون الفرس فهزموهم، ثم نزلوا نهرشير في ذي الحجة 15 هـ.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن كثير الدمشقي|ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عُمر القُرشي البصري الدمشقي]]|آخرون= علي شيري|عنوان= البداية والنهاية|طبعة= الأولى|صفحة= 71|المجلد=7|سنة= [[1408 هـ|1408هـ]] - [[1988]]م|ناشر= دار إحياء التُراث العربي|مكان= [[بيروت]]|مسار=https://shamela.ws/book/8376/2524|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20221129215156/https://shamela.ws/book/8376/2524|تاريخ أرشيف=[[29 نوفمبر]] [[2022]]}}</ref> بعث سعد السرايا في كل جهة يطلبون جند الفرس، فلم يجدوا أحدًا سوى الفلاحين، فجمع سعد منهم مائة ألف وكتب إلى عمر يستفته في أمرهم، فكتب إليه عمر: {{اقتباس مضمن|إِنَّ مَنْ كَانَ مِنَ الْفَلَّاحِينَ لَمْ يُعِنْ عَلَيْكُمْ وَهُوَ مُقِيمٌ بِبَلَدِهِ فَهُوَ أَمَانُهُ، وَمَنْ هَرَبَ فَأَدْرَكْتُمُوهُ فَشَأْنُكُمْ بِهِ.}} فأطلقهم سعد ودعاهم للإسلام، فاختاروا الجزية. أقام سعد على حصار نهرشير، وشدد الحصار شهرين حتى أرسل له الفرس يسألونه الصلح على أن يكون دجلة فاصلاً حدوديًا بين أرض المسلمين وأرض الفرس،<ref name="shamela.ws">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن كثير الدمشقي|ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عُمر القُرشي البصري الدمشقي]]|آخرون= علي شيري|عنوان= البداية والنهاية|طبعة= الأولى|صفحة= 75|المجلد= 7|سنة= [[1408 هـ|1408هـ]] - [[1988]]م|ناشر= دار إحياء التُراث العربي|مكان= [[بيروت]]|مسار= https://shamela.ws/book/8376/2528|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20221129222515/https://shamela.ws/book/8376/2528|تاريخ أرشيف= 29 نوفمبر 2022|تاريخ الوصول= 29 نوفمبر 2022|حالة المسار= bot: unknown}}</ref> فرفض المسلمون وركب الفرس السفن بأموالهم في الليل إلى الضفة الأخرى من النهر إلى المدائن وتركوا نهرشير خاوية، فدخلها المسلمون. ولما فتح سعد نهرشير في صفر 16 هـ، بلغه نية يزدجرد الفرار بأمتعته وأمواله من المدائن إلى حلوان. فعزم على المسير إلى المدائن رغم فيضان دجلة وعدم وجود سفن تحمل المسلمين عبر النهر.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن كثير الدمشقي|ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عُمر القُرشي البصري الدمشقي]]|آخرون= علي شيري|عنوان= البداية والنهاية|طبعة= الأولى|صفحة= 74|المجلد= 7|سنة= [[1408 هـ|1408هـ]] - [[1988]]م|ناشر= دار إحياء التُراث العربي|مكان= [[بيروت]]|مسار= https://shamela.ws/book/8376/2527|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20221129222515/https://shamela.ws/book/8376/2527#p1|تاريخ أرشيف= 29 نوفمبر 2022|تاريخ الوصول= 29 نوفمبر 2022|حالة المسار= bot: unknown}}</ref>

انتدب عاصم بن عمرو التميمي وستمائة فارس معه للعبور إلى الضفة الأخرى من النهر، وحمايتها حتى يتسنى لجيش المسلمين العبور دون أن يهاجمهم الفرس، فعبر عاصم ومن معه النهر على ظهور الخيل. حاول الفرس منع كتيبة عاصم من عبور النهر، لكن دون جدوى حيث عبر عاصم النهر بكتيبته ودفع الفرس عن ضفة النهر حتى استطاع جيش المسلمين العبور.<ref name="shamela.ws"/> طارد جيش المسلمين الفرس حتى دخل المدائن فوجدها خاوية حيث فرّ يزدجرد بأهله ومعه ما قدر على حمله، ولم يجد المسلمون مقاومة إلا في القصر الأبيض الذي تحصّن فيه بعض المقاتلين، فأمهلهم ثلاثة أيام للتسليم، فقبلوا بالتسليم في اليوم الثالث. ودخل سعد [[إيوان المدائن|إيوان كسرى]]، وجعله مُصلّى وقرر الإقامة في المدائن، وأرسل إلى عائلات الجند ليُسكنهم دور المدائن.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن كثير الدمشقي|ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عُمر القُرشي البصري الدمشقي]]|آخرون= علي شيري|عنوان= البداية والنهاية|طبعة= الأولى|صفحة= 76|المجلد= 7|سنة= [[1408 هـ|1408هـ]] - [[1988]]م|ناشر= دار إحياء التُراث العربي|مكان= [[بيروت]]|مسار= https://shamela.ws/book/8376/2529|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20221129222517/https://shamela.ws/book/8376/2529#p1|تاريخ أرشيف= 29 نوفمبر 2022|تاريخ الوصول= 29 نوفمبر 2022|حالة المسار= bot: unknown}}</ref> ثم أرسل سعد سرايا لمطاردة يزدجرد، فأدركت بعض جند يزدجرد وقتلوهم واستردوا جزءً من حُليّ كسرى وتاجه. غنم المسلمون من المدائن الكثير من الأموال ومن كنوز كسرى،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن كثير الدمشقي|ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عُمر القُرشي البصري الدمشقي]]|آخرون= علي شيري|عنوان= البداية والنهاية|طبعة= الأولى|صفحة= 77|المجلد= 7|سنة= [[1408 هـ|1408هـ]] - [[1988]]م|ناشر= دار إحياء التُراث العربي|مكان= [[بيروت]]|مسار= https://shamela.ws/book/8376/2530|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20221129222520/https://shamela.ws/book/8376/2530#p1|تاريخ أرشيف= 29 نوفمبر 2022|تاريخ الوصول= 29 نوفمبر 2022|حالة المسار= bot: unknown}}</ref> فأرسل سعد الخمس إلى عمر في المدينة، وتولى [[سلمان الفارسي]] قسمة البقية بين جند المسلمين. وحين بلغ الخمس المدينة، ألقى عمر بسواري كسرى إلى [[سراقة بن مالك المدلجي]] تحقيقًا لوعد النبي محمد له عندما اعترض سراقة النبي محمد في هجرته إلى المدينة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن كثير الدمشقي|ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عُمر القُرشي البصري الدمشقي]]|آخرون= علي شيري|عنوان= البداية والنهاية|طبعة= الأولى|صفحة= 78|المجلد= 7|سنة= [[1408 هـ|1408هـ]] - [[1988]]م|ناشر= دار إحياء التُراث العربي|مكان= [[بيروت]]|مسار= https://shamela.ws/book/8376/2531|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20221129222520/https://shamela.ws/book/8376/2531#p1|تاريخ أرشيف= 29 نوفمبر 2022|تاريخ الوصول= 29 نوفمبر 2022|حالة المسار= bot: unknown}}</ref>

=== فتح جلولاء وحلوان ===
{{مفصلة|معركة جلولاء}}
بعد فتح المدائن، أتى المسلمون خبر فرار يزدجرد إلى حلوان وإرساله [[مهران رازي]] بجيش فارسي إلى [[جلولاء]] وخندقته عليه، وكذا بتجمُّع أهل نينوى في [[تكريت]]. فكتب سعد بذلك إلى عمر، فأمره بإرسال [[هاشم بن عتبة]] إلى جلولاء باثني عشر ألف، وأن يجعل على مقدمته القعقاع بن عمرو، وعلى ميمنته سعر بن مالك، وعلى ميسرته عمرو بن مالك بن عتبة، وعلى ساقته عمرو بن مرة الجهني.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 24|المجلد= 4|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف|مكان= [[القاهرة]]|مسار= https://shamela.ws/book/9783/1915|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20221129225730/https://shamela.ws/book/9783/1915|تاريخ أرشيف= 29 نوفمبر 2022|تاريخ الوصول= 29 نوفمبر 2022|حالة المسار= bot: unknown}}</ref> فخرج هاشم من المدائن في صفر 16 هـ بجيشه فضرب حصارًا على جلولاء<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 25|المجلد= 4|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف|مكان= [[القاهرة]]|مسار= https://shamela.ws/book/9783/1916|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20221129225735/https://shamela.ws/book/9783/1916#p1|تاريخ أرشيف= 29 نوفمبر 2022|تاريخ الوصول= 29 نوفمبر 2022|حالة المسار= bot: unknown}}</ref> وأخذ القتال يتجدد بينهم كل يوم وكل منهم لا يستطيع أن يهزم الآخر، حتى جاء يوم عاصف شدّ فيه القعقاع مع بعض الفرسان على فرسان الفرس، فسقط الفرس في الخندق فاضطروا لردم جزء يصعدوا منه<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير الجزري، عزُّ الدين أبي الحسن عليّ بن أبي الكرم مُحمَّد بن مُحمَّد بن عبدُ الكريم بن عبد الواحد الشيباني]]|آخرون= [[عمر عبد السلام تدمري]]|عنوان= الكامل في التاريخ|المجلد= 2|طبعة= الأولى|صفحة= 346|سنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1997]]م|ناشر= دار الكتاب العربي|مكان= [[بيروت]]|مسار= https://shamela.ws/book/21712/1037|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20221129225728/https://shamela.ws/book/21712/1037#p1|تاريخ أرشيف= 29 نوفمبر 2022|تاريخ الوصول= 29 نوفمبر 2022|حالة المسار= bot: unknown}}</ref> فانتهزها القعقاع فرصة وشد عليهم حتى وصل إلى باب حصنهم، فتحمّس المسلمون واستطاعوا هزيمة الفرس الذين كثر القتل فيهم يومها حتى جلّلت{{للهامش|2}} الأرض بالقتلى فسُمّيت من يومئذ بجلولاء، وغنم المسلمون من المال والسلاح قُرابة ما غنموا يوم المدائن،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن كثير الدمشقي|ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عُمر القُرشي البصري الدمشقي]]|آخرون= علي شيري|عنوان= البداية والنهاية|طبعة= الأولى|صفحة= 80|المجلد= 7|سنة= [[1408 هـ|1408هـ]] - [[1988]]م|ناشر= دار إحياء التُراث العربي|مكان= [[بيروت]]|مسار= https://shamela.ws/book/8376/2533|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20221129225729/https://shamela.ws/book/8376/2533#p1|تاريخ أرشيف= 29 نوفمبر 2022|تاريخ الوصول= 29 نوفمبر 2022|حالة المسار= bot: unknown}}</ref> وكان من سبي جلولاء أم [[عامر الشعبي|الفقيه الشعبي]]<ref name="الطبري28"/> وقد تم فتح جلولاء في ذي القعدة 16 هـ.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 32|المجلد= 4|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف|مكان= [[القاهرة]]|مسار= https://shamela.ws/book/9783/1923|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20221129225728/https://shamela.ws/book/9783/1923#p1|تاريخ أرشيف= 29 نوفمبر 2022|تاريخ الوصول= 29 نوفمبر 2022|حالة المسار= bot: unknown}}</ref> ثم أمر هاشم القعقاع بمطاردة فلولهم، فأدرك مهران في [[خانقين]] فقتله، وواصل القعقاع إلى حلوان.<ref name="الطبري28">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 28|المجلد= 4|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف|مكان= [[القاهرة]]|مسار= https://shamela.ws/book/9783/1919|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20221129225729/https://shamela.ws/book/9783/1919|تاريخ أرشيف= 29 نوفمبر 2022|تاريخ الوصول= 29 نوفمبر 2022|حالة المسار= bot: unknown}}</ref> فوجد يزدجرد قد فرَّ حين بلغه خبر جلولاء من حلوان إلى الجبال، وترك بحلوان فرسانًا بقيادة خسرو شنوم، فهزمهم القعقاع ودخل حلوان، ثم عاد إلى سعد وخلف قباذ على حلوان.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 34|المجلد= 4|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف|مكان= [[القاهرة]]|مسار= https://shamela.ws/book/9783/1925|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20221129225732/https://shamela.ws/book/9783/1925|تاريخ أرشيف= 29 نوفمبر 2022|تاريخ الوصول= 29 نوفمبر 2022|حالة المسار= bot: unknown}}</ref>

=== فتح تكريت والموصل ===
حين بلغ سعد تجمع أهل [[الموصل]] في [[تكريت]] على رجل يدعى الأنطاق،<ref name="البداية83">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن كثير الدمشقي|ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عُمر القُرشي البصري الدمشقي]]|آخرون= علي شيري|عنوان= البداية والنهاية|طبعة= الأولى|صفحة= 83|المجلد=7|سنة= [[1408 هـ|1408هـ]] - [[1988]]م|ناشر= دار إحياء التُراث العربي|مكان= [[بيروت]]|مسار=https://shamela.ws/book/8376/2536#p1|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20221202194239/https://shamela.ws/book/8376/2536|تاريخ أرشيف=[[2 ديسمبر]] [[2022]]}}</ref> أرسل إليهم جيشًا بقيادة عبد الله بن المُعتَمّ في خمسة آلاف وعلى مقدمته ربعي بن الأفكل العنزي وعلى ميمنته الحارث بن حسان الذهلي وعلى ميسرته فرات بن حيان العجلي وعلى ساقته هانئ بن قيس وعلى الفرسان [[عرفجة بن هرثمة البارقي|عرفجة بن هرثمة]]، فوجد الأنطاق قد اجتمعت إليه جماعة من الروم ومن مسيحيي العرب من إياد وتغلب والنمر قد خندقوا حولهم، فحاصرهم 40 يومًا حتى يأس العرب وراسلوا ابن المعتم يسألوه السلم،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 35|المجلد=4|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف |مكان= [[القاهرة]]|مسار=https://shamela.ws/book/9783/1926#p1|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20221202194557/https://shamela.ws/book/9783/1926|تاريخ أرشيف=[[2 ديسمبر]] [[2022]]}}</ref> فقبل شريطة أن يعاونوه على عدوه عبر حيلة اتفق معهم عليها. وفي صباح اليوم التالي، شد المسلمون على عدوهم وكبّروا، فكبّر عرب ربيعة، فظن الروم أن المسلمين قد أحاطوهم من الخلف، فاضطربت صفوفهم وتمّ النصر للمسلمين.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 36|المجلد=4|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف |مكان= [[القاهرة]]|مسار=https://shamela.ws/book/9783/1927#p1|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20221202194726/https://shamela.ws/book/9783/1927|تاريخ أرشيف=[[2 ديسمبر]] [[2022]]}}</ref> ثم أرسل ابن المعتم ربعي بن الأفكل في سرية كبيرة إلى الحصنين وهما [[نينوى]] والموصل<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير الجزري، عزُّ الدين أبي الحسن عليّ بن أبي الكرم مُحمَّد بن مُحمَّد بن عبدُ الكريم بن عبد الواحد الشيباني]]|آخرون= [[عمر عبد السلام تدمري]]|عنوان= الكامل في التاريخ|المجلد=2|طبعة= الأولى|صفحة= 349|سنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1997]]م|ناشر= دار الكتاب العربي|مكان= [[بيروت]]|مسار=https://shamela.ws/book/21712/1040#p1|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20221202194949/https://shamela.ws/book/21712/1040|تاريخ أرشيف=[[25 نوفمبر]] [[2022]]}}</ref> قبل أن تصلها أخبار هزيمة الأنطاق، ففوجئوا بهم وخضعوا له على أن يؤدوا الجزية.<ref name="البداية83"/>

=== فتح قرقيساء وهيت وماسبذان ===
بعد عودة هاشم بن عتبة من جلولاء إلى المدائن، بلغ سعد أن الفرس جمعوا جيشًا بقيادة آذين بن الهرمزان، فكتب إلى عمر بالأمر، فأمره بأن يبعث لهم جيشًا بقيادة [[ضرار بن الخطاب]]، فالتقى ضرار الفرس في بهندف، واقتتلوا فانتصر المسلمون، وقُتل آذين صبرًا، ثم سار إلى ماسبذان فافتتحها.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 37|المجلد=4|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف |مكان= [[القاهرة]]|مسار=https://shamela.ws/book/9783/1928#p1|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20221202195313/https://shamela.ws/book/9783/1928|تاريخ أرشيف=[[25 نوفمبر]] [[2022]]}}</ref> كما بلغ سعد أن أهل الجزيرة الفراتية قد بعثوا جيشًا لأهل [[هيت]]، فكتب إلى عمر، فأمره بإرسال عمر بن مالك بن عتبة بن [[نوفل بن عبد مناف|نوفل]] بن [[عبد مناف بن قصي|عبد مناف]] لقتالهم، فسار إليهم عمر بن مالك فوجد أهل هيت خندقوا حولهم، فحاصرهم وطال الحصار. فاستخلف الحارث بن يزيد العامري على حصارهم، وسار بنصف جيشه يريد [[قرقيسيا]]ء، ففاجئهم وقبلوا بأداء الجزية. ثم كتب ابن مالك للحارث، أن يعرض لى أهل هيت الجزية، فإن قبلوا تركهم وإن لم يفعلوا أن يخندق حول خندقهم، ولا يجعل له مخرجًا إلا فيما يليه، فقبل أهل هيت بالجزية.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 38|المجلد=4|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف |مكان= [[القاهرة]]|مسار=https://shamela.ws/book/9783/1929#p1|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20221202195455/https://shamela.ws/book/9783/1929|تاريخ أرشيف=[[25 نوفمبر]] [[2022]]}}</ref>

=== فتح الأبلة والبصرة ===
شكَّل قطاع الأبلة والبصرة والأحواز جبهة قتاليَّة مُساندة تزامنت أحداثها مع [[فتح المدائن]] وما تفرَّع عنه. لقد أراد عُمر بن الخطَّاب أن يفتح جبهةً ثانيةً ضدَّ يزدجرد الذي كان يُقاتلُ انطلاقًا من المدائن لِتخفيف الضغط عن هذه الجبهة، فأرسل [[عتبة بن غزوان|عُتبة بن غزوان المازنيّ]] إلى [[البصرة]] في أواخر ذي القعدة سنة 15هـ المُوافق لأواخر كانون الأوَّل (ديسمبر) سنة 636م، وحدَّد له هدفين: حجز القُوَّات الفارسيَّة في هذه المنطقة ومنعها من التحرُّك شمالًا لِمُساعدة جبهة المدائن، وفتح [[الأبلة]]، لأنَّ سُقوطها سوف يُربك الفُرس ويزيد الوضع الفارسيّ سوءًا. وأمرهُ أن يدعوا القوم إلى الإسلام، فمن أجابهُ قبِل منه، ومن أبى فعليه الجزية، وإلَّا فالسيف في غير هوادة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الثالث|طبعة= الثانية|صفحة= 590 - 592|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref>

وصل عُتبة إلى موضع الخُريبة بالبصرة في شهر ربيع الآخر سنة 16هـ المُوافق فيه شهر نيسان (أبريل) سنة 637م، على رأس ثمانمائة مُقاتل، وعسكر في أقصى البر من أرض العرب وأدنى أرض الريف من أرض العجم على مقربة من موقع البصرة المُعاصر، وأقام عدَّة أشهر لا يغزو ولا يُقاتل ولا يخرج إليه أحد من حامية الخُريبة، إذ لم يكن الفُرس يملُكون القوَّة الكافية للتصدّي للمُسلمين، فقبعوا في أماكنهم بانتظار تطوُّرات القتال في الشِّمال. فأرسل عُتبة من أبلغ قائد الحامية أنَّ المُسلمين يُريدونه.<ref name="الأبلة والبصرة">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الثالث|طبعة= الثانية|صفحة= 594 - 595|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref>

وهكذا اضطرَّت الحامية إلى الخُروج من أماكن تمركُزها واصطدمت بالقُوَّة الإسلاميَّة. ولم يمضِ الكثير من الوقت إلَّا وانتصر المُسلمون وولّى الفُرس مُنهزمين إلى داخل المدينة واحتموا وراء أسوارها، وعاد عُتبة إلى مُعسكره.<ref name="الأبلة والبصرة"/> وسُرعان ما انسحبت تلك الحامية شمالًا نحو الفُرات وعبرته دون قتال نظرًا لانقطاع الاتصالات مع الشمال، ولِتفوّق المُسلمين الواضح. ودخل عُتبة الأبلة وكتب إلى عُمر يُخبرهُ بالفتح.<ref name="الأبلة والبصرة"/> أثار سُقوطُ الأبلة بيد المُسلمين قادة النواحي، ومنهم مرزبان كورة [[دست ميسان]]، فحشد قُوَّةً صغيرةً واصطدم بهم، إلَّا أنهُ هُزم وولّى الأدبار. واستغلَّ عُتبة الوضع السيّئ للحاميات الفارسيَّة القليلة العدد بأسفل دِجلة والفُرات، لِمُهاجمتها، وطردها من المنطقة. فتقدَّم نحو [[محافظة ميسان (العراق)|ميسان]] واشتبك مع الفُرس في نواحي المذار وأبرقباذ، وهزمهم، وعاد إلى البصرة.<ref name="الأبلة والبصرة"/>

== فُتوح فارس ==
لم يكن عُمر بن الخطَّاب قد خطَّط في هذا الوقت لِفتح [[بلاد فارس]] المعروفة [[إيران|بإيران]] اليوم. وكان هدف الاصطدامات التي حدثت حتَّى تلك المرحلة داخل الأراضي الفارسيَّة هو الحِفاظ على إنجازات المُسلمين والمُحافظة على الأراضي الإسلاميَّة، إلَّا أنَّ العراق الذي ضُمَّ إلى رقعة الدولة الإسلاميَّة، كان يُعتبرُ أساسًا جُزءًا من بلاد العرب، لأنَّ العرب سكنوا في أنحائه قبل الإسلام، وكان عُمر يقول: {{اقتباس مضمن|وَدِدّتُ لَو أنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ فَارِسَ جَبَلًا مِن نَارٍ لَا يَصِلُونَ إلَيْنَا مِنْهُ وَلَا نَصِلُ إلَيْهِم}}. ولكنَّ الفُرس لم يركنوا إلى الهُدوء، فكانوا يُجهزون الجُيوش استعدادًا لِمُواصلة الحرب، كما كانوا يقومون بأعمال التمرُّد في البلاد المفتوحة،<ref name="اصطخر">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الرَّابع|طبعة= الثانية|صفحة= 79 - 80|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> ولمَّا سأل عُمر كِبار الصَّحابة عن سبب ذلك أجابوه بأنَّ تلك الفتن لا يُمكن أن تُخمد ما لم يخرج يزدجرد من حُدود البلاد الإيرانيَّة، وأنَّ آمال الفُرس لا يُمكنُ أن تنقطع طالما تُراودهم فكرة بقاء وريث عرش «كنعان» على قيد الحياة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[شبلي النعماني|النُعماني الهندي، شمسُ العُلماء شبلي]]|مؤلف2= ترجمة وتحقيق جلال السعيد الحفناوي|عنوان= سيرة الفاروق|طبعة= الأولى|صفحة= 139|سنة= [[2000]]م|ناشر= المجلس الأعلى للثقافة|مكان= [[القاهرة]] - مصر}}</ref> وممَّا زاد في تشجيع الفُرس على التمادي في الخُروج على حُكم المُسلمين والاستعداد لِحرب الاسترداد، إخفاق هؤلاء في فتح مدينة [[إصطخر|اصطخر]]، حاضرة فارس قبل المدائن، والمعروف أنَّ [[العلاء بن الحضرمي]]ّ عامل عُمر على البحرين عبر [[الخليج العربي|الخليج]] إلى البر الفارسيّ دون الحُصول على إذنٍ من الخليفة، فقصد اصطخر، وتغلَّب على حامية السَّواحل، وتابع زحفه باتجاه المدينة، إلَّا أنَّهُ لم يُؤمِّن على مؤخرته، حيثُ تقضي السِّياسة العسكريَّة السليمة بِتمركز قُوَّة عسكريَّة في النقاط المُهمَّة على الطريق إلى اصطخر، فقطع الفُرس عليه خطَّ الرجعة بِقيادة الهربذ، ولم يُنقذه سوى قرار الخليفة بِإرسال مدد من حاميات البصرة والكوفة، وعزلهُ عُمر بعد ذلك جرَّاء مُغامرته غير المدروسة ووضعهُ بتصرُّف سعد.<ref name="اصطخر"/>

=== فتح الأحواز ===
{{إسلام}}
[[ملف:Al Istakhri map.jpg|تصغير|يمين|خريطة لإقليم الأحواز كما عرفهُ المُسلمون، من كتاب مسالك الممالك [[الإصطخري|للإصطخريّ]].]]
اعتقد الفُرس أنَّ الاندفاع الإسلاميّ سوف يتوقَّف بعد أن يصل المُسلمون إلى الثُغور، ولهذا اطمأنّوا على ديمومة إمبراطوريَّتهم. وكان عُمر في الأساس لا ينوي أن يتخطّى العراق، لكنَّ الأحداث المُتسارعة دفعتهُ إلى تغيير هذه السياسة تجاه الفُرس، وشجَّعتهُ الانتصارات الإسلاميَّة المُتتالية على التوغُّل في عمق الأراضي الفارسيَّة. وكانت الأوضاع السياسيَّة في فارس مُزعزعة، وأركانُ الحُكم مُتفرقين في النواحي. فقد رحل يزدجرد إلى [[ري (توضيح)|الريِّ]]، إلَّا أنَّهُ تعرَّض لِمؤامرةٍ من قِبل حاكمها [[عقرب (شهر)|آبان جاذويه]]، فغادرها إلى [[خراسان (توضيح)|خُراسان]] عن طريق [[أصفهان]] و[[كرمان]]، وأقام [[مرو (توضيح)|بِمرّو]] واتخذها قاعدةً جديدةً يحكُمُ منها ما تبقّى من إمبراطوريَّته. واستقرَّ [[هرمزان|الهُرمُزان]] في [[الأهواز|الأحواز]]، وتشتَّت جُنودُ فارس في مُختلف النواحي.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الرَّابع|طبعة= الثانية|صفحة= 166 - 167|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وأخذ يزدجرد يعمل من قاعدته في مرّو على إثارة الفُرس لاسترداد ما فقدوه، خُصوصًا بعد أن علم بِقرار الخليفة بألَّا يتعدّى المُسلمون العراق، فتحرَّكت قُوَّة عسكريَّة ضخمة نحو [[تستر]] عاصمة الأحواز بِقيادة الهُرمُزان، وأخذت تُغيرُ على قٌرى تلك الولاية المُمتدَّة بين البصرة وفارس، فطلب [[عتبة بن غزوان|عُتبة بن غزوان]] العون من سعد بن أبي وقَّاص لِمُحاربة الهُرمُزان، فأرسل إليه فرقةً عسكريَّةً من الكُوفة بِقيادة [[النعمان بن مقرن المزني|النُعمان بن مُقرن المزني]]، كما كتب عُمر إلى [[أبو موسى الأشعري|أبي موسى الأشعريّ]] عاملهُ على البصرة بأن يُرسل قوَّةً عسكريَّةً من جُند البصرة بِقيادة سهل بن عُدي.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الرَّابع|طبعة= الثانية|صفحة= 83|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> كان سُكَّانُ الأحواز قد أشعلوا الثورة ضدَّ الوُجود الإسلاميّ بِفعل قُرب بِلادهم من الأبلة والبصرة، وقد أثارهم التغيير السريع للوُلاة في البصرة، وقد أملوا أن تندلع الاضطرابات الداخليَّة بين المُسلمين، ممَّا يُساعدهم على طردهم من المنطقة. سلك النُعمان طريق السَّواد وعبر دِجلة عند ميسان وتابع زحفهُ إلى الأحواز، فاجتاز [[نهر تيري]] ومناذر وسوق الأحواز، ثُمَّ اصطدم بالقوَّة الفارسيَّة بِقيادة الهُرمُزان في ناحية أربك وتغلَّب عليها. وانسحب الهُرمُزان إلى تستر وأخلى [[رامهرمز]]، فدخلها النُعمان، ثُمَّ أتمَّ فتحُ الأحواز بعد أن انضمَّ إليه الجُند الذين قدموا من البصرة بِقيادة سهل بن عُديّ، كما انضمَّ أبو موسى الأشعريّ إلى الجيش الإسلاميّ بعد ذلك، وحاصر المُسلمون تستر وقد تحصَّن بها الهُرمُزان. دام الحِصار بضعة أشهر تخلَّلهُ مُناوشات بين الطرفين كانت سِجالًا قبل أن يقتحم المُسلمون المدينة بِمُساعدة أحد سُكَّانها. وأُسر الهُرمُزان وأُرسل إلى عُمر في المدينة، فأعلن إسلامُه أمامه.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الرَّابع|طبعة= الثانية|صفحة= 84 - 89|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وكان المُسلمون قد أحاطوا [[السوس (مدينة)|بالسوس]] وعليها شهريار أخو الهُرمُزان، وجرت بين الطرفين عدَّة مُناوشات. وعلم المُسلمون أثناء الحِصار بأنَّ الفُرس يحشدون قُوَّاتٍ كثيفةٍ في [[نهاوند]]، فرأوا أن يُسيطروا على السوس قبل الزحف نحوها، فشنّوا هُجومًا مُركزًا على المدينة واخترقوا تحصيناتها، فاستسلم سُكَّانها وطلبوا الأمان.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الرَّابع|طبعة= الثانية|صفحة= 89 - 93|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref>

=== معركة نهاوند «فتحُ الفُتوح» ===
{{مفصلة|معركة نهاوند}}
تراجعت هيبة الإمبراطوريَّة الساسانيَّة بعد خسارة العراق وانسحاب الفُرس من الأحواز إلى عُمق الأراضي الفارسيَّة. وحرَّكت هذه الظاهرة الشعور القومي الفارسيّ، وأحدثت يقظة في [[طبرستان]] و[[جرجان]] ودنباوند والرَّي و[[أصفهان]] و[[همدان (إيران)|همدان]]، وأثارت الفُرس في [[خراسان (توضيح)|خُراسان]] و[[سند (توضيح)|السند]]، فكتب سُكَّانُ تلك المناطق إلى يزدجرد، وهو يومئذٍ في مرّو، وأثاروه لِتحرُّكٍ جديد. فدعا إلى التعبئة، وحشد مائة ألف مُقاتل، وقيل ستين ألفًا، وقيل مائة وخمسين ألفًا، عيَّن عليهم ذو الحاجب مردان شاه، وسيَّرهم جميعًا إلى نهاوند.<ref name="نهاوند1">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[البلاذري|البلاذريّ، أحمد بن يحيى بن جابر بن داود]]|عنوان= [[فتوح البلدان|فُتوح البُلدان]]، الجزء الثاني|صفحة= 300|سنة= [[1988]]م|ناشر= دار ومكتبة الهلال|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن كثير الدمشقي|ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عُمر القُرشي البصري الدمشقي]]|مؤلف2= تحقيق عبدُ الله بن عبد المُحسن التُركي|عنوان= [[البداية والنهاية]]، الجزء السَّابع|طبعة= الأولى|صفحة= 106|سنة= [[1418 هـ|1418هـ]] - [[1997]]م|ناشر= دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> رصد قباذ بن عبدُ الله، الوالي على ثغر حُلوان، هذه الحُشود فكتب إلى سعد بذلك، فأخبر سعد بدوره عُمر. ثُمَّ حدث أن عُزل سعد في هذه الظروف الحرجة بسبب وشايات أهل الكُوفة ضدَّه، وخلفهُ عبدُ الله بن عُتبان، وهو صحابيّ مُتقدِّم في العُمر.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الرَّابع|طبعة= الثانية|صفحة= 120 - 122|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> كانت سياسة عُمر تقضي، حتَّى ذلك الوقت، بعدم السماح للمُسلمين بالانسياح في الجبال، لكنَّ حُشود الفُرس في نهاوند اضطرَّتهُ إلى تغيير سياسته، فإذا لم يُبادرهم المُسلمون بالشِّدَّة ازدادوا جُرأةً ورُبَّما كرَّوا عليهم. وعقد مجلسًا للمشورة استمع فيه إلى آراء كِبار الصحابة الذين أجمعوا على ضرورة الإمساك بِزمام المُبادرة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الرَّابع|طبعة= الثانية|صفحة= 123 - 125|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> اختار عُمر النُعمان بن مُقرن المزني لِقيادة الجيش الإسلامي إلى نهاوند، ورسم لهُ الخِطَّة التي يتوجَّب عليه تنفيذها، وأردفهُ بِقوَّاتٍ من المدينة بِقيادة [[عبد الله بن عمر بن الخطاب|عبدُ الله بن عُمر]]، وبِثُلث قُوَّات البصرة بِقيادة أبي موسى الأشعريّ، وثُلث قُوَّات الكُوفة بِقيادة [[حذيفة بن اليمان|حُذيفة بن اليمان]].<ref name="نهاوند1"/> وقدَّر عُمر أنَّ القتال سيكونُ ضاريًا ورُبَّما أدَّى إلى مصرع القائد، فاقتدى بالرسول مُحمَّد في [[غزوة مؤتة]]، فعيَّن سبعة من الرجال خلفًا للنُعمان في حال قُتل.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الرَّابع|طبعة= الثانية|صفحة= 93 - 94|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref>
[[ملف:Castle Nahavend by Eugène Flandin.jpg|تصغير|يمين|حصنُ نهاوند، آخرُ المعاقل الفارسيَّة الرئيسيَّة في الداخل الإيراني. حاصرها المُسلمون وافتتحوها ولم تقم للفُرس قائمة بعد هذا الفتح.]]
خرج النُعمانُ من السوس على رأس جيش الكُوفة الذي يُقدَّرُ بِثلاثين ألف جُنديّ مُتوجهًا إلى نهاوند، في الوقت الذي فتحت فيه قُوَّة إسلاميَّة مدينة جُنديسابور بقيادة زرِّ بن عبدُ الله كُليب،<ref name="نهاوند1"/> وبثَّ العُيون أمامهُ لاستكشاف المنطقة حتَّى لا يؤخذ على غرَّة، وواصل زحفه إلى أسبيهذان التي تبعد تسعة أميال عن نهاوند، وعسكر فيها بالقُرب من المُعسكر الفارسيّ. وكان الفُرس قد أحاطوا نهاوند بالخنادق وتحصَّنوا بها.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الرَّابع|طبعة= الثانية|صفحة= 115 - 119|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> ويبدو أنَّ الفُرس تهيَّبوا الدُخول في معركة، فطلبوا من النُعمان أن يُرسل إليهم رسولًا للتباحث بشأن التوصّل إلى تفاهُمٍ سلميّ، فأرسل إليهم [[المغيرة بن شعبة|المغيرة بن شُعبة]]، لكنَّ المُباحثات انتهت إلى الفشل بسبب التصلُّب في المواقف. فقد عرض الفُرس على المُسلمين ذات العرض السَّابق، وهو الانسحاب من فارس لِقاء المال والأمان، وجاء الرَّد الإسلامي بالرفض المُطلق. وبدأ الطرفان يستعدَّان للحرب، ثُمَّ التحما في رحى معركةٍ ضارية، ابتدأت شديدةً واستمرَّت يومين. ولمَّا لاح النصرُ للمُسلمين، تراجع الفُرس إلى المدينة وتحصَّنوا بها، فأحاط المُسلمون بهم، ومرَّت أيَّام والجبهة على ذلك. وعقد النُعمانُ مجلسًا عسكريًا مع أركان حربه للتشاور، فتقرَّر تخصيص قوَّة عسكريَّة تعمل على دفع الفُرس إلى الخُروج من تحصيناتهم بالتحرُّش بهم وإغرائهم على الالتحام، بالكرِّ والفر، في حين يترصَّد سائر الجيش في أماكن خلفيَّة خفيَّة عن أعين العدو، فإذا حدث الالتحام تظاهرت القوَّة بالخسارة وتتراجع أمامهم إلى حيثُ يستطيع جيشُ المُسلمين أن يشترك في المعركة ويلتحم بهم بعيدًا عن تحصيناتهم.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الرَّابع|طبعة= الثانية|صفحة= 129|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> ونفَّذ القعقاع بن عمرو ومعهُ سريَّتهُ من الجُند هذه الخطَّة بنجاح، فطوَّق المُسلمون الفُرس وانقضّوا عليهم، ودار قتالٌ لم يشهد لهُ الفُرس ولا المُسلمين مثالٌ من قبل، فصمد المُسلمون وقاتل الفُرس قتالًا مُستميتًا من مُنتصف النهار حتَّى الليل، وسقط في أرض المعركة عددٌ من القادة والأسماء البارزة، منهم النُعمان نفسه، وطُليحة الأسدي، و[[عمرو بن معديكرب]]، وفي نهاية المطاف انهار التماسك الفارسيّ، وفرَّ قسمٌ كبيرٌ من الجيش ناجيًا بحياته، واستسلمت حامية نهاوند، وطلب سُكَّانُها الأمان وأقرّوا بِدفع الجزية، ودخل المُسلمون المدينة وأجابوا الفُرس إلى ما طلبوا، وأُرسلت المراسيل إلى عُمر بالمدينة تُبشِّرهُ وأهلها بالفتح،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الرَّابع|طبعة= الثانية|صفحة= 132 - 133|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> الذي عرفهُ المُسلمون «بفتح الفُتوح» لأنَّهُ لم يقم للفُرس بعدها قائمة.

=== فتح همذان وأصبهان ===
بعد معركة نهاوند، أمر حذيفة بن اليمان [[نعيم بن مقرن المزني|نُعيم بن مقرن المزني]] والقعقاع بن عمرو بمطاردة فلول نهاوند، حتى بلغا [[همدان (إيران)|همذان]]، فصالحهم حاكمها خسروشنوم على الجزية، فرجعا عنها، ثم عاد ونقض العهد. فكتب عمر بن الخطاب إلى حذيفة بالعودة إلى الكوفة، وأن يُسيّر نعيم بن مقرن إلى همذان، ويجعل أخوه سويد بن مقرن على مقدمة جيشه و[[ربعي بن عامر التميمي]] ومهلهل بن زيد الطائي على جناحيه، فحاصر نعيم في اثني عشر ألفًا همذان، ثم أرسل السرايا فاستولت على كل المناطق التابعة لها، حينئذ سأل أهل المدينة نعيم الصلح، فوافقهم على ذلك.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 147|المجلد=4|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف |مكان= [[القاهرة]]|مسار=https://shamela.ws/book/9783/2038|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20221202200118/https://shamela.ws/book/9783/2038|تاريخ أرشيف=[[25 نوفمبر]] [[2022]]}}</ref> كما بعث عمر عبد اللَّه بن عبد الله بن عتبان لفتح [[أصفهان|أصبهان]]، وأمدّه [[أبو موسى الأشعري|بأبي موسى الأشعري]]، فسار عبد الله بجنده ومن تبعه من جند النعمان نحو أصبهان، فقابل جندًا فارسيًا كثيفًا بقيادة الأسبيدان، وعلى مقدمته شهريار بن جاذويه خارج المدينة. بدأت المعركة بخروج شهريار للمبارزة، فخرج له عبد الله بن بديل بن ورقاء الرياحي فقتله، ثم دارت معركة كبيرة هُزم فيها أهل أصبهان. ثم سار ابن عتبان إلى أصبهان فحاصرها حتى صالحه حاكمها الفاذوسفان على الجزية.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير الجزري، عزُّ الدين أبي الحسن عليّ بن أبي الكرم مُحمَّد بن مُحمَّد بن عبدُ الكريم بن عبد الواحد الشيباني]]|آخرون= [[عمر عبد السلام تدمري]]|عنوان= الكامل في التاريخ|المجلد=2|طبعة= الأولى|صفحة= 401|سنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1997]]م|ناشر= دار الكتاب العربي|مكان= [[بيروت]]|مسار=https://shamela.ws/book/21712/1092|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20221202200304/https://shamela.ws/book/21712/1092|تاريخ أرشيف=[[25 نوفمبر]] [[2022]]}}</ref> فكتب ابن عتبان لعمر بالنصر فأمره بأن يمُدد سهيل بن عدي بجيشه لقتال كرمان، فاستخلف ابن عتبان السائب بن الأقرع على أصبهان ولحق بسهيل. وسار أبو موسى الأشعري، فافتتح [[قم|قُمّ]] و[[كاشان|قاشان]].<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير الجزري، عزُّ الدين أبي الحسن عليّ بن أبي الكرم مُحمَّد بن مُحمَّد بن عبدُ الكريم بن عبد الواحد الشيباني]]|آخرون= [[عمر عبد السلام تدمري]]|عنوان= الكامل في التاريخ|المجلد=2|طبعة= الأولى|صفحة= 402|سنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1997]]م|ناشر= دار الكتاب العربي|مكان= [[بيروت]]|مسار=https://shamela.ws/book/21712/1093#p1|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20221202200436/https://shamela.ws/book/21712/1093|تاريخ أرشيف=[[25 نوفمبر]] [[2022]]}}</ref>

=== فتح الرّيّ وقومس وجرجان ===
تراسل [[ديلم|الديلم]] وأهل [[الري (إيران)|الرِّيّ]] وأهل أذربيجان على قتال المسلمين، ثم اجتمعوا في بواج روذ. بلغ نعيم خبر تجمّع الفرس، فسار إليهم ودارت بينهم معركة كبيرة انتصر فيها المسلمون.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 148|المجلد=4|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف |مكان= [[القاهرة]]|مسار=https://shamela.ws/book/9783/2039#p1|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20221202201236/https://shamela.ws/book/9783/2039|تاريخ أرشيف=[[25 نوفمبر]] [[2022]]}}</ref> أرسل نعيم الخبر إلى عمر، فردّ عمر الرسول ليبلغ نعيم بأن يستخلف على همذان، ويسير إلى الرّيّ.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 149|المجلد=4|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف |مكان= [[القاهرة]]|مسار=https://shamela.ws/book/9783/2040#p1|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20221202201344/https://shamela.ws/book/9783/2040|تاريخ أرشيف=[[25 نوفمبر]] [[2022]]}}</ref> استخلف نعيم على همذان، وسار للري، وفي الطريق قابله الفرخزاد أحد قادة الفرس مسالمًا لحسده على حاكم الري سياوخش بن مهران بن بهرام جوبين. تجمّع أهل دنباوند و[[طبرستان]] وقومس و[[جرجان]] لقتال المسلمين، والتقوا في سفح جبل الري، فاقتتلوا به. ولما طال القتال، أشار الفرخزاد على نعيم بأن يباغت أهل الري في الليل بكتيبة من الفرسان يدخل بهم الفرخزاد المدينة من موضع لا يتوقعه الفرس، فبعث معه نعيم خيلاً بقيادة ابن أخيه المنذر بن عمرو، تفاجأ بهم الفرس، ودار القتال في المدينة انتصر فيه فرسان المسلمين، ثم فوجئ المقاتلين من الفرس عند سفح الجبل بالتكبير من خلفهم، فاضطربت صفوفهم، وانتهى الأمر بهزيمة الفرس. ثم طالب الفرخزاد نعيم أن يأمره على أهل الري وللمسلمين منهم الجزية، فوافقه نعيم.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 150|المجلد=4|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف |مكان= [[القاهرة]]|مسار=https://shamela.ws/book/9783/2041#p1|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20221202201513/https://shamela.ws/book/9783/2041|تاريخ أرشيف=[[25 نوفمبر]] [[2022]]}}</ref> وحين وفد المضارب العجلي بالأخماس إلى عمر، بعث معه عمر لنعيم بأن يرسل سويد بن مقرن المزني إلى قومس، فوصلها سويد دون أن يواجه مقاومة، فأخذها سلمًا.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 151|المجلد=4|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف |مكان= [[القاهرة]]|مسار=https://shamela.ws/book/9783/2042#p1|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20221202201641/https://shamela.ws/book/9783/2042|تاريخ أرشيف=[[25 نوفمبر]] [[2022]]}}</ref> ثم سار إلى [[جرجان]]، فقابله صاحبها رزبان صول بالسلم، ودخل في عهد المسلمين على أن يؤدي أهلها الجزية للمسلمين.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 152|المجلد=4|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف |مكان= [[القاهرة]]|مسار=https://shamela.ws/book/9783/2043#p1|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20221202201753/https://shamela.ws/book/9783/2043|تاريخ أرشيف=[[25 نوفمبر]] [[2022]]}}</ref>
[[ملف:Derbent winter.jpg|تصغير|حصنٌ ساسانيٌّ في [[دربند (روسيا)|باب الأبواب]]. سقط بيد المُسلمين سنة 643م.]]

=== فتح طبرستان وأذربيجان ===
بعد أن افتتح سويد بن مقرن المزني قومس، أرسل إليه الفرخان إصبهبذ [[طبرستان]] يسأله الصلح، فأجابه سويد وأمّنه وأهل طبرستان، وأبقاه حاكمًا على المدينة على أن يؤدي الجزية، كما أرسل عمر بن الخطاب لنعيم بن مقرن المزني بأن يبعث بسماك بن خرشة الأنصاري مددًا لبكير بن عبد اللَّه بأذربيجان،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 153|المجلد=4|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف |مكان= [[القاهرة]]|مسار=https://shamela.ws/book/9783/2044#p1|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20221202202108/https://shamela.ws/book/9783/2044|تاريخ أرشيف=[[25 نوفمبر]] [[2022]]}}</ref> كان بكير سار حين بعث إلى أذربيجان، قد التقى بفلول الفرس المنهزمين في واج روذ بقيادة إسفندياذ بن الفرخزاد فهزمهم وأسر إسفندياذ قبل مقدم سماك بن خرشة الذي افتتح المناطق التي مر بها في طريقه. وحين وصل سماك، أرسل بكير إلى عمر يستعفيه من القيادة، فأذن له على أن يسير مدينة الباب، وأن يستخلف على عمله. استخلف بكير [[عتبة بن فرقد السلمي]]. سار عتبة نحو أذربيجان فوجد الفرس قد تجمّعوا بقيادة بهرام بن الفرخزاد، فقاتلهم وهزمهم وفرّ بهرام. ولما بلغ الخبر أهل أذربيجان صالحوا عتبة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 154|المجلد=4|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف |مكان= [[القاهرة]]|مسار=https://shamela.ws/book/9783/2045#p1|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20221202202237/https://shamela.ws/book/9783/2045|تاريخ أرشيف=[[25 نوفمبر]] [[2022]]}}</ref>

=== فتح إقليم فارس ===
لم تُشكِّل الأراضي التي سيطر عليها الفُرس والتي غزاها المُسلمون، دولة مُستقلَّة بالمفهوم العام للدولة، وإنَّما كانت داخلة ضمن إمبراطوريَّة تضُمُّ دُويلات أو ولايات تخضع للحُكم الفارسيّ، في حين تركَّزت الدولة التي أقامها الساسانيّون، في [[فارس (محافظة)|إقليم فارس]]، ثُمَّ ضمَّ هؤلاء إلى دولتهم ما جاورها من أقاليم. ووصل المُسلمون في سنة 23هـ المُوافق فيه سنة 644م إلى قلب الإمبراطوريَّة الفارسيَّة الساسانيَّة، إلى أرض الشعب الذي حكم الشُعوب المُجاورة؛ وبدأوا بِفتح مُدنها.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= طقّوش، مُحمَّد سُهيل|عنوان= تاريخ الخُلفاء الرَّاشدين: الفُتوحات والإنجازات السياسيَّة|طبعة= الأولى|صفحة= 227|سنة= [[1424 هـ|1424هــ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|ردمك= 9953181012|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> أرسل عُمر ثلاثة ألوية لِفتح إقليم فارس، انطلقت جميعها من قاعدة البصرة، وهي على الشكل التالي: [[مجاشع بن مسعود السلمي]] إلى أردشير خرَّة وصبور، و[[عثمان بن أبي العاص|عُثمان بن أبي العاص]] إلى [[إصطخر|اصطخر]]، و[[سارية بن زنيم|سارية بن زُنيم الديلي الكِناني]] إلى [[فسا]] و[[داراب]]. وبعد أن اجتازوا جميعًا [[أرجان]] دون مُقاومة، وكانت في طريقهم، تفرَّقوا كُلٌّ إلى وجهته المُحدَّدة، وفتحوا كامل الإقليم.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[البلاذري|البلاذريّ، أحمد بن يحيى بن جابر بن داود]]|عنوان= [[فتوح البلدان|فُتوح البُلدان]]، الجزء الثاني|صفحة= 378 - 380|سنة= [[1988]]م|ناشر= دار ومكتبة الهلال|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> والمُلفت أنَّ كافَّة عمليَّات الفتح كانت عِبارة عن معارك صغيرة مُقارنةً بِمعارك البُويب والقادسيَّة وجلولاء ونهاوند، وذلك بفعل قضاء المُسلمين في تلك المعارك على القُوَّة الميدانيَّة للإمبراطوريَّة الساسانيَّة المُنهارة.

=== فتح كرمان وسجستان ومكران ===
{{مفصلة|فتح مكران}}
في سنة 23 هـ، توجّه سهيل بن عدي إلى [[كرمان]]، ولحقه عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبان، وحشد لهم أهل كرمان، واقتتلوا فانتصر المسلمون ودخلوها، وأصابوا فيها الكثير من الغنائم. وقيل أن الذي فتحها عبد اللَّه بن بديل بن ورقاء الخزاعي. بينما توجّه عاصم بن عمرو التميمي [[سجستان]]، ولحقه عبد اللَّه بن عمير، فاقتتلا وأهل سجستان فهزموهم ثم طاردوهم حتى حصروهم بزرنج، حتى طلب أهل سجستان الصلح على أن يؤدوا الجزية، فوافق المسلمون.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 180|المجلد=4|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف |مكان= [[القاهرة]]|مسار=https://shamela.ws/book/9783/2071|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20221202202635/https://shamela.ws/book/9783/2071|تاريخ أرشيف=[[25 نوفمبر]] [[2022]]}}</ref> ثم قصد الحكم بن عمرو التغلبي [[مكران]]، ولحقه شهاب بن المخارق بن شهاب، ومن بعده سهيل بن عدي وعبد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبان ومن معهما حتى انتهوا إلى موضع قرب [[نهر السند]]، فوجدوا أهل مكران قد عسكروا قرب شاطئ النهر حتى عبر إليهم ملكهم راجا راسل ملك السند.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 181|المجلد=4|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف |مكان= [[القاهرة]]|مسار=https://shamela.ws/book/9783/2072#p1|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20221202202916/https://shamela.ws/book/9783/2072|تاريخ أرشيف=[[25 نوفمبر]] [[2022]]}}</ref> ثم دار القتال وانتصر فيه المسلمون، وطاردوا فلولهم حتى النهر، ثم رجعوا فأقاموا بمكران. وكتب الحكم إلى عمر بالنصر وبعث [[أداء الخمس من المغنم (إسلام)|بالأخماس]] مع [[صحار العبدي]]، فسأله عمر عن مكران، فقال: {{اقتباس مضمن|يَا أمِيرَ المُؤمِنِين، أرضُ سَهلِهَا جَبَلٌ، وَمَاؤهَا وَشَلٌ، وَتَمْرُهَا دَقَلٌ، وَعَدُوِهَا بَطَلٌ، وَخيرُهَا قَلِيلٌ، وَشَرُّهَا طَوِيلٌ، وَالكَثِيرُ بِهَا قَلِيلٌ، والقَلِيلُ بِهَا ضَائِعٌ، وَمَا وَرَاءُهَا شَرٌّ مِنهَا}}. فتوجّس عمر على المسلمين، وأمر الحكم بن عمرو وسهيل بن عدي بألا يجوزا نهر السند.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|آخرون= [[محمد أبو الفضل إبراهيم]]|عنوان= تاريخ الرُسُل والمُلُوك|طبعة= الثانية|صفحة= 182|المجلد=4|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= دار المعارف |مكان= [[القاهرة]]|مسار=https://shamela.ws/book/9783/2073#p1|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20221202203040/https://shamela.ws/book/9783/2073|تاريخ أرشيف=[[25 نوفمبر]] [[2022]]}}</ref> ويذكر [[البلاذري]] أنَّ هذه الحادثة وقعت في خِلافة [[عثمان بن عفان|عُثمان بن عفَّان]]، وهو الذي أصدر أمر المنع.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[البلاذري|البلاذري، أبو الحسن أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البغدادي]]|مؤلف2=تحقيق عبد الله عُمر وأنيس الطبَّاع|عنوان= فُتُوح البُلدان|صفحة= 607|سنة= [[1957]]|ناشر= دار النشر للجامعيين|تاريخ الوصول= [[27 يوليو|27 تمُّوز (يوليو)]] [[2019]]م|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=http://books-library.online/files/elebda3.net-wq-6170.pdf&hl=ar| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200119203054/https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=http://books-library.online/files/elebda3.net-wq-6170.pdf&hl=ar | تاريخ أرشيف = 19 يناير 2020 }}</ref>

=== فتح خُراسان ===
{{مفصلة|الفتح الإسلامي لخراسان}}
[[ملف:Iran provinces in Abbasid Caliphate.jpg|تصغير|450بك|يسار|موقع خُراسان وسائر أقاليم إيران والعراق التي سقطت بيد المُسلمين - [[لي سترانج]].]]
في سنة 22 هـ، سار [[الأحنف بن قيس]] إلى [[خراسان الكبرى|خراسان]]،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير الجزري، عزُّ الدين أبي الحسن عليّ بن أبي الكرم مُحمَّد بن مُحمَّد بن عبدُ الكريم بن عبد الواحد الشيباني]]|آخرون= [[عمر عبد السلام تدمري]]|عنوان= الكامل في التاريخ|المجلد=2|طبعة= الأولى|صفحة= 414|سنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1997]]م|ناشر= دار الكتاب العربي|مكان= [[بيروت]]|مسار=https://shamela.ws/book/21712/1104|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20221202205302/https://shamela.ws/book/21712/1104|تاريخ أرشيف=[[25 نوفمبر]] [[2022]]}}</ref> وقد كان يزدجرد قد فرّ إليها بعد سقوط الري، فنزل [[مرو (مدينة)|مرو]]. بدأ الأحنف ب[[هراة]] فافتتحها قتالاً واستخلف عليها [[صحار العبدي]]، ثم سار الأحنف إلى مرو الشاهجان، وأرسل [[مطرف بن عبد الله بن الشخير]] إلى [[نيسابور]]، و[[الحارث بن حسان]] إلى [[سرخس (تركمانستان)|سرخس]]. ومع اقتراب الأحنف من مرو الشاهجان، خرج يزدجرد إلى مرو الروذ، فدخل الأحنف الأولى سلمًا. بعث يزدجرد إلى خاقان الترك وملك ال[[صغد]] وملك الصين يستمدهم لقتال المسلمين، فخرج الأحنف من مرو الشاهجان بعد أن وصله خبر المدد من الكوفة، واستخلف عليها حارثة بن النعمان الباهلي، ثم سار إلى مرو الروذ. حين بلغ الخبر يزدجرد، فر مجددًا إلى [[بلخ]]، ودخل الأحنف مرو الروذ. سار مدد الكوفة نحو بلخ، فقاتلهم يزدجرد، وانهزم أمامهم ففتح أهل الكوفة بلخ قبل وصول الأحنف. ضم الأحنف بعدئذ الأراضي بين نيسابور و[[طخارستان]] التي استخلف عليها ربعي بن عامر، ثم عاد إلى مرو الروذ، وأرسل إلى عمر بالفتح، فأمره عمر بألا يجوز [[جيحون (نهر)|النهر]].<ref name="الكامل415">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير الجزري، عزُّ الدين أبي الحسن عليّ بن أبي الكرم مُحمَّد بن مُحمَّد بن عبدُ الكريم بن عبد الواحد الشيباني]]|آخرون= [[عمر عبد السلام تدمري]]|عنوان= الكامل في التاريخ|المجلد=2|طبعة= الأولى|صفحة= 415|سنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1997]]م|ناشر= دار الكتاب العربي|مكان= [[بيروت]]|مسار=https://shamela.ws/book/21712/1105#p1|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20221202205442/https://shamela.ws/book/21712/1105|تاريخ أرشيف=[[25 نوفمبر]] [[2022]]}}</ref>

بعد أن انهزم يزدجرد في بلخ، عبر النهر وأمدّه خاقان الترك وأهل [[فرغانة]] والصغد، فعبر بجنده حتى نزل بلخ، منها سار إلى مرو الروذ حيث الأحنف. أخذ الأحنف برأي أصحابه، فسار بعشرين ألفًا من المسلمين إلى موضع كان الجبل من خلفهم والنهر يفصل بينهم وبين الترك،<ref name="الكامل415"/> وأقبل الترك إلى المسلمين وتجدد القتال بينهم لأيام لم يحقق فيها الطرفان نصرًا، حتى يأس الترك ووجدوا أنهم لا طائل من قتال المسلمين، فانسحبوا إلى بلخ. أما يزجرد فقد كان فصل في بعض الجند إلى مرو الشاهجان، وحاصر حارثة بن النعمان لفترة قبل أن يختلف مع جنوده، ويتركهم ويعبر النهر مجددًا إلى الترك، حيث عاش هناك بقية حياته. بعدئذ، صالح أهل تلك المناطق الأحنف ودخلوا في عهد المسلمين، وأدّوا الجزية.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير الجزري، عزُّ الدين أبي الحسن عليّ بن أبي الكرم مُحمَّد بن مُحمَّد بن عبدُ الكريم بن عبد الواحد الشيباني]]|آخرون= [[عمر عبد السلام تدمري]]|عنوان= الكامل في التاريخ|المجلد=2|طبعة= الأولى|صفحة= 416|سنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1997]]م|ناشر= دار الكتاب العربي|مكان= [[بيروت]]|مسار=https://shamela.ws/book/21712/1106#p1|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20221202205542/https://shamela.ws/book/21712/1106|تاريخ أرشيف=[[25 نوفمبر]] [[2022]]}}</ref>

== ثورات الفُرس ونهاية السُلالة الساسانيَّة ==
اغتيل الخليفة عُمر بن الخطَّاب فجر يوم الأربعاء في [[26 ذو الحجة|26 ذي الحجَّة]] سنة [[23 هـ|23هـ]] المُوافق فيه [[2 نوفمبر|2 تشرين الثاني (نوڤمبر)]] سنة [[644]]م، وهو يُصلّي [[صلاة الفجر]] في المسجد، وكان القاتل يُدعى [[أبو لؤلؤة المجوسي|أبو لؤلؤة فيروز النهاوندي]]، واختلف المُؤرخون في تحديد الدَّافع وراء الاغتيال، لكن ممَّا قيل أنَّها كانت مؤامرةً فارسيَّة، بدافع الانتقام من الرجل الذي كان وراء القضاء على الإمبراطوريَّة الساسانيَّة.<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد حسين هيكل|Haykal, Muhammad Husayn]]|عنوان= Al Farooq, Umar|صفحة= 247|سنة= [[2008]]|ناشر= Pourshariati }}</ref> بعد وفاة عُمر، بويع [[عثمان بن عفان|عُثمان بن عفَّان]] بالخِلافة، وخلال عهده وقعت عدَّة ثورات في فارس ضدَّ الحُكم الإسلامي بين الفينة والأُخرى، لكنَّها دائمًا ما خمدت، وأبرز الولايات الفارسيَّة التي وقعت فيها بعضُ الثورات: [[أرمينيا|أرمينية]] و[[أذربيجان]] و[[فارس (محافظة)|فارس]]، و[[سيستان]] (649م)، و[[خراسان الكبرى|خُراسان]] (651م)، و[[مكران]] (650م).<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب |عنوان=The Muslim Conquest of Persia |الأول=A.I. |الأخير= Akram |الفصل=19 |isbn=978-0-19-597713-4|سنة=1975|لغة=en}}</ref> وما لبثت هذه الثورات والانتفاضات أن هدأت وانطفأت بعد أن تقبَّل الفُرس الإسلام وأقبلوا على اعتناقه.

أمَّا يزدجرد، فبعد أن جرَّده المُسلمون من كُلِّ أرضه، اضطرَّ إلى الفرار حتَّى آخر حُدود إمبراطوريَّته، ولمَّا سقطت خُراسان لم يبقَ أمامه سوى الالتجاء لِجيرانه وطلب مُساعدتهم. وفعلًا، فقد كتب إلى ثلاثة مُلوك يستمدُّهم ويستنجد بهم، وهم: خاقان [[ترك|التُرك]] وملك [[صغد|الصغد]] وإمبراطور [[الصين]]. ولمَّا فتح المُسلمون آخر ما تبقى من أراضي الإمبراطوريَّة الساسانيَّة، فرَّ يزدجرد عبر [[جيحون وسيحون (توضيح)|نهر جيحون]] إلى خاقان التُرك الذي توافق مصالحهُ مع مصالح العاهل الفارسيّ، وقد خشي من الامتداد الإسلامي باتجاه بلاده، وتعاون الرجُلان في مُقاومةٍ فاشلة حيثُ جنَّدا جيشًا وهاجما المُسلمين في خُراسان. وانتهى الأمر بانسحاب خاقان التُرك إلى بلاده مُقتنعًا بما تناهى إلى أسماعه من أنَّ المُسلمين لن يعبروا النهر، بناءً على تعليمات عُمر.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الرَّابع|طبعة= الثانية|صفحة= 167 - 168|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> أمَّا يزدجرد فقد نزل ضيفًا على مرزبان مرّو، المدعو «ماهويه»، والذي لم يكن يتمنّى غير التخلُّص من ضيفه الذي رفض أن يُزوِّجه ابنته، وتحالف مع «نيزك طرخان» التابع لِمرزبان طخارستان. فأرسل نيزك جماعة لأسره، فاشتبكوا معه وهزموه، فمضى هاربًا حتَّى انتهى إلى بيت طحَّان على شاطئ نهر المرغاب، فمكث ليلتين وماهويه يبحث عنه. فلمَّا أصبح اليوم الثاني دخل الطحَّان إلى بيته فرأى يزدجرد بِهيئته الملكيَّة وهو لا يعرفه، فبهت، وطمع به، فقتلهُ بعد أن وشى به إلى ماهويه، وطرح جُثَّته في النهر، وذلك سنة 31هـ المُوافقة لِسنة 652م، ولمَّا يبلغ الثامنة والعشرين من عُمره. وقد خلَّف ابنين وثلاث بنات.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الرَّابع|طبعة= الثانية|صفحة= 293 - 298|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref><ref group="ْ">{{استشهاد ويب | مسار=http://p2.www.britannica.com/oscar/print?articleId=106324&fullArticle=true&tocId=9106324 | عنوان=Iran | ناشر=[[موسوعة بريتانيكا]]| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20130813184232/http://p2.www.britannica.com/oscar/print?articleId=106324&fullArticle=true&tocId=9106324 | تاريخ أرشيف = 13 أغسطس 2013 }}</ref> وبمقتل يزدجرد تمَّ القضاء على الإمبراطوريَّة الساسانيَّة تمامًا، وانقضت سُلالة مُلوكها. ولمَّا بلغ كتاب النصر الخليفة عُمر بِالمدينة المُنوَّرة، وفيه تفاصيل ما جرى، جمع الناس فبشَّرهم بِهذا الفتح وخطبهم، وأمر بِفتح الكتاب فقُرئ على الناس، وقال في خِطبته: {{اقتباس مضمن|أَلَا وَإِنَّ اللهَ قد أَهلَكَ مَلِكَ المَجُوسِيَّةِ، وَفَرَّقَ شَملَهُم فَلَيسُوا يَملِكُونَ مِن بِلَادِهِم شِبرًا يَضِيرُ بِمُسلِمٍ. أَلَا وَإِنَّ اللهَ قد أَورَثَكُم أَرضَهُم وَدِيَارَهُم وَأَموَالَهُم وَأَبنَاءَهُم لِيَنظُرَ كَيفَ تَعمَلُون، فَقُومُوا فِي أَمرِهِ عَلَى وَجَلٍ، يُوفِ لَكُم بِعَهدِهِ وَيُؤتِكُم وَعدَهُ وَلَا تُغَيِرُوا يَستَبدِلُ قَومًا غَيرَكُمُ، فَإني لَا أَخَافُ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ أِن تُؤتَى إِلَّا مِن قِبَلِكُم}}.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الثاني|طبعة= الثانية|صفحة= 549|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= عليّ، محمود عبدُ الهادي دسوقي|عنوان= الجوانب السياسيَّة في خطب الخُلفاء الراشدين|طبعة= الأولى|صفحة= 140|سنة= [[2012]]|ناشر= دار الكلمة للنشر والتوزيع|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://books.google.com.lb/books?id=DIcmDwAAQBAJ&pg=PT135&lpg=PT135&dq=%D8%A3%D9%84%D8%A7+%D8%A3%D9%86+%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87+%D9%82%D8%AF+%D8%A3%D9%87%D9%84%D9%83+%D9%85%D9%84%D9%83+%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A9&source=bl&ots=Jeu1mbmKcM&sig=1k-B-cU23qYxmi9soZ9NqEZSRBc&hl=en&sa=X&ved=0ahUKEwj4nLWGpM7XAhUClxoKHSfAAYkQ6AEILzAB#v=onepage&q=%D8%A3%D9%84%D8%A7%20%D8%A3%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87%20%D9%82%D8%AF%20%D8%A3%D9%87%D9%84%D9%83%20%D9%85%D9%84%D9%83%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A9&f=false| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200119163710/https://books.google.com.lb/books?id=DIcmDwAAQBAJ&pg=PT135&lpg=PT135&dq=ألا+أن+الله+قد+أهلك+ملك+المجوسية&source=bl&ots=Jeu1mbmKcM&sig=1k-B-cU23qYxmi9soZ9NqEZSRBc&hl=en&sa=X&ved=0ahUKEwj4nLWGpM7XAhUClxoKHSfAAYkQ6AEILzAB | تاريخ أرشيف = 19 يناير 2020 }}</ref>

== فارس تحت الحُكم الإسلامي ==
يقولُ المؤرِّخ والمُستشرق [[برنارد لويس]]: 
[[ملف:Mohammad adil-Rashidun-empire-at-its-peak-close.PNG|تصغير|300بك|خريطة تُظهر أقصى الحُدود (التقريبيَّة) التي بلغتها دولة الخِلافة الرَّاشدة خِلال عهد ثالث الخُلفاء الراشدين [[عثمان بن عفان|عُثمان بن عفَّان]]، سنة 654م. بعد تمام فُتُوح العراق وفارس والشَّام وقبرص وأرمينية ومصر وبرقة وطرابُلس الغرب وإفريقية.]]
<blockquote>كانت النظرة الإيرانيَّة إلى الفُتوح العربيَّة الإسلاميَّة مُتفاوتة: فقد اعتبرها البعضُ نعمةً أنعم الله بها على البِلاد، إذا عرف النَّاسُ الدين الحق، فانقضى عهدُ الجهل وعبادة الأصنام؛ ونظر إليها آخرون على أنَّها هزيمةٌ قوميَّةٌ مُذلَّةٌ، فقد انهارت الإمبراطوريَّة على يد غُزاةٍ أجانب لا يمتّون لِفارس بِصلة. كِلا النظرتين صحيحة بطبيعة الحال، استنادًا إلى وجهة نظر القائلين بها… فالإيرانيّون اعتنقوا الإسلام فعلًا، لكنَّهم لم يتعرَّبوا. بقي الفُرسُ فُرسًا. وبعد حينٍ من الصمت،عادت إيران لِتبرز مرَّة أُخرى، بحُلَّةٍ مُختلِفةٍ ومُميَّزةٍ داخل العالم الإسلاميّ، لِتُضيف في نهاية المطاف عُنصرًا جديدًا إلى الإسلام ذاته. كانت المُساهمة الإيرانيَّة الثقافيَّة، والسياسيَّة، وحتَّى الدينيَّة، مُساهمةً فعَّالةً وبارزةً في الثقافة الإسلاميَّة خِلال السنوات اللاحقة. يُمكنُ مُلاحظة اللمسات الإيرانيَّة في كُلِّ انجازٍ ثقافيٍّ إسلاميّ، بما فيه الشعر العربي، إذ ساهم الشُعراء الفُرس الذين نظموا أشعارهم باللُغة العربيَّة مُساهمةً فعَّالةً في هذا المجال. يُمكنُ القول أنَّهُ بشكلٍ أو بآخر، كان الإسلامُ الإيرانيُّ يُشكِّلُ بعثةً ثانيةً للإسلام نفسه، وهو ما اصطلح البعضُ على تسميته بإسلام العجم. كان هذا النمطُ من الإسلام الفارسيّ، عوض الإسلام العربيّ الأصيل، هو ما وصل شُعوبًا عديدة ودخل بلادًا كثيرة: ومن هؤلاء التُرك، الذين أخذوهُ عن الفُرس في آسيا الوُسطى في بداية المطاف، ثُمَّ في الشرق الأوسط وتحديدًا بالمنطقةِ التي تُعرفُ حاليًا بتُركيَّا، وفي الهند أيضًا بطبيعة الحال. وقد ساهم العُثمانيّون في نشر هذا النمط من الإسلام عبر فُتوحاتهم التي بلغت أسوار ڤيينَّا.<ref group="ْ">{{استشهاد ويب | مسار=http://www.tau.ac.il/dayancenter/mel/lewis.html | عنوان=Iran in history | الأول=Bernard | الأخير=Lewis | ناشر=[[جامعة تل أبيب|Tel Aviv University]] | تاريخ الوصول=2007-04-03| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20111105141008/http://www.tau.ac.il/dayancenter/mel/lewis.html | تاريخ أرشيف = 5 نوفمبر 2011 |حالة المسار=dead}}</ref></blockquote>
[[ملف:فتوح المسلمين ما بعد نهاوند.jpg|تصغير|300بك|مسار فُتُوحات المُسلمين بعد معركة نهاوند سنة 21هـ المُوافقة لِسنة 641م في فارس وأرمينية وأذربيجان وخُراسان وما وراء النهر.]]
من الناحية العُمرانيَّة، كان الخليفة عُمر بن الخطَّاب حريصًا على أن يكون العُنصر المُقاتل في الجيش هو العُنصر العربي، نظرًا لأنَّ العرب كانوا يُمثلون الأغلبيَّة السَّاحقة من المُسلمين، ولم يكن إسلام الشُعوب الخاضعة، بما فيها الفُرس قد طُرح جديًا بعد، ولم يكن العرب أيضًا قد استقرّوا في المُدن المفتوحة وخالطوا سُكَّانها الأصليين بكثافة بحيثُ يتعرَّف هؤلاء على الإسلام بشكلٍ أوضح، وكان عدم توطين العرب في المراكز الحضريَّة المُهمَّة خارج شبه الجزيرة العربيَّة هو إحدى الاستراتيجيَّات التي انتهجها عُمر بهدف الاحتفاظ بشدَّة الرُوح القتاليَّة لدى المُسلمين، فعمد إلى تجميعهم في قواعد عسكريَّة يتمُّ اختيارها عادةً على شواطئ الأنهار، وهي قريبة الشبه بِالقواعد العسكريَّة من حيثُ المُهمَّات المنوطة بها ودورها في خطط الفُتوح.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= بيضون، إبراهيم|عنوان= ملامح التيَّارات السياسيَّة في القرن الأوَّل الهجريّ|طبعة= الأولى|صفحة= 96|سنة= [[1979]]م|ناشر= [[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربيَّة]]|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> بناءً على هذا، تمَّ بناء مدينة البصرة في جنوب العراق لِحماية البلاد من الهجمات الفارسيَّة الارتداديَّة. وكان المُسلمون قد استقرّوا في المدائن بعد فتحها، ويبدو أنَّ البُنية الجُغرافيَّة لهذا الإقليم لم تتناسب مع ما ألفه العرب من جوٍ صحراويٍّ مفتوح، فشحب لونُهم، فلمَّا وقف الخليفة على ذلك كتب إلى سعد بن أبي وقَّاص يأمُره بأن يتخذ للمُسلمين دار هجرة يُقيمون فيها، وأن يختار لهم مكانًا مُناسبًا بحيثُ لا يكونُ بينهم وبينه بحرٌ ولا جسر،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن جرير الطبري|الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جُرير]]|مؤلف2= تحقيق مُحمَّد أبو الفضل إبراهيم|عنوان= [[تاريخ الطبري|تاريخ الرُسل والمُلوك]]، الجُزء الرَّابع|طبعة= الثانية|صفحة= 40 - 41|سنة= [[1387 هـ|1387هـ]] - [[1967]]م|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وبناءً على هذا تمَّ تشييدُ الكُوفة. أمَّا من الناحية الدينيَّة، فقد أدَّى الفتحُ الإسلاميّ إلى دُخول مُعظم أهل العراق في الإسلام، ومردُّ ذلك هو امتدادُ القبائل العربيَّة فيه قبل الإسلام، أمَّا فارس فقد أبى أغلب أهلها الإسلام في بداية الأمر، وبقوا على المجوسيَّة، دينُ آبائهم وأجدادهم، فتحوَّلوا إلى أهل ذمَّة يُصالحون ويدفعون الجزية لِبيت المال، وحافظوا على قوميَّتهم الفارسيَّة، لكنَّهم ما لبثوا أن دخلوا الإسلام بِمرور الوقت، حتَّى تراجعت المجوسيَّة تراجُعًا حادًا، وأصبح الإسلامُ هو دينُ أغلبيَّة الفُرس.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= شبارو، عصام مُحمَّد|عنوان= الدولة العربيَّة الإسلاميَّة الأولى|طبعة= الثالثة|صفحة= 302|سنة= [[1995]]م|ناشر= [[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربيَّة]]|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> كما اقتبس الفُرس الحروف العربيَّة واستحالت أبجديَّتهم عربيَّة الكتابة والحرف.

== انظر أيضًا ==
* [[تاريخ إيران]]
* [[تاريخ العراق]]
* [[فتوحات إسلامية|الفُتوحات الإسلاميَّة]]
* [[نمو الإسلام (توضيح)|نمو الإسلام]]

== المراجع ==
=== هوامش ===
* {{هامش|1}}: '''مُلوكُ طوائف الإسكندر''' هُم القادة العسكريين وأصحاب الإسكندر الأكبر الذين اقتسموا إمبراطوريَّته بعد وفاته. وقد سُمّوا بِمُلوكِ الطوائف لأنَّهم شكَّلوا دولًا تتفاوت فيما بينها في الحجم والقوَّة والضعف، حتَّى كان لِكُلِّ مدينةٍ تقريبًا حاكمها المُستقل، وهي في نزاعٌ مُستمر. وهؤلاء المُلوك هم: [[بطليموس الأول|بطليموس الأوَّل سوتر]] الذي أسَّس [[المملكة البطلمية|المملكة البطلميَّة]] في مصر، و[[سلوقس الأول|سلوقس الأوَّل نيكاتُر]] الذي أسَّس [[سلوقيون|الإمبراطوريَّة السلوقيَّة]]، و[[ليسيماخوس]] الذي أسَّس [[بيرغامون|المملكة الپرگامونيَّة]] في تراقيا والأناضول، وكاسندر في مقدونيا واليونان.
* {{هامش|2}}: {{خط/عربي|جَلَّلَ الْمَطَرُ السُّهُولَ وَالجِبَالَ}} : مَلأَهَا ، أَغْزَرَهَا<ref>{{استشهاد ويب|عنوان= تعريف ومعنى جلل|مسار=https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/%D8%AC%D9%84%D9%84/|مسار أرشيف=https://archive.today/20221202210054/https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/%D8%AC%D9%84%D9%84/|تاريخ أرشيف=[[17 يناير]] [[2015]]|موقع=مُعجم المعاني الجامع - مُعجم عربي عربي}}</ref> وهي كناية عن كثرة القتل.

=== باللُغة العربيَّة ===
{{مراجع}}

=== بِلُغاتٍ أجنبيَّة ===
{{مراجع|مجموعة=ْ|3|محاذاة=نعم}}

== وصلات خارجيَّة ==
{{تصنيف كومنز|Muslim conquest of Persia}}
* [http://www.iranchamber.com/history/islamic_conquest/islamic_conquest.php تاريخ إيران: الفتحُ الإسلاميّ]. {{أيقونة إنجليزية}}
* [http://www.historyworld.net/wrldhis/PlainTextHistories.asp?ParagraphID=ebe#644 الفُتوحات العربيَّة الإسلاميَّة]. {{أيقونة إنجليزية}}
* [https://web.archive.org/web/20121028181103/http://www.meccabooks.com/Categories/729-muslim-conquest-of-persia-9780954866532.html الفتحُ الإسلاميُّ لِفارس]. {{أيقونة إنجليزية}}
* [http://islamstory.com/فتوحات-العراق-وفارس/ فُتوحات العراق وفارس] من موقع [[قصة الإسلام (موقع)|قصة الإسلام]].
* [http://www.haydarya.com/maktaba_moktasah/15/book_19/pa01.htm دورُ الإمام عليّ بن أبي طالب في الفُتوحات وفقًا للشيخ علي الكوراني].
{{مواضيع الخلافة الراشدة}}
{{ساسانيون}}
{{مواضيع إيران}}
{{مواضيع بلاد الرافدين القديمة}}
{{الفتوحات الإسلامية}}
{{شريط بوابات|إيران|الإسلام|التاريخ الإسلامي|الخلافة الراشدة|العراق}}
{{شريط محتوى متميز|مختارة|التاريخ=14 يناير 2015|النسخة=14663685}}
{{لا لربط البوابات المعادل}}

[[تصنيف:الفتح الإسلامي لفارس| ]]
[[تصنيف:إيران في القرن 7]]
[[تصنيف:انتشار الإسلام|فتح فارس]]
[[تصنيف:تاريخ السند|فتح فارس]]
[[تصنيف:تاريخ غرب آسيا|فتح فارس]]
[[تصنيف:تفكك إمبراطوريات]]
[[تصنيف:غزوات لإيران]]
[[تصنيف:فارس القديمة]]
[[تصنيف:معارك الخلفاء الراشدين|فتح فارس]]