قبول الجماعات الدينية للتطور
على الرغم من المعارضة والانتقاد الشديدين التي يلقاها التطور من قبل بعض الجماعات الدينية، تتبنى الكثير من الجماعات الأخرى الموقف العلمي. أحيانًا مع بعض الإضافات للسماح بالاعتبارات اللاهوتية. تصف هذه الجماعات موقفها باستخدام عدة مصطلحات منها: «التطور الإلهي» و«التطور الإيماني» و«التطور الخلقي». يؤمن أنصار التطور الإلهي بوجود إله، وأن هذا الإله هو الخالق لمادة الكون والحياة النابعة منها، وأن التطور هو عملية طبيعية ضمن مراحل الخلق. التطور من وجهة النظر الإلهية هذه هو أداة استخدمها الله لخلق البشر. وفقًا للاتحاد العلمي الأمريكي، وهو رابطة تجمع لعلماء مسيحيين:
«تقترح نظرية التطور الإلهي، أو كما تدعى بالتطور الخلقي، أن طريقة الله في الخلق كانت بتصميم كون يمكن لكل ما فيه التطور من ذاته. عادة ما تعني كلمة التطور في عبارة التطور الإلهي التطور الكلي، بما فيه التطور الفلكي والجيولوجي والكيميائي والبيولوجي، إلا أنها في الواقع تشير فقط إلى التطور البيولوجي».
تبعًا ليوجين سكوت، مدير المركز الوطني لتعليم العلوم في الولايات المتحدة، «بطريقة أو بأخرى، يعد التطور الإلهي وجهة نظر الخلق التي يتم تدريسها في غالبية المعاهد الدينية البروتستانتية الرئيسية، وهو الموقف الرسمي للكنيسة الكاثوليكية».[1]
لا يعدَ التطور الإلهي ليس نظرية علمية، وإنما هو وجهة نظر اعتقادية دينية خاصة تصف كيف يمكن تأويل الاكتشافات إلى تم التوصل إليها في علم الأحياء التطوري لتتناسب مع المعتقدات الدينية. يمكن النظر لأنصار التطور الإلهي على أنهم إحدى المجموعات التي ترفض أطروحة الصراع بخصوص العلاقة بين الدين والعلم، ويرون أن النظريات العلمية والدين لا يتعارضان بالضرورة، وكان عالم الأحياء الشهير ستيفن جاي غولد أحد أكبر أنصار هذه النظرية. يطلق أحيانًا على متبني وجهة النظر هذه اسم «الداروينين المسيحيين».[2][3]
القبول
تعتبر وجهة النظر هذه مقبولة من من معظم الكنائس المسيحية، من بينها الكنيسة الكاثوليكية، والكنيسة الإنجيلية اللوثرية الأمريكية، والكنيسة الأسقفية الأمريكية، وبعض الكنائس البروتوستانتية التقليدية الأخرى؛[1] وتقريبًا جميع الطوائف اليهودية وجماعات دينية أخرى لا تمتلك موقفًا واضحًا فيما يتعلق بالنصوص الدينية. يقبل العديد من رجال الدين المسيحيين وجهة النظر هذه ويؤكدون انفتاحهم عليها، من بينهم عالم اللاهوت بنجامين بريكنريدج وورفيلد والمبشر المسيحي الإنجيلي البارز بيلي غراهام. أظهر استطلاع أجري عام 2007 بأن نسبة التقبل من قبل البوذيين الأمريكيين والهندوس واليهود كانت أعلى بين أقرانهم من الجماعات المسيحية الأخرى. في استطلاع أجراه مؤخرًا عالم الفيزياء ماكس تيغمارك حول «كيف تنظر المجتمعات الدينية الأمريكية المختلفة إلى العلم، ولا سيما التطور وعلم كون الانفجار العظيم». أظهر تقرير نشرته مؤسسة غالوب بأن 46% من الأمريكيين يؤمنون بأن الله خلق الجنس البشري الحالي منذ أقل من 10 آلاف سنة مضت، إلّا أنه فقط نسبة 11% ممن ينتمون لجماعات دينية يرفضون التطور رفضًا صريحًا.[4]
مع اتباع النهج العلمي المتمثل في التطور، عادة تُفسر قصص الخلق الموجودة في الكتب الدينية على أنها مجازية في الطبيعة ليس إلّا (أي أنها قصص تُحكى للوعظ والاعتبار وضرب المثل). يعتبر كل من المسيحيين واليهود فكرة أسطورة الخلق في العهد القديم على أنه مجرد حكاية مجازية بدلًا من كونه شرحًا تاريخيًا قبل وقت طويل من ظهور النظرية الداروينية. ومن الأمثلة على ذلك كانت كتابات القديس أوغسطين العائدة للقرن الرابع الميلادي، (إلا أنه في وقت لاحق رفض المجاز لصالح التفسير الحرفي). اعتبر القديس أوغسطين أن مفردات الضوء واليوم والصبح التي وردت في سفر التكوين حملت معنىً روحيًا وليس فيزيائيًا.[5] يرى أوغسطين بأن خلق «صباح روحي» هو حدث تاريخي يوازي خلق الضوء المادي. قال أو غسطين في عمل لاحق له: «هنالك بعض من يعتقدون بأن كل ما فعله الله هو خلق الكون، وأما كل ما هو موجود ضمن الكون، هو من صنع العالَم نفسه طبقًا لأحكام الرّب وأوامره، لكن الله نفسه لا يصنع شيئًا».[6] أمّا بالنسبة للأمثلة اليهودية المشابهة في اعتبار أسطورة الخلق حكاية مجازية نراها في مؤلفات فيلون السكندري العائدة للقرن الأول ميلادي،[7] ومؤلفات موسى بن ميمون العائدة للقرن الثاني عشر ميلادي، ومؤلفات جرسونيدس العائدة للقرن الثالث عشر ميلادي.[8][9]
يجادل الكثيرون من أنصار التطور الإلهي بأنه من غير اللائق استخدام سفر التكوين ضمن إطار علمي، باعتبار أنه كتب قبل عصر العلم وهو موجه بصورة أساسية كمجموعة من التعاليم الدينية؛ وبذلك علينا الأخذ بقصص الخلق على أنها أعمال أدبية. ربما يعتقد المؤمنون بالتطور الإلهي أن الخلق ليس عبارة عن عملية حلصت في غضون أسبوع فقط، وإنما هو عملية بدأت منذ بداية الوقت واستمرت حتى الوقت الحاضر بما فيه اليوم. تؤكد هذه النظرية على أن الرب هو من خلق العالم وهو المسبب الأساسي لوجودنا. اعتبرت هذه إحدى الطرق المتبعة لتفسير النصوص الإنجيلية مثل سفر التكوين، والذي يبدو على أنه يتعارض مع النظريات العلمية، مثل التطور.[10]
وجهات النظر حسب المعتقد
تقبل العديد من المنظمات الدينية نظرية التطور، إلا أن التفسيرات اللاهوتية المتعلقة بها تختلف من منظمة لأخرى. إضافة إلى أنه من الممكن لأفراد أو حركات ضمن هذه ألا تقبل بالنظرية، كما أن العديد من المواقف تجاه التطور تطورت على مر التاريخ. يوجد هناك تباين ملحوظ في معدل قبول نظرية التطور بين مختلف البلدان، إذ بيّنت الدراسات أن معدل قبول التطور في الولايات المتحدة أقل مما هو عليه في أوروبا أو اليابان (فقط تركيا هي من تمتلك معدل أقل من 34 دولة أخرى شملتها الدراسة)، كما يمكن أن تختلف مواقف الجماعات الدينية بين دولة وأخرى.
البهائية
في الديانة البهائية، كتب عبد البهاء ابن مؤسس الديانة حول أصل الحياة. جزء أساسي من تعاليم عبد البهاء حول التطور هو اعتقاده بأن الحياة كلها جاءت من أصل واحد: «أصل جميع أشكال الحياة واحد».[12] ويقول بأن التنوع الشامل لأشكال الحياة انبثق من هذا الأصل الواحد: «انظر إلى هذا العالم المليء بالمخلوقات، كم هنالك من تنوع في أشكال الحياة، إلا أنها تشترك جميعها في أصل واحد».[13] يوضح بكلامه بأن عملية تدريجية بطيئة هي من أدت إلى ظهور كيانات معقدة.[14]
المسيحية
يتناقض التطور مع التفسير الحرفي لسفر التكوين؛ مع ذلك، فإن اتباع الحرفية فيما يتعلق بقصة الخلق غير إلزامي عند كل من الكاثوليك ومعظم الطوائف البروتستانتية المعاصرة. ينظر المسيحيون إلى سفر التكوين على كونه اعتبارات مجازيًا منذ وقت طويل قبل ظهور نظرية دارون في التطور، أو مبدأ هوتون في الوتيرة الواحدة. من الأمثلة على ذلك كانت كتابات القديس أوغسطين من القرن الرابع الميلادي، والذي جادل بوجهة نظر لاهوتية أن كل شيء في الكون خلقه الله في لحظة واحدة وليس في ستة أيام كما يظهر من التفسير الحرفي لسفر التكوين.[5] يدافع بعض اللاهوتيين المعاصرين مثل ميرديث كلاين وهنري بلوشر عما يعرف الآن بالتفسير الحرفي لسفر التكوين.
الإسلام
يعارض بعض المسلمين نشأة الأنواع الحية من أصل واحد نظرًا لتعارض الفكرة مع ما جاء في القرآن. حتى أنه بين المسلمين الذين يصدقون التطور، يؤمن العديد منهم بأن البشرية خلق مميز من الله. على سبيل المثال، يجادل الشيخ الأمريكي المختص بالتشريع الإسلامي نوح ميم كيلر بأن التصديق بالتطور الكبروي يتوافق مع الإسلام، طالما أنه يقبل بفكرة أن الله هو خالق كل شيء، وأن الله خلق البشرية في صورة آدم.[15]
انظر أيضًا
مراجع
- ^ أ ب * Scott, Eugenie C., "Antievolution and Creationism in the United States", Annual Review of Anthropology, Vol. 26, (1997), pp. 263–289. نسخة محفوظة 15 ديسمبر 2018 على موقع واي باك مشين.
- ^ Numbers، Ronald (2006). The Creationists: From Scientific Creationism to Intelligent Design, Expanded Edition. Cambridge, MA: Harvard University Press. ISBN:0-674-02339-0. مؤرشف من الأصل في 2021-08-13. pp. 34–38.
- ^ Scott, Eugenie C.. Evolution Vs. Creationism, Location?: Niles Eldredge, pp. 62–63
- ^ Max Tegmark, Eugena Lee, and Meia Chita-Tegmark, "The MIT Survey on Science, Religion and Origins: the Belief Gap", Feb. 11, 2013 , p. 1 نسخة محفوظة 7 أبريل 2019 على موقع واي باك مشين.
- ^ أ ب Davis A. Young, "The Contemporary Relevance of Augustine's View of Creation" from Perspectives on Science and Christian Faith 40.1 نسخة محفوظة 10 أكتوبر 2019 على موقع واي باك مشين.[وصلة مكسورة]
- ^ Taylor, JH (trans) (1982) "St. Augustine. The Literal Meaning of Genesis", Paulist Press, New York, p171
- ^ ""Allegorical Interpretation, I" from The Works of Philo Judaeus, translated by C.D. Yonge". مؤرشف من الأصل في 2013-05-15. اطلع عليه بتاريخ 2013-06-18.
{{استشهاد ويب}}
: صيانة الاستشهاد: BOT: original URL status unknown (link) - ^ The Guide for the Perplexed 2:17
- ^ Milchamot Hashem 6:8
- ^ Can You Believe in God and Evolution, Ted Peters and Matrinez Hewlett
- ^ Religious Groups: Opinions of Evolution, Pew Research Center (conducted in 2007, released in 2008) "نسخة مؤرشفة". مؤرشف من الأصل في 2010-04-22. اطلع عليه بتاريخ 2019-11-10.
{{استشهاد ويب}}
: صيانة الاستشهاد: BOT: original URL status unknown (link) - ^ Effendi 1912، صفحة 350
- ^ `Abdu'l-Bahá 1912، صفحات 51–52
- ^ `Abdu'l-Bahá 1908، صفحات 198–99
- ^ Evolution and Islam نسخة محفوظة 26 مارس 2019 على موقع واي باك مشين.