عرض مصدر دولة سلاجقة الروم

{{ص.م بلد سابق
|الاسم_المحلي      = سلطنة الروم - سلاجقة الروم
|الاسم_الشائع      = دَوْلَةُ سَلَاجِقَةِ الرُّومِ
|خريطة            = Sultanate of Rûm-ar.svg
|تسمية الخريطة    = <small>توسُّع دولة سلاجقة الروم بين سنتَيْ 1100 و1243م</small>
|القارة           = [[آسيا]]
|تسمية وصلة العلم = <small>الراية</small>
|نظام الحكم       = سلطنة
|لقب الحاكم       = [[ملك|الملك]] - [[سلطان|السُلطان]]
|الحاكم1          = [[سليمان بن قتلمش|سُليمان بن قُتلُمُش]]<br /><small>(المُؤسس)</small>
|فترة الحاكم1     = [[1077]]–[[1086]]م
|الحاكم2          = [[كيقباد الأول|كيقباد بن كيكاوس]]
|فترة الحاكم2     = [[1220]] - [[1237]]م
|الحاكم3          = [[غياث الدين مسعود|غيَّاث الدين مسعود]]<br /><small>(الأخير)</small>
|فترة الحاكم3     = [[1303]] - [[1308]]م
|الدين            = [[الإسلام]] على المذهب [[أهل السنة والجماعة|السُنِّي]] [[حنفية|الحنفي]]<br /><small>أقليَّات كُبرى وصُغرى: [[المسيحية|المسيحيَّة]]، و[[اليهودية|اليهوديَّة]]</small>
|مساحة البلد      = 400000
|سنة سكان البلد   = 1243
|العملة           = [[دينار|الدينار]] و[[درهم|الدرهم]]
|العاصمة          = [[نيقية]] (1081-1097)<br />[[قونية]] (1097-1308)
|اللغة            = [[لغة رسمية|اللغة الرسميَّة]]: [[اللغة الفارسية|الفارسيَّة]].<ref group="la">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[:en:René Grousset|Grousset, René]]|عنوان=The Empire of the Steppes: A History of Central Asia|طبعة= المُصوَّرة|صفحة= 157|سنة= [[1970]]، [[2002]]|ناشر= Rutgers University Press|مكان= [[نيو برونزويك (نيو جيرسي)|New Brunswick, New Jersey]]|لغة= en|isbn =0813513049|مسار= https://books.google.com.lb/books?redir_esc=y&id=CHzGvqRbV_IC&q=the+Seljuk+court+at+Konya+adopted+Persian+as+its+official+language#v=snippet&q=the%20Seljuk%20court%20at%20Konya%20adopted%20Persian%20as%20its%20official%20language&f=false|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20201211205600/https://books.google.com.lb/books?redir_esc=y&id=CHzGvqRbV_IC&q=the+Seljuk+court+at+Konya+adopted+Persian+as+its+official+language
|تاريخ أرشيف=2020-12-11}}</ref><ref group="la">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[برنارد لويس|Lewis, Bernard]]|عنوان= Istanbul and the Civilization of the Ottoman Empire|طبعة= المُصوَّرة|صفحة= 29|سنة= 1963|ناشر= [[مطبعة جامعة أوكلاهوما|University of Oklahoma Press]]|مكان= [[نورمان (أوكلاهوما)|Norman, Oklahoma]]|لغة= en|isbn =0806110600|مسار= https://books.google.com.lb/books?redir_esc=y&id=7FQRrbUMojcC&q=The+literature+of+Seljuk+Anatolia+was+almost+entirely+in+Persian#v=snippet&q=The%20literature%20of%20Seljuk%20Anatolia%20was%20almost%20entirely%20in%20Persian&f=false|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20201211210602/https://books.google.com.lb/books?redir_esc=y&id=7FQRrbUMojcC&q=The+literature+of+Seljuk+Anatolia+was+almost+entirely+in+Persian
|تاريخ أرشيف=2020-12-11}}</ref>
<small><br />لُغات أُخرى: [[التركية الأناضولية العتيقة|التُركيَّة]]،<ref group="la">{{استشهاد بموسوعة|موسوعة=[[موسوعة بريتانيكا|Encyclopædia Britannica]]|عنوان="Modern Turkish is the descendant of Ottoman Turkish and its predecessor, so-called Old Anatolian Turkish, which was introduced into Anatolia by the Seljuq Turks in the late 11th century ad."|مسار= https://www.britannica.com/topic/Old-Anatolian-Turkish-language|تاريخ الوصول=30 September 2017|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20150402152644/http://www.britannica.com/EBchecked/topic/426768/Old-Anatolian-Turkish-language
|تاريخ أرشيف=2015-04-02}}</ref> و[[اللغة العربية|العربيَّة]]، و[[يونانية العصور الوسطى|الروميَّة]]،<ref group="la">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= Sara Nur Yildiz|مؤلف2= [[:en:A. C. S. Peacock|A. C. S. Peacock]]|عنوان= The Seljuks of Anatolia: Court and Society in the Medieval Middle East|طبعة= المُصوَّرة|صفحة= 132|سنة= [[2013]]|ناشر= [[أي بي توريس|I.B. Tauris]]|مكان= [[لندن|London]]|لغة= en|isbn = 9781848858879|مسار=https://www.researchgate.net/publication/285750373_The_Seljuks_of_Anatolia_Court_and_Society_in_the_Medieval_Middle_East_Edited_by_A_C_S_Peacock_and_Sara_Nur_Yildiz| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201212013047/https://www.researchgate.net/publication/285750373_The_Seljuks_of_Anatolia_Court_and_Society_in_the_Medieval_Middle_East_Edited_by_A_C_S_Peacock_and_Sara_Nur_Yildiz | تاريخ أرشيف = 12 ديسمبر 2020}}</ref> و[[اللغة الأرمنية|الأرمنيَّة]]</small>
|سنة البداية   = 1077
|سنة النهاية   = 1308
|لغة رسمية     = لا
|بلد سابق1     = الدولة السلجوقية
|علم بلد سابق1 = Flag of the Seljuk.png
|بلد سابق2     = دانشمنديون{{!}}الدولة الدانشمندية
|علم بلد سابق2 = Danishmend 1097, locator map.svg
|بلد سابق3     = الدولة الأرتقية
|علم بلد سابق3 = Complete Guide to Heraldry Fig006.png
|بلد سابق4     = الإمبراطورية البيزنطية
|علم بلد سابق4 = Labarum of Constantine the Great.svg
|بلد لاحق1      = إمارات الأناضول
|علم بلد لاحق1  = Eşrefoğulları Beyliği'nin konumu-ar.png
|بلد لاحق2      = الدولة الإلخانية
|علم بلد لاحق2  = Flag of Ilkhanate.svg
|بلد لاحق3      = مملكة أرمينيا الصغرى{{!}}مملكة قيليقية الأرمنية
|علم بلد لاحق3  = Flag of the Rubenid Dynasty.svg
| صورة شعار    = [[ملف:SelcukluKartali.png|لا إطار|90بك]]
|
|اليوم         = {{تركيا}}
}}
'''دَوْلَةُ سَلَاجِقَةِ الرُّومِ''' أو '''سَلْطَنَةُ سَلَاجِقَةِ الرُّومِ''' أو '''سَلْطَنَةُ الرُّومِ''' اختصارًا ([[اللغة الفارسية|بِالفارسيَّة]]: {{خط/عربي|دولت سلجوقیان روم}}) هي إحدى الدُول الإسلاميَّة التي قامت في [[الأناضول|بلاد الأناضول]] وشكَّلت بدايةً الجناح الغربي من [[الدولة السلجوقية|دولة السلاجقة العظام]]، قبل أن تنفصل عنها وتُصبح دولة قائمة بِحد ذاتها بعدما تفكَّكت الدولة السَلْجُوقيَّة إلى عدَّة سلطنات وإمارات و[[أتابك]]يَّات. كان السلاجقة [[أهل السنة والجماعة|مسلمين سُنيِّين]] من الناحيتين الدينيَّة والمذهبيَّة، أمَّا عرقيًّا فكانوا من [[ترك|التُرك]]، على أنَّهم [[الثقافة التركية الفارسية|تثاقفوا بِالثقافة الفارسيَّة]]،<ref group="la">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= Robert L. Canfield|عنوان= Turko-Persia in Historical Perspective|طبعة= المُصوَّرة|صفحة= 13|سنة= [[1991]]، [[2002]]|ناشر= [[مطبعة جامعة كامبريدج|Cambridge University Press]]|مكان= [[كامبريدج|Cambridge]]|لغة= en|isbn =0521522919|مسار= https://books.google.com.lb/books?redir_esc=y&id=g3JhKNSk8tQC&q=persian#v=snippet&q=persian&f=false|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20201212004803/https://books.google.com.lb/books?redir_esc=y&id=g3JhKNSk8tQC&q=persian
|تاريخ أرشيف=2020-12-12}}</ref> فاقتبسوا [[اللغة الفارسية|اللغة]] و[[أبجدية فارسية|الأبجديَّة]] الفارسيَّتين نتيجة احتكاكهم الطويل [[فرس (قوم)|بِالفُرس]] في [[بلاد ما وراء النهر]] و[[إيران الكبرى|إيران]]، حتَّى اصطبغت دولتهم بِصبغةٍ غير تُركيَّة لِفترةٍ طويلةٍ من الزمن. وفي حين كان التُرك السلاجقة هم الحُكَّام، فإنَّ غالبيَّة الرعيَّة كانت من [[روم بيزنطيون|الروم]] النصارى [[الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية|الأرثوذكس]]، وقد انصهر هؤلاء تدريجيًّا مع التُرك في بوتقةٍ واحدةٍ اكتملت تمامًا في [[الدولة العثمانية|العصر العُثماني]] بعد بضعة قُرُونٍ من تفتُّت الدولة وزوالها.

قامت دولة سلاجقة الروم على يد [[سليمان بن قتلمش|سُليمان بن قُتلمُش]]، نسيب السُلطان [[ألب أرسلان]]، وذلك بُعيد [[معركة ملاذكرد]]، التي فتحت أبواب الأناضول أمام المُسلمين، بِست سنواتٍ فقط. فقد انساب السلاجقة إلى الرُبُوع الأناضوليَّة، التي استعصت على المُسلمين قبلهم رُغم توغُّلهم في أرجائها أكثر من مرَّة، وفتحوا المُدن والقلاع الحصينة بعد اصطداماتٍ قاسيةٍ مع البيزنطيين استمرَّت حتَّى أواخر [[القرن 12|القرن الثاني عشر الميلاديّ]]، وتمكَّنوا من تثبيت أقدامهم في البلاد الجديدة بِفضل الهجرات [[تركمان|التُركُمانيَّة]] المُستمرَّة من الشرق. وبدأت تظهر، مُنذُ نهاية القرن المذكور، المعالم السياسيَّة والحضاريَّة لِلسلطنة السَلْجُوقيَّة الروميَّة.<ref name="طقوش1">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصُغرى 470 - 704هـ / 1077 - 1304م|طبعة= الأولى|صفحة= 9|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|isbn = 9953180474|مسار=https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20220314110714/https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf | تاريخ أرشيف = 14 مارس 2022 }}</ref> تنامت قُوَّة السلطنة مع مُرور الزمن، فأضحت مرهوبة الجانب، وتوسَّعت على حساب جيرانها وبِخاصَّةٍ [[الإمبراطورية البيزنطية|الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة]]، وبسط السلاجقة سيطرتهم على مساحةٍ واسعةٍ من [[الأناضول|آسيا الصُغرى]]، وتدخَّلوا في النزاعات التي كانت تنشب بين جيرانهم، وعبروا [[البحر الأسود|بحر البَنْطُس (الأسود)]]، وفتحوا [[سوداق]] في [[القرم|شبه جزيرة القرم]]، وفرضوا الجزية على [[القفجاق]]. وبلغت السلطنة أقصى اتساعها في سنة [[641 هـ|641هـ]] المُوافقة لِسنة [[1243]]م، فشملت مُعظم أنحاء الأناضول و[[قيليقية]] في الجنوب الشرقي و[[إمارة أرمينية|أرمينية]] في أعالي [[الفرات|الفُرات]] وأجزاء من شماليّ [[بلاد الشام|الشَّام]] و[[الجزيرة الفراتية|الجزيرة الفُراتيَّة]].<ref name="طقوش1"/>

ازدهرت السلطنة بِفعل سياسة التوسُّع، وعمَّ البلاد الرخاء والازدهار. ولم تخضع النُظُم الحضاريَّة في هذه الدولة لِتغييراتٍ جوهريَّةٍ أو مُفاجئةٍ، بل إنَّ الاستمراريَّة ظلَّت بارزةً فيها. فالتأثيرات المجلوبة، بِخاصَّةٍ الفارسيَّة، ظلَّت واضحةً في حياة السُكَّان في أوائل عهد السلطنة، فبدا الحُكم وكأنَّهُ فارسيّ، لكن أخذ يتحوَّل تدريجيًّا، مُنذُ أواخر عهد السلطنة، ويتَّخذُ طابعًا تُركيًّا صرفًا، بِفعل تأثير هجرات التُركُمان المُتواصلة. صمد أوائل سلاطين سلاجقة الروم أمام الصليبيين والبيزنطيين والفتن التي أثارها غُلاة الشيعة، إلَّا أنَّ أواخرهم انغمسوا بِالملذَّات، وشُغلوا بِاللهو، تاركين تصريف الأُمُور العامَّة لِأُمراءَ داخَلَهم الطمع، واتَّصفوا بِالجشع والفساد، <ref name="طقوش1"/> فأفسدوا الإدارة بِتصرُّفاتهم، وأثقلوا كاهل السُكَّان بِالضرائب. وقد تفرَّد [[جمال الدين الأقصرائي|الآقسرائي]] بِتدوين أخبار الفساد الذي استشرى في أجهزة الدولة، وقد عاش هذه الأحداث عن قُرب، فروى ما عاينه وشاهده.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصُغرى 470 - 704هـ / 1077 - 1304م|طبعة= الأولى|صفحة= 344|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|isbn = 9953180474|مسار=https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20220314110714/https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf | تاريخ أرشيف = 14 مارس 2022 }}</ref> أدى هذا الفساد، بِالإضافة إلى النظام السياسي السَلْجُوقي الذي لم يرتكز على أُسُسٍ ثابتةٍ وقويَّة، إلى اهتزاز السلطنة تحت ضربات المغول الذين [[الغزو المغولي لخوارزم|بدؤوا الزحف نحو المشرق الإسلامي]]، فوصلوا إلى أبواب الأناضول في الثُلث الأوَّل من [[القرن 13|القرن الثالث عشر الميلاديّ]]، ثُمَّ سيطروا على البلاد وقضوا على استقلال السلطنة، فأصبحت إحدى [[دولة تابعة|الدُول التابعة]] [[إمبراطورية المغول|لِإمبراطوريَّة المغول]] ثُمَّ [[الدولة الإلخانية|لِلدولة الإلخانيَّة]].<ref group="la">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[جون جوزيف سوندرز|John Joseph Saunders]]|عنوان= The History of the Mongol Conquests|طبعة= المُصوَّرة|صفحة= 79|سنة= [[1971]]، [[2002]]|ناشر= [[:en:University of Pennsylvania Press|University of Pennsylvania Press]]|مكان= [[فيلادلفيا|Philadelphia]]|لغة= en|isbn =0812217667|مسار=https://books.google.com.lb/books?redir_esc=y&id=nFx3OlrBMpQC&q=Seljuks+#v=snippet&q=Seljuks&f=false| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201212031246/https://books.google.com.lb/books?redir_esc=y&id=nFx3OlrBMpQC&q=Seljuks+#v=snippet&q=Seljuks&f=false | تاريخ أرشيف = 12 ديسمبر 2020}}</ref> ولمَّا تُوفي آخر سلاطين السلاجقة، [[غياث الدين مسعود|غِيَاث الدين مسعود بن كيكاوس]]، سنة [[704 هـ|704هـ]] المُوافقة لِسنة [[1304]]م، غرقت بلاد الروم بعده في بحرٍ من الفوضى، ووقع الخلل في السلطنة وانقسمت البلاد إلى [[إمارات الأناضول|عشر إماراتٍ تُركُمانيَّة]] مع بقاء السيادة المغوليَّة واضحة، وبرزت من بين تلك الإمارات إمارةٌ حُدُوديَّة صغيرة بِزعامة قائدٍ يُدعى [[عثمان الأول|عُثمان بن أرطغرل]]، قُدِّر لها أن تُعيد توحيد الأناضول وتتحوَّل إلى [[الدولة العثمانية|آخر دُول الخِلافة الإسلاميَّة]] في التاريخ.

== أصل الاسم ==
أُطلقت تسمية «السلاجقة» على جماعةٍ من التُرك المُنحدرين من قبيلة «[[قنق (قبيلة)|قنق]]» [[أتراك الأوغوز|الغُزيَّة]]، المنتمين إلى جدٍّ هو [[سلجوق بن دقاق|سَلْجُوق بن دُقَاق]] أو «يقاق»،{{للهامش|1}} المعروف بـ«تيمور يلغ» أي «ذي القوس الحديد»، ويبدو أنَّ هذه القبيلة كانت من أوائل القبائل الغُزيَّة التي دخلت في الإسلام،<ref name="الحسيني">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= الحُسيني، صدر الدين علي|مؤلف2= تصحيح: [[محمد إقبال|مُحمَّد إقبال]]|عنوان= أخبار الدولة السَلْجُوقيَّة|صفحة= 1 - 2|سنة= [[1933]]|ناشر=نشريَّات كُليَّة فُنجاب|مكان=[[لاهور]] - [[الراج البريطاني|الهند]]|مسار=https://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/c/c2/أخبار_الدولة_السلجوقية.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20180407182610/https://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/c/c2/أخبار_الدولة_السلجوقية.pdf | تاريخ أرشيف = 7 أبريل 2018}}</ref> وقد برز زعيمها سَلْجُوق بعد وفاة والده، فرعى مصالح قبيلته ودخل في خدمة [[الدولة السامانية|السامانيين]]، وقاتل قبائل التُرك الوثنيَّة وأزال هيمنتها على سُكَّان الوادي الأدنى [[سيحون (نهر)|لِنهر سيحون]]، <ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[فاسيلي بارتولد|بارتولد، ڤاسيلي ڤلاديميروفتش]]|مؤلف2= ترجمة: د. أحمد السعيد سُليمان|عنوان= تاريخ التُرك في آسيا الوُسطى|صفحة= 119|سنة= [[1996]]|ناشر= [[الهيئة المصرية العامة للكتاب|الهيئة المصريَّة العامَّة لِلكتاب]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|isbn =977014794X|مسار=https://ia903104.us.archive.org/4/items/ktp2019-bskn11639/ktp2019-bskn11639.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830225141/https://ia903104.us.archive.org/4/items/ktp2019-bskn11639/ktp2019-bskn11639.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref> فنُسب أبناء قبيلته إليه بُعيد وفاته، وسُمُّوا «سلاجقة». أمَّا تسمية «الروم» فيُقصد بها الإشارة إلى [[المواطنة الرومانية|أهل الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة]]، الذين سَمَّوْا أنفُسَهم «رومانًا» {{لغة-يونانية|Ῥωμαῖοι}} على اعتبار أنَّهم الاستمرار الطبيعي [[الإمبراطورية الرومانية|لِلإمبراطوريَّة الرومانيَّة]] العتيقة، وسُمُّوا [[اللغة العربية|بِالعربيَّة]] «رومًا»، <ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1=مسعود، جُبران|عنوان= الرائد: مُعجم لُغوي عصري|طبعة= السابعة|صفحة= 407|سنة= [[1992]]|ناشر= [[دار العلم للملايين]]|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار=https://ia600200.us.archive.org/21/items/moramora/mora.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830225156/https://ia600200.us.archive.org/21/items/moramora/mora.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref> فأصبحت بلادهم تُسمَّى «بلاد الروم»، ولمَّا فتحها السلاجقة، أُضيفت تسميتها وتسمية أهلها إلى السُلالة التي تفرَّدت بِحُكم هذه البلاد، فأصبحوا سلاجقة الروم، أي سلاجقة بلاد الروم.<ref group="la">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= Wittek, Paul |عنوان= The Rise of the Ottoman Empire: Studies in the History of Turkey, thirteenth–fifteenth Centuries|صفحة= 81|سنة= [[2013]]|ناشر= [[روتليدج (دار نشر)|Routledge]]|مكان= [[:en:Abingdon-on-Thames|Abingdon]]|لغة= en|isbn =9781136513190|مسار=https://books.google.ch/books?id=FQwukvsKY-AC&pg=PA81&pli=1#v=onepage&q&f=false| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201213020243/https://books.google.ch/books?id=FQwukvsKY-AC&pg=PA81&pli=1 | تاريخ أرشيف = 13 ديسمبر 2020}}</ref>

== التاريخ ==
=== قيام دولة السلاجقة وتوسُّعها ===
{{مقالة تصنيف|التسلسل الزمني لدولة سلاجقة الروم}}
[[ملف:Tugrul bey.jpg|تصغير|مُنمنمة لِطُغرل بك بن ميكائيل بن سَلْجُوق، مُؤسس الدولة السَلْجُوقيَّة وأوَّل سلاطينها.]]
تُوفي سَلْجُوق بن دُقَاق في مدينة [[جند (تركستان)|جند]] حوالي سنة [[1039]]م، تاركًا ثلاثة أولاد هُم: [[أرسلان بن سلجوق|أرسلان إسرائيل]] و[[ميكائيل بن سلجوق|ميكائيل]] و[[موسى يبغو|موسى]]، وتُضيف بعض الروايات ابنًا رابعًا هو يُونُس.{{للهامش|2}} وليس هُناك من تفاصيلَ دقيقةٍ وموثوقةٍ حول ما وصلت إليه أوضاع أولادِ سَلْجُوق بعد وفاته في بلاد ما وراء النهر، وكُل ما يُعلم يقينًا أنَّ هؤلاء لم يستطيعوا العيش في وفاقٍ مع باقي المُسلمين الذين حرَّروهم من سطوة قبائل التُرك [[أساطير تركية|الوثنيَّة]] كما أُسلف، فغادروا المنطقة مُتجهين نحو الجنوب. ويَذكر [[أبو الفضل البيهقي|البيهقي]] أنَّهُ في [[قرن 5 هـ|القرن الخامس الهجري]] المُوافق [[القرن 11|لِلقرن الحادي عشر الميلادي]]، كان والي جند المدعو «شاهمُلك» في حال عداءٍ شديدٍ مع بني سَلْجُوق، وبينه وبينهم نزاعٌ قديمٌ وضغائن قويَّة وثأر.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[أبو الفضل البيهقي|البيهقي، أبو الفضل مُحمَّد بن الحُسين]]|مؤلف2= ترجمة: يحيى الخشَّاب وصادق نشأت |عنوان= تاريخ البيهقي|صفحة= 749|سنة= [[1376 هـ|1376هـ]] - [[1956]]م|ناشر= [[مكتبة الأنجلو المصرية|مكتبة الأنجلو المصريَّة]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://archive.org/details/tarbay/page/n785/mode/2up}}</ref> ولمَّا نزح السلاجقة أقاموا بِموضعٍ يُعرف بـ«نور بُخارى»، وظلُّوا حُلفاء [[الدولة السامانية|لِلسامانيين]] حتَّى زالت دولتهم وحلَّ [[الدولة الغزنوية|الغزنويون]] محلَّهم، فالتحق ميكائيل بن سَلْجُوق بِخدمة السُلطان [[محمود الغزنوي|أبي القاسم محمود بن سُبُكْتِكِيْن الغزنوي]]،<ref name="الحسيني"/> الذي أنزله وقومه مرجًا من مُرُوج [[خراسان الكبرى|خُراسان]] يُعرف بـ«مرج دندانقان»، فأقاموا فيه. ولم يكد السلاجقة يستقرُّون في المناطق الجديدة حتَّى راحوا يُنمُّون قُدراتهم العسكريَّة، ويبدو أنَّهُم تخلَّوا عن حياة الهُدُوء والاستقرار، وعادوا إلى طبيعتهم البدويَّة، فأخذوا يُغيرون على المُدن والقُرى المُجاورة، ممَّا دفع سُكَّانها إلى الطلب من السُلطان محمود العمل على إبعادهم، فاستجاب لِنداء الاستغاثة وأجلى السلاجقة بِالقُوَّة بعد معركةٍ طاحنة، وأَجبر من لم يُقتل منهم على اللُجوء إلى [[ولاية بلخ|بلخان]] ودهستان.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[أبو سعيد الجرديزي|الگرديزي، أبو سعيد عبد الحي بن الضحَّاك بن محمود]]|مؤلف2= ترجمة: عفاف السيِّد زيدان|عنوان= زين الأخبار|صفحة= 271 - 272|سنة= [[2006]]|ناشر= [[المجلس الأعلى للثقافة (مصر)|المجلس الأعلى للثقافة]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|isbn =9774371089|مسار=https://ia600407.us.archive.org/5/items/zin-akhbar/zin-akhbar.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830225222/https://ia600407.us.archive.org/5/items/zin-akhbar/zin-akhbar.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref> وقُتل ميكائيل بن سَلْجُوق في إحدى غزواته ضدَّ التُرك الوثنيين في [[بلاد ما وراء النهر]]، وخلف ولدين هُما [[جغري بك|جغري]] و[[طغرل بك|طُغرُل]]، <ref group="la">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= Ágoston, Gábor |مؤلف2= Masters, Bruce |عنوان= Encyclopaedia of the Ottoman Empire|صفحة= 516|سنة= [[2009]]|ناشر= Facts on File, Inc|مكان= [[نيويورك|New York]]|لغة= en|isbn =9780816062591|مسار= https://psi424.cankaya.edu.tr/uploads/files/Agoston%20and%20Masters,%20Enc%20of%20Ott%20Empire.PDF|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20201120183330/https://psi424.cankaya.edu.tr/uploads/files/Agoston%20and%20Masters,%20Enc%20of%20Ott%20Empire.PDF|تاريخ أرشيف=2020-11-20}}</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد بن علي الراوندي|الراوندي، نجم الدين أبو بكر مُحمَّد بن علي بن سُليمان]]|مؤلف2= ترجمة: إبراهيم أمين الشواربي وعبد النعيم مُحمَّد حسنين وفُؤاد عبد المُعطي الصيَّاد|عنوان= راحة الصُدُور وآية السُرُور في تاريخ الدولة السَلْجُوقيَّة|صفحة= 154|سنة= [[2005]]|ناشر= [[المجلس الأعلى للثقافة (مصر)|المجلس الأعلى للثقافة]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار=https://books4arabs.com/BA2019/BA2019-1247.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201219044053/https://www.books4arab.com/ | تاريخ أرشيف = 19 ديسمبر 2020}}</ref> فخلفه الأخير الذي أعاد توحيد العشائر السَلْجُوقيَّة الضاربة في بلاد ما وراء النهر وتدعيم قُوَّتها، وساعده أخوه جغري في تلك المُهمَّة. وكان طُغرُل وجغري فارسين مقدامين، نشأ تنشئةً عسكريَّةً في ظل جدِّهما سَلْجُوق، وبعد وفاته برزا على المسرح العسكري من خلال اشتباكاتهما في حُرُوبٍ مُتلاحقةٍ مع أقوى الأُمراء في آسيا الوُسطى أمثال [[قراخانيون|القراخانيين]] في [[بخارى|بُخارى]] و[[كاشغر]]، وتمتعا بِنُفُوذٍ كبيرٍ داخل العشائر السَلْجُوقيَّة وبدا من أمرهما ما يُنبئ بأنَّهما سوف يبلُغان بِالسلاجقة ذُروة القُوَّة، فمضيا مُؤتلفين تربطهُما أواصر الإخلاص المُتبادل على أهدافٍ واحدةٍ، وصرفا حياتهما الأولى في الهرب من وجه خُصُومهما اتقاء لِعداوتهم، ولمَّا آنسا من نفسيهما القُوَّة، ارتدَّا إلى مُجابهة هؤلاء الأعداء.<ref name="بخارى">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[فمبيري|ڤمبيري، أرمينيوس]]|مؤلف2= ترجمة: د. أحمد محمود الساداتي|عنوان= تاريخ بُخارى مُنذُ أقدم العُصُور حتَّى العصر الحاصر|صفحة= 129|ناشر= مكتبة نهضة الشرق|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار=https://ia803100.us.archive.org/12/items/ktp2019-bskn11908/ktp2019-bskn11908.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830225204/https://ia803100.us.archive.org/12/items/ktp2019-bskn11908/ktp2019-bskn11908.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref>
[[ملف:Seljuq - ar.svg|تصغير|يمين|الحُدُود التقريبيَّة لِلدولة السَلْجُوقيَّة خلال عهد طُغرُل بك، ومسار جُيُوشه لِضم البلاد المُختلفة.]]
[[ملف:Gaznaly-seljuk Dandanaqan.jpg|تصغير|200بك|مُنمنمة فارسيَّة تُصوِّرُ واقعة دندانقان بين السلاجقة والغزنويين التي أفضت إلى انتهاء الحُكم الغزنوي في بلاد خُراسان.]]
وفي سنة [[421 هـ|421هـ]] المُوافقة لِسنة [[1030]]م، تُوفي السُلطان محمود بن سُبُكْتِكِيْن الغزنوي، وتنافس على العرش ولداه [[محمد الغزنوي|مُحمَّد]] و[[مسعود بن محمود الغزنوي|مسعود]]، فاستغلَّ السلاجقة هذه الفُرصة والاضطراب القائم لِتوسيع دائرة نُفُوذهم، فسيطروا على المناطق المُجاورة لِديارهم، ونشروا نُفُوذهم في أرجاء بلاد ما وراء النهر. ثُمَّ شرعوا في الإغارة على خُراسان بلا انقطاع طيلة ثلاث سنوات، ولم يتمكَّن السُلطان الغزنوي مسعود، الذي كان قد سيطر على عرش أبيه، من صدِّهم، فتمكَّن جغري في نهاية المطاف من طرد الغزنويين من شمال خُراسان واستولى على قصبتها [[مرو الشاهجان]]، وأضحى الحاكم الفعلي على تلك البلاد. ودخل الأخوان طُغرل وجغري قصبة خُراسان القديمة في موكب النصر واقتسما الأعمال الحُكُوميَّة، فاضطلع طُغرل بِشُؤون الإدارة، وأخذ جغري على عاتقه مُهمَّة الدفاع عن الإقليم.<ref name="بخارى"/> وفي سنة [[429 هـ|429هـ]] المُوافقة لِسنة [[1038]]م، أنزل السلاجقة هزيمةً قاسيةً بِالغزنويين ودخلوا مدينة [[نيسابور]] مُعلنين ضمَّها إلى مُلكهم، وجلس طُغرل على عرش السُلطان مسعود فيها مُعلنًا نفسه سُلطانًا، وأمر بِأن يُخطب بِاسمه فيها، كما خُطب باسمه في [[سرخس (تركمانستان)|سرخس]] وفي [[بلخ]]. وهكذا أعلن طُغرُل قيام [[الدولة السلجوقية|الدولة السَلْجُوقيَّة]]، وكتب رسالةً إلى الخليفة العبَّاسي [[عبد الله القائم بأمر الله|القائم بِأمر الله]] يشرح لهُ فيها ما آلت إليه الأوضاع السياسيَّة، ويطلب منهُ الاعتراف بِدولته الجديدة. وفي شهر رمضان [[431 هـ|431هـ]] المُوافق فيه شهر حُزيران (يونيو) [[1040]]م، وقعت [[معركة دانداناقان]] وهي معركة فاصلةٌ بين السلاجقة والغزنويين بِقيادة السُلطان مسعود، كان من نتيجتها أن انتصر السلاجقة نصرًا كبيرًا ووضعوا حدًّا نهائيًّا لِحُكم الغزنويين في خُراسان،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصُغرى 470 - 704هـ / 1077 - 1304م|طبعة= الأولى|صفحة= 27 - 28|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|isbn = 9953180474|مسار=https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20220314110714/https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf | تاريخ أرشيف = 14 مارس 2022 }}</ref> وعُدَّت هذه المعركة إحدى المعارك الكُبرى الفاصلة في التاريخ الإسلامي، بل إنَّ نتائجها تعدَّت [[العالم الإسلامي|ديار الإسلام]] وأثًّرت على عالم [[العصور الوسطى|العُصُور الوُسطى]]، كما يعتبر المُؤرِّخ [[سوريون|السوري]] المُعاصر [[سهيل زكار|سُهيل زكَّار]]، كونها فتحت الباب أمام السلاجقة لِلانسياب غربًا عبر [[إيران الكبرى|بلاد إيران]] وُصولًا إلى ديار الروم في [[الأناضول]] والتوسُّع على حسابهم، وكان هذا أحد الأسباب التي شجَّعت على قيام [[حملات صليبية|الحملات الصليبيَّة]].<ref name="زكار">{{استشهاد بموسوعة |الأخير= زكَّار|الأول= سُهيل |مؤلف-وصلة=سهيل زكار |موسوعة = الموسوعة الشاملة في تاريخ الحُرُوب الصليبيَّة |عنوان = مدخل إلى تاريخ الحُرُوب الصليبيَّة |مسار= https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=https://ebooksstream.com/d_pdfs/kutub-pdf.net-n9T3XE.pdf|تاريخ= [[1415 هـ|1415هـ]] - [[1995]]م|ناشر= دار الفكر|المجلد= الجُزء الأوَّل|صفحات=57 - 58| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201219000339/https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=https://ebooksstream.com/d_pdfs/kutub-pdf.net-n9T3XE.pdf | تاريخ أرشيف = 19 ديسمبر 2020}}</ref>
[[ملف:ByzantineEmpire867AD4lightpurple-ar.png|تصغير|يمين|خريطة تُظهر الحُدُود التقريبيَّة لِلإمبراطوريَّة البيزنطيَّة قُبيل افتتاح المُسلمين لِمُعظم بلادها في الأناضول.]]
أُغري طُغرُل بِنجاحه هذا وطمع بِالتمدُّد نحو [[عراق العرب|العراق]]، قلب ديار الإسلام، في سبيل بسط سيطرته على [[الدولة العباسية|الخلافة العبَّاسيَّة]] وإنقاذها من الهيمنة [[الدولة البويهية|البُويهيَّة]] الشيعيَّة. ويُعدُّ هذا التوجُّه طبيعيًّا، فكُل من سبقوا السلاجقة في السيطرة على خُراسان تطلَّعوا إلى التمدُّد نحو الغرب لِلسيطرة على [[بغداد]] والتحكُّم بِمُقدَّرات الخلافة العبَّاسيَّة، ومن هؤلاء السامانيّون و[[صفاريون|الصفاريّون]] والغزنويّون على سبيل المِثال.<ref name="زكار"/> وهكذا، واصل السلاجقة سياستهم التوسُّعيَّة ضمن دائرة اعتراف الخلافة العبَّاسيَّة، بِهدف القضاء على [[الدولة البويهية|البُويهيين]]، وبِحُلُول سنة [[442 هـ|442هـ]] المُوافقة لِسنة [[1050]]م، كانوا قد ضَمُوا إلى دولتهم بلاد [[الري (إيران)|الري]] و[[جرجان]] و[[طبرستان]] و[[خوارزم]] و[[همدان (إيران)|همدان]] و[[أصفهان]]،<ref name="حتي">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[فيليب حتي|حتِّي، فيليپ]]|مؤلف2= جرجي، أدورد|مؤلف3= جبُّور، جبرائيل|عنوان= [[تاريخ العرب (كتاب)|تاريخ العرب]]|طبعة= الخامسة|صفحة= 550 - 552|سنة= [[1974]]|ناشر= دار غندور للطباعة والنشر والتوزيع|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> واتخذ طُغرُل من المدينة الأخيرة عاصمةً له، <ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير، علي بن مُحمَّد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري]]|عنوان= الكامل في التاريخ|طبعة= الأولى|صفحة= 293|سنة= [[1407 هـ|1407هـ]] - [[1987]]م|المجلد=الجُزء الثامن|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار=https://ia802707.us.archive.org/15/items/WAQkamilt/kamilt08.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210810074339/https://ia802707.us.archive.org/15/items/WAQkamilt/kamilt08.pdf | تاريخ أرشيف = 10 أغسطس 2021 }}</ref> ثُمَّ ضمَّ بعد أربع سنوات [[أذربيجان (إيران)|إقليم أذربيجان]]، <ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن العبري|ابن العبري، أبو الفرج گريگوريوس بن هٰرون الملطي]]|عنوان= تاريخ مُختصر الدُول|طبعة= الأولى|صفحة= 160 - 161|سنة= [[1418 هـ|1418هـ]] - [[1997]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار=https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=https://books-library.online/files/download-pdf-ebooks.org-1541023843Et1K0.pdf&hl=ar| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201219055906/https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=https://books-library.online/files/download-pdf-ebooks.org-1541023843Et1K0.pdf&hl=ar | تاريخ أرشيف = 19 ديسمبر 2020}}</ref> فما وافى يوم [[26 رمضان]] [[447 هـ|447هـ]] المُوافق فيه [[18 ديسمبر|18 كانون الأوَّل (ديسمبر)]] [[1055]]م، حتَّى وقفت جُيُوش السلاجقة بِقيادة طُغرُل على أبواب بغداد، وأرسل يستأذن الخليفة في الدُخُول، فأذِن له، وخرج الساسة والقُضاة والنُقباء والأشراف والأعيان لِاستقباله، ونادى به الخليفة مُنقذًا لِلدولة و[[أهل السنة والجماعة|العقيدة السُنيَّة]] من تسلُّط الشيعة البُويهيين، وخُطب لهُ على منابر جوامع عاصمة الإسلام.<ref name="حتي"/><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير، علي بن مُحمَّد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري]]|عنوان= الكامل في التاريخ|طبعة= الأولى|صفحة= 322 - 323|سنة= [[1407 هـ|1407هـ]] - [[1987]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|المجلد=الجُزء الثامن|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار=https://ia802707.us.archive.org/15/items/WAQkamilt/kamilt08.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210810074339/https://ia802707.us.archive.org/15/items/WAQkamilt/kamilt08.pdf | تاريخ أرشيف = 10 أغسطس 2021 }}</ref><ref group="la">{{استشهاد بكتاب |عنوان=Islamic Desk Reference |مسار=https://archive.org/details/islamicdeskrefer00donz_0 |التسجيل=registration |محرر-الأول=E. J. |محرر-الأخير=Van Donzel |ناشر=E.J. Brill |سنة=1994|صفحة=457| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201023010004/https://archive.org/details/islamicdeskrefer00donz_0 | تاريخ أرشيف = 23 أكتوبر 2020}}</ref> وأنزل طُغرُل العقاب بالذين تطاولوا على مقام الخلافة، وكان في مُقدِّمتهم [[البساسيري|أبو الحارث أرسلان البساسيري]]، [[أمير الأمراء]] البُويهي الذي حمل الخليفة القائم على أن يُبايع خصمه [[الدولة الفاطمية|الفاطمي]] [[المستنصر بالله الفاطمي|المُستنصر بالله]] ويُخطب لهُ في مساجد بغداد، <ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[جلال الدين السيوطي|السيوطي، جلال الدين عبد الرحمٰن بن كمال الدين أبي بكر بن مُحمَّد سابق الدين خضر الخضيري]]|عنوان= تاريخ الخُلفاء|طبعة= الثانية|صفحة= 643|سنة= [[1434 هـ|1434هـ]] - [[2013]]م|ناشر= [[وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (قطر)|وزارة الأوقاف والشُؤون الإسلاميَّة]]|مكان= [[الدوحة]] - [[قطر]]|مسار= https://archive.org/stream/FP145257/145257#page/n642/mode/2up|isbn =9789953498195| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20150315042526/https://archive.org/stream/FP145257/145257 | تاريخ أرشيف = 15 مارس 2015}}</ref> فقتله طُغُرل وقضى على سُلطان بني بُويه وحلَّ نظام جيش [[ديلم|الديلم]] الذي كانوا يعتمدون عليه.<ref name="حتي"/> وهكذا دخل العراق ضمن دائرة نُفُوذ السلاجقة، وجاور هؤلاء [[الإمبراطورية البيزنطية تحت حكم السلالة المقدونية|الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة]]، التي لم تلبث أن دخلت حالةً من الرُكُود والضعف بعد زوال [[السلالة المقدونية|السُلالة المقدونيَّة]] في سنة [[449 هـ|449هـ]] المُوافقة لِسنة [[1057]]م، وما تبع ذلك من صراعٍ بين الطبقتين العسكريَّة والمدنيَّة.<ref group="la">Alexander A. Vasiliev, ''History of the Byzantine Empire, 324–1453'', Volume 1, University of Wisconsin Press, 1958, {{ردمك|0-299-80925-0}}, p. 429.</ref> ورأى طُغرُل أن يُتابع توسُّعه على حساب البيزنطيين هذه المرَّة، يدفعه في ذلك ثلاثة أسباب: دينيَّة واقتصاديَّة وسياسيَّة. أمَّا الباعث الديني فقد كان طُغرُل وكبار قادة السلاجقة يطمعون بِنشر الإسلام في أوسع رُقعة مُمكنة وبِخاصَّةً بين جيرانهم النصارى، أي الأرمن والروم، الأمر الذي يُكسب حُرُوبهم طابع [[جهاد|الجهاد في سبيل الله]] كما يُكسبهم عطف المُسلمين جميعًا، لا سيِّما إن تمكَّنوا من فتح بلاد الأناضول التي لم يجد الإسلام موطئ قدمٍ دائمةٍ فيها.<ref group="la">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[:en:Kenneth Setton|Setton, Kenneth]]|عنوان= A History of the Crusades|طبعة= المُصوَّرة|صفحة= 144 - 147|سنة= [[1969]]|ناشر= [[:en:University of Wisconsin Press|University of Wisconsin Press]]|مكان= [[ماديسون (مقاطعة دان)|Madison, Wisconsin]]|لغة= en|مسار=https://books.google.com.lb/books?id=RfO1J6hjcdgC&printsec=frontcover#v=onepage&q&f=false| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201219235313/https://books.google.com.lb/books?id=RfO1J6hjcdgC&printsec=frontcover#v=onepage&q&f=false | تاريخ أرشيف = 19 ديسمبر 2020}}</ref> وفيما يتعلَّق بِالباعث الاقتصادي فإنَّ تدفُّق قبائل التُرك من بلاد ما وراء النهر في أفواجٍ جديدةٍ بعد تأسيس الدولة السَلْجُوقيَّة، جعل الأراضي تضيقُ بهم، فأخذوا يبحثون عن مراعٍ جديدةٍ وغنيَّة، فوجدوا ضالَّتهم في أراضي الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة، يُؤكِّد ذلك ما رُوي عن سبب غزو [[إبراهيم ينال|إبراهيم إينال]] شقيق السُلطان طُغرُل لِبلاد الروم: {{اقتباس مضمن|... وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ خَلْقًا كَثِيرًا مِنْ الْغُزِّ مِمَّا وَرَاءَ النَّهْرِ قَدِمُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ: "بِلَادِي تُضَيِّقُ عَنْ مَقَامَكُم وَالْقِيَام بِمَا تَحْتَاجُونَ إلَيْه، وَالرَّأْي أَن تَمْضُوا إلَى غَزْو الرُّومِ وَتُجَاهِدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَتَغْنَمُوا"}}.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[شهاب الدين النويري|النُويري، شهاب الدين أحمد بن عبد الوهَّاب بن مُحمَّد]]|عنوان= نهاية الأرب في فنون الأدب |طبعة= الأولى|صفحة= 163|سنة= [[1424 هـ|1424هـ]] - [[2004]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|المجلد=الجُزء 26 - 27|مسار= https://books.google.com.lb/books?id=Bwp7DwAAQBAJ&pg=PT162&lpg=PT162&dq=إن+خلقا+كثيرا+من+الغز+مما+وراء+النهر+قدموا+عليه&source=bl&ots=sLVZKdAqEN&sig=ACfU3U2ciP-CBaO_uPF-dX_09NwNPfOiSg&hl=en&sa=X&ved=2ahUKEwiDqLm9pNvtAhVFQxUIHfBlB0kQ6AEwBHoECAgQAg#v=onepage&q=إن%20خلقا%20كثيرا%20من%20الغز%20مما%20وراء%20النهر%20قدموا%20عليه&f=false| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201220003928/https://books.google.com.lb/books?id=Bwp7DwAAQBAJ&pg=PT162&lpg=PT162&dq=إن+خلقا+كثيرا+من+الغز+مما+وراء+النهر+قدموا+عليه&source=bl&ots=sLVZKdAqEN&sig=ACfU3U2ciP-CBaO_uPF-dX_09NwNPfOiSg&hl=en&sa=X&ved=2ahUKEwiDqLm9pNvtAhVFQxUIHfBlB0kQ6AEwBHoECAgQAg#v=onepage&q=إن%20خلقا%20كثيرا%20من%20الغز%20مما%20وراء%20النهر%20قدموا%20عليه&f=false | تاريخ أرشيف = 20 ديسمبر 2020}}</ref> أمَّا فيما يتعلَّق بِالباعث السياسي، فقد كان طُغرُل يهدف إلى السيطرة على [[أرمينية البقرادونية|أرمينية]] لِكسر الطوق البيزنطي من أمام المُسلمين تمهيدًا لِلتوغُّل داخل الأراضي البيزنطيَّة لمُواصلة حركة الجهاد، لا سيَّما وأنَّ أرمينية كانت قد أصبحت دولةً حاجزةً ضدَّ المُسلمين في الشرق مُنذُ أن خرجت من أيديهم ودخلت في حلفٍ مع البيزنطيين في عهد الإمبراطور [[باسيل الأول|باسيل الأوَّل]].<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= العريني، السيِّد الباز|عنوان= الدولة البيزنطيَّة 323 - 1081م|صفحة= 338 - 339|سنة= [[1358 هـ|1358هـ]] - [[1965]]م|ناشر= دار النهضة العربيَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار=https://archive.org/details/byzantine.empire/page/n351/mode/2up}}</ref>

=== قيام سلطنة سلاجقة الروم ===
[[ملف:Alp Arslan, Wax cropped.jpg|تصغير|تمثالٌ شمعيّ لِلسُلطان ألب أرسلان، خليفة طُغرُل بك وفاتح بلاد الأناضول ومُعيد أرمينية تحت جناح الإسلام.]]
تُوفي الإمبراطور البيزنطي [[قسطنطين التاسع|قُسطنطين التاسع]] سنة [[446 هـ|446هـ]] المُوافقة لِسنة [[1055]]م، وتلت وفاته ثورة قام بها أنصار السُلالة المقدونيَّة، لِلحيلولة دون انتقال العرش إلى [[دوكس|دوق]] بُلغاريا المدعو «نقفور فروتيون» {{لغة-يونانية|Νικηφόρος ὁ Πρωτεύων}} الذي كان يسعى النُبلاء إلى توليته أُمُور البلاد، <ref group="la">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= Finlay, George|عنوان= History of the Byzantine Empire from 716 – 1057|صفحة= 527|سنة= [[1853]]|ناشر= William Blackwood & Sons|لغة= en|مسار= https://books.google.td/books?id=UixDAAAAcAAJ&printsec=frontcover&hl=fr#v=onepage&q=Nikephoros%20Proteuon&f=false|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20201224010727/https://books.google.td/books?id=UixDAAAAcAAJ&printsec=frontcover&hl=fr
|تاريخ أرشيف=2020-12-24}}</ref> فأخرج الثُوَّار الإمبراطورة العجوز السابقة [[ثيودورا الثالثة|تُيُودورة]] من عُزلتها، وقد بلغت الرابعة والسبعين، ونصَّبوها على العرش، <ref group="la">{{استشهاد | عنوان = A History of the Byzantine State and Society | الأخير = Treadgold | الأول = Warren T. | سنة = 1997 | ناشر = Stanford University Press | مكان = [[ستانفورد (كاليفورنيا)|Stanford, CA]] | isbn = 0-8047-2630-2 | مسار = https://books.google.com/books?id=nYbnr5XVbzUC | صفحة=596|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20201217145410/https://books.google.com/books?id=nYbnr5XVbzUC
|تاريخ أرشيف=2020-12-17}}</ref> فاستغلَّ طُغرُل هذه الاضطرابات وحمل على أرمينية حتَّى وصل إلى [[أرضروم]]، وحاصر مدينة [[ملاذكرد]] وضيَّق على أهلها، ونهب ما جاورها من البلاد وأخربها وغنم مغانم عظيمة، ثُمَّ انسحب عائدًا إلى أذربيجان لمَّا هجم الشتاء من غير أن يملك تلك النواحي.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير، علي بن مُحمَّد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري]]|عنوان= الكامل في التاريخ|طبعة= الأولى|صفحة= 316|سنة= [[1407 هـ|1407هـ]] - [[1987]]م|المجلد=الجُزء الثامن|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار=https://ia802707.us.archive.org/15/items/WAQkamilt/kamilt08.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210810074339/https://ia802707.us.archive.org/15/items/WAQkamilt/kamilt08.pdf | تاريخ أرشيف = 10 أغسطس 2021 }}</ref> وفي سنة [[449 هـ|449هـ]] المُوافقة لِسنة [[1057]]م، قامت الاضطرابات مُجددًا في بلاد الروم عندما ثار النُبلاء والأعيان والقادة ضدَّ الإمبراطور [[ميخائيل السادس برينغاس|ميخائيل السادس]]، والتفُّوا حول قائد جُيُوش الشرق [[إسحاق الأول كومنين|إسحٰق كومنين]]، الذي أمر بِسحب العساكر البيزنطيَّة من المناطق الأرمنيَّة لِتُسانده في ثورته وتدعم وُصُوله إلى العرش، <ref group="la">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[:en:René Grousset|Grousset, René]]|عنوان= Histoire des Croisades et du royaume franc de Jérusalem|صفحة= 596 - 597|سنة= [[1934]]|ناشر= Plon|مكان= [[باريس|Paris]]|لغة= fr|مسار=https://books.google.com/books?id=EA9eNQAACAAJ&dq=Histoire+des+croisades+et+du+royaume+franc+de+J%C3%A9rusalem&lr=&client=firefox-a| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201224191646/https://books.google.com/books?id=EA9eNQAACAAJ&dq=Histoire+des+croisades+et+du+royaume+franc+de+Jérusalem&lr=&client=firefox-a | تاريخ أرشيف = 24 ديسمبر 2020}}</ref> فشغرت المراكز الحُدُوديَّة من أيَّة مُقاومة جديَّة، ممَّا أغرى السلاجقة فاجتاحوا [[كبادوكيا|قبادوقية]]، وهاجموا [[ملطية]]، وأغاروا على الأقاليم الواقعة عند مُلتقى فرعَيْ نهر الفُرات. وتوغَّل [[قتلمش|قُتلُمُش بن إسرائيل]] في جوف آسيا الصُغرى، ففتح [[قونية]] و[[آق سراي]] ونواحيهما.<ref name="طقوش2">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصُغرى 470 - 704هـ / 1077 - 1304م|طبعة= الأولى|صفحة= 40|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|isbn = 9953180474|مسار=https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20220314110714/https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf | تاريخ أرشيف = 14 مارس 2022 }}</ref> جدَّد السلاجقة هجماتهم على الديار البيزنطيَّة في عهد الإمبراطور [[قسطنطين العاشر دوكاس|قُسطنطين العاشر دوكاس]] ([[451 هـ|451]] - [[459 هـ|459هـ]] \ [[1059]] - [[1067]]م). ففي السنة الأولى من حُكمه توغَّلوا في عُمق بلاد الروم، وبلغوا مدينة [[سيواس]]، فقاتلوا جماعة من أهلها ممن قاومهم، وعادوا مُحمَّلين بِالغنائم، بعد أن أحرقوا المدينة.<ref name="طقوش2"/> والواضح أنَّ غارات السلاجقة ظلَّت حتَّى وفاة طُغرُل في سنة [[455 هـ|455هـ]] المُوافقة لِسنة [[1063]]م، تستهدف غالبًا السلب والنهب دون مُحاولة الاستقرار، إنَّما كانت خُطوةً تمهيديَّةً استطلعت خلالها الجُيُوش السَلْجُوقيَّة أوضاع وطبيعة المنطقة، هذا على الرُغم من أنَّ السُلطان السَلْجُوقي كان شديد الاهتمام بِالطرف الشمالي الغربي لِسلطنته، إلَّا أنَّ ابن أخيه وخليفته [[ألب أرسلان]]، أثاره احتمال تقارب بين البيزنطيين والفاطميين، فحرص أن يحمي بلاده من الروم بِالسيطرة على أرمينية والاستقرار في رُبُوعها قبل أن يمضي في تحقيق هدفه الأساسي وهو مُهاجمة الفاطميين وطردهم من الشَّام.<ref name="طقوش2"/> وبدا واضحًا أنَّ الصراع بين السلاجقة والبيزنطيين سوف يزداد عُنفًا واضطرابًا، خُصوصًا بعد أن أدرك بلاط [[القسطنطينية|القُسطنطينيَّة]] فداحة الخطر الذي يُهدد الإمبراطوريَّة من الشرق. ولم يكن ألب أرسلان أقل من طُغرُل عزمًا وطُمُوحًا إلى دفع غزواته غربًا، وإلى افتتاح تلك الأقاليم الغنيَّة التالدة التي لبثت قُرُونًا مسرح النضال بين الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة والمُسلمين.<ref name="عنان">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد عبد الله عنان|عنَّان، مُحمَّد عبد الله]]|عنوان= مواقف حاسمة في تاريخ الإسلام|طبعة= الخامسة|صفحة= 107 - 108|سنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1997]]م|ناشر= حُسين عنَّان|مسار= https://ia802803.us.archive.org/15/items/waq54136/54136.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201028015620/https://ia802803.us.archive.org/15/items/waq54136/54136.pdf | تاريخ أرشيف = 28 أكتوبر 2020}}</ref> وما كاد ألب أرسلان يستقر في المُلك ويُنظِّم شُؤونه الداخليَّة حتَّى بدأ غزواته لِأراضي الروم، فسار إلى قلب الأناضول وأغار على مدينة [[قيصرية (تركيا)|قيصريَّة]] الغنيَّة. ولم تمضِ أشهُرٌ أُخرى حتَّى سار ألب أرسلان في أوائل سنة [[456 هـ|456هـ]] المُوافقة لِسنة [[1064]]م، إلى أذربيجان ثُمَّ أرمينية و[[الكرج]] في جيشٍ ضخم، ومعه ولده ووليّ عهده [[جلال الدولة ملك شاه|ملكشاه]] ووزيره [[نظام الملك|نظام المُلك]]. وتولَّى ملكشاه والوزير إخضاع مُعظم القواعد الجبليَّة، وأتمَّ المُسلمون في هذه الحملة استرداد أرمينية وفتح [[الكرج|بلاد الكرج]] بأسرها وفرض [[جزية|الجزية]] عليها.<ref name="عنان"/><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير، علي بن مُحمَّد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري]]|عنوان= الكامل في التاريخ|طبعة= الأولى|صفحة= 368 - 370|سنة= [[1407 هـ|1407هـ]] - [[1987]]م|المجلد=الجُزء الثامن|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار=https://ia802707.us.archive.org/15/items/WAQkamilt/kamilt08.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210810074339/https://ia802707.us.archive.org/15/items/WAQkamilt/kamilt08.pdf | تاريخ أرشيف = 10 أغسطس 2021 }}</ref>

==== واقعة ملاذكرد ====
{{مفصلة|معركة ملاذكرد}}
[[ملف:131 Bataille de Malazgirt.jpg|تصغير|يمين|مُنمنمة إفرنجيَّة تُصوِّرُ وقعة ملاذكرد بين البيزنطيين والمُسلمين تحت راية السلاجقة.]]
{{تاريخ الشعوب التركية ما قبل القرن 14}}
بعد تلك الانتصارات أضحى الطريق مفتوحًا أمام السلاجقة لِلعُبُور إلى [[الأناضول]] بعد أن سيطروا على قلب أرمينية، فأغاروا على المناطق الحُدُوديَّة، واستولوا على دُرُوب [[جبال الأمانوس]] في سنة [[459 هـ|459هـ]] المُوافقة لِسنة [[1066]]م، وهاجموا قيصريَّة حاضرة قبادوقية في السنة التالية، وذلك دون أن يبذل الإمبراطور البيزنطي جُهدًا كبيرًا لِمُقاومة هذه الغارات، ممَّا شجَّعهم على التوغُّل في عُمق الأناضول، فوصلوا إلى نيكسار و[[عمورية]] في سنة [[461 هـ|461هـ]] المُوافقة لِسنة [[1068]]م، وإلى قونية في السنة التالية، وإلى خونية القريبة من ساحل [[بحر إيجة]] في سنة [[463 هـ|463هـ]] المُوافقة لِسنة [[1071]]م.<ref name="رونسيمان">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1=[[ستيفين رونسيمان|رونسيمان، ستيڤن]]|مؤلف2=ترجمة:نور الدين خليل|عنوان=تاريخ الحملات الصليبيَّة|طبعة=الثانية|المجلد=الجُزء الأوَّل: من كليرمونت إلى أورشليم|صفحة= 120|سنة= [[1998]]|ناشر= [[الهيئة المصرية العامة للكتاب|الهيئة المصريَّة العامَّة لِلكتاب]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://archive.org/details/tarikh.al.hmlat.al.slibiah/tarikh.al.hmlat.al.slibiah01/page/n119/mode/2up}}</ref> شكَّلت فُتُوحات السلاجقة لِبلاد الكرج والقسم الأكبر من أرمينية، تحديًا لِلإمبراطوريَّة البيزنطيَّة، وبِخاصَّةً بعد أن أدرك الإمبراطور [[رومانوس الرابع ديوجينيس]] (الذي خلف قُسطنطين العاشر)، أنَّ ألب أرسلان يعتزم التقدُّم أكثر ويطبع البلاد المفتوحة بِالطابع الإسلامي، أي أنَّهُ يضُمُّها إلى دولته ضمًّا نهائيًّا وليست غايته هي السلب والنهب فقط، ممَّا جعل نُشُوب الحرب بين المُسلمين والبيزنطيين أمرًا لا مفرَّ منه. من أجل ذلك، حمل الإمبراطور على [[حلب]] وأعالي الجزيرة الفُراتيَّة ثلاث مرَّات، بين سنتَيْ [[461 هـ|461]] و[[463 هـ|463هـ]] المُوافقة لِما بين سنتَيْ [[1069]] و[[1071]]م، <ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[سبط ابن الجوزي|ابن الجوزي، شمس الدين أبو المُظفَّر يُوسُف بن قزأُوغلي بن عبد الله التُركي البغدادي]]|عنوان= مرآة الزمان في تواريخ الأعيان|المجلد=الجُزء التاسع عشر|صفحة= 208|ناشر= دار الرسالة العالميَّة|مسار=https://ia802906.us.archive.org/27/items/FP144301/19_144319.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210806084123/https://ia802906.us.archive.org/27/items/FP144301/19_144319.pdf | تاريخ أرشيف = 6 أغسطس 2021 }}</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= العظيمي، مُحمَّد بن عليّ|عنوان= تاريخ حلب|صفحة= 347 - 348|سنة= [[1984]]|مكان= [[دمشق]]|مسار=https://archive.org/details/p.d.f4454/page/n345/mode/2up}}</ref> فحقَّق بعض أمانيه من واقع أنَّه هزم المُسلمين مرَّتين وحدَّ من تحرُّكات السلاجقة، واستولى على ثغر [[منبج]] وأحرقها ووضع في حصنها حاميةً روميَّة بهدف رصد جماعات التُرك التابعة لِلسلاجقة ومنعها من دُخُول آسيا الصُغرى، ثُمَّ رحل عنها إلى ناحية ملاذكرد فعاث في أطرافها.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن القلانسي|ابن القلانسي، أبو يعلى حمزة بن أسد بن علي بن مُحمَّد التميمي]]|عنوان= تاريخ دمشق|طبعة= الأولى|صفحة= 166 (الهامش)|سنة= [[1403 هـ|1403هـ]] - [[1983]]م |ناشر= دار حسَّان للطباعة والنشر |مكان= [[دمشق]] - [[سوريا]]|مسار=https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=https://books-library.online/files/download-pdf-ebooks.org-1535836264-222.pdf&hl=ar| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201225230924/https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=https://books-library.online/files/download-pdf-ebooks.org-1535836264-222.pdf&hl=ar | تاريخ أرشيف = 25 ديسمبر 2020}}</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن العديم|ابن العديم، عُمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة الحلبي]]|عنوان= زُبدة الحلب من تاريخ حلب|طبعة= الأولى|صفحة= 171|سنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1996]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار=https://archive.org/stream/waq78584/78584#page/n169/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20190117220933/http://www.archive.org/stream/waq78584/78584 | تاريخ أرشيف = 17 يناير 2019}}</ref>

ولم يكن لِهاتين الحملتين نتائج خطيرة، ولم ينجم عنهما أي تغيُّرٍ في وضع الأراضي، فخرج الإمبراطور في حملته الثالثة سنة 463هـ المُوافقة لِسنة 1071م على رأس جيشٍ ضخمٍ تألَّف من الروم و[[روس|الروس]] و[[بجناك|البجناك]] و[[أبخاز|الأبخاز]] و[[خزر|الخزر]] و[[ألان|اللَّان]] والغُزّ و[[القفجاق]] و[[فرنجة|الفرنجة]] و[[أرمن|الأرمن]]، <ref name="ابن الأثير">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير، علي بن مُحمَّد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري]]|عنوان= الكامل في التاريخ|طبعة= الأولى|صفحة= 388 - 389|سنة= [[1407 هـ|1407هـ]] - [[1987]]م|المجلد=الجُزء الثامن|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار=https://archive.org/stream/waq78584/78584#page/n175/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20190117220933/http://www.archive.org/stream/waq78584/78584 | تاريخ أرشيف = 17 يناير 2019}}</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= العظيمي، مُحمَّد بن عليّ|عنوان= تاريخ حلب|صفحة= 177|سنة= [[1984]]|مكان= [[دمشق]]|مسار=https://archive.org/details/p.d.f4454/page/n345/mode/2up}}</ref> وبِنيَّته اختراق ثُغُور المُسلمين والتوغُّل في عُمق الأراضي الإسلاميَّة، بِدليل أنَّهُ أقطع بطاركته الذين كانوا يُرافقونه، [[تاريخ مصر الإسلامية|مصر]] والشَّام وخُراسان والري والعراق باستثناء بغداد، وأوصى بِعدم التعرُّض لِلخليفة لأنَّهُ كان صديقه.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[سبط ابن الجوزي|ابن الجوزي، شمس الدين أبو المُظفَّر يُوسُف بن قزأُوغلي بن عبد الله التُركي البغدادي]]|عنوان= مرآة الزمان في تواريخ الأعيان|المجلد=الجُزء التاسع عشر|صفحة= 236|ناشر= دار الرسالة العالميَّة|مسار=https://ia802906.us.archive.org/27/items/FP144301/19_144319.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210806084123/https://ia802906.us.archive.org/27/items/FP144301/19_144319.pdf | تاريخ أرشيف = 6 أغسطس 2021 }}</ref>

وعندما وصل رومانوس إلى أرضروم ارتكب خطأ عسكريًّا عندما قَسَمَ قُوَّاته إلى قسمين، فأرسل القسم الأوَّل إلى حصن [[أخلاط]] الواقع على شاطئ [[بحيرة وان|بُحيرة وان]] لِمُهاجمته، في حين سار بِالقسم الآخر بِاتجاه ملاذكرد واستولى عليها، <ref name="ابن الأثير"/> فأضعف هذا التقسيم مقدرة الجيش البيزنطي القتاليَّة، وتمكَّن المُسلمون من هزيمة الجيش الأوَّل وأسروا قائده، ثُمَّ زحفوا بِقيادة السُلطان ألب أرسلان لِقتال الإمبراطور رومانوس، فالتقى الجمعان في مكانٍ يُعرف بِالزهوة بين ملاذكرد وأخلاط، وحاول ألب أرسلان بدايةً مُهادنة الروم، فرفض الإمبراطور وردَّ قائلًا أنَّ لا هدنة إلَّا بالري، أي بِالعاصمة السَلْجُوقيَّة، فانزعج السُلطان لِذلك وأدرك أنَّ غاية البيزنطيين هي القضاء على السلاجقة ومن ثَمَّ القضاء على دولة الإسلام نفسها، وأنَّ السبيل الوحيد لِمنع البيزنطيين هو القضاء على قُوَّتهم العسكريَّة، فحرَّض جُنُوده على الاستماتة في الدفاع عن دينهم وعن بلاد المُسلمين. ودارت بين الطرفين [[معركة ملاذكرد|معركةٌ طاحنة]] انهزم فيها الروم شرَّ هزيمة وقُتل منهم ما لايُحصى، ووقع الإمبراطور رومانوس في الأسر، وغنم المُسلمون أثقالًا كثيرة.<ref name="ابن الأثير"/>

==== فتح الأناضول والتغيُّرات الديمُغرافيَّة فيه ====
كانت معركة ملاذكرد نُقطة تحوُّلٍ هامَّةٍ في تاريخ [[غرب آسيا|غربيّ آسيا]] بِخاصَّة وفي التاريخ الإسلامي بِعامَّة، لِأنَّها يسَّرت القضاء على سيطرة البيزنطيين على أكثر أجزاء بلاد الأناضول، ممَّا ساعد على القضاء على الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة نفسها، بعد بضعة قُرُونٍ، على أيدي العُثمانيين.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= حسنين، عبد النعيم مُحمَّد|عنوان= إيران والعراق في العصر السَلْجُوقي|طبعة= الأولى|صفحة= 63|سنة= [[1982]]|ناشر= دار الكُتُب الإسلاميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار=https://books.google.com.lb/books?redir_esc=y&id=uIJCAAAAYAAJ&focus=searchwithinvolume&q=العثمانيين| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201226004018/https://books.google.com.lb/books?redir_esc=y&id=uIJCAAAAYAAJ&focus=searchwithinvolume&q=العثمانيين | تاريخ أرشيف = 26 ديسمبر 2020}}</ref> كما عُدَّت هذه المعركة أكبر كارثة حلَّت بِالإمبراطوريَّة البيزنطيَّة في أواخر [[القرن 11|القرن الحادي عشر الميلاديّ]]، وجاءت دليلًا على نهاية دور الروم في حماية [[العالم المسيحي]] من ضغط المُسلمين، وفي حراسة الباب الشرقي لِأوروپَّا من غزو الآسيويين، وبِذلك صار على [[أوروبا الغربية|الغرب الأوروپي]] أن يقوم بِدوره في هذا المضمار بدلًا من اعتماده حتَّى ذلك الوقت على الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة، وهذا ما دفع بعض المُؤرخين إلى اعتبار أنَّ نتيجة هذه المعركة اتخذها الأوروپيُّون حُجَّةً من بين عدَّة حُجج لإعلان [[حملات صليبية|حملاتهم الصليبيَّة]] ضدَّ الإسلام.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[سعيد عبد الفتاح عاشور|عاشور، سعيد عبد الفتَّاح]]|عنوان= الحركة الصليبيَّة: حركة مُشرِّفة في تاريخ الجهاد الإسلامي في العُصُور الوُسطى|المجلد=الجُزء الأوَّل|طبعة= الأولى|صفحة= 75 - 76|سنة= 2010|ناشر= [[مكتبة الأنجلو المصرية]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|isbn= 9770516570|مسار=https://ia600906.us.archive.org/17/items/lis_tar04/lis_tar0409_1.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830214843/https://ia600906.us.archive.org/17/items/lis_tar04/lis_tar0409_1.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref> وأتاحت نتيجة المعركة لِلسلاجقة الانسياب إلى جوف آسيا الصُغرى، وشجَّعتهم النزاعات والحُرُوب الداخليَّة التي نشبت بين البيزنطيين على الاستقرار في رُبُوعها، وتأسيس سلطنة عُرفت في التاريخ باسم «سلطنة سلاجقة الروم»، أسَّسها [[سليمان بن قتلمش|سُليمان بن قُتلُمُش]] الذي عُدَّ بعد ذلك جدَّ سلاطين بلاد الأناضول. وكان سُليمان المذكور قد أخذ على عاتقه إدارة شُؤون المنطقة الشماليَّة الغربيَّة بعد رحيل السُلطان ألب أرسلان عن آسيا الصُغرى وتوجُهه شرقًا، وعزم على أن يُقيم لِنفسه سلطنةً في قونية وآق سراي وغيرهما من المُدُن التي كانت تحت حُكم أبيه قُتلُمُش بن إسرائيل، ويتولَّى حُكمُها مع الاعتراف بِسيادة ملكشاه سُلطان السلاجقة العظام الذي خلف أباه ألب أرسلان بعدما قُتل الأخير في بلاد ما وراء النهر.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير، علي بن مُحمَّد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري]]|عنوان= الكامل في التاريخ|طبعة= الأولى|صفحة= 393 - 395|سنة= [[1407 هـ|1407هـ]] - [[1987]]م|المجلد=الجُزء الثامن|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار=https://ia802707.us.archive.org/15/items/WAQkamilt/kamilt08.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210810074339/https://ia802707.us.archive.org/15/items/WAQkamilt/kamilt08.pdf | تاريخ أرشيف = 10 أغسطس 2021 }}</ref> وقد ساعد سُليمان في تحقيق غايته عاملان: الأوَّل هو التغيُّر الديمُغرافي الناتج عن الفُتُوح، والآخر هو الأوضاع البيزنطيَّة المُضطربة، التي زادت اضطرابًا بُعيد هزيمة ملاذكرد. فمن حيثُ العامل الأوَّل استقرَّ المُسلمون في الكثير من القُرى والمزارع التي هجرها سُكَّانها، وعمل السلاجقة على إزالة آثار المعالم البيزنطيَّة من الطُرق الرئيسيَّة في أرمينية وقبادوقية، بِالإضافة إلى الإدارة المدنيَّة في المُدُن، بعد أن تخلَّى مُعظم السُكَّان عن تبعيَّتهم لِلإمبراطوريَّة البيزنطيَّة ودخلوا تحت جناح المُسلمين، خوفًا من المجاعة التي يُمكن أن تضرب بلادهم نتيجة المعارك. ومع ذلك فإنَّ السلاجقة تركوا المُدُن تحكُم نفسها بِنفسها ولم يتدخَّلوا في شُؤونها الداخليَّة، إلَّا أنَّ صورة الحياة فيها أخذت بالتغيُّر رويدًا، فاصطبغت بالصبغة الإسلاميَّة. إذ إنَّ انحسار النُفُوذ البيزنطي عن المنطقة شجَّع الأهالي على الدُخُول في دين الفاتحين الجُدد، على أنَّ الكثير منهم كان إسلامه ظاهريًّا في البداية.<ref group="la">{{استشهاد بدورية محكمة|الأخير= Turan|الأول= Osman  |تاريخ= [[1959]]|عنوان= L'Islamisation dans la Turquie du Moyen Age |مسار= https://www.jstor.org/stable/1595129?refreqid=excelsior%3A1cadd415489328ac2f605e8db6be310b&seq=1 |دورية= Studia Islamica  |العدد=10|صفحات= 148 |تاريخ الوصول = December 26, 2020|doi=10.2307/1595129 | مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201226015308/https://www.jstor.org/stable/1595129?refreqid=excelsior:1cadd415489328ac2f605e8db6be310b&seq=1 | تاريخ أرشيف = 26 ديسمبر 2020}}</ref>
[[ملف:Byzantium vs Seljuk c 1071-ar.png|تصغير|يمين|تحرُّكات السلاجقة (بِالأخضر) قبل وبعد معركة ملاذكرد عبر بلاد الأناضول.]]
[[ملف:MonumentOfKutalmişoğluSüleymanŞahTarsus.JPG|تصغير|245بك|تمثال سُليمان بن قُتلُمُش فاتح بلاد الأناضول ومُؤسس سلطنة سلاجقة الروم.]]
ومن حيث العامل الآخر فقد حفل التاريخ البيزنطي آنذاك بِحركات التآمر والتمرُّد، فحين وصل إلى القُسطنطينيَّة نبأ كارثة ملاذكرد وأسر الإمبراطور رومانوس، أعلن ميخائيل دوكاس ابن زوجة رومانوس أنَّهُ بلغ سن الرُشد، وتولَّى مقاليد الحُكم باسم «[[ميخائيل السابع دوكاس|ميخائيل السابع]]»، مدفوعًا من قِبل شخصين: عمِّه يوحنَّا، الذي كره انتقال الحُكم إلى سُلالةٍ أُخرى بعد وفاة أخيه الإمبراطور السابق [[قسطنطين العاشر دوكاس|قُسطنطين العاشر]]، والكاهن العلَّامة ميخائيل فسيلوس،<ref group="la">{{استشهاد |الأخير=Norwich |الأول=John Julius |سنة=1993 |عنوان=Byzantium: The Apogee |ناشر=Penguin  |isbn=0-14-011448-3|صفحة=355|مسار=https://html.doku.pub/02/2019/07/12/91q7odxn6vlv/bgcf.jpg| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201227172009/https://html.doku.pub/02/2019/07/12/91q7odxn6vlv/bgcf.jpg | تاريخ أرشيف = 27 ديسمبر 2020}}</ref> ولم يلبث هؤلاء أن دبَّروا اعتقال الإمبراطور السابق رومانوس، بعد أن أطلق السلاجقة سراحه، فنفوه إلى إحدى جُزُر [[بحر مرمرة]] بعد أن سُملت عيناه.<ref>{{استشهاد بموسوعة |الأخير= فوَّال بابتي|الأول= عزيزة|عنوان = موسوعة الأعلام العرب والمُسلمين والعالميين|مسار= https://books.google.com.lb/books?redir_esc=y&id=riBLDwAAQBAJ&q=رومانوس+الرابع#v=snippet&q=رومانوس%20الرابع&f=false|تاريخ= [[2009]] |ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|المجلد= الجُزء الثاني: ت - ش |صفحات=276 - 277|isbn=2745162152 |مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20201227194345/https://books.google.com.lb/books?redir_esc=y&id=riBLDwAAQBAJ&q=رومانوس+الرابع
|تاريخ أرشيف=2020-12-27}}</ref> وتميَّز حُكم ميخائيل السابع بِالضعف، فلم يستطع صد السلاجقة أو دفعهم إلى الخلف، بل اضطرَّ إلى التعاون معهم في بعض الأحيان، كما جرى سنة [[466 هـ|466هـ]] المُوافقة لِسنة [[1073]]م، حينما خرج عليه أحد قادة جيشه [[نورمان|النورمان]] المدعو «روسل بايليل» وطمع بِالاستقلال في مناطق قونية وأنقرة وإقامة دولة نورمانيَّة في القسم الشرقي من الإمبراطوريَّة مُتتبعًا خطا أبناء جلدته [[غزو النورمان لجنوب إيطاليا|عندما أقاموا]] إمارة في [[جنوب إيطاليا|جنوبيّ إيطاليا]] على حساب الإمبراطوريَّة. ثُمَّ تطلَّع لِلسيطرة على القُسطنطينيَّة، فخشي ميخائيل السابع أن يتمكَّن من تثبيت أقدامه في قلب الإمبراطوريَّة وعلى حسابها؛ فاستعان بِالسلاجقة لِقمع حركته، مُقابل اعترافه بِسُلطة سُليمان بن قُتلُمُش على الأقاليم التي كانت بحوزته في [[منطقة الأناضول الشرقية|شرقيّ الأناضول]].<ref name="فتح الأناضول">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصُغرى 470 - 704هـ / 1077 - 1304م|طبعة= الأولى|صفحة= 55 - 57|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|isbn = 9953180474|مسار=https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20220314110714/https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf | تاريخ أرشيف = 14 مارس 2022 }}</ref> وحدث في سنة [[471 هـ|471هـ]] المُوافقة لِسنة [[1078]]م، أن أعلن [[نقفور الثالث بوتانياتيس|نقفور بوتانياتيس]] حاكم عمورية في إقليم [[فريجيا]] الثورة على الإمبراطور مدفوعًا بِطُمُوحه الشخصي ونقمته على ضعف حُكم ميخائيل السابع، ولم يتردَّد في إعلان نفسه إمبراطورًا باسم «نقفور الثالث». وحاول ميخائيل السابع القضاء على تمرُّده بالاستعانة بِقبائل التُرك من أتباع سُليمان، إلَّا أنَّ هذا الأخير لم يلبث أن تخلَّى عن الإمبراطور ودخل في خدمة بوتانياتيس الذي أغراه بِمزيدٍ من الامتيازات. واستخدم هذا الأخير، مُرتزقةً تُركاً لِحراسة ما سيطر عليه من المُدُن أثناء زحفه نحو العاصمة القُسطنطينيَّة مثل: [[سيزيكوس]] و[[نيقية]] و[[نيقوميديا|نيقوميدية]] و[[خلقدون]]ية و[[أسكدار|أُسكُدار]]. وهكذا دخل المُسلمون لِأوَّل مرَّة المُدُن الكُبرى بِغرب الأناضول، واستغلَّ السلاجقة هذه الفُرصة لِلتوسُّع.<ref name="فتح الأناضول"/> وإذا كانت تلك المُدُن ظلَّت من الناحية الشكليَّة تابعة لِلإمبراطوريَّة البيزنطيَّة، إلَّا أنَّ الحاميات العسكريَّة الجديدة فيها كانت من نوعٍ جديد، إذ تألَّفت من عُنصُرٍ يدينُ بِالإسلام وبنيَّته مُتابعة الزحف على القُرى والمُدُن المُجاورة لِفتحها والاستقرار بها، فضلًا عن أنَّ أفرادها قطعوا الاتصالات بين العاصمة البيزنطيَّة وداخل الأناضول، ولم يعد من السهل على أي إمبراطور مهما كان قويًّا أن يطردهم من مواقعهم.<ref name="فتح الأناضول"/>
[[ملف:Selçuklu devleti en geniş sınırları.png|تصغير|يمين|الدولة السَلْجُوقيَّة في أقصى اتساعها بعد تمام فُتُوحات سُليمان بن قُتلُمُش في الأناضول.]]
ويبدو أنَّ ما جرى من استخدام المُرتزقة التُرك هيَّأ لِلسلاجقة الاستقرار والإقامة في غربيّ آسيا الصُغرى، واعترفت قبائل التُرك بِسُليمان بن قُتلُمُش زعيمًا لها. ولم تكد تنتهي سنة [[471 هـ|471هـ]] المُوافقة لِسنة [[1078]]م إلَّا وكانت حامية نيقية السَلْجُوقيَّة قد أعلنت العصيان على نقفور الثالث الذي أقامها في هذه المدينة، وبِذلك فقدت الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة أهم مُدُنها بعد أن سيطر عليها السلاجقة. وكان السُلطان ملكشاه يُراقب تحرُّكات سُليمان ونشاطه في آسيا الصُغرى عن بُعد، ورأى أن يُعيِّنه حاكمًا على البلاد التي افتتحها أو سيطر عليها، فخلع عليه لقب «الملك رُكن الدين والدُنيا»، وأقرَّهُ على مُلك قونية وآق سراي وقيصريَّة وجميع أعمالها.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= الحُسيني، صدر الدين علي|مؤلف2= تصحيح: [[محمد إقبال|مُحمَّد إقبال]]|عنوان= أخبار الدولة السَلْجُوقيَّة|صفحة= 72|سنة= [[1933]]|ناشر=نشريَّات كُليَّة فُنجاب|مكان=[[لاهور]] - [[الراج البريطاني|الهند]]|مسار=https://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/c/c2/أخبار_الدولة_السلجوقية.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20180407182610/https://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/c/c2/أخبار_الدولة_السلجوقية.pdf | تاريخ أرشيف = 7 أبريل 2018}}</ref> وفي سنة [[472 هـ|472هـ]] المُوافقة لِسنة [[1079]]م، ثار القائد العسكري «نقفور ميليسينوس» على حُكم الإمبراطور نقفور الثالث، وتحالف مع سُليمان حيثُ تعهَّد هذا الأخير بِمُساعدة الثائرين في الاستيلاء على القُسطنطينيَّة مُقابل حُصُول المُسلمين على نصف كُل مدينة وإقليم يُنتزع من نقفور الثالث أثناء الحرب.<ref group="la">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= Laurent, Joseph |عنوان= Byzance et les Turcs seldjoucides dans l'Asie occidentale jusqu'en 1081|صفحة= 98|سنة= [[1913]]|مكان= [[باريس|Paris]]|لغة= fr|مسار=https://archive.org/details/LaurentByzanceTurcs/page/n93/mode/2up}}</ref> وبِفضل هذا التحالف أضاف السلاجقة إلى أملاكهم [[غلاطية]] و[[فريجيا]]، وفُتحت الطريق أمامهم إلى [[بيثينيا]] حتَّى [[بحر مرمرة]]، كما فتحوا [[ليديا]] و[[إيونية]] حتَّى بحر إيجة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[أسد رستم|رُسُتم، أسد]]|عنوان= الروم في سياستهم وحضارتهم ودينهم وثقافتهم وصلاتهم بالعرب |طبعة= الأولى|صفحة= 113 - 114|سنة= [[1956]]|المجلد=الجُزء الثاني|ناشر= دار المكشوف|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار=http://dlib.nyu.edu/files/books/columbia_aco003355/columbia_aco003355_hi.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201227230050/http://dlib.nyu.edu/files/books/columbia_aco003355/columbia_aco003355_hi.pdf | تاريخ أرشيف = 27 ديسمبر 2020}}</ref> ولمَّا فشل ميليسينوس في الاستيلاء على القُسطنطينيَّة، وهوى عن العرش أمام [[ألكسيوس الأول كومنينوس|ألكسيوس كومنين]]، رفض سُليمان الاعتراف بِأيِّ حقٍ لِلإمبراطوريَّة البيزنطيَّة في المُدُن والأراضي المفتوحة، بل إنَّهُ استقرَّ في نيقية واختارها لِتكون عاصمةً له. وبِذلك أضحت هذه المدينة التي تُعدُّ من أجَلِّ المُدُن في العالم المسيحيّ احترامًا، والتي لا تبعد أكثر من مائة ميلٍ عن القُسطنطينيَّة، أوَّل عاصمةٍ لِسلطنة سلاجقة الروم، وذلك في سنة [[474 هـ|474هـ]] المُوافقة لِسنة [[1081]]م، كما أضاف سُليمان مدينة نيقوميدية إلى أملاكه. وأصبح السلاجقة مُنذُ ذلك التاريخ المُسيطرين الفعليين على مُعظم بلاد ومناطق آسيا الصُغرى من الفُرات شرقًا حتَّى بحر مرمرة غربًا، كما مدُّوا نُفُوذهم من [[البحر الأسود|بحر البنطس (الأسود)]] شمالًا حتَّى [[البحر الأبيض المتوسط|البحر المُتوسِّط]] جنوبًا، وهدَّدوا بِشكلٍ خطرٍ الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة.<ref name="فتح الأناضول"/> ومهما يكن من أمر فإنَّهُ يبدو واضحًا أنَّ البيزنطيين أنفسهم شجَّعوا القبائل التُركيَّة على التقدُّم بعيدًا في أراضيهم وزوَّدوا رؤساءها بِالقُوَّة الأساسيَّة اللازمة عندما فتحوا المُدن أمامهم، ويظهر أنَّهم فعلوا ذلك كونهم كانوا لا يعتبرون التُرك أعداءً بِالمعنى نفسه الذي عدُّوا فيه [[عرب|العرب]] أعداء، كونهم عرفوهم مُنذ زمنٍ بعيدٍ قبل إسلامهم، واستعملوهم في جُيُوشهم كمُرتزقة، لكنَّ الاضطرابات المُتتالية والسياسة الروميَّة غير المدروسة، أتاحت لِسُليمان بن قُتلُمُش أن يضع أساس سلطنةٍ جديدةٍ إسلاميَّة في قلب ديار الروم.<ref name="فتح الأناضول"/>

=== التوسُّع السَلْجُوقي نحو الجنوب ===
[[ملف:State of Philaretus-ar.jpg|تصغير|يمين|الحُدُود التقريبيَّة لِدولة الفَلَادرُوس.]]
اعتلى ألكسيوس كومنين عرش الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة في سنة [[474 هـ|474هـ]] المُوافقة لِسنة [[1081]]م مُؤسسًا [[كومنينيون|سُلالةً جديدةً]] في التاريخ البيزنطي. وقد حاول بدايةً أن يطرد المُسلمين من بعض المواقع التي سيطروا عليها وأن يكبح جماح السلاجقة، ذلك أنَّ سُليمان راح يشن الغارات من عاصمته نيقية ويُحاول التوسُّع في إقليم بيثينيا، بل إنَّ بعض قبائل التُرك حاولت اجتياز بحر مرمرة إلى الشاطئ الأوروپي، غير أنَّ ألكسيوس استطاع أن يطردهم من بعض المواقع التي سيطروا عليها على الضفَّة الشرقيَّة لِلبحر المذكور، لكنَّهُ لم يلبث أن اضطرَّ إلى مُهادنتهم لِيتفرَّغ إلى مُحاربة النورمان الزاحفين عبر البلقان، <ref group="la">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[آنا كومنينا|Komnene, Anna]]|مؤلف2= Dawes, Elizabeth  A. (Trans)|عنوان= The Alexiad|صفحة= 107|سنة= [[1928]]|مكان= [[لندن|London]]|لغة= en|مسار=https://onemorelibrary.com/index.php/en/?option=com_djclassifieds&format=raw&view=download&task=download&fid=3417| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201229001332/https://onemorelibrary.com/index.php/en/?option=com_djclassifieds&format=raw&view=download&task=download&fid=3417 | تاريخ أرشيف = 29 ديسمبر 2020}}</ref> فاعترف بِسيطرة السلاجقة على مجموعةٍ من البلاد التي افتتحوها، وتنازل عن أُخرى أيضًا لقاء أن يُعينه سُليمان في حربه ضدَّ النورمان، فيُقدِّم إليه سبعة آلاف مُقاتل.<ref group="la">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= Rice, Tamara Talbot |عنوان= The Seljuks in Asia Minor |طبعة= الأولى|صفحة= 49|سنة= [[1961]]|ناشر= Thames and Hudson |مكان= [[لندن|London]]|لغة= en|مسار=https://archive.org/details/TheSeljuksInAsiaMinor-TamaraTalbotRice/page/n47/mode/2up}}</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصُغرى 470 - 704هـ / 1077 - 1304م|طبعة= الأولى|صفحة= 63|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|isbn = 9953180474|مسار=https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20220314110714/https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf | تاريخ أرشيف = 14 مارس 2022 }}</ref> واضطرَّ الإمبراطور لاحقًا أن يتفاهم مع سُليمان مُجددًا لمَّا تبيَّن لهُ أنَّ استرداد البلاد التي افتتحها المُسلمون صعبٌ لِلغاية بعد أن انتشرت فيها قبائل التُرك انتشارًا كبيرًا، فأذن لِسُليمان أن يتولَّى بِالنيابة عن بيزنطة إدارة قيليقية و[[أنطاكية (مدينة تاريخية)|أنطاكية]] وملطية على أن يضبط أتباعه، وبِذلك أضحى سُليمان يُسيطر على أهم طريقين يجتازان آسيا الصُغرى من الشرق إلى الغرب، وجاور أملاك السُلطان ملكشاه في الشَّام والجزيرة الفُراتيَّة.<ref group="la">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[:en:Kenneth Setton|Setton, Kenneth]]|عنوان= A History of the Crusades|طبعة= المُصوَّرة|صفحة= 150 - 151|سنة= [[1969]]|ناشر= [[:en:University of Wisconsin Press|University of Wisconsin Press]]|مكان= [[ماديسون (مقاطعة دان)|Madison, Wisconsin]]|لغة= en|مسار=https://books.google.com.lb/books?id=RfO1J6hjcdgC&printsec=frontcover#v=onepage&q&f=false| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201219235313/https://books.google.com.lb/books?id=RfO1J6hjcdgC&printsec=frontcover#v=onepage&q&f=false | تاريخ أرشيف = 19 ديسمبر 2020}}</ref> ولم يلبث سُليمان أن تطلَّع -بعد أن حلَّ مُشكلات السلطنة مع الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة- إلى التمدُّد نحو الجنوب إذ لم يستطع السُكُوت على ازدياد نُفُوذ الإمارة الأرمنيَّة التي أسَّسها أحد القادة السابقين في الجيش البيزنطي وترجُمان الإمبراطور المدعو [[فيلاريتوس بركاميوس|الفَلَادرُوس بركاميوس]] {{أرمنية|Փիլարտոս Վարաժնունի}} في قيليقية وشماليّ الشَّام، وبخاصَّةً أنها اعترضت طريق توسُّع سلاجقة الروم نحو الشَّام، وهو الهدف الذي وضعهُ سُليمان نصب عينيه. ويُذكر أنَّ الفَلَادرُوس شاب اعترافه بِحُكم ألكسيوس كومنين بعض الحذر ممَّا دفعهُ إلى أن يبذل الولاء لِأُمراء حلب المُسلمين ولِلسُلطان ملكشاه، حتَّى يُؤمِّن على سلامة مُمتلكاته، ويُؤكِّد [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير]] أنَّ هذا الأمير الأرمني اجتمع بِالسُلطان ملكشاه و[[أسلمة|أسلم]] على يديه، وأنَّ هذا الأخير [[أمير|أمَّره]] على [[الرها|الرُّها]] فلم يزل بها حتَّى مات.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير، علي بن مُحمَّد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري]]|عنوان= الكامل في التاريخ|طبعة= الرابعة|صفحة= 105|سنة= [[1424 هـ|1424هـ]] - [[2003]]م|المجلد=الجُزء التاسع|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار=https://ia802707.us.archive.org/15/items/WAQkamilt/kamilt09.pdf|isbn=2745100467| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20191216200434/https://ia802707.us.archive.org/15/items/WAQkamilt/kamilt09.pdf | تاريخ أرشيف = 16 ديسمبر 2019}}</ref> ويذكر [[ميخائيل السرياني|ميخائيل السُرياني]] أنَّ الفَلَادرُوس كان مُستعدًا -إذا دعا الأمر- لِاعتناق الإسلام في سبيل خدمة مصالحه الخاصَّة.<ref group="la">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ميخائيل السرياني|Michel le Syrien]]|عنوان= Chronique de Michel le Syrien|صفحة= 173|المجلد=Tome III|سنة= [[1905]]|ناشر= Ernest Leroux|مكان= [[باريس|Paris]]|لغة= fr|مسار=https://archive.org/details/MichelLeSyrien3/page/n181/mode/2up}}</ref>
[[ملف:Antioch towers of a ruined castle (crop).jpg|تصغير|أطلال الأسوار العُظمى لِأنطاكية، كما شاهدها الرسَّام الفرنسي [[لويس فرانسوا كاساس]] في سنة [[1798]]م.]]
ومهما يكن من أمر فقد أزعج تقارب الفَلَادرُوس وملكشاه سُليمانَ، وعدَّهُ مُوجهًا ضدَّه، كما أنَّهُ يحد من أطماعه، لِذلك قرَّر القضاء على تلك الدولة الناشئة. وحدث أن غادر الفَلَادرُوس أنطاكية في سنة [[477 هـ|477هـ]] المُوافقة لِسنة [[1084]]م على أثر انتفاضةٍ شعبيَّةٍ ضدَّ حُكمه كونه أساء السيرة، وترك فيها حاميةً عسكريَّة. وانتهز أعداء الفَلَادرُوس وبِخاصَّةٍ ابنه -الذي كان قد سُجن بِأمر أبيه- فُرصة خُرُوجه منها، واتفقوا على تسليم البلد إلى سُليمان، وكاتبوه يستدعونه، فركب في ثلاثمائة فارس وكثيرٍ من الرجالة، <ref name="أنطاكية">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير، علي بن مُحمَّد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري]]|عنوان= الكامل في التاريخ|طبعة= الأولى|صفحة= 435 - 436|سنة= [[1407 هـ|1407هـ]] - [[1987]]م|المجلد=الجُزء الثامن|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار=https://archive.org/stream/waq78584/78584#page/n175/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20190117220933/http://www.archive.org/stream/waq78584/78584 | تاريخ أرشيف = 17 يناير 2019}}</ref> وسار عبر قيليقية وضمَّ في طريقه عدَّة مُدن من بلاد [[جند العواصم|الثغُور الشاميَّة]] مثل [[أضنة]] و[[المصيصة]] و[[عين زربة]]؛<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= العظيمي، مُحمَّد بن عليّ|عنوان= تاريخ حلب|صفحة= 352|سنة= [[1984]]|مكان= [[دمشق]]|مسار=https://archive.org/details/p.d.f4454/page/n351/mode/2up}}</ref> وما إن وصل أمام أسوار أنطاكية حتَّى ضرب مُعسكره، ثُمَّ نصب السلالم عليها وصعد إلى السور حيثُ اجتمع بِالحامية ورتَّب أمر دُخُول الجيش. وفعلًا دخل الجُنُود السلاجقة إلى المدينة بعد أن فُتحت لهم الأبواب في شهر شعبان سنة 477هـ المُوافق فيه شهر كانون الأوَّل (ديسمبر) 1084م، لكنَّهم جُوبهوا بِمُقاومةٍ من بعض السُكَّان، فقاتلهم سُليمان وأخضعهم، وتسلَّم قلعة البلد، ثُمَّ نادى بِالأمان وحرَّم على جُنُوده التعرُّض لِأحدٍ من السُكَّان في أنفُسهم وأموالهم، كما منعهم من مصاهرتهم، فاطمأنَّ لهُ الأهالي، وأحسن هو لهم وشاع عدله فيهم، وبِالأخص بين النصارى، فأحبوه وعمرت أنطاكية. ولم يلبث سُليمان أن كتب إلى السُلطان ملكشاه يُعلمه بِمُلكه المدينة، وبأنَّهُ سامعٌ مُطيعٌ لِأوامره لا يرغب بِالخُرُوج عليه، فأظهر ملكشاه البشارة بِذلك، وأقرَّ سُليمان على مُلك البلاد التي ضمَّها لِسلطنته.<ref name="أنطاكية"/><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[سبط ابن الجوزي|ابن الجوزي، شمس الدين أبو المُظفَّر يُوسُف بن قزأُوغلي بن عبد الله التُركي البغدادي]]|عنوان= مرآة الزمان في تواريخ الأعيان|المجلد=الجُزء التاسع عشر|صفحة= 384|ناشر= دار الرسالة العالميَّة|مسار=https://ia802906.us.archive.org/27/items/FP144301/19_144319.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210806084123/https://ia802906.us.archive.org/27/items/FP144301/19_144319.pdf | تاريخ أرشيف = 6 أغسطس 2021 }}</ref>
[[ملف:Aleppo, Syria, 1919 Art.IWMART2686.jpg|تصغير|يمين|حلب القديمة، قصبة الإمارة العُقيليَّة التي سقطت على يد سلاجقة الروم.]]
بعد توطيد مركزه في أنطاكية أخذ سُليمان يعمل على التمدُّد باتجاه المناطق التابعة [[عقيليون|لِإمارة حلب العُقيليَّة]]، تمهيدًا لِلاستيلاء على حلب نفسها. وقد انضمَّ إليه وهو في أنطاكية عددٌ من الأُمراء [[مرداسيون|المرداسيين]]، وبعض عساكر [[مسلم بن قرواش العقيلي|شرف الدولة مُسلم بن قرواش العُقيلي]] أمير حلب الذين شجَّعوه على ضمِّ المدينة المذكورة إلى مُلكه. وكانت سيطرة سُليمان على أنطاكية قد سبَّبت تهديدًا لِوضع شرف الدولة، إذ إنَّ الأوَّل اتخذ من مدينته الجديدة قاعدة انطلاقٍ لِلسيطرة على الحُصُون المُجاورة طوعًا أو كَرهًا، وتوضَّحت نيَّته في ضمِّ حلب، بِدليل أنَّهُ جنَّد جماعةً من [[بنو كلاب|بني كلاب]] وأرسلهم مع عسكره لِلإغارة على حلب و[[سرمين]] و[[بزاعة]].<ref name="ابن االعديم">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن العديم|ابن العديم، عُمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة الحلبي]]|عنوان= زُبدة الحلب من تاريخ حلب|طبعة= الأولى|صفحة= 214 - 218|سنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1996]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار=https://archive.org/stream/waq78584/78584#page/n213/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20190117220933/http://www.archive.org/stream/waq78584/78584 | تاريخ أرشيف = 17 يناير 2019}}</ref> وسعى شرف الدولة إلى فتح باب الحرب مع سُليمان، فكتب إليه أن يدفع لهُ الجزية التي كان الفَلَادرُوس يحملها له بِصفته تابعًا، ويُخوِّفه في الوقت نفسه من معصية السُلطان، فردَّ سُليمان قائلًا إنَّهُ مُسلم لا جزية عليه، وأنَّ شعاره طاعة السُلطان ملكشاه وأنَّهُ يخطب باسمه على المنابر في بلاده، فما كان من شرف الدولة إلَّا أن أغار على ضاحية أنطاكية ونهبها، فردَّ سُليمان بِمُهاجمة ضاحية حلب. وفي يوم السبت [[23 صفر]] [[478 هـ|478هـ]] المُوافق فيه [[20 يونيو|20 حُزيران (يونيو)]] [[1085]]م التحم الطرفان في رحى معركةٍ طاحنةٍ على مقرُبةٍ من [[نهر عفرين]] أسفرت عن انتصار سُليمان وأتباعه، وقُتل شرف الدولة، ثُمَّ سار سُليمان إلى ظاهر حلب فضرب الحصار عليها وهو يتوقَّع أن تستسلم له بعد مقتل أميرها، لكنَّ شيئًا من هذا لم يحصل، فبرز أحد [[شريف|أشراف]] المدينة وهو حسن بن هبة الله الحتيتي، وتسلَّم أُمُور البلد ورفض تسليمها وأصرَّ على المُقاومة، ولمَّا كان يفتقرُ إلى المُقوِّمات الضروريَّة لِلتصدي لِسلاجقة الروم ومُقاومة حصارٍ قد يطول أمده، فقد أرسل إلى السُلطان ملكشاه يُعلمه بِمصرع شرف الدولة، ويدعوه لِلقُدُوم إلى حلب لِيستلمها.<ref name="ابن االعديم"/> استجاب ملكشاه لِطلب الحتيتي وخرج على رأس قُوَّاته بِاتجاه المدينة، لكنَّ تحرُّكه كان بطيئًا ممَّا أعطى الفُرصة لِسُليمان لِتشديد حصاره حول حلب. واضطرَّ الحتيتي تحت ضغط الأحداث إلى مُراسلة [[تتش بن ألب أرسلان|تاج الدولة تُتُش]] أخي ملكشاه وصاحب [[دمشق]] يستدعيه ويعده بِتسليم المدينة. وإذ أظهر تُتُش مطامعه وحسده، اغتبط بِاستدعاء الحلبيين له وطمع في مُلك المدينة، فسار حتَّى قابل جيش سُليمان في موضعٍ يُعرف بِعين سليم بين أنطاكية وحلب، ودارت بينهما معركةٌ طاحنة أسفرت عن انكسار سلاجقة الروم ومقتل زعيمهم ومُؤسس دولتهم سُليمان بن قُتلُمُش.<ref name="ابن االعديم"/><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن القلانسي|ابن القلانسي، أبو يعلى حمزة بن أسد بن علي بن مُحمَّد التميمي]]|عنوان= تاريخ دمشق|طبعة= الأولى|صفحة= 194|سنة= [[1403 هـ|1403هـ]] - [[1983]]م |ناشر= دار حسَّان للطباعة والنشر |مكان= [[دمشق]] - [[سوريا]]|مسار=https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=https://books-library.online/files/download-pdf-ebooks.org-1535836264-222.pdf&hl=ar| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201225230924/https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=https://books-library.online/files/download-pdf-ebooks.org-1535836264-222.pdf&hl=ar | تاريخ أرشيف = 25 ديسمبر 2020}}</ref>

=== الحملة الصليبيَّة الأولى ===
{{مفصلة|حملة الفقراء الصليبية|الحملة الصليبية الأولى}}
[[ملف:Anatolia 1097-ar.svg|تصغير|خريطة تُظهر الحالة السياسيَّة لِآسيا الصُغرى عند رُجُوع قلج أرسلان داود بن سُليمان إلى بلاد أبيه المفتوحة وتربُّعه على العرش (485هـ \ 1092م) بعد شُغُوره لِست سنوات. تظهر كُلٌ من الإمارة الدانشمنديَّة ومملكة قيليقية الأرمنيَّة ومواضع المعركتين الفاصلتين مع الصليبيين لاحقًا، بِالإضافة لموقع واقعة ملاذكرد.]]
ترتَّب على مقتل سُليمان بن قُتلُمُش حرمان آسيا الصُغرى من رجُلٍ قويٍّ يتزعَّم السلاجقة ممَّا جعل البلاد في حال فوضى واضطرابٍ وانقسام. فعندما شاع خبر الوفاة استغلَّ حُكَّام وأُمراء المُدُن والأطراف ذلك واستقلُّوا بِإقطاعاتهم، ونشأ نزاعٌ بين الأُمراء السلاجقة بِسبب التنافس على العرش الشاغر.<ref group="la">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= Rice, Tamara Talbot |عنوان= The Seljuks in Asia Minor |طبعة= الأولى|صفحة= 50|سنة= [[1961]]|ناشر= Thames and Hudson |مكان= [[لندن|London]]|لغة= en|مسار=https://archive.org/details/TheSeljuksInAsiaMinor-TamaraTalbotRice/page/n49/mode/2up}}</ref> ظهر ملكشاه في هذا الجو المُضطرب بِمظهر المُوحِّد لِلأُسر السَلْجُوقيَّة، لِأنَّهُ كان يعُدُّ نفسه سُلطانًا على كُل السلاجقة بِمُختلف فُرُوعهم في الشرق والغرب، {{للهامش|3}} فرتَّب شُؤون حلب وأنطاكية والرُّها والأناضول، فمنح حلب [[حاجب (لقب)|لِحاجبه]] [[آق سنقر الحاجب|قسيم الدولة آق سنقر التُركُماني]] مُؤسس [[الدولة الزنكية|السُلالة الزنكيَّة]]، <ref name="الباهر">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير، علي بن مُحمَّد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري]]|عنوان= التاريخ الباهر في الدولة الأتابكيَّة في الموصل|صفحة= 7 - 8|سنة= [[1382 هـ|1382هـ]] - [[1963]]م|ناشر= دار الكُتُب الحديثة|مكان= [[القاهرة]] - [[الجمهورية العربية المتحدة|مصر]]|مسار= https://archive.org/details/tarikhbaher/page/n31/mode/2up}}</ref> وعيَّن أحد قادته وهو [[ياغي سيان|مُؤيِّد الدين ياغي سيان التُركي]] أميرًا على أنطاكية بعد أن تسلَّمها من الحسن بن طاهر وزير سُليمان، ومنح الرُّها لِقائدٍ تُركيٍّ آخر هو «بوزان»، وعيَّن الأمير «برسق» حاكمًا على أملاك السلاجقة في آسيا الصُغرى. ثُمَّ عاد إلى عاصمة مُلكه أصفهان مُصطحبًا معه وليُّ عهد سُليمان [[قلج أرسلان الأول|قلج أرسلان داود]]، وكان آنذاك في الحادية عشرة من عُمره. وظلَّ هذا الأخير شبه أسير في العاصمة السَلْجُوقيَّة حتَّى سنة [[485 هـ|485هـ]] المُوافقة لِسنة [[1092]]م عندما أخلى سبيله السُلطان [[بركياروق بن ملكشاه]] الذي خلف والده بعد وفاته.<ref name="الدانشمند">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصُغرى 470 - 704هـ / 1077 - 1304م|طبعة= الأولى|صفحة= 70|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|isbn = 9953180474|مسار=https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20220314110714/https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf | تاريخ أرشيف = 14 مارس 2022 }}</ref> وخلال فترة الأعوام الستة التي شَغَر خلالها عرش سلاجقة الروم تنازعت في الأناضول عدَّة قوى لِتُوسِّع من نطاق نُفُوذها، هي: الروم أصحاب البلاد الأصليين والطامعين في استرداد مُلكهم المفقود، والأُمراء [[دانشمنديون|الدانشمنديون]] الطامعون في تثبيت مُمتلكاتهم والتوسُّع على حساب جيرانهم، والأُمراء التُرك في المنطقة. ولم يتمكَّن الروم من استرداد أيِّ مدينةٍ من المُسلمين باستثناء سيزيكوس، ويُمكن القول بِأنَّ الحُدُود البيزنطيَّة آنذاك لم تكن تتجاوز خلقدونية ونيقوميدية والساحل الغربي لِآسيا الصُغرى، بِالإضافة لِبعض المُدُن المعزولة على ساحل [[البحر الأسود|بحر البنطس (الأسود)]] مثل [[سينوب|سينوپ]] و[[طرابزون]].<ref group="la">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[تشارلز أومان|Oman, Charles]]|عنوان= A History of the Art of War in the Middle Ages|طبعة= الثانية|صفحة= 238|سنة= [[1924]]|المجلد=Vol. I: A.D. 378–1278 |مكان= [[لندن|London]]}}</ref> وتوسَّع الدانشمنديُّون بِاتجاه الغرب، واستقرُّوا في سيواس وقيصريَّة وبعد مُدُن [[بنطس|البنطس]]. واستغلَّ الأمير [[غازي بن الدانشمند]] الفراغ السياسي لدى السلاجقة، فاستقلَّ بما تحت حُكمه، كما استولى على مدينة [[قسطموني]] من البيزنطيين.<ref name="الدانشمند"/>

==== سُقُوط نيقية ====
{{مفصلة|حصار نيقية}}
[[ملف:Français 2754, fol. 21r, Croisade des pauvres.jpeg|تصغير|يمين|رسمٌ يُصوِّرُ إبادة رُعاع الصليبيين على يد السلاجقة.]]
لم تكد تمضي بضع سنوات على عودة قلج أرسلان داود بن سُليمان وتربُّعه على عرش أبيه في نيقية حتَّى وصلت طلائع الصليبيين إلى القُسطنطينيَّة، وكان ذلك سنة [[489 هـ|489هـ]] المُوافقة لِسنة [[1096]]م إذ كان الإمبراطور البيزنطي ألكسيوس كومنين قد استنجد بِالبابا [[أوربان الثاني]] ومُلُوك وأُمراء [[أوروبا الغربية|الغرب الأوروپي]] لِمُعاونته على طرد المُسلمين من آسيا الصُغرى بعد أن انهارت القُدرة العسكريَّة لِلإمبراطوريَّة بُعيد واقعة ملاذكرد الفاصلة. وكان [[بابوية كاثوليكية|لِلبابويَّة]] والغرب بِعامَّةً أسبابهم العديدة التي تجعلهم يستجيبون لِنداء الاستغاثة الآتي من الشرق، وتمحورت تلك الأسباب حول جُملةٍ من الأزمات التي ابتُليت بها بلادُ أوروپَّا حينذاك منها ما هو ديني واقتصادي واجتماعي وسياسي، لِذلك ما إن جاءت دعوة الإمبراطور حتَّى وجدت فيها أوروپَّا وسيلةً لِلتنفيس عن الصعاب التي تمرُّ بها، فنهضت الجُمُوع على الفور وبدأت الزحف شرقًا. وكانت أولى تلك الجُمُوع هي حملةٌ شعبيَّةٌ قوامها الرَعاع وعوام الناس، واشتهرت في التاريخ باسم «[[حملة الفقراء الصليبية|حملة الفُقراء الصليبيَّة]]»، وقد اتصفت مُنذُ بدايتها بِعدم التنظيم والتجانس، وبِعدم وُجُود قيادةٍ مُوحَّدةٍ لها، فما إن عبر أفرادها [[البوسفور (مضيق)|مضيق البوسفور]] نحو آسيا الصُغرى حتَّى أخذت جُمُوع [[ألمان|الألمان]] و[[نورمان|النورمان]] و[[فرنجة|الفرنجة]] تتسابق وتتنافس في شن الغارات على المناطق الزراعيَّة، فسلبوا وقتلوا سُكَّان القُرى دون تفرقة بين المُسلمين والنصارى، واقتربوا من مدينة نيقية، ولم يستجيبوا لِنصيحة الإمبراطور البيزنطي بِعدم استفزاز المُسلمين لِحين وُصُول الحملة النظاميَّة المُكوَّنة من الأُمراء والنُبلاء الآتية في إثرهم.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[وليم الصوري|الصوري، وليم]]|مؤلف2= ترجمة: د. حسن حبشي|عنوان= الحُرُوب الصليبيَّة|المجلد= الجُزء الأوَّل|صفحة= 123 - 125|سنة= [[1991]]|ناشر= [[الهيئة المصرية العامة للكتاب|الهيئة المصريَّة العامَّة للكتاب]]|مكان=[[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار=https://ia903107.us.archive.org/7/items/ktp2019-bskn8450/ktp2019-bskn8450.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830214851/https://ia903107.us.archive.org/7/items/ktp2019-bskn8450/ktp2019-bskn8450.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[جوستاف لوبون|لوبون، گوستاڤ]]|مؤلف2= ترجمة: [[عادل زعيتر]]|عنوان= حضارة العرب|صفحة= 335|سنة= [[2013]]|ناشر= [[مؤسسة هنداوي|مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://www.bookleaks.com/files/fhrst2/0286.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201117022659/https://www.bookleaks.com/files/fhrst2/0286.pdf | تاريخ أرشيف = 17 نوفمبر 2020}}</ref> أثارت تعديات الصليبيين حفيظة قلج أرسلان، فأرسل أحد قادته المدعو «إيلخانوس» على رأس جيشٍ كبيرٍ لِقتال الغُزاة، فتمكَّن هذا من الظفر بِقسمٍ من الصليبيين في حصنٍ يُعرف عند الروم بِـ«[[كسري كوردون|إكسيريگوردوس]]» {{لغة-يونانية|Ξερίγορδος}}، كانوا قد [[حصار كسري كوردون|استولوا عليه]] واتخذوه قاعدة انطلاقٍ لِلإغارة على الأراضي الزراعيَّة المُجاورة، <ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[وليم الصوري|الصوري، وليم]]|مؤلف2= ترجمة: د. حسن حبشي|عنوان= الحُرُوب الصليبيَّة|المجلد= الجُزء الأوَّل|صفحة= 125 - 128|سنة= [[1991]]|ناشر= [[الهيئة المصرية العامة للكتاب|الهيئة المصريَّة العامَّة للكتاب]]|مكان=[[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار=https://ia903107.us.archive.org/7/items/ktp2019-bskn8450/ktp2019-bskn8450.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830214851/https://ia903107.us.archive.org/7/items/ktp2019-bskn8450/ktp2019-bskn8450.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= مُؤرِّخ مجهول|مؤلف2= ترجمه وقدَّم لهُ وعلَّق عليه [[حسن حبشي]]|عنوان= أعمال الفرنجة وحُجَّاج بيت المقدس |المجلد=الجُزء الأوَّل|صفحة= 193|سنة= [[1958]]|ناشر= دار الفكر العربي|مكان= [[القاهرة]] - [[الجمهورية العربية المتحدة|مصر]]}}</ref> فحاصرهم حتَّى استسلموا ما دفع البقيَّة البالغ عددهم نحو عشرين ألفًا، <ref group="la">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= Norwich, John Julius|عنوان=Byzantium: The Decline and Fall|صفحة= 33 - 35|سنة= [[1996]]|ناشر= Knopf|لغة= en|مسار=https://books.google.com.lb/books?redir_esc=y&id=HUpoAAAAMAAJ&focus=searchwithinvolume&q=Peter+the+Hermit|isbn =0679416501| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201010223807/https://books.google.com.lb/books?redir_esc=y&id=HUpoAAAAMAAJ&focus=searchwithinvolume&q=Peter+the+Hermit | تاريخ أرشيف = 10 أكتوبر 2020}}</ref> إلى المُطالبة بِأخذ الثأر لِإخوانهم، وما إن اقتربت هذه الجُمُوع من رافد نهر دراكون، حتَّى تلقَّفهم المُسلمون وأبادوهم، ولم ينجُ منهم سوى ثلاثة آلاف، عمل الإمبراطور البيزنطي على نقلهم إلى القُسطنطينيَّة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1=[[ستيفين رونسيمان|رونسيمان، ستيڤن]]|مؤلف2=ترجمة:نور الدين خليل|عنوان=تاريخ الحملات الصليبيَّة|طبعة=الثانية|المجلد=الجُزء الأوَّل: من كليرمونت إلى أورشليم|صفحة=221 - 224|سنة= [[1998]]|ناشر= [[الهيئة المصرية العامة للكتاب|الهيئة المصريَّة العامَّة لِلكتاب]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://archive.org/details/tarikh.al.hmlat.al.slibiah/tarikh.al.hmlat.al.slibiah01/page/n221/mode/2up}}</ref> غادر قلج أرسلان عاصمته نيقية -بعد انتصاره على حُشُود الصليبيين- إلى ملطية لِيُنازع الدانشمنديين مُلكيَّتها دون تقديرٍ لِجديَّة الحملات الصليبيَّة، إذ لم يهتم بأنباء وُصُول مجموعةٍ صليبيَّةٍ جديدةٍ إلى العاصمة البيزنطيَّة، وظنَّ أنَّ الأمر لا يعدو كونه وُصُول بعض جُمُوعٍ أُخرى من العامَّة غير المُدرَّبين الذين يقضى عليهم بِسُهُولةٍ تامَّة، ولم يُدرك ما يتهدَّده من أخطارٍ من جهة الغرب.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصُغرى 470 - 704هـ / 1077 - 1304م|طبعة= الأولى|صفحة= 81 - 82|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf|isbn =9953180474| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20220314110714/https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf | تاريخ أرشيف = 14 مارس 2022 }}</ref>
[[ملف:Siege de Nicée (1097).jpg|تصغير|يمين|المُسلمون والصليبيُّون يتقاذفون الحجارة والنبال عند أسوار نيقية.]]
[[ملف:CrusadersThrowingHeadsOfMuslimsOverRamparts.jpg|تصغير|الصليبيُّون يقذفون رؤوس أسارى المُسلمين إلى داخل نيقية.]]
[[ملف:Gustave Dore-Nicea.jpg|تصغير|رسمٌ يُصوِّرُ دُخُول الجُنُود البيزنطيَّة إلى مدينة نيقية بُعيد استسلامها، وتبدو على الأرض رُؤوس أسرى المُسلمين الذين قتلهم الصليبيُّون.]]
خلال تلك الفترة أخذ قادة حملة الأُمراء أو النُبلاء -المشهورة في التاريخ بـ«[[الحملة الصليبية الأولى|الحملة الصليبيَّة الأولى]]»- يتجمَّعون رويدًا عند [[أسوار القسطنطينية|أسوار القُسطنطينيَّة]] بدايةً من شهر تشرين الثاني (نوڤمبر) 1096م، واكتمل عددهم تمامًا بِحُلُول شهر نيسان (أبريل) 1097م، ويُقدَّر بأنَّ أعداد جُنُودهم تراوحت ما بين 30,000 و35,000 من خيَّالةٍ ورجَّالة.<ref group="la">{{استشهاد بكتاب|الأخير=Nicolle |الأول=David |مؤلف-وصلة=ديفيد نيكول|عنوان=The First Crusade, 1096–99: Conquest of the Holy Land |ناشر=Osprey Publishing |سنة=2003 |isbn=1-84176-515-5|صفحات=21 و32}}</ref> ولم يجد ألكسيوس كومنين صُعُوبةً في التعرُّف على نفسيَّات هؤلاء الغربيين، وتمكَّن بِسياسته وحنكته من استغلال فكرة اليمين الإقطاعي المعروفة في المُجتمع الأوروپي الغربي لِتثبيت حُقُوقه على كثيرٍ من الأراضي التي ستُنتزع من أيدي المُسلمين، فاشترط عليهم مُقابل مُساعدتهم أن يبذلوا لهُ يمين الولاء والتبعيَّة كإمبراطور، وأن تُعطى لهُ كُل البلاد التي تُؤخذ من المُسلمين إذا كانت تابعة لِلإمبراطوريَّة البيزنطيَّة من قبل. قَبِل القادة الصليبيُّون بعد مُفاوضاتٍ مُضنيةٍ هذه الشُرُوط، وبعد أداء القسم سمح لهم الإمبراطور بِالعُبُور إلى الأناضول، بعد أن وعظهم ونصحهم بكيفيَّة التعامل مع السلاجقة.<ref group="la">{{استشهاد بكتاب |الأخير=Asbridge |الأول=Thomas |مؤلف-وصلة=:en:Thomas Asbridge |عنوان=The First Crusade: A New History |ناشر=Oxford |سنة=2004 |isbn=0-19-517823-8 |مسار=https://archive.org/details/firstcrusadenewh00asbr|صفحات=110–113| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20220406091505/https://archive.org/details/firstcrusadenewh00asbr | تاريخ أرشيف = 6 أبريل 2022 }}</ref> اندفعت الجُيُوش الصليبيَّة بعد العُبُور باتجاه نيقية لِلاستيلاء عليها نظرًا لِموقعها الجُغرافي، إذ لو بقيت بِأيدي المُسلمين لشكَّل ذلك خطرًا على خُطُوط مُواصلات الصليبيين مع الشَّام، فتوحَّدت أهدافهم وأهداف بيزنطة في هذه القضيَّة. وصلت القُوَّات الصليبيَّة إلى العاصمة السَلْجُوقيَّة يوم [[21 جمادى الأولى|21 جُمادى الأولى]] [[490 هـ|490هـ]] المُوافق فيه [[6 مايو|6 أيَّار (مايو)]] [[1097]]م وعسكرت حول أسوارها، وضربت الحصار عليها باستثناء منطقتها الغربيَّة حيثُ توجد [[بحيرة إزنيق|بُحيرة]]، وساعدهم جيشٌ بيزنطيّ كما كان الإمبراطور يمُدُّهم تباعًا بِالإمدادات والمُؤن عن طريق البر والبحر. وحالت مناعة استحكامات المدينة بين المُحاصرين وبين مُهاجمتها فورًا، فطال أمد الحصار لِنحو خمسة أسابيع تعرَّض الصليبيُّون خلالها لِخسائر فادحة نتيجة المُناوشات اليوميَّة مع الحامية، وخِلال هذه الفترة عاد قلج أرسلان أدراجه تاركًا حصار ملطية لِيُحاول إنجاد عاصمته، فهاجم المُحاصرين من جهة الجنوب، ودارت بين الطرفين بعض المُناوشات استمرَّت يومًا واحدًا دون أن يتمكَّن قلج أرسلان من شقِّ طريقٍ له إلى داخل المدينة، فرأى أن يتركها تواجه مصيرها، ثُمَّ انسحب إلى الجبال المُجاورة تاركًا لِلحامية حُريَّة التصرُّف.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[وليم الصوري|الصوري، وليم]]|مؤلف2= ترجمة: د. حسن حبشي|عنوان= الحُرُوب الصليبيَّة|المجلد= الجُزء الأوَّل|صفحة= 201 - 205|سنة= [[1991]]|ناشر= [[الهيئة المصرية العامة للكتاب|الهيئة المصريَّة العامَّة للكتاب]]|مكان=[[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار=https://ia903107.us.archive.org/7/items/ktp2019-bskn8450/ktp2019-bskn8450.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830214851/https://ia903107.us.archive.org/7/items/ktp2019-bskn8450/ktp2019-bskn8450.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref> وحاول الصليبيُّون اقتحام المدينة عدَّة مرَّات ففشلوا، كما حاولوا إرهاب الحامية والسُكَّان لِإضعاف معنويَّاتهم، فقطعوا رُؤوس عدد كبير من الأسرى المُسلمين وقذفوها [[منجنيق|بالمنجنيق]] إلى داخل المدينة، <ref name="المجهول">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= مُؤرِّخ مجهول|مؤلف2= ترجمه وقدَّم لهُ وعلَّق عليه [[حسن حبشي]]|عنوان= أعمال الفرنجة وحُجَّاج بيت المقدس |المجلد=الجُزء الأوَّل|صفحة= 35 - 36|سنة= [[1958]]|ناشر= دار الفكر العربي|مكان= [[القاهرة]] - [[الجمهورية العربية المتحدة|مصر]]}}</ref> لكنْ حتَّى هذه الطريقة لم تُجدِ نفعًا، فاضطرَّ الصليبيُّون إلى طلب مُساعدة الإمبراطور البيزنطي الذي أمدَّهم بِأُسطُولٍ صغيرٍ نُقلت سُفُنه سحلًا حتَّى أُنزلت في البُحيرة المُجاورة لِلمدينة لِإتمام الحصار عليها. ولمَّا شاهد أفراد الحامية نُزُول السُفُن أدركوا أنَّ المدينة انقطعت عنها المؤن، وأنَّ السُكَّان سيتعرَّضون لِمجاعةٍ إن لم يستسلموا، لِذلك قرَّروا بدايةً تسليم البلد لِلصليبيين، لكنَّ الأهالي خشوا عُنف هؤلاء إذا دخلوا إليها، وفضَّلوا تسليمها لِلإمبراطور البيزنطي، فجرت مُفاوضات بين أفراد الحامية ومُمثلين عن الإمبراطور خَلَصت إلى تسليم نيقية مُقابل تأمين حياة أهلها، فخرج المُسلمون منها مع عائلاتهم وأمتعتهم، ودخلها الروم وذلك يوم [[16 رجب]] [[490 هـ|490هـ]] المُوافق فيه [[19 يونيو|19 حُزيران (يونيو)]] [[1097]]م.<ref name="المجهول"/><ref group="la">{{استشهاد بكتاب |الأخير=Asbridge |الأول=Thomas |مؤلف-وصلة=:en:Thomas Asbridge |عنوان=The First Crusade: A New History |ناشر=Oxford |سنة=2004 |isbn=0-19-517823-8 |مسار=https://archive.org/details/firstcrusadenewh00asbr|صفحات=126–130| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20220406091505/https://archive.org/details/firstcrusadenewh00asbr | تاريخ أرشيف = 6 أبريل 2022 }}</ref> وهكذا عادت نيقية تحت جناح البيزنطيين بعد ستَّة عشر سنةً من فتح المُسلمين لها، وأضحى بِوسع الإمبراطوريَّة التنفُّس بِحُريَّة بعد إجلاء السلاجقة عن هذا المعقل الأمامي الحصين.

توجَّه قلج أرسلان بعد [[حصار نيقية|سُقُوط عاصمته]] نحو قونية، واتخذها عاصمةً جديدةً لِسلطنته، وقاعدةً عسكريَّةً لِلانطلاق منها والدفاع عن بلاده. ثُمَّ أجرى مُفاوضاتٍ مع الأمير الدانشمندي كمشتكين أحمد بن غازي من أجل تجميد خلافاتهما والتعاون لِمواجهة الغزو الصليبي الذي يُهدِّدهما سويًّا، فكانت خسارة نيقية إنذارًا له، كما كانت خسارته لأمواله وكُنُوزه فادحة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1=[[ستيفين رونسيمان|رونسيمان، ستيڤن]]|مؤلف2=ترجمة:نور الدين خليل|عنوان=تاريخ الحملات الصليبيَّة|طبعة=الثانية|المجلد=الجُزء الأوَّل: من كليرمونت إلى أورشليم|صفحة=294|سنة= [[1998]]|ناشر= [[الهيئة المصرية العامة للكتاب|الهيئة المصريَّة العامَّة لِلكتاب]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://archive.org/details/tarikh.al.hmlat.al.slibiah/tarikh.al.hmlat.al.slibiah01/page/n293/mode/2up}}</ref> وأسفرت المُفاوضات بين السلاجقة والدانشمنديين عن عقد هدنةٍ بينهما، فاتحدا لِلتصدِّي لِلزحف الصليبي الذي وصل إلى قبادوقية، وتناسيا مُؤقتًا تنافُسهما بِشأن ملطية. وهكذا اجتمعت قوى المُسلمين في آسيا الصُغرى لِمُهاجمة الصليبيين في سُهُول [[ضورليم]] التي كانوا يتقدُّمون إليها.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[سعيد عبد الفتاح عاشور|عاشور، سعيد عبد الفتَّاح]]|عنوان= الحركة الصليبيَّة: حركة مُشرِّفة في تاريخ الجهاد الإسلامي في العُصُور الوُسطى|المجلد=الجُزء الأوَّل|طبعة= الأولى|صفحة= 135|سنة= 2010|ناشر= [[مكتبة الأنجلو المصرية]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|isbn= 9770516570|مسار=https://ia600906.us.archive.org/17/items/lis_tar04/lis_tar0409_1.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830214843/https://ia600906.us.archive.org/17/items/lis_tar04/lis_tar0409_1.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref>

==== واقعة ضورليم ====
{{مفصلة|معركة ضورليم (1097)}}
[[ملف:Dorylee2.jpg|تصغير|مُنمنمة أوروپيَّة تُصوِّرُ واقعة ضورليم بين المُسلمين والصليبيين التي أفضت إلى خُرُوج جميع البلاد التي افتتحها السلاجقة في غرب الأناضول وعودتها إلى الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة.]]
استأنف الصليبيُّون زحفهم في أواخر شهر حُزيران (يونيو) 1097م عبر فريجيا مُتخذين الطريق الروماني العتيق الذي يمُرُّ في ضورليم وفيلوميليوم وقونية وُصُولًا إلى طرسوس، وصحبتهم [[سرية (وحدة عسكرية)|سريَّة]] من الجُنُود البيزنطيين بِقيادة [[تاتيكيوس]] المشهور بِخبرته وتجرِبته، وأقدم قادة الزحف على تقسيم جيشهم إلى قسمين لِتسهيل تموينه أثناء السير والقضاء على المُقاومة الإسلاميَّة في أكبر مساحةٍ مُمكنة، فتكوَّن القسم الأوَّل من النورمان والآخر من الفرنجة، <ref group="la">{{استشهاد بكتاب |الأخير=Asbridge |الأول=Thomas |مؤلف-وصلة=:en:Thomas Asbridge |عنوان=The First Crusade: A New History |ناشر=Oxford |سنة=2004 |isbn=0-19-517823-8 |مسار=https://archive.org/details/firstcrusadenewh00asbr|صفحات=132–134| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20220406091505/https://archive.org/details/firstcrusadenewh00asbr | تاريخ أرشيف = 6 أبريل 2022 }}</ref> وتقرَّر أن يلتقيا في ضورليم بعد أن يسيرا بِشكلٍ مُتوازٍ على بُعد سبعة أميال، وأن يفصل بينهما مسيرة يومٍ واحد. وصل القسم الأوَّل من الجيش المذكور قُرب خرائب مدينة ضورليم يوم [[27 رجب]] المُوافق فيه [[30 يونيو|30 حُزيران (يونيو)]]، وضربوا مُعسكرهم في تلك الناحية، <ref group="la">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[تشارلز أومان|Oman, Charles]]|عنوان= A History of the Art of War in the Middle Ages|طبعة= الثانية|صفحة= 273|سنة= [[1924]]|المجلد=Vol. I: A.D. 378–1278 |مكان= [[لندن|London]]}}</ref> ففاجأهم المُسلمون بِقيادة قلج أرسلان وطوَّقوهم وباشروا الضغط عليهم. وجرى اشتباكٌ بين الطرفين أسفر عن انتصار الصليبيين رُغم أنَّ كفَّة المُسلمين رجحت في بداية [[معركة ضورليم (1097)|المعركة]] التي استمرَّت عدَّة ساعات وقُتل فيها خلقٌ كثير من الصليبيين، لكن سُرعان ما وصل القسم الآخر من الجيش الصليبي واشترك في القتال، فانسحب قلج أرسلان إلى داخل الأناضول بعد أن حوصر الجناح الأيسر لِجيشه، فاستولى الصليبيُّون على المدينة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= الشارتري، ڤوشيه|مؤلف2= ترجمة: د. زياد العسلي|عنوان= تاريخ الحملة إلى القُدُس 1095 - 1127|صفحة= 47 - 50|سنة= [[1990]]|ناشر= دار الشُرُوق لِلنشر والتوزيع|مكان= [[عمان (مدينة)|عمَّان]] - [[الأردن|الأُردُن]]|مسار=https://ia803108.us.archive.org/33/items/ktp2019-bskn11653/ktp2019-bskn11653.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830225159/https://ia803108.us.archive.org/33/items/ktp2019-bskn11653/ktp2019-bskn11653.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref> كان لِواقعة ضورليم تأثيرٌ بالغ السوء على أوضاع سلاجقة الروم إذ بهزيمتهم خسروا بعض ما كسبوه خلال أكثر من عشرين سنة مُنذُ معركة ملاذكرد، <ref group="la">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= Rice, Tamara Talbot |عنوان= The Seljuks in Asia Minor |طبعة= الأولى|صفحة= 55|سنة= [[1961]]|ناشر= Thames and Hudson |مكان= [[لندن|London]]|لغة= en|مسار=https://archive.org/details/TheSeljuksInAsiaMinor-TamaraTalbotRice/page/n53/mode/2up}}</ref> وأدرك قلج أرسلان أنْ لا جدوى من المُحاولة لِوقف الزحف الصليبي، فلجأ مع أتباعه إلى التلال بعد أن خرَّبوا القُرى لِحرمان الصليبيين من الاستفادة من خيراتها.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصُغرى 470 - 704هـ / 1077 - 1304م|طبعة= الأولى|صفحة= 88|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|isbn = 9953180474|مسار=https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20220314110714/https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf | تاريخ أرشيف = 14 مارس 2022 }}</ref> كما شكَّلت هذه الهزيمة طعنةً قاتلةً لِهيبة السلاجقة ومكانتهم في الأناضول، وأعادت رسم خريطة المنطقة إذ -بينما كانت الحُدُود السَلْجُوقيَّة - البيزنطيَّة تمُرُّ في سنة [[478 هـ|478هـ]] المُوافقة لِسنة [[1085]]م في مدينتَيْ نيقية ونيقوميدية على مسافةٍ قصيرةٍ من بحر مرمرة ومضيق البوسفور- عادت جميع بلاد بيثينيا وليديا وفريجيا وإيونية تحت جناح الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة، واستمرَّت تحيا في ظلِّها من جديد نحو ثلاثة قُرُونٍ ونصف.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[سعيد عبد الفتاح عاشور|عاشور، سعيد عبد الفتَّاح]]|عنوان= الحركة الصليبيَّة: حركة مُشرِّفة في تاريخ الجهاد الإسلامي في العُصُور الوُسطى|المجلد=الجُزء الأوَّل|طبعة= الأولى|صفحة= 138 - 139|سنة= 2010|ناشر= [[مكتبة الأنجلو المصرية]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|isbn= 9770516570|مسار=https://ia600906.us.archive.org/17/items/lis_tar04/lis_tar0409_1.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830214843/https://ia600906.us.archive.org/17/items/lis_tar04/lis_tar0409_1.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref>

==== الصراعات السَلْجُوقيَّة الصليبيَّة اللاحقة ====
[[ملف:الإمارات الصليبية والأتابكيات في الشام.jpg|تصغير|الدُويلات اللاتينيَّة في المشرق العربي عند انتهاء الحملة الصليبيَّة الأولى.]]
{{مفصلة|الحملة الصليبية في سنة 1101}}
بعد انتصارهم تابع الصليبيُّون تقدُّمهم عبر قيليقية واحتلُّوا المدينة تلو الأُخرى، ثُمَّ دخلوا الشَّام، فتساقطت المُدن والبلدات والقُرى أمامهم، وأسَّسوا كيانًا صليبيًّا غربيًّا في عقر بلاد المُسلمين، وتقاسموه فيما بينهم، فكان أن قامت في [[المشرق العربي]] ثلاث دُويلاتٍ لاتينيَّة، هي: [[كونتية الرها|كونتيَّة الرُّها]] و[[إمارة أنطاكية]] (كلتاهما سنة [[491 هـ|491هـ]] \ [[1098]]م) و[[مملكة بيت المقدس]] ([[493 هـ|493هـ]] \ [[1100]]م). ولم يكد الغرب الأوروپي يعلم بِنبأ النجاح الذي حقَّقته الجُمُوع الصليبيَّة في الشَّام و[[فلسطين]] حتَّى تحمَّس الكثير من الأُمراء الذين لم يُشاركوا من قبل في الذهاب إلى الشرق تدفعهم مطامع دينيَّة ودُنيويَّة. والواقع إنَّ الصليبيين في الشرق كانوا أيضًا بِحاجةٍ ماسَّةٍ إلى مُحاربين ومُستوطنين جُدد بِهدف مُواصلة الحرب ضدَّ المُسلمين، واستئناف عمليَّة التوسُّع، والحفاظ على مُكتسباتهم من الضياع بأن تعود تحت جناح الإسلام. فاستجاب لهم المُجتمع الغربي، وانبعثت فيه الحماسة العسكريَّة والدينيَّة، مما أسفر عن تدفُّق جُمُوعٍ صليبيَّةٍ أُخرى إلى الشرق. وشكَّل [[لومبارديون|اللومبارديُّون]] أولى تلك الجُمُوع، فغادروا [[لومبارديا|بلادهم]] بدايةً من خريف سنة [[1100]]م، ووصلوا القُسطنطينيَّة في شهر جُمادى الأولى [[494 هـ|494هـ]] المُوافق فيه شهر آذار (مارس) [[1101]]م. ولمَّا كانت الغالبيَّة العُظمى من أعضاء هذه الحملة من العوام الذين لا يُحسنون القتال ويفتقرون إلى النظام، فقد كرَّروا أعمال السلب والنهب التي ارتكبها أفراد حملة الفُقراء ممَّا حمل الإمبراطور البيزنطي على الإسراع بِنقلهم إلى آسيا الصُغرى حيثُ استقرُّوا حول نيقوميدية بِانتظار وُصُول جُمُوعٍ صليبيَّةٍ أُخرى.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1=[[ستيفين رونسيمان|رونسيمان، ستيڤن]]|مؤلف2=ترجمة:نور الدين خليل|عنوان=تاريخ الحملات الصليبيَّة|طبعة=الثانية|المجلد=الجُزء الثاني: مملكة القُدس والشرق الفرنجي|صفحة=48 - 49|سنة= [[1998]]|ناشر= [[الهيئة المصرية العامة للكتاب|الهيئة المصريَّة العامَّة لِلكتاب]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://archive.org/details/tarikh.al.hmlat.al.slibiah/tarikh.al.hmlat.al.slibiah02/page/n47/mode/2up}}</ref> ولمَّا وصلت تلك الجُمُوع -وجُلُّها من الفرنجة- تحرَّك الجيش الصليبي الضخم إلى ضورليم وبِنيَّة قادته التوجُّه إلى [[الأراضي المقدسة|الديار المُقدَّسة]] غير أنَّ اللومبارديين رفضوا ذلك إلَّا بعد تحرير [[بوهيموند الأول|بوهيموند أمير أنطاكية]] الذي كان قد وقع في أسر المُسلمين بِقيادة الأمير كمشتكين أحمد بن غازي الدانشمندي،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن القلانسي|ابن القلانسي، أبو يعلى حمزة بن أسد بن علي بن مُحمَّد التميمي]]|عنوان= تاريخ دمشق|طبعة= الأولى|صفحة= 223 - 224|سنة= [[1403 هـ|1403هـ]] - [[1983]]م |ناشر= دار حسَّان للطباعة والنشر |مكان= [[دمشق]] - [[سوريا]]|مسار=https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=https://books-library.online/files/download-pdf-ebooks.org-1535836264-222.pdf&hl=ar| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201225230924/https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=https://books-library.online/files/download-pdf-ebooks.org-1535836264-222.pdf&hl=ar | تاريخ أرشيف = 25 ديسمبر 2020}}</ref> والذي كان الصليبيُّون يتخذونه مثلًا يُحتذى به وبطلًا لهم، والمُحارب الوحيد الذي يثقون به لِيقودهم إلى النصر، وأصرُّوا بأن تتوجَّه الحملة إلى قبادوقية بِهدف تخليص بوهيموند من الأسر. وهكذا توجَّه أفراد الحملة إلى الأراضي الدانشمنديَّة عبر [[أنقرة]] التابعة لِلسلاجقة، فاستولوا عليها وتابعوا طريقهم إلى [[جانقري|چانقري]] كي يسلكوا الطريق الرئيسي المؤدي إلى أماسية ونيكسار. وحتَّى يُعرقل التقدُّم الصليبي عمد قلج أرسلان إلى الانسحاب التدريجي من أمام الغُزاة مُخرِّبًا البلاد أثناء انسحابه لِيحرمهم من المُؤن. ووحَّد جُهُوده وقُوَّاته مع الأمير الدانشمندي، وأرسلا إلى أمير حلب [[رضوان بن تتش|رضوان بن تُتُش]] يحُثَّانه على التحالف معهما ضدَّ العدوِّ المُشترك.<ref name="حملة1101">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير، علي بن مُحمَّد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري]]|عنوان= الكامل في التاريخ|طبعة= الأولى|صفحة= 29|سنة= [[1407 هـ|1407هـ]] - [[1987]]م|المجلد=الجُزء التاسع|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار=https://ia802707.us.archive.org/15/items/WAQkamilt/kamilt09.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20191216200434/https://ia802707.us.archive.org/15/items/WAQkamilt/kamilt09.pdf | تاريخ أرشيف = 16 ديسمبر 2019}}</ref><ref name="رنسيمان1101">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1=[[ستيفين رونسيمان|رونسيمان، ستيڤن]]|مؤلف2=ترجمة:نور الدين خليل|عنوان=تاريخ الحملات الصليبيَّة|طبعة=الثانية|المجلد=الجُزء الثاني: مملكة القُدس والشرق الفرنجي|صفحة=50 - 54|سنة= [[1998]]|ناشر= [[الهيئة المصرية العامة للكتاب|الهيئة المصريَّة العامَّة لِلكتاب]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://archive.org/details/tarikh.al.hmlat.al.slibiah/tarikh.al.hmlat.al.slibiah02/page/n49/mode/2up}}</ref>

[[ملف:Crusade of 1101 v1-ar.svg|تصغير|يمين|خريطة تُصوِّر تحرُّكات الجُيُوش الصليبيَّة في الأناضول خلال [[حملة 1101 الصليبية|الحملة الكارثيَّة لِسنة 1101م]].]]
ولمَّا وصل الصليبيُّون إلى چانقري ألفوا المُسلمين فيها بِكامل قُوَّتهم، واستعصت عليهم المدينة لِمناعتها، فاضطرُّوا إلى مُتابعة سيرهم بعد أن نهبوا القُرى المُجاورة، لكنَّ التعب أخذ يظهر عليهم بِسبب النقص في المؤن وشدَّة الحرارة ومُناوشات المُسلمين. واقترح أحد قادة الجيش -وهو [[ريمون تولوز|ريموند الرابع قُمَّس طولوشة وصنجيل]] {{فرن|Raymond IV de Toulouse et Saint-Gilles}}- أن يتوجَّه صوب الشمال الشرقي إلى قسطموني، ومنها إلى إحدى المُدُن البيزنطيَّة على ساحل بحر البنطس (الأسود)، وذلك حتَّى يُجنِّب جيشه الهلاك المُحقَّق. على أنَّ الرحلة إلى قسطموني كانت بطيئةً وشاقَّة بِسبب نفاذ المُؤن وإحراق السلاجقة لِلمحاصيل الزراعيَّة وردمهم لِلآبار، بِالإضافة لِهُجُومٍ مُباغتٍ من المُسلمين كاد أن يقضي عليهم.<ref name="حملة1101"/><ref name="رنسيمان1101"/> ولمَّا وصلوا إلى أطراف قسطموني أصرَّ اللومبارديُّون مُجدَّدًا على التوجُّه شرقًا لإنقاذ بوهيموند، فنزل باقي الجيش على رأيهم مُرغمين، واجتاز الجيش الصليبي نهر هاليس إلى بلاد الدانشمنديين، ووصل أفراده إلى مدينة [[مرزيفون]] الواقعة في مُنتصف الطريق بين النهر وأماسية، وهُناك تلقَّفهم المُسلمون وأنزلوا بهم هزيمةً كُبرى بحيثُ فقدوا أربعة أخماس الجيش بين قتيلِ وأسير، وفرَّ الباقون ناجين بحياتهم عائدين إلى القُسطنطينيَّة.<ref name="حملة1101"/><ref name="رنسيمان1101"/> محت هذه الكارثة التي حلَّت بِالصليبيين الشُهرة التي اكتسبها هؤلاء نتيجة انتصارهم في ضورليم، وزاد من أثرها أنَّها لم تكن الكارثة الأخيرة إذ في الوقت الذي غادر فيه اللومبارديُّون مدينة نيقوميدية وصل إلى القُسطنطينيَّة جيشٌ إفرنجيّ بِقيادة وليم قُمَّس [[نيفير|نِيفَارِش]] {{فرن|Guillaume comte de Nevers}} على رأس آلاف الفُرسان والمُشاة.<ref group="la">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[:en:Kenneth Setton|Setton, Kenneth]]|عنوان= A History of the Crusades|طبعة= المُصوَّرة|صفحة= 358|سنة= [[1969]]|ناشر= [[:en:University of Wisconsin Press|University of Wisconsin Press]]|مكان= [[ماديسون (مقاطعة دان)|Madison, Wisconsin]]|لغة= en|مسار=https://books.google.com.lb/books?id=RfO1J6hjcdgC&printsec=frontcover#v=onepage&q=%20William%20II%20of%20Nevers&f=false| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201219235313/https://books.google.com.lb/books?id=RfO1J6hjcdgC&printsec=frontcover#v=onepage&q=%20William%20II%20of%20Nevers&f=false | تاريخ أرشيف = 19 ديسمبر 2020}}</ref>
وحرص وليم على اللحاق بِاللومبارديين على وجه السُرعة، فغادر القُسطنطينيَّة إلى نيقوميدية، وعلم فيها أنَّ الجُمُوع الصليبيَّة مضت في طريقها إلى أنقرة، فسار في أثرها دون أن يتمكَّن من الاجتماع معها، فحوَّل طريقه وتوجَّه نحو قونية وضرب الحصار عليها دون أن يتمكن من اقتحامها، فتركها. وفي غُضُون ذلك كان المُسلمون قد فرغوا من القضاء على الجُمُوع اللومبارديَّة، وعلم قلج أرسلان وكمشتكين أحمد بِقُدُوم هذا العدُوِّ الجديد، فسارا على الفور وسبقا الصليبيين إلى مدينة [[هرقلة (بيزنطة)|هرقلة]]، وماإن وصل الصليبيُّون المُنهكون حتَّى انقضَّ عليهم المُسلمون وأبادوهم عن بُكرة أبيهم، ولم ينجُ منهم أحد باسثناء القُمَّس نفسه وستَّة من أتباعه.<ref name="هرقلة">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1=[[ستيفين رونسيمان|رونسيمان، ستيڤن]]|مؤلف2=ترجمة:نور الدين خليل|عنوان=تاريخ الحملات الصليبيَّة|طبعة=الثانية|المجلد=الجُزء الثاني: مملكة القُدس والشرق الفرنجي|صفحة=54 - 59|سنة= [[1998]]|ناشر= [[الهيئة المصرية العامة للكتاب|الهيئة المصريَّة العامَّة لِلكتاب]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://archive.org/details/tarikh.al.hmlat.al.slibiah/tarikh.al.hmlat.al.slibiah02/page/n53/mode/2up}}</ref> وخلال هذه الأحداث وصلت الدفعة الأخيرة من تلك الجُمُوع الصليبيَّة إلى القُسطنطينيَّة، وتألَّفت من فرنجة وألمان بِقيادة [[ويليام التاسع، دوق آكيتاين|وليم التاسع دوق أقطانية]]، و[[فلف الأول، دوق بافاريا|ڤولف الأوَّل دوق باڤاريا]]، وبلغ عدد أفرادها نحو ستين ألف مُقاتل. وسلكت هذه الجماعة الطريق نفسه الذي سلكته سابقتها، وانتهج المُسلمون تجاهها الخطط نفسها التي طبَّقوها من قبل، بِإحراق الغلال وإتلاف المؤن وطمر الآبار. ولمَّا وصلت هذه الجماعة إلى قونية وجدوا المدينة خاوية إذ كانت الحامية السَلْجُوقيَّة قد أخلتها وحملت كُل ما كان فيها من مؤن، وجرَّدت البساتين والحدائق من كُل ما يُمكن أن يُفيد الغُزاة. بناءً على هذا لم يطل مكوث الصليبيين في قونية، وغادروها إلى هرقلة، وماإن وصلوها حتَّى انقضَّ عليهم المُسلمون من الغابات المُحيطة بِالمدينة، فأبادوهم عن آخرهم باستثناء فئة قليلة استطاعت النجاة بِصُعُوبة من بينهم وليم التاسع وڤولف الأوَّل.<ref name="هرقلة"/>

=== الاستقلال عن السلاجقة العظام والتمدُّد باتجاه الجزيرة الفُراتيَّة ===
كان من نتيجة النهاية المُخزية لِلجماعات الصليبيَّة الثلاث أن ارتفعت الروح المعنويَّة لِلمُسلمين عامَّةً والسلاجقة خاصَّةً إذ ثأر هؤلاء لما حلَّ بهم في ضورليم وأثبتوا أنَّهم باقون في الأناضول، وظهر السُلطان قلج أرسلان بِمظهر بطل الإسلام، وبلغت شُهرته كافَّة أرجاء ديار المُسلمين، وتطلَّع إليه المُسلمون آملين أن يقود حركة الجهاد ضدَّ الصليبيين، الأمر الذي زاده افتخارًا. على أنَّ اندحار الصليبيين كان لهُ نتيجةً سلبيَّةً على صعيد الجبهة الإسلاميَّة، إذ ما إن غادر الصليبيُّون نحو الشَّام حتَّى عادت الخُصُومة والتنافس بين السلاجقة والدانشمنديين، وتنازعت الدولتان الإسلاميَّتان حول امتلاك ملطية، وعادتا لِتتحاربا إلى أن مات الأمير كمشتكين أحمد الدانشمندي في سنة [[499 هـ|499هـ]] المُوافقة لِسنة [[1105]]م.<ref name="ابن العبري1">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن العبري|ابن العبري، أبو الفرج گريگوريوس بن هٰرون الملطي]]|عنوان= تاريخ مُختصر الدُول|طبعة= الأولى|صفحة= 172 - 173|سنة= [[1418 هـ|1418هـ]] - [[1997]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار=https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=https://books-library.online/files/download-pdf-ebooks.org-1541023843Et1K0.pdf&hl=ar| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201219055906/https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=https://books-library.online/files/download-pdf-ebooks.org-1541023843Et1K0.pdf&hl=ar | تاريخ أرشيف = 19 ديسمبر 2020}}</ref>
وبِوفاته انقسمت الإمارة الدانشمنديَّة بين ولديه، فحكم ابنه الأكبر غازي مدينة سيواس وأملاك والده في الأناضول بينما كانت ملطية وأملاك الدانشمنديين في الشَّام من نصيب ابنه الأصغر ياغي سيان.<ref group="la" name="Syrien">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ميخائيل السرياني|Michel le Syrien]]|عنوان= Chronique de Michel le Syrien|صفحة= 192|المجلد=Tome III|سنة= [[1905]]|ناشر= Ernest Leroux|مكان= [[باريس|Paris]]|لغة= fr|مسار=https://archive.org/details/MichelLeSyrien3/page/n199/mode/2up}}</ref> استغلَّ قلج أرسلان صغر سن ياغي سيان وافتقاره إلى الخبرة والتجربة، ورأى أنَّ الفُرصة قد حانت له لِتحقيق طُمُوحه بِإزاحة الدانشمنديين عن حُكم قيصريَّة وسيواس والسيطرة على مُمتلكاتهم، فسارع إلى التوجُّه شرقًا وحاصر ملطية حصارًا مُركَّزًا ثُمَّ استولى عليها بعد أن ضربها بِالمجانيق.<ref group="la" name="Syrien"/> اتَّخذ قلج أرسلان لِنفسه بعد ذلك لقب «سُلطان»، وحاول انتزاع اعتراف التُرك في آسيا الصُغرى وخارجها به، فكان أوَّل من لُقِّب بِهذا اللقب من حُكَّام سلاجقة الروم، وأشار إلى ذلك بضعة مُؤرخين كمتَّى الرُهَاوي و[[ميخائيل السرياني|ميخائيل السُرياني]] و[[ابن العبري]]، غير أنَّ المُؤرخين المُسلمين حرصوا على مُناداته بِـ«الملك».<ref name="ابن العبري1"/><ref name="استقلال">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير، علي بن مُحمَّد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري]]|عنوان= الكامل في التاريخ|طبعة= الرابعة|صفحة= 97|سنة= [[1424 هـ|1424هـ]] - [[2003]]م|المجلد=الجُزء التاسع|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار=https://ia802707.us.archive.org/15/items/WAQkamilt/kamilt09.pdf|isbn=2745100467| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20191216200434/https://ia802707.us.archive.org/15/items/WAQkamilt/kamilt09.pdf | تاريخ أرشيف = 16 ديسمبر 2019}}</ref> ويُلاحظ أنَّ اتخاذ قلج أرسلان لقب سُلطان لم يُفضِ إلى أيَّة ردَّة فعلٍ من جانب السلاجقة العظام -الذين كانوا يعدُّون الحاكم الأعلى لِلدولة في بغداد وجميع السُلالات السَلْجُوقيَّة هو وحده السُلطان- وكُل الحُكَّام دونه يحملون لقب الملك أو الشاه؛ ذلك أنَّ الدولة السَلْجُوقيَّة كانت في تلك الفترة تعصف بها رياح الفوضى والاضطراب ممَّا جعلها لا تتصرَّف ضدَّ الصليبيين ولا تنظر إلى ما قد يُثيره حُكَّام السُلالات الفرعيَّة من مُحاولات انفصال، فقد انقسم الصف السَلْجُوقي وانحلَّت السُلطة المركزيَّة وتكاثرت النزاعات الداخليَّة، فتنازع السُلطان بركياروق وأخيه [[محمد بن ملكشاه|مُحمَّد]] على المُلك، ونشبت بينهما عدَّة وقعات أُهرقت فيها الدماء،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[شمس الدين الذهبي|الذهبي، أبو عبد الله شمس الدين مُحمَّد بن أحمد بن عُثمان بن قايماز]]|عنوان= تاريخ الإسلام ووفيَّات المشاهير والأعيان|طبعة= الأولى|صفحة= 20 - 22، 26 - 27|سنة= [[1415 هـ|1415هـ]] - [[1994]]م|ناشر= دار الكتاب العربي|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|المجلد=الجُزء الرابع والثلاثون|مسار=https://ia600903.us.archive.org/7/items/FP3938/tiz34.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830225136/https://ia600903.us.archive.org/7/items/FP3938/tiz34.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref> فتأثَّرت جميع البلاد والأقاليم التابعة لِلدولة السَلْجُوقيَّة بِهذه الأحداث، فعمَّ الفساد، وانتُهبت الأموال، وأُحرقت القُرى، وتداعت الحُكُومة المركزيَّة، في حين علا شأن أُمراء الإقطاع، فانقسمت الدولة السَلْجُوقيَّة إلى سلطناتٍ وإماراتٍ وأتابكيَّاتٍ عديدة، توزَّعت في الشَّام والأناضول وأذربيجان والعراق وإيران.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصُغرى 470 - 704هـ / 1077 - 1304م|طبعة= الأولى|صفحة= 102|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|isbn = 9953180474|مسار=https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20220314110714/https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf | تاريخ أرشيف = 14 مارس 2022 }}</ref> وبِهذا الشكل أضحت دولة سلاجقة الروم سلطنةً قائمةً بِحد ذاتها.

أثارت شعبيَّة قلج أرسلان وانتصاراته على الصليبيين، ثُمَّ سيطرته على ملطية وإعلان نفسه سُلطانًا، أثارت أهالي [[ميافارقين]] الذين رغبوا بِالدُخُول تحت جناح سلاجقة الروم، فقرَّروا تسليم مدينتهم لِلسُلطان الجديد، فكتب إليه وزيرها ضياء الدين مُحمَّد واستدعاه، فأتى على وجه السُرعة ودخل المدينة، وحضر إليه جميع أُمراء [[ديار بكر (منطقة)|ديار بكر]] وبايعوه مُعترفين بِسُلطته، ثُمَّ عيَّن [[مملوك (تاريخ)|مملوك]] أبيه «خمرتاش السُليماني» -وهو [[أتابك]]ه- واليًا على ميافارقين، وأقطع الوزير ضياء الدين مُحمَّد مدينة [[البستان]]، وعاد إلى ملطية حيثُ أقام فيها.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= الفارقي، أحمد بن يُوسُف بن عليّ بن الأزرق|عنوان= تاريخ ميافارقين وآمد|طبعة= الأولى|صفحة= 272 - 273|سنة= [[1379 هـ|1379هـ]] - [[1959]]م|ناشر= [[وزارة الثقافة (مصر)|وزارة الثقافة والإرشاد القومي]]|مكان= [[القاهرة]] - [[الجمهورية العربية المتحدة|مصر]]|مسار=https://ia903103.us.archive.org/22/items/ktp2019-bskn11842/ktp2019-bskn11842.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830225150/https://ia903103.us.archive.org/22/items/ktp2019-bskn11842/ktp2019-bskn11842.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[عز الدين بن شداد|ابن شدَّاد، عزُّ الدين أبو عبد الله مُحمَّد بن علي بن إبراهيم الأنصاري الحلبي]] |عنوان= الأعلاق الخطيرة في ذكر أُمراء الشَّام والجزيرة |صفحة= 178|مسار=https://shamela.ws/book/758/179|مسار أرشيف=https://archive.today/20210107013156/https://al-maktaba.org/book/758/179|تاريخ أرشيف=[[7 يناير|7 كانون الثاني (يناير)]] [[2021]]}}</ref> تطلَّع قلج أرسلان بعد ذلك إلى تحرير الرُّها من الصليبيين واستردادها لِلمُسلمين، فسار إليها سنة [[499 هـ|499هـ]] المُوافقة لِسنة [[1105]]م في عسكرٍ كثيف، وضرب الحصار عليها إلَّا أنَّهُ فشل في اقتحامها نظرًا لِمناعة أسوارها، فغادر إلى [[حران (تركيا)|حرَّان]] بناءً لِدعوة أتباع أميرها المدعو «جكرمش»، فدخلها وتسلَّمها منهم.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن القلانسي|ابن القلانسي، أبو يعلى حمزة بن أسد بن علي بن مُحمَّد التميمي]]|عنوان= تاريخ دمشق|طبعة= الأولى|صفحة= 242|سنة= [[1403 هـ|1403هـ]] - [[1983]]م |ناشر= دار حسَّان للطباعة والنشر |مكان= [[دمشق]] - [[سوريا]]|مسار=https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=https://books-library.online/files/download-pdf-ebooks.org-1535836264-222.pdf&hl=ar| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201225230924/https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=https://books-library.online/files/download-pdf-ebooks.org-1535836264-222.pdf&hl=ar | تاريخ أرشيف = 25 ديسمبر 2020}}</ref>
[[ملف:Mosul, Illustration for La Terre-Sainte et les lieux illustrés par les apôtres, by Adrien Egron, 1837 (30).jpg|تصغير|رسمٌ قديمٌ لِلمُوصل: قصبة الجزيرة الفُراتيَّة وأهم مُدُنها، التي شهدت آخر توسُّعات السُلطان قلج أرسلان.]]
ولم يلبث قلج أرسلان أن قرَّر ضم [[الموصل]] قصبة الجزيرة الفُراتيَّة وذلك بعد أن استدعاه أميرها زنكي بن جكرمش ذو الحادية عشر ربيعًا، وطلب منهُ المُساعدة ضدَّ الأمير [[جاولي سقاوو|جاولي سقاوه]] -الذي كان قد ولَّاه السُلطان مُحمَّد بن ملكشاه على الموصل وأعمالها- فأتى واشتبك مع جكرمش الذي رفض تسليم ما تحت يديه من بلاد، فهُزم ووقع في أسر السلاجقة، وأُجلس ابنه زنكي على تخت الإمارة، لكنَّهُ لمَّا كان عديم الخبرة وقليل الحيلة، راسل السُلطان قلج أرسلان ووعده بِتسليمه الموصل وأعمالها إن أنجده.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير، علي بن مُحمَّد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري]]|عنوان= الكامل في التاريخ|طبعة= الرابعة|صفحة= 102 - 103|سنة= [[1424 هـ|1424هـ]] - [[2003]]م|المجلد=الجُزء التاسع|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار=https://ia802707.us.archive.org/15/items/WAQkamilt/kamilt09.pdf|isbn=2745100467| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20191216200434/https://ia802707.us.archive.org/15/items/WAQkamilt/kamilt09.pdf | تاريخ أرشيف = 16 ديسمبر 2019}}</ref> ولمَّا علم جاولي بِمسير قلج أرسلان، وأدرك أنَّ لهُ من القُوَّة ما لا يستطيع مُجابهته في معركةٍ سافرة، عزم على تكوين حلفٍ مُناهضٍ له لِيُقوِّي موقفه، فتفاوض مع أمير حلب رضوان بن تُتُش واتفقا على طرد قلج أرسلان من الموصل ثُمَّ التعاون ضدَّ الصليبيين وطردهم من البلاد التابعة لِإمارة حلب. وفي غُضُون ذلك كان قلج أرسلان قد وصل الموصل ودخلها، فاستقبله سُكَّانُها استقبالًا حافلًا، وعاملهم هو بِكُلِّ تقديرٍ واحترام، وأجرى بعض التغييرات الإداريَّة، منها أنَّهُ أسقط اسم السُلطان مُحمَّد بن ملكشاه من [[خطبة الجمعة|الخطبة]]، وخطب لِنفسه بعد الخليفة العبَّاسي، وأحسن إلى الجُنُود، ورفع الرُسُوم المُحدثة عن الناس، وعدل فيهم. وماإن فرغ من ترتيب أوضاع المدينة حتَّى قرَّر مُحاربة جاولي، فغادر الموصل على رأس جيشه وسار حتَّى لقي عدُوَّه قريبًا من [[خابور (الفرات)|نهر الخابور]]، فاشتبك الجيشان في [[معركة الموصل (1107)|معركةٍ طاحنة]] أسفرت عن انتصارٍ واضحٍ لِجاولي، وحاول قلج أرسلان الفرار، فألقى بِنفسه في النهر، لكنَّهُ قضى نحبه غرقًا. ثُمَّ عاد جاولي بعد انتصاره إلى الموصل واستولى عليها، وقبض على [[ملك شاه بن قلج أرسلان|ملكشاه بن قلج أرسلان]] وأرسله أسيرًا إلى السُلطان مُحمَّد، وأعاد الخطبة له.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير، علي بن مُحمَّد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري]]|عنوان= الكامل في التاريخ|طبعة= الرابعة|صفحة= 104 - 107|سنة= [[1424 هـ|1424هـ]] - [[2003]]م|المجلد=الجُزء التاسع|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار=https://ia802707.us.archive.org/15/items/WAQkamilt/kamilt09.pdf|isbn=2745100467| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20191216200434/https://ia802707.us.archive.org/15/items/WAQkamilt/kamilt09.pdf | تاريخ أرشيف = 16 ديسمبر 2019}}</ref><ref>{{استشهاد بدورية محكمة |الأخير= يُوسُف|الأول= هُدى ياسين|دورية = إضاءات موصليَّة|مسار= http://uomosul.edu.iq/public/files/datafolder_2706/_20190926_070848_740.pdf|عنوان= الحوليَّات السُريانيَّة مصدرًا لِسلاجقة الموصل، تاريخ الزمان لِابن العبري أُنموذجًا|العدد= العدد 68|سنة= ربيع الأوَّل [[1434 هـ|1434هـ]] \ شُباط 2013|صفحات= صفحة 9|ناشر= مركز دراسات الموصل، [[جامعة الموصل]]| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210107235347/http://uomosul.edu.iq/public/files/datafolder_2706/_20190926_070848_740.pdf | تاريخ أرشيف = 7 يناير 2021}}</ref>

=== انقسام السلطنة وإعادة توحيدها ===
جعلت وفاة قلج أرسلان الموقف في آسيا الصُغرى مائعًا، إذ إنَّ أكبر أولاده الأربعة وهو ملكشاه أضحى أسيرًا في يد السُلطان مُحمَّد بعد معركة الخابور، بينما استولت أرملته على ملطية والأقاليم الشرقيَّة بِمُساعدة الأمير «أيدبر» الذي اعترف بِسيادة طُغرُل أرسلان أصغر أولاد قلج أرسلان على بلاد الروم. أمَّا الأخوان الآخران وهُما [[ركن الدين مسعود|مسعود]] وعرب، فقد عاش الأوَّل في بلاد الدانشمنديين في حين استقرَّ الآخر في قونية.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصُغرى 470 - 704هـ / 1077 - 1304م|طبعة= الأولى|صفحة= 112|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|isbn = 9953180474|مسار=https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20220314110714/https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf | تاريخ أرشيف = 14 مارس 2022 }}</ref> عاد ملكشاه بن قلج أرسلان إلى وطنه خلال أوائل سنة [[503 هـ|503هـ]] المُوافقة لِمُنتصف سنة [[1109]]م، فدخل قونية وحاول إعادة الأُمُور إلى نصابها ولم شتات سلاجقة الروم، فقتل ابن عمٍّ لهُ كان قد نازعه على السُلطة، واستقام لهُ أمر الدولة، <ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن القلانسي|ابن القلانسي، أبو يعلى حمزة بن أسد بن علي بن مُحمَّد التميمي]]|عنوان= تاريخ دمشق|طبعة= الأولى|صفحة= 254|سنة= [[1403 هـ|1403هـ]] - [[1983]]م |ناشر= دار حسَّان للطباعة والنشر |مكان= [[دمشق]] - [[سوريا]]|مسار=https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=https://books-library.online/files/download-pdf-ebooks.org-1535836264-222.pdf&hl=ar| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201225230924/https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=https://books-library.online/files/download-pdf-ebooks.org-1535836264-222.pdf&hl=ar | تاريخ أرشيف = 25 ديسمبر 2020}}</ref> ثُمَّ حاول العمل على استعادة مُمتلكات والده، غير أنَّ أخاه مسعوداً ثار عليه وتعاون مع الأمير الدانشمندي غازي بن كمشتكين أحمد -الذي هو [[حمو]]ه- ضدَّ أخيه ملكشاه، فهزما الأخير ثُمَّ قبض عليه مسعودٌ وقتله.<ref group="la">{{استشهاد بكتاب|الأول = John W.|الأخير = Birkenmeier|عنوان = The Development of the Komnenian Army: 1081–1180|ناشر = Brill|سنة = 2002|isbn = 90-04-11710-5|مسار=https://books.google.com.lb/books?redir_esc=y&id=p8OOoGWRC2EC&q=Malik+Shah#v=snippet&q=Malik%20Shah&f=false|صفحات=79 - 80| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210108113913/https://books.google.com.lb/books?redir_esc=y&id=p8OOoGWRC2EC&q=Malik+Shah | تاريخ أرشيف = 8 يناير 2021}}</ref> استقرَّ مسعود في قونية بعد أن قتل أخاه، وحكم منها الشطر الجنوبي من آسيا الصُغرى المُمتد من [[نهر صقاريا|نهر صقارية]] حتَّى [[جبال طوروس]] تحت وصاية حميه الأمير غازي الدانشمندي. وحكم الأخ الثالث لِمسعود -وهو عرب- أنقرة وقسطموني، في حين استقرَّ الأخ الرابع -وهو طُغرُل أرسلان- في ملطية تحت وصاية والدته وزوجها «بُلُك الأرتقي».<ref group="la" name="Cambridge">{{استشهاد بموسوعة |الأخير= Turan|الأول= Osman|محرر1= P.M. Holt  |محرر2= Ann K. S. Lambton|محرر3= Bernard Lewis|موسوعة = The Cambridge History of Islam|عنوان=Anatolia in The Period of The Seljuks and The Beyliks |مسار= https://www.ashtoncentralmosque.com/wp-content/uploads/2014/07/The-Cambridge-History-of-Islam-%E2%80%93-1a.pdf|تاريخ= [[2005]]|ناشر= [[مطبعة جامعة كامبريدج|Cambridge University Press]]|سلسلة= Handbook of Oriental Studies |المجلد= Volume IA: The Central Islamic Lands from Pre-Islamic Times to The First World War|صفحات=239 - 240|isbn=9780521219464|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20170413030738/http://www.ashtoncentralmosque.com/wp-content/uploads/2014/07/The-Cambridge-History-of-Islam-–-1a.pdf
|تاريخ أرشيف=2017-04-13}}</ref> وهكذا تقلَّصت دولة سلاجقة الروم وانقسمت إلى ثلاث إمارات صغيرة حول قونية تحت حماية الدانشمنديين الذين كانت لهم الكلمة العُليا والهيمنة السياسيَّة على كافَّة التُرك في بلاد الأناضول. ركَّز مسعود اهتمامه -بعد جُلُوسه على عرش سلاجقة الروم في قونية- في تثبيت أقدامه في إمارته الصغيرة. وبعد أن فرغ من ذلك قرَّر التوسُّع على حساب البيزنطيين لِإيواء رعاياه وإيجاد المراعي الغنيَّة لِماشيتهم، وضم الإمارات التُركيَّة الصغيرة المُنتشرة في قلب الأناضول تمهيدًا لإعادة الوحدة السياسيَّة لِدولته ولِلمُسلمين في تلك البلاد، وهو الهدف المُستقبلي الذي وضعه نصب عينيه. فراح يُهدَّد وادي مندريس، وقطع الطريق المُؤدي إلى [[أنطاليا|أنطالية]] على البيزنطيين، واستعاد [[مقاطعة رومانية|مُقاطعة]] فريجيا، ومدينة [[لاوديكيا|لاذيق]]، ولم يعد لِلروم طريقٌ إلى الشرق سوى طريق البحر، ثُمَّ راح يبتلع الإمارات التُركيَّة الصغيرة المُنتشرة حول إمارته، فسيطر على عددٍ منها ووسَّع من حُدُود دولته.<ref name="تنازع">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصُغرى 470 - 704هـ / 1077 - 1304م|طبعة= الأولى|صفحة= 120 - 122|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|isbn = 9953180474|مسار=https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20220314110714/https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf | تاريخ أرشيف = 14 مارس 2022 }}</ref>

لم يهنأ مسعودٌ بِانتصاراته تلك، إذ أثار انقسام السلطنة بينه وبين إخوته التنازع فيما بينهم، بحيثُ أصبح كُلٌ منهم يُريدُ التوسُّع على حساب الآخر. جاءت الضربة الأولى لِمسعود من أخيه طُغرُل أرسلان صاحب ملطية الذي ما انفكَّ يُغيرُ على سواحل أضنة وسائر بلاد قيليقية، ونجح في الاستيلاء على بعضها من بينها البستان، ممَّا أثار إزعاج مسعود. وانفجرت النزاعات بين الإخوة في سنة [[518 هـ|518هـ]] المُوافقة لِسنة [[1124]]م على إثر مقتل بُلُك الأرتقي وهو يُحاصر قلعة [[منبج]] لِلقضاء على ثورة قامت فيها ضدَّ حُكمه. إذ استغلَّ الأمير غازي بن كمشتكين أحمد الدانشمندي هذه الحادثة وأغار على ملطية واستولى عليها بِمُساعدة صهره مسعود، ولمَّا طالب بها الأخير بوصفها من مُمتلكات السلاجقة، رفض أن يُعيدها إليه.<ref name="تنازع"/> وخرج طُغرُل أرسلان من المدينة، والتمس مُساعدة الصليبيين -الذين كانوا يُحاصرون آنذاك مدينة حلب- غير أنَّهُ لم يلق التأييد منهم، عندئذٍ قرَّر التخلِّي عن ملطية وابتعد عن مسرح الأحداث. أثار التعاون بين مسعود والأمير الدانشمندي ضدَّ طُغرُل أرسلان حفيظة أخيه عرب وقد استشاط غضبًا لِخسارة ملطية، ولِما آلت إليه أوضاع بني سَلْجُوق من تفرُّقٍ وتشرذم، وضياع أملاكهم، فعقد العزم على مُحاربة أخيه مسعود الذي اتهمه بِالخيانة، والجُلُوس مكانه على العرش، وإعادة توحيد سلاجقة الروم تحت سُلطانه.<ref name="تنازع"/> وفي سنة [[520 هـ|520هـ]] المُوافقة لِسنة [[1126]]م، زحف عرب على رأس جيشٍ كبير إلى مدينة قونية لِلاستيلاء عليها، وانضمَّ إليه بعض أُمراء المُسلمين في الأناضول الذين خشوا من طُمُوحات مسعود وحميه. واضطرَّ مسعود إلى الاستعانة بِالبيزنطيين كي يصد أخاه، فلجأ الأخير إلى طوروس الأوَّل أمير الأرمن في قيليقية، وأقنعهُ بِمُساعدته، فهاجم قونية في سنة [[521 هـ|521هـ]] المُوافقة لِسنة [[1127]]م، وخاض معركتين ضدَّ أخيه وحميه، فحقَّق انتصارًا جُزئيًّا، لكنَّهُ هُزم في نهاية المطاف، فالتجأ إلى القُسطنطينيَّة حيثُ أمضى بقيَّة حياته. هكذا خلا الجو لِمسعود بعد نزاعٍ أُسريٍّ دام ثلاثة أعوام، تعرَّضت السلطنة خلاله إلى التصدُّع والوهن، فسارت في ركاب الدانشمنديين. وظلَّ مسعود يحكم تحت جناح حميه غازي القوي حتَّى وفاة هذا الأخير سنة [[529 هـ|529هـ]] المُوافقة لِسنة [[1135]]م.<ref name="تنازع"/>

=== الصراع مع البيزنطيين ===
[[ملف:John'sEmpire-ar.jpg|تصغير|يمين|المدى الذي بلغته الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة خلال عهد يُوحنَّا الثاني (18-1143)م.]]
[[ملف:Jean II Comnene.jpg|تصغير|لوحة فُسيفسائيَّة لِقيصر الروم الإمبراطور يُوحنَّا الثاني بن ألكسيوس، في [[آيا صوفيا]].]]
توفي الإمبراطور البيزنطي [[ألكسيوس الأول كومنينوس|ألكسيوس كومنين]] في القُسطنطينيَّة خلال شهر ربيع الآخر 512هـ المُوافق لشهر آب (أغسطس) 1118م بعد مرضٍ أليمٍ لازمه زمنًا طويلًا، وخلفه ابنه [[يوحنا الثاني كومنين|يُوحنَّا الثاني]]، ولمَّا تولَّى كانت مُمتلكات الروم في آسيا الصُغرى هي طرابزون وكُل ساحل بحر البنطس (الأسود) وكُل الساحل الجنوبي حتَّى أطراف أنطاكية في الشَّام، وجميع المُدُن الواقعة غرب الخط الذي يمر بمدينة سينوپ وچانقري وأنقرة وعمورية وفيلوميليوم. أي إنَّ الروم كانوا قد استعادوا الكثير من الأراضي التي كان السلاجقة قد افتتحوها. واهتمَّ يُوحنَّا بِالشُؤون الشرقيَّة مثل أبيه، وكان يهدف إلى إعادة الحُدُود الآسيويَّة لِلإمبراطوريَّة إلى ما كانت عليه قبل فُتُوحات المُسلمين أي حتَّى أنطاكية والفُرات، وإرغام كُلٍ من الأرمن في قيليقية والصليبيين في الشَّام على قبول سيادته. والواقع أنَّهُ كان لا يستطيع القيام بِهذا العمل إلَّا بِالقضاء على القُوَّة السَلْجُوقيَّة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= عمران، محمود سعيد|عنوان= السياسة الشرقيَّة لِلإمبراطوريَّة البيزنطيَّة في عهد الإمبراطور مانويل الأوَّل 1143 - 1180م|صفحة= 52 - 53|سنة= [[1985]]|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار=https://archive.org/details/Librosbooks86_gmail_SAO/page/n61/mode/2up}}</ref> أعاد الإمبراطور سيطرته على لاذيق في سنة [[513 هـ|513هـ]] المُوافقة لِسنة [[1119]]م، واستولى في السنة التالية على سوزوپولس، فأعاد فتح الطريق الذي يربط المُمتلكات البيزنطيَّة بأنطالية وقيليقية والدُويلات الصليبيَّة في الشَّام.<ref group="la" name="Cambridge"/><ref group="la">[[:en:Michael Angold|Angold, Michael]], (1984) ''The Byzantine Empire 1025–1204, a political history'', Longman. p. 153. {{ردمك|978-0-58-249060-4}}</ref> وهكذا تحسَّن وضع البيزنطيين على الأرض، وأضحوا في مركزٍ أفضل بعدما أعادوا سيطرتهم على الثُلُث الغربي لِآسيا الصُغرى، واخترقت خُطُوط مُواصلاتهم بلاد الأناضول. غير أنَّ الإمبراطور اضطرَّ لِلعودة إلى القُسطنطينيَّة عقب الاستيلاء على لاذيق، ولم تُؤدِّ حملته هذه كامل أهدافها، وهي الاستيلاء على أنطاكية وفتح الطريق إلى الشرق. ونتيجةً لِلوضع الجديد انحصر السلاجقة في قلب الأناضول، وتركَّزوا حول قونية إلَّا أنَّ المُسلمين في لاذيق ظلُّوا مُحتفظين بِاتصالاتٍ سهلةٍ مع العاصمة قونية.<ref group="la">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[:en:Ferdinand Chalandon|Chalandon, Ferdinand]]|عنوان= Jean II Comnène, 1118-1143, et Manuel I Comnène, 1143-1180|صفحة= 247 - 248|سنة= [[1912]]|مكان=[[باريس|Paris]]|لغة= fr|مسار=https://archive.org/details/jeaniicomneneet01chalgoog/page/n321/mode/2up}}</ref> استغلَّ السُلطان مسعود عودة الإمبراطور إلى عاصمته، فجدَّد غاراته على أملاك الروم في سنة [[517 هـ|517هـ]] المُوافقة لِسنة [[1123]]م، فاضطرَّ يوحنَّا كومنين لِلعودة إلى آسيا الصُغرى لِإخضاعه وإتمام ما بدأه في حملته الأولى. فهاجم القبائل التُركُمانيَّة البدويَّة بِخاصَّةٍ، وأجبر عددًا كبيرًا منها على الدُخُول في طاعته، لكنَّهُ لم يلبث أن اضطرَّ لِلتوقُّف عن التدخُّل في الشُؤُون الداخليَّة لِلمُسلمين لِبضع سنوات بِسبب انهماكه بِمُشكلاته في أوروپَّا،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصُغرى 470 - 704هـ / 1077 - 1304م|طبعة= الأولى|صفحة= 126 - 127|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|isbn = 9953180474|مسار=https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20220314110714/https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf | تاريخ أرشيف = 14 مارس 2022 }}</ref> إذ كانت قد اشتعلت الحرب بين الروم والمجريين. وبعد أن فرغ الإمبراطور من حربه في المجر، عاد وحمل على الأناضول مُجددًا، فتمكَّن من السيطرة على بلادٍ خسرها البيزنطيُّون لِصالح المُسلمين مُنذُ زمنٍ بعيد، كقسطموني مسقط رأس [[كومنينيون|آل كومنين]]، وچانقري. لكنَّهُ ما كاد يهنأ بِانتصاره حتَّى استرجعها المُسلمون مُجددًا بِمُجرَّد عودة الجيش البيزنطي إلى القُسطنطينيَّة، فاضطرَّ أن يزحف إلى الأناضول مُجددًا لِيسترجع ما خسره.<ref group="la">[[:en:Niketas Choniates|Niketas Choniates]], critical edition and translation by {{استشهاد بكتاب |محرر-الأخير=Magoulias |محرر-الأول=Harry J. |عنوان=O City of Byzantium: Annals of Niketas Choniatēs|مكان=Detroit|ناشر=Wayne State University Press|سنة=1984|isbn=978-0-8143-1764-8|مسار= https://books.google.com/books?id=O8arrZPM8moC|صفحات=12–13|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200907020653/https://books.google.com/books?id=O8arrZPM8moC
 |تاريخ أرشيف=2020-09-07}}</ref>
[[ملف:Battle of Edeesa 1146.jpg|تصغير|يمين|مُنمنمة فرنسيَّة تُصوِّرُ اقتحام المُسلمين لِّلرُّها وقضائهم على الحُكم الصليبي فيها بعد حوالي نصف قرنٍ من احتلالها (1098-1144)م. كان هذا الحدث أحد الأسباب التي شجَّعت سلاجقة الروم على حرب البيزنطيين وجهادهم من جديد.]]
تُوفي يُوحنَّا كومنين خلال شهر شوَّال 573هـ المُوافق لِشهر نيسان (أبريل) 1143م في قيليقية وهو يستعد لِمُهاجمة أنطاكية، وذلك بعد أن جرح نفسه خطئًا [[سهم مسمم|بِسهمٍ مسموم]] أثناء رحلة صيدٍ،<ref group="la">[[:en:Niketas Choniates|Niketas Choniates]], critical edition and translation by {{استشهاد بكتاب |محرر-الأخير=Magoulias |محرر-الأول=Harry J. |عنوان=O City of Byzantium: Annals of Niketas Choniatēs|مكان=Detroit|ناشر=Wayne State University Press|سنة=1984|isbn=978-0-8143-1764-8|مسار= https://books.google.com/books?id=O8arrZPM8moC|صفحات=23|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200907020653/https://books.google.com/books?id=O8arrZPM8moC|تاريخ أرشيف=2020-09-07}}</ref> فخلفه ابنه [[مانويل كومنينوس|عمانوئيل الأوَّل]]. اتَّسمت بداية حُكم عمانوئيل بِالتحالف مع الأُمراء الدانشمنديين وتفرُّغه لِقتال السلاجقة، وضمن لهُ هذا التحالف كسب بعض التسهيلات في وادي الفُرات والعمل على مُواصلة سياسة والده في ضرب السلاجقة وتقليص نُفُوذهم في آسيا الصُغرى.<ref name="عمران">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= عمران، محمود سعيد|عنوان= السياسة الشرقيَّة لِلإمبراطوريَّة البيزنطيَّة في عهد الإمبراطور مانويل الأوَّل 1143 - 1180م|صفحة= 116 - 117|سنة= [[1985]]|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار=https://archive.org/details/Librosbooks86_gmail_SAO/page/n123/mode/2up}}</ref> وحتَّى يمتص الغارات السَلْجُوقيَّة عمد عمانوئيل إلى تعيين خطٍّ ثابتٍ لِلحُدُود، وبنى عليه سلسلة من الأبراج وثيقة الارتباط فيما بينها، كما شيَّد استحكاماتٍ على الطُّرق التي يسلُكها الجيش السَلْجُوقي خلال غاراته ممَّا قلَّص نشاط السلاجقة حتَّى اقتصر على الصوائف (الغارات الصيفيَّة) التي كانت تجتاح المُمتلكات الروميَّة مُتجنِّبةً الحُصُون الكبيرة والجُيُوش الإمبراطوريَّة.<ref group="la">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[تشارلز ديل|Diehl, Charles]]|عنوان= Histoire de l'empire byzantin |صفحة= 149|سنة= [[1924]]|مكان= [[باريس|Paris]]|لغة= fr|مسار= https://en.calameo.com/read/0032476641c83bb1a68a7|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20210115000847/https://en.calameo.com/read/0032476641c83bb1a68a7|تاريخ أرشيف=2021-01-15}}</ref>
وتوغَّل السلاجقة في مناطق الرعي البيزنطيَّة في إقليم ملاجنة الواقعة على الطريق بين نيقية وضورليم، فقام عمانوئيل بِحملته الأولى في أواخر سنة [[539 هـ|539هـ]] المُوافقة لِربيع سنة [[1145]]م لِطردهم، لكون تلك الأراضي شكَّلت المراعي الأساسيَّة لِخُيُول الجُيُوش البيزنطيَّة، والاستيلاء عليها من شأنها حرمان الإمبراطوريَّة من موردٍ استراتيجيٍّ مُهم. ولم تتعدَّ حملة عمانوئيل هذه الأراضي المذكورة إذ سُرعان ماعاد إلى القُسطنطينيَّة إمَّا لِاعتلال صحَّته أو بِسبب تدهور الحالة الصحيَّة لِأُخته مارية التي كانت مريضةً في هذا الوقت.<ref name="عمران"/> ترتَّب على انسحاب عمانوئيل السريع من المنطقة عدَّة نتائج كانت لِصالح المُسلمين عُمومًا والسلاجقة خُصُوصًا، منها أنَّهم شعروا بِأنَّ الإمبراطور لم يكن على استعدادٍ لِلدُخُول في حربٍ طويلة الأمد معهم، ورُبَّما فكَّروا بِأنَّ هذا الانسحاب يعود إلى قيام بعض الاضطرابات داخل العاصمة، فاستغلُّوا هذا الفراغ العسكري وراحوا يُغيرون على أراضي الإمبراطوريَّة. ومن العوامل التي شجَّعتهم أيضًا ازدياد نُفُوذ إخوانهم المُسلمين في الشَّام على حساب الصليبيين بعد [[حصار الرها|استعادتهم مدينة الرُّها]].<ref name="عمران"/> وهكذا تقدَّم السُلطان مسعود بِقُوَّاته على ثلاثة محاور، فاستهدف القسم الأوَّل من جيشه المنطقة الشماليَّة الغربيَّة من آسيا الصُغرى وتقدَّم حتَّى وصل مدينة «پيثكاس»، واستهدف القسم الثاني المنطقة الغربيَّة وافتتح بعض حُصُونها، أمَّا القسم الثالث فاستهدف الساحل الغربي وهاجم مدينة [[أفسس]]. ولا شكَّ بِأنَّ تحرُّكات السلاجقة وانفلاشهم في الأراضي البيزنطيَّة أثارت فزع الإمبراطور من أن يفقد الروم ما عملوا طيلة خمسين سنة على تحقيقه ما دفعهُ لِلقيام بِحملاتٍ مُضادَّة.<ref name="عمران"/> غادر عمانوئيل عاصمته في سنة [[540 هـ|540هـ]] المُوافقة لِسنة [[1146]]م في حملته الأُخرى على الأناضول، ولم يكن على استعدادٍ لِتوزيع قُوَّاته لِمُهاجمة السلاجقة، وفضَّل تجميعها في المنطقة الواقعة غربيّ نهر صقارية ومُطاردة القُوَّات السَلْجُوقيَّة المُنتشرة في هذه المنطقة. وفكَّر الإمبراطور في مُهاجمة مدينة قونية العاصمة حتَّى يضطر السلاجقة إلى سحب قُوَّاتهم المُنتشرة في الأراضي البيزنطيَّة لِلدفاع عن عاصمتهم.<ref name="عمران"/> تمكَّن عمانوئيل، بعد بضع مُناوشاتٍ ومعارك مع السلاجقة من الوُصُول إلى قونية، ونجح في تطويقها، وخرَّب جُنده القُرى والأراضي الزراعيَّة والضواحي حولها، لكنَّهُ لم يتمكَّن من اقتحام المدينة نفسها، فطال أمد الحصار، وفجأةً دون سابق إنذار فكَّ البيزنطيُّون حصارهم وعادوا أدراجهم إلى القُسطنطينيَّة رُغم موقفهم القوي. ولا يُعرف على وجه الدقَّة السبب الذي دفع عمانوئيل إلى الانسحاب بِجيشه، لكن يُرجَّح أنَّ ذلك مُرتبط بِما بلغه عن قُرب وُصُول حملةٍ صليبيَّةٍ جديدةٍ إلى المشرق العربي ردًّا على سُقُوط الرُّها بيد المُسلمين، ويُروى أنَّهُ تلقَّى رسالةً من [[لويس السابع ملك فرنسا]] تُعلمه بِقُرب وُصُوله.<ref group="la">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= Magdalino, Paul |عنوان= The Empire of Manuel I Komnenos, 1143–1180|صفحة= 42|سنة= [[1993]]|ناشر= [[مطبعة جامعة كامبريدج|Cambridge University Press]]|مكان= Cambridge|لغة= en|isbn =0521305713|مسار= https://books.google.com/books?id=0cWZvqp7q18C|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200606080045/https://books.google.com/books?id=0cWZvqp7q18C
 |تاريخ أرشيف=2020-06-06}}</ref><ref group="la">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[:en:John Cinnamus|Cinammus, John]]|عنوان= Deeds of John and Manuel Comnenus|صفحة= 47|سنة= [[1976]]|ناشر= [[دار نشر جامعة كولومبيا|Columbia University Press]]|مكان= [[نيويورك|New York]]|مسار= https://hdl.handle.net/2027/heb.05985|لغة= en|isbn =9780231521550|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20220125181821/https://hdl.handle.net/2027/heb.05985|تاريخ أرشيف=2022-01-25}} {{التسجيل مطلوب| مسار الأرشيف = https://web.archive.org/web/20210115014238/https://www.fulcrum.org/concern/monographs/jw827c00x | تاريخ الأرشيف = 15 يناير 2021}}</ref>

=== التصدِّي لِلحملة الصليبيَّة الثانية ===
{{مفصلة|الحملة الصليبية الثانية}}

[[ملف:Arrivée des croisés à Constantinople.jpg|تصغير|رسمٌ يُصوِّرُ وُصُول الإمبراطور الألماني كونراد الثالث إلى القُسطنطينيَّة.]]

تمكَّن المُسلمون بِقيادة أمير الموصل وحلب [[عماد الدين زنكي]] من استرداد الرُّها يوم [[26 جمادى الآخرة|26 جُمادى الآخرة]] [[539 هـ|539هـ]] المُوافق فيه [[23 ديسمبر|23 كانون الأوَّل (ديسمبر)]] [[1144]]م، وإعادتها إلى أحضان الإسلام بعد أقل من خمسين سنة من احتلال الصليبيين لها.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ستيفين رونسيمان|رونسيمان، ستيڤن]]|مؤلف2= ترجمة: نور الدين خليل|عنوان= تاريخ الحملات الصليبيَّة|المجلد=الجُزء الثاني|طبعة= الثانية|صفحة= 273 - 274|سنة= [[1998]]م|ناشر= [[الهيئة المصرية العامة للكتاب]]|تاريخ الوصول= [[18 أبريل|18 نيسان (أبريل)]] [[2018]]م|مكان=[[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://ia601609.us.archive.org/25/items/tarikh.al.hmlat.al.slibiah/tarikh.al.hmlat.al.slibiah02.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20191216200535/https://ia601609.us.archive.org/25/items/tarikh.al.hmlat.al.slibiah/tarikh.al.hmlat.al.slibiah02.pdf | تاريخ أرشيف = 16 ديسمبر 2019}}</ref> وشكَّل هذا الحدث صدمة عنيفة مُؤلمة لِلصليبيين تردَّدت أصداؤها في كُلِّ مكان، وسُرعان ما وصلت إلى [[روما]] وعلم بها البابا [[إيجين الثالث (بابا)|إيجين الثالث]]، فأدرك أنَّ البناء الكبير الذي شيَّدهُ الصليبيُّون في حملتهم الأولى أخذ يتزعزع، وإن لم يُسارع الغرب الأوروپي إلى ترميم ذلك البناء فإنَّهُ لن يلبث أن ينهار.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ الزنكيين في الموصل وبلاد الشام|طبعة= الثانية|صفحة= 171|سنة= [[1431 هـ|1431هـ]] - [[2010]]م |ناشر= دار النفائس|ردمك= 9789953183169|تاريخ الوصول= [[24 أبريل|24 نيسان (أبريل)]] [[2018]]م|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار=https://archive.org/stream/FP144671/144671#page/n169/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20191216200413/https://archive.org/stream/FP144671/144671 | تاريخ أرشيف = 16 ديسمبر 2019}}</ref> لِذلك، سارع البابا إلى إصدار [[مرسوم باباوي|مرسومٍ]] عُرف عند المُؤرخين باسم مرسوم «كما أسلافنا» {{لات|Quantum praedecessores}} في يوم [[1 ديسمبر|1 كانون الأوَّل (ديسمبر)]] [[1145]]م دعا فيه إلى قيام حملةٍ صليبيَّةٍ جديدةٍ ضدَّ المُسلمين.<ref group="la">{{استشهاد بكتاب | الأخير = Tyerman | الأول = Christopher | عنوان = God's War: A New History of the Crusades | ناشر = Belknap Press of Harvard University Press | مكان = Cambridge | سنة = 2006 | isbn = 0-674-02387-0 | صفحات = [https://archive.org/details/godswarnewhistor00tyer/page/273 273–275] | مسار = https://archive.org/details/godswarnewhistor00tyer/page/273 | مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200110133931/https://archive.org/details/godswarnewhistor00tyer/page/273 | تاريخ أرشيف = 10 يناير 2020}}</ref> تألفت الحملة الصليبيَّة سالفة الذِكر من جيشين كبيرين ينتميان إلى أكبر دولتين في أوروپَّا الغربيَّة: [[مملكة فرنسا]] و[[الإمبراطورية الرومانية المقدسة|الإمبراطوريَّة الرومانيَّة المُقدَّسة]]، وقادها أكبر عاهلين كاثوليكيين هُما [[كونراد الثالث]] إمبراطور ألمانيا، و[[لويس السابع ملك فرنسا]]، وكان الأوَّل هو السبَّاق في الزحف، فخرج على رأس عشرين ألفًا من الرجال،<ref group="la">{{استشهاد بكتاب |الأخير= Norwich |الأول= John Julius |مؤلف-وصلة=:en:John Julius Norwich |عنوان= Byzantium: the Decline and Fall |سنة= 1995 |ناشر= Viking |isbn= 978-0-670-82377-2|صفحات=94–95}}</ref> وسار يُريدُ القُسطنطينيَّة. وعندما وصل الصليبيُّون إلى حُدُود الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة تكرَّرت المشاهد نفسها التي حدثت عند زحف حملتَيِ الفُقراء والأولى، وذلك من ناحية اعتداء هؤلاء على سُكَّان البلاد التي مرُّوا بها إلى أن وصلوا إلى القُسطنطينيَّة ممَّا أثار مُشكلاتٍ جديدةٍ مع البيزنطيين، إلَّا أنَّ عودة الوفاق بين كونراد الثالث وعمانوئيل سمح لِلأوَّل بِالعُبُور إلى آسيا الصُغرى.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصُغرى 470 - 704هـ / 1077 - 1304م|طبعة= الأولى|صفحة= 144|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf|isbn =9953180474| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20220314110714/https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf | تاريخ أرشيف = 14 مارس 2022 }}</ref> ولمَّا عبر كونراد الثالث مع جُمُوعه البوسفور أرسل إليه الإمبراطور مُرشدين لِيصحبوه أثناء اجتياز الأناضول، وفي الوقت نفسه أرسل كِتابًا إلى السُلطان مسعود يحُثُّه فيه على اعتراض الحملة الصليبيَّة ومنعها من الوُصُول إلى قونية أو العُبُور نحو الشَّام إذ كان عمانوئيل مشهورًا بِازدواجيَّته السياسيَّة تجاه الصليبيين.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[إسحاق أرملة|أرملة، إسحٰق]]|عنوان= الحُرُوب الصليبيَّة في الآثار السُريانيَّة|صفحة= 125|سنة= [[1929]]|ناشر= المطبعة السُريانية الكاثوليكيَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>
[[ملف:الحروب الصليبية والدول الإسلامية المعاصرة لها.jpg|لاإطار|135بك|يمين]]
[[ملف:Charlemagne and Saracens.jpg|تصغير|اشتباك المُسلمين (يمينًا) مع الصليبيين في واقعة ضورليم الأُخرى.]]
 بُعيد عُبُوره بِقليل قرَّر كونراد الثالث ألَّا ينتظر مجيء الفرنجة وأن يسير نحو قونية ومنها إلى الشَّام، وهو يعتقد أنَّ أهالي القُرى والبلدات من الروم سيمُدُّون جيشه بِالمؤن والمتاع الضروريَّة، ولم يُدرك أنَّ السيادة البيزنطيَّة على تلك البلاد كانت اسميَّةً فقط، وأنَّ الحُكم الفعلي على الأرض كان لِلأُمراء والقادة التُرك التابعين لِلسُلطان السَلْجُوقي، وأنَّ هؤلاء سيحولون بين الصليبيين وبين أي مدد.<ref group="la">{{استشهاد بكتاب |الأخير= Nicolle |الأول= David |مؤلف-وصلة=:en:David Nicolle |عنوان= The Second Crusade 1148: Disaster outside Damascus |سنة= 2009 |ناشر= Osprey |مكان= London |isbn= 978-1-84603-354-4|صفحة=43, 46}}</ref> أضف إلى ذلك إساءة كونراد الثالث تقدير المسافة نحو قونية، ولم يُدرك مدى وُعُورة الطريق عبر الممرَّات الجبليَّة، فأُصيب جيشه بِالإرهاق والتعب، وعانى من نقصٍ في الإمدادات، فاضطرَّ الجُند إلى أكل دوابهم. وعلم السُلطان مسعود بِالحال السيِّئة التي كان يمُرُّ بها الصليبيُّون، فتراجع أمامهم وفق خطَّةٍ ذكيَّةٍ حتَّى وصلوا في تقدُّمهم إلى قلب فريجيا، وقد نشر جُندهُ على قمم الجبال المُحيطة بهم. ولمَّا وصل الصليبيُّون إلى تُخُوم [[معركة ضورليم الثانية|ضورليم داهمهم الجيش السَلْجُوقي]]، وكان قد استبدَّ بهم التعب والظمأ، فاختلَّت قيادتهم، وحاولوا الاحتماء في شعاب الجبال، لكنَّ السلاجقة أحاطوا بهم وأمطروهم وابلًا من السِّهام، وفقد الجُنُود الصليبيُّون ميزة استعمال السِّهام لِإبعاد المُسلمين، كما كانت خُيُولهم مُرهقة لقلَّة ما أُطعمت. عندئذٍ قرَّر كونراد الثالث الانسحاب والعودة من حيثُ أتى، لكنَّ السلاجقة لم يتركوه وشأنه، فهاجموا مُؤخرة جيشه ومُقدِّمته وقلبه، فدبَّت الفوضى في صُفُوفه، وتعرَّض أفراده لِأفدح الخسائر بين قتلٍ وأسر، فخسر الصليبيُّون تسعة أعشار الجيش،<ref group="la">{{استشهاد بكتاب |الأول=Ebru |الأخير=Altan |عنوان=Haçlı Seferleri Tarihi(History of the crusades |مسار= http://auzefkitap.istanbul.edu.tr/kitap/tarih_ao/hstarihi.pdf |لغة=tr|ناشر=İstanbul ÜNİVERSİTESİ AÇIK ve Uzaktan EĞİTİM FAKÜLTESİ  |سنة=2015|صفحة=120|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20201022112800/http://auzefkitap.istanbul.edu.tr/kitap/tarih_ao/hstarihi.pdf
  |تاريخ أرشيف=2020-10-22}}</ref> وأُصيب كونراد الثالث نفسه بِجُرحين، لكنَّهُ تمكَّن من الفرار ناجيًا بِحياته في حين غنم المُسلمون أثقالًا لا حصر لها، بحيث قال بعض المُؤرخين الغربيين نقلًا عن شُهُودٍ خبروا المعركة: «اغتنى التُرك لِكثرة ما غنموا من قطع الذهب والفضَّة المُتناثرة على الأرض كالحصى اللامعدود».<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1=[[ستيفين رونسيمان|رونسيمان، ستيڤن]]|مؤلف2=ترجمة:نور الدين خليل|عنوان=تاريخ الحملات الصليبيَّة|طبعة=الثانية|المجلد=الجُزء الثاني: مملكة القُدس والشرق الفرنجي|صفحة=310 - 311|سنة= [[1998]]|ناشر= [[الهيئة المصرية العامة للكتاب|الهيئة المصريَّة العامَّة لِلكتاب]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://archive.org/details/tarikh.al.hmlat.al.slibiah/tarikh.al.hmlat.al.slibiah02/page/n309/mode/2up}}</ref><ref group="la">{{استشهاد بكتاب|الأخير=Nicolle|الأول=David|مؤلف-وصلة=:en:David Nicolle|عنوان=The Second Crusade, 1148: Disaster Outside Damascus|سلسلة=Campaign|المجلد=204|سنة=2009|ناشر=Osprey Publishing|مكان=Botley, Oxford; New York|isbn=978-1-84603-354-4|صفحة=47}}</ref>

خِلال الوقت الذي كان يجري فيه القتال بين السلاجقة والصليبيين الألمان عبر الفرنجة البوسفور إلى آسيا الصُغرى، ووصلوا نيقية حيثُ علموا بِهزيمة كونراد وجُنُوده. ولم يلبث لويس السابع أن اجتمع بِنظيره الألماني وقرَّرا الزحف إلى الشَّام عبر الطريق الساحلي بعيدًا عن جوف سلطنة سلاجقة الروم، وأن يظلَّا داخل الأراضي البيزنطيَّة، لكنَّ هذه الرحلة كانت حافلة بِالصعاب أيضًا، إذ استمرَّ السلاجقة يُهاجمون الصليبيين ويفتكون بهم حتَّى أنهكوهم. ولمَّا بلغ الملكان مدينة أفسس ساءت صحَّة كونراد الثالث ممَّا اضطرَّه إلى العودة إلى القُسطنطينيَّة في حين تابع الملك لويس السابع طريقه، وعلى الرُغم من الاحتياطات التي اتخذها الملك سالف الذِكر، فقد فاجأه السُلطان مسعود في وادي مندريس، ودارت بين الطرفين رحى [[معركة وادي مندريس الأصغر|معركة قاسية]] استطاع الصليبيُّون خلالها شق طريقهم بِصُعُوبة ومُتابعة زحفهم نحو الشَّام، إلَّا أنَّ القبائل التُركُمانيَّة البدويَّة الضاربة في المنطقة أخذت تُطاردهم وتخطَّفت بِالقتل جُنُود المُؤخرة والشاردين والمرضى، ولم يُنجِ الجيش الصليبي من الفناء الشامل سوى هُبُوط الظلام حيثُ انسحب التُركُمان.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1=[[ستيفين رونسيمان|رونسيمان، ستيڤن]]|مؤلف2=ترجمة:نور الدين خليل|عنوان=تاريخ الحملات الصليبيَّة|طبعة=الثانية|المجلد=الجُزء الثاني: مملكة القُدس والشرق الفرنجي|صفحة=311 - 315|سنة= [[1998]]|ناشر= [[الهيئة المصرية العامة للكتاب|الهيئة المصريَّة العامَّة لِلكتاب]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://archive.org/details/tarikh.al.hmlat.al.slibiah/tarikh.al.hmlat.al.slibiah02/page/n311/mode/2up}}</ref>

=== توسُّع السلاجقة على حساب الصليبيين وتصفية كونتيَّة الرُّها ===
[[ملف:BattleOfInab.jpg|تصغير|يمين|اشتباك المُسلمين والصليبيين في معركة إنِّب.]]
بعد انتهائه من التصدِّي لِلصليبيين توجَّه السُلطان مسعود شرقًا لِيُساهم مع باقي الحُكَّام المُسلمين في تقطيع أوصال أراضي الصليبيين في كونتيَّة الرُّها لِيُؤمِّن لهُ موطئ قدمٍ في المنطقة، وكان ابنه [[قلج أرسلان الثاني|قلج أرسلان]] قد استغلَّ الكارثة التي حلَّت بِالصليبيين، فهاجم الأراضي التي ما زالت بِحوزتهم. وفي سنة [[543 هـ|543هـ]] المُوافقة لِسنة [[1148]]م وصل السُلطان مسعودٌ إلى الرُّها وتسلَّم قيادة الجيش السَلْجُوقي. وبعد دراسة الوضعين السياسي والعسكري قرَّر القيام بِهُجُومٍ على [[مرعش (مدينة)|مرعش]]، فتصدَّى لهُ [[ريموند الثاني أمير أنطاكية|ريموند پواتييه أمير أنطاكية]]؛ فما كان من السُلطان السَلْجُوقي إلَّا أن طلب من أمير حلب [[نور الدين زنكي|نور الدين محمود زنكي]] مُهاجمة مُمتلكات ريموند حتَّى يُخفِّف الضغط عن قُوَّاته. استجاب أمير حلب لِهذا الطلب، واجتاح القُرى التابعة لِأنطاكية،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ الزنكيين في الموصل وبلاد الشام|طبعة= الثانية|صفحة= 261|سنة= [[1431 هـ|1431هـ]] - [[2010]]م |ناشر= دار النفائس|ردمك= 9789953183169|تاريخ الوصول= [[29 أبريل|29 نيسان (أبريل)]] [[2018]]م|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار=https://archive.org/stream/FP144671/144671#page/n259/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20191216200413/https://archive.org/stream/FP144671/144671 | تاريخ أرشيف = 16 ديسمبر 2019}}</ref>
وأثناء حملته هاجم [[علي بن وفا|عليّ بن وفا الكُردي]] -زعيم [[الحشاشون|الحشيشيَّة]] وحليف الصليبيين- مدينة [[أفاميا|أفامية]] الواقعة على الطريق بين أنطاكية ومرعش، فاضطرَّ نور الدين محمود إلى التراجع لِلتصدي له، وسُرعان ما خرج ريموند پواتييه نفسه وانضمَّ إلى حُلفائه الحشَّاشين في سبيل دفع المُسلمين بعيدًا عن إمارته. والتقى الجمعان في المُنخفض قُرب عين مُراد في السهل الواقع بين إنِّب ومُستنقع الغاب، فدارت بينهما رحى [[معركة أنب|معركةٍ شديدة]] انتصر فيها المُسلمون ودُمِّر الجيش الصليبي تدميرًا، ولقي كُلٌ من ريموند پواتييه وعليّ بن وفا مصرعهما، فكان ذلك نصرًا إسلاميًّا واضحًا ابتهج به المُسلمون ابتهاجًا كبيرًا في كُلٍ من الشَّام والعراق ومصر والأناضول.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن القلانسي|ابن القلانسي، أبو يعلى حمزة بن أسد بن علي بن مُحمَّد التميمي]]|عنوان= ذيل تاريخ دمشق|صفحة= 304 - 305|سنة= [[1908]]|ناشر= مطبعة الآباء اليسوعيين|تاريخ الوصول= [[29 أبريل|29 نيسان (أبريل)]] [[2018]]م|مكان= [[بيروت]] - [[الدولة العثمانية|الدولة العُثمانيَّة]]|مسار= https://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/a/ac/تاريخ_ابن_القلانسي.pdf|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20180406163451/https://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/a/ac/تاريخ_ابن_القلانسي.pdf|تاريخ أرشيف=2018-04-06}}</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن العبري|ابن العبري، أبو الفرج گريگوريوس بن هٰرون الملطي]]|عنوان= تاريخ مُختصر الدُول|صفحة= 360|تاريخ الوصول= [[29 أبريل|29 نيسان (أبريل)]] [[2018]]م|مسار= https://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/2/21/تاريخ_ابن_العبري.pdf|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20180419053328/https://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/2/21/تاريخ_ابن_العبري.pdf|تاريخ أرشيف=2018-04-19}}</ref> بعد مقتل ريموند پواتييه وفشل نور الدين محمود في استرداد أنطاكية لِلمُسلمين التفت إلى مُشاركة القوى الإسلاميَّة الأُخرى بِاسترجاع ما تبقَّى من كونتيَّة الرُّها، وبِخاصَّةٍ المعاقل الواقعة شرقيّ [[نهر العاصي]] في الوقت الذي ضيَّق فيه مسعود الحصار على مرعش قبل أن يدخلها، وأعلنت الحامية التي تركها [[جوسلين الثاني كونت الرها|جوسلين الثاني قُمَّس الرُّها]] ولاءها لِلسلاجقة. والمعروف أنَّ جوسلين الثاني استغلَّ مقتل صهره ريموند صاحب مرعش لِيستولي على المدينة. ثُمَّ حدث أن طارد مسعود جوسلين الثاني حتَّى أطراف [[تل باشر]]، وهزم القُوَّات الصليبيَّة التي اعترضته، واسترجع لِلمُسلمين عدَّة قلاع تقع على الطريق نفسه مثل [[عنتاب|عينتاب]] ودُلُوك ثُمَّ ضرب الحصار على تل باشر،<ref group="la">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= Matthieu d'Edesse |عنوان= Chronique de Matthieu d'Édesse |صفحة= 330 - 331|سنة= [[1858]]|مكان= [[باريس|Paris]]|لغة= fr|مسار=https://gallica.bnf.fr/ark:/12148/bpt6k57063225/f369.item| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210117003651/https://gallica.bnf.fr/ark:/12148/bpt6k57063225/f369.item | تاريخ أرشيف = 17 يناير 2021}}</ref> لكنَّهُ لم يأخذها بعدما تدخَّل نور الدين محمود وأشار على حليفه السَلْجُوقي بِمُسالمة جوسلين الثاني -الذي كان قد أعلن خُضُوعه للزنكيين ولاذ بِأميرهم- فاستجاب السُلطان مسعود لِهذا الطلب مُقابل أن يُطلق جوسلين جميع أسراه من المُسلمين. ولم يلبث جوسلين أن خرق الصُلح بينه وبين نور الدين محمود سنة [[544 هـ|544هـ]] المُوافقة لِسنة [[1150]]م، فما كان من الأخير إلَّا أن جمع جُنُوده وسار لِقتال الأمير الصليبي، فهزمه وانتزع منه [[أعزاز]]، ولم يلبث صاحب الرُّها أن وقع في أيدي بعض التُركمان نتيجة كمينٍ نصبوه له، فأرسلوه إلى نور الدين الذي أمر بِسجنه في [[قلعة حلب]] بعد أن سمل عينيه، ومات في سجنه هذا بعد تسع سنواتٍ، أي سنة [[554 هـ|554هـ]] المُوافقة لِسنة [[1159]]م.<ref group="la">{{استشهاد بكتاب |الفصل=The Growth of the Latin States, 1118-1144 |الأول=Robert L. |الأخير=Nicholson |عنوان=A History of the Crusades |المجلد=Vol. I |محرر-الأول=Kenneth M. |محرر-الأخير=Setton |ناشر=University of Wisconsin Press |سنة=1969 |صفحة=517 & 533}}</ref><ref name="تل باشر">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن القلانسي|ابن القلانسي، أبو يعلى حمزة بن أسد بن علي بن مُحمَّد التميمي]]|عنوان= تاريخ دمشق|طبعة= الأولى|صفحة= 480 - 489|سنة= [[1403 هـ|1403هـ]] - [[1983]]م |ناشر= دار حسَّان للطباعة والنشر |مكان= [[دمشق]] - [[سوريا]]|مسار=https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=https://books-library.online/files/download-pdf-ebooks.org-1535836264-222.pdf&hl=ar| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201225230924/https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=https://books-library.online/files/download-pdf-ebooks.org-1535836264-222.pdf&hl=ar | تاريخ أرشيف = 25 ديسمبر 2020}}</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[أبو شامة المقدسي|المقدسي، أبو شامة شهاب الدين عبد الرحمٰن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عُثمان]]|عنوان= الروضتين في أخبار الدولتين النوريَّة والصلاحيَّة |طبعة= الأولى|المجلد=الجُزء الأوَّل|صفحة= 246 - 247|سنة= [[1418 هـ|1418هـ]] - [[1997]]م|ناشر= مؤسسة الرسالة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار=https://ia801308.us.archive.org/12/items/FP43676/01_43676.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20191216200420/https://ia801308.us.archive.org/12/items/FP43676/01_43676.pdf | تاريخ أرشيف = 16 ديسمبر 2019}}</ref>[[ملف:Map County of Edessa 1098-1131-ar.svg|تصغير|خريطة تُصوِّرُ تبدُّل حُدُود كونتيَّة الرُّها مُنذُ قيامها وحتَّى سُقُوطها على يد المُسلمين بِالإضافة لِموقع أبرز البلاد التي كانت تتبعها، والتي تقاسمها المُسلمون فيما بينهم.]]
استغلَّ مسعود اختفاء جوسلين الثاني عن المسرح السياسي تاركًا ما تبقَّى من كونتيَّة الرُّها دون مُدافع، فاجتاح أراضي كيسوم وبهسنا ورعبان في شماليّ الكونتيَّة، وأعطاها لِابنه قلج أرسلان. ولم يُبدِ الغربيون من الذين استوطنوا هذه البقاع أي مُقاومة، وخرج من رغب منهم لاجئًا إلى عينتاب وتل باشر، وكانت هذه الأخيرة بِإمرة [[جوسلين الثالث كونت الرها|جوسلين الثالث]] ابن جوسلين الثاني، ثُمَّ حاصر تل باشر، وشاركه نور الدين محمود في عمليَّة الحصار هذه.<ref name="تل باشر"/> وراحت الجُيُوش الإسلاميَّة تزيدُ من ضغطها على المدينة ممَّا دفع القُمَّسة بياترس -زوجة جوسلين الثاني والوصيَّة على جوسلين الثالث- لأن تُحاول بيع ما تبقَّى من أراضي الكونتيَّة إلى الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة لِعدم قدرة الصليبيين على الاحتفاظ بها أمام القُوَّة الإسلاميَّة المُتنامية، فوافق الإمبراطور عمانوئيل على هذا العرض ما دفع المُسلمين إلى فك حصارهم والانسحاب. وتسلَّم البيزنطيُّون بلاد تل باشر والراوندان و[[سميساط]] وعينتاب ودُلُوك و[[البيرة (أورفة)|البيرة]]. ولم يلبث عمانوئيل أن أدرك بعد قليلٍ من الوقت أنَّ هذه الحُصُون ثقيلة العبء، وتحتاج إلى جُهدٍ كبيرٍ لِلمُحافظة عليها والاحتفاظ بها، نظرًا لِبُعدها عن مركز الإمبراطوريَّة من جهة، ولِوُقُوعها وسط أراضي المُسلمين من جهةٍ أُخرى، هذا في الوقت الذي كانت فيه الإمبراطوريَّة تُعاني تهديدًا مُستمرًّا من جانب النورمان في [[مملكة صقلية|صقلية]] ممَّا جعلها عاجزة عن الاهتمام بِهذه الأطراف الشرقيَّة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصُغرى 470 - 704هـ / 1077 - 1304م|طبعة= الأولى|صفحة= 153 - 154|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|isbn = 9953180474|مسار=https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20220314110714/https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf | تاريخ أرشيف = 14 مارس 2022 }}</ref> استغلَّ المُسلمون تدهور الأوضاع السياسيَّة في المنطقة، وراحوا يُهاجمون الحُصُون المذكورة، فسقطت في أيديهم إثر عمليَّاتٍ مُتلاحقة، وتقاسموها على الشكل التالي: أخذ السُلطان مسعود مرعش ورعبان وكيسوم ودُلُوك وبيت الحصن وعينتاب، وكان من نصيب نور الدين محمود كُلٌ من أعزاز والراوندان وتل باشر في حين أخذ أمير ماردين [[الدولة الأرتقية|الأرتقي]] تيمورطاش بن [[إيلغازي بن أرتق|إيلغازي]] سميساط والبيرة وكفرسوت، وغنم أمير [[حصن كيفا]] فخر الدين قرەأرسلان بن داود بابولا و[[يوكسكوفا|كركر]] وكاختي و[[حصن منصور]].<ref name="تل باشر"/> وبِذلك زالت كونتيَّة الرًّها الصليبيَّة من الوُجُود، وعادت تحت جناح الإسلام، وأضحى لِسلاجقة الروم موطئ قدمٍ غربيّ الفُرات.

=== الصراعات في الأناضول ===

[[ملف:Cilician Armenia-ar.svg|تصغير|يمين|خريطة لِقيليقية الأرمنيَّة حيثُ أقام طوروس الثاني لِنفسه مُلكًا.]]

في الوقت الذي كان فيه المُسلمون يعملون جاهدين على استرجاع المناطق التي آلت إلى الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة من بقيَّة كونتيَّة الرُّها، كان الأمير الأرمني [[ثوروس الثاني أمير أرمينيا الصغرى|طوروس الثاني]] يقود ثورةً أرمنيَّةً على ما تبقَّى من النُفُوذ البيزنطي في قيليقية. والمعروف أنَّ طوروس هذا كان أسيرًا لدى الروم في القُسطنطينيَّة، ثُمَّ هرب من سجنه في سنة [[538 هـ|538هـ]] المُوافقة لِسنة [[1143]]م، ولجأ إلى ابن خاله جوسلين الثاني قُمَّس الرُّها، وجمع حوله عددًا من الأرمن نظَّم منهم جيشًا مُؤلَّفًا من عشرة آلاف مُقاتل، واستطاع أنَّ يسترد قلعة «واهكة» معقل أُسرته في [[جبال طوروس]]، وأوقع بِالروم الساكنين في تلك البلاد مذبحة كبيرة.<ref name="أستارجيان">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= أستارجيان، ك. أ|عنوان= تاريخ الأُمَّة الأرمنيَّة|صفحة= 211 - 212|سنة= [[1951]]|ناشر= مطبعة الاتحاد الجديدة|مكان= [[الموصل]] - [[المملكة العراقية|العراق]]|مسار=http://dlib.nyu.edu/files/books/aub_aco000336/aub_aco000336_hi.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210118010832/http://dlib.nyu.edu/files/books/aub_aco000336/aub_aco000336_hi.pdf | تاريخ أرشيف = 18 يناير 2021}}</ref> وما إن علم الإمبراطور عمانوئيل بِفرار طوروس وعودته إلى قيليقية، وما فعلهُ بِأهلها الأروام، وبِازدياد نُفُوذه حتَّى نهض لِلثأر منه وإعادة هيبة الإمبراطوريَّة، فأرسل جيشًا بِقيادة ابن عمِّه [[أندرونيكوس الأول كومنينوس|أندرونيقوس]] مُؤلَّفًا من اثني عشر ألف مُقاتل لِتأديب طوروس الثاني واسترداد ما استولى عليه، إلَّا أنَّهُ فشل في تحقيق أي نصر، وتعرَّض لِهزيمةٍ قاسيةٍ على يد القُوَّات الأرمنيَّة، فانسحب بِفُلُول جيشه إلى أنطاكية.<ref name="أستارجيان"/> والواضح أنَّ عمانوئيل عجز عن إخضاع الأرمن الذين أحكموا سيطرتهم على مُدن قيليقية مثل [[سيس]] و[[عين زربة]] و[[أضنة]] و[[طرسوس]]، لكنَّ الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة لم يكن بإمكانها أن تتنازل بِسُهُولةٍ عن قيليقية لِيستقلَّ بها الأرمن نظرًا لِأهميَّتها العسكريَّة والسياسيَّة، فالمنطقة تتحكَّم في المعابر من وإلى الشَّام، كما تُعدُّ خط الدفاع الأوَّل عن الإمبراطوريَّة من ناحية الجنوب الشرقي، فإن تداعى النُفُوذ البيزنطي في هذه الناحية كانت تلك من أعظم المصائب، لِذلك راح عمانوئيل يبحث عمَّن يقوم مقامه في إخضاع طوروس الثاني، فلم يجد سوى السُلطان السَلْجُوقي مسعود الذي كان مُتلهِّفًا لِلتدخُّل في قيليقية. وسبب هذا أنَّ الأمير الأرمني كان قد اجتاح قبادوقية في سنة [[548 هـ|548هـ]] المُوافقة لِسنة [[1153]]م مُتشجعًا بِالنصر الذي أحرزه على البيزنطيين ومُستغلًّا صغر سن الأمير الدانشمندي «ذي القرنين»، فهاجم ملطية وعاد محمَّلًا بالغنائم والأسرى. فرأى الإمبراطور البيزنطي في ذلك فُرصةً لِيضرب القوى المُختلفة في آسيا الصُغرى بِالتحالف مع إحداها أو ضمِّها إلى جانبه، لِيضرب بها القوى الأُخرى -التي تكون سياستها مُعادية لِلسياسة الروميَّة- ممَّا يُضعفها ويدعم في الوقت نفسه نُفُوذ الإمبراطوريَّة.<ref name="طوروس">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= عمران، محمود سعيد|عنوان= السياسة الشرقيَّة لِلإمبراطوريَّة البيزنطيَّة في عهد الإمبراطور مانويل الأوَّل 1143 - 1180م|صفحة= 194 - 196|سنة= [[1985]]|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار=https://archive.org/details/Librosbooks86_gmail_SAO/page/n199/mode/2up}}</ref>
{{شريط جانبي تاريخ تركيا}}
أرسل الإمبراطور البيزنطي إلى السُلطان مسعود يعرض عليه الأموال والهدايا ويُشجِّعه على مُهاجمة طوروس. ولمَّا كان مسعود مُهيَّأ لِلانتقام من الأمير الأرمني لِما فعله بِالمُسلمين، فقد حشد قُوَّاته وتقدَّم بها إلى قيليقية مُعتمدًا على الدعم البيزنطي وعلى سُمعة السلاجقة التي كانت تُلقي الرُعب في قُلُوب الأرمن. ومن المُتفق عليه بين المُؤرخين -الذين عاصروا تلك الفترة كميخائيل السُرياني وجرجير الأرمني- أنَّ السلاجقة والأرمن لم يشتبكوا في أي معركة، وإنَّما أرسل السُلطان السَلْجُوقي مُفاوضين إلى طوروس أخبره أنَّهُ لا ينوي تخريب الديار الأرمنيَّة، وإنَّما هو يُطالب بِإعادة الأراضي الروميَّة إلى الإمبراطور البيزنطي، وأن يدخل الأمير الأرمني في تبعيَّة السلاجقة. وافق طوروس على الخُضُوع لِسيادة السُلطان، لكنَّهُ رفض إعادة الأراضي التي استولى عليها مُؤخرًا إلى الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة، ولمَّا كان مسعود حريصًا على إخضاع الأرمن لِسُلطته، فقد وافق على هذه الشُرُوط دون أي اشتباك.<ref name="طوروس"/> أمام هذا الواقع اضطرَّ الإمبراطور البيزنطي إلى الاستعانة بِالصليبيين في أنطاكية وأميرهم [[أرناط]] لِإخضاع الأرمن. وافق أرناط بدايةً ثُمَّ لم يلبث أن بدَّل سياسته بِسبب خِلافٍ ماليٍّ مع الإمبراطور، فانقلب عليه وصالح طوروس، الذي استأنف حملاته ضدَّ ما تبقَّى في أيدي البيزنطيين من حُصُونٍ في قيليقية.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصُغرى 470 - 704هـ / 1077 - 1304م|طبعة= الأولى|صفحة= 157 - 158|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|isbn = 9953180474|مسار=https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20220314110714/https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf | تاريخ أرشيف = 14 مارس 2022 }}</ref> لم ييأس عمانوئيل بعد فشل جُهُوده في إخضاع طوروس الثاني، ودخل في مُفاوضاتٍ جديدةٍ مع مسعود في سنة [[549 هـ|549هـ]] المُوافقة لِسنة [[1154]]م، وأغراه بِالمال لِمُحاربة الأمير الأرمني، فوافق مسعود على رغبة الإمبراطور، وجمع جيشًا كبيرًا زحف فيه على قيليقية وأخذ السُكَّان على حين غرَّة، لكنَّهُ أخفق في فتح أي مدينة، ثُمَّ تعرَّض لِهزيمةٍ قاسيةٍ على يد طوروس رافقها انتشارُ الوباء بين الجُند المُسلمين، فاضطرَّ أن يقفل ويعود إلى قونية حيثُ تُوفي بعد أشهُرٍ قليلة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= عمران، محمود سعيد|عنوان= السياسة الشرقيَّة لِلإمبراطوريَّة البيزنطيَّة في عهد الإمبراطور مانويل الأوَّل 1143 - 1180م|صفحة= 197 - 200|سنة= [[1985]]|ناشر= [[دار المعارف]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار=https://archive.org/details/Librosbooks86_gmail_SAO/page/n203/mode/2up}}</ref> خلف [[قلج أرسلان الثاني|قلج أرسلان]] أباه مسعودًا، ولم يكد يتربَّع على عرش السلاجقة حتَّى هبَّت في وجهه عدَّة مُشكلات تمثَّلت بِثورة أخيه شاهنشاه، وطمع الدانشمنديين والزنكيين في أملاكه، ورغبة الأرمن في الانتقام من السلاجقة بِسبب حملتهم على قيليقية، وقرار الإمبراطور البيزنطي أن يعمل على استعادة أملاك الروم في آسيا الصُغرى. وقد هدَّدت هذه المُشكلات السلطنة بِالزوال، فكان على قلج أرسلان أن يهبَّ لِلدفاع عن دولته ويتصدَّى لِلقوى التي تُهددها كي يضمن لها البقاء.

كان أوَّل ما فعله قلج أرسلان أن توجَّه لِقتال الدانشمنديين الذين ساندوا أخاه شاهنشاه، لكن حال دون ذلك سعي الملك العادل نور الدين محمود زنكي في مُصالحة الطرفين، فجمع أُمراء المُسلمين وتدخَّل الجميع بين السُلطان السَلْجُوقي والأمير الدانشمندي «ياغي أرسلان»، وأقنعوهما أنَّ هذا الخلاف سيُضعف الجبهة الإسلاميَّة ويُقوِّي الصليبيين والبيزنطيين على حساب المُسلمين ويدفعهم إلى مُهاجمة المعاقل الإسلاميَّة. وبالغ نور الدين في توسُّطه وبذل التحف والمُلاطفات حتَّى أصلح الأحوال، وارتدَّ كُلُّ طرفٍ إلى دولته.<ref name="القلانسي">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن القلانسي|ابن القلانسي، أبو يعلى حمزة بن أسد بن علي بن مُحمَّد التميمي]]|عنوان= تاريخ دمشق|طبعة= الأولى|صفحة= 510 - 511|سنة= [[1403 هـ|1403هـ]] - [[1983]]م |ناشر= دار حسَّان للطباعة والنشر |مكان= [[دمشق]] - [[سوريا]]|مسار=https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=https://books-library.online/files/download-pdf-ebooks.org-1535836264-222.pdf&hl=ar| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201225230924/https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=https://books-library.online/files/download-pdf-ebooks.org-1535836264-222.pdf&hl=ar | تاريخ أرشيف = 25 ديسمبر 2020}}</ref> ويبدو أنَّ ياغي أرسلان لم يرغب بِالصُلح إلَّا شكليًّا إذ سُرعان ماهاجم مُمتلكات السلاجقة مرَّة أُخرى، وبِنيَّته مُضايقة قلج أرسلان وإزاحته عن الحُكم وإحلال أخيه شاهنشاه مكانه -الذي هو صهر ياغي أرسلان- فكان من نتيجة ذلك أن توجَّه قلج أرسلان لِقتال الدانشمنديين، لكنَّ هذه الخُصُومة بين البيتين التُركيين لم يُقدَّر لها أن تتمادى بِسبب الظُرُوف السياسيَّة المُتمثلة بِغزو الأرمن لِلأراضي السَلْجُوقيَّة، فتدخَّل العُلماء وكبار ساسة الدولتين وتمكنوا من عقد الصُلح بين العاهلين المُسلمين.<ref name="القلانسي"/><ref name="صراعات">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصُغرى 470 - 704هـ / 1077 - 1304م|طبعة= الأولى|صفحة= 163 - 165|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|isbn = 9953180474|مسار=https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20220314110714/https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf | تاريخ أرشيف = 14 مارس 2022 }}</ref> بعد عقد الصُلح تفرَّغ السُلطان إلى الدفاع عن بلاده ضدَّ الأرمن والروم، فصالح الأولين بعد أن انكفؤوا نظرًا لأنهم لم يتمكنوا من تحقيق انتصارٍ بارزٍ على السلاجقة، ثُمَّ هاجم المُمتلكات البيزنطيَّة، ففتح [[سليقية]] و[[قرمان|لارندة]] الواقعتين في الجزء الجنوبي الشرقي من آسيا الصُغرى في حين توسَّع الدانشمنديون شمالًا في بلاد [[بنطس|البنطس]]، ففتحوا مدينتَيْ يونة و[[بافرة]]. ويبدو أنَّ سياسة الإمبراطور عمانوئيل في هذه المرحلة كانت تقضي بِمُحاربة الأرمن بِدليل أنَّهُ صالح السلاجقة والدانشمنديين مُضحيًا بِبعض الأموال والهدايا لِإرضائهم، ومُتخذهم حاجزًا بينه وبين مملكة قيليقية.<ref name="صراعات"/>
[[ملف:Crusades surprised by turks.jpg|تصغير|السلاجقة يُمطرون وابلًا من الصُخُور والسهام على البيزنطيين في معبر ميريوكيفالون.]]
دام الصُلح بين البيزنطيين والسلاجقة نحوًا من سنة، ولم يلبث عمانوئيل أن عاد لِحرب قلج أرسلان في أواخر سنة [[554 هـ|554هـ]] المُوافقة لِسنة [[1159]]م مُغترًّا بالنصر الذي حقَّقه على الأرمن في قيليقية وتمكُّنه من استعادة تلك البلاد للإمبراطوريَّة. وخلال الفترة المُمتدَّة بين سنتَيْ [[554 هـ|554]] و[[557 هـ|557هـ]] المُوافقة لِما بين سنتَيْ [[1159]] و[[1161]]م حمل عمانوئيل عدَّة حملاتٍ على الأناضول تُوِّجت بِانتصاره على السلاجقة، وفرضه مُعاهدة سلامٍ تضمَّنت شُرُوطًا قاسيةً لِلصُلح، وأوقفت التوسُّع السَلْجُوقي في آسيا الصُغرى على حساب البيزنطيين، وأظهرت السُلطان قلج أرسلان بِمظهر التابع لِلإمبراطور.<ref group="la">{{استشهاد بكتاب | الأخير=Rogers | الأول=Clifford J. | عنوان=The Oxford Encyclopedia of Medieval Warfare and Military Technology: Vol. 1 | ناشر = Oxford University Press | مكان = Oxford | سنة = 2010 | isbn = 978-0195334036|صفحة=290|مسار=https://books.google.com.lb/books?redir_esc=y&id=mzwpq6bLHhMC&q=Kilij+Arslan#v=onepage&q=Kilij%20Arslan&f=false| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210121011537/https://books.google.com.lb/books?redir_esc=y&id=mzwpq6bLHhMC&q=Kilij+Arslan | تاريخ أرشيف = 21 يناير 2021}}</ref><ref group="la">{{استشهاد بكتاب | الأخير=Heath | الأول=Ian| عنوان=Byzantine Armies 1118–1461 AD (Illustrated by Angus McBride) | وصلة=https://archive.org/details/byzantinearmies10000heat | ناشر=Osprey Publishing| سنة=1995 | isbn=1-85532-347-8|صفحة=[https://archive.org/details/byzantinearmies10000heat/page/4 4]}}</ref><ref group="la">{{استشهاد بموسوعة |الأخير= Cahen |الأول= Cl |موسوعة = Encyclopaedia of Islam|عنوان=  Ḳi̊li̊d̲j̲ Arslan II|مسار= http://dx.doi.org/10.1163/1573-3912_islam_SIM_4364|تاريخ= [[2012]]|ناشر= BRILL |سلسلة= Handbook of Oriental Studies |طبعة=الثانية|isbn=9789004161214 | مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210122005714/https://referenceworks.brillonline.com/entries/encyclopaedia-of-islam-2/*-SIM_4364 | تاريخ أرشيف = 22 يناير 2021}}</ref> استغلَّ قلج أرسلان فترة الصُلح القائمة بينه وبين الإمبراطور البيزنطي لِيُوطِّد دعائم مُلكه بِانتظار انحلال الحلف الذي كان عمانوئيل قد أحاطه به. وخِلال الفترة المُمتدَّة بين سنتَيْ [[560 هـ|560]] و[[570 هـ|570هـ]] المُوافقة لِما بين سنتَيْ [[1164]] و[[1174]]م تمكَّن قلج أرسلان من القضاء على إمارة سيواس الدانشمنديَّة وضمَّ مُعظهما إلى سلطنته، وأجبر أميرها «ذا النون» على الالتجاء إلى القُسطنطينيَّة، وبِهذا لم يبقَ في يد الدانشمنديين سوى إمارة ملطية. وأحسَّ عمانوئيل بِقصر نظره وتقصيره في حقل سياسة الأناضول إذ إنَّه أتاح لِلسُلطان أن يُوحِّد المُسلمين في تلك البلاد بعد أن تفرَّقوا وتخاصموا، فقرَّر إعادة الوضع إلى ما كان عليه بِالقُوَّة، وأرسل في أواخر سنة [[571 هـ|571هـ]] المُوافقة لِربيع سنة [[1176]]م جيشًا كبيرًا بلغ تعداد أفراده نحو ثلاثين ألفًا إلى شرقيّ الأناضول لإعادة ذي النون إلى مُلكه، وقام هو بِمُعظم الجيش إلى قونية لِيدُكَّها دكًّا مُستصغرًا شأن السلاجقة الذين سبق له أن هزمهم وفرض عليهم صُلحًا مُذلًّا. وما إن عبر البيزنطيُّون ممرًا جبليًّا ضيِّقًا بعد حصنٍ خربٍ يُعرف بِـ«حصن ميريوكيفالون» {{لغة-يونانية|Μυριοκέφαλου}} حتَّى انقضَّ عليهم السلاجقة من أعالي التلال، فأبادوا مُؤخرة الجيش، ولم يتمكَّن الروم من التراجع أو التقدُّم بِحُريَّة نظرًا لِضيق الممر، فوقعت بهم [[معركة ميريوكيفالون|كارثة حقيقيَّة]]، وأجهز المُسلمون على رُبع الجيش الباقي، وفرَّ الإمبراطور ناجيًا بِحياته، واضطرَّ أن يُصالح السلاجقة ويتنازل لهم عن حصنَيْ ضورليم وسوبليون.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[أسد رستم|رُستم، أسد]]|عنوان= الروم في سياستهم وحضارتهم ودينهم وثقافتهم وصلاتهم بالعرب|صفحة= 444|سنة= [[2018]]|ناشر= [[مؤسسة هنداوي|مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة]]|مكان= [[وندسور]] - [[المملكة المتحدة]]|isbn =9781527315785|مسار= https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=https://ebooksstream.com/d_pdfs/kutub-pdf.net_ReK77pM.pdf|مسار أرشيف=https://archive.today/20210122033300/https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=https://ebooksstream.com/d_pdfs/kutub-pdf.net_ReK77pM.pdf|تاريخ أرشيف=2021-01-21}}</ref><ref group="la">{{استشهاد |الأخير=Hendy |الأول=Michael|سنة=1985 |عنوان=Studies in the Byzantine Monetary Economy c. 300–1450 |ناشر=Cambridge University Press |مكان=Cambridge |isbn=0-521-24715-2|صفحة=128}}</ref> استثمر السُلطان السَلْجُوقي انتصاره لِلتدليل على إيمانه، بعد أن اتُّهم بِاعتناق [[فلسفة إسلامية|مذهب الفلاسفة]] والتقاعد عن الجهاد في سبيل الله ونُصرة الإسلام، فأرسل قسمًا من الغنائم إلى الخليفة العبَّاسي [[حسن المستضيء بأمر الله|الحسن المُستضيء بِأمر الله]]، ومدحهُ الشُعراء على أنَّهُ بطل الإسلام والمُسلمين.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصُغرى 470 - 704هـ / 1077 - 1304م|طبعة= الأولى|صفحة= 191|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|isbn = 9953180474|مسار=https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20220314110714/https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf | تاريخ أرشيف = 14 مارس 2022 }}</ref> والحقيقة أنَّهُ أضحى بِانتظاره هذا أقوى شخصيَّة في آسيا الصُغرى دون مُنازع، ولمَّا أمن الجبهة البيزنطيَّة، التفت نحو الشرق لِلقضاء على آخر إمارة دانشمنديَّة في ملطية وتوحيد المُسلمين في الأناضول تحت قيادته.
[[ملف:Seljuk Sultanate of Rum 1190 Locator Map.svg|تصغير|يمين|دولة سلاجقة الروم عند هيمنتها على الأناضول بُعيد زوال الإمارة الدانشمنديَّة (1177).]]
شنَّ قلج أرسلان هُجُومًا عنيفًا على ملطية في سنة [[573 هـ|573هـ]] المُوافقة لِسنة [[1177]]م، وضرب عليها حصارًا مُركَّزًا مُستغلًّا الخضَّات السياسيَّة الداخليَّة التي كانت قد نشبت داخل الإمارة، ودام الحصار السَلْجُوقي لِلمدينة مُدَّة أربعة أشهر تعرَّض السُكَّان خلالها لِلضيق بِفعل تناقص الأقوات وحُلُول فصل الشتاء، وعجز الأمير الدانشمندي ناصر الدين مُحمَّد عن التخفيف من هذه الضائقة، كما أخفق في صد القُوَّات السَلْجُوقيَّة، وخشي من ثورة الأُمراء عليه، لِذلك أرسل إلى قلج أرسلان يعرض عليه تسليم المدينة مُقابل السماح لهُ بِالنجاة بِنفسه. وافق السُلطان على ذلك، فخرج ناصر الدين مُحمَّد إلى حصن زياد القريب من ملطية، ودخل قلج أرسلان إلى المدينة يوم [[29 ربيع الآخر]] [[573 هـ|573هـ]] المُوافق فيه [[25 أكتوبر|25 تشرين الأوَّل (أكتوبر)]] [[1177]]م. وبِذلك سقطت آخر إمارة دانشمنديَّة، ولم يعد في بلاد الأناضول من دولةٍ إسلاميَّةٍ سوى دولة سلاجقة الروم.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصُغرى 470 - 704هـ / 1077 - 1304م|طبعة= الأولى|صفحة= 197|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|isbn = 9953180474|مسار=https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20220314110714/https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf | تاريخ أرشيف = 14 مارس 2022 }}</ref> التفت قلج أرسلان -بعد قضائه على الإمارة الدانشمنديَّة- إلى التوسُّع بِاتجاه الجنوب لِضم رعبان وكيسوم. وفي تلك الفترة كان نور الدين محمود زنكي قد توفي، وخلفه ابنه [[الصالح إسماعيل]] في حلب ودمشق، وتابعه وربيبه [[صلاح الدين الأيوبي|يُوسُف بن نجم الدين الأيُّوبي (صلاح الدين)]] في [[تاريخ مصر الإسلامية|مصر]]، ويبدو أنَّ قلج أرسلان كان ينوي التدخُّل في أُمُور الشَّام، ويُؤمِّن له طريقًا نحو الفُرات، وهذه سياسة سَلْجُوقيَّة عامَّة ابتدأت مع مُؤسس السلطنة سُليمان بن قُتلُمُش مُستغلًّا بُرُود العلاقات بين السُلطان صلاح الدين والصالح إسماعيل. وحتَّى لا يبدو بِمظهر المُعتدي أمام المُسلمين أرسل رسولًا إلى دمشق اجتمع بِصلاح الدين وطلب منه الحصنين بِحُجَّة أنَّهُما كانا سابقًا من أملاك سلاجقة الروم، ضمَّهما والده مسعود، ثُمَّ اضطرَّ أن يتنازل عنهما لِنُور الدين محمود. أبى صلاح الدين هذا الطلب، فما كان من قلج أرسلان إلَّا أن هاجم حصن رعبان في سنة [[575 هـ|575هـ]] المُوافقة لِسنة [[1179]]م، فأرسل صلاح الدين أمير [[حماة]] تقي الدين عُمر بن شاهنشاه الأيوبي لِحرب السلاجقة، فهزمهم هزيمةً نكراء وأسر كثيرًا منهم، لكنَّهُ عاد وأطلق سراحهم، وعاد قلج أرسلان إلى ملطية يجر أذيال الهزيمة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[المنصور محمد بن عمر|الأيُّوبي، مُحمَّد بن تقي الدين عُمر بن شاهنشاه]]|عنوان= مضمار الحقائق وسر الخلائق|طبعة= الأولى|صفحة= 18 - 19|سنة= [[1968]]|ناشر= عالم الكُتُب|مكان= [[القاهرة]] - [[الجمهورية العربية المتحدة|مصر]]|مسار=https://archive.org/details/MidhmarAlhahaqeq/page/n39/mode/2up}}</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن واصل|ابن واصل، أبو عبد الله مُحمَّد بن سالم بن نصر الله المازني التميمي الحموي الشافعي]]|عنوان= مُفرِّج الكُروب في أخبار بني أيُّوب |صفحة= 79|المجلد=المُجلَّد الثاني|سنة= [[1377 هـ|1377هـ]] - [[1957]]م|ناشر= [[دار الكتب والوثائق القومية (مصر)|دار الكُتُب والوثائق القوميَّة]] |مكان= [[القاهرة]] [[مصر]]|مسار= https://ia801308.us.archive.org/26/items/FP42193/02_42194.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830225129/https://ia801308.us.archive.org/26/items/FP42193/02_42194.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref> ظلَّت العلاقات مُتوترة بين السلاجقة والأيُّوبيين بعد هذه الوقعة، لكنَّهما لم يشتبكا، ومالا إلى التفاهم، وانصرف صلاح الدين إلى توحيد الجبهة الإسلاميَّة في سبيل القضاء على الصليبيين.

=== الحملة الصليبيَّة الثالثة ===
{{مفصلة|الحملة الصليبية الثالثة}}

[[ملف:Barbarossas Sieg bei Ikonium.jpg|تصغير|يمين|لوحة تُصوِّرُ اشتباك السلاجقة والصليبيين الألمان عند أسوار قونية.]]

استطاع السُلطان صلاح الدين الأيُّوبي أن يُحقِّق إنجازًا هامًّا في الأعوام القليلة الواقعة بين [[583 هـ|583]] و[[586 هـ|586هـ]] المُوافقة لِما بين [[1187]] و[[1190]]م، فكسر الصليبيين كسرةً عظيمة في [[معركة حطين|معركة حطِّين]]، ثُمَّ [[حصار القدس (1187)|استرجع لِلمُسلمين بيت المقدس]]، وتساقطت أمامه أغلب القلاع والحُصُون التي احتلَّها الصليبيُّون في ساحل الشَّام. والواقع أنَّ تلك الخسائر، وهذا الانتصار الإسلامي، أحدثا ردَّ فعلٍ عنيفًا في المُجتمع الغربي الذي ذُعر لِلأنباء القادمة من الشرق، فسارعت البابويَّة إلى المُناداة بِحملةٍ صليبيَّةٍ جديدةٍ لِاسترداد ما فقدته أوروپَّا في الديار المُقدَّسة. وكان الإمبراطور الألماني [[فريدرش الأول بربروسا|فريدريك الأوَّل بربروسا]] الأسرع في التحرُّك بين مُلُوك الغرب -على الرُغم من كبر سنِّه- إذ كان يبلغ السادسة والستين حينذاك.<ref group="la">{{استشهاد بكتاب |الأخير=Freed |الأول=John |سنة=2016 |عنوان=Frederick Barbarossa: The Prince and the Myth |مسار=https://archive.org/details/frederickbarbaro0000free |ناشر=Yale University Press |مكان=New Haven, CT |isbn=978-0-300-122763|صفحة=[https://archive.org/details/frederickbarbaro0000free/page/n535 482], 512}}</ref> غادر فريدريك المذكور بلاده يوم [[24 ربيع الأول|ربيع الأوَّل]] [[585 هـ|585هـ]] المُوافق فيه [[11 مايو|11 أيَّار (مايو)]] [[1189]]م على رأس جيشٍ تُقدِّره الأبحاث المُعاصرة بين 12,000 و15,000 مُقاتل فيهم ما بين 2,000 و4,000 فارس،<ref group="la">{{استشهاد بكتاب |الأخير=Loud |الأول=G. A. |عنوان=The Crusade of Frederick Barbarossa: The History of the Expedition of the Emperor Frederick and Related Texts|ناشر=[[:en:Ashgate Publishing|Ashgate Publishing]] |مكان=[[:en:Farnham, Surrey|Farnham, Surrey]] |سنة=2010 |isbn=9780754665755|صفحة=19}}</ref> وسار عبر بلاد المجر بِاتجاه القُسطنطينيَّة، وعندما وصل إلى [[البلقان]] أرسل الإمبراطور البيزنطي -وكان آنذاك هو [[إسحاق الثاني|إسحٰق الثاني أنجيلوس]]- إلى صلاح الدين يُعلمه بِوُصُول الصليبيين، وبِأنَّهُ لن يُمكِّنهم من العُبُور إلى آسيا.<ref name="ابن الأثير1">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير، علي بن مُحمَّد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري]]|عنوان= الكامل في التاريخ|طبعة= الأولى|صفحة= 193 - 194|سنة= [[1407 هـ|1407هـ]] - [[1987]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان=  [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|المجلد=الجُزء العاشر|مسار= https://ia902707.us.archive.org/15/items/WAQkamilt/kamilt10.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201127060341/https://ia902707.us.archive.org/15/items/WAQkamilt/kamilt10.pdf | تاريخ أرشيف = 27 نوفمبر 2020}}</ref><ref name="أبوشامة">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[أبو شامة المقدسي|المقدسي، أبو شامة شهاب الدين عبد الرحمٰن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عُثمان]]|عنوان= الروضتين في أخبار الدولتين النوريَّة والصلاحيَّة|طبعة= الأولى|المجلد=الجُزء الرابع|صفحة= 114 - 115|سنة= [[1418 هـ|1418هـ]] - [[1997]]م|ناشر= مؤسسة الرسالة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://ia801308.us.archive.org/12/items/FP43676/04_43679.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830225348/https://ia801308.us.archive.org/12/items/FP43676/04_43679.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref> وكانت غاية الإمبراطور البيزنطي من وراء هذا العرض هي كسب صلاح الدين إلى جانبه ضدَّ الصليبيين والسلاجقة على حدٍ سواء، كما هدف أن يكسب من وراء مُحالفة صلاح الدين وضع الأماكن النصرانيَّة المُقدَّسة في الشَّام تحت رعاية [[الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية|الكنيسة الأرثوذكسيَّة]].<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصُغرى 470 - 704هـ / 1077 - 1304م|طبعة= الأولى|صفحة= 203|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|isbn = 9953180474|مسار=https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20220314110714/https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf | تاريخ أرشيف = 14 مارس 2022 }}</ref> لكنَّ الإمبراطور اضطرَّ -تحت ضغط الأحداث لِلسماح لِأفراد الحملة الصليبيَّة بِاجتياز [[الدردنيل|مضيق الدردنيل]]- لكنَّهُ فعل ذلك بعد أن منع عنهم المؤونة والأزواد والأقوات، ممَّا أضعفهم وأنهكهم لاحقًا.<ref name="ابن الأثير1"/><ref name="أبوشامة"/> وما إن دخل الصليبيُّون بلاد سلاجقة الروم حتَّى وثبت عليهم قبائل التُركُمان البدويَّة، وأخذت تقتل وتأسر المُتأخرين منهم وتسلبهم أثقالهم، وزاد من صُعُوبة تحرُّكهم هُطُول الثُلُوج الكثيفة والبرد القارس الذي فتَّ في عضُد الجيش الصليبي وفتك بِجُنُوده فتكًا ذريعًا، فاضطرُّوا إلى أكل دوابهم وحرق بعض معدَّاتهم كي يُؤمنوا الدفء لِأنفسهم، بل إنَّهم دفنوا بعض النفائس التي أعاقت تقدُّمهم.<ref name="ابن الأثير1"/><ref name="أبوشامة"/> واصل الصليبيُّون زحفهم عبر الأناضول حتَّى وصلوا قونية وهم مُنهكون، وتحصَّن السُلطان قلج أرسلان بِالقلعة تفاديًا لِحُدُوث معركةٍ سافرةٍ غير مُستعد لها، لكنَّ ابنه قُطب الدين ملكشاه خرج على رأس قُوَّةٍ عسكريَّةٍ سَلْجُوقيَّةٍ [[معركة إيقونية (1190)|لِمُهاجمة الألمان أمام أسوار المدينة]]، إلَّا أنَّهُ لم يتمكَّن من الصُمُود واضطرَّ إلى الانسحاب تحت ضغط القتال، وعاد إلى قونية، واستطاع فريدريك بربروسا أن يشقَّ لهُ طريقًا إلى داخل المدينة، فهاجمها وأحرق أسوارها.<ref name="ابن الأثير1"/>

[[ملف:Barbarossa smrt.jpg|تصغير|مُنمنمة ألمانيَّة تعود لِحوالي سنة [[1280]]م تُصوِّر غرق فريدريك بربروسا.]]

مكث الإمبراطور الألماني خمسة أيَّامٍ في قونية، بعث خلالها بِهديَّةٍ إلى السُلطان السَلْجُوقي وأعلمه أنْ لا نيَّة له في الاستيلاء على المدينة أو أيٌ من بلاد السلاجقة، وإنَّما يُريد بُلُوغ بيت المقدس، وطلب منهُ أن يأذن لِرعيَّته في إخراج ما يحتاج الجيش إليه من قُوتٍ وغيره، فأذن لهم وأعطاهم ما يُريدون حتَّى اكتفوا وتزوَّدوا لِرحلتهم، كما طلب من ابنه ملكشاه أن يتوقَّف عن مُضايقة الصليبيين.<ref name="ابن الأثير1"/> وجرت بين العاهلين مُباحثات سياسيَّة تمخَّضت عن تعهُّد قلج أرسلان بِتأمين طريق الصليبيين إلى الشَّام عبر قيليقية، وإمدادهم بِالأدلَّاء لِإرشادهم. وحتَّى لا ينكث السلاجقة بِما تعهَّدوا به طلب الإمبراطور منهم بعض الرهائن، فسلَّموه نيفًا وعشرين أميرًا، فساروا جميعًا بِاتجاه قيليقية.<ref name="ابن الأثير1"/> وبالغ بعض المُؤرخين المُسلمين في وصف روابط الصداقة والتحالف التي جمعت بين السُلطان قلج أرسلان وفريدريك بربروسا، فذكر [[بهاء الدين بن شداد|ابن شدَّاد]] أنَّ السُلطان المذكور كان يُظهر شقاقه مع الإمبراطور في حين أنَّهُ في الباطن أضمر وفاقه، <ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[بهاء الدين بن شداد|ابن شدَّاد، أبو المحاسن بهاء الدين يُوسُف بن رافع بن تميم الأسدي الموصلي]]|عنوان= النوادر السُلطانيَّة والمحاسن اليُوسُفيَّة|طبعة= الأولى|صفحة= 83|سنة= [[2015]]|ناشر= [[مؤسسة هنداوي|مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة]]|مكان= [[وندسور]] - [[المملكة المتحدة]]|مسار=https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=https://ebooksstream.com/d_pdfs/kutub-pdf.net_W4HMSF.pdf|مسارالأرشيف=https://archive.today/20210122234927/https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=https://ebooksstream.com/d_pdfs/kutub-pdf.net_W4HMSF.pdf|تاريخ أرشيف=[[23 يناير|23 كانون الثاني (يناير)]] [[2021]]|isbn =9789777683845| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210123030224/https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=https://ebooksstream.com/d_pdfs/kutub-pdf.net_W4HMSF.pdf}}</ref> في حين أشار البعض الآخر إلى مجالات التعاون بين قلج أرسلان وصلاح الدين بِشأن زحف الجيش الصليبي، فذكر [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير]] أنَّ السُلطان السَلْجُوقي كان يُكاتب صلاح الدين بِأخبار الأعداء، ويعده بِأنَّهُ يمنعهم من العُبُور في بلاده، فلمَّا عبروها وخلفوها أرسل يعتذر بِالعجز عنهم.<ref name="ابن الأثير1"/> وبِجميع الأحوال كانت تلك الحوادث هي آخر ما ساهم به سلاجقة الروم في الحملة الصليبيَّة الثالثة، أمَّا الإمبراطور الألماني فإنَّهُ لم يصل إلى الشَّام إذ غرق في نهر گوسكوه، فعاد الكثير من جُنده إلى بلادهم.<ref group="la">{{استشهاد بكتاب |الأخير=Comyn |الأول=Robert |سنة=1851 |عنوان=History of the Western Empire, from its Restoration by Charlemagne to the Accession of Charles V |المجلد=I |مسار=https://archive.org/details/historywesterne00comygoog|صفحة=267}}</ref>

=== تقسيم السلطنة مُجددًا وإعادة توحيدها ===
استتبَّ الأمن في الأناضول بِفضل كفاح السُلطان قلج أرسلان، وتحقَّقت الوحدة السياسيَّة لِلسلاجقة، وبدأ عصر التقدُّم الاقتصادي والثقافي، لكنَّ هذه الوحدة ما لبثت أن تفكَّكت، وشهدت البلاد موجة من الصراع الأُسري في ظل غياب الأخطار الخارجيَّة. فصلاح الدين الأيُّوبي كان مُنهمكًا في التصدِّي [[الحملة الصليبية الثالثة|لِلحملة الصليبيَّة الثالثة]] وتصفية الدويلات الصليبيَّة في الشَّام، وقنعت بيزنطة بِما آلت إليه الأوضاع السياسيَّة في آسيا الصُغرى بعد الضربة القاضية التي تلقَّتها في ميريوكيفالون، كما توقَّفت حُرُوب التوسُّع. وكان قلج أرسلان قد بدأ يشعر بِتعب الحياة بعد أن أصابه [[فالج|الفالج]] في سنة [[582 هـ|582هـ]] المُوافقة لِسنة [[1186]]م، ففكَّر في تقسيم سلطنته على أولاده الأحد عشر، ونفَّذ هذا الأمر مُرتكبًا خطأً سياسيًّا فادحًا، وجاءت القسمة على الشكل التالي: ملكشاه في سيواس و[[آق سراي]]، و[[سليمان شاه الثاني|سُليمان]] في [[توقاد]]، وبركياروق في نيكسار، وطُغرُل في البستان، ومحمود في قيصريَّة، وقيصر في ملطية، ومسعود في أنقرة، وسنجر في هرقلة، وأرسلان في [[نيدا|نكيدة]]، وأرغون في أماسية، وكيخسرو في قونية.<ref name="ابن الأثير2">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير، علي بن مُحمَّد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري]]|عنوان= الكامل في التاريخ|طبعة= الأولى|صفحة=219 - 221|سنة= [[1407 هـ|1407هـ]] - [[1987]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان=  [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|المجلد=الجُزء العاشر|مسار= https://ia902707.us.archive.org/15/items/WAQkamilt/kamilt10.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201127060341/https://ia902707.us.archive.org/15/items/WAQkamilt/kamilt10.pdf | تاريخ أرشيف = 27 نوفمبر 2020}}</ref> امتنع كُلٌّ من هؤلاء الأبناء بِإقطاعه يستغلُّه لِصالحه الشخصي دون العودة إلى الحُكُومة المركزيَّة في قونية، وأضحى السُلطان حاكمًا بِالاسم فقط، يملك ولا يحكم. وفي وضعٍ شاذٍّ كهذا كان من الطبيعي أن تنشأ الخلافات الأُسريَّة بين الإخوة، ثُمَّ بينهم وبين والدهم. فكُلُّ واحدٍ كان يتربَّص بِالآخر، ويتحيَّن الفُرص لِلانقضاض عليه والاستيلاء على أملاكه. وبرز من بينهم ملكشاه المُلقَّب بِـ«قُطب الدين»، الذي تميَّز بِالطُمُوح السياسي اللافت والجُرأة، فاستولى على قونية، وحجر على والده. وحتَّى يُؤمِّن على حياته من مُؤامرات حاشيته، تخلَّص من الأُمراء المُوالين لِوالده، وقرَّب بطانته، إلَّا أنَّهُ أبقى [[خطبة الجمعة|الخطبة]] و[[نقود معدنية|السكَّة]] باسم والده.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[عماد الدين الكاتب|الأصفهاني، عماد الدين أبو عبد الله مُحمَّد بن مُحمَّد بن حامد بن أَلُه]]|عنوان= الفتح القسي في الفتح القدسي|صفحة= 324 - 325|سنة= [[2004]]|ناشر= دار المنار|مسار= https://archive.org/stream/WAQftqaftqd/ftqaftqd#page/n323/mode/2up| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20220421051540/https://archive.org/details/WAQftqaftqd/ftqaftqd?view=theater#page/n323/mode/2up | تاريخ أرشيف = 21 أبريل 2022 }}</ref><ref name="ابن الفرات">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الفرات المصري|ابن الفُرات، ناصر الدين مُحمَّد بن عبد الرحيم بن علي بن الحسن بن مُحمَّد الحنفي المصري]]|عنوان= تاريخ الدُول والمُلُوك|المجلد=الجُزء الثاني|طبعة= الأولى|صفحة= 93 - 94|سنة= [[1975]]|ناشر= مكتبة المؤيِّد|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://www.noorlib.ir/view/ar/book/bookview/text/18967/1/6?projectid=16394|مسارالأرشيف= https://archive.today/20210124001652/https://www.noorlib.ir/view/ar/book/bookview/text/18967/1/6?projectid=16394|تاريخ أرشيف=[[23 يناير|23 كانون الثاني (يناير)]] [[2021]]|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20210124081604/https://www.noorlib.ir/view/ar/book/bookview/text/18967/1/6?projectid=16394}}</ref> تحوَّل ملكشاه -بعد أن ثبَّت أقدامه في العاصمة- إلى انتزاع ما بِأيدي إخوته من بلاد، وبدأ بِقيصريَّة، فخرج من قونية على رأس جيشٍ كثيفٍ لِحصارها، واصطحب والده معه حتَّى يُزيِّن لِأخيه محمود أنَّ تصرُّفه إنما ناتجٌ عن أمره. وسنحت لِقلج أرسلان فُرصةً لِلهرب، فدخل إلى المدينة واجتمع بِابنه محمود، وتعاونا على مُقاومة أطماع ملكشاه، فاضطرَّ الأخير إلى فكِّ الحصار عن المدينة وعاد إلى قونية، وخطب لِنفسه.<ref name="ابن الفرات"/>

أدرك قلج أرسلان، بعد فوات الأوان، خطأ ما ارتكبه من عملٍ تقسيميٍّ، فقرَّر إعادة توحيد البلاد تحت قيادة رجُلٍ واحد، واختار ابنه الأصغر [[كيخسرو الأول|كيخسرو المُلقَّب بِـ«غِيَاث الدين»]] لِمُلازمته إيَّاه وما رآه فيه من لياقةٍ لِلمُلك، فأتى به ووعظه ثُمَّ أخذ البيعة له من الأُمراء والأعيان.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن بيبي|ابن بيبي، ناصر الدين حُسين بن مُحمَّد بن علي الجعفري الرغدي]]|مؤلف2=تعريب محُمَّد سعيد جمال الدين |عنوان= أخبار سلاجقة الروم|طبعة= الثانية|صفحة= 2 - 4|سنة= [[2007]]|ناشر= المركز القومي للترجمة|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://ia902507.us.archive.org/10/items/akslroakslro/akslro.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830225136/https://ia902507.us.archive.org/10/items/akslroakslro/akslro.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref> نفر الإخوة من عمل والدهم وخرجوا على طاعته، فاضطرَّ إلى مُحاربتهم وإعادة توحيد السلطنة، وبدأ بِقيصريَّة، فحاصرها مع ابنه كيخسرو، ومرض السُلطان أثناء الحصار، ولم يلبث أن تُوفي، فعاد به ولده إلى قونية حيثُ واراه الثرى في [[مسجد علاء الدين|المسجد الجامع]]. استمرَّت نزاعات الإخوة بعد وفاة قلج أرسلان، وفي غَمرة هذا الصراع، قُتل محمود بن قلج أرسلان وتُوفي ملكشاه بعد مرضٍ ألمَّ به، فطمع سُليمان بِأملاك إخوته، وهاجم سيواس وآق سراي واستولى عليهما، وتابع زحفه نحو قونية، فطرد أخاه كيخسرو منها وتسلَّم الحُكم، وذلك في سنة [[593 هـ|593هـ]] المُوافقة لِسنة [[1196]]م. وهرب كيخسرو من أمام أخيه والتجأ في الشَّام ثُمَّ في القُسطنطينيَّة، وخلال ذلك الوقت كان سُليمان يُهاجم إخوته الباقين الواحد تلو الآخر، فينتزع منهم البلاد، حتَّى تمَّ له الأمر سنة [[601 هـ|601هـ]] المُوافقة لِسنة [[1204]]م، عندما أخذ أنقرة من أخيه مسعود، مُعيدًا بِذلك وحدة سلطنة آبائه وأجداده، لكن لم يُكتب لهُ أن يعيش طويلًا لِيرى ثمرة جُهُوده، فمات بعد خمسة أيَّامٍ فقط من أخذه المدينة.<ref name="ابن الأثير2"/><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصُغرى 470 - 704هـ / 1077 - 1304م|طبعة= الأولى|صفحة= 213 - 214|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|isbn = 9953180474|مسار= https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20220314110714/https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE%20%D8%B3%D9%84%D8%A7%D8%AC%D9%82%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D9%85%20%D9%81%D9%8A%20%D8%A2%D8%B3%D9%8A%D8%A7%20%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%BA%D8%B1%D9%89.pdf|تاريخ أرشيف=2022-03-14}}</ref>

=== العصر الذهبي لِلدولة: التمكين والتوسُّع ===
[[ملف:I Gıyaseddin Keyhüsrev Meret Öwezov Antalya.jpg|تصغير|يمين|تمثالٌ لِلسُلطان غِيَاث الدين كيخسرو في أنطالية.]]
بعد وفاة السُلطان سُليمان بن قلج أرسلان، عيَّن أُمراؤه ابنه [[قلج أرسلان الثالث|عزّ الدين قلج أرسلان]] سُلطانًا على سلاجقة الروم وهو لم يبلُغ [[احتلام|الحُلُم]] بعد، وساعدوه في إدارة البلاد، وفتحوا مدينة [[إسبرطة (تركيا)|إسپرطة]]، وهي إحدى القلاع المُهمَّة في الجنوب الغربي من الأناضول، وبايع الإمبراطور البيزنطي [[ثيودور الأول لاسكاريس|تُيُودور لاسكاريس]] -الحاكم من [[إمبراطورية نيقية|نيقية]] المُجاورة- {{للهامش|4}} وأُمراء الأرمن والمُسلمين على الولاء له. لكنَّ الحُكَّام الجُدد لم يهنؤوا طويلًا بِحلاوة السُلطة، إذ لم يلبث أن نشب نزاعٌ داخليّ بين الأُمراء المُؤيدين لِلسُلطان الفتيّ، وأولئك المُؤيِّدين لِعمِّه كيخسرو، فأثار هؤلاء التُركُمان في المناطق الحُدُوديَّة على السُلطة المركزيَّة في قونية، ونادوا بِكيخسرو سُلطانًا على البلاد، وأرسلوا [[حاجب (لقب)|حاجبًا]] إلى بلاد البيزنطيين لِاستدعائه.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن بيبي|ابن بيبي، ناصر الدين حُسين بن مُحمَّد بن علي الجعفري الرغدي]]|مؤلف2=تعريب محُمَّد سعيد جمال الدين |عنوان= أخبار سلاجقة الروم|طبعة= الثانية|صفحة= 28 - 29|سنة= [[2007]]|ناشر= المركز القومي للترجمة|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://ia902507.us.archive.org/10/items/akslroakslro/akslro.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830225136/https://ia902507.us.archive.org/10/items/akslroakslro/akslro.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref> راودت كيخسرو الرغبة في استعادة مُلكه المفقود، فاستجاب لِنداء أعوانه، وخرج قاصدًا قونية، فأنزل ابن أخيه عن العرش وجلس مكانه، ليبدأ بِذلك سلطنته الأُخرى.<ref group="la">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= Sara Nur Yildiz|مؤلف2= [[:en:A. C. S. Peacock|A. C. S. Peacock]]|عنوان= The Seljuks of Anatolia: Court and Society in the Medieval Middle East|طبعة= المُصوَّرة|صفحة= 178–179|سنة= [[2013]]|ناشر= [[أي بي توريس|I.B. Tauris]]|مكان= [[لندن|London]]|لغة= en|isbn = 9781848858879|مسار=https://www.researchgate.net/publication/285750373_The_Seljuks_of_Anatolia_Court_and_Society_in_the_Medieval_Middle_East_Edited_by_A_C_S_Peacock_and_Sara_Nur_Yildiz| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201212013047/https://www.researchgate.net/publication/285750373_The_Seljuks_of_Anatolia_Court_and_Society_in_the_Medieval_Middle_East_Edited_by_A_C_S_Peacock_and_Sara_Nur_Yildiz | تاريخ أرشيف = 12 ديسمبر 2020}}</ref> وكان أوَّل ما فعله كيخسرو أن عالج جميع المُشكلات العالقة مع جيرانه المُسلمين، ثُمَّ تفرَّغ لِحلِّ مُشكلةٍ أُخرى ذات أبعادٍ تجاريَّة. فمن المعروف أنَّ الأمن كان قد استتبَّ في كافَّة أنحاء الأناضول مُنذُ عهد السُلطان قلج أرسلان بن مسعود، ونشطت في البلاد الحركة التجاريَّة، لكن استيلاء الصليبيين على القُسطنطينيَّة، هدَّد الأمن على الطرق المُؤدية إلى موانئ بحرَيِ [[البحر الأسود|البنطس (الأسود)]] و[[البحر الأبيض المتوسط|المُتوسِّط]]، كما أنَّ ظُهُور [[إمبراطورية نيقية|إمبراطوريَّة نيقية]] أعاق التقدُّم السَلْجُوقي إلى ساحل [[بحر إيجة]]، وأغلق الطُرُق المُؤدية إلى موانئ بحر البنطس مثل [[سامسون|صامصون]] وسينوپ، بِوجه التجارة السَلْجُوقيَّة. تمكَّن السُلطان من التفاهم مع الروم -بعد أن ضغط عسكريًّا على طرابزون- ففتحوا لهُ الطُرق والمعابر إلى موانئ بحر البنطس،<ref name="أنطالية">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصُغرى 470 - 704هـ / 1077 - 1304م|طبعة= الأولى|صفحة= 220 - 222|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|isbn = 9953180474|مسار= https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20220314110714/https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE%20%D8%B3%D9%84%D8%A7%D8%AC%D9%82%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D9%85%20%D9%81%D9%8A%20%D8%A2%D8%B3%D9%8A%D8%A7%20%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%BA%D8%B1%D9%89.pdf|تاريخ أرشيف=2022-03-14}}</ref> فبقي أمامه تأمين منفذٍ على البحر المُتوسِّط، ورأى أن يفتتح ثغر أنطالية الذي يُسيطر عليه الصليبيون في سبيل تحقيق هذه الغاية. واستغلَّ كيخسرو فُرصة تعرُّض بعض التُجَّار المُسلمين لِلمُضايقة من جانب الصليبيين، فنهض بِجُنده وعتاده لِفتح هذه المدينة، في سنة [[603 هـ|603هـ]] المُوافقة لِسنة [[1206]]م، ولمَّا وصل إلى أنطالية، ضرب عليها حصارًا مُركَّزًا وقصفها [[منجنيق|بِالمجانيق]]، وتمكَّن من [[فتح أنطاليا|فتحها]] خِلال مُدَّةٍ قصيرة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن بيبي|ابن بيبي، ناصر الدين حُسين بن مُحمَّد بن علي الجعفري الرغدي]]|مؤلف2=تعريب محُمَّد سعيد جمال الدين |عنوان= أخبار سلاجقة الروم|طبعة= الثانية|صفحة= 39 - 41|سنة= [[2007]]|ناشر= المركز القومي للترجمة|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://ia902507.us.archive.org/10/items/akslroakslro/akslro.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830225136/https://ia902507.us.archive.org/10/items/akslroakslro/akslro.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref><ref group="la">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= Cahen, Claude |عنوان= Pre-Ottoman Turkey: A General Survey of the Material and Spiritual Culture and History c. 1071-1330|صفحة= 119|سنة= [[1968]] |ناشر= American Council of Learned Societies |مكان= [[نيويورك|New York]]|مسار= https://hdl.handle.net/2027/heb.00871|isbn =9781597404563|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20220516030113/https://hdl.handle.net/2027/heb.00871|تاريخ أرشيف=2022-05-16}} {{الاشتراك مطلوب| مسار الأرشيف = https://web.archive.org/web/20191213185111/https://www.fulcrum.org/concern/monographs/w95050571 | تاريخ الأرشيف = 13 ديسمبر 2019}}</ref> وبِفتح أنطالية، فصل السلاجقة البيزنطيين عن قيليقية، كما أمَّن كيخسرو الطُرُق التجاريَّة. وبِفضل تشريعاته في هذا المضمار، اعترف العالم الغربي به كحاكمٍ لِأكبر دولةٍ تجاريَّةٍ آنذاك، وعقدت معه [[الجمهوريات البحرية|الدُويلات البحريَّة الإيطاليَّة]] المُعاهدات، ودفعوا له الأتاوات مُقابل مُرُورهم بِأراضيه خِلال رحلاتهم التجاريَّة، وكانت [[جمهورية البندقية|جُمهُوريَّة البُندُقيَّة]] السبَّاقة في هذا المجال.<ref name="أنطالية"/>
[[ملف:Kayqubad.jpg|تصغير|تمثالٌ لِلسُلطان علاء الدين كيقُباد في مدينة العلائيَّة -التي سُمِّيت مُنذُ فتحها على اسم هذا السُلطان الكبير- الذي يُعد أعظم سلاطين سلاجقة الروم دون مُنازع.]]
قُتل السُلطان كيخسرو في [[معركة أنطاكية على مينيدر|معركةٍ مع البيزنطيين]] سنة [[608 هـ|608هـ]] المُوافقة لِسنة [[1211]]م،<ref group="la">{{استشهاد بكتاب |عنوان=The Latin Renovatio of Byzantium: The Empire of Constantinople (1204-1228) |الأول=Filip |الأخير=Van Tricht |ناشر=Brill |سنة=2011|صفحة=375|ISBN=9789004203235|مسار=https://www.academia.edu/8344925/The_Latin_Renovatio_of_Byzantium_The_Empire_of_Constantinople_1204_1228_| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210125023148/https://www.academia.edu/8344925/The_Latin_Renovatio_of_Byzantium_The_Empire_of_Constantinople_1204_1228_ | تاريخ أرشيف = 25 يناير 2021}}</ref> واجتمع كبار أُمراء السلطنة بعد مقتله واختاروا ابنه الأكبر [[كيكاوس الأول|عز الدين كيكاوس]] سُلطانًا على سلاجقة الروم. وفي عهد هذا السُلطان [[حصار سينوب|افتُتحت مدينة سينوپ]] ممَّا أكسب السلاجقة منفذًا على بحر البنطس،<ref group="la">{{استشهاد بكتاب |الأول=Anthony |الأخير=Bryer |مؤلف2-الأول=David |مؤلف2-الأخير=Winfield |عنوان=The Byzantine Monuments and Topography of the Pontos |المجلد=vol. 1 |ناشر=Dumbarton Oaks |سنة=1985|صفحات=71-72|مسار= https://books.google.com.lb/books?redir_esc=y&id=54kVAQAAMAAJ&focus=searchwithinvolume&q=Sinope|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20210126020311/https://books.google.com.lb/books?redir_esc=y&id=54kVAQAAMAAJ&focus=searchwithinvolume&q=Sinope
|تاريخ أرشيف=2021-01-26}}</ref> وأُخضعت مملكة قيليقية الأرمنيَّة بِفضل القُدرة العسكريَّة الهائلة لِلسلاجقة والتي رأى الأرمن أنْ لا قِبل لهم بِمُقاومتها، فأعلن الملك ليون الثاني طاعته التامَّة لِلسُلطان، وضاعف لهُ الخَراج السنويّ، وسلَّمه حصنَيْ لؤلؤة ولوزاد الحُدُوديين، اللذين يتحكَّمان بِالممرَّات القيليقيَّة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن بيبي|ابن بيبي، ناصر الدين حُسين بن مُحمَّد بن علي الجعفري الرغدي]]|مؤلف2=تعريب محُمَّد سعيد جمال الدين |عنوان= أخبار سلاجقة الروم|طبعة= الثانية|صفحة= 79 - 80|سنة= [[2007]]|ناشر= المركز القومي للترجمة|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://ia902507.us.archive.org/10/items/akslroakslro/akslro.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830225136/https://ia902507.us.archive.org/10/items/akslroakslro/akslro.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref> وفي سنة [[616 هـ|616هـ]] المُوافقة لِسنة [[1219]]م تُوفي السُلطان كيكاوس بعد أن حكم ثمانية أعوام، وترك بعد وفاته سلطنةً قويَّةُ يسودها الأمن ويعُمُّها الرخاء، وذلك بِفضل الجيش النظامي الذي اعتمد عليه لِرد الاعتداءات الخارجيَّة وإحلال الأمن في الداخل والتوسُّع على حساب جيرانه، وتحسَّنت في عهده الحياة التجاريَّة، وانتشرت المهن بين السلاجقة، وازدهرت الحياة الزراعيَّة، وعمَّ الرخاء سائر المُقاطعات والمُدُن بِفضل شبكة الطُرُق التجاريَّة الآمنة، وأضحت سلطنة سلاجقة الروم ذات قُوَّة اقتصاديَّة هائلة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصُغرى 470 - 704هـ / 1077 - 1304م|طبعة= الأولى|صفحة= 239|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|isbn = 9953180474|مسار=https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20220314110714/https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf | تاريخ أرشيف = 14 مارس 2022 }}</ref> وبعد وفاة كيكاوس اختار الأُمراء والأعيان شقيقه [[كيقباد الأول|علاء الدين كيقُباد]] الذي أراد -فور تسلُّمه الحُكُم- بسط سيطرته على كامل آسيا الصُغرى والتوسُّع على حساب جيرانه الأرمن والروم، فاستغلَّ اضطراب الأوضاع السياسيَّة في مملكة قيليقية بعد وفاة الملك ليون الثاني، وأغار على قلعة «كالونوروس» أو «كوراكسيون» {{لغة-يونانية|Κορακήσιον}} المُهمَّة والقريبة من أنطالية، ففتحها وغيَّر اسمها إلى «[[علائية|العلائيَّة]]»، ثُمَّ حوَّل أنظاره إلى قلعة «آلاره» المُهمَّة التي تتحكَّم بِالطُرق الساحليَّة المُؤدية إلى قيليقية، ففتحها أيضًا.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن بيبي|ابن بيبي، ناصر الدين حُسين بن مُحمَّد بن علي الجعفري الرغدي]]|مؤلف2=تعريب محُمَّد سعيد جمال الدين |عنوان= أخبار سلاجقة الروم|طبعة= الثانية|صفحة= 125 - 126|سنة= [[2007]]|ناشر= المركز القومي للترجمة|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://ia902507.us.archive.org/10/items/akslroakslro/akslro.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830225136/https://ia902507.us.archive.org/10/items/akslroakslro/akslro.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref> وبِهذا أضحى الساحل الجنوبي لِآسيا الصُغرى ساحلًا إسلاميًّا حتَّى حُدُود مملكة قيليقية الأرمنيَّة، وأصبح بِإمكان السلاجقة مُهاجمتها من جهة الغرب.
[[ملف:Sultan Kayqubad Kaykubad map Seljuks Rum Anatolia-ar.png|تصغير|يمين|خريطة تُظهرُ الحملات العسكريَّة لِلسُلطان كيقُباد، والتي وسَّعت حُدود دولته توسيعًا عظيمًا.]]
وفي سنة [[619 هـ|619هـ]] المُوافقة لِسنة [[1222]]م هاجم بعض القراصنة القفجاقيين والروس تُجَّارًا سلاجقة في بحر البنطس وسلبوهم أموالهم وبضاعتهم، فجاء الرد السَلْجُوقي سريعًا، إذ جهَّز السُلطان كيقُباد حملةً عسكريَّةً بِقيادة [[بكلربك|البكلربك]] [[حسام الدين جوبان|حُسام الدين جوبان]] وأمرهُ بِمُهاجمة [[سوداق]] في شبه جزيرة القرم عاصمة [[دشت قبجاق|خانيَّة دشت القفجاق]]، وأقام السُلطان في قيصريَّة يترقَّب نتائج الحملة. أبحر الجيش السَلْجُوقي إلى شبه الجزيرة المذكورة، وهبط برَّها، ثُمَّ زحف بِاتجاه المدينة، فهرع سُكَّان المُدُن الساحليَّة إلى تقديم الطاعة. أمَّا في الداخل فقد تعاون الروس والقفجاقيُّون على التصدِّي لِلزحف السَلْجُوقي، وجمعوا جيشًا قوامه عشرة آلاف مُقاتل من أجل هذه الغاية، واصطدموا مع البكلربك حُسام الدين، فهزمهم هزيمةً قاسية، ثُمَّ هاجم سوداق التي استسلمت له، وأبدى أهلُها استعدادهم بِدفع الجزية وإعادة أموال التُجَّار المسلوبة مُقابل منحهم الأمان. جاءت مُوافقة السُلطان على ذلك مشروطةً بِإقامة الشعائر الإسلاميَّة. ودخل السلاجقة إلى المدينة، فبنوا فيها عدَّة مساجد في أماكن مُختلفة، وعيَّنوا عليها [[مؤذن|مُؤذنين]] وخُطباء، كما نَصَبوا [[القاضي في الإسلام|قاضيًا]]، وأخذوا عددًا من أبناء الأعيان كرهائن، وتركوا فيها حاميةً عسكريَّة، ثُمَّ أبحروا عائدين إلى بلادهم.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن بيبي|ابن بيبي، ناصر الدين حُسين بن مُحمَّد بن علي الجعفري الرغدي]]|مؤلف2=تعريب محُمَّد سعيد جمال الدين |عنوان= أخبار سلاجقة الروم|طبعة= الثانية|صفحة= 155 - 169|سنة= [[2007]]|ناشر= المركز القومي للترجمة|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://ia902507.us.archive.org/10/items/akslroakslro/akslro.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830225136/https://ia902507.us.archive.org/10/items/akslroakslro/akslro.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref> وفي سنة [[622 هـ|622هـ]] المُوافقة لِسنة [[1225]]م هاجم أرمن قيليقية بعض القوافل التجاريَّة الإسلاميَّة، فجاء رد السُلطان السَلْجُوقي بأن جهَّز حملةً عسكريَّةً وأرسلها لِفتح ما تيسَّر من القلاع الأرمنيَّة المُهمَّة، ففُتحت ثلاثون قلعة، واتصلت الولايات السَلْجُوقيَّة ببعضها.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصُغرى 470 - 704هـ / 1077 - 1304م|طبعة= الأولى|صفحة= 253|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|isbn = 9953180474|مسار=https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20220314110714/https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf | تاريخ أرشيف = 14 مارس 2022 }}</ref> وفي سنة [[623 هـ|623هـ]] المُوافقة لِسنة [[1226]]م سار السُلطان كيقُباد إلى [[ديار بكر (منطقة)|ديار بكر]] وحارب الأمير مسعود بن ناصر الدين محمود صاحب [[آمد]] ومَلَك عدَّة من حُصُونه، وسبب ذلك أنَّ الأمير المذكور كان قد استقلَّ بِإمارته عن السلاجقة، واتفق مع السُلطان [[خوارزميون|الخوارزمي]] [[جلال الدين منكبرتي]]، وصاحب دمشق [[المعظم عيسى بن العادل|الملك المُعظَّم عيسى بن أحمد الأيُّوبي]]، وغيرهما على خِلاف صاحب الجزيرة الفُراتيَّة [[الأشرف موسى|الملك الأشرف موسى بن مُحمَّد الأيُّوبي]] في سبيل انتزاع بلاده منه وتقاسُمها، فاستنجد الأشرف موسى بِالسُلطان السَلْجُوقي، الذي سارع على الفور لِاستغلال الفُرصة والتوسُّع في الجزيرة الفُراتيَّة، فانتزع قلعة «كختا» ومدينة جمكازاد الحصينة و[[حصن منصور]]، وغيرها، وأعاد إخضاع الأمير مسعود وإدخاله في طاعته.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير، علي بن مُحمَّد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري]]|عنوان= الكامل في التاريخ|طبعة= الأولى|صفحة= 465 - 466|سنة= [[1407 هـ|1407هـ]] - [[1987]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان=  [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|المجلد=الجُزء العاشر|مسار= https://ia902707.us.archive.org/15/items/WAQkamilt/kamilt10.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201127060341/https://ia902707.us.archive.org/15/items/WAQkamilt/kamilt10.pdf | تاريخ أرشيف = 27 نوفمبر 2020}}</ref> تابع كيقُباد توسيع دولته شرقًا بعد هذه الحملة، وكانت نيَّته أن يُقيم سياجًا من القلاع لِحماية المناطق الحُدُوديَّة الفاصلة بين دولتَيِ السلاجقة والخوارزميين، لِذلك كان عليه ضمّ [[أرزنجان]] و[[أرضروم]] وبعض القلاع الأُخرى، أمَّا سبب هذه الخُطْوة فكانت أنَّ السُلطان الخوارزمي جلال الدين منكبرتي كان قد أخذ يتدخَّل في شُؤون بلاد الشَّام الأيُّوبيَّة، فرأى كيقُباد أن يبدأ بِأخذ التدابير اللازمة لِلوُقُوف في وجهه قبل أن يُهدِّد بلاده.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصُغرى 470 - 704هـ / 1077 - 1304م|طبعة= الأولى|صفحة= 257 - 258|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|isbn = 9953180474|مسار=https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20220314110714/https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf | تاريخ أرشيف = 14 مارس 2022 }}</ref> ولمَّا زحف السُلطان على أرزنجان سارع أميرها «داودشاه» إلى الاستسلام دون قتال، فتسلَّم السُلطان المدينة، ثُمَّ أرسل جُنُوده لِمُهاجمة أرضروم و[[شبين قره‌ حصار|قوغونية]]، فاستسلم صاحباهما «جهانشاه» ومُحمَّد بن بهرامشاه دون قتالٍ أيضًا.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن بيبي|ابن بيبي، ناصر الدين حُسين بن مُحمَّد بن علي الجعفري الرغدي]]|مؤلف2=تعريب محُمَّد سعيد جمال الدين |عنوان= أخبار سلاجقة الروم|طبعة= الثانية|صفحة= 158 - 188|سنة= [[2007]]|ناشر= المركز القومي للترجمة|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://ia902507.us.archive.org/10/items/akslroakslro/akslro.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830225136/https://ia902507.us.archive.org/10/items/akslroakslro/akslro.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref> وهكذا تمكَّن كيقُباد من إقامة سياجه الحُدُوديّ وحماية بلاده، لكنَّهُ عاود رُغم ذلك توسُّعه شمالًا وجنوبًا، فأرسل جيشًا إلى [[الكرج]] فتح ثلاثين قلعةً من قلاعها، كما أخذ من الأيُّوبيين مُدن [[أخلاط]] و[[بدليس]] والرُّها وحرَّان وحصن زياد و[[الرقة|الرقَّة]] و[[البيرة (أورفة)|البيرة]] و[[دنيصر|دُنيصر]] و[[السويدية (الحسكة)|السُويديَّة]]، لِتبلغ سلطنة سلاجقة الروم أقصى اتساعها على أنَّ أغلب هذه البلاد استعادها الأيُّوبيون خلال فترةٍ وجيزة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصُغرى 470 - 704هـ / 1077 - 1304م|طبعة= الأولى|صفحة= 269، 272 - 273|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|isbn = 9953180474|مسار=https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20220314110714/https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf | تاريخ أرشيف = 14 مارس 2022 }}</ref>

=== الفتنة البابائيَّة ===
[[ملف:Hajji Bektash Wali.jpeg|تصغير|مُنمنمة لِبابا إسحٰق الكفرسودي قائد الفتنة البابائيَّة في دولة سلاجقة الروم. يُوصف الشخص المرسوم خطأ بِأنَّهُ [[حاج بكتاش ولي|الحاج بكطاش وليّ]] مُؤسس [[بكتاشية|الطريقة البكطاشيَّة]].]]

تُوفي السُلطان علاء الدين كيقُباد ليلة الإثنين [[4 شوال|شوَّال]] [[634 هـ|634هـ]] المُوافق فيه [[30 مايو|30 أيَّار (مايو)]] [[1237]]م فكانت وفاته بداية انحدار دولة سلاجقة الروم لِضعف خُلفائه، وسيطرة بعض الوُزراء والساسة عليهم، وعملهم على إقصاء بعضهم بعضًا، ممَّا أفسد المُلك والبلاد، وفي ذلك يقول المُؤرِّخ الأمير [[ابن بيبي|ناصر الدين الحُسین بن مُحمَّد الجعفري، الشهير بِـ«ابن بيبي»]]: {{اقتباس مضمن|...لَقَدْ أَصْبَحَ قَلْبُ البَرْقِ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَشْوِيًّا، وَامْتَلَأ عَيْنُ السَّحَابِ بِالدَّمْعِ، وَأُخِذَت أُمُورُ المُلكِ وَالْمِلَّةِ مُنْذُ ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي التَّرَاجُعِ، وَأَصَابَهَا الْفَسَاد، وَلَحِق الْوَهْنُ بِمَا يُمْسِك السَّلْطَنَة مِنْ نِظَامٍ}}.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن بيبي|ابن بيبي، ناصر الدين حُسين بن مُحمَّد بن علي الجعفري الرغدي]]|مؤلف2=تعريب محُمَّد سعيد جمال الدين |عنوان= أخبار سلاجقة الروم|طبعة= الثانية|صفحة= 247|سنة= [[2007]]|ناشر= المركز القومي للترجمة|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://ia902507.us.archive.org/10/items/akslroakslro/akslro.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830225136/https://ia902507.us.archive.org/10/items/akslroakslro/akslro.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref> ومن المعروف أيضًا أنَّ كيقُباد كان آخر سلاطين السلاجقة استقلالًا، إذ إنَّ كُل من تلوه كانوا خاضعين لِلمغول يأتمرون بِأمرهم.<ref group="la">{{استشهاد بكتاب |محرر1-الأول=R.L. |محرر1-الأخير=Wolff |محرر2-الأخير=Hazard |محرر2-الأول=H. W. |عنوان=The Later Crusades, 1189-1311 — XX: The Aiyubids |سنة=1969 |صفحة=704 |ناشر=University of Wisconsin Press |مسار=http://digicoll.library.wisc.edu/cgi-bin/History/History-idx?type=turn&entity=History.CrusTwo.p0734&id=History.CrusTwo&isize=M | مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200724041642/http://digicoll.library.wisc.edu/cgi-bin/History/History-idx?type=turn&entity=History.CrusTwo.p0734&id=History.CrusTwo&isize=M | تاريخ أرشيف = 24 يوليو 2020}}</ref> خَلَف [[كيخسرو الثاني|غِيَاث الدين كيخسرو]] أباه كيقُباد بُعيد وفاته، وكان -إلى جانب ضعفه ولينه- سُلطانًا غاشمًا جبَّارًا عسوقًا لعوبًا، يلعب [[كلب|بِالكِلاب]] و[[أسد آسيوي|السِّباع]] ويُسلِّطُها على الناس، بحسب وصف كُلٍ من أحمد بن يُوسُف القرماني،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= القرماني، أحمد بن يُوسُف|عنوان= أخبار الدُول وآثار الأُول في التاريخ|صفحة= 294|سنة= [[1282 هـ|1282هـ]]|ناشر= مطبعة الميرزا عبَّاس التبريزي|مكان= [[بغداد]]|مسار= https://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/f/fa/أخبار_الدول.pdf|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20201110005455/https://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/f/fa/أخبار_الدول.pdf
|تاريخ أرشيف=2020-11-10}}</ref> والإمام [[سبط ابن الجوزي]]، <ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[سبط ابن الجوزي|ابن الجوزي، شمس الدين أبو المُظفَّر يُوسُف بن قزأُوغلي بن عبد الله التُركي البغدادي]]|عنوان= مرآة الزمان في تواريخ الأعيان|المجلد=الجُزء الثاني والعشرون|صفحة= 208|ناشر= دار الرسالة العالميَّة|مسار=https://ia802906.us.archive.org/27/items/FP144301/19_144319.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210806084123/https://ia802906.us.archive.org/27/items/FP144301/19_144319.pdf | تاريخ أرشيف = 6 أغسطس 2021 }}</ref> و[[ابن تغري|ابن تغري بردي]].<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن تغري|ابن تغري بردي، أبو المحاسن جمال الدين يُوسُف الأتابكي اليشبقاوي الظاهري]]|عنوان= النُجُوم الزاهرة في مُلُوك مصر والقاهرة|صفحة= 247|سنة= [[1383 هـ|1383هـ]] - [[1963]]م|ناشر= [[وزارة الثقافة (مصر)|وزارة الثقافة المصريَّة]]|مكان= [[القاهرة]] - [[الجمهورية العربية المتحدة|مصر]]|مسار= https://ia800200.us.archive.org/24/items/FP159836/06_159838-2.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200110134009/https://ia800200.us.archive.org/24/items/FP159836/06_159838-2.pdf | تاريخ أرشيف = 10 يناير 2020}}</ref> وواجهت كيخسرو في مُستهل حياته السياسيَّة عدَّة قضايا تطلَّبت منه العمل الجدِّي على مُواجهتها، منها التنافُس بين أُمراء الأيُّوبيين لِلتقرُّب من السلاجقة، ومُنافسة أخويه له، وتمرُّد الخوارزميين، وصراع أُمرائه فيما بينهم. ولعلَّ أهم تلك القضايا كانت بُرُوز المطامع المغوليَّة في آسيا الصُغرى، إذ كان المغول قد وصلوا -مُنذُ أواخر عهد كيقُباد- إلى حُدُود الدولة السَلْجُوقيَّة، وأرادوا بسط سيطرتهم على البلاد بِفعل موقعها المُؤثِّر في سياستهم التوسُّعيَّة المُقبلة. وقد أدَّت تحرُّكات المغول ومجازرهم المشهورة إلى تدفُّق الكثير من قبائل التُركُمان إلى الأناضول هاربةً من وجه الخطر في موطنها الأصلي [[خوارزم|بخوارزم]] و[[خراسان الكبرى|خُراسان]] و[[بلاد ما وراء النهر|ما وراء النهر]]، والواقع أنَّ تدفُّق هؤلاء كان لا ينقطع مُنذُ فتح السلاجقة بلاد الأناضول، لكنَّ [[الغزو المغولي لخوارزم|الغزوات المغوليَّة]] بِشكلٍ خاص كانت عاملًا ساعد على زيادة كثافة الهجرة. وكان من بين المُهاجرين نسبة مُرتفعة من القرويين وسُكَّان المُدُن، كما كان من بينهم نسبة عالية من التُجَّار الأغنياء والمُفكرين والفنَّانين و[[درويش|الدراويش]].<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد فؤاد الكوبريللي|الكوبريللي، مُحمَّد فؤاد]]|مؤلف2= ترجمة د.أحمد السعيد سُليمان وآخرون |عنوان= قيام الدولة العُثمانيَّة |صفحة= 72|سنة= [[1967]]|ناشر= دار الكاتب العربي |مكان= [[القاهرة]] - [[الجمهورية العربية المتحدة|مصر]]|مسار=https://archive.org/details/Book_192/page/n101/mode/2up}}</ref> وسكن هؤلاء القوم في المناطق الجبليَّة -وبِخاصَّةٍ في جبال طوروس البعيدة عن التطوُّر الاجتماعي- حيثُ ظلُّوا مُحتفظين بِعاداتهم القديمة، ولم يصقلهم العلم الشرعي الإسلامي السليم، فتسرَّبت إليهم تعاليم [[زندقة|الزنادقة]] وغُلاة الصوفيَّة، فأصبحوا أكثر عُزلة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصُغرى 470 - 704هـ / 1077 - 1304م|طبعة= الأولى|صفحة= 247|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|isbn = 9953180474|مسار=https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20220314110714/https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf | تاريخ أرشيف = 14 مارس 2022 }}</ref> وممَّا زاد في شطح هؤلاء وابتعادهم عن الإسلام أكثر فأكثر ظُلم السُلطان كيخسرو الذي كان مُنهمكًا بِشُؤونه الخاصَّة مُهملًا لِأُمور الدولة، فكان مثل هؤلاء الوافدين بِحاجةٍ إلى شخصٍ يقودهم وينتشلهم ممَّا هُم فيه، ويملأ هذا الفراغ الذي تسببت به سوء إدارة السُلطان، الأمر الذي فتح المجال أمام بعض أصحاب الغايات ودُعاة العصيان. وكان من ضمن هذه الفئة رجلٌ صوفيّ خُراسانيّ نزح من دياره بعد استيلاء [[جنكيز خان]] عليها وأقام في بلدة «كفرسود» بِضواحي حلب، ثُمَّ نزح إلى الأناضول وأثار في التُركُمان روح الفتح والعزيمة على التوسُّع تحت شعار الثورة على ظُلم السُلطان كيخسرو، وعُرف هذا الرجل باسم «[[بابا عشق|بابا إسحٰق الكفرسودي التُركُماني]]» في بعض المصادر التاريخيَّة في حين سمَّته أُخرى «بابا إلياس».<ref name="الشيبي">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= الشيبي، كامل مُصطفى|عنوان= الصلة بين التصُّوف والتشيُّع|طبعة= الثالثة|صفحة= 332 - 333|سنة= [[1982]]|ناشر= دار الأندلُس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|المجلد= الجُزء الثاني: النزعات الصوفيَّة في التشيُّع|مسار=https://archive.org/details/haady_1/الصلة%20بين%20التصوف%20والتشيع%282%29%20-%20كامل%20مصطفي%20الشيبي/page/n331/mode/2up}}</ref> وتنص بعض المصادر أنَّ بابا إسحٰق المذكور كان وثيق الصلة [[غلاة|بِغُلاة الشيعة]]، بل إنَّ الإجماع يكاد ينعقد على هذا،<ref name="الشيبي"/> ويُنقل أنَّ هذا الرجل كان تابعًا لِإمام [[نزارية|النزاريَّة الإسماعيليَّة]] [[أعلى محمد بن الحسن علي|أعلى مُحمَّد بن الحسن علي]] الذي عيَّنه [[داعية|داعيًا]] [[باطنية|للباطنيَّة]] في بلاد الأناضول.<ref group="la">[[:tr:Tahir Harimî Balcıoğlu|Balcıoğlu, Tahir Harimî]], ''Türk Tarihinde Mezhep Cereyanları - The course of [[مذاهب إسلامية عقائدية|madh'hab]] events in [[ترك|Turkish]] [[تاريخ]], '' (Preface and notes by Hilmi Ziya Ülken), 271 pages, Ahmet Sait Press, Kanaat Publications, Istanbul, 1940. {{أيقونة تركية}}</ref>

[[ملف:Amasya Kalesi 01.jpg|تصغير|يمين|أطلال قلعة أماسية كما بدت سنة [[2010]]م. أُعدم بابا إسحٰق زعيم الحركة البابائيَّة فيها وعُلِّقت جُثَّته من بُرجها لِإثباط عزيمة أتباعه.]]

عُرف أتباع بابا إسحٰق بِالـ«بابائيين»، وقد سيطر زعيمهم المذكور على عُقُولهم بِإفراغه آراءه الاجتماعيَّة في قالبٍ مثاليٍّ يُصوِّرُ لهم [[المدينة الفاضلة|مدينةً فاضلة]]، ويعدهم بِتحقيقها بِزعامته الروحيَّة.<ref name="الشيبي2">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= الشيبي، كامل مُصطفى|عنوان= الصلة بين التصُّوف والتشيُّع|طبعة= الثالثة|صفحة= 334 - 335|سنة= [[1982]]|ناشر= دار الأندلُس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|المجلد= الجُزء الثاني: النزعات الصوفيَّة في التشيُّع|مسار=https://archive.org/details/haady_1/الصلة%20بين%20التصوف%20والتشيع%282%29%20-%20كامل%20مصطفي%20الشيبي/page/n333/mode/2up}}</ref> واتخذ بابا إسحٰق من [[كرامات (صوفية)|المُجاهدة والكرامة]] طريقًا، وكان ماهرًا في صنع الحيل المبنيَّة على [[شعوذة|الشعوذة]] والدجل، فاستمال الجهلة من التُرك بِما كان يُفتيه لهم من فتاوى ضلاليَّة تُثيرُ فيهم الحماسة الدينيَّة مُتظاهرًا بِالبُكاء أمامهم في بعض الأحيان، كما استمال آخرين بِمظهره الرث وبِنحافة جسمه الناتجة عن التعبُّد و[[الصوم في الإسلام|الصيام]].<ref name="بيبي1">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن بيبي|ابن بيبي، ناصر الدين حُسين بن مُحمَّد بن علي الجعفري الرغدي]]|مؤلف2=تعريب محُمَّد سعيد جمال الدين |عنوان= أخبار سلاجقة الروم|طبعة= الثانية|صفحة= 271 - 275|سنة= [[2007]]|ناشر= المركز القومي للترجمة|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://ia902507.us.archive.org/10/items/akslroakslro/akslro.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830225136/https://ia902507.us.archive.org/10/items/akslroakslro/akslro.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref> وتظاهر بِالورع والأمانة، ولم يكن يقبل شيئًا من صدقة، قانعًا بِقوته البسيط، وبلغ من أمره أن اعتقد فيه الرجال والنساء حتَّى راجعوه في كُل أُمورهم إلى حد التوفيق بين المرء وزوجه عن طريق التعاويذ. وازداد تعلُّق التُركُمان بِهذا الرجل حتَّى أخرجوه من صفته الإنسانيَّة واتخذوه رمزًا لِخلاصهم،<ref name="الشيبي2"/> واعتقدوا أنَّهُ رسول الله إليهم، فحملوا شعار «لا إله إلَّا الله البابا رسول الله».<ref name="الشيبي"/> وعندما رأى تعلُّق الناس به اختفى فجأة من حياتهم لِيُثير الرغبة فيهم، ثُمَّ ظهر فجأةً في إحدى قُرى أماسية، وراح يعمل بِالرعي أُسوةً [[النبوة في الإسلام|بِالأنبياء]]، ثُمَّ بنى صومعةً سجن فيها نفسه مُتظاهرًا بِالزُهد مُعتمدًا على بعض [[مريد|المُريدين]] الذين كان يُرسلهم إلى الأطراف لِلدعوة له.<ref name="بيبي1"/> اتَّصف بابا إسحٰق بِالتأني والبراعة السياسيَّة، فلم يُعطِ أتباعه إشارة البدء بِالثورة إلَّا عندما كانت القُوَّات السَلْجُوقيَّة مُنهمكة كُلُّها في المناطق الشرقيَّة بِحرب الخوارزميين. وممَّا يكشف أيضًا عن حُسن توقيت البدء بِالثورة، أنَّ توالي الحُرُوب في تلك المرحلة أدَّى إلى رفع نسبة الضرائب وتأخُّر الوضع الاقتصادي، وفساد الإدارة، وازدياد سخط الطوائف الاجتماعيَّة على حُكم السلاجقة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد فؤاد الكوبريللي|الكوبريللي، مُحمَّد فؤاد]]|مؤلف2= ترجمة د.أحمد السعيد سُليمان وآخرون |عنوان= قيام الدولة العُثمانيَّة |صفحة= 84|سنة= [[1967]]|ناشر= دار الكاتب العربي |مكان= [[القاهرة]] - [[الجمهورية العربية المتحدة|مصر]]|مسار=https://archive.org/details/Book_192/page/n113/mode/2up}}</ref> وعندما نضجت ظُرُوف التحرُّك أرسل بابا إسحٰق مُريدًا إلى كفرسود وآخر إلى مرعش لِتعبئة القبائل التُركُمانيَّة، وحدَّد لهما يوم إعلان الثورة، على أن يقتُلا كُلَّ من يتخلَّف عن تلبية النداء. وفي اليوم المُحدَّد لِلثورة تعرَّض بابا إسحٰق لِلسُلطان كيخسرو وقبَّحه وفضح أعماله الفاسدة وانشغاله بِالترف الزائد، وكان هذا الهُجُوم الكلامي إشارة البدء لِأتباعه، فانقضَّت جُمُوعُ التُركُمان على المُدُن والقُرى يحرقونها وينهبون أهلها ويُقتِّلونهم دون تفرقةٍ بين المُسلمين والنصارى،<ref name="بيبي1"/> وكان بابا إسحٰق قد أباح لِجماعته الاستفادة من الأسلاب والغنائم والسبي بِوصفها حقًّا لِلمُنتصر، فكان ذلك أحد الأسباب الإضافيَّة التي جعلتهم يستشرسون في القتال.<ref name="الشيبي2"/> وعاث البابائيُّون فسادًا في مُدن ملطية وسيواس وتوقاد وأماسية، فأحرقوها واعتدوا على سُكَّانها وقتلوا منهم خلقًا كثيرًا، الأمر الذي شكَّل صفعةً لِلسُلطان كيخسرو في قونية، فاستفاق من غفلته، وأرسل قائد جُند أماسية، الحاج «أرمغانشاه»، لِقمع هؤلاء العُصاة وزعيمهم، وتمكَّن أرمغانشاه من القبض على بابا إسحٰق ومن كان معه في صومعته القريبة من أماسية، فأعدمه [[شنق]]ًا ودلَّاه من بُرج القلعة لِيراه أتباعه.<ref name="بيبي1"/> لكنَّ هؤلاء ازدادوا شراسةً بعد قتل زعيمهم، فاشتبكوا مع السلاجقة في معركةٍ عنيفةٍ قُتل فيها أرمغانشاه نفسه، فاضطرَّ السُلطان إلى تجهيز جيشٍ آخر وأرسله للقضاء على البابائيين وإنهاء حركتهم. والتحم هذا الجيش مع العُصاة في رحى معركةٍ رهيبة كان النصر فيها إلى جانب السلاجقة، فقُتل الكثير من البابائيين ولاذ الباقون بِالفرار، لكنَّ قادة الجيش السَلْجُوقي تتبعوهم وفتكوا بهم جميعًا، فلم يبقَ على قيد الحياة أحدٌ من الرجال والفتيان، وسُبيت النساء والأطفال، وغُنمت جميع الأثقال والأمتعة واقتُسمت بين العساكر بعد [[أداء الخمس من المغنم (إسلام)|إفراز الخُمس]].<ref name="بيبي1"/> وهكذا انتهت الحركة البابائيَّة بِالفشل، ولم تُحقِّق ما كانت تهدف إليه، ونجا المُجتمع الإسلامي في الأناضول من خرق الباطنيَّة، على أنَّ خطرًا أعظم كان قد أصبح على الأبواب، ألا وهو الخطر المغولي.

=== الغزوات المغوليَّة وانهزام السلاجقة ===
[[ملف:Bataille de Közä Dagh (1243).jpeg|تصغير|يمين|مُنمنمة أوروپيَّة تُصوِّرُ انهزام السلاجقة (يمينًا) وانسحابهم من أمام المغول في معركة جبل كوسه الشهيرة بِمعركة كوسه طاغ أو معركة الجبل الأقرع.]]

كان المغول قد تاخموا حُدُود دولة سلاجقة الروم مُنذُ أواخر عهد السُلطان كيقُباد كما أُسلف، وظهروا في نواحي [[سيواس]]، فقتلوا كثيرًا من السُكَّان وأسروا واسترقُّوا آخرين، واستاقوا الماشية التي وقعوا عليها، وعندما علم السُلطان بِذلك انتابه القلق، فأمر البكلربك كمال الدين كاميار بِالتصدي لهم، فانطلق الأخير على رأس جيشٍ حتَّى بلغ سيواس لِيكتشف أنَّ المغول غادروها وعادوا أدراجهم،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= مُؤرِّخ مجهول|مؤلف2= تعريب: مُحمَّد سعيد جمال الدين|عنوان= أخبار سلاجقة الروم، مُختصر سَلْجُوقنامه|طبعة= الثانية|صفحة= 219|سنة= [[2007]]|ناشر= المركز القومي للترجمة|تاريخ الوصول= [[17 فبراير|17 شُباط (فبراير)]] [[2019]]م|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://ia802507.us.archive.org/10/items/akslroakslro/akslro.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201031094506/https://ia802507.us.archive.org/10/items/akslroakslro/akslro.pdf | تاريخ أرشيف = 31 أكتوبر 2020}}</ref> لكنَّ هؤلاء أرسلوا رسالةً إلى السُلطان حملها إليه شمسُ الدين عُمر القزويني يطلبون منه الدُخُول في طاعتهم ويُحذرونه عاقبة العصيان. وإذ أدرك السُلطان أنَّ من حُسن السياسة مُهادنة المغول في هذا الوقت وافق على طلبهم، وجهَّز الهدايا لِأُمرائهم، غير أنَّهُ تُوفي قبل مُغادرة الوفد المغولي بلاد السلاجقة، فقام ابنه وخليفته كيخسرو بِإتمام ما بدأه، وأرسل كتابًا إلى المغول يتضمَّن الطاعة التامَّة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= مُؤرِّخ مجهول|مؤلف2= تعريب: مُحمَّد سعيد جمال الدين|عنوان= أخبار سلاجقة الروم، مُختصر سَلْجُوقنامه|طبعة= الثانية|صفحة= 241 - 244|سنة= [[2007]]|ناشر= المركز القومي للترجمة|تاريخ الوصول= [[17 فبراير|17 شُباط (فبراير)]] [[2019]]م|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://ia802507.us.archive.org/10/items/akslroakslro/akslro.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201031094506/https://ia802507.us.archive.org/10/items/akslroakslro/akslro.pdf | تاريخ أرشيف = 31 أكتوبر 2020}}</ref> ويبدو أنَّ المغول لم يكتفوا بما أعلنه سلاجقة الروم من التبعيَّة لهم، بل أرادوا بسط سيطرتهم المُباشرة على البلاد بِفعل موقعها المُؤثِّر في سياستهم التوسُّعيَّة المُقبلة، فشنَّ القائد المغولي [[بايجو نويان]] هُجُومًا على [[أرضروم]] في سنة [[640 هـ|640هـ]] المُوافقة لِسنة [[1242]]م ونصب عليها اثنيْ عشر [[منجنيق]]ًا، فهدم أسوارها ودخلها وقتل أفراد حاميتها، واستبقى أرباب الصنائع وذوي المهن.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[شهاب الدين النويري|النُويري، شهاب الدين أحمد بن عبد الوهَّاب بن مُحمَّد]]|عنوان= نهاية الإرب في فنون الأدب|المجلد= الجُزء السابع والعُشرون|طبعة= الأولى|صفحة= 238|سنة= [[1424 هـ|1424هـ]] - [[2004]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|تاريخ الوصول= [[17 فبراير|17 شُباط (فبراير)]] [[2019]]م|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://books.google.com.lb/books?id=R42BDwAAQBAJ&pg=PT225&lpg=PT225&dq=جرماغون&source=bl&ots=ZC6-ozIfIB&sig=ACfU3U0ymZurX0YPnJU48ELyXg1uOY_SEw&hl=en&sa=X&ved=2ahUKEwjzlJOC5MPgAhUIzoUKHZcnBH0Q6AEwBXoECAwQAQ#v=onepage&q=جرماغون&f=false|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20191129140239/https://books.google.com.lb/books?id=R42BDwAAQBAJ&pg=PT225&lpg=PT225&dq=جرماغون&source=bl&ots=ZC6-ozIfIB&sig=ACfU3U0ymZurX0YPnJU48ELyXg1uOY_SEw&hl=en&sa=X&ved=2ahUKEwjzlJOC5MPgAhUIzoUKHZcnBH0Q6AEwBXoECAwQAQ|تاريخ أرشيف=2019-11-29}}</ref> ولمَّا تلقَّى السُلطان أنباء الكارثة دعا أعيان الدولة إلى اجتماعٍ عامٍ لِدراسة الموقف، وتمحَّض عن هذا الاجتماع إعلان الحرب على المغول وتناسي المُشكلات والخلافات مع جيران السلاجقة من الأُمراء المُسلمين في سبيل توحيد الجبهة الإسلاميَّة، وعبَّأ السُلطان السَلْجُوقي جيشًا تراوح تعداده بين 60,000 و80,000 جُندي،<ref group="la">S. Burhanettin Akbaş: ''Kayseri yöresine yerleşen Türk boyları ve akraba topluluklar'', Geçit, 1997, page 45 {{أيقونة تركية}} [Source states= Mongol army: 30,000 men; Seljuq army: 70,000 men]</ref><ref group="la">[[:en:Anadolu University|Anadolu University]], ''I. Uluslararası Seyahatnamelerde Türk ve Batı İmajı Sempozyumu belgeleri: 28. X-1 XI. 1985'', page 28 {{أيقونة تركية}} [Source states: Mongol army= 40,000 men; Seljuq army= 60,000 men]</ref><ref group="la">Ali Sevim, Erdoğan Merçil: ''Selçuklu devletleri tarihi: siyaset, teşkilât ve kültür'', Türk Tarih Kurumu Basımevi, 1995, {{ردمك|9789751606907}}, page 472 {{أيقونة تركية}}</ref> تألَّف مُعظمهم من مُرتزقةٍ حلبيين وبيزنطيين وإفرنج ومصريين، وفي المُقابل بلغ عدد أفراد الجيش المغولي نحو أربعين ألفًا. وعسكر الطرفان في سهل «كوسه طاغ» بين أرضروم وأرزنجان حيثُ دارت بينهما رحى [[معركة جبل كوسه|معركة عنيفة]] في سنة [[641 هـ|641هـ]] المُوافقة لِسنة [[1243]]م أسفرت عن انتصار المغول ودحر الجيش السَلْجُوقي.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[بدر الدين العيني|العيني، أبو مُحمَّد بدر الدين محمود بن أحمد بن موسى الحنفي]]|مؤلف2= تحقيق: أ. د. مُحمَّد مُحمَّد أمين|عنوان= عقد الجُمان في تاريخ أهل الزمان|صفحة= 26 - 27|سنة= [[1407 هـ|1407هـ]] - [[1987]]م|ناشر= [[الهيئة المصرية العامة للكتاب|الهيئة المصريَّة العامَّة لِلكتاب - مركز تحقيق التُراث]]|تاريخ الوصول= [[17 فبراير|17 شُباط (فبراير)]] [[2019]]م|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://shamela.ws/browse.php/book-380#page-26|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190521174516/http://shamela.ws:80/browse.php/book-380|تاريخ أرشيف=2019-05-21}}</ref> واندفع المغول بعد انتصارهم يُطاردون فُلُول السلاجقة، فدخلوا سيواس ونهبوها جُزئيًّا، ثُمَّ تقدموا إلى [[قيصرية (تركيا)|قيصريَّة]] التي تحصَّنت فيها القُوَّات السَلْجُوقيَّة المُنسحبة، فحاصروها وضربوها بِالمجانيق، ثُمَّ دخلوها واستباحوها وأحرقوها، وقتلوا الرجال من أهلها وسبوا العيال والنساء.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= مُؤرِّخ مجهول|مؤلف2= تعريب: مُحمَّد سعيد جمال الدين|عنوان= أخبار سلاجقة الروم، مُختصر سَلْجُوقنامه|طبعة= الثانية|صفحة= 289 - 292|سنة= [[2007]]|ناشر= المركز القومي للترجمة|تاريخ الوصول= [[17 فبراير|17 شُباط (فبراير)]] [[2019]]م|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://ia802507.us.archive.org/10/items/akslroakslro/akslro.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201031094506/https://ia802507.us.archive.org/10/items/akslroakslro/akslro.pdf | تاريخ أرشيف = 31 أكتوبر 2020}}</ref> كان لِهذه المعركة أثرٌ حاسمٌ في تراجُع قُوَّة دولة سلاجقة الروم إذ وقع الأناضول في قبضة المغول، وعندما رأى السلاجقة أنفسهم عاجزين عن مُواجهتهم أجروا معهم مُباحثات سلامٍ وصالحوهم على جزيةٍ قدرُها ألف دينار وفرسًا ومملوكًا وجاريةً و[[كلب سلوغي مغربي|كلب صيد]].<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن تغري|ابن تغري بردي، أبو المحاسن جمال الدين يُوسُف الأتابكي اليشبقاوي الظاهري]]|عنوان= النُجُوم الزاهرة في مُلُوك مصر والقاهرة|المجلد=الجُزء السادس|صفحة= 347|سنة= [[1383 هـ|1383هـ]] - [[1963]]م|ناشر= [[وزارة الثقافة (مصر)|وزارة الثقافة]]|تاريخ الوصول= [[17 فبراير|17 شُباط (فبراير)]] [[2019]]م|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://ia800200.us.archive.org/24/items/FP159836/06_159838-2.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200110134009/https://ia800200.us.archive.org/24/items/FP159836/06_159838-2.pdf | تاريخ أرشيف = 10 يناير 2020}}</ref> وبِهذا أضحى سلاجقة الروم تابعين لِلمغول.

=== مرحلة الحُكم المُشترك في ظل المغول ===
تُوفي السُلطان كيخسرو في سنة [[644 هـ|644هـ]] المُوافقة لِسنة [[1246]]م<ref name="خواند">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[خواند مير|خواندمير، غيَّاث الدين مُحمَّد بن محمود بن مُحمَّد البلخي الشيرازي الهروي]]|عنوان= تاريخ حبيب السير في أخبار أفراد البشر|المجلد=الجُزء الثاني|صفحة= 540|ناشر= انتشارات خيَّام|لغة= fa|مسار=https://archive.org/details/mohamed_rahman2007_hotmail_20180311_1117/page/n1039/mode/2up}}</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[منهاج السراج الجوزجاني|الجوزجاني، أبو عُمر منهاجُ الدين عُثمان بن إبراهیم]]|عنوان= طبقات ناصرى|صفحة= 331|سنة= [[تقويم هجري شمسي|1363هـ. ش]]|ناشر= دنياى كتاب|المجلد=الجُزء الثاني|مكان= [[طهران|تهران]] - [[إيران|ايران]]|لغة= fa|مسار= http://ar.lib.eshia.ir/10516/2/331|مسارالأرشيف= https://archive.today/20210130011544/http://ar.lib.eshia.ir/10516/2/331|تاريخ أرشيف= [[30 يناير|30 كانون الثاني (يناير)]] [[2021]]|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20210130021756/http://ar.lib.eshia.ir/10516/2/331}}</ref> بعد حياةٍ حافلةٍ بِالمآسي سببها انغماسه في اللهو وجهله وظُلمه كما أُسلف. وبُعيد وفاته تشاور الأُمراء والأعيان -ممَّن كانت لهم الكلمة النافذة في البلاد- في اختيار خلفٍ لِسُلطانهم الراحل، وقرَّروا تعيين ابنه الأكبر [[كيكاوس الثاني بن كيخسرو الثاني|عزُّ الدين كيكاوس]]، فنصَّبوه على العرش، وأجلسوا أخويه [[قلج أرسلان الرابع|رُكن الدين قلج أرسلان]] عن يمينه و[[كيقباد الثاني|علاء الدين كيقُباد]] على يساره.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن بيبي|ابن بيبي، ناصر الدين حُسين بن مُحمَّد بن علي الجعفري الرغدي]]|مؤلف2=تعريب محُمَّد سعيد جمال الدين |عنوان= أخبار سلاجقة الروم|طبعة= الثانية|صفحة= 303|سنة= [[2007]]|ناشر= المركز القومي للترجمة|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://ia902507.us.archive.org/10/items/akslroakslro/akslro.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830225136/https://ia902507.us.archive.org/10/items/akslroakslro/akslro.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref> وكانت البلاد في الوقت الذي اعتلى فيه كيكاوس بن كيخسرو عرش السلطنة ترزح تحت وطأة الفوضى. فالأُمراء في تنافُسٍ وتناحر من أجل السُلطة، بل راحوا يتسابقون لِكسب ودّ زُعماء المغول والتزلُّف لهم لِلحُصُول على مكاسب سياسيَّة. وكثُرت تعدِّيات القبائل البدويَّة على المُدُن والقُرى الآمنة، وشكَّلوا خطرًا على أمن الدولة، كما شعر أُمراء المغول في آسيا الصُغرى بِضغطهم، فطلبوا من السلطنة السَلْجُوقيَّة وضع حد لِتعدِّياتهم وفرض الأمن في البلاد. نجح كيكاوس في لجم ثورة البدو إلى حدٍّ ما إلَّا أنَّ ظُهُور حركاتٍ ثوريَّةٍ أُخرى، أقلقه وأقضَّ مضاجع المغول.<ref name="كيوك">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصُغرى 470 - 704هـ / 1077 - 1304م|طبعة= الأولى|صفحة= 294|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|isbn = 9953180474|مسار=https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20220314110714/https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf | تاريخ أرشيف = 14 مارس 2022 }}</ref> وفي سنة [[644 هـ|644هـ]] المُوافقة لِسنة [[1246]]م تولَّى العرش المغولي حفيد جنكيز خان المُسمَّى «[[جيوك خان|گُيوك]]» خلفًا لِأبيه [[أوقطاي خان]]، فتواترت الوُفُود من الشرق والغرب إلى العاصمة المغوليَّة [[قراقورم]] لِحُضُور حفل تتويج الخاقان الأعظم الجديد. ولم يُشارك السُلطان السَلْجُوقي كيكاوس في هذه المُناسبة، بل أرسل أخيه قلج أرسلان بدلًا عنه،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[عطاء ملك الجويني|الجويني، علاء الدين أبو المنظر عطاء الله بن بهاء الدين مُحمَّد]]|عنوان= تاريخ فاتح العالم (جهانگشاى)|طبعة= الأولى|صفحة= 255|سنة= [[2007]]|المجلد=الجُزء الأوَّل|ناشر= المركز القومي للترجمة|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار=https://archive.org/details/elfares25jan90_gmail_A014/page/n255/mode/2up|isbn =9774374282}}</ref> وفوَّضه بِإجراء مُباحثاتٍ مع المغول لِتجديد الصُلح بينهم، ووعد بِأن يذهب في مُناسبةٍ أُخرى. استغلَّ قلج أرسلان اجتماعه بِالخاقان الجديد وأقنعهُ بِتنصيبه سُلطانًا على بلاد الروم مُقابل إبرام مُعاهدةٍ جديدةٍ تقضي بِأن يدفع السلاجقة جزية سنويَّة مقدارها مليوناً ومائتي ألف بيزنت، وخمسُمائة ثوب من الحرير مُوشَّاة بِالذهب، وخمسُمائة [[خيل عربية|حصان]]، ومثلها من [[جمل عربي|الجِمال]]، وخمسة آلاف رأس [[ماشية]]، وهدايا تُعادل ضعف هذا كُلِّه.<ref name="كيوك"/> وافق گُيوك خان على هذا العرض، وأعاد قلج أرسلان إلى الأناضول حاملًا أمرًا خاقانيًّا بِإنزال كيكاوس وتنصيبه مكانه، وأرسل معهُ ألفيّ فارس مغولي لِمُساعدته على إخضاع المُعارضين. وماإن وصل قلج أرسلان إلى بلاده حتَّى كتب إلى أخيه يُخبره بِأمر الخاقان، ويطلب منه الاعتراف بِسلطنته.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن بيبي|ابن بيبي، ناصر الدين حُسين بن مُحمَّد بن علي الجعفري الرغدي]]|مؤلف2=تعريب محُمَّد سعيد جمال الدين |عنوان= أخبار سلاجقة الروم|طبعة= الثانية|صفحة= 323|سنة= [[2007]]|ناشر= المركز القومي للترجمة|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://ia902507.us.archive.org/10/items/akslroakslro/akslro.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830225136/https://ia902507.us.archive.org/10/items/akslroakslro/akslro.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref>

عارض بعض أُمراء السلطنة تفرُّد كيكاوس بِالحُكم، وتزعَّمهم جلال الدين قراطاي، واتَّفق هذا مع البكلربك «يوطاش» على تنصيب الإخوة الثلاثة معًا، ونجح في إقناع أكثريَّة الأُمراء في الدولة بِهذا الأمر. ويبدو أنَّ بعض الأُمراء الآخرين المُوالين لِقلج أرسلان لم يرضوا بِالحل المذكور، وأصرُّوا على تفرُّد سُلطانهم بِالحُكم، وتزَّعم هذه الحركة أميرٌ يُدعى «طرنطاي»، فافتعل المُشكلات التي أوصلت الأخوين كيكاوس وقلج أرسلان إلى حد الصدام العسكري، غير أنَّ تدخُّل القاضي جمال الدين الختني حال دون تفاقم الوضع، فقرَّب بين الأخوين، واتُّفق على نسيان الماضي وفتح صفحة جديدة في العلاقات الوديَّة بينهما. وسُجن الأُمراء الذين تسبَّبوا في إشعال الحرب.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن بيبي|ابن بيبي، ناصر الدين حُسين بن مُحمَّد بن علي الجعفري الرغدي]]|مؤلف2=تعريب محُمَّد سعيد جمال الدين |عنوان= أخبار سلاجقة الروم|طبعة= الثانية|صفحة= 324 - 326|سنة= [[2007]]|ناشر= المركز القومي للترجمة|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://ia902507.us.archive.org/10/items/akslroakslro/akslro.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830225136/https://ia902507.us.archive.org/10/items/akslroakslro/akslro.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref> وبِفضل مقدرة الوزير شمس الدين الجويني الأصفهاني استمرَّت الحُكُومة المُشتركة بين سنتيّ [[647 هـ|647]] و[[655 هـ|655هـ]] المُوافقة لِما بين سنتيّ [[1249]] و[[1257]]م، وحفلت هذه السنوات بِالدسائس والمُؤامرات، وتقلَّبت فيها مُيُول الأُمراء وفق مصالحهم الخاصَّة. وفي سنة 655هـ المُوافقة لِسنة 1257م تُوفي السُلطان علاء الدين كيقُباد، ويُقال أنَّهُ قُتل أثناء رحلته إلى قراقورم لِتقديم فُرُوض الولاء والطاعة لِلخاقان الجديد [[مونكو خان|منكو خان]]،<ref group="la">{{استشهاد بموسوعة |موسوعة = [[دائرة المعارف الإسلامية الكبرى|Encyclopædia Iranica]]|عنوان= SALJUQS iii. SALJUQS OF RUM|مسار= https://iranicaonline.org/articles/saljuqs-iii|تاريخ= [[1 يناير|January 1]]، [[2000]]|ناشر= Encyclopædia Iranica Foundation, Inc|issn=2330-4804 |مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20201117180142/https://iranicaonline.org/articles/saljuqs-iii
|تاريخ أرشيف=2020-11-17}}</ref> فحكم بلاد الروم أخواه كيكاوس وقلج أرسلان بِصورةٍ مُنفردةٍ حينًا ومُشتركةٍ أحيانًا وفقًا لِتقلُّب الأوضاع السياسيَّة في داخل البلاد وخارجها. فقد دبَّ الخلاف بدايةً بين الأخوين، وتطوَّر إلى نزاعٍ مُسلَّح، فانهزم قلج أرسلان وتفرَّد كيكاوس بِالسلطنة حتَّى هاجم المغول الأناضول مُجددًا وهزموه هزيمةً شنعاء وأجبروه على الهرب والالتجاء إلى الروم في نيقية، فتولَّى مكانه قلج أرسلان الذي هادن المغول، وسعى لدى [[هولاكو خان]] -وهو شقيق الخاقان الأعظم منكو ونائبه في [[إيران الكبرى|إيران]]- كي يُعيِّنه سُلطانًا على كافَّة بلاد الروم. لكنَّ هولاكو الذي كان يعد نفسه السيِّد الأعلى والحاكم العام لِلأناضول، استدعى إليه السُلطانين الأخوين بُعيد [[سقوط بغداد (1258)|استيلائه على بغداد]] سنة [[656 هـ|656هـ]] المُوافقة لِسنة [[1258]]م، وأعلمهما بِقراره تقسيم الأناضول بينهما، فأعطى كيكاوس جميع البلاد المُمتدَّة من حُدُود قيصريَّة إلى ساحل أنطالية حتَّى الحُدُود البيزنطيَّة، وتكون عاصمته قونية، في حين منح قلج أرسلان البلاد المُمتدَّة من سيواس إلى ساحل سينوپ وصامصون، وتكون توقاد مقرًّا له. وكان القسم الأخير -أي الشرقي- هو أكثر ما يهم المغول لِمُجاورته حُدُود بلادهم، ومن أجل ذلك عيَّنوا عليه قلج أرسلان المُوالي لهم.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصُغرى 470 - 704هـ / 1077 - 1304م|طبعة= الأولى|صفحة= 300 - 303|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|isbn = 9953180474|مسار=https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20220314110714/https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf | تاريخ أرشيف = 14 مارس 2022 }}</ref>

=== السلاجقة بين المغول والمماليك ===
[[ملف:رسم الظاهر بيبرس.png|تصغير|رسمٌ لِلسُلطان الظاهر رُكن الدين بيبرس. حمل على ديار الروم لِضمِّها إلى مُلكه وتوحيد الجبهة الإسلاميَّة ضدَّ المغول، خلال وزارة مُعينُ الدين سُليمان پروانه.]]

لم ينتهِ الصراع بين الأخوين قلج أرسلان وكيكاوس نتيجة اقتسام السُلطة، وظلَّ الأوَّل وأتباعه يُضايقون الآخر لِإزاحته عن الحُكم. فاضطرَّ كيكاوس إلى البحث عن حليفٍ يُسانده في صراعه مع أخيه وحُلفائه المغول، وكان نجم السُلطان المملوكي [[الظاهر بيبرس]] قد بدأ يسطع في سماء المشرق الإسلامي، لا سيَّما بعد أن شارك في هزيمة المغول في [[معركة عين جالوت]]، وأعاد إحياء [[الخلافة العباسية في مصر|الخلافة العبَّاسيَّة في القاهرة]]، ووحَّد الديار المصريَّة والشَّاميَّة والحجازيَّة في [[الدولة المملوكية|دولةٍ واحدةٍ]]، واستردَّ لِلمُسلمين الكثير من البلاد التي يحتلَّها الصليبيين، وأنزل بِأرمن قيليقية ضرباتٍ موجعة، فوجد فيه كيكاوس الحليف الطبيعي الذي سيُمكِّنه من التصدِّي لِخُصُومه، وأرسل إليه يطلب منه المُساعدة مُقابل أن يتنازل له عن نصف بلاده يُقطعها لمن يختاره.<ref name="الروض">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محيي الدين بن عبد الظاهر|ابن عبد الظاهر، مُحيي الدين أبو الفضل عبد الله السعدي المصري]]|عنوان= الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر|طبعة= الأولى|صفحة= 125، 128|سنة= [[1396 هـ|1396هـ]] - [[1976]]م|ناشر= عبد العزيز الخويطر|مكان= [[الرياض]] - [[السعودية|السُعُوديَّة]]|مسار=https://ia800300.us.archive.org/19/items/gvrp6/gvrp6.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830225306/https://ia800300.us.archive.org/19/items/gvrp6/gvrp6.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref> استجاب الظاهر بيبرس لِطلب المُساعدة ضمن سياسته الهادفة للتوسُّع شمالًا، وإقامة تحالُفاتٍ مع السلاجقة لِلوُقُوف في وجه الخطر المغولي على ديار الإسلام، وجهَّز قُوَّةً عسكريَّةً بِقيادة الأمير ناصر الدين أُغلُمُش لِمُساعدة كيكاوس، لكنَّ هذه القُوَّة لم تصل إلى بلاد الروم بِدليل عدم حسم الصراع بين الأخوين، بِالإضافة إلى أنَّ كيكاوس أعلم نظيره بيبرس في رسالةٍ أُخرى أرسلها إليه بِتراجُع الضغط المغولي عليه، ولم يُشر فيها إلى أي دورٍ لِلقُوَّة المملوكيَّة.<ref name="الروض"/> واستغلَّ المُفسدون وخُصُوم كيكاوس مُراسلاته مع المماليك، فرفعوا الأمر إلى هولاكو في [[تبريز]] طالبين منه تأديب هذا العاصي الخارج عن السُلطة المغوليَّة، فأرسل جيشًا على الفور هاجم قونية التي تحصَّن بها السُلطان، ولمَّا رأى الأخير أنَّ لا قِبل لهُ بِمُواجهة خُصُومه خرج من المدينة ناجيًا بِحياته، وتوجَّه نحو أنطالية ومنها هرب إلى القُسطنطينيَّة عن طريق البحر، ونزل ضيفًا على الإمبراطور [[ميخائيل الثامن باليولوج|ميخائيل الثامن]].<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن بيبي|ابن بيبي، ناصر الدين حُسين بن مُحمَّد بن علي الجعفري الرغدي]]|مؤلف2=تعريب محُمَّد سعيد جمال الدين |عنوان= أخبار سلاجقة الروم|طبعة= الثانية|صفحة= 357 - 360|سنة= [[2007]]|ناشر= المركز القومي للترجمة|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://ia902507.us.archive.org/10/items/akslroakslro/akslro.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830225136/https://ia902507.us.archive.org/10/items/akslroakslro/akslro.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref> وهكذا خلا الجو لِقلج أرسلان لِيحكم بِمُفرده، إلَّا أنَّهُ لم يُؤدِّ دورًا سياسيًّا بارزًا، وحجبه وزيره [[بروانه معين الدين سليمان|مُعينُ الدين سُليمان پروانه]] عن الواجهة السياسيَّة، فأحكم قبضته على مُقدَّرات الدولة حتَّى سُمي عصره بِـ«عصر پروانه».<ref group="la">{{استشهاد بموسوعة |الأخير= Turan|الأول= Osman|محرر1= P.M. Holt  |محرر2= Ann K. S. Lambton|محرر3= Bernard Lewis|موسوعة = The Cambridge History of Islam|عنوان=Anatolia in The Period of The Seljuks and The Beyliks |مسار= https://www.ashtoncentralmosque.com/wp-content/uploads/2014/07/The-Cambridge-History-of-Islam-%E2%80%93-1a.pdf|تاريخ= [[2005]]|ناشر= [[مطبعة جامعة كامبريدج|Cambridge University Press]]|سلسلة= Handbook of Oriental Studies |المجلد= Volume IA: The Central Islamic Lands from Pre-Islamic Times to The First World War|صفحات=250|isbn=9780521219464|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20170413030738/http://www.ashtoncentralmosque.com/wp-content/uploads/2014/07/The-Cambridge-History-of-Islam-–-1a.pdf
|تاريخ أرشيف=2017-04-13}}</ref>

عُرف عن پروانه بِأنَّهُ ذكي واسع الحيلة يغتنم كُل فُرصة تُتاح له لِتقوية نُفُوذه وتحقيق غاياته، فاستغلَّ وفاة هولاكو سنة [[664 هـ|664هـ]] المُوافقة لِسنة [[1265]]م، وتربُّع ابنه [[أباقا خان|أباقا]] على العرش مكانه، فتوجَّه بِرفقة السُلطان إلى البلاط المغولي الإلخاني في تبريز لِتقديم فُرُوض الطاعة والولاء حيثُ طلبا الإذن بِالسماح لهما بِاستعادة البلاد والمناطق التي فقدها السلاجقة أثناء صراع الإخوة وبِخاصَّةٍ مدينة سينوپ، فأذن لهم بِذلك. وعاد قلج أرسلان إلى بلاده بعد تمام الزيارة بينما بقي پروانه في تبريز حيثُ أسرَّ لِأباقا أنَّهُ يغلب على سلاطين بني سَلْجُوق التذبذب، وأنَّ قلج أرسلان يُراسل المماليك سرًا، فما كان من أباقا إلَّا أن قلَّد پروانه نيابة السلطنة ببلاد الروم على أن يتخلَّص من كُل شخص يُخالفه أو يشُك بِولائه لِلمغول.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[قطب الدين اليونيني|اليونيني، قُطب الدين أبو الفتح موسى بن مُحمَّد بن أبي الحسُين أحمد البعلبكي]]|عنوان= ذيل مرآة الزمان|طبعة= الأولى|المجلد=الجُزء الثاني|صفحة= 347|سنة= [[1357 هـ|1357هـ]] - [[1955]]م|ناشر= مطبعة دائرة المعارف الإسلاميَّة|مكان= [[حيدر آباد]] - [[الهند]]|مسار=https://archive.org/details/thmizayo/thail02/page/n347/mode/2up}}</ref> ولمَّا حاول السُلطان التخلُّص من هيمنة وزيره وازدياد نُفُوذه الذي بات يُهدده شخصيًّا لفَّق لهُ پروانه تُهمة التخطيط لِاغتياله ومُكاتبة المماليك، فقبض عليه المغول وأعدموه خنقًا يوم الأربعاء [[8 جمادى الأولى|8 جُمادى الأولى]] [[664 هـ|664هـ]] المُوافق فيه [[14 فبراير|14 شُباط (فبراير)]] [[1266]]م،<ref name="خواند"/> ونُصِّب مكانه ابنه الطفل [[كيخسرو الثالث|كيخسرو]]. ولم يُؤدِّ هذا السُلطان أي دورٍ بارز خِلال حياته السياسيَّة نظرًا لِصغر سنِّه من جهة، وازدياد نُفُوذ الأُمراء وبِخاصَّةٍ پروانه من جهةٍ أُخرى، كما كثُرت في عهده الثورات والفتن. ودخل سلاجقة الروم -بِحُكم موقع بلادهم المُهم- في دوَّامة الصراع بين المغول والمماليك. وكان السُلطان بيبرس يُنزل بِالمغول والصليبيين الضربات القاسية، وبِنيَّته توحيد كافَّة بلاد الإسلام تحت رايته ولم شمل المُسلمين من جديد، وكان يتطلَّع إلى ضمِّ الأناضول إلى دولته في مصر والشَّام لِيتمكَّن من الاتصال [[خانية القبيلة الذهبية|بِمغول القبيلة الذهبيَّة]] بِقيادة زعيمهم المُسلم [[بركة خان]]، والتنسيق معهم لِلوُقُوف بِوجه المغول الإلخانيين في إيران، بِالإضافة لِلتخفيف من الضغط المغولي الواقع على الشَّام.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصُغرى 470 - 704هـ / 1077 - 1304م|طبعة= الأولى|صفحة= 309 - 310، 324|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|isbn = 9953180474|مسار=https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20220314110714/https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf | تاريخ أرشيف = 14 مارس 2022 }}</ref>
[[ملف:ConquistasYCampañasDeBaibars1261-1277-ar.png|تصغير|يمين|خريطة تُصوِّر حملات السُلطان بيبرس بما فيها حملته على الأناضول.]]
كثُر عدد الأُمراء السلاجقة المُوالين لِبيبرس خِلال السنوات القليلة التي تبعت تنصيب السُلطان الطفل كيخسرو، كما كُثرت الثورات ضدَّ الحُكم المغولي لِلبلاد والساسة السَلْجُوقيين المُوالين له. وهاجر بعض الأُمراء إلى دمشق كمُبارز الدين سوار الجاشنكير وسيف الدين الجندرلي وولده ميكائيل، وحُسام الدين بيجار وولده بهادُر، واجتمعوا مع بيبرس الذي رحَّب بِقُدُومهم، وطلبوا منه الإسراع في السير إلى الأناضول لِإنجاد المُسلمين ممَّا هم فيه.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[عز الدين بن شداد|ابن شدَّاد، عز الدين مُحمَّد بن علي بن إبراهيم الحلبي]]|عنوان= تاريخ الملك الظاهر|صفحة= 154 - 155|سنة= [[1403 هـ|1403هـ]] - [[1983]]م|ناشر= دار النشر فرانز شتاينر|مكان= [[فيسبادن|ڤيسبادن]] - [[ألمانيا الغربية|ألمانيا]]|مسار=https://ia803100.us.archive.org/4/items/ktp2019-bskn11498/ktp2019-bskn11498.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210726030957/https://ia803100.us.archive.org/4/items/ktp2019-bskn11498/ktp2019-bskn11498.pdf | تاريخ أرشيف = 26 يوليو 2021 }}</ref> وفي سنة [[674 هـ|674هـ]] المُوافقة لِسنة [[1275]]م رأى بيبرس أنَّ الفُرصة أضحت مُواتية لِيُنفِّذ مشروعه بِضمِّ بلاد الروم، فالسُلطان كيخسرو مايزال طفلًا مغلوبًا على أمره، أمَّا پروانه الحاكم الفعلي لِلبلاد فإنَّهُ لم يستطع -على الرُغم ممَّا بذله من جُهد- أن يضبط الأوضاع الداخليَّة المُتدهورة، وإخماد الفتن، والثورات المُؤيِّدة لِبيبرس، كما أنَّهُ عجز عن ضبط الإمارات التُركُمانيَّة التي أخذت في الظُهُور، وأهمُّها [[إمارة قرمان|الإمارة القرمانيَّة]]، واحتفظ المغول بِحمايةٍ مُفكَّكةٍ على دولة سلاجقة الروم بِسبب تكاثر الانتفاضات ضدَّهم، وقد عجزت القُوَّة المُرابطة في البلاد عن وضع حدٍّ لها. أمَّا الصليبيُّون والأرمن فلم يعد لهم من القُوَّة ما يُمكِّنهم من عرقلة المشروع الإسلامي.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصُغرى 470 - 704هـ / 1077 - 1304م|طبعة= الأولى|صفحة= 328 - 329|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|isbn = 9953180474|مسار=https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20220314110714/https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf | تاريخ أرشيف = 14 مارس 2022 }}</ref> خرج بيبرس من [[الكرك]] إلى دمشق يوم [[20 رمضان]] [[675 هـ|675هـ]] المُوافق فيه [[24 فبراير|24 شُباط (فبراير)]] [[1277]]م، واصطحب معهُ الأُمراء السلاجقة الذين استضافهم، ومن دمشق سار إلى حلب ومنها إلى عينتاب،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[شهاب الدين النويري|النويري، شهاب الدين أحمد بن عبد الوهّاب بن مُحمَّد]]|عنوان= نهاية الإرب في فنون الأدب |طبعة= الأولى|صفحة= 148 - 149|سنة= [[1424 هـ|1424هـ]] - [[2004]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|المجلد= الجُزء الثلاثون|isbn =2745138839|مسار=https://ia800607.us.archive.org/33/items/waq66201/14-30_66214.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830225159/https://ia800607.us.archive.org/33/items/waq66201/14-30_66214.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref> فدُلُوك، فمرج الديباج، و[[الحدث الحمراء|كينوك]]، ثُمَّ عبر النهر الأزرق وقطع الدربند وبات في أرضٍ سهلة، والتقت طليعته بِطليعةٍ مغوليَّةٍ قوامها ثلاثة آلاف مُقاتل، فهزمها وأسر كثيرًا من أفرادها.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محيي الدين بن عبد الظاهر|ابن عبد الظاهر، مُحيي الدين أبو الفضل عبد الله السعدي المصري]]|عنوان= الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر|طبعة= الأولى|صفحة= 453، 456، 458|سنة= [[1396 هـ|1396هـ]] - [[1976]]م|ناشر= عبد العزيز الخويطر|مكان= [[الرياض]] - [[السعودية|السُعُوديَّة]]|مسار=https://ia800300.us.archive.org/19/items/gvrp6/gvrp6.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830225306/https://ia800300.us.archive.org/19/items/gvrp6/gvrp6.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref> وفي يوم الجُمُعة [[10 ذو القعدة|10 ذي القعدة]] [[675 هـ|675هـ]] المُوافق فيه [[16 أبريل|16 نيسان (أبريل)]] [[1277]]م التقى الجيشان الرئيسيَّان لِلمغول والمماليك على مقرُبةٍ من مدينة البستان، وحثَّ بيبرس جُنُود الإسلام على الجهاد في سبيل الله، ثُمَّ حصل الاشتباك وتلاقى العسكران. ودارت بين الطرفين [[معركة البستان|معركة ضارية]] انجلت عن هزيمةٍ قاسيةٍ لِلمغول ومن حالفهم من الأرمن و[[جورجيون|الكرجيين]] وأُمراء السلاجقة المُوالين لهم، فقُتل من المغول ستَّة آلاف وسبعُمائة وسبعون رجُلًا وأُسر كثيرٌ منهم، كما قُتل ألفا فارسٍ كرجيٍّ بِالإضافة إلى عددٍ من أُمراء السلاجقة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محيي الدين بن عبد الظاهر|ابن عبد الظاهر، مُحيي الدين أبو الفضل عبد الله السعدي المصري]]|عنوان= الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر|طبعة= الأولى|صفحة= 456 - 462|سنة= [[1396 هـ|1396هـ]] - [[1976]]م|ناشر= عبد العزيز الخويطر|مكان= [[الرياض]] - [[السعودية|السُعُوديَّة]]|مسار=https://ia800300.us.archive.org/19/items/gvrp6/gvrp6.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830225306/https://ia800300.us.archive.org/19/items/gvrp6/gvrp6.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref> بعد هذا الانتصار، دخلت بعض مُدُن الأناضول في طاعة بيبرس، مثل سمندو ولارندة ودوالو، وأقبل عليه السُكَّان من مُختلف طبقاتهم يُهنِّئونه بِالنصر وهُم [[تكبير (إسلام)|يُكبِّرون]] ويُهللون، ودخل بيبرس مدينة قيصريَّة وجلس على عرش السلاجقة، وخُطب لهُ على المنابر، وضُربت السكَّة بِاسمه. ولم يستمر مُكُوث بيبرس بِالأناضول سوى عشرة أيَّام علم أثناءها بِأنَّ الوزير السَلْجُوقي پروانه قد راسل المغول لِيستعين بهم على المماليك. ولمَّا كانت عساكره قد أنهكها التعب، ونفدت الأقوات، ونقُص العلف، ونفقت مُعظم الخُيُول، رأى بيبرس أن يعود بِجيشه إلى الشَّام قانعًا بما أحرز، دون أن يُحقِّق هدفه بِضمِّ كامل بلاد الروم والاتصال بِمغول القبيلة الذهبيَّة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محيي الدين بن عبد الظاهر|ابن عبد الظاهر، مُحيي الدين أبو الفضل عبد الله السعدي المصري]]|عنوان= الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر|طبعة= الأولى|صفحة= 467|سنة= [[1396 هـ|1396هـ]] - [[1976]]م|ناشر= عبد العزيز الخويطر|مكان= [[الرياض]] - [[السعودية|السُعُوديَّة]]|مسار=https://ia800300.us.archive.org/19/items/gvrp6/gvrp6.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830225306/https://ia800300.us.archive.org/19/items/gvrp6/gvrp6.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[عز الدين بن شداد|ابن شدَّاد، عز الدين مُحمَّد بن علي بن إبراهيم الحلبي]]|عنوان= تاريخ الملك الظاهر|صفحة= 177|سنة= [[1403 هـ|1403هـ]] - [[1983]]م|ناشر= دار النشر فرانز شتاينر|مكان= [[فيسبادن|ڤيسبادن]] - [[ألمانيا الغربية|ألمانيا]]|مسار=https://ia803100.us.archive.org/4/items/ktp2019-bskn11498/ktp2019-bskn11498.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210726030957/https://ia803100.us.archive.org/4/items/ktp2019-bskn11498/ktp2019-bskn11498.pdf | تاريخ أرشيف = 26 يوليو 2021 }}</ref>

=== تقسُّم دولة سلاجقة الروم وزوالها ===
[[ملف:Eşrefoğulları Beyliği'nin konumu-ar.png|تصغير|يمين|الإمارات التُركُمانيَّة التي تقسَّمت إليها دولة سلاجقة الروم وبعض ما ظهر من إماراتٍ إضافيَّةٍ لاحقة.]]
[[ملف:I Osman.jpg|تصغير|مُنمنمة لِعُثمان بن أرطُغرُل الأمير التُركُماني الذي كُتب لِبنيه أن يُعيدوا توحيد بلاد الروم في دولةٍ واحدةٍ بعد زوال سلطنة سلاجقة الروم وتفكُّكها.]]

بعد انسحاب المماليك وصل المغول إلى الأناضول بِقيادة الإلخان أباقا نفسه، ولمَّا شاهد بِأُم عينه ما حلَّ بِجيشه صبَّ جام غضبه على المُتخلِّفين من قادة السلاجقة وأُمرائهم الذين لم يلتحقوا بِالمغول، فقتلهم إلَّا مائة وأربعة منهم شُفع لهم. كما أُعدم الوزير مُعينُ الدين سُليمان پروانه،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن بيبي|ابن بيبي، ناصر الدين حُسين بن مُحمَّد بن علي الجعفري الرغدي]]|مؤلف2=تعريب محُمَّد سعيد جمال الدين |عنوان= أخبار سلاجقة الروم|طبعة= الثانية|صفحة= 388 - 390|سنة= [[2007]]|ناشر= المركز القومي للترجمة|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://ia902507.us.archive.org/10/items/akslroakslro/akslro.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830225136/https://ia902507.us.archive.org/10/items/akslroakslro/akslro.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref> بعد أن اتُّهم بِالخداع، وبِأنَّهُ لم يُقدِّم إلى أباقا تقريرًا صحيحًا عن القُوَّة المملوكيَّة، وأنَّ ذلك ليس إلَّا دليل على اتفاقه مع بيبرس. ثُمَّ تابع المغول انتقامهم من المُسلمين، فقتلوا عالمًا عظيمًا من الأهالي ما ينوف على مائتيّ ألف وقيل خمسُمائة ألف من الفلَّاحين والعوام والجُند في المنطقة المُمتدَّة من أرضروم إلى قيصريَّة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[قطب الدين اليونيني|اليونيني، قُطب الدين أبو الفتح موسى بن مُحمَّد بن أبي الحسُين أحمد البعلبكي]]|عنوان= ذيل مرآة الزمان|طبعة= الأولى|المجلد=الجُزء الثالث|صفحة= 185 - 186|سنة= [[1380 هـ|1380هـ]] - [[1960]]م|ناشر= مطبعة دائرة المعارف الإسلاميَّة|مكان= [[حيدر آباد]] - [[الهند]]|مسار=https://archive.org/details/thmizayo/thail03/page/n197/mode/2up}}</ref> أحكم المغول قبضتهم على بلاد الروم بعد التخلُّص من پروانه، وتولُّوا الإدارة، وشغلوا الوظائف الرئيسيَّة، كما أدخلوا نظامهم المالي في أجهزتها، وضعُف مركز السلطنة، وأرسل الإلخان صاحب ديوانه [[شمس الدين محمد الجويني|شمس الدين مُحمَّد الجويني]] لِيُنظِّم شُؤون البلاد الإداريَّة ويضبط أوضاعها بِإخماد الثورات والفتن المُتفاقمة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن بيبي|ابن بيبي، ناصر الدين حُسين بن مُحمَّد بن علي الجعفري الرغدي]]|مؤلف2=تعريب محُمَّد سعيد جمال الدين |عنوان= أخبار سلاجقة الروم|طبعة= الثانية|صفحة= 403|سنة= [[2007]]|ناشر= المركز القومي للترجمة|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://ia902507.us.archive.org/10/items/akslroakslro/akslro.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830225136/https://ia902507.us.archive.org/10/items/akslroakslro/akslro.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref> وفي سنة [[679 هـ|679هـ]] المُوافقة لِسنة [[1280]]م وفد على البلاط المغولي [[غياث الدين مسعود|غِيَاث الدين مسعود بن كيكاوس]] ابن عم السُلطان كيخسرو بن قلج أرسلان بعد حياةٍ أمضاها في المنفى مُنذُ لُجُوء أبيه إلى القُسطنطينيَّة، فاجتمع بالإلخان أباقا وطلب منهُ أن يمنحهُ بعض بلاد آبائه وأجداده لِيحكُمُها بِشكلٍ مُستقلٍ عن أملاك كيخسرو، فاستجاب لهُ أباقا ومنحهُ سيواس وأرضروم وأرزنجان مُنتهجًا في ذلك نهج أبيه هولاكو في تقسيم السُلطة في بلاد الروم بين السلاطين حتَّى تسهل السيطرة المغوليَّة على البلاد، إلَّا أنَّ كيخسرو رفض مبدأ القسمة، وتحصَّن في أرزنجان، فكان جزاؤه أن سُمِّم، وخلا الجو السياسي لِمسعود الذي عزَّز مركزه وحكم دولة سلاجقة الروم، لكن لم يكن لهُ من الحُكم إلَّا صورته، وخُلع عن عرشه نتيجة ثورة، ونُصِّب مكانه [[كيقباد الثالث|علاء الدین کیقُباد بن فرامُرز]]، ولم تحدث في عهده أحداث ذات شأن سوى تمرُّدٍ قام على المغول، وانهمك في اللهو واللعب، واشتهر بِمظالمه، ودفع حياته ثمنًا لها. بعد مقتل كيقُباد، عيَّن الإلخان [[محمود غازان]] غِيَاث الدين مسعود بن كيكاوس سُلطانًا على سلاجقة الروم لِلمرَّة الأُخرى، فحكم حتَّى سنة [[703 هـ|703هـ]] المُوافقة لِسنة [[1303]]م حينما أُصيب بِالفالج، فعجز عن النُطق واللمس والحركة، وبقي طيلة سنة يُعاني من الآلام إلى أن مات. وغرقت بلاد الروم من بعده في بحرٍ من الفوضى ووقع الخلل في السلطنة التي انقسمت إلى [[إمارات الأناضول|عشر إماراتٍ تُركُمانيَّةٍ]] هي: [[إمارة قرمان|القرمانيَّة]] و[[بنو تكة|تكَّة]] و[[بنو حميد|الحميديَّة]] و[[كرمايان|الكرميانيَّة]] و[[بنو بروانة|قزل أحمدلي]] و[[بنو منتشا|منتشا]] و[[بنو آيدين|آيدين]] و[[بنو صاروخان|صاروخان]] و[[بنو قرا صي|قرەسي]] و[[قبيلة قايي|قايى]]، وظلَّت السيطرة المغوليَّة واضحة، ولم يُنقذ البلاد من المزيد من التشرذم والفوضى سوى بُرُوز أمير قايى [[عثمان الأول|عُثمان بن أرطُغرُل]] وبنيه من بعده -الذين أعادوا توحيد آسيا الصُغرى- ونمت دولتهم وتوسَّعت حتَّى أضحت [[الدولة العثمانية|آخر دُول الخلافة الإسلاميَّة]].<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصُغرى 470 - 704هـ / 1077 - 1304م|طبعة= الأولى|صفحة= 335 - 337|سنة= [[1423 هـ|1423هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار النفائس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|isbn = 9953180474|مسار=https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20220314110714/https://ia801605.us.archive.org/0/items/abualialkurdy_gmail_20170404_0614/تاريخ%20سلاجقة%20الروم%20في%20آسيا%20الصغرى.pdf | تاريخ أرشيف = 14 مارس 2022 }}</ref>

== الثقافة والمظاهر الحضاريَّة ==
=== الإدارة والتنظيم الداخلي ===
كان نظام الحُكُم في دولة سلاجقة الروم [[ملكية وراثية|ملكيًّا وراثيًّا]] على أنَّ هذه الوراثة لم تستمر على منوالٍ ثابت، فبعد أن قُتل سُليمان بن قُتلُمُش في ميدان الحرب، وأُخذ ابنه قلج أرسلان أسيرًا إلى بلاط السُلطان ملكشاه في أصفهان، ومكث فيه ست سنوات، استولى على مُقدَّرات الأُمُور في آسيا الصُغرى الأمير أبو القاسم الوصيّ على عرش نيقية، وقد نجح في توجيه سياسة سلاجقة الروم الداخليَّة والخارجيَّة بِكفاءةٍ واضحة. ولمَّا قُتل أبو القاسم وجَّه سياسة الدولة أخوه الأمير «بولداق» الذي ظلَّ يُدير شُؤون البلاد حتَّى عاد قلج أرسلان وارتقى عرش أبيه.<ref name="الإدارة">{{استشهاد بأطروحة|الأخير=عبد اللطيف|الأول=أحمد توني|تاريخ =[[1406 هـ|1406هـ]] - [[1986]]م|عنوان =الحياة السياسيَّة ومظاهر الحضارة في دولة سلاجقة الروم |مسار=https://archive.org/details/Resala_242/page/n291/mode/2up|الدرجة= Ph.D. |الفصل=الباب الرابع|صفحة =273 - 276، 284|ناشر=[[جامعة المنيا]]، كُليَّة الآداب، قسم التاريخ}}</ref> وعندما خلا عرش سلاجقة الروم لِلمرَّة الثانية بُعيد غرق قلج أرسلان في [[خابور (الفرات)|نهر الخابور]]، ووُقوع وليّ عهده ملكشاه في الأسر، اغتنمت إحدى زوجاته الفُرصة وأعلنت ابنه الأصغر طُغرُل أرسلان حاكمًا على ملطية والبلاد الشرقيَّة، وحاولت بسط سيادتها على آسيا الصُغرى، لكنَّها كانت أضعف من أن تُوجِّه سياسة دولة مُترامية الأطراف. وكان ذلك إيذانًا بِظُهُور شخصيَّة الأمير حسن الوصيّ على عرش قونية، والذي لمع نجمه من خلال صراعه المُستمر مع البيزنطيين، ومُحاولاته المُتكرِّرة لِدرء خطرهم على بلاده. وبِالرُغم من أنَّهُ لم ينل شُهرة نظيره السابق الأمير أبي القاسم إلَّا أنَّهُ نجح في توجيه سياسة سلاجقة الروم قُرابة ثلاثة أعوام حتَّى عاد ملكشاه وارتقى عرش أبيه. وهكذا لعب الأوصياء على العرش بِدولة سلاجقة الروم دورًا بارزًا في حماية وتوجيه سياستها وقت أزماتها، وخُلُوِّ عرشها من السُلطان.<ref name="الإدارة"/> كذلك لم تنتقل السلطنة على الدوام لِلابن الأكبر أو وليُّ العهد الأرشد، فقد حلَّ السُلطان مسعود بن قلج أرسلان مكان أخيه ملكشاه بعد صراعٍ على العرش، وكان قلج أرسلان بن مسعود أوَّل من قسَّم السُلطة على أبنائه ممَّا أفقدها [[مركزية (إدارة)|مركزيَّتها]]، وأُصيب نظام الحُكم بِتصدُّعٍ لم يبرأ منه.<ref name="الإدارة"/>

وعلى الرُغم من أنَّ السُلطان بِدولة سلاجقة الروم كان [[ملكية مطلقة|حاكمًا مُطلقًا]] في دولته مصدرًا لِجميع سُلطاتها لا سيَّما خلال عصر قُوَّتها وازدهارها، إلَّا أنَّهُ استعان بِبعض الشخصيَّات الهامَّة من ذوي الكفاءة والمقدرة لشغل المناصب والِاستفادة من جُهُودهم في إدارة بلاده وتوجيه شؤونها، [[وزير (لقب)|كالوزير]]، و[[نائب السلطنة]]، و[[بكلربك|البكلربك أو أمير الأُمراء]]، و[[مستوفي|المُستوفي]]، و[[مشرف (مسؤول حكومي)|المُشرف]]، وصاحب الشحنة.<ref name="الإدارة"/> وكانت [[وزير (لقب)|الوزارة]] قد أصبحت بِحُلُول عهد السلاجقة مُؤسسةً عريقةً وأصيلةً في المُجتمع الإسلامي، وكان مدى قُوَّتها في العُهُود السَلْجُوقيَّة الأولى كبيرًا لِلغاية بِسبب الأهميَّة التي كان السلاطين يولونها لها لكونهم هم أنفُسهم لم يتمتعوا بِحظٍ وافرٍ من العلم، فكان الوزير يُعتبر محور جهاز الحُكم، وكان يُشرف على التنظيمات الحُكُوميَّة،<ref>{{استشهاد بدورية محكمة |الأخير=آئنيه‌وند، صادق|الأول=مقدم، ندا گليجاني|دورية =دراسات في العُلُوم الإنسانيَّة|مسار= https://aijh.modares.ac.ir/article-31-3670-fa.pdf|عنوان=خصائص تدوين التاريخ في عهد السلاجقة|المجلد=14|العدد=4|سنة=[[1428 هـ|1428هـ]] - [[2007]]م|صفحات=صفحة 16|ناشر=[[جامعة تربية مدرس]]|issn=2383-4269|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20180413083827/http://aijh.modares.ac.ir/article-31-3670-fa.pdf
|تاريخ أرشيف=2018-04-13}}</ref> وقد يُناط به أحيانًا مهامٌ عسكريَّة وقيادة الجُيُوش إذا لزم الأمر ذلك.<ref name="الإدارة"/> واستمرَّ وُزراء سلاطين سلاجقة الروم رهن إشارة سادتهم في تنفيذ الأوامر الصادرة إليهم سواء كانت عسكريَّة أو إداريَّة أو سياسيَّة، ولكنَّ هذا الوضع تبدَّل وتغيَّر بِسبب المغول الذين تدخَّلوا في شُؤون الحُكم بِدولة سلاجقة الروم، فتطرَّق الضعف على إثر ذلك إلى السُلطة الحاكمة بِالدولة، وبرزت قُوَّة الوُزراء وعلا صوتهم فوق صوت ساداتهم.<ref>{{استشهاد بأطروحة|الأخير=عبد اللطيف|الأول=أحمد توني|تاريخ =[[1406 هـ|1406هـ]] - [[1986]]م|عنوان =الحياة السياسيَّة ومظاهر الحضارة في دولة سلاجقة الروم |مسار=https://archive.org/details/Resala_242/page/n307/mode/2up|الدرجة= Ph.D. |الفصل=الباب الرابع|صفحة =288|ناشر=[[جامعة المنيا]]، كُليَّة الآداب، قسم التاريخ}}</ref> من الأمثلة على ذلك أن عيَّن المغول سنة [[685 هـ|685هـ]] المُوافقة لِسنة [[1286]]م فخر الدين القزويني في منصب الوزارة، ومُجير الدين أميرشاه في منصب نيابة السلطنة، وتعهَّدا بِدفع مبلغٍ ضخمٍ كجزية. فتميَّز عهدهما بِالقسوة حيثُ فرضا على السُكَّان ضرائب باهظة، وتعدَّيا على الأملاك الخاصَّة بِهدف تأمين المال اللازم لِلمغول. وممَّا زاد الأوضاع تفاقُمًا أنَّ فخر الدين المذكور عيَّن شقيقه جمال الدين مُستوفيًا، فأوقع الظُلم على الناس، كما نصَّب شقيقًا آخر في وظيفة المُشرف، فنفر الناس منه. ومع إدراكه بِأنَّ أعماله التعسُّفيَّة هذه ستُؤدِّي إلى الخراب استمرَّ في سياسته الماليَّة المُتعسِّفة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[جمال الدين الأقصرائي|الآقسرائي، جمال الدين مُحمَّد بن مُحمَّد الكريم]]|عنوان= مُسامرة الأخبار ومُسايرة الأخيار|صفحة= 146 - 153|سنة= [[1943]]|ناشر= چاپخانۀ انجمن تاريخ تُرك|مكان= [[أنقرة]] - [[تركيا|تُركيَّا]]|لغة= fa|مسار= https://books.google.com.lb/books/about/مسامرة_الاخبار_ومساير.html?id=rXRhNQEACAAJ&redir_esc=y
|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20210203042635/https://books.google.com.lb/books/about/مسامرة_الاخبار_ومساير.html?id=rXRhNQEACAAJ&redir_esc=y
|تاريخ أرشيف=2021-02-03}}</ref>

ومن المناصب المرموقة بِدولة سلاجقة الروم منصب نائب السلطنة، وقد وصفه [[أبو العباس القلقشندي|القلقشندي]] بِقوله: {{اقتباس مضمن|وَهُوَ لَقَبٌ عَلَى الْقَائِمِ مَقَامَ السُّلْطَانِ فِي عَامَّةِ أُمُورِهِ أَوْ غَالِبُهَا… وَيُطْلَق هَذَا اللَّقَبَ فِي الْعُرْفِ الْعَامِّ عَلَى كُلِّ نَائِبٍ عَنْ السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ بِحَضْرَتِهِ أَوْ خَارِجًا عَنْهَا فِي قُرْبٍ أَوْ بَعْدٍ، إلَّا أَنْ النَّائِبَ عَنْ السُّلْطَانِ بِالْحَضْرَة يُوصَف فِي عُرْفِ الْكُتَّاب بِالكَافِلِ}}.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[أبو العباس القلقشندي|القلقشندي، شهاب الدين أحمد بن علي بن أحمد]]|عنوان= صُبح الأعشى في كتابة الإنشا |صفحة= 453|سنة= [[1340 هـ|1340هـ]] - [[1922]]م|ناشر=دار الكُتُب المصريَّة|مكان=[[القاهرة]] - [[المملكة المصرية|مصر]]|مسار=https://ia802808.us.archive.org/0/items/FP11609/suaa05.pdf|المجلد=الجُزء الخامس| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210629192018/https://ia802808.us.archive.org/0/items/FP11609/suaa05.pdf | تاريخ أرشيف = 29 يونيو 2021 }}</ref> ومن تلك المناصب أيضًا البكلربك أو أمير الأُمراء، ويُقصد به القائد العام لِلجيش سواء كان بريًّا أو بحريًّا، ومن مهام صاحبها وضع الخطط الحربيَّة وقيادة جُيُوش الدولة في معاركها الداخليَّة والخارجيَّة، ومن أبرز من تولَّى هذا المنصب الأمير حُسام الدين جوبان والأمير كمال الدين كاميار. ومن الوظائف [[الديوان]]يَّة الهامَّة بِدولة سلاجقة الروم وظيفة المُستوفي التي اختصَّ صاحبها بِعدَّة أُمُور أهمُّها ضبط وتحرير أُمُور الدولة ومعرفة مصادر أموالها ووُجوه إنفاقها، وكان من حقِّه أيضًا مُصادرة أموال من أُثري بِغير حق، وإعادتها [[بيت المال|لبيت المال]].<ref name="التقسيم">{{استشهاد بأطروحة|الأخير=عبد اللطيف|الأول=أحمد توني|تاريخ =[[1406 هـ|1406هـ]] - [[1986]]م|عنوان =الحياة السياسيَّة ومظاهر الحضارة في دولة سلاجقة الروم |مسار=https://archive.org/details/Resala_242/page/n311/mode/2up|الدرجة= Ph.D. |الفصل=الباب الرابع|صفحة =292 - 293؛ 297|ناشر=[[جامعة المنيا]]، كُليَّة الآداب، قسم التاريخ}}</ref> أمَّا المُشرف فكان بِمثابة عين السُلطان على رعيَّته، ومن مهامه القيام بِجمع المعلومات والأخبار التي تتعلَّق بِالدولة وأمنها، عن طريق مُعاونيه المُنبثين بين السُكَّان ونقلها بعد ذلك مُباشرةً لِلسُلطان، لِيكون على بيِّنةٍ بما يحدث داخل بلاده، ويفطن لِأيَّة مُؤامرة قد تُحاك ضدَّه.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= عبد الرؤوف، عصام الدين|عنوان= تاريخ الإسلام في جنوب غرب آسيا في العصر التُركي |طبعة= الأولى|صفحة= 153 - 154|سنة= [[1975]]|ناشر= دار الفكر العربي|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://books.google.com.lb/books?redir_esc=y&id=iAFuAAAAMAAJ&focus=searchwithinvolume&q=المشرف|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20210204004708/https://books.google.com.lb/books?redir_esc=y&id=iAFuAAAAMAAJ&focus=searchwithinvolume&q=المشرف
|تاريخ أرشيف=2021-02-04}}</ref> والشحنة أيضًا من الوظائف التي برزت في دولة سلاجقة الروم، ومن مهام صاحبها حفظ الأمن والنظام في البلدة أو المدينة التي يلي فيها هذه الوظيفة، فهو مُحافظ المدينة أو الأمير المُشرف على حراستها.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= عبد الرؤوف، عصام الدين|عنوان= بلاد الجزيرة في أواخر العصر العبَّاسي|طبعة=الأولى|صفحة= 225 - 226|سنة= [[1975]]|ناشر= دار الفكر العربي|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://ia803102.us.archive.org/16/items/ktp2019-bskn11069/ktp2019-bskn11069.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830225140/https://ia803102.us.archive.org/16/items/ktp2019-bskn11069/ktp2019-bskn11069.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref> ويُلاحظ أنَّ هذه الوظيفة برزت وزادت أهميَّتها في دولة سلاجقة الروم خلال سيادة المغول على آسيا الصُغرى، حيثُ كان [[خان (لقب)|الألاخين]] يُعيِّنون أُمراء شحنة لِلبلاد لِيكونوا نُوَّابًا لهم.<ref name="التقسيم"/>

أمَّا التقسيم الإداري لِدولة سلاجقة الروم فمن المعروف أنَّ السلاطين اتَّبعوا نظام الإقطاعيَّات الوراثيَّة تمامًا كما كان الحال مع دولة السلاجقة العظام. وأوَّل من حدَّد التقسيمات الإداريَّة لِهذه الدولة كان السُلطان [[قلج أرسلان الثاني|قلج أرسلان بن مسعود]]، وذلك حينما قسَّم بلاده على أبنائه وذويه قُبيل وفاته، فجعلها إحدى عشرة إقطاعيَّة اشتمل كُلٌ منها على مدينة أو أكثر، وكان على رأسها أمير يُدبِّر شُؤونها ويُعاونها في ذلك ديوانٌ يكون على هيئة مُصغَّرة لِديوان السُلطان بِالعاصمة، أمَّا تلك التقسيمات فهي: قونية وبرغلو، وقيصريَّة، والبستان وأرضروم و[[بايبرد|بايبُرد]]، وسيواس وآق سراي، وملطية، وتوقاد، ونيكسار، وأماسية، وأنقرة، ونكيدة، وهرقلة.<ref>{{استشهاد بأطروحة|الأخير=عبد اللطيف|الأول=أحمد توني|تاريخ =[[1406 هـ|1406هـ]] - [[1986]]م|عنوان =الحياة السياسيَّة ومظاهر الحضارة في دولة سلاجقة الروم |مسار=https://archive.org/details/Resala_242/page/n311/mode/2up|الدرجة= Ph.D. |الفصل=الباب الرابع|صفحة =298 - 306|ناشر=[[جامعة المنيا]]، كُليَّة الآداب، قسم التاريخ}}</ref>

=== الإنشاءات العُمرانيَّة ===
{{مفصلة|عمارة سلجوقية}}
[[ملف:Hanabad Caravanserai Cardak.jpg|تصغير|يمين|كاروانِسراي (خان) خان آباد في مدينة جرداق.]]
[[ملف:Ince Minareli Medrese 01.jpg|تصغير|مدرسة إينجه مناره‌لي في مدينة قونية.]]
[[ملف:Gök Medrese.jpg|تصغير|المدرسة الزرقاء -أو «گوك مدرسة»- أو المدرسة الصاحبيَّة (نسبةً إلى الوزير [[فخر الدين علي|الصاحب فخر الدين علي]]) في مدينة سيواس. إحدى أبرز المدارس التي تركها سلاجقة الروم.]]
اعتنى السلاجقة بِعمارة المُدن التي افتتحوها في آسيا الصُغرى عنايةً بارزة، فحصَّنوها وابتنوا فيها الجوامع والأضرحة الضخمة ذات السُقُوف المخروطيَّة، ممَّا غيَّر الطابع الثقافي لِلمُدن الروميَّة بِمُرور الوقت. وبعد استقرار دعائم دولتهم حوَّل السلاطين والأُمراء أنظارهم إلى بناء المرافق العلميَّة والخيريَّة والصحيَّة، فأكثروا من بناء [[مدرسة إسلامية|المدارس]] والمعاهد والمياتم ودُور العجزة و[[بيمارستان|البيمارستانات]]. وعلى الرُغم من اشتباكهم مع أعدائهم في حُرُوبٍ مُستمرَّة فقد كان لديهم مُتَّسعٌ من الوقت لِرعاية وإنشاء الكثير من المُؤسَّسات الخيريَّة، فشيِّدوا مدرسةً لِدراسة [[الطب والصيدلة في عصر الحضارة الإسلامية|الطب]] ومُستشفى مُلحقاً بها في مدينة قيصريَّة، وسُميت هذه بِـ«مدينة الشفاء»، ومدرسةٌ ثانية على غرارها في مدينة سيواس عُرفت بـ«گوك مدرسة» أي المدرسة الزرقاء، وثالثة في قونية عُرفت بِـ«مدرسة إينجه مناره‌لي» أي مدرسة المنارة النحيلة، وقد شكَّلت هذه المدارس نماذج معماريَّة احتذت بها الدولة العُثمانيَّة فيما بعد.<ref name="العمارة">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= يُوسُف، شريف|عنوان= المدخل التاريخي لتاريخ العمارة العربيَّة وتطوُّرها|طبعة= الأولى|صفحة= 123 - 125|سنة= [[2020]]|ناشر= وكالة الصحافة العربيَّة|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://books.google.com.lb/books?id=_vzxDwAAQBAJ&pg=PA122&lpg=PA122&dq=عمارة+سلاجقة+الروم&source=bl&ots=yRldfuntF2&sig=ACfU3U3CGqhVKdKUGX2FZ5aRrof-fVD-NA&hl=en&sa=X&ved=2ahUKEwiz5uSh_87uAhUqTxUIHRDxBlc4HhDoATAJegQIExAC#v=onepage&q=عمارة%20سلاجقة%20الروم&f=false|isbn =9796500428611| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210204024151/https://books.google.com.lb/books?id=_vzxDwAAQBAJ&pg=PA122&lpg=PA122&dq=عمارة+سلاجقة+الروم&source=bl&ots=yRldfuntF2&sig=ACfU3U3CGqhVKdKUGX2FZ5aRrof-fVD-NA&hl=en&sa=X&ved=2ahUKEwiz5uSh_87uAhUqTxUIHRDxBlc4HhDoATAJegQIExAC#v=onepage&q=عمارة%20سلاجقة%20الروم&f=false | تاريخ أرشيف = 4 فبراير 2021}}</ref> وعمَّر السلاجقة طُرق القوافل، وبنوا الجُسُور، وشبكةً من [[خان|الخانات]] لِينزل بها المُسافرون، واشتهر من هذه الخانات: «سُلطان خان» في طريق قونية وآق سراي، وخان قراطاي بين قيصريَّة وملطية. وكانت بعض الخانات فاخرة البناء ذات أسوارٍ عالية فيها أبراجٌ لِلدفاع عنها، جُدرانها من الحجر وفيها زخارف ونُقُوشٌ مُتشابكة ومُعقَّدة تُحيطُ بِأبوابها. وصُمِّم داخل الخان بِحيثُ يُلائم جميع احتياجات المُسافرين، فكان يضمُّ جامعًا وبركة ماء وإسطبلات ومقهى و[[حمام عام|حمَّام]] ومعمل لِإصلاح لوازم القافلة.<ref name="العمارة"/>
[[ملف:Alaeddin Mosque (Konya) 4170.jpg|تصغير|يمين|مسجد السُلطان علاء الدين كيقُباد في مدينة قونية.]]
اعتنى السلاجقة عنايةً خاصَّةً بِبناء المساجد الفخمة، لكنَّ مساجدهم في آسيا الصُغرى اختلفت عن مساجد المُسلمين في الأقطار المُجاورة من جهة أنَّ مُعظمها افتقد [[صحن (ساحة)|الصحن]] أي الساحة الخارجيَّة الواسعة، ومردُّ ذلك لقسوة المُناخ في بلاد الأناضول سواء في الصيف أم في الشتاء، واستعاضوا عنها بِساحةٍ أُخرى داخليَّة. ومع هذا يُلاحظ أنَّ السلاجقة حافظوا على شكل الجوامع المُربَّع أو المُستطيل في بداية عهدهم، وعندما بنوا الجامع الكبير في قيصريَّة سنة [[530 هـ|530هـ]] المُوافقة لِسنة [[1135]]م، والجامع الكبير في أرضروم سنة [[524 هـ|524هـ]] المُوافقة لِسنة [[1139]]م تركوا فُسحةً غير مسقوفة في وسط الجامع لِيستعيدوا ذكرى الصحن الذي أُزيل من هذا الطراز، ثُمَّ أضافوا نافورة [[وضوء|لِلوُضوء]] داخل الجامع تحت القبَّة المركزيَّة لِتكون بديلًا عن تلك التي كانت توجد في الصحن.<ref name="العمارة"/> كان لِلمساجد الأولى التي بناها السلاجقة سقفٌ مُنبسطٌ من الخشب مرشوشٌ بِالتُراب المدقوق، وقد استُعملت القُبَّة البيضويَّة عند بناء [[مسجد علاء الدين|المسجد الجامع في قونية]] سنة [[617 هـ|617هـ]] المُوافقة لِسنة [[1219]]م، وكانت القباب تُزيَّن من داحلها [[زخرفة قاشانية|بِالقاشاني]] أو [[طوب زجاجي|بِالطابوق المُزجَّج]]. وكان الفن المعماري لِسلاجقة الروم في أوَّل عهده يُشبه الفن المعماري لِلسلاجقة العظام في إيران، وأهم عناصره المُلفتة لِلنظر هو الباب الوحيد لِلمبنى أيًّا كانت الغاية منه، فيجعلون لِحواشي هذه الأبواب إطارًا فيه مجموعة كبيرة من الأحجار المنحوتة و[[زخرفة إسلامية تركية|المُزخرفة]]، وتنتشر هذه الزخارف لِتشمل الواجهة بِأسرها وحول النوافذ المُرتفعة أيضًا.<ref name="العمارة"/> ولعلَّ من أهم الأبنية السَلْجُوقيَّة في بلاد الروم -والتي مايزال الكثير منها قائمًا- هي [[ضريح|الأضرحة المعروفة بِـ«التُرَب» (مُفردُها تُربَة)]]، وهي أشبه بِالأضرحة في آسيا الوُسطى أكثر من كونها إسلاميَّة، وتُقسم هذه التُرَب إلى قسمين: الأوَّل لهُ بُرجٌ أُسطواني أقصر وأعرض من الأبراجِ مُدبَّبةِ الرأس المُنتشرةِ في شمال إيران، وسقفهُ على شكل [[قبة (عمارة إسلامية)|قبَّةٍ]] عريضةٍ واطئةٍ، وتُكسى القبَّة أحيانًا من الخارج بِالقاشاني [[فيروزي|الفيروزي]]، أمَّا القسم الآخر فهو دائري أو مُتعدِّد الأضلاع أو مُثمَّن الجوانب يرتكز على قاعدةٍ مُربَّعةٍ ومسقوفٍ بِبُرجٍ مخروطيّ. وكان بعضُ هذه الأبراج يحملُ نُقُوشًا وكتاباتٍ عربيَّةً محفورةً بِطريقةٍ فنيَّة، وإن كان أغلبها يُترك دون زخرفة، فيبدو جمالها مُعتمدًا على نوعيَّة وتناسق فنَّها المعماري. وتكوَّنت أغلب الأضرحة من طابقين، يُستعمل الطابق الأرضي منها لِلدفن، بينما يُستعمل الطابق العُلُوي مُصلّى.<ref name="العمارة"/>

=== الاقتصاد ===
[[ملف:Kaykhusraw II dirham.jpg|تصغير|يمين|درهمٌ ضُرب في سيواس خلال عهد السُلطان غِيَاث الدين كيخسرو بن كيقُباد، سنة [[638 هـ|638هـ]].]]

كان من نتيجة الأمن والاستقرار خلال العصر الذهبي لِلدولة أن نعمت البلاد بِالازدهار الاقتصادي، وقد أسهم السلاطين الأقوياء في هذا الازدهار بِأن اعتنوا بِالوسائل التي تُشجِّع على النُمُوّ الزراعي وتُسهِّل التجارة، فأكثروا من الأقنية المائيَّة ورمَّموا السُدُود، وشجَّعوا النقل المائي في البحار والأنهار. وعن رعاية السلاجقة لوسائل الري، يذكر [[ابن بطوطة|ابن بطُّوطة]] ما شاهده في مدينة نكيدة حينما زارها وشاهد فيها الآثار الحضاريَّة التي تركها سلاطين السلاجقة: {{اقتباس مضمن|... وَيَشُقُّهَا النَّهْرُ الْمَعْرُوف بِالنَّهْرِ الْأَسْوَدِ، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الْأَنْهَار، عَلَيْهِ ثَلَاثَ قَنَاطِر: إحْدَاهَا بِدَاخِل الْمَدِينَةِ وَاثْنَتَانِ بِخَارِجِهَا، وَعَلَيْهِ النَّوَاعِير بِالدَّاخِل وَالْخَارِج، مِنْهَا تُسْقَى الْبَسَاتِين، وَالْفَوَاكِه كَثِيرَةٌ}}. كما وصف الحياة الاقتصاديَّة في مدينة آق سراي قائلًا: {{اقتباس مضمن|... تُحَفُّ بِهَا الْعُيُون الْجَارِيَة وَالْبَسَاتِين مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَيَشُقُ الْمَدِينَةِ ثَلَاثَةُ أَنْهَار، وَيَجْرِي الْمَاءُ بِدُورِهَا، وَفِيهَا الْأَشْجَارُ وَدَوَالِي الْعِنَب، وَدَاخِلِهَا بَسَاتِين كَثِيرَة. وَتُصْنَعُ بِهَا الْبُسْط الْمَنْسُوبَةِ إلَيْهَا مِنْ صُوفِ الْغَنَمِ لَا مَثَلَ لَهَا فِي بَلَدٍ مِنْ الْبِلَادِ، وَمِنْهَا تَحَمُّلُ إلَى الشّامِ وَمِصْرَ وَالْعِرَاقِ وَالْهِنْد وَالصِّين وَبِلَاد الْأَتْرَاك}}.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1=[[ابن بطوطة|ابن بطُّوطة، مُحمَّد بن عبد الله بن مُحمَّد اللواتي الطنجي]]|عنوان=تُحفة النُّظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار|طبعة= الأولى|صفحة= 302|سنة= [[1407 هـ|1407هـ]] - [[1987]]م|ناشر= دار إحياء العُلُوم|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=https://ebooksstream.com/d_pdfs/kutub-pdf.net_iPhWA1.pdf|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20210205011523/https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=https%3A%2F%2Febooksstream.com%2Fd_pdfs%2Fkutub-pdf.net_iPhWA1.pdf |تاريخ أرشيف=2021-02-05}}</ref> ووُصفت مدينة نيكسار بأنها كانت مُحاطة بِبساتين الفاكهة، وزُرع فيها [[قمح|القمح]] و[[قطن|القطن]]. أمَّا قونية فُزرع فيها القطن أيضًا إضافةً إلى [[مشمش|المشمش الأصفر]]، ومُدَّ الماء الوافر إليها من الجبل القريب منها، وكان يُختزنُ في [[خزان (صناعة)|صهريجٍ]] عظيم تعلوه قبَّة عند أحد أبواب المدينة، ومنهُ كان يخرج ثلاثمائة قناة ونيف تُوزِّع المياه بين سائر أنحاء المدينة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1=[[لي سترانج|لي سترانج، گاي]]|عنوان= بُلدان الخلافة الشرقيَّة |طبعة= الأولى|صفحة= 179 - 181|سنة= [[1374 هـ|1374هـ]] - [[1954]]م |ناشر= [[المجمع العلمي العراقي]]|مكان= [[بغداد]] - [[المملكة العراقية|العراق]]|مسار=https://ia903006.us.archive.org/2/items/ktp2019-bgh11060/ktp2019-bgh11060.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830225141/https://ia903006.us.archive.org/2/items/ktp2019-bgh11060/ktp2019-bgh11060.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref> أمَّا بِالنسبة لِلصناعة فقد كانت [[نسج|حياكة المنسوجات]] القُطنيَّة و[[حرير|الحريريَّة]] والصوفيَّة في مُقدِّمة الصناعات التي ازدهرت في بلاد الروم، وقد ذكرها الرحَّالة أثناء سفرهم عبر الأناضول، ومنهم [[ماركو بولو|ماركو پولو]] -على سبيل المِثال- الذي وصف أرزنجان قائلًا: {{اقتباس مضمن|تَقُومُ بِهَا صِنَاعَة نَسِيجٍ قُطْنِيٍّ رَفَيْعٍ جِدًّا يُسَمَّى البُومبَازِين، فَضْلًا عَنْ أنْسِجَةٍ أُخْرَى كَثِيرَةٍ وَعَجَيبَة}}.<ref>{{استشهاد بكتاب|عنوان= رحلات ماركو پولو|طبعة= الأولى|صفحة= 51|سنة= [[2002]]|ناشر= [[الهيئة المصرية العامة للكتاب|الهيئة المصريَّة العامَّة لِلكتاب]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://ia800303.us.archive.org/21/items/32984723983/rhlat-markwbwlw1.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830225222/https://ia800303.us.archive.org/21/items/32984723983/rhlat-markwbwlw1.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref> أمَّا التجارة فقد بلغت قمَّة ازدهارها بِفضل أنشطة السلاطين غِيَاث الدين كيخسرو بن قلج أرسلان، وابنيه عز الدين كيكاوس وعلاء الدين كيقُباد الذين افتتحوا موانئ صامصون وسينوپ وأنطالية، فكان أن فُتحت بلاد الروم على آفاق التجارة الدُوليَّة شمالًا مع عالم بحر البنطس وجنوبًا مع عالم البحر المُتوسِّط، وأدرك السُلطان كيقُباد المذكور -ببصيرةٍ نفَّاذةٍ- مدى تفوُّق النشاط التجاري لِلدُويلات الإيطاليَّة في البحرين سالفيّ الذِكر، وعلى ضوء ذلك بادر إلى عقد اتفاقيَّاتٍ تجاريَّةٍ معهم، كاتفاقيَّة سنة [[617 هـ|617هـ]] المُوافقة لِسنة [[1220]]م مع البنادقة التي منحهم بِمُقتضاها بعض الامتيازات كحُريَّة توريد [[حجر كريم|الأحجار الكريمة]] و[[لؤلؤ|اللآلئ]] و[[فضة|الفضَّة]] و[[ذهب|الذهب]] والقمح دون الخُضُوع لِرُسُومٍ جُمرُكيَّةٍ مُعيَّنة. بِالإضافة إلى ذلك شجَّع السُلطان كيقُباد [[بروفنس|الپروڤنسيين]] على تنشيط دورهم في تجارة العُبُور بين قونية وقبرص، فكان الپروڤنسيون ينقلون بعض السلع والمُنتجات التجاريَّة [[شب|كالشب]] والصُوف والجُلُود والحرير الخام والمُصنَّع من الأناضول إلى الجزيرة.<ref>{{استشهاد بأطروحة|الأخير=عبد اللطيف|الأول=أحمد توني|تاريخ =[[1406 هـ|1406هـ]] - [[1986]]م|عنوان =الحياة السياسيَّة ومظاهر الحضارة في دولة سلاجقة الروم |مسار=https://archive.org/details/Resala_242/page/n347/mode/2up|الدرجة= Ph.D. |الفصل=الباب الرابع|صفحة =328|ناشر=[[جامعة المنيا]]، كُليَّة الآداب، قسم التاريخ}}</ref> وكان أرباب الحرف يتجمَّعُون داخل المُدُن في أسواقٍ مكشوفةٍ أو مسقوفة، كُلٌّ أصحاب حرفةٍ على حدة يُزاولون أعمالهم من خلال حوانيتَ مُخصَّصةٍ لهم بينما كان كبار التُجَّار وأصحاب البضائع الثمينة يُقيمون متاجرهم داخل أسواقٍ مُغلقةٍ تتوفَّرُ لها حماية أكثر أو داخل أحد الخانات الآمنة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد فؤاد الكوبريللي|الكوبريللي، مُحمَّد فؤاد]]|مؤلف2= ترجمة د.أحمد السعيد سُليمان وآخرون |عنوان= قيام الدولة العُثمانيَّة |صفحة= 108|سنة= [[1967]]|ناشر= دار الكاتب العربي |مكان= [[القاهرة]] - [[الجمهورية العربية المتحدة|مصر]]|مسار=https://archive.org/details/Book_192/page/n137/mode/2up}}</ref>

=== المُجتمع ===
[[ملف:Dervish, Turkmen Women.JPG|تصغير|يمين|رسمٌ لِدرويشين وامرأتين تُركُمانيَّتين.]]
[[ملف:Church of Surb Karapet from South-West.png|تصغير|دير وصومعة القديس قرەبت للأرمن الأرثوذكس، كما بدا سنة [[1923]]م. وقع ضمن أعمال مدينة [[موش]]، وهو من الأديرة النصرانيَّة القديمة في بلاد الروم، إذ يعود تاريخ تأسيسه لِحوالي [[القرن 4|القرن الرابع الميلادي]].]]
كان المُجتمع السَلْجُوقي في آسيا الصُغرى شديد التنوُّع من حيثُ العناصر البشريَّة، فكان هُناك المُسلمون وقد أصبحوا العُنصر الغالب بِحُلُول أواخر عصر دولة سلاجقة الروم، وكان أغلبهم من التُرك، وانقسموا بِدورهم إلى ثلاث فئات: الأتراك السلاجقة، والتُركُمان، والخوارزميين. أمَّا الأتراك السلاجقة فكانوا من أبرز وأشهر عناصر السُكَّان بِالدولة، فهُم الذين أقاموها بِسواعدهم، وهم الذين توارثوا حُكمها طوال حياتها مُنذُ نشأتها وحتَّى انهيارها أكثر من قرنين من الزمن. وإلى جانب هؤلاء عاش [[تركمان|التُركُمان]]، وهم أبناء جلدة السلاجقة، وكانوا عدَّتهم في حملاتهم الأولى على آسيا الصُغرى قُبيل قيام دولتهم بها، وعاشوا بعد ذلك في كنفهم، وتمكَّنوا بِمُرُور الوقت من تحقيق ذاتهم والاستقلال بِبعض الإمارات رُغم اعترافهم الاسمي بِسيطرة السلطنة عليهم، وأبرز ما ميَّز التُركُمان عن أنسبائهم الأتراك السلاجقة، أنَّهم كانوا أكثر بداوةً منهم.<ref name="المجتمع">{{استشهاد بأطروحة|الأخير=عبد اللطيف|الأول=أحمد توني|تاريخ =[[1406 هـ|1406هـ]] - [[1986]]م|عنوان =الحياة السياسيَّة ومظاهر الحضارة في دولة سلاجقة الروم |مسار=https://archive.org/details/Resala_242/page/n359/mode/2up|الدرجة= Ph.D. |الفصل=الباب الرابع|صفحة =340 - 341|ناشر=[[جامعة المنيا]]، كُليَّة الآداب، قسم التاريخ}}</ref> وذكر [[أبو الفداء]] في كتابه الشهير «[[المختصر في أخبار البشر|المُختصر في أخبار البشر]]» وُجُود فئةٍ ثالثةٍ من التُرك في دولة سلاجقة الروم هُم الخوارزميُّون، الذين ارتحل الكثير منهم إلى بلاد الروم إثر سُقُوط دولتهم ومقتل سُلطانهم جلال الدين منكبرتي، فساروا إلى السُلطان كيقُباد والتحقوا بِخدمته وانضمُّوا إلى جُيُوشه، فلمَّا مات كيقُباد وتولَّى ابنه كيخسرو، فارق الخوارزميُّون الأناضول بعدما اعتقل السُلطان المذكور أكبر [[مقدم (رتبة عسكرية)|مُقدَّميهم]].<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[أبو الفداء|أبو الفداء، إسماعيل بن علي بن محمود بن مُحمَّد بن عمر بن شاهنشاه الأيُّوبي]]|عنوان= المُختصر في أخبار البشر|طبعة= الأولى|صفحة= 159|المجلد= الجُزء الثالث|ناشر= المطبعة الحُسينيَّة المصريَّة|مكان= [[القاهرة]] - [[المملكة المصرية|مصر]]|مسار= https://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/4/44/المختصر_في_أخبار_البشر3.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210206035128/https://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/4/44/المختصر_في_أخبار_البشر3.pdf | تاريخ أرشيف = 6 فبراير 2021}}</ref> وإلى جانب التُرك شكَّل [[فرس (قوم)|الفُرس]] و[[مغول|المغول]] فئتان إضافيَّتان من العُنصر الإسلامي في ديار الإناضول، فالفُرس كانوا دائمي ارتياد آسيا الصُغرى مُنذُ القدم، أمَّا المغول فقد استوطنوا هذه البلاد إثر انتصارهم في معركة كوسه طاغ،<ref name="المجتمع"/> وفشا الإسلام بينهم مُنذُ عهد الإلخان محمود غازان.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[تقي الدين المقريزي|المقريزي، تقيُّ الدين أبي العبَّاس أحمد بن عليّ بن عبد القادر العُبيدي]]|مؤلف2= تحقيق: مُحمَّد عبد القادر عطا|عنوان= السُلُوك لِمعرفة دُول المُلُوك|المجلد=الجُزء الثاني|طبعة= الأولى|صفحة= 695|سنة= [[1418 هـ|1418هـ]] - [[1997]]م|ناشر= دار الكُتب العلميَّة|تاريخ الوصول= [[31 مارس|31 آذار (مارس)]] [[2019]]م|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://ia802806.us.archive.org/18/items/waq71581/02_71582.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200215143324/http://ia802902.us.archive.org/19/items/waq71581/02_71582.pdf | تاريخ أرشيف = 15 فبراير 2020}}</ref> يُضاف إلى المُسلمين أهل البلاد الأصليين من الأرمن والروم واليهود، وقد ذكرهم عددٌ من المُؤرخين، كالأمير [[بيبرس الدوادار]] الذي أشار في كتابه «زُبدة الفكرة في تاريخ الهجرة» أنَّ نصارى مدينة أرزنجان -وهم من [[الكنيسة الرسولية الأرمنية|الأرمن الأرثوذكس]]- كانوا يحتلفون بِأعيادهم دون أن يتعرَّضوا لِمُضايقة السلطنة، فكانوا خِلال [[عيد الظهور الإلهي|عيد الغطاس]] على سبيل المِثال يخرجون مُتوجهين إلى نهر الفُرات بِجمعٍ كبير، وعلى رأسهم [[جاثليق|الجاثليق]]، فيرفعون الصُلبان على الرماح ويقرعون النواقيس ويصيحون.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[بيبرس الدوادار|الدوادار، رُكن الدين بيبرس المنصوري الناصري الخطائي المصري]]|عنوان= زُبدة الفكرة في تاريخ الهجرة|طبعة= الأولى|صفحة= 71|سنة= [[1419 هـ|1419هـ]] - [[1998]]م|ناشر= الشركة المُتحدة لِلتوزيع|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://down.ketabpedia.com/files/bkb/bkb-hi01240-ketabpedia.com.pdf|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20210207034032/https://down.ketabpedia.com/files/bkb/bkb-hi01240-ketabpedia.com.pdf
|تاريخ أرشيف=2021-02-07}}</ref> وذكر ابن بطُّوطة أيضًا ما رآه بِأُمِّ العين في مدينة العلائيَّة، فقال أنَّ للروم بها أحياءهم الخاصَّة، ولِليهود أحياءهم أيضًا، وكذلك لِلتُجَّار الأوروپيين الوافدين: {{اقتباس مضمن|... وَكُلُّ فُرْقَةٍ مِنْ سُكَّانِهَا مُنْفَرِدَة بِأَنْفُسِهَا عَنْ الْفُرْقَةِ الْأُخْرَى، فَتُجَّارُ النَّصَارَى مَاكِثُونَ مِنْهَا بِالْمَوْضِعِ الْمَعْرُوفِ بِالمِينَاءِ، وَعَلَيْهِم سُوُرٌ تُسَدّ أَبْوَابِه عَلَيْهِمْ لَيْلًا وَعِنْد صَلَاةِ الْجُمُعَةِ. وَالرُّوم الَّذِينَ كَانُوا أَهْلِهَا قَدِيمًا سَاكِنُون بِمَوْضِعٍ آخَرَ مُنْفَرِدَيْن بِه، وَعَلَيْهِم أَيْضًا سُوُرٌ، وَالْيَهُودَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَعَلَيْهِم سُوُر، وَالْمَلِكُ وَأَهْلُ دَوْلَتُه ومَمَالِيكُهُ يَسْكُنُون بِبَلَدِةٍ عَلَيْهَا أَيْضًا سُوُرٌ يُحِيطُ بِهَا…}}.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1=[[ابن بطوطة|ابن بطُّوطة، مُحمَّد بن عبد الله بن مُحمَّد اللواتي الطنجي]]|عنوان=تُحفة النُّظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار|طبعة= الأولى|صفحة= 291 - 292|سنة= [[1407 هـ|1407هـ]] - [[1987]]م|ناشر= دار إحياء العُلُوم|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=https://ebooksstream.com/d_pdfs/kutub-pdf.net_iPhWA1.pdf|مسار أرشيف=https://web.archive.org/web/20210205011523/https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=https%3A%2F%2Febooksstream.com%2Fd_pdfs%2Fkutub-pdf.net_iPhWA1.pdf |تاريخ أرشيف=2021-02-05}}</ref>
[[ملف:Waxwork, Man and Woman in traditional costumes 01.jpg|تصغير|تمثالان شمعيَّان يُجسِّدان زوجين مُسلمين من سلاجقة الروم في دارهما، وهُما يرتديان الملابس التقليديَّة التي كانت شائعة آنذاك.]]
تنصُّ المصادر على أنَّ التديُّن كان شائعًا وسط سلاجقة الروم، وكانوا يُعظِّمون ويُكرِّمون الأعياد والمواسم الإسلاميَّة، وشكَّلت بلادهم موطنًا لِلكثير من الطُرُق الصوفيَّة، وكانوا يُحسنون استقبال الوافدين عليهم ويحتفون بهم.<ref>{{استشهاد بأطروحة|الأخير=عبد اللطيف|الأول=أحمد توني|تاريخ =[[1406 هـ|1406هـ]] - [[1986]]م|عنوان =الحياة السياسيَّة ومظاهر الحضارة في دولة سلاجقة الروم |مسار=https://archive.org/details/Resala_242/page/n361/mode/2up|الدرجة= Ph.D. |الفصل=الباب الرابع|صفحة =343|ناشر=[[جامعة المنيا]]، كُليَّة الآداب، قسم التاريخ}}</ref> ومن أبرز المظاهر الاجتماعيَّة التي لفتت الأنظار في بلاد الروم خِلال عصر السلاجقة انتشار جماعة [[آخية|الآخية الفتيان]] في مُختلف المناطق، وهؤلاء كانوا يشتغلون بِخدمة الناس وتعليمهم حُب العمل، ومُساعدة الفُقراء والمساكين، وتُشيرُ أغلب المصادر إلى أنَّ هذه الجماعة ظهرت اقتداءً بِجماعة الفُتُوَّة التي أنشأها الخليفة العبَّاسي [[أحمد الناصر لدين الله]] لِنفس الغايات المذكورة، وأنَّهم أخذوا اسمهم من كلمتيّ «أخ» و«أخي» [[اللغة العربية|العربيَّتين]].<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= صابان، سُهيل|عنوان= المُعجم الموسوعي لِلمُصطلحات العُثمانيَّة التاريخيَّة|طبعة= الأولى|صفحة= 13|سنة= [[1421 هـ|1421هـ]] - [[2000]]م|ناشر= [[مكتبة الملك فهد الوطنية|مكتبة الملك فهد الوطنيَّة]]|مكان= [[الرياض]] - [[السعودية|السُعُوديَّة]]|مسار= https://archive.org/stream/mmmotPDF/mmmot#page/n12/mode/2up|isbn =9960001490| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20220421045307/https://archive.org/details/mmmotPDF/mmmot?view=theater#page/n12/mode/2up | تاريخ أرشيف = 21 أبريل 2022 }}</ref> وانتشرت في بلاد الروم العديد من [[طريقة (صوفية)|الطُرُق الصوفيَّة]]، كان من أبرزها [[مولوية|المولويَّة]] -نسبةً إلى المولى [[جلال الدين الرومي]]- الذي نزح به والده بهاء الدين إلى قونية سنة [[626 هـ|626هـ]] المُوافقة لِسنة [[1228]]م استجابةً لِرجاء السُلطان علاء الدين كيقُباد، وقد أصبح له مكانةً عظيمةً في قونية ثُمَّ في سائر الأناضول، وقد دُفن في المدينة المذكورة حينما تُوفي، وقبرهُ مشهورٌ فيها.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= مجموعة مؤلفين|عنوان= مُوجز دائرة المعارف الإسلاميَّة|طبعة= الأولى|صفحة= 3137|سنة= [[1418 هـ|1418هـ]] - [[1998]]م|ناشر= مركز الشارقة للإبداع الفكري|مكان= [[الشارقة]] - [[الإمارات العربية المتحدة]]|مسار=https://ia600301.us.archive.org/30/items/WAQ89412/89412.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201127061058/https://ia600301.us.archive.org/30/items/WAQ89412/89412.pdf | تاريخ أرشيف = 27 نوفمبر 2020}}</ref> ومن الطُرُق الصوفيَّة الأُخرى التي شاعت وسط المُسلمين في الأناضول: [[رفاعية|الرفاعيَّة]] و[[خلوتية|الخُلوتيَّة]] والكازرونيَّة و[[بكتاشية|البكطاشيَّة]].<ref>{{استشهاد بأطروحة|الأخير=عبد اللطيف|الأول=أحمد توني|تاريخ =[[1406 هـ|1406هـ]] - [[1986]]م|عنوان =الحياة السياسيَّة ومظاهر الحضارة في دولة سلاجقة الروم |مسار=https://archive.org/details/Resala_242/page/n361/mode/2up|الدرجة= Ph.D. |الفصل=الباب الرابع|صفحة =357 - 359|ناشر=[[جامعة المنيا]]، كُليَّة الآداب، قسم التاريخ}}</ref> أمَّا عن مظاهر اللهو والترفيه عند سلاجقة الروم فإنها كانت عند العامَّة مُستمدَّة من أُصُول وطبائع قبائل التُرك البدويَّة التي توارثوها جيلًا عن جيل، فأقبلوا على الرياضة البدنيَّة، وأقاموا مُباريات الرماية وخاصَّةً بِالقوس والنشَّاب، وحفلات السيف والترس، وسباق الخيل، والصيد، و[[مصارعة الزيت|مُباريات المُصارعة]]. على أنَّ حياة الاستقرار وما رافقها من رخاءٍ وغنى، ومُخالطةٍ لِلروم، وتأثُّرٍ بِمظاهر الحياة عند العديد من حُكَّام المُسلمين في الأقطار المُجاورة -وبِالأخص في بغداد- ساعدت على انتقال هذه المظاهر والعادات إلى الأناضول، فشارك فيها سلاطين وأُمراء وأغنياء السلاجقة، وأقاموا في قُصُورهم مجالس الطرب والغناء والشراب، وارتادها أعيان المُجتمع المُتصلون بِرجال الحُكم.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= جحا، شفيق|مؤلف2= [[منير البعلبكي|البعلبكي، مُنير]]|مؤلف3= [[بهيج عثمان|عُثمان، بهيج]]|عنوان= المُصوَّر في التاريخ|المجلد=الجُزء السادس|طبعة= التاسعة|صفحة= 60 - 62|سنة= [[1992]]|ناشر=[[دار العلم للملايين]]|مكان=[[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>

=== العُلُوم والآداب ===
[[ملف:Erzurum Cifte Minareli Sunrise.JPG|تصغير|مدرسة جفت مناره‌لي، أو المدرسة ذات المنارتين، إحدى دور تعليم الحديث في مدينة أرضروم. بنتها خُداوند خاتون بنت السُلطان [[كيقباد الأول|كيقُباد]].]]
نقل السلاجقة بعض نُظُمُهم الحضاريَّة التي أسَّسوها في الشرق إلى بلاد الروم، لا سيَّما ما يتعلَّق منها بِنظام [[مدرسة إسلامية|المدارس]]. وتقديرًا لِلدور الكبير الذي تُؤدِّيه المدرسة في نشر [[فكر إسلامي|الفكر]] والمعرفة و[[علوم شرعية|العُلُوم الشرعيَّة]] فقد تسابق المُتبرِّعون في إعمارها طلبًا لِلأجر والثواب وخدمةً لِلدين، وأوقفوا لها [[وقف (إسلام)|الأوقاف]] الكثيرة. فعلى سبيل المِثال تبرَّع الأمير مُبارز الدين أرتُقُش بِبناء مدرسةٍ في قرية «آتاباي» بِالقُرب من مدينة [[إسبرطة (تركيا)|إسپرطة]] سنة [[621 هـ|621هـ]] المُوافقة لِسنة [[1224]]م، كما بنى الأتابك الحاج مُبارز الدين أرمغانشاه سنة [[637 هـ|637هـ]] المُوافقة لِسنة [[1239]]م مدرسةً في أنطالية، وشهدت سنة [[640 هـ|640هـ]] المُوافقة لِسنة [[1242]]م إقبالًا من جهة الواقفين على بناء المدارس، فبنى الأمير لاله بدر الدين مُصلح بن مُظفَّر الدين سهراب -الذي كان مُعلِّمًا لِلسُلطان علاء الدين كيقُباد- مدرسة «صيرجالي» في قونية وأوقَّفها على الفُقهاء والمُتفقهين من أتباع [[حنفية|المذهب الحنفي]]، كما تبرَّع أحد الأثرياء، ويُدعى عبد الرحمٰن بِبناء مدرسةٍ على نفقته الخاصَّة، وأوقفها في مدينة سينوپ.<ref>{{استشهاد بدورية محكمة |الأخير=الربيدي|الأول=فاطمة يحيى زكري|دورية =المجلَّة الأُردُنيَّة لِلتاريخ والآثار|مسار= https://platform.almanhal.com/Reader/Article/34866?search=سلاجقة%20الروم|عنوان=أثر الأوقاف في النهضة التعليميَّة في مدارس الأناضول في عصر سلاجقة الروم |المجلد=المُجلَّد الخامس|العدد=العدد الثالث|سنة=[[2011]]|صفحات=صفحة 1 و3|ناشر=[[الجامعة الأردنية|الجامعة الأُردُنيَّة]]|issn=1996-9546|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20221226172949/https://platform.almanhal.com/Reader/Article/34866?search=%D8%B3%D9%84%D8%A7%D8%AC%D9%82%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D9%85|تاريخ أرشيف=2022-12-26}} {{الاشتراك مطلوب| مسار الأرشيف = https://web.archive.org/web/20210414065529/https://platform.almanhal.com/Reader/Article/34866?search=%D8%B3%D9%84%D8%A7%D8%AC%D9%82%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D9%85 | تاريخ الأرشيف = 14 أبريل 2021 }}</ref> وبِالإضافة إلى مدارس التعليم العام أنشأ سلاجقة الروم مدارس الاختصاص -وهي التي تختص بِنوعٍ واحدٍ من العُلُوم- كمدارس [[علوم القرآن|عُلُوم القُرآن]] التي سُمِّيت «دُور القُرآن» و«دُور القُرَّاء» و«دُور الحُفَّاظ»، ومنها على سبيل المِثال دار الحُفَّاظ والمدرسة الفرحونيَّة بِقونية. ومن الأمثلة الأُخرى على هذه المدارس تلك التي عُنيت بِتدريس [[علم الحديث]]، وسُمِّيت الواحدة منها «دار الحديث» ومنها دار الحديث بِقونية. وكذلك المدارس التي اختصَّت بِتدريس الطب والصيدلة، وكانت تُسمَّى الواحدة منها «دار الشفاء» أو «دار العافية» أو «دار المرضى»، ومن أمثلتها: المدرسة الغِيَاثيَّة التي بناها السُلطان [[كيخسرو الثاني|غِيَاث الدين كيخسرو بن كيقُباد]] في قيصريَّة، ومدرسة الوزير مُعينُ الدين سُليمان پروانه في توقاد، ودار الشفاء في آمد. وكانت جميع المدارس الموقوف عليها عند سلاجقة الروم ترتبط بِبناء مسجدٍ مُلاصقٍ لها.<ref>{{استشهاد بدورية محكمة |الأخير=الربيدي|الأول=فاطمة يحيى زكري|دورية =المجلَّة الأُردُنيَّة لِلتاريخ والآثار|مسار= https://platform.almanhal.com/Reader/Article/34866?search=سلاجقة%20الروم|عنوان=أثر الأوقاف في النهضة التعليميَّة في مدارس الأناضول في عصر سلاجقة الروم |المجلد=المُجلَّد الخامس|العدد=العدد الثالث|سنة=[[2011]]|صفحات=صفحة 5 - 6|ناشر=[[الجامعة الأردنية|الجامعة الأُردُنيَّة]]|issn=1996-9546|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20221226172949/https://platform.almanhal.com/Reader/Article/34866?search=%D8%B3%D9%84%D8%A7%D8%AC%D9%82%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D9%85|تاريخ أرشيف=2022-12-26}} {{الاشتراك مطلوب| مسار الأرشيف = https://web.archive.org/web/20210414065529/https://platform.almanhal.com/Reader/Article/34866?search=سلاجقة+الروم | تاريخ الأرشيف = 14 أبريل 2021 }}</ref>

نتيجة هذا الاهتمام بِالعلم تابعت العُلُوم الإسلاميَّة تقدُّمها في ظل دولة سلاجقة الروم قُبيل الغزوات المغوليَّة المُدمِّرة، فوُضعت المُؤلَّفات، وتُرجمت الكُتُب عن [[يونانية العصور الوسطى|اللُّغة الروميَّة]] في الطب و[[فلسفة يونانية|الفلسفة]] و[[الخيمياء والكيمياء في عصر الحضارة الإسلامية|الكيمياء]] و[[الجغرافيا في عصر الحضارة الإسلامية|الجُغرافيا]]. وكان لِانتشار الورق الذي أنتجتهُ مصانع [[سمرقند]] وبغداد و[[طرابلس (لبنان)|طرابُلس الشَّام]] ودمشق فضلٌ كبير في ازدهار صناعة [[نسخ|النَّسخ]].<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= جحا، شفيق|مؤلف2= [[منير البعلبكي|البعلبكي، مُنير]]|مؤلف3= [[بهيج عثمان|عُثمان، بهيج]]|عنوان= المُصوَّر في التاريخ|المجلد=الجُزء السادس|طبعة= التاسعة|صفحة= 65|سنة= [[1992]]|ناشر=[[دار العلم للملايين]]|مكان=[[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> ومن أشهر العُلماء والأُدباء والفلاسفة والمُتصوفين المُسلمين الذين ظهروا في دولة سلاجقة الروم أو وفدوا عليها: [[السهروردي المقتول|شهاب الدين يحيى السهروردي]]، و[[محيي الدين بن عربي|مُحيي الدين بن عربي]] وتلميذه [[صدر الدين القونوي]]، وجلال الدين الرومي وابنه [[سلطان ولد|بهاء الدين أحمد]]، و[[يونس أمره|يُونُس أمره]]، و[[سراج الدين الأرموي]]، و[[صفي الدين الأرموي]]. كذلك ساهم عددٌ من العُلماء المسيحيين في هذه النهضة الحضاريَّة، كان من أبرزهم: حسنون الرهَّاوي الطبيب، وأبو سالم اليعقوبي الملطي المعروف بـ«ابن كرابا».<ref>{{استشهاد بدورية محكمة |الأخير= عبد اللطيف|الأول= أحمد توني|دورية =مجلَّة المُؤرِّخ العربي|مسار= http://arabhistoryso.net/download/Magazin/pdf_12.pdf|عنوان= الحياة الثقافيَّة في دولة سلاجقة الروم|المجلد= المُجلَّد الأوَّل|العدد=العدد الحادي عشر|سنة= [[2003]]|صفحات= صفحة 365 - 383|ناشر=[[اتحاد المؤرخين العرب]]|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20170317074852/http://arabhistoryso.net/download/Magazin/pdf_12.pdf
|تاريخ أرشيف=2017-03-17}}</ref>

== التنظيم العسكري ==
[[ملف:Sultan Osman.jpg|تصغير|يمين|مُحافظ الحُدُود عُثمان بن أرطُغرُل على تخت الإمارة.]]
كان لِدولة سلاجقة الروم تنظيمٌ عسكريً فريد بين الدُول الإسلاميَّة التي عاصرتها، فكان لها حامياتٌ عسكريَّة مُختلفة نُشرت في المناطق الحُدُوديَّة، وأبرزُها: حاميات «الأوݘ»، وتشكيلات «الألبلر»، وجماعة «باجيان روم». أمَّا حاميات الأوݘ فكانت تنتشر بِالمناطق الشماليَّة الشرقيَّة لِلبحر المُتوسِّط، والمناطق الجنوبيَّة الشرقيَّة لِبحر البنطس، وعلى الحُدُود الغربيَّة بين دولة سلاجقة الروم والأراضي البيزنطيَّة بِآسيا الصُغرى. وكان على رأس كُلٌّ من هذه الحاميات أميرٌ يخلع عليه السُلطان لقب «[[أوج بايليك|أوݘ بكي]]» أي مُحافظ الحُدُود، ومن أشهر هؤلاء [[أرطغرل|أرطُغرُل]] أمير عشيرة قايى، وجدُّ [[قائمة السلالة العثمانية|بني عُثمان]]، وابنه عُثمان بعده. ولم تترك السلطنة الحُريَّة لِمُحافظي الحُدُود في مُزاولة أعمالهم دون رقابة، بل كانت تُعيِّن من بين رجالها من يُراقب أعمال هؤلاء المُحافظين، وكانت إزاء ذلك تمنحهُ لقب «أوݘ أميري»، أي أمير الحُدُود.<ref name="العسكرية">{{استشهاد بأطروحة|الأخير=عبد اللطيف|الأول=أحمد توني|تاريخ =[[1406 هـ|1406هـ]] - [[1986]]م|عنوان =الحياة السياسيَّة ومظاهر الحضارة في دولة سلاجقة الروم |مسار=https://archive.org/details/Resala_242/page/n379/mode/2up|الدرجة= Ph.D. |الفصل=الباب الرابع|صفحة =360 - 361|ناشر=[[جامعة المنيا]]، كُليَّة الآداب، قسم التاريخ}}</ref> وبِالنسبة لتشكيلات «الألبلر» فهي تلك التشكيلات التي انتشرت بِالحُدُود الغربيَّة لِلدولة بين العشائر التُركُمانيَّة التي احتفظت بِتقاليدها القوميَّة. و«الألبلر» جمع «ألب»، وهو لقبٌ كان يُطلق على الشُجعان المقدامين الذين توافرت فيهم مجموعة من الصفات هي: الشجاعة وقُوَّة الساعد والحميَّة، وامتلك واحدهم الزي الخاص بِالقتال والفرس الجواد والقوس والسيف والرمح والرفيق الموافق، أي أن يكون في حالة استعداد مُستمرَّة لِلحرب، ويسود الود والوفاق بينه وبين رفاق السلاح حتَّى يتسنَّى لهم تأدية أعمالهم بِكفاءة ونجاح.<ref name="العسكرية"/> أمَّا جماعة «باجيان روم» فهي -بحسب اجتهاد المُؤرِّخ التُركي [[محمد فؤاد الكوبريللي|مُحمَّد فؤاد الكوبريللي]]- مُنظَّمة نسائيَّة يُحتمل أنها تكوَّنت من نساء القبائل التُركُمانيَّة قاطنة المناطق الحُدُوديَّة اللواتي كُنَّ يمتشقن السلاح لِلدفاع عن أنفُسهُنَّ وأُسراتهنَّ وقت غياب أزواجهنَّ، ويُحتمل أنَّ هذا التقليد أصبح بِمُرور الوقت عُرفًا من الأعراف المُنتشرة في مناطق الحُدُود لكونها الأكثر تعرُّضًا لِلأخطار من بين مناطق الدولة.<ref name="العسكرية"/>

== مراجع ==
=== هوامش ===
* '''{{هامش|1}}''': قال [[ابن خلكان|ابن خلِّكان]] في [[وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان|وفيات الأعيان]] عن كيفية نُطق اسم «سلجوق»: {{اقتباس مضمن| وسَلْجُوق: بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّاَمِ وَضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الواو وَبَعْدَهَا قَافٌ. ودُقَاق: بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبَيْنَ الْقَافَيْنِ أَلِفٌ سَاكِنَةٌ}}.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن خلكان|ابن خلِّكان، أبو العبَّاس شمس الدين أحمد بن مُحمَّد بن إبراهيم البرمكي الإربلي]]|عنوان= وفیات الأعیان وأنباء أبناء الزَّمان ممَّا ثبت بالنقل والسماع وأثبتهُ العیان |طبعة= الأولى|صفحة= 68|المجلد=الجُزء الخامس|سنة= [[1994]] |ناشر= دار صادر|مكان = [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://shamela.ws/book/1000/2067|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20210520145417/https://al-maktaba.org/book/1000/2067|تاريخ أرشيف=2021-05-20}}</ref>
* '''{{هامش|2}}''': قال بعض المُؤرِّخين الغربيين المُعاصرين إنَّ أسماء [[السلالة السلجوقية|الآباء الأُوَل لِلسلاجقة]] -بما فيها أسماء أبناء سَلْجُوق- توحي بأنَّهم كانوا إمَّا [[اليهودية|يهودًا]] أو [[نسطورية|نصارى نساطرة]]، وعرفوا تلك الأسماء من خلال [[الكتاب المقدس|الكتاب المُقدَّس]]. ويتخذ هؤلاء من معلومةٍ معروفةٍ حُجَّةً لِلقول بِصحَّة نظريَّتهم، ومفادها أنَّ القبائل الرعويَّة الآسيويَّة ومنها القبائل التُركيَّة كانت تجوب المنطقة الشماليَّة [[بحر قزوين|لِبحر الخزر (قزوين)]] امتدادًا إلى [[خانية الخزر|خانيَّة الخزر]] اليهوديَّة، وتُقيم علاقاتٍ تجاريَّةٍ معها، وعليه يُحتمل أنَّ بعض التُرك الغُز ومنهم أسلاف السلاجقة، قد دخلوا في الديانة اليهوديَّة في وقتٍ مُبكرٍ مُتأثرين بِيهود [[خزر|الخزر]]، قبل أن يعتنقوا الإسلام بعد انتقالهم إلى المناطق الإسلاميَّة واتصالهم بِأهلها.<ref group="la">{{استشهاد بكتاب |الأخير=Brook |الأول=Kevin Alan |عنوان=The Jews of Khazaria |طبعة=الثانية|ناشر=Rowman & Littlefield Publishers, Inc |سنة=[[2006]] |صفحة=74|مسار=https://books.google.com.lb/books?redir_esc=y&id=hEuIveNl9kcC&q=Mik%C3%A2%27%C3%AEl+#v=onepage&q=Mik%C3%A2'%C3%AEl&f=false|isbn=9781442203020| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201214055833/https://books.google.com.lb/books?redir_esc=y&id=hEuIveNl9kcC&q=Mikâ'îl+#v=onepage&q=Mikâ'îl&f=false | تاريخ أرشيف = 14 ديسمبر 2020}}</ref> انتقد المُؤرخون المُسلمون هذا الكلام قائلين إنَّهُ افتراضٌ غير سليم من أساسه، فالأسماء المذكورة معروفة ومُنتشرة بين المُسلمين مُنذُ القِدم، فلايصح الجزم بأنَّ السلاجقة أو أسلافهم كانوا يومًا على أي [[أديان إبراهيمية|عقيدةٍ إبراهيميَّةٍ]] قبل دُخُولهم في الإسلام.<ref group="la">{{استشهاد بكتاب|الأخير=Turan|الأول=Refik|عنوان=Selçuklu Tarihi El Kitabı|لغة=tr|ناشر=Grafiker Yayınları|سنة=[[2018]]|صفحة=74|isbn=9786054692057}}</ref>
* '''{{هامش|3}}''': كان هُناك عددٌ من السُلالات السَلْجُوقيَّة التي انفردت بِحُكم أقاليم مُختلفة من [[العالم الإسلامي|ديار الإسلام]]، وانضوت كُلُّها تحت جناح الدولة السَلْجُوقيَّة العُظمى ودانت بِالولاء لِسُلطانها والخليفة العبَّاسي. وقد ظهرت أكثر هذه السُلالات زمن طُغرُل بك -بعد انتصاره على الغزنويين في معركة دندانقان- إذ اقتسمت العشائر التُركيَّة التابعة له الأراضي التي استولوا عليها، فكان نصيب جغري مدينة مرو وأكثر خُراسان مُؤسسًا سُلالة سلاجقة خُراسان، وكان نصيب أبي علي الحسن بن موسى كلان ولاية [[لشكر كاه|بُست]] وهراة و[[سجستان]] وما يُجاور ذلك من النواحي، وأخذ [[قاورد بك|أحمد قارود بن جغري]] ولاية الطَّبس ونواحي [[كرمان (محافظة)|كرمان]] مُؤسسًا سُلالة [[سلاجقة كرمان]]، وحصل إبراهيم بن إينال على همدان، كما حصل ياقوتي بن طُغرُل على [[أبهر (إيران)|أبهر]] و[[زنجان (محافظة)|زنجان]] ونواحي أذربيجان، وكان من نصيب قُتلُمُش بن إسرائيل [[جرجان]] و[[دامغان]]. ولُقِّب كُل حاكمٍ من حُكَّام هذه الأُسر السَلْجُوقيَّة بِالـ«[[شاه]]» أو «[[ملك|الملك]]» بينما بقي لقب السُلطان من نصيب حاكم الدولة بِأكملها.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[علي الصلابي|الصلَّابي، علي بن مُحمَّد]]|عنوان= دولة السلاجقة وبُرُوز مشروع إسلامي لِمُقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي|طبعة= الأولى|صفحة= 41 - 42|سنة= [[1427 هـ|1427هـ]] - [[2006]]م|ناشر= مُؤسسة اقرأ|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=https://foulabook.com/storage/book/دولة+السلاجقة+وبروز+مشروع+إسلامي+لمقاومة+التغلغل+الباطني+والغزو+الصليبي_23737_Foulabook.com_.pdf&hl=ar|isbn =9776119824| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201231011204/https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=https://foulabook.com/storage/book/دولة+السلاجقة+وبروز+مشروع+إسلامي+لمقاومة+التغلغل+الباطني+والغزو+الصليبي_23737_Foulabook.com_.pdf&hl=ar | تاريخ أرشيف = 31 ديسمبر 2020}}</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= حسن، حسن إبراهيم|عنوان= تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي|المجلد=الجُزء الرابع|صفحة= 16|سنة= [[1416 هـ|1416هـ]] - [[1996]]م|ناشر= دار الجيل|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= http://206.81.8.224/book/تاريخ-الإسلام-السياسي-والديني-والثقافي-والاجتماعي-الجزء-الرابع/read| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201231011334/http://206.81.8.224/book/تاريخ-الإسلام-السياسي-والديني-والثقافي-والاجتماعي-الجزء-الرابع/read | تاريخ أرشيف = 31 ديسمبر 2020}}</ref>
* '''{{هامش|4}}''': كانت القُسطنطينيَّة آنذاك قد سقطت بِيد الأوروپيين أثناء [[الحملة الصليبية الرابعة|حملتهم الصليبيَّة الرابعة]]، وتأسست بها دولة كاثوليكيَّة عُرفت [[الإمبراطورية اللاتينية|بِالإمبراطوريَّة اللاتينيَّة]]، وهرب الأُمراء والنُبلاء البيزنطيُّون من عاصمتهم العتيقة وأسَّسوا ثلاثة دُويلاتٍ روميَّةٍ هي: [[إمبراطورية طرابزون|إمبراطوريَّة طرابزون]] و[[إمبراطورية ثيسالونيكة|إمبراطوريَّة سالونيك]] و[[إمبراطورية نيقية|إمبراطوريَّة نيقية]]، وكانت الأخيرة أكبرها، واعتُبر أباطرتها ورثة عرش القُسطنطينيَّة واستمرارًا [[قائمة الأباطرة البيزنطيين|لِسُلالة الأباطرة الروم]].<ref group="la">{{استشهاد بكتاب|مسار=https://books.google.com/books?id=U6PnAwAAQBAJ|عنوان=History of the Byzantine Empire, 324–1453|الأخير=Vasiliev|الأول=Alexander A.|ناشر=Univ of Wisconsin Press|سنة=1952|isbn=978-0299809263|صفحات=546| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210125001238/https://books.google.com/books?id=U6PnAwAAQBAJ | تاريخ أرشيف = 25 يناير 2021}}</ref>

=== بِاللُغة العربيَّة ===
{{مراجع}}

=== بِلُغاتٍ أجنبيَّةٍ ===
{{مراجع|مجموعة="la"|2|محاذاة=نعم}}

== وصلات خارجيَّة ==
{{روابط شقيقة}}
* [https://mjaf.journals.ekb.eg/article_116213.html التُربة الإيوان بِالأناضول خلال عصريّ سلاجقة الروم والإمارات التُرکُمانيَّة]. مقالة مُحكَّمة منشور في مجلَّة العمارة والفُنُون والعُلُوم الإنسانيَّة، التابعة لِقسم الآثار والحضارة بکُليَّة الآداب في جامعة حلوان.
* مجلَّة جامعة الشارقة للعلوم الإنسانيَّة والاجتماعيَّة. {{استشهاد بدورية محكمة |الأخير= الربيدي|الأول= فاطمة يحيى|مسار= https://platform.almanhal.com/Reader/Article/47235|عنوان= الحريم السُلطاني في بلاد الأناضول في العصر السَلْجُوقي: المُشاركة السياسيَّة والإنجازات الحضاريَّة|المجلد=10|العدد=2|سنة=[[2013]]|ناشر=[[جامعة الشارقة]]|doi=  10.12816/0004530 |issn=1996-2339 |مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20180602151402/http://platform.almanhal.com/Reader/Article/47235
|تاريخ أرشيف=2018-06-02}} منشورة على [[المنهل (موقع ويب)|منصَّة المنهل]].
* {{يوتيوب|FpxCwE4_EpA|خريطة مُتحرَّكة لِتاريخ سلاجقة الروم (1077-1308م)}}.
{{سلاجقة الروم}}
{{شريط سفلي تاريخ تركيا}}
{{العصور الوسطى الأوروبية حسب المنطقة}}
{{إمارات الأناضول}}
{{ضبط استنادي}}
{{شريط بوابات|الإسلام|التاريخ الإسلامي|الدولة السلجوقية|تركيا}}
{{شريط محتوى متميز|1=مختارة|التاريخ=19 مايو 2021|النسخة=53895304|تاريخ مراجعة الزملاء=3 مارس 2021}}
{{لا لربط البوابات المعادل}}

[[تصنيف:سلاجقة الروم|*]]
[[تصنيف:انحلالات سنة 1308 في آسيا]]
[[تصنيف:بقايا دول تركية]]
[[تصنيف:تأسيسات سنة 1077 في آسيا]]
[[تصنيف:تاريخ محافظة قونية]]
[[تصنيف:دول تركية]]
[[تصنيف:دول تركية سابقة]]
[[تصنيف:دول سابقة]]
[[تصنيف:دول وأقاليم أسست في 1077]]
[[تصنيف:سلطنات سابقة]]