الدولة المملوكية: الفرق بين النسختين

اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لا يوجد ملخص تحرير
ط (استبدال قوالب (بداية قصيدة، بيت ، شطر، نهاية قصيدة) -> أبيات)
 
لا ملخص تعديل
 
سطر 3: سطر 3:
|الاسم_الشائع      = الدَّولَةُ المَملُوكِيَّةُ
|الاسم_الشائع      = الدَّولَةُ المَملُوكِيَّةُ
|خريطة            = Mamluks1279.png  
|خريطة            = Mamluks1279.png  
|تسمية الخريطة    = الدولة المملوكيَّة في أقصى اتساعها حوالي سنة [[1279]]م
|تسمية الخريطة    = الدولة المملوكيَّة في أقصى اتساعها نحو سنة [[1279]]م
|القارة            = [[آسيا]] و[[أفريقيا]] وبعض جزر [[البحر المتوسط]] [[أوروبا|الأوروپيَّة]]
|القارة            = [[آسيا]] و[[أفريقيا]] وبعض جزر [[البحر المتوسط]] [[أوروبا|الأوروپيَّة]]
|تسمية وصلة العلم  = <small>راية المماليك</small>
|تسمية وصلة العلم  = <small>راية المماليك</small>
سطر 73: سطر 73:
يرجعُ استخدام المماليك في جيش ولاية مصر إلى [[الدولة الطولونية|العهد الطولوني]]، عندما عيَّن الخليفة العبَّاسي [[أبو العباس أحمد المعتمد على الله|أبو العبَّاس أحمد المُعتمد على الله]] [[أحمد بن طولون]]، التُركيّ الأصل، واليًا على الديار المصريَّة في سنة [[263 هـ|263هـ]] المُوافقة لِسنة [[877]]م، فطمع هذا بالاستقلال بها بعد أن أضحت جميع أعمالها الإداريَّة والقضائيَّة والعسكريَّة والماليَّة بِيده.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير الجزري، عزُّ الدين أبي الحسن عليّ بن أبي الكرم الشيباني]]|مؤلف2= تحقيق: أبو الفداء عبدُ الله القاضي|عنوان= [[الكامل في التاريخ]]، الجُزء الخامس|طبعة= الأولى|صفحة= 339|سنة= [[1407 هـ|1407هـ]] - [[1987]]م|ناشر= دار الكُتب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وحتَّى يُحقق أحمد بن طولون رغبته بِالاستقلال في حُكم مصر؛ رأى أن يدعم سُلطته بِجيشٍ مملوكيٍّ من التُرك من بني جنسه بِالإضافة إلى العُنصر [[ديلم|الديلمي]]، وقد بلغ تعداد هذا الجيش ما يزيد عن أربعةٍ وعشرين ألف غُلامٍ تُركيٍّ.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[تقي الدين المقريزي|المقريزي، أبو العبَّاس تقيُّ الدين أحمد بن عليّ بن عبد القادر الحُسيني العُبيدي]]|عنوان= [[المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار|المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار]]، الجُزء الأوَّل|طبعة= الأولى|صفحة= 168|سنة= [[1418 هـ|1418هـ]]|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن إياس|ابن إياس، أبو البركات زينُ العابدين مُحمَّد بن أحمد بن إياس الحنفي النَّاصري القاهري]]|مؤلف2= تحقيق: خليل إبراهيم|عنوان= [[بدائع الزهور في وقائع الدهور|بدائعُ الزُّهور في وقائعُ الدُّهور]]، الجُزء الأوَّل|طبعة= الأولى|صفحة= 162|سنة= [[1992]]|ناشر= دارُ الفكر اللُبناني|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> ومُنذُ ذلك الوقت، أضحى جُندُ مصر ووُلاتها من المماليك التُرك، ولمَّا توسَّعت حُدود الدولة الطولونيَّة لِتشمل [[بلاد الشام|الشَّام]]، أضحى حالُ جُند الشَّام كحال جُند مصر.<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|الأخير1=Clifford|الأول1=Winslow William|محرر1-الأخير=Conermann|محرر1-الأول=Stephan|عنوان=State Formation and the Structure of Politics in Mamluk Syro-Egypt, 648-741 A.H./1250-1340 C.E.|تاريخ=2013|ناشر=Bonn University Press|isbn=9783847100911|مسار= https://books.google.com/books?id=lu9IHN5VZj4C&pg=PA70|صفحة=65|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200212122808/https://books.google.com/books?id=lu9IHN5VZj4C&pg=PA70|تاريخ أرشيف=2020-02-12}}</ref> وقد نهجت [[الدولة الإخشيدية|الدولة الإخشيديَّة]]، التي خلفت الدولة الطولونيَّة في حُكم مصر، نهج هذه الدولة الأخيرة في الاعتماد على المماليك. وقد بلغ تعداد مماليك [[محمد بن طغج الإخشيد|مُحمَّد بن طُغج الإخشيد]]، مُؤسس الدولة الإخشيديَّة، نحو ثمانية آلاف مملوكٍ من التُرك والديلم، وقيل أنَّهُ كان ينام بِحراسة ألف مملوك.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن تغري|ابن تغري بردي، أبو المحاسن جمالُ الدين يُوسُف بن تغري بردي بن عبد الله الظاهري الحنفي]]|مؤلف2= قدَّم لهُ وعلَّق عليه: مُحمَّد حُسين شمسُ الدين|عنوان= [[النجوم الزاهرة|النُجوم الزاهرة في مُلوك مصر والقاهرة]]، الجُزء الثالث|طبعة= الأولى|صفحة= 256|سنة= [[1413 هـ|1413هـ]] - [[1992]]م|ناشر= دار الكُتب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> ولمَّا استولى [[الدولة الفاطمية|الفاطميُّون]] على مصر في سنة 358هـ المُوافقة لِسنة 969م، اعتمد خُلفائهم الأوائل، مُنذُ أيَّام [[المعز لدين الله|أبي تميم معدّ المُعز لِدين الله]] على عدَّة عناصر تُركيَّة و[[العرق الأسود|زنجيَّة]] و[[أمازيغ|بربريَّة]] و[[سلاف|صقلبيَّة]]. واستخدم الخليفة الفاطمي [[العزيز بالله الفاطمي|أبو منصور نزار العزيز بِالله]] التُرك في الوظائف العامَّة والقياديَّة في الدولة، وفضَّلهم على غيرهم من العرقيَّات الأُخرى، فولَّى مملوكه «[[منجوتكين]]» التُركي قيادة الجيش، كما ولَّاه الشَّام.<ref name="ReferenceB">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن تغري|ابن تغري بردي، أبو المحاسن جمالُ الدين يُوسُف بن تغري بردي بن عبد الله الظاهري الحنفي]]|مؤلف2= قدَّم لهُ وعلَّق عليه: مُحمَّد حُسين شمسُ الدين|عنوان= [[النجوم الزاهرة|النُجوم الزاهرة في مُلوك مصر والقاهرة]]، الجُزء الرَّابع|طبعة= الأولى|صفحة= 117|سنة= [[1413 هـ|1413هـ]] - [[1992]]م|ناشر= دار الكُتب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وكان نُفُوذُ المماليك التُرك يتزايد أو يتناقص وفق توجُّه كُل خليفةٍ فاطميٍّ على حدى، ففي عهد [[الحاكم بأمر الله|أبو عليّ المنصور الحاكم بِأمر الله]] تراجع نُفوذهم لِحساب الزُنج، ثُمَّ نشطوا مرَّة أُخرى في عهد الخليفة [[الظاهر لإعزاز دين الله|أبو الحسن عليّ الظاهر لِإعزاز دين الله]] الذي جعل قيادة الجُيُوش في يد المملوك التُركيّ الأصل منصور أنوشتكين. وقد ولَّاه الظاهر دمشق في سنة 419هـ المُوافقة لِسنة 1028م.<ref name="ReferenceB"/> واهتمَّ الفاطميُّون بِتربية صغار مماليكهم وفق نظامٍ خاص، وهم أوَّل من وضع نظامًا منهجيًّا في تربية المماليك في مصر.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[أحمد مختار العبادي|العبادي، أحمد مُختار]]|عنوان= قيام دولة المماليك الأولى في مصر والشَّام|صفحة= 69|سنة= 1969|ناشر= [[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربيَّة]]|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وفي سنة 567هـ المُوافقة لِسنة 1171م، سقطت الدولة الفاطميَّة في مصر وقامت [[الدولة الأيوبية|الدولة الأيُّوبيَّة]] على أنقاضها، لِتفتح صفحة جديدة في تاريخ [[شرق أدنى|الشرق الأدنى]] والمماليك معًا.  
يرجعُ استخدام المماليك في جيش ولاية مصر إلى [[الدولة الطولونية|العهد الطولوني]]، عندما عيَّن الخليفة العبَّاسي [[أبو العباس أحمد المعتمد على الله|أبو العبَّاس أحمد المُعتمد على الله]] [[أحمد بن طولون]]، التُركيّ الأصل، واليًا على الديار المصريَّة في سنة [[263 هـ|263هـ]] المُوافقة لِسنة [[877]]م، فطمع هذا بالاستقلال بها بعد أن أضحت جميع أعمالها الإداريَّة والقضائيَّة والعسكريَّة والماليَّة بِيده.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير الجزري، عزُّ الدين أبي الحسن عليّ بن أبي الكرم الشيباني]]|مؤلف2= تحقيق: أبو الفداء عبدُ الله القاضي|عنوان= [[الكامل في التاريخ]]، الجُزء الخامس|طبعة= الأولى|صفحة= 339|سنة= [[1407 هـ|1407هـ]] - [[1987]]م|ناشر= دار الكُتب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وحتَّى يُحقق أحمد بن طولون رغبته بِالاستقلال في حُكم مصر؛ رأى أن يدعم سُلطته بِجيشٍ مملوكيٍّ من التُرك من بني جنسه بِالإضافة إلى العُنصر [[ديلم|الديلمي]]، وقد بلغ تعداد هذا الجيش ما يزيد عن أربعةٍ وعشرين ألف غُلامٍ تُركيٍّ.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[تقي الدين المقريزي|المقريزي، أبو العبَّاس تقيُّ الدين أحمد بن عليّ بن عبد القادر الحُسيني العُبيدي]]|عنوان= [[المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار|المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار]]، الجُزء الأوَّل|طبعة= الأولى|صفحة= 168|سنة= [[1418 هـ|1418هـ]]|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن إياس|ابن إياس، أبو البركات زينُ العابدين مُحمَّد بن أحمد بن إياس الحنفي النَّاصري القاهري]]|مؤلف2= تحقيق: خليل إبراهيم|عنوان= [[بدائع الزهور في وقائع الدهور|بدائعُ الزُّهور في وقائعُ الدُّهور]]، الجُزء الأوَّل|طبعة= الأولى|صفحة= 162|سنة= [[1992]]|ناشر= دارُ الفكر اللُبناني|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> ومُنذُ ذلك الوقت، أضحى جُندُ مصر ووُلاتها من المماليك التُرك، ولمَّا توسَّعت حُدود الدولة الطولونيَّة لِتشمل [[بلاد الشام|الشَّام]]، أضحى حالُ جُند الشَّام كحال جُند مصر.<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|الأخير1=Clifford|الأول1=Winslow William|محرر1-الأخير=Conermann|محرر1-الأول=Stephan|عنوان=State Formation and the Structure of Politics in Mamluk Syro-Egypt, 648-741 A.H./1250-1340 C.E.|تاريخ=2013|ناشر=Bonn University Press|isbn=9783847100911|مسار= https://books.google.com/books?id=lu9IHN5VZj4C&pg=PA70|صفحة=65|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200212122808/https://books.google.com/books?id=lu9IHN5VZj4C&pg=PA70|تاريخ أرشيف=2020-02-12}}</ref> وقد نهجت [[الدولة الإخشيدية|الدولة الإخشيديَّة]]، التي خلفت الدولة الطولونيَّة في حُكم مصر، نهج هذه الدولة الأخيرة في الاعتماد على المماليك. وقد بلغ تعداد مماليك [[محمد بن طغج الإخشيد|مُحمَّد بن طُغج الإخشيد]]، مُؤسس الدولة الإخشيديَّة، نحو ثمانية آلاف مملوكٍ من التُرك والديلم، وقيل أنَّهُ كان ينام بِحراسة ألف مملوك.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن تغري|ابن تغري بردي، أبو المحاسن جمالُ الدين يُوسُف بن تغري بردي بن عبد الله الظاهري الحنفي]]|مؤلف2= قدَّم لهُ وعلَّق عليه: مُحمَّد حُسين شمسُ الدين|عنوان= [[النجوم الزاهرة|النُجوم الزاهرة في مُلوك مصر والقاهرة]]، الجُزء الثالث|طبعة= الأولى|صفحة= 256|سنة= [[1413 هـ|1413هـ]] - [[1992]]م|ناشر= دار الكُتب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> ولمَّا استولى [[الدولة الفاطمية|الفاطميُّون]] على مصر في سنة 358هـ المُوافقة لِسنة 969م، اعتمد خُلفائهم الأوائل، مُنذُ أيَّام [[المعز لدين الله|أبي تميم معدّ المُعز لِدين الله]] على عدَّة عناصر تُركيَّة و[[العرق الأسود|زنجيَّة]] و[[أمازيغ|بربريَّة]] و[[سلاف|صقلبيَّة]]. واستخدم الخليفة الفاطمي [[العزيز بالله الفاطمي|أبو منصور نزار العزيز بِالله]] التُرك في الوظائف العامَّة والقياديَّة في الدولة، وفضَّلهم على غيرهم من العرقيَّات الأُخرى، فولَّى مملوكه «[[منجوتكين]]» التُركي قيادة الجيش، كما ولَّاه الشَّام.<ref name="ReferenceB">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن تغري|ابن تغري بردي، أبو المحاسن جمالُ الدين يُوسُف بن تغري بردي بن عبد الله الظاهري الحنفي]]|مؤلف2= قدَّم لهُ وعلَّق عليه: مُحمَّد حُسين شمسُ الدين|عنوان= [[النجوم الزاهرة|النُجوم الزاهرة في مُلوك مصر والقاهرة]]، الجُزء الرَّابع|طبعة= الأولى|صفحة= 117|سنة= [[1413 هـ|1413هـ]] - [[1992]]م|ناشر= دار الكُتب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وكان نُفُوذُ المماليك التُرك يتزايد أو يتناقص وفق توجُّه كُل خليفةٍ فاطميٍّ على حدى، ففي عهد [[الحاكم بأمر الله|أبو عليّ المنصور الحاكم بِأمر الله]] تراجع نُفوذهم لِحساب الزُنج، ثُمَّ نشطوا مرَّة أُخرى في عهد الخليفة [[الظاهر لإعزاز دين الله|أبو الحسن عليّ الظاهر لِإعزاز دين الله]] الذي جعل قيادة الجُيُوش في يد المملوك التُركيّ الأصل منصور أنوشتكين. وقد ولَّاه الظاهر دمشق في سنة 419هـ المُوافقة لِسنة 1028م.<ref name="ReferenceB"/> واهتمَّ الفاطميُّون بِتربية صغار مماليكهم وفق نظامٍ خاص، وهم أوَّل من وضع نظامًا منهجيًّا في تربية المماليك في مصر.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[أحمد مختار العبادي|العبادي، أحمد مُختار]]|عنوان= قيام دولة المماليك الأولى في مصر والشَّام|صفحة= 69|سنة= 1969|ناشر= [[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربيَّة]]|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وفي سنة 567هـ المُوافقة لِسنة 1171م، سقطت الدولة الفاطميَّة في مصر وقامت [[الدولة الأيوبية|الدولة الأيُّوبيَّة]] على أنقاضها، لِتفتح صفحة جديدة في تاريخ [[شرق أدنى|الشرق الأدنى]] والمماليك معًا.  
[[ملف:Salah ad-Din Jusuf ibn Ajub.jpg|تصغير|200بك|يمين|رسمٌ لِلملك الناصر صلاحُ الدين الأيُّوبي، الذي اعتمد على المماليك اعتمادًا كبيرًا في حُروبه لِتوحيد المُسلمين والقضاء على الصليبيين.]]
[[ملف:Salah ad-Din Jusuf ibn Ajub.jpg|تصغير|200بك|يمين|رسمٌ لِلملك الناصر صلاحُ الدين الأيُّوبي، الذي اعتمد على المماليك اعتمادًا كبيرًا في حُروبه لِتوحيد المُسلمين والقضاء على الصليبيين.]]
وكان الأيُّوبيين - [[كرد|الأكراد]] أصلًا - قد تربُّوا ونمت سُلالتهم في أحضان [[الدولة السلجوقية|الدولة السُلجُوقيَّة]] التُركيَّة ومماليكها، فنقلوا عنها الكثير من عاداتها وأنظمتها التُركيَّة المشرقيَّة.<ref name="العبادي">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[أحمد مختار العبادي|العبادي، أحمد مُختار]]|عنوان= قيام دولة المماليك الأولى في مصر والشَّام|صفحة= 73 - 74|سنة= 1969|ناشر= [[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربيَّة]]|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وكان الأيُّوبيين يُربُّون مماليكهم على أساس النظام الإسلامي المملوكي - الساماني الذي وضعهُ الوزير السُلجُوقي [[نظام الملك|نظام المُلك]] وفصَّلهُ في كتابه «سياسة نامه»، ثُمَّ يتم إدخالهم في خدمة القُصُور السُلطانيَّة والدوائر الحُكُوميَّة.<ref name="العبادي" /> ولمَّا توجَّه القائد [[أسد الدين شيركوه بن شاذي|أسدُ الدين شيركوه]] إلى مصر لِنُصرة آخر الخُلفاء الفاطميين [[العاضد لدين الله|أبو مُحمَّد عبدُ الله العاضد لِدين الله]] ولِلحيلولة دون احتلال البلاد من قِبل الصليبيين، كان غالبيَّة جيشه يتألَّف من المماليك [[قفجاق|التُرك القفجاق]] الذين سُمُّوا بـ«المماليك الأسديَّة» نسبةً له، أي أسدُ الدين.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[أبو شامة المقدسي|المقدسي، أبو شامة شهابُ الدين عبدُ الرحمٰن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عُثمان]]|عنوان= الروضتين في أخبار الدولتين النُوريَّة والصلاحيَّة|طبعة= الأولى|صفحة= 155|المجلد= الجُزء الأوَّل|سنة= [[1422 هـ|1422هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|تاريخ الوصول= [[4 يونيو|4 حُزيران (يونيو)]] [[2017]]م |مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://ia800301.us.archive.org/20/items/waq77708/01_77608.pdf|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20220408181205/https://ia800301.us.archive.org/20/items/waq77708/01_77608.pdf|تاريخ أرشيف=2022-04-08}}</ref> بعد وفاة أسد الدين، وقفت المماليك الأسديَّة إلى جانب ابن أخيه [[صلاح الدين الأيوبي|صلاحُ الدين]] وناصروه حتَّى تولَّى الوزارة في مصر،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير الجزري، عزُّ الدين أبي الحسن عليّ بن أبي الكرم الشيباني]]|مؤلف2= تحقيق: أبو الفداء عبدُ الله القاضي|عنوان= [[الكامل في التاريخ]]، الجُزء التاسع|طبعة= الأولى|صفحة= 102|سنة= [[1407 هـ|1407هـ]] - [[1987]]م|ناشر= دار الكُتب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وأنشأ هذا الأخير لِنفسه جيشًا خاصًا عماده المماليك الأسديَّة والأحرار الأكراد، بِالإضافة إلى المماليك التُرك الذين اشتراهم لِنفسه وسمَّاهم «الصلاحيَّة» أو «الناصريَّة»، كما كان لِأخيه [[العادل سيف الدين أحمد|العادل أبي بكر]] طائفةٌ من المماليك سمَّاهم «العادليَّة».<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[أبو شامة المقدسي|المقدسي، أبو شامة شهابُ الدين عبدُ الرحمٰن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عُثمان]]|عنوان= الروضتين في أخبار الدولتين النُوريَّة والصلاحيَّة|طبعة= الأولى|صفحة= 102|المجلد= الجُزء الثاني|سنة= [[1422 هـ|1422هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|تاريخ الوصول= [[4 يونيو|4 حُزيران (يونيو)]] [[2017]]م |مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://ia800301.us.archive.org/20/items/waq77708/02_77609.pdf|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20220408181205/https://ia800301.us.archive.org/20/items/waq77708/02_77609.pdf|تاريخ أرشيف=2022-04-08}}</ref>
وكان الأيُّوبيين - [[كرد|الأكراد]] أصلًا - قد تربُّوا ونمت سُلالتهم في أحضان [[الدولة السلجوقية|الدولة السُلجُوقيَّة]] التُركيَّة ومماليكها، فنقلوا عنها الكثير من عاداتها وأنظمتها التُركيَّة المشرقيَّة.<ref name="العبادي">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[أحمد مختار العبادي|العبادي، أحمد مُختار]]|عنوان= قيام دولة المماليك الأولى في مصر والشَّام|صفحة= 73 - 74|سنة= 1969|ناشر= [[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربيَّة]]|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وكان الأيُّوبيين يُربُّون مماليكهم على أساس النظام الإسلامي المملوكي - الساماني الذي وضعهُ الوزير السُلجُوقي [[نظام الملك|نظام المُلك]] وفصَّلهُ في كتابه «سياسة نامه»، ثُمَّ يُدخَلون في خدمة القُصُور السُلطانيَّة والدوائر الحُكُوميَّة.<ref name="العبادي" /> ولمَّا توجَّه القائد [[أسد الدين شيركوه بن شاذي|أسدُ الدين شيركوه]] إلى مصر لِنُصرة آخر الخُلفاء الفاطميين [[العاضد لدين الله|أبو مُحمَّد عبدُ الله العاضد لِدين الله]] ولِلحيلولة دون احتلال البلاد من قِبل الصليبيين، كان غالبيَّة جيشه يتألَّف من المماليك [[قفجاق|التُرك القفجاق]] الذين سُمُّوا بـ«المماليك الأسديَّة» نسبةً له، أي أسدُ الدين.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[أبو شامة المقدسي|المقدسي، أبو شامة شهابُ الدين عبدُ الرحمٰن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عُثمان]]|عنوان= الروضتين في أخبار الدولتين النُوريَّة والصلاحيَّة|طبعة= الأولى|صفحة= 155|المجلد= الجُزء الأوَّل|سنة= [[1422 هـ|1422هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|تاريخ الوصول= [[4 يونيو|4 حُزيران (يونيو)]] [[2017]]م |مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://ia800301.us.archive.org/20/items/waq77708/01_77608.pdf|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20220408181205/https://ia800301.us.archive.org/20/items/waq77708/01_77608.pdf|تاريخ أرشيف=2022-04-08}}</ref> بعد وفاة أسد الدين، وقفت المماليك الأسديَّة إلى جانب ابن أخيه [[صلاح الدين الأيوبي|صلاحُ الدين]] وناصروه حتَّى تولَّى الوزارة في مصر،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير الجزري، عزُّ الدين أبي الحسن عليّ بن أبي الكرم الشيباني]]|مؤلف2= تحقيق: أبو الفداء عبدُ الله القاضي|عنوان= [[الكامل في التاريخ]]، الجُزء التاسع|طبعة= الأولى|صفحة= 102|سنة= [[1407 هـ|1407هـ]] - [[1987]]م|ناشر= دار الكُتب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وأنشأ هذا الأخير لِنفسه جيشًا خاصًا عماده المماليك الأسديَّة والأحرار الأكراد، بِالإضافة إلى المماليك التُرك الذين اشتراهم لِنفسه وسمَّاهم «الصلاحيَّة» أو «الناصريَّة»، كما كان لِأخيه [[العادل سيف الدين أحمد|العادل أبي بكر]] طائفةٌ من المماليك سمَّاهم «العادليَّة».<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[أبو شامة المقدسي|المقدسي، أبو شامة شهابُ الدين عبدُ الرحمٰن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عُثمان]]|عنوان= الروضتين في أخبار الدولتين النُوريَّة والصلاحيَّة|طبعة= الأولى|صفحة= 102|المجلد= الجُزء الثاني|سنة= [[1422 هـ|1422هـ]] - [[2002]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|تاريخ الوصول= [[4 يونيو|4 حُزيران (يونيو)]] [[2017]]م |مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://ia800301.us.archive.org/20/items/waq77708/02_77609.pdf|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20220408181205/https://ia800301.us.archive.org/20/items/waq77708/02_77609.pdf|تاريخ أرشيف=2022-04-08}}</ref>


اشتركت فئات المماليك الأسديَّة والصلاحيَّة والعادليَّة في مُختلف المعارك التي خاضها صلاحُ الدين ضدَّ الأُمراء المُسلمين بِهدف تحقيق الوحدة الإسلاميَّة وضدَّ الصليبيين بِهدف طردهم من ديار الإسلام. والواقع أنَّ المماليك بلغوا في هذه المرحلة مبلغًا من القُوَّة، ممَّا دفع صلاح الدين إلى استشارتهم والنُزُول عند إرادتهم في كثيرٍ من الأحيان. وازداد عددهم في مصر والشَّام بعد وفاة صلاح الدين في سنة 589هـ المُوافقة لِسنة 1193م بِشكلٍ مُلفت، وبرزوا على أثر اشتداد التنافس والصراع بين ورثته من أبنائه وإخوته وأبناء إخوته الذين اقتسموا فيما بينهم الإرث الأيُّوبي.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ المماليك في مصر وبلاد الشَّام|طبعة= الرابعة |صفحة= 23 - 24|سنة= [[1436 هـ|1436هـ]] - [[2015]]م|ناشر= دار النفائس|ردمك= 9789953183206|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> ومع تنامي قُوَّة المماليك نتيجة كثرة اعتماد الأُمراء الأيُّوبيين عليهم، أخذوا يتدخَّلون في خلع هؤلاء الأُمراء والسلاطين وفي تنصيبهم.
اشتركت فئات المماليك الأسديَّة والصلاحيَّة والعادليَّة في مُختلف المعارك التي خاضها صلاحُ الدين ضدَّ الأُمراء المُسلمين بِهدف تحقيق الوحدة الإسلاميَّة وضدَّ الصليبيين بِهدف طردهم من ديار الإسلام. والواقع أنَّ المماليك بلغوا في هذه المرحلة مبلغًا من القُوَّة، ممَّا دفع صلاح الدين إلى استشارتهم والنُزُول عند إرادتهم في كثيرٍ من الأحيان. وازداد عددهم في مصر والشَّام بعد وفاة صلاح الدين في سنة 589هـ المُوافقة لِسنة 1193م بِشكلٍ مُلفت، وبرزوا على أثر اشتداد التنافس والصراع بين ورثته من أبنائه وإخوته وأبناء إخوته الذين اقتسموا فيما بينهم الإرث الأيُّوبي.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ المماليك في مصر وبلاد الشَّام|طبعة= الرابعة |صفحة= 23 - 24|سنة= [[1436 هـ|1436هـ]] - [[2015]]م|ناشر= دار النفائس|ردمك= 9789953183206|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> ومع تنامي قُوَّة المماليك نتيجة كثرة اعتماد الأُمراء الأيُّوبيين عليهم، أخذوا يتدخَّلون في خلع هؤلاء الأُمراء والسلاطين وفي تنصيبهم.
سطر 134: سطر 134:
==== بداية المُناوشات مع الصليبيين ====
==== بداية المُناوشات مع الصليبيين ====
[[ملف:LittleArmeniaPrincipality of AntiochTripoli-Arabic.jpg|تصغير|خريطة تُظهر موقع إمارتيّ طرابُلس وأنطاكية ومملكة قبرص التي كانت عرضة لِهجمات المُسلمين بِقيادة بيبرس.]]
[[ملف:LittleArmeniaPrincipality of AntiochTripoli-Arabic.jpg|تصغير|خريطة تُظهر موقع إمارتيّ طرابُلس وأنطاكية ومملكة قبرص التي كانت عرضة لِهجمات المُسلمين بِقيادة بيبرس.]]
بعد إحياء الخِلافة العبَّاسيَّة، وتوطيد أركان الدولة المملوكيَّة، وإنزال الهزيمة القاسية بِالمغول، اعتبر بيبرس أنَّ الوقت قد حان لاستعادة بلاد المُسلمين التي احتلَّها الصليبيين مُنذُ حوالي القرن من الزمن، ورأى أن يبدأ بِمُعاقبة القوى المسيحيَّة التي ساعدت المغول ووقفت بِجانبهم ضدَّ المُسلمين، وخصَّ منهم حيطوم ملك [[مملكة أرمينيا الصغرى|قيليقية الأرمنيَّة]] وبوهيموند السادس أمير [[إمارة أنطاكية|أنطاكية]]. فأرسل في سنة 659هـ المُوافقة لِسنة 1261م، جيشًا إلى [[حلب]] لِشن غارات واسعة النطاق على أملاك أنطاكية. وتجدَّدت الغارات في السنة التالية، وهدَّد المُسلمون [[أنطاكية (توضيح)|أنطاكية]] نفسها بِالسُقُوط لولا أنجدها جيشٌ مغولي أرمني مُشترك يقوده الملك حيطوم بِنفسه، فاضطرَّ الجيش الإسلامي إلى فك الحصار.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[بيبرس الدوادار|الدوادار، ركن الدين بيبرس المنصوري الناصري الخطائي]]|عنوان= التُحفة المملوكيَّة في الدولة التُركيَّة|طبعة= الأولى|صفحة= 50|سنة= [[1407 هـ|1407هـ]] - [[1987]]م|ناشر= الدار المصريَّة اللُبنانيَّة|تاريخ الوصول= [[6 يونيو|6 حُزيران (يونيو)]] [[2017]]م|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://dar.bibalex.org/webpages/mainpage.jsf?PID=DAF-Job:398085&q=|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190202113808/http://dar.bibalex.org/webpages/mainpage.jsf?PID=DAF-Job:398085&q=|تاريخ أرشيف=2019-02-02}}</ref> لم يسع بيبرس، نتيجة فشله في استعادة أنطاكية، وتهديده المُستمر من جانب مغول فارس، في الأوقات التي يُهاجم فيها الإمارات الصليبيَّة، إلَّا اللُجوء إلى الدبلوماسيَّة لِتحصين موقفه. لِذلك، تحالف مع [[بركة خان|بركة خان بن جوشي]]، خان [[القبيلة الذهبية|القبيلة الذهبيَّة]]، والإمبراطور البيزنطي [[ميخائيل الثامن باليولوج|ميخائيل الثامن پاليولوگ]]، والسُلطان السُلجوقي [[كيكاوس الثاني بن كيخسرو الثاني|عز الدين كيكاوس بن كيخسرو]]، وأضحى باستطاعته القيام بِمشاريعه الكُبرى ضدَّ الصليبيين وهو آمن.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ المماليك في مصر وبلاد الشَّام|طبعة= الرابعة |صفحة= 120|سنة= [[1436 هـ|1436هـ]] - [[2015]]م|ناشر= دار النفائس|ردمك= 9789953183206|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> بدأت الحرب بين المُسلمين بِقيادة بيبرس، والصليبيين سنة 661هـ المُوافقة لِسنة 1263م، عندما هاجمت جُيُوش المُسلمين [[الناصرة]]، كما هاجم بيبرس بنفسه مدينة [[عكا|عكَّا]] ولكنَّهُ لم يُفلح في استردادها، على أنَّ الحرب الشاملة التي شنَّها بيبرس على الصليبيين لم تبدأ إلَّا في سنة 663هـ المُوافقة لِسنة 1265م، عندما استردَّ المُسلمون [[قيسارية]] و[[يافا]] وعثليث و[[أرسوف]]. وفي نفس السنة تُوفي هولاكو وخلفه [[أباقا خان|آباقا خان]]، ولم يكن باستطاعته التدخُّل في شؤون الشَّام لانشغاله بِمُحاربة أبناء عُمومته في القبيلة الذهبيَّة الذين أغاروا على بلاده الربيع التالي،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= الصيَّاد، فُؤاد عبدُ المُعطي|عنوان= الشرق الإسلامي في عهد الإيلخانيين: أُسرة هولاكو خان|طبعة= الأولى|صفحة= 42 - 43|سنة= [[1987]]|ناشر= مركز الوثائق والدراسات الإنسانيَّة، [[جامعة الكويت|جامعة الكُويت]]|مكان= [[مدينة الكويت|الكُويت العاصمة]] - [[الكويت|الكُويت]]}}</ref> فأضحى باستطاعة بيبرس أن يستأنف حملاته ضدَّ الصليبيين دون أن يخشى تدخلًا مغوليًّا. وهكذا استرجع المُسلمين في السنة التالية مُدن وبلدات [[صفد]] و[[هونين]] و[[تبنين]] و[[الرملة|الرَّملة]].<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[تقي الدين المقريزي|المقريزي، أبو العبَّاس تقيُّ الدين أحمد بن عليّ بن عبد القادر الحُسيني العُبيدي]]|عنوان= [[السلوك لمعرفة دول الملوك|السُلوك لِمعرفة دُول المُلوك]]، الجُزء الأوَّل|طبعة= الأولى|صفحة= 550|سنة= [[1997]]|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> ولم يغفر بيبرس لِمملكة أرمينية الصُغرى في قيليقية أو لِإمارتيّ أنطاكية و[[كونتية طرابلس|طرابُلس]] تحالُفها مع المغول ضدَّ المُسلمين، فأخذ يُمهِّد سنة 665هـ المُوافقة لِسنة 1266م لِلقيام بِعملٍ حربيٍّ ضدَّ هذه القوى الصليبيَّة، وأرسل جيشًا تحت قيادة الأمير قلاوون استولى على بعض القلاع الواقعة شماليّ طرابُلس الشَّام لِتحقيق ذلك الغرض.<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|عنوان=The Crusaders in the East: A Brief History of the Wars of Islam with the Latins in Syria During the Twelfth and Thirteenth Centuries|الأخير1=Stevenson |الأول1=William Barron|سنة=1907 |ناشر=Cambridge University Press|مسار= https://books.google.com/books?id=r94MAAAAYAAJ&dq=barin+hama&source=gbs_navlinks_s|صفحة=339|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20131102091558/http://books.google.com/books?id=r94MAAAAYAAJ&dq=barin+hama&source=gbs_navlinks_s|تاريخ أرشيف=2013-11-02}}</ref>  
بعد إحياء الخِلافة العبَّاسيَّة، وتوطيد أركان الدولة المملوكيَّة، وإنزال الهزيمة القاسية بِالمغول، اعتبر بيبرس أنَّ الوقت قد حان لاستعادة بلاد المُسلمين التي احتلَّها الصليبيين مُنذُ نحو القرن من الزمن، ورأى أن يبدأ بِمُعاقبة القوى المسيحيَّة التي ساعدت المغول ووقفت بِجانبهم ضدَّ المُسلمين، وخصَّ منهم حيطوم ملك [[مملكة أرمينيا الصغرى|قيليقية الأرمنيَّة]] وبوهيموند السادس أمير [[إمارة أنطاكية|أنطاكية]]. فأرسل في سنة 659هـ المُوافقة لِسنة 1261م، جيشًا إلى [[حلب]] لِشن غارات واسعة النطاق على أملاك أنطاكية. وتجدَّدت الغارات في السنة التالية، وهدَّد المُسلمون [[أنطاكية (توضيح)|أنطاكية]] نفسها بِالسُقُوط لولا أنجدها جيشٌ مغولي أرمني مُشترك يقوده الملك حيطوم بِنفسه، فاضطرَّ الجيش الإسلامي إلى فك الحصار.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[بيبرس الدوادار|الدوادار، ركن الدين بيبرس المنصوري الناصري الخطائي]]|عنوان= التُحفة المملوكيَّة في الدولة التُركيَّة|طبعة= الأولى|صفحة= 50|سنة= [[1407 هـ|1407هـ]] - [[1987]]م|ناشر= الدار المصريَّة اللُبنانيَّة|تاريخ الوصول= [[6 يونيو|6 حُزيران (يونيو)]] [[2017]]م|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://dar.bibalex.org/webpages/mainpage.jsf?PID=DAF-Job:398085&q=|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190202113808/http://dar.bibalex.org/webpages/mainpage.jsf?PID=DAF-Job:398085&q=|تاريخ أرشيف=2019-02-02}}</ref> لم يسع بيبرس، نتيجة فشله في استعادة أنطاكية، وتهديده المُستمر من جانب مغول فارس، في الأوقات التي يُهاجم فيها الإمارات الصليبيَّة، إلَّا اللُجوء إلى الدبلوماسيَّة لِتحصين موقفه. لِذلك، تحالف مع [[بركة خان|بركة خان بن جوشي]]، خان [[القبيلة الذهبية|القبيلة الذهبيَّة]]، والإمبراطور البيزنطي [[ميخائيل الثامن باليولوج|ميخائيل الثامن پاليولوگ]]، والسُلطان السُلجوقي [[كيكاوس الثاني بن كيخسرو الثاني|عز الدين كيكاوس بن كيخسرو]]، وأضحى باستطاعته القيام بِمشاريعه الكُبرى ضدَّ الصليبيين وهو آمن.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ المماليك في مصر وبلاد الشَّام|طبعة= الرابعة |صفحة= 120|سنة= [[1436 هـ|1436هـ]] - [[2015]]م|ناشر= دار النفائس|ردمك= 9789953183206|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> بدأت الحرب بين المُسلمين بِقيادة بيبرس، والصليبيين سنة 661هـ المُوافقة لِسنة 1263م، عندما هاجمت جُيُوش المُسلمين [[الناصرة]]، كما هاجم بيبرس بنفسه مدينة [[عكا|عكَّا]] ولكنَّهُ لم يُفلح في استردادها، على أنَّ الحرب الشاملة التي شنَّها بيبرس على الصليبيين لم تبدأ إلَّا في سنة 663هـ المُوافقة لِسنة 1265م، عندما استردَّ المُسلمون [[قيسارية]] و[[يافا]] وعثليث و[[أرسوف]]. وفي نفس السنة تُوفي هولاكو وخلفه [[أباقا خان|آباقا خان]]، ولم يكن باستطاعته التدخُّل في شؤون الشَّام لانشغاله بِمُحاربة أبناء عُمومته في القبيلة الذهبيَّة الذين أغاروا على بلاده الربيع التالي،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= الصيَّاد، فُؤاد عبدُ المُعطي|عنوان= الشرق الإسلامي في عهد الإيلخانيين: أُسرة هولاكو خان|طبعة= الأولى|صفحة= 42 - 43|سنة= [[1987]]|ناشر= مركز الوثائق والدراسات الإنسانيَّة، [[جامعة الكويت|جامعة الكُويت]]|مكان= [[مدينة الكويت|الكُويت العاصمة]] - [[الكويت|الكُويت]]}}</ref> فأضحى باستطاعة بيبرس أن يستأنف حملاته ضدَّ الصليبيين دون أن يخشى تدخلًا مغوليًّا. وهكذا استرجع المُسلمين في السنة التالية مُدن وبلدات [[صفد]] و[[هونين]] و[[تبنين]] و[[الرملة|الرَّملة]].<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[تقي الدين المقريزي|المقريزي، أبو العبَّاس تقيُّ الدين أحمد بن عليّ بن عبد القادر الحُسيني العُبيدي]]|عنوان= [[السلوك لمعرفة دول الملوك|السُلوك لِمعرفة دُول المُلوك]]، الجُزء الأوَّل|طبعة= الأولى|صفحة= 550|سنة= [[1997]]|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> ولم يغفر بيبرس لِمملكة أرمينية الصُغرى في قيليقية أو لِإمارتيّ أنطاكية و[[كونتية طرابلس|طرابُلس]] تحالُفها مع المغول ضدَّ المُسلمين، فأخذ يُمهِّد سنة 665هـ المُوافقة لِسنة 1266م لِلقيام بِعملٍ حربيٍّ ضدَّ هذه القوى الصليبيَّة، وأرسل جيشًا تحت قيادة الأمير قلاوون استولى على بعض القلاع الواقعة شماليّ طرابُلس الشَّام لِتحقيق ذلك الغرض.<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|عنوان=The Crusaders in the East: A Brief History of the Wars of Islam with the Latins in Syria During the Twelfth and Thirteenth Centuries|الأخير1=Stevenson |الأول1=William Barron|سنة=1907 |ناشر=Cambridge University Press|مسار= https://books.google.com/books?id=r94MAAAAYAAJ&dq=barin+hama&source=gbs_navlinks_s|صفحة=339|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20131102091558/http://books.google.com/books?id=r94MAAAAYAAJ&dq=barin+hama&source=gbs_navlinks_s|تاريخ أرشيف=2013-11-02}}</ref>  
[[ملف:Krak des Chevaliers landscape (cropped).jpg|تصغير|يمين|حصن الأكراد في حِمص. مكَّنت استعادة هذا الحصن المُسلمين من التحكُّم بِالطُرق المُؤدية إلى طرابُلس.]]
[[ملف:Krak des Chevaliers landscape (cropped).jpg|تصغير|يمين|حصن الأكراد في حِمص. مكَّنت استعادة هذا الحصن المُسلمين من التحكُّم بِالطُرق المُؤدية إلى طرابُلس.]]
وفي صيف سنة 665هـ المُوفقة لِسنة 1266م، وجَّه بيبرس حملةً كُبرى ضدَّ أرمينية الصُغرى أثناء غياب ملكها حيطوم الأوَّل في زيارةٍ لِمغول فارس، ونجح المُسلمين في إنزال هزيمة كُبرى بِالأرمن قُرب دربساك، وانتقموا منهم شرَّ انتقام، فدمَّروا مُدن قيليقية وبِخاصَّة [[أضنة]] و[[طرسوس]] و[[المصيصة]]، كما أشعلوا النار في العاصمة [[سيس]]، وقُتل أحد أبناء الملك حيطوم في الحرب في حين أُسر الابن الثاني، وبعد ذلك عاد المماليك إلى الشَّام مُحمَّلين بِالغنائم ومعهم آلاف الأسرى من الأرمن.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن تغري|ابن تغري بردي، أبو المحاسن جمالُ الدين يُوسُف بن تغري بردي بن عبد الله الظاهري الحنفي]]|مؤلف2= قدَّم لهُ وعلَّق عليه: مُحمَّد حُسين شمسُ الدين|عنوان= [[النجوم الزاهرة|النُجوم الزاهرة في مُلوك مصر والقاهرة]]، الجُزء السابع|طبعة= الأولى|صفحة= 140|سنة= [[1413 هـ|1413هـ]] - [[1992]]م|ناشر= دار الكُتب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وأخيرًا توَّج بيبرس جهوده ضدَّ الصليبيين باسترجاع أنطاكية في شهر أيَّار (مايو) سنة 1268م. وكانت خسارة الصليبيين بِسُقُوط أنطاكية ضخمة، لأنها كانت كُبرى إماراتهم بِالشَّام، وثاني إمارة أسسوها بعد [[كونتية الرها|الرُّها]]، لِذلك جاء سُقُوطها إيذانًا بانهيار البناء الصليبي بِالشَّام، بحيثُ لم يبقَ لِلصليبيين بعد ذلك من المُدن سوى عكَّا وطرابُلس. ولم تقتصر حركة الجهاد التي قام بها بيبرس ضدَّ القوى الصليبيَّة في الشرق الأدنى على أرمينية الصُغرى والشَّام، وإنما امتدَّت إلى جزيرة [[قبرص]]، المحكومة من قِبل [[سلالة لوزينيان|آل لوزنيان]] الإفرنج. ولم يستطع الظاهر بيبرس أن يغفر لِملك قبرص هيوج الثالث تهديده لِسُفن المُسلمين في شرق [[حوض البحر الأبيض المتوسط|حوض البحر المُتوسِّط]]، أو مُساعدته لِلصليبيين ضدَّ المُسلمين بِالشَّام، فأرسل حملةً بحريَّةً سنة 668هـ المُوافقة لِسنة 1270م لِغزو قبرص.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[سعيد عبد الفتاح عاشور|عاشور، سعيد عبد الفتَّاح]]|عنوان= قبرس والحُرُوب الصليبيَّة|طبعة= الثانية|صفحة= 47 - 48|سنة= [[2002]]|ناشر= [[الهيئة المصرية العامة للكتاب|الهيئة المصريَّة العامَّة لِلكتاب]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://ia601606.us.archive.org/10/items/adel-0055/History03488.pdf|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20220408181232/https://ia601606.us.archive.org/10/items/adel-0055/History03488.pdf|تاريخ أرشيف=2022-04-08}}</ref> ولكنَّ هذه الحملة أُصيبت بِالفشل بِسبب ريحٍ عاصفة هبَّت على السُفن الإسلاميَّة قرب شاطئ قبرص فتحطَّم بعضها، وعاد البعض الآخر دون نتيجة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[بدر الدين العيني|العيني الحنفي، أبو مُحمَّد بدرُ الدين محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد]]|عنوان= عقد الجُمان في تاريخ أهل الزمان|طبعة= الثانية|صفحة= 127|سنة= [[1431 هـ|1431هـ]] - [[2010]]م|ناشر= [[دار الكتب والوثائق القومية (مصر)|دار الكُتُب والوثائق القوميَّة]]|ردمك= 9771806785|تاريخ الوصول= [[7 يونيو|7 حُزيران (يونيو)]] [[2017]]م|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://shamela.ws/browse.php/book-380#page-127|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190521174516/http://shamela.ws:80/browse.php/book-380|تاريخ أرشيف=2019-05-21}}</ref> وهكذا استمرَّ بيبرس يشُنَّ الحُروب العنيفة على الصليبيين دون هوادة ولا رحمة، فاسترجع في سنة 669هـ المُوافقة لِسنة 1271م بلدة [[صافيتا]] و[[قلعة الحصن (حمص)|حصن الأكراد]] وحصن عكَّا والقرين، وأخذ يستعد لِمُهاجمة طرابُلس ذاتها، لولا وُصُول الأمير [[إدوارد الأول ملك إنجلترا|إدوارد الإنكتاري]] إلى الشَّام ومعهُ بضع مئاتٍ من المُحاربين، مما جعل بيبرس يخشى أن يكون ذلك مُقدِّمة لِحملةٍ صليبيَّةٍ كبيرة.<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|عنوان=The Crusaders in the East: A Brief History of the Wars of Islam with the Latins in Syria During the Twelfth and Thirteenth Centuries|الأخير1=Stevenson |الأول1=William Barron|سنة=1907 |ناشر=Cambridge University Press|مسار= https://books.google.com/books?id=r94MAAAAYAAJ&dq=barin+hama&source=gbs_navlinks_s|صفحة=343|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20131102091558/http://books.google.com/books?id=r94MAAAAYAAJ&dq=barin+hama&source=gbs_navlinks_s|تاريخ أرشيف=2013-11-02}}</ref> وجديرٌ بِالذكر أنَّ حرص بيبرس على تقليم أظافر الصليبيين بِالشَام دفعه إلى القضاء على نُفُوذ [[الحشاشون|الباطنيَّة الحشيشيَّة]]. وكانت هذه الطائفة قد قامت بِدورٍ خطيرٍ في تاريخ الحُرُوب الصليبيَّة، وأسهمت بِقسطٍ وافرٍ في انحلال الشَّام في ذلك العصر. ثُمَّ أنهم لم يكتفوا باغتيال كثير من زُعماء حركة الجهاد من المُسلمين، وإنما حالفوا الصليبيين ودفعوا لهم الأموال رمزًا لِلتبعيَّة، وانقلبوا عليهم في بعض الأحيان وفق ما قضته مصلحتهم. لِذلك سعى بيبرس إلى القضاء على نُفُوذ الباطنيَّة في الشَّام قضاءً تامًّا، فعزل مُقدمهم نجم الدين الشعراني، واستولى على حُصونهم حصنًا بعد آخر حتَّى استولى عليها جميعًا وأراح البلاد من شرِّهم.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[تقي الدين المقريزي|المقريزي، أبو العبَّاس تقيُّ الدين أحمد بن عليّ بن عبد القادر الحُسيني العُبيدي]]|عنوان= [[السلوك لمعرفة دول الملوك|السُلوك لِمعرفة دُول المُلوك]]، الجُزء الأوَّل|طبعة= الأولى|صفحة= 557|سنة= [[1997]]|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>
وفي صيف سنة 665هـ المُوفقة لِسنة 1266م، وجَّه بيبرس حملةً كُبرى ضدَّ أرمينية الصُغرى أثناء غياب ملكها حيطوم الأوَّل في زيارةٍ لِمغول فارس، ونجح المُسلمين في إنزال هزيمة كُبرى بِالأرمن قُرب دربساك، وانتقموا منهم شرَّ انتقام، فدمَّروا مُدن قيليقية وبِخاصَّة [[أضنة]] و[[طرسوس]] و[[المصيصة]]، كما أشعلوا النار في العاصمة [[سيس]]، وقُتل أحد أبناء الملك حيطوم في الحرب في حين أُسر الابن الثاني، وبعد ذلك عاد المماليك إلى الشَّام مُحمَّلين بِالغنائم ومعهم آلاف الأسرى من الأرمن.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن تغري|ابن تغري بردي، أبو المحاسن جمالُ الدين يُوسُف بن تغري بردي بن عبد الله الظاهري الحنفي]]|مؤلف2= قدَّم لهُ وعلَّق عليه: مُحمَّد حُسين شمسُ الدين|عنوان= [[النجوم الزاهرة|النُجوم الزاهرة في مُلوك مصر والقاهرة]]، الجُزء السابع|طبعة= الأولى|صفحة= 140|سنة= [[1413 هـ|1413هـ]] - [[1992]]م|ناشر= دار الكُتب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وأخيرًا توَّج بيبرس جهوده ضدَّ الصليبيين باسترجاع أنطاكية في شهر أيَّار (مايو) سنة 1268م. وكانت خسارة الصليبيين بِسُقُوط أنطاكية ضخمة، لأنها كانت كُبرى إماراتهم بِالشَّام، وثاني إمارة أسسوها بعد [[كونتية الرها|الرُّها]]، لِذلك جاء سُقُوطها إيذانًا بانهيار البناء الصليبي بِالشَّام، بحيثُ لم يبقَ لِلصليبيين بعد ذلك من المُدن سوى عكَّا وطرابُلس. ولم تقتصر حركة الجهاد التي قام بها بيبرس ضدَّ القوى الصليبيَّة في الشرق الأدنى على أرمينية الصُغرى والشَّام، وإنما امتدَّت إلى جزيرة [[قبرص]]، المحكومة من قِبل [[سلالة لوزينيان|آل لوزنيان]] الإفرنج. ولم يستطع الظاهر بيبرس أن يغفر لِملك قبرص هيوج الثالث تهديده لِسُفن المُسلمين في شرق [[حوض البحر الأبيض المتوسط|حوض البحر المُتوسِّط]]، أو مُساعدته لِلصليبيين ضدَّ المُسلمين بِالشَّام، فأرسل حملةً بحريَّةً سنة 668هـ المُوافقة لِسنة 1270م لِغزو قبرص.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[سعيد عبد الفتاح عاشور|عاشور، سعيد عبد الفتَّاح]]|عنوان= قبرس والحُرُوب الصليبيَّة|طبعة= الثانية|صفحة= 47 - 48|سنة= [[2002]]|ناشر= [[الهيئة المصرية العامة للكتاب|الهيئة المصريَّة العامَّة لِلكتاب]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://ia601606.us.archive.org/10/items/adel-0055/History03488.pdf|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20220408181232/https://ia601606.us.archive.org/10/items/adel-0055/History03488.pdf|تاريخ أرشيف=2022-04-08}}</ref> ولكنَّ هذه الحملة أُصيبت بِالفشل بِسبب ريحٍ عاصفة هبَّت على السُفن الإسلاميَّة قرب شاطئ قبرص فتحطَّم بعضها، وعاد البعض الآخر دون نتيجة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[بدر الدين العيني|العيني الحنفي، أبو مُحمَّد بدرُ الدين محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد]]|عنوان= عقد الجُمان في تاريخ أهل الزمان|طبعة= الثانية|صفحة= 127|سنة= [[1431 هـ|1431هـ]] - [[2010]]م|ناشر= [[دار الكتب والوثائق القومية (مصر)|دار الكُتُب والوثائق القوميَّة]]|ردمك= 9771806785|تاريخ الوصول= [[7 يونيو|7 حُزيران (يونيو)]] [[2017]]م|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://shamela.ws/browse.php/book-380#page-127|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190521174516/http://shamela.ws:80/browse.php/book-380|تاريخ أرشيف=2019-05-21}}</ref> وهكذا استمرَّ بيبرس يشُنَّ الحُروب العنيفة على الصليبيين دون هوادة ولا رحمة، فاسترجع في سنة 669هـ المُوافقة لِسنة 1271م بلدة [[صافيتا]] و[[قلعة الحصن (حمص)|حصن الأكراد]] وحصن عكَّا والقرين، وأخذ يستعد لِمُهاجمة طرابُلس ذاتها، لولا وُصُول الأمير [[إدوارد الأول ملك إنجلترا|إدوارد الإنكتاري]] إلى الشَّام ومعهُ بضع مئاتٍ من المُحاربين، مما جعل بيبرس يخشى أن يكون ذلك مُقدِّمة لِحملةٍ صليبيَّةٍ كبيرة.<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|عنوان=The Crusaders in the East: A Brief History of the Wars of Islam with the Latins in Syria During the Twelfth and Thirteenth Centuries|الأخير1=Stevenson |الأول1=William Barron|سنة=1907 |ناشر=Cambridge University Press|مسار= https://books.google.com/books?id=r94MAAAAYAAJ&dq=barin+hama&source=gbs_navlinks_s|صفحة=343|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20131102091558/http://books.google.com/books?id=r94MAAAAYAAJ&dq=barin+hama&source=gbs_navlinks_s|تاريخ أرشيف=2013-11-02}}</ref> وجديرٌ بِالذكر أنَّ حرص بيبرس على تقليم أظافر الصليبيين بِالشَام دفعه إلى القضاء على نُفُوذ [[الحشاشون|الباطنيَّة الحشيشيَّة]]. وكانت هذه الطائفة قد قامت بِدورٍ خطيرٍ في تاريخ الحُرُوب الصليبيَّة، وأسهمت بِقسطٍ وافرٍ في انحلال الشَّام في ذلك العصر. ثُمَّ أنهم لم يكتفوا باغتيال كثير من زُعماء حركة الجهاد من المُسلمين، وإنما حالفوا الصليبيين ودفعوا لهم الأموال رمزًا لِلتبعيَّة، وانقلبوا عليهم في بعض الأحيان وفق ما قضته مصلحتهم. لِذلك سعى بيبرس إلى القضاء على نُفُوذ الباطنيَّة في الشَّام قضاءً تامًّا، فعزل مُقدمهم نجم الدين الشعراني، واستولى على حُصونهم حصنًا بعد آخر حتَّى استولى عليها جميعًا وأراح البلاد من شرِّهم.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[تقي الدين المقريزي|المقريزي، أبو العبَّاس تقيُّ الدين أحمد بن عليّ بن عبد القادر الحُسيني العُبيدي]]|عنوان= [[السلوك لمعرفة دول الملوك|السُلوك لِمعرفة دُول المُلوك]]، الجُزء الأوَّل|طبعة= الأولى|صفحة= 557|سنة= [[1997]]|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>
سطر 170: سطر 170:
{{أيضا|معركة وادي الخزندار|معركة شقحب}}
{{أيضا|معركة وادي الخزندار|معركة شقحب}}
[[ملف:Sengge rinchen.jpg|تصغير|يمين|وفدت على مصر خِلال سلطنة العادل كتبغا جماعاتٌ من المغول الوثنيين.]]
[[ملف:Sengge rinchen.jpg|تصغير|يمين|وفدت على مصر خِلال سلطنة العادل كتبغا جماعاتٌ من المغول الوثنيين.]]
قُتل الأشرف صلاحُ الدين خليل يوم السبت [[12 محرم|12 مُحرَّم]] [[693 هـ|693هـ]] المُوافق فيه [[31 ديسمبر|31 كانون الأوَّل (ديسمبر)]] [[1293]]م، بعد أن تآمر عليه بعض أُمراء المماليك، وترك اثنتين من البنات ولم يعقب ذُكُورًا.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[شهاب الدين النويري|النُويري، شهابُ الدين أحمد بن عبد الوهَّاب]]|عنوان= نهاية الإرب في فنون الأدب|طبعة= الأولى|صفحة= 259 - 262|سنة= [[1424 هـ|1424هـ]] - [[2004]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|المجلد= الجُزء الحادي والثلاثون|تاريخ الوصول= [[6 يونيو|6 حُزيران (يونيو)]] [[2017]]م|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://ia800805.us.archive.org/8/items/waq66201/14-31_66214.pdf|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20220408181232/https://ia800805.us.archive.org/8/items/waq66201/14-31_66214.pdf|تاريخ أرشيف=2022-04-08}}</ref> وفي الأعوام الخمسة التي تلت مقتل هذا السُلطان، انحصر التاريخ المملوكي بشكلٍ تامٍ تقريبًا في حوادث القتل والمُؤامرات بِشكلٍ مُتواصل. ذلك أنَّ المُتآمرون اجتمعوا واتفقوا على تعيين زعيم المُؤامرة الأمير بدرُ الدين بيدرا سُلطانًا، لكنَّ هذا الأخير قُتل بِدوره على يد مماليك السُلطان المغدور بِزعامة الأمير [[العادل زين الدين كتبغا|زين الدين كتبغا المنصوري]]،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[بيبرس الدوادار|الدوادار، ركن الدين بيبرس المنصوري الناصري الخطائي]]|عنوان= التُحفة المملوكيَّة في الدولة التُركيَّة|طبعة= الأولى|صفحة= 136 - 137|سنة= [[1407 هـ|1407هـ]] - [[1987]]م|ناشر= الدار المصريَّة اللُبنانيَّة|تاريخ الوصول= [[6 يونيو|6 حُزيران (يونيو)]] [[2017]]م|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://dar.bibalex.org/webpages/mainpage.jsf?PID=DAF-Job:398085&q=|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190202113808/http://dar.bibalex.org/webpages/mainpage.jsf?PID=DAF-Job:398085&q=|تاريخ أرشيف=2019-02-02}}</ref> الذي سار بعد ذلك عائدًا إلى القاهرة لِيتربَّع على دست السلطنة، لكنَّ الأمير علم الدين سنجر الشُجاعي - الذي كان السُلطان الأشرف خليل قد أنابه عنه في قلعة الجبل - حال بين كتبغا وبين دُخُول القاهرة، فجرت مُفاوضات بين الطرفين انتهت إلى اختيار [[الناصر ناصر الدين محمد بن قلاوون|مُحمَّد بن قلاوون]] أخي الأشرف خليل سُلطانًا.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= ابن العسَّال، الشيخ الصفيّ مُفضَّل بن أبي الفضائل القبطي المصري|عنوان= النهج السديد والدُّر الفريد فيما بعد تاريخ ابن العميد|طبعة= الأولى|صفحة= 575|سنة= [[1930]]|ناشر= بلوشيه|مكان= [[باريس]] - [[فرنسا]]}}</ref> كان السُلطانُ الجديد ما يزال طفلًا صغيرًا لم يتجاوز عُمره تسع سنوات، وقضى سنة في الحُكم كان شبه محجوز عليه بِالقلعة، في حين استبدَّ بِأُمور الدولة الأمير علم الدين سنجر الشُجاعي، ثُمَّ الأمير كتبغا المنصوري بعد أن تخلَّص من الأوَّل،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[تقي الدين المقريزي|المقريزي، أبو العبَّاس تقيُّ الدين أحمد بن عليّ بن عبد القادر الحُسيني العُبيدي]]|عنوان= [[السلوك لمعرفة دول الملوك|السُلوك لِمعرفة دُول المُلوك]]، الجُزء الأوَّل|طبعة= الأولى|صفحة= 797 - 801|سنة= [[1997]]|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وما لبث كتبغا أن عزل مُحمَّد بن قلاوون مُتحججًا بِفساد الحال نتيجة تولِّي صبيّ شُؤون الحُكم، وحلَّ مكانه سنة 694هـ المُوافقة لِسنة 1294م.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن إياس|ابن إياس، أبو البركات زينُ العابدين مُحمَّد بن أحمد بن إياس الحنفي النَّاصري القاهري]]|مؤلف2= تحقيق: خليل إبراهيم|عنوان= [[بدائع الزهور في وقائع الدهور|بدائعُ الزُّهور في وقائعُ الدُّهور]]، الجُزء الأوَّل|طبعة= الأولى|صفحة= 132|سنة= [[1992]]|ناشر= دارُ الفكر اللُبناني|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> تشائمت الناسُ من كتبغا وحُكمه كونه جاء مصحوبًا بانخفاض النيل واشتداد المجاعة وارتفاع الأسعار وانتشار الوباء،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[تقي الدين المقريزي|المقريزي، أبو العبَّاس تقيُّ الدين أحمد بن عليّ بن عبد القادر الحُسيني العُبيدي]]|عنوان= [[السلوك لمعرفة دول الملوك|السُلوك لِمعرفة دُول المُلوك]]، الجُزء الأوَّل|طبعة= الأولى|صفحة= 813 - 814|سنة= [[1997]]|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> ولِأنَّهُ استقبل في مصر حوالي عشرة آلاف مغوليّ وثنيّ - عُرفوا باسم «العويراتيَّة» أو «الأويراتيَّة» - فارِّين من [[الدولة الإلخانية|الدولة الإلخانيَّة]]، فاستثار هذا الفعل شُعُور الأهالي وزادت نقمتهم على السُلطان.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[أبو الفداء|الأيُّوبي، أبو الفداء عمادُ الدين إسماعيل بن عليَّ بن محمود بن مُحمَّد]]|عنوان= المُختصر في أخبار البشر|المجلد= الجُزء الرَّابع|طبعة= الأولى|صفحة= 33|ناشر= المطبعة الحُسينيَّة المصريَّة|تاريخ الوصول= [[9 يونيو|9 حُزيران (يونيو)]] [[2017]]م|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://shamela.ws/browse.php/book-12715#page-101|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190504031612/http://shamela.ws:80/browse.php/book-12715|تاريخ أرشيف=2019-05-04}}</ref> استغلَّ أحد الأُمراء الأقوياء، وهو الأمير [[المنصور حسام الدين لاجين|حُسامُ الدين لاجين]]، عوامل الكراهيَّة التي أخذت تتجمَّع ضدَّ كتبغا، فخلعهُ من السُلطة وتربَّع على العرش بدلًا منه، لكنَّهُ أساء التصرُّف مع سائر أُمراء المماليك وضيَّق عليهم وأقصاهم عن مناصب الدولة وأحلَّ غيرهم من مماليكه الخاصَّة، فحنقوا عليه وقتلوه وهو في القلعة سنة 698هـ المُوافقة لِسنة 1298م.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= ابن العسَّال، الشيخ الصفيّ مُفضَّل بن أبي الفضائل القبطي المصري|عنوان= النهج السديد والدُّر الفريد فيما بعد تاريخ ابن العميد|طبعة= الأولى|صفحة= 614|سنة= [[1930]]|ناشر= بلوشيه|مكان= [[باريس]] - [[فرنسا]]}}</ref> لم يوجد بين أُمراء المماليك - عقب مقتل لاجين - شخصيَّة كُبرى تستطيع أن تُسيطر على الموقف وتستأثر بِالسلطنة، فاضطرَّ الأُمراء وسط ذلك الفراغ إلى التفكير في مُحمَّد بن قلاوون الذي ظلَّ دائمًا يبدو في صُورة صاحب الحق الشرعي في السلطنة مُنذُ أن عزله كتبغا. وكان أن استُحضر مُحمَّد بن قلاوون إلى مصر لِيتولَّى منصب السلطنة لِلمرَّة الثانية، فاستُقبل استقبالًا حماسيًّا رائعًا من المماليك وعامَّة الناس على حدٍ سواء، وصعد إلى القلعة حيثُ جُدِّدت لهُ البيعة وأخذ يُباشر سُلطانه، بعد أن تلقَّب بِلقب الملك الناصر.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[سعيد عبد الفتاح عاشور|عاشور، سعيد عبد الفتَّاح]]|عنوان= مصر والشَّام في عصر الأيوبيين والمماليك|طبعة= الأولى|صفحة= 225|ناشر= [[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربيَّة]]|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>
قُتل الأشرف صلاحُ الدين خليل يوم السبت [[12 محرم|12 مُحرَّم]] [[693 هـ|693هـ]] المُوافق فيه [[31 ديسمبر|31 كانون الأوَّل (ديسمبر)]] [[1293]]م، بعد أن تآمر عليه بعض أُمراء المماليك، وترك اثنتين من البنات ولم يعقب ذُكُورًا.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[شهاب الدين النويري|النُويري، شهابُ الدين أحمد بن عبد الوهَّاب]]|عنوان= نهاية الإرب في فنون الأدب|طبعة= الأولى|صفحة= 259 - 262|سنة= [[1424 هـ|1424هـ]] - [[2004]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|المجلد= الجُزء الحادي والثلاثون|تاريخ الوصول= [[6 يونيو|6 حُزيران (يونيو)]] [[2017]]م|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://ia800805.us.archive.org/8/items/waq66201/14-31_66214.pdf|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20220408181232/https://ia800805.us.archive.org/8/items/waq66201/14-31_66214.pdf|تاريخ أرشيف=2022-04-08}}</ref> وفي الأعوام الخمسة التي تلت مقتل هذا السُلطان، انحصر التاريخ المملوكي بشكلٍ تامٍ تقريبًا في حوادث القتل والمُؤامرات بِشكلٍ مُتواصل. ذلك أنَّ المُتآمرون اجتمعوا واتفقوا على تعيين زعيم المُؤامرة الأمير بدرُ الدين بيدرا سُلطانًا، لكنَّ هذا الأخير قُتل بِدوره على يد مماليك السُلطان المغدور بِزعامة الأمير [[العادل زين الدين كتبغا|زين الدين كتبغا المنصوري]]،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[بيبرس الدوادار|الدوادار، ركن الدين بيبرس المنصوري الناصري الخطائي]]|عنوان= التُحفة المملوكيَّة في الدولة التُركيَّة|طبعة= الأولى|صفحة= 136 - 137|سنة= [[1407 هـ|1407هـ]] - [[1987]]م|ناشر= الدار المصريَّة اللُبنانيَّة|تاريخ الوصول= [[6 يونيو|6 حُزيران (يونيو)]] [[2017]]م|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://dar.bibalex.org/webpages/mainpage.jsf?PID=DAF-Job:398085&q=|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190202113808/http://dar.bibalex.org/webpages/mainpage.jsf?PID=DAF-Job:398085&q=|تاريخ أرشيف=2019-02-02}}</ref> الذي سار بعد ذلك عائدًا إلى القاهرة لِيتربَّع على دست السلطنة، لكنَّ الأمير علم الدين سنجر الشُجاعي - الذي كان السُلطان الأشرف خليل قد أنابه عنه في قلعة الجبل - حال بين كتبغا وبين دُخُول القاهرة، فجرت مُفاوضات بين الطرفين انتهت إلى اختيار [[الناصر ناصر الدين محمد بن قلاوون|مُحمَّد بن قلاوون]] أخي الأشرف خليل سُلطانًا.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= ابن العسَّال، الشيخ الصفيّ مُفضَّل بن أبي الفضائل القبطي المصري|عنوان= النهج السديد والدُّر الفريد فيما بعد تاريخ ابن العميد|طبعة= الأولى|صفحة= 575|سنة= [[1930]]|ناشر= بلوشيه|مكان= [[باريس]] - [[فرنسا]]}}</ref> كان السُلطانُ الجديد ما يزال طفلًا صغيرًا لم يتجاوز عُمره تسع سنوات، وقضى سنة في الحُكم كان شبه محجوز عليه بِالقلعة، في حين استبدَّ بِأُمور الدولة الأمير علم الدين سنجر الشُجاعي، ثُمَّ الأمير كتبغا المنصوري بعد أن تخلَّص من الأوَّل،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[تقي الدين المقريزي|المقريزي، أبو العبَّاس تقيُّ الدين أحمد بن عليّ بن عبد القادر الحُسيني العُبيدي]]|عنوان= [[السلوك لمعرفة دول الملوك|السُلوك لِمعرفة دُول المُلوك]]، الجُزء الأوَّل|طبعة= الأولى|صفحة= 797 - 801|سنة= [[1997]]|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وما لبث كتبغا أن عزل مُحمَّد بن قلاوون مُتحججًا بِفساد الحال نتيجة تولِّي صبيّ شُؤون الحُكم، وحلَّ مكانه سنة 694هـ المُوافقة لِسنة 1294م.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن إياس|ابن إياس، أبو البركات زينُ العابدين مُحمَّد بن أحمد بن إياس الحنفي النَّاصري القاهري]]|مؤلف2= تحقيق: خليل إبراهيم|عنوان= [[بدائع الزهور في وقائع الدهور|بدائعُ الزُّهور في وقائعُ الدُّهور]]، الجُزء الأوَّل|طبعة= الأولى|صفحة= 132|سنة= [[1992]]|ناشر= دارُ الفكر اللُبناني|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> تشائمت الناسُ من كتبغا وحُكمه كونه جاء مصحوبًا بانخفاض النيل واشتداد المجاعة وارتفاع الأسعار وانتشار الوباء،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[تقي الدين المقريزي|المقريزي، أبو العبَّاس تقيُّ الدين أحمد بن عليّ بن عبد القادر الحُسيني العُبيدي]]|عنوان= [[السلوك لمعرفة دول الملوك|السُلوك لِمعرفة دُول المُلوك]]، الجُزء الأوَّل|طبعة= الأولى|صفحة= 813 - 814|سنة= [[1997]]|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> ولِأنَّهُ استقبل في مصر نحو عشرة آلاف مغوليّ وثنيّ - عُرفوا باسم «العويراتيَّة» أو «الأويراتيَّة» - فارِّين من [[الدولة الإلخانية|الدولة الإلخانيَّة]]، فاستثار هذا الفعل شُعُور الأهالي وزادت نقمتهم على السُلطان.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[أبو الفداء|الأيُّوبي، أبو الفداء عمادُ الدين إسماعيل بن عليَّ بن محمود بن مُحمَّد]]|عنوان= المُختصر في أخبار البشر|المجلد= الجُزء الرَّابع|طبعة= الأولى|صفحة= 33|ناشر= المطبعة الحُسينيَّة المصريَّة|تاريخ الوصول= [[9 يونيو|9 حُزيران (يونيو)]] [[2017]]م|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://shamela.ws/browse.php/book-12715#page-101|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190504031612/http://shamela.ws:80/browse.php/book-12715|تاريخ أرشيف=2019-05-04}}</ref> استغلَّ أحد الأُمراء الأقوياء، وهو الأمير [[المنصور حسام الدين لاجين|حُسامُ الدين لاجين]]، عوامل الكراهيَّة التي أخذت تتجمَّع ضدَّ كتبغا، فخلعهُ من السُلطة وتربَّع على العرش بدلًا منه، لكنَّهُ أساء التصرُّف مع سائر أُمراء المماليك وضيَّق عليهم وأقصاهم عن مناصب الدولة وأحلَّ غيرهم من مماليكه الخاصَّة، فحنقوا عليه وقتلوه وهو في القلعة سنة 698هـ المُوافقة لِسنة 1298م.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= ابن العسَّال، الشيخ الصفيّ مُفضَّل بن أبي الفضائل القبطي المصري|عنوان= النهج السديد والدُّر الفريد فيما بعد تاريخ ابن العميد|طبعة= الأولى|صفحة= 614|سنة= [[1930]]|ناشر= بلوشيه|مكان= [[باريس]] - [[فرنسا]]}}</ref> لم يوجد بين أُمراء المماليك - عقب مقتل لاجين - شخصيَّة كُبرى تستطيع أن تُسيطر على الموقف وتستأثر بِالسلطنة، فاضطرَّ الأُمراء وسط ذلك الفراغ إلى التفكير في مُحمَّد بن قلاوون الذي ظلَّ دائمًا يبدو في صُورة صاحب الحق الشرعي في السلطنة مُنذُ أن عزله كتبغا. وكان أن استُحضر مُحمَّد بن قلاوون إلى مصر لِيتولَّى منصب السلطنة لِلمرَّة الثانية، فاستُقبل استقبالًا حماسيًّا رائعًا من المماليك وعامَّة الناس على حدٍ سواء، وصعد إلى القلعة حيثُ جُدِّدت لهُ البيعة وأخذ يُباشر سُلطانه، بعد أن تلقَّب بِلقب الملك الناصر.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[سعيد عبد الفتاح عاشور|عاشور، سعيد عبد الفتَّاح]]|عنوان= مصر والشَّام في عصر الأيوبيين والمماليك|طبعة= الأولى|صفحة= 225|ناشر= [[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربيَّة]]|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>
[[ملف:BattleOfHoms1299.JPG|تصغير|يمين|انتصار المغول (يسارًا) على المماليك (يمينًا) سنة 1299م في معركة وادي الخزندار قُرب حِمص في الشَّام.]]
[[ملف:BattleOfHoms1299.JPG|تصغير|يمين|انتصار المغول (يسارًا) على المماليك (يمينًا) سنة 1299م في معركة وادي الخزندار قُرب حِمص في الشَّام.]]
[[ملف:Mongol raids into Syria and Palestine ca 1300 Ar.png|تصغير|خريطة موقع معركتيّ وادي الخزندار و[[معركة شقحب|شقحب]] بين المماليك و[[مغول|المغول]] في عهد [[الناصر ناصر الدين محمد بن قلاوون|الناصر مُحمَّد بن قلاوون]] و[[محمود غازان]].]]
[[ملف:Mongol raids into Syria and Palestine ca 1300 Ar.png|تصغير|خريطة موقع معركتيّ وادي الخزندار و[[معركة شقحب|شقحب]] بين المماليك و[[مغول|المغول]] في عهد [[الناصر ناصر الدين محمد بن قلاوون|الناصر مُحمَّد بن قلاوون]] و[[محمود غازان]].]]
سطر 185: سطر 185:
ووقف خلف كُل سُلطان من أبناء الناصر مُحمَّد وأتباعه أميرٌ أو أكثر من كُبراء أُمراء المماليك، بحيثُ طغت شخصيَّة أولئك الأُمراء على السلاطين، واستغلُّوهم لِتحقيق مصالحهم الخاصَّة، فنجم عن ذلك ازدياد المُنازعات فيما بينهم، وتحكُّمهم واستبدادهم بِشُؤون الدولة والعِباد.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[سعيد عبد الفتاح عاشور|عاشور، سعيد عبد الفتَّاح]]|عنوان= العصر المماليكي في مصر والشَّام|طبعة= الثانية|صفحة= 121 وما بعدها|سنة= [[1976]]|ناشر= [[دار النهضة العربية (القاهرة)|دار النهضة العربيَّة]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref>  يُلاحظ أنَّ بعض الأُمراء سالفي الذكر كان من [[مماليك الشركس|المماليك البُرجيَّة الشراكسة]]، ومن أبرزهم [[الظاهر سيف الدين برقوق|سيفُ الدين برقوق]]، الأمر الذي يدُل على ازدياد نُفُوذ تلك الطائفة، ممَّا أدَّى إلى تمكُّنهم من انتزاع الحُكم لاحقًا. هذا عن الأحوال الداخليَّة لِدولة المماليك في عصر أبناء الناصر مُحمَّد وأحفاده. أمَّا في الخارج فإنَّ اضطراب أحوال البلاد وعدم وُجود رجُلٍ قويٍّ مهيب الجانب على رأس دولة المماليك، أفقد تلك الدولة مكانتها وهيبتها التي كانت قد بلغت أوجها على عهد السُلطان الناصر مُحمَّد. ولم يلبث أن استخفَّ الأعداء بِدولة المماليك وطمع الطامعون في أراضيها، بل تجرَّأ الصليبيُّون على غزو مصر ذاتها سنة 767هـ المُوافقة لِسنة 1365م. والمعروف أنَّ الحُروب الصليبيَّة لم تنتهِ باسترجاع المُسلمين عكَّا سنة 690هـ المُوافقة لِسنة 1291م وبِطرد آخر البقايا الصليبيَّة من الشَّام، وإنما استمرَّت تلك الحُرُوب في صُورةٍ أو أُخرى حتَّى نهاية [[القرن 15|القرن الخامس عشر للميلاد]] تقريبًا، واتخذت لها أكثر من ميدان في المشرق والمغرب جميعًا. وفي ذلك الدور من أدوار الحُروب الصليبيَّة، اتخذ مُلُوك قبرص الإفرنج من [[سلالة لوزينيان|آل لوزنيان]] جزيرتهم قاعدةً كُبرى لِتهديد السُفن والمتاجر الإسلاميَّة في [[بلدان شرق المتوسط|شرق حوض البحر المُتوسِّط]]، فضلًا عن القيام بِغاراتٍ جريئةٍ على بعض الموانئ الإسلاميَّة وموانئ دولة المماليك بِوجهٍ خاص.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[سعيد عبد الفتاح عاشور|عاشور، سعيد عبد الفتَّاح]]|عنوان= قبرس والحُرُوب الصليبيَّة|طبعة= الثانية|صفحة= 52 - 53|سنة= [[2002]]|ناشر= [[الهيئة المصرية العامة للكتاب|الهيئة المصريَّة العامَّة لِلكتاب]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://ia601606.us.archive.org/10/items/adel-0055/History03488.pdf|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20220408181232/https://ia601606.us.archive.org/10/items/adel-0055/History03488.pdf|تاريخ أرشيف=2022-04-08}}</ref> وكان ملك قبرص آنذاك [[بطرس الأول من قبرص|بُطرُس الأوَّل]] قد سمع بِأخبار الفوضى التي غرقت فيها مصر في عصر أحفاد الناصر مُحمَّد، وكيف كانت الموانئ والمُدن المصريَّة خالية تمامًا من وسائل الدفاع.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[شهاب الدين النويري|النُويري، شهابُ الدين أحمد بن عبد الوهَّاب]]|عنوان= كتاب الإلمام بالإعلام فيما جرت به الأحكام والأُمُور المقضيَّة في وقعة الإسكندريَّة|طبعة= الأولى|صفحة= 286 - 294|سنة= [[1388 هـ|1388هـ]] - [[1968]]م|ناشر= مطبعة مجلس دائرة المعارف العُثمانيَّة|المجلد= الجُزء الأوَّلة|تاريخ الوصول= [[26 يونيو|26 حُزيران (يونيو)]] [[2017]]م|مكان= [[حيدر آباد]] - [[الهند]]|مسار= https://dar.bibalex.org/webpages/mainpage.jsf?PID=DAF-Job:28249&q=|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190202113343/http://dar.bibalex.org/webpages/mainpage.jsf?PID=DAF-Job:28249&q=|تاريخ أرشيف=2019-02-02}}</ref> فقرَّر وقادته غزو [[الإسكندرية|الإسكندريَّة]] لِلقضاء على دولة المماليك التي تسبَّبت بِطرد الصليبيين من الشَّام من ناحية، ولِلاستفادة من مركز تلك المدينة الحربي وموقها التجاري من ناحيةٍ أُخرى. وعلى الرُغم من أنَّ أخبار الحملة الصليبيَّة ووُجهتها طارت إلى مصر عن طريق التُجَّار قبل وُقُوع الهُجوم بِمُدَّةٍ طويلة إلَّا أنَّهُ لم يكن من الدولة اهتمام.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[تقي الدين المقريزي|المقريزي، أبو العبَّاس تقيُّ الدين أحمد بن عليّ بن عبد القادر الحُسيني العُبيدي]]|عنوان= [[السلوك لمعرفة دول الملوك|السُلوك لِمعرفة دُول المُلوك]]، الجُزء الرابع|طبعة= الأولى|صفحة= 46|سنة= [[1997]]|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> نزل الصليبيُّون على شاطئ الإسكندريَّة صباح الجُمُعة [[23 محرم|23 مُحرَّم]] [[767 هـ|767هـ]] المُوافق فيه [[9 أكتوبر|9 تشرين الأوَّل (أكتوبر)]] [[1365]]م، وارتكبوا فيها مذبحةً رهيبة راح ضحيَّتها آلاف السَّكندريين من مُسلمين ومسيحيين ويهود، ونهب الصليبيُّون البُيُوت والمتاجر والكنائس والجوامع، ولم تسلم منهم حتَّى متاجر التُجَّار الأوروپيين،<ref group="ْ">Runciman, Steven. ''A history of the Crusades''. Penguin Books, 2002. p. 446</ref> وهرب الكثير من الأهالي ناجين بِحياتهم. وبعد مضيّ 4 أيَّام انسحب الصليبيُّون عائدين إلى قبرص، حاملين في سُفُنهم آلاف الأسرى والمنهوبات.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[النويري الإسكندراني|النُويري الإسكندرانيّ، مُحمَّد بن القاسم بن مُحمَّد المالكي]]|مؤلف2= تحقيق [[سهيل زكار|سُهيل زكَّار]]|عنوان= وقعة الإسكندريَّة|صفحة= 82|سنة= [[2008]]|ناشر= دار التكوين للطباعة والنشر|مكان= [[دمشق]] - [[سوريا]]}}</ref> خِلال هذه الفترة من عصر السلاطين البحريَّة الصغار، برز اسم أحد المماليك البُرجيَّة أو الشراكسة - وهو الأمير [[الظاهر سيف الدين برقوق|برقوق بن أنس العُثماني اليلبغاوي]] - الذي استطاع بِفضل طُمُوحه وقُوَّته أن يصل إلى منصب أتابك العسكر سنة 780هـ المُوافقة لِسنة 1378م، وبِذلك أصبح برقوق على جانبٍ كبيرٍ من القُوَّة في عهد السُلطان [[علاء الدين علي|علاءُ الدين عليّ]] الذي لم يتجاوز سنُّه ست سنوات.<ref group="ْ">[[غاستون فييت|Wiet, Gaston]]. ''L'Égypte arabe, de la conquête arabe à la conquête ottomane (642–1517)'', Paris, Société d'histoire nationale, 1937. p. 510</ref>
ووقف خلف كُل سُلطان من أبناء الناصر مُحمَّد وأتباعه أميرٌ أو أكثر من كُبراء أُمراء المماليك، بحيثُ طغت شخصيَّة أولئك الأُمراء على السلاطين، واستغلُّوهم لِتحقيق مصالحهم الخاصَّة، فنجم عن ذلك ازدياد المُنازعات فيما بينهم، وتحكُّمهم واستبدادهم بِشُؤون الدولة والعِباد.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[سعيد عبد الفتاح عاشور|عاشور، سعيد عبد الفتَّاح]]|عنوان= العصر المماليكي في مصر والشَّام|طبعة= الثانية|صفحة= 121 وما بعدها|سنة= [[1976]]|ناشر= [[دار النهضة العربية (القاهرة)|دار النهضة العربيَّة]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref>  يُلاحظ أنَّ بعض الأُمراء سالفي الذكر كان من [[مماليك الشركس|المماليك البُرجيَّة الشراكسة]]، ومن أبرزهم [[الظاهر سيف الدين برقوق|سيفُ الدين برقوق]]، الأمر الذي يدُل على ازدياد نُفُوذ تلك الطائفة، ممَّا أدَّى إلى تمكُّنهم من انتزاع الحُكم لاحقًا. هذا عن الأحوال الداخليَّة لِدولة المماليك في عصر أبناء الناصر مُحمَّد وأحفاده. أمَّا في الخارج فإنَّ اضطراب أحوال البلاد وعدم وُجود رجُلٍ قويٍّ مهيب الجانب على رأس دولة المماليك، أفقد تلك الدولة مكانتها وهيبتها التي كانت قد بلغت أوجها على عهد السُلطان الناصر مُحمَّد. ولم يلبث أن استخفَّ الأعداء بِدولة المماليك وطمع الطامعون في أراضيها، بل تجرَّأ الصليبيُّون على غزو مصر ذاتها سنة 767هـ المُوافقة لِسنة 1365م. والمعروف أنَّ الحُروب الصليبيَّة لم تنتهِ باسترجاع المُسلمين عكَّا سنة 690هـ المُوافقة لِسنة 1291م وبِطرد آخر البقايا الصليبيَّة من الشَّام، وإنما استمرَّت تلك الحُرُوب في صُورةٍ أو أُخرى حتَّى نهاية [[القرن 15|القرن الخامس عشر للميلاد]] تقريبًا، واتخذت لها أكثر من ميدان في المشرق والمغرب جميعًا. وفي ذلك الدور من أدوار الحُروب الصليبيَّة، اتخذ مُلُوك قبرص الإفرنج من [[سلالة لوزينيان|آل لوزنيان]] جزيرتهم قاعدةً كُبرى لِتهديد السُفن والمتاجر الإسلاميَّة في [[بلدان شرق المتوسط|شرق حوض البحر المُتوسِّط]]، فضلًا عن القيام بِغاراتٍ جريئةٍ على بعض الموانئ الإسلاميَّة وموانئ دولة المماليك بِوجهٍ خاص.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[سعيد عبد الفتاح عاشور|عاشور، سعيد عبد الفتَّاح]]|عنوان= قبرس والحُرُوب الصليبيَّة|طبعة= الثانية|صفحة= 52 - 53|سنة= [[2002]]|ناشر= [[الهيئة المصرية العامة للكتاب|الهيئة المصريَّة العامَّة لِلكتاب]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://ia601606.us.archive.org/10/items/adel-0055/History03488.pdf|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20220408181232/https://ia601606.us.archive.org/10/items/adel-0055/History03488.pdf|تاريخ أرشيف=2022-04-08}}</ref> وكان ملك قبرص آنذاك [[بطرس الأول من قبرص|بُطرُس الأوَّل]] قد سمع بِأخبار الفوضى التي غرقت فيها مصر في عصر أحفاد الناصر مُحمَّد، وكيف كانت الموانئ والمُدن المصريَّة خالية تمامًا من وسائل الدفاع.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[شهاب الدين النويري|النُويري، شهابُ الدين أحمد بن عبد الوهَّاب]]|عنوان= كتاب الإلمام بالإعلام فيما جرت به الأحكام والأُمُور المقضيَّة في وقعة الإسكندريَّة|طبعة= الأولى|صفحة= 286 - 294|سنة= [[1388 هـ|1388هـ]] - [[1968]]م|ناشر= مطبعة مجلس دائرة المعارف العُثمانيَّة|المجلد= الجُزء الأوَّلة|تاريخ الوصول= [[26 يونيو|26 حُزيران (يونيو)]] [[2017]]م|مكان= [[حيدر آباد]] - [[الهند]]|مسار= https://dar.bibalex.org/webpages/mainpage.jsf?PID=DAF-Job:28249&q=|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190202113343/http://dar.bibalex.org/webpages/mainpage.jsf?PID=DAF-Job:28249&q=|تاريخ أرشيف=2019-02-02}}</ref> فقرَّر وقادته غزو [[الإسكندرية|الإسكندريَّة]] لِلقضاء على دولة المماليك التي تسبَّبت بِطرد الصليبيين من الشَّام من ناحية، ولِلاستفادة من مركز تلك المدينة الحربي وموقها التجاري من ناحيةٍ أُخرى. وعلى الرُغم من أنَّ أخبار الحملة الصليبيَّة ووُجهتها طارت إلى مصر عن طريق التُجَّار قبل وُقُوع الهُجوم بِمُدَّةٍ طويلة إلَّا أنَّهُ لم يكن من الدولة اهتمام.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[تقي الدين المقريزي|المقريزي، أبو العبَّاس تقيُّ الدين أحمد بن عليّ بن عبد القادر الحُسيني العُبيدي]]|عنوان= [[السلوك لمعرفة دول الملوك|السُلوك لِمعرفة دُول المُلوك]]، الجُزء الرابع|طبعة= الأولى|صفحة= 46|سنة= [[1997]]|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> نزل الصليبيُّون على شاطئ الإسكندريَّة صباح الجُمُعة [[23 محرم|23 مُحرَّم]] [[767 هـ|767هـ]] المُوافق فيه [[9 أكتوبر|9 تشرين الأوَّل (أكتوبر)]] [[1365]]م، وارتكبوا فيها مذبحةً رهيبة راح ضحيَّتها آلاف السَّكندريين من مُسلمين ومسيحيين ويهود، ونهب الصليبيُّون البُيُوت والمتاجر والكنائس والجوامع، ولم تسلم منهم حتَّى متاجر التُجَّار الأوروپيين،<ref group="ْ">Runciman, Steven. ''A history of the Crusades''. Penguin Books, 2002. p. 446</ref> وهرب الكثير من الأهالي ناجين بِحياتهم. وبعد مضيّ 4 أيَّام انسحب الصليبيُّون عائدين إلى قبرص، حاملين في سُفُنهم آلاف الأسرى والمنهوبات.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[النويري الإسكندراني|النُويري الإسكندرانيّ، مُحمَّد بن القاسم بن مُحمَّد المالكي]]|مؤلف2= تحقيق [[سهيل زكار|سُهيل زكَّار]]|عنوان= وقعة الإسكندريَّة|صفحة= 82|سنة= [[2008]]|ناشر= دار التكوين للطباعة والنشر|مكان= [[دمشق]] - [[سوريا]]}}</ref> خِلال هذه الفترة من عصر السلاطين البحريَّة الصغار، برز اسم أحد المماليك البُرجيَّة أو الشراكسة - وهو الأمير [[الظاهر سيف الدين برقوق|برقوق بن أنس العُثماني اليلبغاوي]] - الذي استطاع بِفضل طُمُوحه وقُوَّته أن يصل إلى منصب أتابك العسكر سنة 780هـ المُوافقة لِسنة 1378م، وبِذلك أصبح برقوق على جانبٍ كبيرٍ من القُوَّة في عهد السُلطان [[علاء الدين علي|علاءُ الدين عليّ]] الذي لم يتجاوز سنُّه ست سنوات.<ref group="ْ">[[غاستون فييت|Wiet, Gaston]]. ''L'Égypte arabe, de la conquête arabe à la conquête ottomane (642–1517)'', Paris, Société d'histoire nationale, 1937. p. 510</ref>


ظلَّ السُلطان علاءُ الدين عليّ في الحُكم حتَّى وفاته سنة 783هـ المُوافقة لِسنة 1381م، وهو في الثانية عشرة من عُمره. وكان في استطاعة برقوق أن يلي عرش السلطنة عقب وفاة السُلطان عليّ مُباشرةً، لكنَّهُ أدرك أنَّ الأُمُور لم يتم نضجها بعد لا سيَّما وأنَّ لهُ الكثير من المُعارضين. لِذلك تظاهر برقوق بِالزُهد في السلطنة مُعلنًا أنَّ المصلحة تتطلَّب إبقاء وظيفة السلطنة في بيت قلاوون. وهكذا استُدعي الأمير [[الصالح صلاح الدين حاجي|حاجي]] حفيد الناصر مُحمَّد وسنُّه وقتئذٍ إحدى عشرة سنة، وأُعلن سُلطانًا سنة 783هـ المُوافقة لِسنة 1381م.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[تقي الدين المقريزي|المقريزي، أبو العبَّاس تقيُّ الدين أحمد بن عليّ بن عبد القادر الحُسيني العُبيدي]]|عنوان= [[السلوك لمعرفة دول الملوك|السُلوك لِمعرفة دُول المُلوك]]، الجُزء الثالث|طبعة= الأولى|صفحة= 375|سنة= [[1997]]|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وفي خلال عهد السُلطان الطفل الجديد، أخذ برقوق يُمكِّنُ لِنفسه، فاختصَّ زُملائه وأنصاره من أُمراء المماليك بِالوظائف الرئيسيَّة في الدولة، في الوقت الذي أخذ يعمل على اكتساب محبَّة عامَّة الناس، فخفَّف عنهم الضرائب، ولمَّا وجد أنَّ الأُمور باتت مُهيئة لِإعلان نفسه سُلطانًا، انتحل نفس العُذر الذي سبق أن تحجج به الطامعون في الحُكم من أُمراء المماليك، وهو صغر سن السُلطان القائم، فاجتمع بالأعيان الذين أعلنوا خلع السُلطان حاجي وإقامة برقوق مكانه. وبِعزل حاجي من السلطنة انتهى بيت قلاوون، كما انتهى حُكم المماليك البحريَّة، وقامت دولة المماليك البُرجيَّة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[سعيد عبد الفتاح عاشور|عاشور، سعيد عبد الفتَّاح]]|عنوان= مصر والشَّام في عصر الأيوبيين والمماليك|طبعة= الأولى|صفحة= 246 - 247|ناشر= [[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربيَّة]]|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref><ref name="قصة الإسلام">[https://islamstory.com/detailes.php?module=artical&id=20563 دولة المماليك البرجية - د. محمد الرفاعي - قصة دولة المماليك - قصة الإسلام | بوابة التاريخ الإسلامي .. إشراف الدكتور راغب السرجاني.] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20200607191554/https://islamstory.com//|date=2020-06-07}}</ref>
ظلَّ السُلطان علاءُ الدين عليّ في الحُكم حتَّى وفاته سنة 783هـ المُوافقة لِسنة 1381م، وهو في الثانية عشرة من عُمره. وكان في استطاعة برقوق أن يلي عرش السلطنة عقب وفاة السُلطان عليّ مُباشرةً، لكنَّهُ أدرك أنَّ الأُمُور لم تنضج بعد لا سيَّما وأنَّ لهُ الكثير من المُعارضين. لِذلك تظاهر برقوق بِالزُهد في السلطنة مُعلنًا أنَّ المصلحة تتطلَّب إبقاء وظيفة السلطنة في بيت قلاوون. وهكذا استُدعي الأمير [[الصالح صلاح الدين حاجي|حاجي]] حفيد الناصر مُحمَّد وسنُّه وقتئذٍ إحدى عشرة سنة، وأُعلن سُلطانًا سنة 783هـ المُوافقة لِسنة 1381م.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[تقي الدين المقريزي|المقريزي، أبو العبَّاس تقيُّ الدين أحمد بن عليّ بن عبد القادر الحُسيني العُبيدي]]|عنوان= [[السلوك لمعرفة دول الملوك|السُلوك لِمعرفة دُول المُلوك]]، الجُزء الثالث|طبعة= الأولى|صفحة= 375|سنة= [[1997]]|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وفي خلال عهد السُلطان الطفل الجديد، أخذ برقوق يُمكِّنُ لِنفسه، فاختصَّ زُملائه وأنصاره من أُمراء المماليك بِالوظائف الرئيسيَّة في الدولة، في الوقت الذي أخذ يعمل على اكتساب محبَّة عامَّة الناس، فخفَّف عنهم الضرائب، ولمَّا وجد أنَّ الأُمور باتت مُهيئة لِإعلان نفسه سُلطانًا، انتحل نفس العُذر الذي سبق أن تحجج به الطامعون في الحُكم من أُمراء المماليك، وهو صغر سن السُلطان القائم، فاجتمع بالأعيان الذين أعلنوا خلع السُلطان حاجي وإقامة برقوق مكانه. وبِعزل حاجي من السلطنة انتهى بيت قلاوون، كما انتهى حُكم المماليك البحريَّة، وقامت دولة المماليك البُرجيَّة.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[سعيد عبد الفتاح عاشور|عاشور، سعيد عبد الفتَّاح]]|عنوان= مصر والشَّام في عصر الأيوبيين والمماليك|طبعة= الأولى|صفحة= 246 - 247|ناشر= [[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربيَّة]]|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref><ref name="قصة الإسلام">[https://islamstory.com/detailes.php?module=artical&id=20563 دولة المماليك البرجية - د. محمد الرفاعي - قصة دولة المماليك - قصة الإسلام | بوابة التاريخ الإسلامي .. إشراف الدكتور راغب السرجاني.] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20200607191554/https://islamstory.com//|date=2020-06-07}}</ref>


=== عصر المماليك البُرجيَّة ===
=== عصر المماليك البُرجيَّة ===
سطر 198: سطر 198:


==== ما بعد السُلالة البرقوقيَّة ====
==== ما بعد السُلالة البرقوقيَّة ====
[[ملف:Cyprus-Egypt-Arabic.jpg|تصغير|يسار|خريطة ساتليَّة تُظهر موقع قبرص ومصر. اعتُبرت قبرص مفتاح مصر، وبالتالي مصدر التهديد الأوَّل لِبلاد المُسلمين نظرًا لاحتضانها بقايا الصليبيين الذين كانوا يرغبون بالانتقام من المماليك الذين قضوا على مُلكهم بِالشَّام.]]
[[ملف:Cyprus-Egypt-Arabic.jpg|تصغير|يسار|خريطة ساتليَّة تُظهر موقع قبرص ومصر. اعتُبرت قبرص مفتاح مصر، ولذلك مصدر التهديد الأوَّل لِبلاد المُسلمين نظرًا لاحتضانها بقايا الصليبيين الذين كانوا يرغبون بالانتقام من المماليك الذين قضوا على مُلكهم بِالشَّام.]]
بعد مقتل الناصر فرج بن برقوق، عُهد بِالسلطنة إلى الخليفة العبَّاسي [[العباس المستعين بالله|أبو الفضل العبَّاس المُستعين بِالله]]، ريثما تنجلي الأُمور وينتخب المماليك أحد أُمرائهم سُلطانًا. وبعد مضيّ خمسة شُهور فاز الأمير [[المؤيد أبو النصر شيخ المحمودي|شيخ المحمودي]] في حلبة المُنافسة بينه وبين أميرٍ آخر يُدعى «نوروز»، فتولَّى منصب السلطنة بعد أن تلقَّب بِلقب المُؤيَّد.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[بدر الدين العيني|العيني الحنفي، أبو مُحمَّد بدرُ الدين محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد]]|عنوان= السيف المُهنَّد في سيرة الملك المُؤيَّد "شيخ المحمودي"|طبعة= الثانية|صفحة= 259|سنة= [[1966]]|ناشر= [[دار الكتاب العربي]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://dar.bibalex.org/webpages/mainpage.jsf?PID=DAF-Job:172726|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190202115858/http://dar.bibalex.org/webpages/mainpage.jsf?PID=DAF-Job:172726|تاريخ أرشيف=2019-02-02}}</ref> ساءت حالة الناس في عهد المُؤيَّد شيخ نتيجة عدم قُدرته السيطرة على مماليكه، ممَّا سبَّب أضرارًا جسيمةً لِلأهالي الآمنين. وقد خلف المُؤيَّد شخ ابنه [[المظفر أحمد بن الشيخ|أحمد]] سنة 825هـ المُوافقة لِسنة 1421م تحت وصاية الأمير [[سيف الدين ططر|طُطُر]]، ولم يلبث بعد أشهر أن تولَّى طُطُر نفسه السلطنة لِفترةٍ قصيرة، فخلفه ابنه [[الصالح ناصر الدين محمد|مُحمَّد]] الذي لبث في الحُكم عدَّة أشهُر تحت وصاية الأمير [[سيف الدين برسباي|برسباي]]. وفي سنة [[825 هـ|825هـ]] المُوافقة لِسنة [[1422]]م انتزع برسباي السلطنة لِنفسه وتلقَّب بِالسُلطان الأشرف.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[سعيد عبد الفتاح عاشور|عاشور، سعيد عبد الفتَّاح]]|عنوان= العصر المماليكي في مصر والشَّام|طبعة= الثانية|صفحة= 163|سنة= [[1976]]|ناشر= [[دار النهضة العربية (القاهرة)|دار النهضة العربيَّة]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> قاسى الناس كثيرًا خِلال سلطنة برسباي التي امتدَّت حوالي ستة عشر عامًا بعد أن أُثقل كاهلهم بِالضرائب الباهظة، وشاعت أنواع الاحتكار في التجارة، إلَّا أنَّهُ لِشدَّة بأس هذا السُلطان لم تحدُث في البلاد فتن في عهده. وقد كان في عهده [[فتح قبرص على يد المماليك|فتح قبرص]]، حيثُ صمَّم السُلطان على القضاء على شوكة الصليبيين في قبرص فأرسل حملةً للاستكشاف أغرقت عددًا من سُفن الفرنجة، وعادت بعددٍ من الأسرى، ثُم أرسل حملةً أُخرى دارت بينها وبين الفرنجة معركةً طاحنة قُتل فيها خلقٌ من الصليبيين، ورُفعت راية الإسلام بِقبرص، وعادت الحملة إلى [[مصر]] مُحمَّلة بِالغنائم والأسرى، ثُمَّ أرسل حملةً أُخرى، وكانت الحملة القاضية، واستطاعت جُيُوش برسباي أن تُلحق هزيمة ساحقة بالصليبيين، ودخل المسلمون مدينة [[نيقوسيا|الأُفقسيَّة (نيقوسية)]] [[صلاة الجمعة|فصلُّوا الجُمُعة]] في كنيستها، وأصبحت قبرص جُملةً من بلاد المُسلمين. وقد بالغ برسباي في فرض الضرائب على سُفن الأجانب، حتى ضجَّ هؤلاء، وهمَّت [[مملكة فرنسا|فرنسا]] باستدعاء جميع تُجَّارها من مصر، فخاف على تجارة البلاد من الكساد فنظر في مطالبهم، وفي سنة [[841 هـ|841هـ]] المُوافقة لِسنة [[1438]]م مات برسباي ووُلِّي من بعده [[العزيز جمال الدين يوسف|ابنه]] الفتى، الذي لم يستطع أن يحتفظ بِالعرش أمام نُفُوذ أقوى الأُمراء عندئذٍ وهو [[سيف الدين جقمق|جقمق]]، الذي تولَّى السلطنة بعد قليل. وكان حُكم جقمق مُعتدلًا إذا قيس بِحُكم برسباي، كما عُرف عن جقمق تديُّنه وورعه، فحرَّم المعاصي وشُرب الخُمُور.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[مجير الدين الحنبلي|المقدسي، أبو اليمن مُجيرُ الدين عبدُ الرحمٰن بن مُحمَّد بن عبدُ الرحمٰن العليمي الحنبلي]]|عنوان= الأُنس الجليل بتاريخ القُدس والخليل|صفحة= 443|المجلد= الجُزء الثاني|تاريخ الوصول= [[2 يوليو|2 تمُّوز (يوليو)]] [[2017]]م|مسار= https://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/9/9a/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%B3_%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%84%D9%8A%D9%84_%D8%A8%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE_%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D8%B3_%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%8A%D9%841.pdf|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20130319063732/http://upload.wikimedia.org:80/wikisource/ar/9/9a/الإنس_الجليل_بتاريخ_القدس_والخليل1.pdf|تاريخ أرشيف=2013-03-19}}</ref> وفي عهد جقمق تحسَّنت العلاقات بين [[الدولة التيمورية|دولة المغول التيموريَّة]] والدولة المملوكيَّة، وتبادل الطرفان السُفراء، كما غزا المُسلمون جزيرة [[رودس (جزيرة)|رودس]] دون أن يتمكنوا من فتحها. وبعد وفاة جقمق تولَّى عدَّة سلاطين لم يكن لهم ذكرٌ مُهم في التاريخ، حتى وُلِّي [[قايتباي|الأشرف قايتباي]] من سنة [[872 هـ|872هـ]] المُوافقة لِسنة [[1468]]م إلى سنة [[902 هـ|902هـ]] المُوافقة لِسنة [[1496]]م، وهو أطول سلاطين هذه الدولة حُكمًا، وكان شُجاعًا قويًّا يُحبه قادة الجيش، كما كان مُحبًا لِلعمارة، ولم يُضارع عصره في المباني المملوكيَّة جمالًا سوى عصر [[الناصر ناصر الدين محمد بن قلاوون|الناصر مُحمَّد بن قلاوون]].<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= راغب السرجاني|عنوان= الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، الجزء الأول|طبعة= السابعة والعشرون|صفحة= 463-464|سنة= [[يناير (شهر)|يناير]] [[2014]]|ناشر= مؤسسة اقرأ|ردمك= 977-6119-63-8}}</ref>
بعد مقتل الناصر فرج بن برقوق، عُهد بِالسلطنة إلى الخليفة العبَّاسي [[العباس المستعين بالله|أبو الفضل العبَّاس المُستعين بِالله]]، ريثما تنجلي الأُمور وينتخب المماليك أحد أُمرائهم سُلطانًا. وبعد مضيّ خمسة شُهور فاز الأمير [[المؤيد أبو النصر شيخ المحمودي|شيخ المحمودي]] في حلبة المُنافسة بينه وبين أميرٍ آخر يُدعى «نوروز»، فتولَّى منصب السلطنة بعد أن تلقَّب بِلقب المُؤيَّد.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[بدر الدين العيني|العيني الحنفي، أبو مُحمَّد بدرُ الدين محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد]]|عنوان= السيف المُهنَّد في سيرة الملك المُؤيَّد "شيخ المحمودي"|طبعة= الثانية|صفحة= 259|سنة= [[1966]]|ناشر= [[دار الكتاب العربي]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://dar.bibalex.org/webpages/mainpage.jsf?PID=DAF-Job:172726|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20190202115858/http://dar.bibalex.org/webpages/mainpage.jsf?PID=DAF-Job:172726|تاريخ أرشيف=2019-02-02}}</ref> ساءت حالة الناس في عهد المُؤيَّد شيخ نتيجة عدم قُدرته السيطرة على مماليكه، ممَّا سبَّب أضرارًا جسيمةً لِلأهالي الآمنين. وقد خلف المُؤيَّد شخ ابنه [[المظفر أحمد بن الشيخ|أحمد]] سنة 825هـ المُوافقة لِسنة 1421م تحت وصاية الأمير [[سيف الدين ططر|طُطُر]]، ولم يلبث بعد أشهر أن تولَّى طُطُر نفسه السلطنة لِفترةٍ قصيرة، فخلفه ابنه [[الصالح ناصر الدين محمد|مُحمَّد]] الذي لبث في الحُكم عدَّة أشهُر تحت وصاية الأمير [[سيف الدين برسباي|برسباي]]. وفي سنة [[825 هـ|825هـ]] المُوافقة لِسنة [[1422]]م انتزع برسباي السلطنة لِنفسه وتلقَّب بِالسُلطان الأشرف.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[سعيد عبد الفتاح عاشور|عاشور، سعيد عبد الفتَّاح]]|عنوان= العصر المماليكي في مصر والشَّام|طبعة= الثانية|صفحة= 163|سنة= [[1976]]|ناشر= [[دار النهضة العربية (القاهرة)|دار النهضة العربيَّة]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> قاسى الناس كثيرًا خِلال سلطنة برسباي التي امتدَّت نحو ستة عشر عامًا بعد أن أُثقل كاهلهم بِالضرائب الباهظة، وشاعت أنواع الاحتكار في التجارة، إلَّا أنَّهُ لِشدَّة بأس هذا السُلطان لم تحدُث في البلاد فتن في عهده. وقد كان في عهده [[فتح قبرص على يد المماليك|فتح قبرص]]، حيثُ صمَّم السُلطان على القضاء على شوكة الصليبيين في قبرص فأرسل حملةً للاستكشاف أغرقت عددًا من سُفن الفرنجة، وعادت بعددٍ من الأسرى، ثُم أرسل حملةً أُخرى دارت بينها وبين الفرنجة معركةً طاحنة قُتل فيها خلقٌ من الصليبيين، ورُفعت راية الإسلام بِقبرص، وعادت الحملة إلى [[مصر]] مُحمَّلة بِالغنائم والأسرى، ثُمَّ أرسل حملةً أُخرى، وكانت الحملة القاضية، واستطاعت جُيُوش برسباي أن تُلحق هزيمة ساحقة بالصليبيين، ودخل المسلمون مدينة [[نيقوسيا|الأُفقسيَّة (نيقوسية)]] [[صلاة الجمعة|فصلُّوا الجُمُعة]] في كنيستها، وأصبحت قبرص جُملةً من بلاد المُسلمين. وقد بالغ برسباي في فرض الضرائب على سُفن الأجانب، حتى ضجَّ هؤلاء، وهمَّت [[مملكة فرنسا|فرنسا]] باستدعاء جميع تُجَّارها من مصر، فخاف على تجارة البلاد من الكساد فنظر في مطالبهم، وفي سنة [[841 هـ|841هـ]] المُوافقة لِسنة [[1438]]م مات برسباي ووُلِّي من بعده [[العزيز جمال الدين يوسف|ابنه]] الفتى، الذي لم يستطع أن يحتفظ بِالعرش أمام نُفُوذ أقوى الأُمراء عندئذٍ وهو [[سيف الدين جقمق|جقمق]]، الذي تولَّى السلطنة بعد قليل. وكان حُكم جقمق مُعتدلًا إذا قيس بِحُكم برسباي، كما عُرف عن جقمق تديُّنه وورعه، فحرَّم المعاصي وشُرب الخُمُور.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[مجير الدين الحنبلي|المقدسي، أبو اليمن مُجيرُ الدين عبدُ الرحمٰن بن مُحمَّد بن عبدُ الرحمٰن العليمي الحنبلي]]|عنوان= الأُنس الجليل بتاريخ القُدس والخليل|صفحة= 443|المجلد= الجُزء الثاني|تاريخ الوصول= [[2 يوليو|2 تمُّوز (يوليو)]] [[2017]]م|مسار= https://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/9/9a/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%B3_%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%84%D9%8A%D9%84_%D8%A8%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE_%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D8%B3_%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%8A%D9%841.pdf|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20130319063732/http://upload.wikimedia.org:80/wikisource/ar/9/9a/الإنس_الجليل_بتاريخ_القدس_والخليل1.pdf|تاريخ أرشيف=2013-03-19}}</ref> وفي عهد جقمق تحسَّنت العلاقات بين [[الدولة التيمورية|دولة المغول التيموريَّة]] والدولة المملوكيَّة، وتبادل الطرفان السُفراء، كما غزا المُسلمون جزيرة [[رودس (جزيرة)|رودس]] دون أن يتمكنوا من فتحها. وبعد وفاة جقمق تولَّى عدَّة سلاطين لم يكن لهم ذكرٌ مُهم في التاريخ، حتى وُلِّي [[قايتباي|الأشرف قايتباي]] من سنة [[872 هـ|872هـ]] المُوافقة لِسنة [[1468]]م إلى سنة [[902 هـ|902هـ]] المُوافقة لِسنة [[1496]]م، وهو أطول سلاطين هذه الدولة حُكمًا، وكان شُجاعًا قويًّا يُحبه قادة الجيش، كما كان مُحبًا لِلعمارة، ولم يُضارع عصره في المباني المملوكيَّة جمالًا سوى عصر [[الناصر ناصر الدين محمد بن قلاوون|الناصر مُحمَّد بن قلاوون]].<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= راغب السرجاني|عنوان= الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، الجزء الأول|طبعة= السابعة والعشرون|صفحة= 463-464|سنة= [[يناير (شهر)|يناير]] [[2014]]|ناشر= مؤسسة اقرأ|ردمك= 977-6119-63-8}}</ref>


==== تردِّي العلاقة مع العُثمانيين وبُرُوز الخطر الصفوي ====
==== تردِّي العلاقة مع العُثمانيين وبُرُوز الخطر الصفوي ====
سطر 225: سطر 225:
=== الخِلافة الإسلاميَّة ===
=== الخِلافة الإسلاميَّة ===
{{مفصلة|الخلافة العباسية في مصر}}
{{مفصلة|الخلافة العباسية في مصر}}
رُغم أنَّ المماليك أعادوا إحياء الخِلافة الإسلاميَّة بعد سُقُوط خِلافة بغداد، ونقلوا مقر الخليفة إلى القاهرة، إلَّا أنَّ [[خلافة إسلامية|نظام الخلافة]] كان في هذا العصر مُصطنعًا إلى حدٍ كبيرٍ، إذ كان الخليفة العبَّاسي يُفوِّضُ السُلطان المملوكي في كافَّة أُمُور الحُكم كالولاية والعزل، وتجهيز الجيش، وإعلان الحرب، وإقطاع الإقطاعيَّات وغيرها من الأُمور التي تتصل بِالسُلطة التنفيذيَّة بحيث كان الخليفة العبَّاسي نفسُه يقع في دائرة هذه السُلطة، فلا أمرٌ له ولا نهي ولا نُفُوذ.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[تقي الدين المقريزي|المقريزي، أبو العبَّاس تقيُّ الدين أحمد بن عليّ بن عبد القادر الحُسيني العُبيدي]]|عنوان= [[السلوك لمعرفة دول الملوك|السُلوك لِمعرفة دُول المُلوك]]، الجُزء الأوَّل|طبعة= الأولى|صفحة= 22|سنة= [[1997]]|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[أبو العباس القلقشندي|القلقشندي، أبو العبَّاس أحمد]]|عنوان= [[صبح الأعشى|صُبح الأعشى في صناعة الإنشا]]، الجُزء الثالث|طبعة= الثانية|صفحة= 275 و401|سنة= [[1340 هـ|1340هـ]] - [[1922]]م|ناشر= [[دار الكتب والوثائق القومية (مصر)|دار الكُتب المصريَّة]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> ومن الأحداث الشهيرة التي تدُلُّ على ذلك، أنَّ أحد الأُمراء المماليك عندما قرأ العهد الذي منحهُ الخليفة [[سليمان المستكفي بالله|أبو الربيع سُليمان المُستكفي بِالله]] لِلسُلطان [[المظفر ركن الدين بيبرس|بيبرس الجاشنكير]] ووجد أوَّلهُ: {{اقتباس مضمن|إِنَّهُ مِن سُلَيمَان وَإِنَّهُ {{بسملة}}}} ردَّ على الفور قائلًا: {{اقتباس مضمن|وَلِسُلَيمَانَ الرِّيح!!}}.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن تغري|ابن تغري بردي، أبو المحاسن جمالُ الدين يُوسُف بن تغري بردي بن عبد الله الظاهري الحنفي]]|مؤلف2= قدَّم لهُ وعلَّق عليه: مُحمَّد حُسين شمسُ الدين|عنوان= [[النجوم الزاهرة|النُجوم الزاهرة في مُلوك مصر والقاهرة]]، الجُزء الثامن|طبعة= الأولى|صفحة= 262|سنة= [[1413 هـ|1413هـ]] - [[1992]]م|ناشر= دار الكُتب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> فلم يكن لِلخليفة العبَّاسي في العصر المملوكي إلَّا سُلطة دينيَّة إسميَّة، ولم يكن له نصيبٌ سوى الدُعاء له على المنابر، وأن يحمل لقب أمير المُؤمنين. ومن مظاهر ضعف الخِلافة العبَّاسيَّة في القاهرة أنَّ الخليفة الذي كان يتحصَّن تجاه السُلطان المملوكي بِسلاح التفويض، لم تكن لهُ سُلطة تعيين نفسه، ولكي يُعيَّن كان عليه أن يحظى بِمُبايعة السُلطان وقُضاة المذاهب الأربعة. من هُنا كان باستطاعة السُلطان أن يعزل الخليفة، بعد استشارةٍ شكليَّةٍ لِلقُضاة الأربعة، وفي هذه الحالة قد يُسجن الخليفة في القلعة، أو يُنفى إلى مدينة [[قوص]] بِأقصى [[صعيد مصر|الصعيد]]، كما حصل مع الكثير من خُلفاء بني العبَّاس في القاهرة، وأبرزهم الخليفة المُستكفي بِالله سالِف الذِكر. وكان يتم اختيار الخليفة عادةً في مجلسٍ يضُمُّ السُلطان والقُضاة والأُمراء، ويصحب اعتلاء كُل خليفة منصبه عدَّة مظاهر غايةً في الأُبَّهة والعظمة: من فحص نسبه، وتقليد السُلطان لهُ أمر الخِلافة بِالديار المصريَّة، وأخذ البيعة لهُ من القُضاة والأُمراء وسائر النَّاس. ويُلاحظ أيضًا أنَّ الخِلافة في مصر أصبحت في ذلك العصر منحة يمنحها السُلطان لمن شاء ويصرفها عمَّن يشاء، وذلك لِعدم وُجود ثوابت لِتولية الخُلفاء العبَّاسيين في مصر. فكان أغلبهم يعهد بِالخِلافة لابنه من بعده، ثُمَّ لا يقوم السُلطان بتنفيذ ذلك في أغلب الأحيان، بل يُعيِّن ابن عم الخليفة أو أخًا له بدلًا من الابن. كما كان الأُمراء أنفُسهم يتدخلون في تعيين الخليفة بحال كان السُلطان ضعيفًا.<ref>{{استشهاد ويب| الأخير = عبد الله| الأول  = زكي مُحمَّد جميل| المؤلفون = إشراف الدكتور جمال جودة| تاريخ = [[2004]]| مسار  = https://scholar.najah.edu/sites/default/files/all-thesis/the_caliphate_establishment_of_mamlouki_period659_h__1260_ad_923_h_1517_ad.pdf| عنوان = مؤسسة الخِلافة في العهد المملوكي (659هـ / 1260م - 923هـ / 1517م)| صفحات = 52 - 53| موقع = [[جامعة النجاح الوطنية|جامعة النجاح الوطنيَّة، كُليَّة الدراسات العُليا]]| مكان = [[نابلس]] - [[فلسطين]]| تاريخ الوصول = [[6 يوليو|6 تمُّوز (يوليو)]] [[2017]]م| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20140328091559/http://scholar.najah.edu:80/sites/default/files/all-thesis/the_caliphate_establishment_of_mamlouki_period659_h__1260_ad_923_h_1517_ad.pdf | تاريخ أرشيف = 28 مارس 2014 }}</ref>
رُغم أنَّ المماليك أعادوا إحياء الخِلافة الإسلاميَّة بعد سُقُوط خِلافة بغداد، ونقلوا مقر الخليفة إلى القاهرة، إلَّا أنَّ [[خلافة إسلامية|نظام الخلافة]] كان في هذا العصر مُصطنعًا إلى حدٍ كبيرٍ، إذ كان الخليفة العبَّاسي يُفوِّضُ السُلطان المملوكي في كافَّة أُمُور الحُكم كالولاية والعزل، وتجهيز الجيش، وإعلان الحرب، وإقطاع الإقطاعيَّات وغيرها من الأُمور التي تتصل بِالسُلطة التنفيذيَّة بحيث كان الخليفة العبَّاسي نفسُه يقع في دائرة هذه السُلطة، فلا أمرٌ له ولا نهي ولا نُفُوذ.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[تقي الدين المقريزي|المقريزي، أبو العبَّاس تقيُّ الدين أحمد بن عليّ بن عبد القادر الحُسيني العُبيدي]]|عنوان= [[السلوك لمعرفة دول الملوك|السُلوك لِمعرفة دُول المُلوك]]، الجُزء الأوَّل|طبعة= الأولى|صفحة= 22|سنة= [[1997]]|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[أبو العباس القلقشندي|القلقشندي، أبو العبَّاس أحمد]]|عنوان= [[صبح الأعشى|صُبح الأعشى في صناعة الإنشا]]، الجُزء الثالث|طبعة= الثانية|صفحة= 275 و401|سنة= [[1340 هـ|1340هـ]] - [[1922]]م|ناشر= [[دار الكتب والوثائق القومية (مصر)|دار الكُتب المصريَّة]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> ومن الأحداث الشهيرة التي تدُلُّ على ذلك، أنَّ أحد الأُمراء المماليك عندما قرأ العهد الذي منحهُ الخليفة [[سليمان المستكفي بالله|أبو الربيع سُليمان المُستكفي بِالله]] لِلسُلطان [[المظفر ركن الدين بيبرس|بيبرس الجاشنكير]] ووجد أوَّلهُ: {{اقتباس مضمن|إِنَّهُ مِن سُلَيمَان وَإِنَّهُ {{بسملة}}}} ردَّ على الفور قائلًا: {{اقتباس مضمن|وَلِسُلَيمَانَ الرِّيح!!}}.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن تغري|ابن تغري بردي، أبو المحاسن جمالُ الدين يُوسُف بن تغري بردي بن عبد الله الظاهري الحنفي]]|مؤلف2= قدَّم لهُ وعلَّق عليه: مُحمَّد حُسين شمسُ الدين|عنوان= [[النجوم الزاهرة|النُجوم الزاهرة في مُلوك مصر والقاهرة]]، الجُزء الثامن|طبعة= الأولى|صفحة= 262|سنة= [[1413 هـ|1413هـ]] - [[1992]]م|ناشر= دار الكُتب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> فلم يكن لِلخليفة العبَّاسي في العصر المملوكي إلَّا سُلطة دينيَّة إسميَّة، ولم يكن له نصيبٌ سوى الدُعاء له على المنابر، وأن يحمل لقب أمير المُؤمنين. ومن مظاهر ضعف الخِلافة العبَّاسيَّة في القاهرة أنَّ الخليفة الذي كان يتحصَّن تجاه السُلطان المملوكي بِسلاح التفويض، لم تكن لهُ سُلطة تعيين نفسه، ولكي يُعيَّن كان عليه أن يحظى بِمُبايعة السُلطان وقُضاة المذاهب الأربعة. من هُنا كان باستطاعة السُلطان أن يعزل الخليفة، بعد استشارةٍ شكليَّةٍ لِلقُضاة الأربعة، وفي هذه الحالة قد يُسجن الخليفة في القلعة، أو يُنفى إلى مدينة [[قوص]] بِأقصى [[صعيد مصر|الصعيد]]، كما حصل مع الكثير من خُلفاء بني العبَّاس في القاهرة، وأبرزهم الخليفة المُستكفي بِالله سالِف الذِكر. وكان الخليفة يُختار عادةً في مجلسٍ يضُمُّ السُلطان والقُضاة والأُمراء، ويصحب اعتلاء كُل خليفة منصبه عدَّة مظاهر غايةً في الأُبَّهة والعظمة: من فحص نسبه، وتقليد السُلطان لهُ أمر الخِلافة بِالديار المصريَّة، وأخذ البيعة لهُ من القُضاة والأُمراء وسائر النَّاس. ويُلاحظ أيضًا أنَّ الخِلافة في مصر أصبحت في ذلك العصر منحة يمنحها السُلطان لمن شاء ويصرفها عمَّن يشاء، وذلك لِعدم وُجود ثوابت لِتولية الخُلفاء العبَّاسيين في مصر. فكان أغلبهم يعهد بِالخِلافة لابنه من بعده، ثُمَّ لا يقوم السُلطان بتنفيذ ذلك في أغلب الأحيان، بل يُعيِّن ابن عم الخليفة أو أخًا له بدلًا من الابن. كما كان الأُمراء أنفُسهم يتدخلون في تعيين الخليفة بحال كان السُلطان ضعيفًا.<ref>{{استشهاد ويب| الأخير = عبد الله| الأول  = زكي مُحمَّد جميل| المؤلفون = إشراف الدكتور جمال جودة| تاريخ = [[2004]]| مسار  = https://scholar.najah.edu/sites/default/files/all-thesis/the_caliphate_establishment_of_mamlouki_period659_h__1260_ad_923_h_1517_ad.pdf| عنوان = مؤسسة الخِلافة في العهد المملوكي (659هـ / 1260م - 923هـ / 1517م)| صفحات = 52 - 53| موقع = [[جامعة النجاح الوطنية|جامعة النجاح الوطنيَّة، كُليَّة الدراسات العُليا]]| مكان = [[نابلس]] - [[فلسطين]]| تاريخ الوصول = [[6 يوليو|6 تمُّوز (يوليو)]] [[2017]]م| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20140328091559/http://scholar.najah.edu:80/sites/default/files/all-thesis/the_caliphate_establishment_of_mamlouki_period659_h__1260_ad_923_h_1517_ad.pdf | تاريخ أرشيف = 28 مارس 2014 }}</ref>


=== نيابة السلطنة ===
=== نيابة السلطنة ===
سطر 254: سطر 254:
=== أهل السُنَّة والجماعة ===
=== أهل السُنَّة والجماعة ===
[[ملف:AlAzhar Mosque.jpg|تصغير|يمين|صحن [[الجامع الأزهر]]، أصبح في العصر المملوكي جامعةً كُبرى ساهمت في تثبيت مذاهب أهل السُنَّة والجماعة في مصر والشَّام.]]
[[ملف:AlAzhar Mosque.jpg|تصغير|يمين|صحن [[الجامع الأزهر]]، أصبح في العصر المملوكي جامعةً كُبرى ساهمت في تثبيت مذاهب أهل السُنَّة والجماعة في مصر والشَّام.]]
شكَّل [[أهل السنة والجماعة|أهلُ السُنَّة والجماعة]] الأغلبيَّة الساحقة من أهالي الدولة المملوكيَّة. ومن المعروف أنَّ سلاطين الأيُّوبيين كانوا قد مكَّنوا أهل السُنَّة في مصر والشَّام بعد زوال [[الدولة الفاطمية|الدولة الفاطميَّة]] التي كانت تتخذ من [[إسماعيلية|المذهب الشيعي الاسماعيلي]] مذهبًا رسميًّا لها، فأنشأوا المدارس في طول البلاد وعرضها التي كانت تُدرِّس [[شريعة إسلامية|العُلُوم الشرعيَّة الإسلاميَّة]] المُختلفة على مذهب الشافعي. ولمَّا سقطت الدولة الأيُّوبيَّة وحلَّت الدولة المملوكيَّة بدلًا منها، تابع المماليك سياسة الأيوبيين في تثبيت مذاهب أهل السُنَّة والجماعة في مصر والشَّام، لكنهم جعلوا المذاهب الأربعة كُلُها: الحنفيَّة والمالكيَّة والشافعيَّة والحنبليَّة، مذاهبًا رسميَّةً لِلدولة، كما أُسلف.<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|الأخير1=Northrup|الأول1=Linda S.|محرر1-الأخير=Petry|محرر1-الأول=Carl F.|عنوان=The Cambridge History of Egypt, Vol. 1: Islamic Egypt 640-1517|تاريخ=1998|ناشر=Cambridge University Press|isbn=9780521068857|الفصل=The Bahri Mamluk sultanate|صفحة=266}}</ref> ويذهب بعض الباحثين إلى القول بِأنَّ من أسباب إصرار المماليك، وبِالأخص البحريَّة منهم، على تثبيت مذاهب أهل السُنَّة والجماعة وتمكينهم في البلاد، هو أنَّ المذهب السُنيّ كان الشيء الوحيد الذي يربط بين هؤلاء وعامَّة الشعب، لا سيَّما وأنَّ الشعب بقي ينظر - خِلال الفترة الأولى لِلعصر المملوكي خُصوصًا - إلى المماليك من زاوية أصلهم غير الحُر، فكانوا بِرأي العامَّة مُجرَّد مُقاتلين أشدَّاء انقلبوا على أسيادهم الأيوبيين واستولوا على مُلكهم، وهم لا يُحسنون لِغة الشعب العربيَّة، ولا يعيشون عيشته، بل عاشوا مُنعزلين في الأماكن التي خصصها السلاطينُ لسكنهم دون أن يكونوا على دراية بِمُجريات الحياة اليوميَّة. لِذلك، انصبَّ تركيز سلاطين المماليك البحريَّة الأوائل على إبراز ما يجمع عامَّة الشعب والجيش والأُمراء والسلاطين، وهو المذهب السُني.<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|الأخير1=Northrup|الأول1=Linda S.|محرر1-الأخير=Petry|محرر1-الأول=Carl F.|عنوان=The Cambridge History of Egypt, Vol. 1: Islamic Egypt 640-1517|تاريخ=1998|ناشر=Cambridge University Press|isbn=9780521068857|الفصل=The Bahri Mamluk sultanate|صفحات=268–269}}</ref> من أبرز ما قام به المماليك لِتثبيت مذاهب أهل السُنَّة والجماعة في الدولة كان إعادة افتتاح [[الجامع الأزهر]] وترميمه وتجديده، بعد أن ظلَّ مُقفلًا لِحوالي مائة سنة زمن الأيُّوبيين باعتباره مُؤسسة بناها الفاطميين لِنشر المذهب الإسماعيلي. ففي سنة 1266م أمر الظاهر بيبرس بِإعادة تأسيس [[الصلاة في الإسلام|الصلاة]] في الأزهر، وبِعودة رواتب الطُلَّاب والمُعلِّمين، فضلًا عن إصلاح البناء ذاته. وقام السلاطين المماليك اللاحقين بِعدَّة توسيعات وتجديدات على البُنية التحتيَّة لِلمسجد، وقُدِّمت على نطاقٍ واسعٍ مُستويات مُتفاوتة من المُساعدة الماليَّة، على حدٍ سواء إلى المدرسة وإلى صيانة المسجد. فاعتُبر عصر السلطنة المملوكيَّة، هو العصر الذهبي لِلأزهر.<ref>{{استشهاد ويب| تاريخ = الجمعة [[9 يونيو|9 حُزيران (يونيو)]] [[2017]]م| مسار أرشيف  = https://web.archive.org/web/20170713215146/https://www.masrawy.com/Islameyat/Others-Islamic_ppl_News/details/2017/6/9/1101868/%D9%81%D9%8A-%D8%B0%D9%83%D8%B1%D9%89-%D8%A7%D9%81%D8%AA%D8%AA%D8%A7%D8%AD%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%87%D8%B1-%D8%A3%D9%86%D8%B4%D8%A6-%D9%84%D9%86%D8%B4%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B0%D9%87%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%B9%D9%8A-%D9%81%D8%A3%D8%B5%D8%A8%D8%AD-%D8%B1%D9%85%D8%B2-%D8%A7-%D9%84%D9%84%D9%88%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D8%A9| مسار  = https://www.masrawy.com/Islameyat/Others-Islamic_ppl_News/details/2017/6/9/1101868/%D9%81%D9%8A-%D8%B0%D9%83%D8%B1%D9%89-%D8%A7%D9%81%D8%AA%D8%AA%D8%A7%D8%AD%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%87%D8%B1-%D8%A3%D9%86%D8%B4%D8%A6-%D9%84%D9%86%D8%B4%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B0%D9%87%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%B9%D9%8A-%D9%81%D8%A3%D8%B5%D8%A8%D8%AD-%D8%B1%D9%85%D8%B2-%D8%A7-%D9%84%D9%84%D9%88%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D8%A9| عنوان = في ذكرى افتتاحه.. "الأزهر" أنشئ لنشر المذهب الشيعي فأصبح رمزًا للوسطية| موقع = [[مصراوي|بوَّابة مصراوي]]|تاريخ أرشيف = [[14 يوليو|14 تمُّوز (يوليو)]] [[2017]]م| تاريخ الوصول = [[14 يوليو|14 تمُّوز (يوليو)]] [[2017]]م}}</ref> كذلك بذل المماليك جُهُودًا مُماثلة في الشَّام، فقد أمر الظاهر بيبرس بِتجديد [[الجامع الأموي (دمشق)|الجامع الأُموي الكبير]] فأُصلحت صفائح الرُّخام وطُليت تيجانها بِالذهب وبُلِّط الجدار الشمالي لِلحرم وأُصلحت لوحات الفُسيفساء في الرواق الغربي، كذلك اعتنى «تنكيز» نائب السلطنة بِدمشق بِالمسجد، فاستبدل كُل البلاط في قاعة الصلاة بِالرُّخام وأُعيد تجميع لوحات الفُسيفساء على جدار القِبلة، وفي عهد السُلطان الناصر مُحمَّد بن قلاوون هُدمت قِبلة الجدار غير المُستقرَّة وأُعيد بناءها، ونُقلت بوَّابة باب زيادة إلى جهة الجامع الشرقيَّة.<ref>{{استشهاد ويب| الأخير = الدغلي، عماد| تاريخ = [[31 أغسطس|31 آب (أغسطس)]] [[2015]]م | مسار  = https://www.sana.sy/?p=260387| عنوان = الجامع الأموي الكبير بدمشق أسطورة الماضي و الحاضر| موقع = الوكالة العربيَّة السوريَّة لِلأنباء| تاريخ الوصول = [[14 يوليو|14 تمُّوز (يوليو)]] [[2017]]م| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20171013194923/http://www.sana.sy:80/?p=260387 | تاريخ أرشيف = 13 أكتوبر 2017 }}</ref>
شكَّل [[أهل السنة والجماعة|أهلُ السُنَّة والجماعة]] الأغلبيَّة الساحقة من أهالي الدولة المملوكيَّة. ومن المعروف أنَّ سلاطين الأيُّوبيين كانوا قد مكَّنوا أهل السُنَّة في مصر والشَّام بعد زوال [[الدولة الفاطمية|الدولة الفاطميَّة]] التي كانت تتخذ من [[إسماعيلية|المذهب الشيعي الاسماعيلي]] مذهبًا رسميًّا لها، فأنشأوا المدارس في طول البلاد وعرضها التي كانت تُدرِّس [[شريعة إسلامية|العُلُوم الشرعيَّة الإسلاميَّة]] المُختلفة على مذهب الشافعي. ولمَّا سقطت الدولة الأيُّوبيَّة وحلَّت الدولة المملوكيَّة بدلًا منها، تابع المماليك سياسة الأيوبيين في تثبيت مذاهب أهل السُنَّة والجماعة في مصر والشَّام، لكنهم جعلوا المذاهب الأربعة كُلُها: الحنفيَّة والمالكيَّة والشافعيَّة والحنبليَّة، مذاهبًا رسميَّةً لِلدولة، كما أُسلف.<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|الأخير1=Northrup|الأول1=Linda S.|محرر1-الأخير=Petry|محرر1-الأول=Carl F.|عنوان=The Cambridge History of Egypt, Vol. 1: Islamic Egypt 640-1517|تاريخ=1998|ناشر=Cambridge University Press|isbn=9780521068857|الفصل=The Bahri Mamluk sultanate|صفحة=266}}</ref> ويذهب بعض الباحثين إلى القول بِأنَّ من أسباب إصرار المماليك، وبِالأخص البحريَّة منهم، على تثبيت مذاهب أهل السُنَّة والجماعة وتمكينهم في البلاد، هو أنَّ المذهب السُنيّ كان الشيء الوحيد الذي يربط بين هؤلاء وعامَّة الشعب، لا سيَّما وأنَّ الشعب بقي ينظر - خِلال الفترة الأولى لِلعصر المملوكي خُصوصًا - إلى المماليك من زاوية أصلهم غير الحُر، فكانوا بِرأي العامَّة مُجرَّد مُقاتلين أشدَّاء انقلبوا على أسيادهم الأيوبيين واستولوا على مُلكهم، وهم لا يُحسنون لِغة الشعب العربيَّة، ولا يعيشون عيشته، بل عاشوا مُنعزلين في الأماكن التي خصصها السلاطينُ لسكنهم دون أن يكونوا على دراية بِمُجريات الحياة اليوميَّة. لِذلك، انصبَّ تركيز سلاطين المماليك البحريَّة الأوائل على إبراز ما يجمع عامَّة الشعب والجيش والأُمراء والسلاطين، وهو المذهب السُني.<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|الأخير1=Northrup|الأول1=Linda S.|محرر1-الأخير=Petry|محرر1-الأول=Carl F.|عنوان=The Cambridge History of Egypt, Vol. 1: Islamic Egypt 640-1517|تاريخ=1998|ناشر=Cambridge University Press|isbn=9780521068857|الفصل=The Bahri Mamluk sultanate|صفحات=268–269}}</ref> من أبرز ما قام به المماليك لِتثبيت مذاهب أهل السُنَّة والجماعة في الدولة كان إعادة افتتاح [[الجامع الأزهر]] وترميمه وتجديده، بعد أن ظلَّ مُقفلًا لِنحو مائة سنة زمن الأيُّوبيين باعتباره مُؤسسة بناها الفاطميين لِنشر المذهب الإسماعيلي. ففي سنة 1266م أمر الظاهر بيبرس بِإعادة تأسيس [[الصلاة في الإسلام|الصلاة]] في الأزهر، وبِعودة رواتب الطُلَّاب والمُعلِّمين، فضلًا عن إصلاح البناء ذاته. وقام السلاطين المماليك اللاحقين بِعدَّة توسيعات وتجديدات على البُنية التحتيَّة لِلمسجد، وقُدِّمت على نطاقٍ واسعٍ مُستويات مُتفاوتة من المُساعدة الماليَّة، على حدٍ سواء إلى المدرسة وإلى صيانة المسجد. فاعتُبر عصر السلطنة المملوكيَّة، هو العصر الذهبي لِلأزهر.<ref>{{استشهاد ويب| تاريخ = الجمعة [[9 يونيو|9 حُزيران (يونيو)]] [[2017]]م| مسار أرشيف  = https://web.archive.org/web/20170713215146/https://www.masrawy.com/Islameyat/Others-Islamic_ppl_News/details/2017/6/9/1101868/%D9%81%D9%8A-%D8%B0%D9%83%D8%B1%D9%89-%D8%A7%D9%81%D8%AA%D8%AA%D8%A7%D8%AD%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%87%D8%B1-%D8%A3%D9%86%D8%B4%D8%A6-%D9%84%D9%86%D8%B4%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B0%D9%87%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%B9%D9%8A-%D9%81%D8%A3%D8%B5%D8%A8%D8%AD-%D8%B1%D9%85%D8%B2-%D8%A7-%D9%84%D9%84%D9%88%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D8%A9| مسار  = https://www.masrawy.com/Islameyat/Others-Islamic_ppl_News/details/2017/6/9/1101868/%D9%81%D9%8A-%D8%B0%D9%83%D8%B1%D9%89-%D8%A7%D9%81%D8%AA%D8%AA%D8%A7%D8%AD%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%87%D8%B1-%D8%A3%D9%86%D8%B4%D8%A6-%D9%84%D9%86%D8%B4%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B0%D9%87%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%B9%D9%8A-%D9%81%D8%A3%D8%B5%D8%A8%D8%AD-%D8%B1%D9%85%D8%B2-%D8%A7-%D9%84%D9%84%D9%88%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D8%A9| عنوان = في ذكرى افتتاحه.. "الأزهر" أنشئ لنشر المذهب الشيعي فأصبح رمزًا للوسطية| موقع = [[مصراوي|بوَّابة مصراوي]]|تاريخ أرشيف = [[14 يوليو|14 تمُّوز (يوليو)]] [[2017]]م| تاريخ الوصول = [[14 يوليو|14 تمُّوز (يوليو)]] [[2017]]م}}</ref> كذلك بذل المماليك جُهُودًا مُماثلة في الشَّام، فقد أمر الظاهر بيبرس بِتجديد [[الجامع الأموي (دمشق)|الجامع الأُموي الكبير]] فأُصلحت صفائح الرُّخام وطُليت تيجانها بِالذهب وبُلِّط الجدار الشمالي لِلحرم وأُصلحت لوحات الفُسيفساء في الرواق الغربي، كذلك اعتنى «تنكيز» نائب السلطنة بِدمشق بِالمسجد، فاستبدل كُل البلاط في قاعة الصلاة بِالرُّخام وأُعيد تجميع لوحات الفُسيفساء على جدار القِبلة، وفي عهد السُلطان الناصر مُحمَّد بن قلاوون هُدمت قِبلة الجدار غير المُستقرَّة وأُعيد بناءها، ونُقلت بوَّابة باب زيادة إلى جهة الجامع الشرقيَّة.<ref>{{استشهاد ويب| الأخير = الدغلي، عماد| تاريخ = [[31 أغسطس|31 آب (أغسطس)]] [[2015]]م | مسار  = https://www.sana.sy/?p=260387| عنوان = الجامع الأموي الكبير بدمشق أسطورة الماضي و الحاضر| موقع = الوكالة العربيَّة السوريَّة لِلأنباء| تاريخ الوصول = [[14 يوليو|14 تمُّوز (يوليو)]] [[2017]]م| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20171013194923/http://www.sana.sy:80/?p=260387 | تاريخ أرشيف = 13 أكتوبر 2017 }}</ref>
[[ملف:St. Ibrahim El-Desouki Mosque-Desouk.JPG|تصغير|[[مسجد سيدي إبراهيم الدسوقي]]، الذي بُني كزاوية صغيرة بدايةً بأمرٍ من السُلطان الأشرف خليل - إكرامًا لِلشيخ المُتصوِّف إبراهيم الدسوقي - وأصبحت مساحته الآن 7000م².<ref>{{استشهاد ويب| تاريخ = [[2006]]م| مسار أرشيف  = https://web.archive.org/web/20170715200048/https://www.kenanaonline.net/page/4859| مسار  = https://www.kenanaonline.net/page/4859| عنوان = مسجد سيد ابراهيم الدسوقي| موقع = كنانة: بوَّابة التنمية المُجتمعيَّة| تاريخ أرشيف =[[15 يوليو|15 تمُّوز (يوليو)]] [[2017]]م| تاريخ الوصول = [[15 يوليو|15 تمُّوز (يوليو)]] [[2017]]م}}</ref>]]
[[ملف:St. Ibrahim El-Desouki Mosque-Desouk.JPG|تصغير|[[مسجد سيدي إبراهيم الدسوقي]]، الذي بُني كزاوية صغيرة بدايةً بأمرٍ من السُلطان الأشرف خليل - إكرامًا لِلشيخ المُتصوِّف إبراهيم الدسوقي - وأصبحت مساحته الآن 7000م².<ref>{{استشهاد ويب| تاريخ = [[2006]]م| مسار أرشيف  = https://web.archive.org/web/20170715200048/https://www.kenanaonline.net/page/4859| مسار  = https://www.kenanaonline.net/page/4859| عنوان = مسجد سيد ابراهيم الدسوقي| موقع = كنانة: بوَّابة التنمية المُجتمعيَّة| تاريخ أرشيف =[[15 يوليو|15 تمُّوز (يوليو)]] [[2017]]م| تاريخ الوصول = [[15 يوليو|15 تمُّوز (يوليو)]] [[2017]]م}}</ref>]]
شاع [[صوفية|التصوُّف]] و[[طريقة (صوفية)|الطُرق الصوفيَّة]] السُنيَّة في مُختلف أنحاء البلاد خِلال العصر المملوكي، ومن أشهر الطُرق التي شاعت في مصر والشَّام آنذاك [[شاذلية|الطريقة الشاذليَّة]]، بِالإضافة إلى الطريقتين [[رفاعية|الرفاعيَّة]] و[[الطريقة الأحمدية|البدويَّة (الأحمديَّة)]]، واقتصرت بعض الطُرُق على مصر فقط مثل [[دسوقية|الطريقة الدُسُوقيَّة]].<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|الأخير1=Northrup|الأول1=Linda S.|محرر1-الأخير=Petry|محرر1-الأول=Carl F.|عنوان=The Cambridge History of Egypt, Vol. 1: Islamic Egypt 640-1517|تاريخ=1998|ناشر=Cambridge University Press|isbn=9780521068857|الفصل=The Bahri Mamluk sultanate|صفحة=267}}</ref> لكن يُلاحظ أنَّهُ في هذا العصر تحوَّل التصوُّف إلى مُجرَّد ترديد لِعقائد السابقين ووضع الشُرُوح عليها وتطبيق تعاليمهم، فلم تقع ابتكارات جديدة في هذا المجال كما في العُصُور العبَّاسيَّة الأولى، فانصرف هم المُتصوفة المملوكيين إلى إنشاء الطُرُق الصُوفيَّة وتفرُّعها بِحسب شهرة الشيخ وكثرة أتباعه، فتفرَّعت الطريقة الشاذليَّة والبدويَّة والسطوحيَّة وغيرها إلى عدَّة طُرق تفرَّعت بِدورها، وهكذا.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= منصور، أحمد صُبحي|عنوان= العقائد الدينيَّة في مصر المملوكيَّة بين الإسلام والتصوُّف|صفحة= 37|سنة= [[2000]]|ناشر= [[الهيئة المصرية العامة للكتاب|الهيئة المصريَّة العامَّة لِلكتاب]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> ويُلاحظ أنَّ التصوُّف سيطر على العصر المملوكي سيطرةً كبيرة بحيثُ أنَّ بعض السلاطين كانوا يعتقدون بِكرامات بعض مشايخ الصوفيَّة ويُقرِّبونهم إليهم، فالظاهر بيبرس تقرَّب من الشيخ خضر بن أبي بكر المهراني العدوي، وسمح بِنُموِّ وازدياد نُفُوذه بِالدولة لاعتقاده بِولايته وفي معرفته لِلغيب، رُغم ما نُسب إليه من انحلالٍ أخلاقيّ،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن كثير الدمشقي|ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عُمر القُرشي البصري الدمشقي]]|مؤلف2= تحقيق عبدُ الله بن عبد المُحسن التُركي|عنوان= [[البداية والنهاية]]|المجلد=الجزء الثالث عشر|طبعة= الأولى|صفحة= 178 و265|سنة= [[1418 هـ]] - [[1997]]م|ناشر= دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وكان برقوق - رُغم حنكته السياسيَّة - يخضع لِلمجاذيب، حتَّى أنَّ أحدهم وهو الشيخ مُحمَّد بن عبد الله الزهوري العجمي كان يبصق في وجهه،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن تغري|ابن تغري بردي، أبو المحاسن جمالُ الدين يُوسُف بن تغري بردي بن عبد الله الظاهري الحنفي]]|مؤلف2= قدَّم لهُ وعلَّق عليه: مُحمَّد حُسين شمسُ الدين|عنوان= [[النجوم الزاهرة|النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة|النُجوم الزاهرة في مُلوك مصر والقاهرة]]، الجُزء الثالث عشر|طبعة= الأولى|صفحة= 10|سنة= [[1413 هـ]] - [[1992]]م|ناشر= دار الكُتب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن حجر العسقلاني|ابن حجر العسقلاني، شهابُ الدين أبو الفضل أحمد بن عليّ بن مُحمَّد بن مُحمَّد بن عليّ الكناني المصري الشافعي]]|عنوان= إنباء الغمر بأنباء العمر|المجلد= الجُزء الثاني|طبعة= الثانية|صفحة= 57|سنة= [[1415 هـ|1415هـ]] - [[1994]]م|ناشر= [[وزارة الأوقاف (مصر)|وزارة الأوقاف المصريَّة]]، [[المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية (مصر)|المجلس الأعلى لِلشؤون الإسلاميَّة]]|مسار= https://archive.org/stream/Inbaa_Ghomr/Inbaa_Ghomr_02#page/n56/mode/2up|تاريخ الوصول= [[15 يوليو|15 تمُّوز (يوليو)]] [[2017]]م|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20220411223130/https://archive.org/stream/Inbaa_Ghomr/Inbaa_Ghomr_02|تاريخ أرشيف=2022-04-11}}</ref> وعندما افتتح مدرسته الجامعة أعطاه مجذوب طوبة وأمره أن يضعها في المدرسة، فوضعها برقوق في قنديل وعلَّقهُ في المحراب، وظلَّت فيه باقية.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن إياس|ابن إياس، أبو البركات زينُ العابدين مُحمَّد بن أحمد بن إياس الحنفي النَّاصري القاهري]]|مؤلف2= تحقيق: خليل إبراهيم|عنوان= [[بدائع الزهور في وقائع الدهور|بدائعُ الزُّهور في وقائعُ الدُّهور]]، الجُزء الأوَّل|طبعة= الأولى|صفحة= 373|سنة= [[1992]]|ناشر= دارُ الفكر اللُبناني|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> ومن القصص الشبيهة أيضًا أنَّ الشيخ [[إبراهيم الدسوقي]] طلب من السُلطان [[الأشرف صلاح الدين خليل]] أن يترك نصف [[جزيرة الرحمانية|جزيرة الرحمانيَّة]] المُواجهة لِمدينة [[دسوق]] لِلفُقراء يُنفقون منها على مصالحهم، فوافق. فبشَّرهُ الشيخ [[نصر|بِالنصر]] على [[حملات صليبية|الصليبيين]] في [[عكا|عكَّا]]. وقال المُتصوِّفة إن بعد رُجُوع السُلطان من عكَّا مُنتصرًا، أصبح يُكاتب الدسوقي، ويبدأ رسالاته بعبارة «مملُوكك خليل».<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= أبو زيد، فوزي مُحمَّد|عنوان= شيخ الإسلام السيِّد إبراهيم الدُسُوقي|طبعة= الأولى|صفحة= 19|سنة= [[1429 هـ|1429هـ]] - [[2008]]م|ناشر= دار الإيمان في الحياة|ردمك= 9771757067|تاريخ الوصول= [[15 يوليو|15 تمُّوز (يوليو)]] [[2017]]م|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://www.fawzyabuzeid.com/wp-content/uploads/book/Book_Ebrahim_eldsouki.pdf|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20171209041331/http://www.fawzyabuzeid.com:80/wp-content/uploads/book/Book_Ebrahim_eldsouki.pdf|تاريخ أرشيف=2017-12-09}}</ref>
شاع [[صوفية|التصوُّف]] و[[طريقة (صوفية)|الطُرق الصوفيَّة]] السُنيَّة في مُختلف أنحاء البلاد خِلال العصر المملوكي، ومن أشهر الطُرق التي شاعت في مصر والشَّام آنذاك [[شاذلية|الطريقة الشاذليَّة]]، بِالإضافة إلى الطريقتين [[رفاعية|الرفاعيَّة]] و[[الطريقة الأحمدية|البدويَّة (الأحمديَّة)]]، واقتصرت بعض الطُرُق على مصر فقط مثل [[دسوقية|الطريقة الدُسُوقيَّة]].<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|الأخير1=Northrup|الأول1=Linda S.|محرر1-الأخير=Petry|محرر1-الأول=Carl F.|عنوان=The Cambridge History of Egypt, Vol. 1: Islamic Egypt 640-1517|تاريخ=1998|ناشر=Cambridge University Press|isbn=9780521068857|الفصل=The Bahri Mamluk sultanate|صفحة=267}}</ref> لكن يُلاحظ أنَّهُ في هذا العصر تحوَّل التصوُّف إلى مُجرَّد ترديد لِعقائد السابقين ووضع الشُرُوح عليها وتطبيق تعاليمهم، فلم تقع ابتكارات جديدة في هذا المجال كما في العُصُور العبَّاسيَّة الأولى، فانصرف هم المُتصوفة المملوكيين إلى إنشاء الطُرُق الصُوفيَّة وتفرُّعها بِحسب شهرة الشيخ وكثرة أتباعه، فتفرَّعت الطريقة الشاذليَّة والبدويَّة والسطوحيَّة وغيرها إلى عدَّة طُرق تفرَّعت بِدورها، وهكذا.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= منصور، أحمد صُبحي|عنوان= العقائد الدينيَّة في مصر المملوكيَّة بين الإسلام والتصوُّف|صفحة= 37|سنة= [[2000]]|ناشر= [[الهيئة المصرية العامة للكتاب|الهيئة المصريَّة العامَّة لِلكتاب]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> ويُلاحظ أنَّ التصوُّف سيطر على العصر المملوكي سيطرةً كبيرة بحيثُ أنَّ بعض السلاطين كانوا يعتقدون بِكرامات بعض مشايخ الصوفيَّة ويُقرِّبونهم إليهم، فالظاهر بيبرس تقرَّب من الشيخ خضر بن أبي بكر المهراني العدوي، وسمح بِنُموِّ وازدياد نُفُوذه بِالدولة لاعتقاده بِولايته وفي معرفته لِلغيب، رُغم ما نُسب إليه من انحلالٍ أخلاقيّ،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن كثير الدمشقي|ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عُمر القُرشي البصري الدمشقي]]|مؤلف2= تحقيق عبدُ الله بن عبد المُحسن التُركي|عنوان= [[البداية والنهاية]]|المجلد=الجزء الثالث عشر|طبعة= الأولى|صفحة= 178 و265|سنة= [[1418 هـ]] - [[1997]]م|ناشر= دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وكان برقوق - رُغم حنكته السياسيَّة - يخضع لِلمجاذيب، حتَّى أنَّ أحدهم وهو الشيخ مُحمَّد بن عبد الله الزهوري العجمي كان يبصق في وجهه،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن تغري|ابن تغري بردي، أبو المحاسن جمالُ الدين يُوسُف بن تغري بردي بن عبد الله الظاهري الحنفي]]|مؤلف2= قدَّم لهُ وعلَّق عليه: مُحمَّد حُسين شمسُ الدين|عنوان= [[النجوم الزاهرة|النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة|النُجوم الزاهرة في مُلوك مصر والقاهرة]]، الجُزء الثالث عشر|طبعة= الأولى|صفحة= 10|سنة= [[1413 هـ]] - [[1992]]م|ناشر= دار الكُتب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن حجر العسقلاني|ابن حجر العسقلاني، شهابُ الدين أبو الفضل أحمد بن عليّ بن مُحمَّد بن مُحمَّد بن عليّ الكناني المصري الشافعي]]|عنوان= إنباء الغمر بأنباء العمر|المجلد= الجُزء الثاني|طبعة= الثانية|صفحة= 57|سنة= [[1415 هـ|1415هـ]] - [[1994]]م|ناشر= [[وزارة الأوقاف (مصر)|وزارة الأوقاف المصريَّة]]، [[المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية (مصر)|المجلس الأعلى لِلشؤون الإسلاميَّة]]|مسار= https://archive.org/stream/Inbaa_Ghomr/Inbaa_Ghomr_02#page/n56/mode/2up|تاريخ الوصول= [[15 يوليو|15 تمُّوز (يوليو)]] [[2017]]م|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20220411223130/https://archive.org/stream/Inbaa_Ghomr/Inbaa_Ghomr_02|تاريخ أرشيف=2022-04-11}}</ref> وعندما افتتح مدرسته الجامعة أعطاه مجذوب طوبة وأمره أن يضعها في المدرسة، فوضعها برقوق في قنديل وعلَّقهُ في المحراب، وظلَّت فيه باقية.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن إياس|ابن إياس، أبو البركات زينُ العابدين مُحمَّد بن أحمد بن إياس الحنفي النَّاصري القاهري]]|مؤلف2= تحقيق: خليل إبراهيم|عنوان= [[بدائع الزهور في وقائع الدهور|بدائعُ الزُّهور في وقائعُ الدُّهور]]، الجُزء الأوَّل|طبعة= الأولى|صفحة= 373|سنة= [[1992]]|ناشر= دارُ الفكر اللُبناني|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> ومن القصص الشبيهة أيضًا أنَّ الشيخ [[إبراهيم الدسوقي]] طلب من السُلطان [[الأشرف صلاح الدين خليل]] أن يترك نصف [[جزيرة الرحمانية|جزيرة الرحمانيَّة]] المُواجهة لِمدينة [[دسوق]] لِلفُقراء يُنفقون منها على مصالحهم، فوافق. فبشَّرهُ الشيخ [[نصر|بِالنصر]] على [[حملات صليبية|الصليبيين]] في [[عكا|عكَّا]]. وقال المُتصوِّفة إن بعد رُجُوع السُلطان من عكَّا مُنتصرًا، أصبح يُكاتب الدسوقي، ويبدأ رسالاته بعبارة «مملُوكك خليل».<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= أبو زيد، فوزي مُحمَّد|عنوان= شيخ الإسلام السيِّد إبراهيم الدُسُوقي|طبعة= الأولى|صفحة= 19|سنة= [[1429 هـ|1429هـ]] - [[2008]]م|ناشر= دار الإيمان في الحياة|ردمك= 9771757067|تاريخ الوصول= [[15 يوليو|15 تمُّوز (يوليو)]] [[2017]]م|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار= https://www.fawzyabuzeid.com/wp-content/uploads/book/Book_Ebrahim_eldsouki.pdf|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20171209041331/http://www.fawzyabuzeid.com:80/wp-content/uploads/book/Book_Ebrahim_eldsouki.pdf|تاريخ أرشيف=2017-12-09}}</ref>
سطر 280: سطر 280:
نشأ [[إقطاعية|النظام الإقطاعي]] في الشَّام خِلال العهد الصليبي نتيجةً لِعاملين: أولًا، كان الصليبيُّون يألفون نظام الحُكم السائد في بُلدانهم الأوروپيَّة في ذلك الوقت، فطبقوه في المناطق التي استولوا عليها في المشرق الإسلامي. وثانيًا، لقد شعر الذين كانوا يُقاومون الصليبيين بِالحاجة إلى السيطرة على سُفُوح جبال لُبنان لِمُراقبة خُطُوط مُواصلات الجُيُوش الصليبيَّة البحريَّة والبريَّة وقطعها أو تهديدها بِالقطع عند اللُزُوم. وكانت جبال لُبنان الوُسطى والجنوبيَّة آنذاك شبه خالية من السُكَّان تقريبًا. لِذلك استقدم الحُكَّام المُسلمون بعض القبائل الشديدة الشكيمة من أتباعهم وأقطعوهم تلك المناطق الجبليَّة لِيجعلوهم يستقرُّون فيها ويتشبثون في الدفاع عنها. وكما في الشَّام، اعتُمد نظام الإقطاع في مصر حيثُ كان أُمراء المماليك يُقطعون أراضٍ زراعيَّةٍ واسعة يدفعون بِموجبها خراجًا سنويًّا إلى السُلطة المركزيَّة ويُزودونها بِحاجتها من الجُنُود عندما يتطلَّب الأمر.<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|الأخير1=van Steenbergen|الأول1=Jo|محرر1-الأخير=Vermeulen|محرر1-الأول=Urbain|محرر2-الأخير=van Steenbergen|محرر2-الأول=Jo|عنوان=Egypt and Syria in the Fatimid, Ayyubid and Mamluk Eras IV|تاريخ=2005|ناشر=Peeters Publishers|isbn=9789042915244|الفصل=Identifying a Late Medieval Cadastral Survey of Egypt|مسار= https://books.google.com/books?id=Sk6tAUL5ZWYC&pg=PA477|صفحة=475|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200202055018/https://books.google.com/books?id=Sk6tAUL5ZWYC&pg=PA477|تاريخ أرشيف=2020-02-02}}</ref> أمَّا في الشَّام فقد قُسِّمت الأراضي على عددٍ كبيرٍ من الزُعماء الإقطاعيين - الذين اشتهروا باسم «المُقاطعجيَّة» - المُنتمين إلى عائلاتٍ قويَّةٍ عريقةٍ. وكان من أشهر تلك العائلات على سبيل المِثال:<ref name="الإقطاع" />  
نشأ [[إقطاعية|النظام الإقطاعي]] في الشَّام خِلال العهد الصليبي نتيجةً لِعاملين: أولًا، كان الصليبيُّون يألفون نظام الحُكم السائد في بُلدانهم الأوروپيَّة في ذلك الوقت، فطبقوه في المناطق التي استولوا عليها في المشرق الإسلامي. وثانيًا، لقد شعر الذين كانوا يُقاومون الصليبيين بِالحاجة إلى السيطرة على سُفُوح جبال لُبنان لِمُراقبة خُطُوط مُواصلات الجُيُوش الصليبيَّة البحريَّة والبريَّة وقطعها أو تهديدها بِالقطع عند اللُزُوم. وكانت جبال لُبنان الوُسطى والجنوبيَّة آنذاك شبه خالية من السُكَّان تقريبًا. لِذلك استقدم الحُكَّام المُسلمون بعض القبائل الشديدة الشكيمة من أتباعهم وأقطعوهم تلك المناطق الجبليَّة لِيجعلوهم يستقرُّون فيها ويتشبثون في الدفاع عنها. وكما في الشَّام، اعتُمد نظام الإقطاع في مصر حيثُ كان أُمراء المماليك يُقطعون أراضٍ زراعيَّةٍ واسعة يدفعون بِموجبها خراجًا سنويًّا إلى السُلطة المركزيَّة ويُزودونها بِحاجتها من الجُنُود عندما يتطلَّب الأمر.<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|الأخير1=van Steenbergen|الأول1=Jo|محرر1-الأخير=Vermeulen|محرر1-الأول=Urbain|محرر2-الأخير=van Steenbergen|محرر2-الأول=Jo|عنوان=Egypt and Syria in the Fatimid, Ayyubid and Mamluk Eras IV|تاريخ=2005|ناشر=Peeters Publishers|isbn=9789042915244|الفصل=Identifying a Late Medieval Cadastral Survey of Egypt|مسار= https://books.google.com/books?id=Sk6tAUL5ZWYC&pg=PA477|صفحة=475|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200202055018/https://books.google.com/books?id=Sk6tAUL5ZWYC&pg=PA477|تاريخ أرشيف=2020-02-02}}</ref> أمَّا في الشَّام فقد قُسِّمت الأراضي على عددٍ كبيرٍ من الزُعماء الإقطاعيين - الذين اشتهروا باسم «المُقاطعجيَّة» - المُنتمين إلى عائلاتٍ قويَّةٍ عريقةٍ. وكان من أشهر تلك العائلات على سبيل المِثال:<ref name="الإقطاع" />  
* '''البُحتريُّون (التنُّوخيُّون)''': وهُم زُعماء مُقاطعة الغرب، أي السُفُوح المُطلَّة على بيروت وصيدا وما بينهما.
* '''البُحتريُّون (التنُّوخيُّون)''': وهُم زُعماء مُقاطعة الغرب، أي السُفُوح المُطلَّة على بيروت وصيدا وما بينهما.
* '''[[معنيون|المعنيُّون]]''': وهُم زُعماء مُقاطعة الشوف في جبل لُبنان. وقد وفدوا إليها من دمشق حوالي سنة 1120م لِرد هجمات الصليبيين، وأعمروه بعد أن كان قفرًا.
* '''[[معنيون|المعنيُّون]]''': وهُم زُعماء مُقاطعة الشوف في جبل لُبنان. وقد وفدوا إليها من دمشق نحو سنة 1120م لِرد هجمات الصليبيين، وأعمروه بعد أن كان قفرًا.
* '''[[شهابيون|الشهابيُّون]]''': وهُم زُعماء وادي التَّيم في سهل البقاع. وفدوا إليه من [[حوران]] حوالي سنة 1173م، فانتزعوه من الصليبيين، وأقرَّهم عليه السُلطان صلاح الدين الأيُّوبي.
* '''[[شهابيون|الشهابيُّون]]''': وهُم زُعماء وادي التَّيم في سهل البقاع. وفدوا إليه من [[حوران]] نحو سنة 1173م، فانتزعوه من الصليبيين، وأقرَّهم عليه السُلطان صلاح الدين الأيُّوبي.
* '''بنو بشارة''': وهُم زُعماء جبل عامل، أي لُبنان الجنوبي، وقد أعطوا اسمهم لِتلك البلاد مُنذ ذلك الحين فأصبحت تُعرف باسم «بلاد بشارة».
* '''بنو بشارة''': وهُم زُعماء جبل عامل، أي لُبنان الجنوبي، وقد أعطوا اسمهم لِتلك البلاد مُنذ ذلك الحين فأصبحت تُعرف باسم «بلاد بشارة».
* '''بنو الجيش''': وهُم أجداد أُمراء بني أرسلان وقد قطنوا ضواحي بيروت الجنوبيَّة.  
* '''بنو الجيش''': وهُم أجداد أُمراء بني أرسلان وقد قطنوا ضواحي بيروت الجنوبيَّة.  
سطر 296: سطر 296:


=== التجارة ===
=== التجارة ===
[[ملف:أهم خطوط التجارة الدوليّة في حوض المتوسّط حوالي سنة 1300م.jpg|يمين|تصغير|أهم الخُطُوط التجاريَّة في حوض البحر المُتوسِّط حوالي سنة 1300م.]]
[[ملف:أهم خطوط التجارة الدوليّة في حوض المتوسّط حوالي سنة 1300م.jpg|يمين|تصغير|أهم الخُطُوط التجاريَّة في حوض البحر المُتوسِّط نحو سنة 1300م.]]
[[ملف:John Frederick Lewis The street and mosque al Ghouri in Cairo.JPG|تصغير|سوق [[شارع الغورية|شارع الغوريَّة]] بِالقاهرة الذي بناه السُلطان [[قانصوه الغوري]] في سبيل تنشيط الحركة التجاريَّة.]]
[[ملف:John Frederick Lewis The street and mosque al Ghouri in Cairo.JPG|تصغير|سوق [[شارع الغورية|شارع الغوريَّة]] بِالقاهرة الذي بناه السُلطان [[قانصوه الغوري]] في سبيل تنشيط الحركة التجاريَّة.]]
[[ملف:اكتشافات البرتغاليين.jpg|تصغير|خريطة تُبيِّن تحوُّل التجارة مع الهند والشرق الأقصى من مرافئ وموانئ الدولة المملوكيَّة إلى حول القارَّة الأفريقيَّة، ممَّا أدَّى إلى التدهور التجاري لِمكانة الدولة المملوكيَّة ومن ثُمَّ تدهور اقتصادها. كان لِلسياسة الاحتكاريَّة عند بعض سلاطين المماليك البُرجيَّة الأثر الأكبر في جعل الأوروپيين يبحثون طُرقٍ وأسواقٍ تجاريَّةٍ جديدة، وكان الپُرتُغاليُّون هُم الرُّوَّاد في ذلك، فطوَّقت أساطيلهم العالم الإسلامي.]]
[[ملف:اكتشافات البرتغاليين.jpg|تصغير|خريطة تُبيِّن تحوُّل التجارة مع الهند والشرق الأقصى من مرافئ وموانئ الدولة المملوكيَّة إلى حول القارَّة الأفريقيَّة، ممَّا أدَّى إلى التدهور التجاري لِمكانة الدولة المملوكيَّة ومن ثُمَّ تدهور اقتصادها. كان لِلسياسة الاحتكاريَّة عند بعض سلاطين المماليك البُرجيَّة الأثر الأكبر في جعل الأوروپيين يبحثون طُرقٍ وأسواقٍ تجاريَّةٍ جديدة، وكان الپُرتُغاليُّون هُم الرُّوَّاد في ذلك، فطوَّقت أساطيلهم العالم الإسلامي.]]
سطر 307: سطر 307:
خُصّ عهد الناصر محمد بن قلاوون (حكم1292-1340م) بلقب «عصر الموسوعات» لظهور موسوعة «[[مسالك الأبصار في ممالك الأمصار]]» (كتاب في الجغرافية والتاريخ والأدب وعلم الاجتماع والطبيعيات) لرئيس ديوان الإنشاء [[شهاب الدين أحمد بن فضل الله العمري]] (700-749هـ/01-1349م)، وموسوعة «[[نهاية الأرب في فنون الأدب]]» (كتاب فلك وجغرافية وطبيعيات وتاريخ واجتماع وأدب وسياسة في 32 جزءاً) ل[[شهاب الدين النويري]] (1279-1333)، وبعدهما بقليلٍ موسوعة «[[صبح الأعشى في صناعة الإنشا]]» للقلقشندي (756-821هـ/1355-1418م)، ولكن يصلح إطلاق لقب العصر الموسوعي على مجمل العصر المملوكي  لشيوع التأليف الموسوعي بحفْزٍ من حيوية المجتمع المسلم لجمع التراث العربي الإسلامي وحفظه من الاندثار بعد الضياع الكبير الذي لحقه بسبب الغزو المغولي، فشاع نمط الكتابة الموسوعية؛ كما عند جمال الدين [[ابن منظور]] (630-711هـ/1232-1310م) في معجمه اللغوي الجامع «[[لسان العرب]]» الذي قال عنه [[الزركلي]]: «جمع فيه أمهات كتب اللغة، فكاد يغني عنها جميعاً»، وعند [[ابن النفيس]] (10-1288م) في موسوعته الطبية الصيدلانية «الشامل في الطب»، التي أمضى بتأليفها أكثر من ثلاثين سنةً، وترك منها ثمانين جزءاً. ذكر أنه خطط لها أن تكون في ثلاثمئة جزءٍ، ومازالت بعض أجزائها بخطه محفوظةً في [[مجموعة السلطان المنصور قلاوون|البيمارستان المنصوري]] بالقاهرة تعود لسنة 641هـ، وعند [[كمال الدين الدميري|الدميري]] (1341-1405م) في «[[حياة الحيوان الكبرى]]»، وفي العلوم الشرعية ثمة [[الكمال بن الهمام]] (790-861هـ/1456) الفقيه الأصولي المجتهد (مجتهد مذهب) الذي بلغ في المذهب الحنفي درجة الترجيح (من رجال الطبقة الثانية في المذهب)، فسادت كتبه حتى النصف الأول من القرن 19م (مع تأليف «حاشية ابن عابدين») وكان لأقواله الفصل في المذهب، والإمام [[جلال الدين السيوطي]] (850-911هـ/1445-1505م) بغزارة تآليفه واستيعابها وإحاطتها، و[[ابن هشام الأنصاري]] (708-761هـ/09-1360م) الذي يُعدّ إحدى قمم علماء [[العربية]] على مدى العصور. على أن القرن التاسع الهجري المُوافق للقرن الخامس عشر الميلادي شهد عموماً بعد جائحة [[تيمورلنك|تيمور الأعرج]] تواضعاً في السوية العلمية قياساً بالقرنين السابقين عليه، فشاعت المختصرات والتعليقات، وحتى ظهرت الانتحالات وهو ما كان غريباً دوماً على الحضارة الإسلامية.
خُصّ عهد الناصر محمد بن قلاوون (حكم1292-1340م) بلقب «عصر الموسوعات» لظهور موسوعة «[[مسالك الأبصار في ممالك الأمصار]]» (كتاب في الجغرافية والتاريخ والأدب وعلم الاجتماع والطبيعيات) لرئيس ديوان الإنشاء [[شهاب الدين أحمد بن فضل الله العمري]] (700-749هـ/01-1349م)، وموسوعة «[[نهاية الأرب في فنون الأدب]]» (كتاب فلك وجغرافية وطبيعيات وتاريخ واجتماع وأدب وسياسة في 32 جزءاً) ل[[شهاب الدين النويري]] (1279-1333)، وبعدهما بقليلٍ موسوعة «[[صبح الأعشى في صناعة الإنشا]]» للقلقشندي (756-821هـ/1355-1418م)، ولكن يصلح إطلاق لقب العصر الموسوعي على مجمل العصر المملوكي  لشيوع التأليف الموسوعي بحفْزٍ من حيوية المجتمع المسلم لجمع التراث العربي الإسلامي وحفظه من الاندثار بعد الضياع الكبير الذي لحقه بسبب الغزو المغولي، فشاع نمط الكتابة الموسوعية؛ كما عند جمال الدين [[ابن منظور]] (630-711هـ/1232-1310م) في معجمه اللغوي الجامع «[[لسان العرب]]» الذي قال عنه [[الزركلي]]: «جمع فيه أمهات كتب اللغة، فكاد يغني عنها جميعاً»، وعند [[ابن النفيس]] (10-1288م) في موسوعته الطبية الصيدلانية «الشامل في الطب»، التي أمضى بتأليفها أكثر من ثلاثين سنةً، وترك منها ثمانين جزءاً. ذكر أنه خطط لها أن تكون في ثلاثمئة جزءٍ، ومازالت بعض أجزائها بخطه محفوظةً في [[مجموعة السلطان المنصور قلاوون|البيمارستان المنصوري]] بالقاهرة تعود لسنة 641هـ، وعند [[كمال الدين الدميري|الدميري]] (1341-1405م) في «[[حياة الحيوان الكبرى]]»، وفي العلوم الشرعية ثمة [[الكمال بن الهمام]] (790-861هـ/1456) الفقيه الأصولي المجتهد (مجتهد مذهب) الذي بلغ في المذهب الحنفي درجة الترجيح (من رجال الطبقة الثانية في المذهب)، فسادت كتبه حتى النصف الأول من القرن 19م (مع تأليف «حاشية ابن عابدين») وكان لأقواله الفصل في المذهب، والإمام [[جلال الدين السيوطي]] (850-911هـ/1445-1505م) بغزارة تآليفه واستيعابها وإحاطتها، و[[ابن هشام الأنصاري]] (708-761هـ/09-1360م) الذي يُعدّ إحدى قمم علماء [[العربية]] على مدى العصور. على أن القرن التاسع الهجري المُوافق للقرن الخامس عشر الميلادي شهد عموماً بعد جائحة [[تيمورلنك|تيمور الأعرج]] تواضعاً في السوية العلمية قياساً بالقرنين السابقين عليه، فشاعت المختصرات والتعليقات، وحتى ظهرت الانتحالات وهو ما كان غريباً دوماً على الحضارة الإسلامية.
[[ملف:Manifattura del cairo di ibrahim ben abd el krim, astrolabio planisferico con due piastre, XIII sec. 01.JPG|تصغير|[[أسطرلاب]] يرجع لِلعصر المملوكي، مُخصص لِدراسة الفلك. يُحتفظ به في متحف «سان مارتينو» بِمدينة [[نابولي|ناپولي]].]]
[[ملف:Manifattura del cairo di ibrahim ben abd el krim, astrolabio planisferico con due piastre, XIII sec. 01.JPG|تصغير|[[أسطرلاب]] يرجع لِلعصر المملوكي، مُخصص لِدراسة الفلك. يُحتفظ به في متحف «سان مارتينو» بِمدينة [[نابولي|ناپولي]].]]
اهْتَمَّ المَماليكُ بِالعِلْمِ، فَكان لِلْعُلَماءِ في عَهْدِهِمْ مَكانَةٌ كَبيرَةٌ، فأَكثَرَ سلاطينُ المماليك من بناء المدارس والجوامع والرُّبَط، فأَنْشَأْ [[الظاهر بيبرس|الْظاهِرُ بيبَرْس]] [[المدرسة الظاهرية|المَدْرَسَةَ الظاهِرِيَة]] الواقعة شرقي قلعة [[دمشق]]، وَأَنْشَأْ [[الناصر ناصر الدين محمد بن قلاوون|الناصِر مُحَمَّد]] المَدْرَسَةَ الناصِرِيَةَ، وابنه السلطان حسن [[مسجد ومدرسة السلطان الناصر حسن]] أكبر بناءٍ مدرسيٍّ في العالم (7900م²) في [[القاهرة]]، وزخر العصر المملوكي بعددٍ كبيرٍ من مشاهير العلماء الذين أثروا الحركة العلمية،<ref name="الحضارة">[https://islamstory.com/-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%B9%D8%B5%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%83 الحضارة في عصر المماليك - قصة الإسلام | بوابة التاريخ الإسلامي .. إشراف الدكتور راغب السرجاني] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20170629234527/http://islamstory.com:80/-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%B9%D8%B5%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%83 |date=29 يونيو 2017}}</ref> مثل [[يحيى بن شرف النووي|الحافظ محي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي]] صاحب كتاب [[رياض الصالحين]] في الحديث، والذي شرح [[صحيح مسلم]] ([[شرح صحيح مسلم]] للنووي)، وجمع وحرر أحكام المذهب الشافعي، و[[العز بن عبد السلام]] العالم الفقيه المعروف الملقب بـ«سلطان العلماء»، و[[ابن تيمية|شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية]] الفقيه المعروف صاحب [[الفتوى الحموية]]، و[[ابن قيم الجوزية]] صاحب [[زاد المعاد في هدي خير العباد]]، والقاضي والفقيه [[ابن دقيق العيد]]، و[[جمال الدين المزي|الحافظ المزي]] صاحب [[تهذيب الكمال في أسماء الرجال|تهذيب الكمال]]، و[[ابن حجر العسقلاني]] أمير المؤمنين في الحديث صاحب [[فتح الباري|فتح الباري في شرح صحيح البخاري]]، و[[شمس الدين الذهبي]] الحافظ والمؤرخ صاحب [[سير أعلام النبلاء]]، و[[بدر الدين بن جماعة|شيخ الإسلام بدر الدين أبو عبد الله محمد بن جماعة]] الذي سمع الحديث وله مؤلفات فيه وكان بارزاً في علومٍٍ متنوعة، و[[ابن كثير الدمشقي|الحافظ أبي الفداء إسماعيل بن كثير]] صاحب كتاب [[البداية والنهاية]] في التاريخ، و[[تفسير ابن كثير|تفسير القرآن العظيم]] في التفسير، و[[تقي الدين المقريزي|المقريزي]] (1364-1442م) المؤرخ صاحب مدرسةٍ في التأريخ، وأشهر كتبه [[السلوك لمعرفة دول الملوك]] أو «الخطط المقريزية»، و[[ابن تغري|ابن تغري بردي]] صاحب [[النجوم الزاهرة|النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة]]، و[[أبو العباس القلقشندي|القلقشندي]] المؤرخ صاحب كتاب [[صبح الأعشى]]، و[[ابن قدامة|ابن قدامة المقدسي]] أحد أعلام المذهب الحنبلي، ومؤلف [[كتاب المغني]] من أهم الكتب وأفضلها في الفقه المقارن، و[[ابن خلدون]] مؤسس علم الاجتماع، أما بالنسبة [[طب|للمجال الطبي]] فكانت القاهرة ودمشق وحماة من أهم مراكز طب العُيُون في العالم، خرّجت عدداً من الأطباء الأفذاذ ممن كانوا حُجَّة ومرجعاً في هذا العلم مثل خليفة بن أبي المحاسن الحلبي الذي ألَّف كتاب «الكافي في طب العيون» وفيه شرح إجراء عملية الكتاراكت، وأيضاً صلاح الدين بن يوسف من [[حماة]] الذي ألف كتاباً في طب العيون أسماه «نور العيون»،<ref name="14 قرن">[https://books.google.com.eg/books?id=rOfQDQAAQBAJ&pg=PA58&lpg=PA58&dq=14+%D9%82%D8%B1%D9%86+%D9%85%D9%86+%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9+%D8%A8%D9%8A%D9%86+%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82+%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D8%8C+%D9%83%D8%AA%D8%A8+Google&source=bl&ots=ZrBRGka5ix&sig=F5ujA3qq7ebqMWN2INEZe99_ORA&hl=ar&sa=X&ved=0ahUKEwiOxZGcq6rVAhWKWhQKHYxFAqcQ6AEINTAD#v=onepage&q=14%20%D9%82%D8%B1%D9%86%20%D9%85%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9%20%D8%A8%D9%8A%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D8%8C%20%D9%83%D8%AA%D8%A8%20Google&f=false 14 قرن من الصراع بين الشرق والغرب.] عبد الحميد شرف. تاريخ الوصول [[27 يوليو]] [[2017]] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20170728180805/https://books.google.com.eg/books?id=rOfQDQAAQBAJ&pg=PA58&lpg=PA58&dq=14+%D9%82%D8%B1%D9%86+%D9%85%D9%86+%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9+%D8%A8%D9%8A%D9%86+%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82+%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D8%8C+%D9%83%D8%AA%D8%A8+Google&source=bl&ots=ZrBRGka5ix&sig=F5ujA3qq7ebqMWN2INEZe99_ORA&hl=ar&sa=X&ved=0ahUKEwiOxZGcq6rVAhWKWhQKHYxFAqcQ6AEINTAD |date=28 يوليو 2017}}</ref> وفي الملاحة البحرية شاعت مؤلفات وابتكارات [[أحمد بن ماجد]] الذي ألف أرجوزةً في الملاحة يحفظها الربابنة والبحارة لاستذكار تعليمات الإبحار والأنواء، وترك موجزاً في الملاحة النظرية والعملية،<ref name="14 قرن"/> وكان لابن ماجد دورٌ هامٌّ في تطوير البوصلة، فكان أول من ثبّت إبرةً مغناطيسيةً على سنّ، وكان قبلئذٍ يتم حك إبرة البوصلة بالمغناطيس ثم وضعها فوق إناءٍ فيه [[ماء]] بحيث تطفو على عودين صغيرين من [[خشب|الخشب]] فتشير إلى الشمال، ولكن بعد اختراع ابن ماجد أصبحت تتحرك حرةً دونما حاجةٍ إلى وعاء الماء.
اهْتَمَّ المَماليكُ بِالعِلْمِ، فَكان لِلْعُلَماءِ في عَهْدِهِمْ مَكانَةٌ كَبيرَةٌ، فأَكثَرَ سلاطينُ المماليك من بناء المدارس والجوامع والرُّبَط، فأَنْشَأْ [[الظاهر بيبرس|الْظاهِرُ بيبَرْس]] [[المدرسة الظاهرية|المَدْرَسَةَ الظاهِرِيَة]] الواقعة شرقي قلعة [[دمشق]]، وَأَنْشَأْ [[الناصر ناصر الدين محمد بن قلاوون|الناصِر مُحَمَّد]] المَدْرَسَةَ الناصِرِيَةَ، وابنه السلطان حسن [[مسجد ومدرسة السلطان الناصر حسن]] أكبر بناءٍ مدرسيٍّ في العالم (7900م²) في [[القاهرة]]، وزخر العصر المملوكي بعددٍ كبيرٍ من مشاهير العلماء الذين أثروا الحركة العلمية،<ref name="الحضارة">[https://islamstory.com/-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%B9%D8%B5%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%83 الحضارة في عصر المماليك - قصة الإسلام | بوابة التاريخ الإسلامي .. إشراف الدكتور راغب السرجاني] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20170629234527/http://islamstory.com:80/-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%B9%D8%B5%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%83 |date=29 يونيو 2017}}</ref> مثل [[يحيى بن شرف النووي|الحافظ محي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي]] صاحب كتاب [[رياض الصالحين]] في الحديث، والذي شرح [[صحيح مسلم]] ([[شرح صحيح مسلم]] للنووي)، وجمع وحرر أحكام المذهب الشافعي، و[[العز بن عبد السلام]] العالم الفقيه المعروف الملقب بـ«سلطان العلماء»، و[[ابن تيمية|شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية]] الفقيه المعروف صاحب [[الفتوى الحموية]]، و[[ابن قيم الجوزية]] صاحب [[زاد المعاد في هدي خير العباد]]، والقاضي والفقيه [[ابن دقيق العيد]]، و[[جمال الدين المزي|الحافظ المزي]] صاحب [[تهذيب الكمال في أسماء الرجال|تهذيب الكمال]]، و[[ابن حجر العسقلاني]] أمير المؤمنين في الحديث صاحب [[فتح الباري|فتح الباري في شرح صحيح البخاري]]، و[[شمس الدين الذهبي]] الحافظ والمؤرخ صاحب [[سير أعلام النبلاء]]، و[[بدر الدين بن جماعة|شيخ الإسلام بدر الدين أبو عبد الله محمد بن جماعة]] الذي سمع الحديث وله مؤلفات فيه وكان بارزاً في علومٍٍ متنوعة، و[[ابن كثير الدمشقي|الحافظ أبي الفداء إسماعيل بن كثير]] صاحب كتاب [[البداية والنهاية]] في التاريخ، و[[تفسير ابن كثير|تفسير القرآن العظيم]] في التفسير، و[[تقي الدين المقريزي|المقريزي]] (1364-1442م) المؤرخ صاحب مدرسةٍ في التأريخ، وأشهر كتبه [[السلوك لمعرفة دول الملوك]] أو «الخطط المقريزية»، و[[ابن تغري|ابن تغري بردي]] صاحب [[النجوم الزاهرة|النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة]]، و[[أبو العباس القلقشندي|القلقشندي]] المؤرخ صاحب كتاب [[صبح الأعشى]]، و[[ابن قدامة|ابن قدامة المقدسي]] أحد أعلام المذهب الحنبلي، ومؤلف [[كتاب المغني]] من أهم الكتب وأفضلها في الفقه المقارن، و[[ابن خلدون]] مؤسس علم الاجتماع، أما بالنسبة [[طب|للمجال الطبي]] فكانت القاهرة ودمشق وحماة من أهم مراكز طب العُيُون في العالم، خرّجت عدداً من الأطباء الأفذاذ ممن كانوا حُجَّة ومرجعاً في هذا العلم مثل خليفة بن أبي المحاسن الحلبي الذي ألَّف كتاب «الكافي في طب العيون» وفيه شرح إجراء عملية الكتاراكت، وأيضاً صلاح الدين بن يوسف من [[حماة]] الذي ألف كتاباً في طب العيون أسماه «نور العيون»،<ref name="14 قرن">[https://books.google.com.eg/books?id=rOfQDQAAQBAJ&pg=PA58&lpg=PA58&dq=14+%D9%82%D8%B1%D9%86+%D9%85%D9%86+%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9+%D8%A8%D9%8A%D9%86+%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82+%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D8%8C+%D9%83%D8%AA%D8%A8+Google&source=bl&ots=ZrBRGka5ix&sig=F5ujA3qq7ebqMWN2INEZe99_ORA&hl=ar&sa=X&ved=0ahUKEwiOxZGcq6rVAhWKWhQKHYxFAqcQ6AEINTAD#v=onepage&q=14%20%D9%82%D8%B1%D9%86%20%D9%85%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9%20%D8%A8%D9%8A%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D8%8C%20%D9%83%D8%AA%D8%A8%20Google&f=false 14 قرن من الصراع بين الشرق والغرب.] عبد الحميد شرف. تاريخ الوصول [[27 يوليو]] [[2017]] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20170728180805/https://books.google.com.eg/books?id=rOfQDQAAQBAJ&pg=PA58&lpg=PA58&dq=14+%D9%82%D8%B1%D9%86+%D9%85%D9%86+%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9+%D8%A8%D9%8A%D9%86+%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82+%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D8%8C+%D9%83%D8%AA%D8%A8+Google&source=bl&ots=ZrBRGka5ix&sig=F5ujA3qq7ebqMWN2INEZe99_ORA&hl=ar&sa=X&ved=0ahUKEwiOxZGcq6rVAhWKWhQKHYxFAqcQ6AEINTAD |date=28 يوليو 2017}}</ref> وفي الملاحة البحرية شاعت مؤلفات وابتكارات [[أحمد بن ماجد]] الذي ألف أرجوزةً في الملاحة يحفظها الربابنة والبحارة لاستذكار تعليمات الإبحار والأنواء، وترك موجزاً في الملاحة النظرية والعملية،<ref name="14 قرن"/> وكان لابن ماجد دورٌ هامٌّ في تطوير البوصلة، فكان أول من ثبّت إبرةً مغناطيسيةً على سنّ، وكانت قبلئذٍ تُحكّ إبرة البوصلة بالمغناطيس ثم وضعها فوق إناءٍ فيه [[ماء]] بحيث تطفو على عودين صغيرين من [[خشب|الخشب]] فتشير إلى الشمال، ولكن بعد اختراع ابن ماجد أصبحت تتحرك حرةً دونما حاجةٍ إلى وعاء الماء.
[[ملف:Madrassa of Sultan Hassan.jpg|تصغير|يمين|صورة ل[[مسجد ومدرسة السلطان الناصر حسن|مسجد ومدرسة السلطان حسن]] أحد أهم المساجد المملوكية، وكان يحتوي على مدرسة؛ للتدريس فيها.]]
[[ملف:Madrassa of Sultan Hassan.jpg|تصغير|يمين|صورة ل[[مسجد ومدرسة السلطان الناصر حسن|مسجد ومدرسة السلطان حسن]] أحد أهم المساجد المملوكية، وكان يحتوي على مدرسة؛ للتدريس فيها.]]
يعود التطور العلمي في الدولة المملوكية لاهتمام سلاطين المماليك بالعلم، وتشجيعهم للعلماء، وهذا لعدة عوامل منها التقوى والزلفى واستخدامها في كبح الدعوة ل[[الشيعة|لمذهب الشيعي]]، ومنها اتخاذ المدرسة لدعم مركزهم في أعين [[شعب|الشعب]]، وقد ألحقت بكل مدرسةٍ خزانة كتبٍ يرجِع إليها المدرسون والطلاب في البحث والاستقصاء، فإذا أتم الطالب دراسته وتأهل للفُتيا والتدريس أجاز له شيخه ذلك وكتب له إجازةً يذكر فيها اسم الطالب وشيخه ومذهبه وتاريخ الإجازة وغير ذلك، كما أن الحياة العلمية في مدارس العصر المملوكي لم تخلُ من ضروب الترويح عن النفس فأقيمت في المدارس بين الحين والآخر حفلات لمختلف المناسبات العلمية كختم البخاري أو الفراغ من تصنيف كتابٍ أو غير ذلك، وكانت الأوقاف والأحباس هي التي ثبتت أركان المدرسة ودعمت نظامها ومكنتها من القيام برسالتها في عصر المماليك. كان تعليم الطلبة مجانيّاً حسبةً لوجه الله إضافةً لضمان المسكن والكساء وبعض المقررات النقدية والعينية الأسبوعية أو الشهرية، إلا أنها كانت في أحيانٍ قليلةٍ تختلف من طالبٍ لآخر وفق ما يراه ناظر الوقف ما يؤدي إلى التحاسد بين الطلبة بسبب نقص مقرر أحدهم عن زميله.
يعود التطور العلمي في الدولة المملوكية لاهتمام سلاطين المماليك بالعلم، وتشجيعهم للعلماء، وهذا لعدة عوامل منها التقوى والزلفى واستخدامها في كبح الدعوة ل[[الشيعة|لمذهب الشيعي]]، ومنها اتخاذ المدرسة لدعم مركزهم في أعين [[شعب|الشعب]]، وقد ألحقت بكل مدرسةٍ خزانة كتبٍ يرجِع إليها المدرسون والطلاب في البحث والاستقصاء، فإذا أتم الطالب دراسته وتأهل للفُتيا والتدريس أجاز له شيخه ذلك وكتب له إجازةً يذكر فيها اسم الطالب وشيخه ومذهبه وتاريخ الإجازة وغير ذلك، كما أن الحياة العلمية في مدارس العصر المملوكي لم تخلُ من ضروب الترويح عن النفس فأقيمت في المدارس بين الحين والآخر حفلات لمختلف المناسبات العلمية كختم البخاري أو الفراغ من تصنيف كتابٍ أو غير ذلك، وكانت الأوقاف والأحباس هي التي ثبتت أركان المدرسة ودعمت نظامها ومكنتها من القيام برسالتها في عصر المماليك. كان تعليم الطلبة مجانيّاً حسبةً لوجه الله إضافةً لضمان المسكن والكساء وبعض المقررات النقدية والعينية الأسبوعية أو الشهرية، إلا أنها كانت في أحيانٍ قليلةٍ تختلف من طالبٍ لآخر وفق ما يراه ناظر الوقف ما يؤدي إلى التحاسد بين الطلبة بسبب نقص مقرر أحدهم عن زميله.
سطر 327: سطر 327:
=== اللُغة والمُصطلحات ===
=== اللُغة والمُصطلحات ===
{{مفصلة|ألقاب ومصطلحات مملوكية}}
{{مفصلة|ألقاب ومصطلحات مملوكية}}
كانت [[اللغة العربية|العربيَّة]] هي اللُغة الأولى السائدة بين جميع أطياف الشعب في العصر المملوكي، أمَّا سلاطين المماليك فقد تحدثوا [[لغات أتراكية|التُركيَّة]] كلُغةٍ أُم، والتُركيَّة المقصودة هُنا هي التُركيَّة القفجاقيَّة المُنقرضة اليوم.<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|محرر1-الأخير=Winter|محرر1-الأول=Michael|محرر2-الأخير=Levanoni|محرر2-الأول=Amalia|عنوان=The Mamluks in Egyptian and Syrian Politics and Society|تاريخ=2004|ناشر=Brill|isbn=9789004132863|مسار= https://books.google.com/books?id=NBBMJJTEoKMC&pg=PA1|صفحة=96|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200216031505/https://books.google.com/books?id=NBBMJJTEoKMC&pg=PA1|تاريخ أرشيف=2020-02-16}}</ref> وعلى الرُغم من أنَّ المماليك البُرجيَّة كانوا شراكسة، فإنهم تحدثوا التُركيَّة كذلك كونها كانت لُغة أسيادهم المماليك البحريَّة، فلقَّنوهم إيَّاها بِمُجرَّد قُدومهم إلى مصر، فكان من نتيجة ذلك أن تترَّك هؤلاء لُغةً وثقافةً.<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|الأخير1=Rabbat|الأول1=Nasser|محرر1-الأخير=Kennedy|محرر1-الأول=Hugh N.|عنوان=The Historiography of Islamic Egypt: (c. 950 - 1800)|تاريخ=2001|ناشر=Brill|isbn=9789004117945|مسار= https://books.google.com/books?id=Y-iu6u8GkvkC&pg=PA60&dq=Mamluk+society&hl=en&sa=X&ved=0ahUKEwjHxtftq6DKAhWGth4KHT-YDK04HhDoAQggMAE#v=onepage&q=kuttab&f=false|الفصل=Representing the Mamluks in Mamluk Historical Writing|صفحة=60|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200213122519/https://books.google.com/books?id=Y-iu6u8GkvkC&pg=PA60&dq=Mamluk+society&hl=en&sa=X&ved=0ahUKEwjHxtftq6DKAhWGth4KHT-YDK04HhDoAQggMAE|تاريخ أرشيف=2020-02-13}}</ref> من جهةٍ ثانية، فإنَّ الفترة التي عاشها العرب في ظل الدولة المملوكيَّة مع غيرهم من الأعراق كالتُرك والشركس والمغول والأرمن، أفضت إلى تأثُّرهم بِثقافهم هذه الأقوام مثلما تأثَّر هؤلاء بِالثقافة العربيَّة، وكان من نتائج هذا التأثير أن ألقت كُل ثقافة بِظلالها على الأُخرى فأوحت إليها ببعض الألفاظ والتعابير الاصطلاحيَّة التي كانت تنمو مع نُموِّ الأزمنة وتخضع لِتطوُّراتها، واستمرَّ بعضها صامدًا في مصر والشَّام إلى اليوم. ومن أبرز تلك المُصطلحات: '''الأعلام''' التي تُستخدم اليوم بِمعنى الرايات، ومعناها الأصلي الرَّاية العظيمة المصنوعة من الحرير الأصفر المُطرَّز بِالذهب وعليها ألقاب السُلطان واسمه.<ref>[[أبو العباس القلقشندي|القلقشندي، أبو العبَّاس أحمد]]. ''[[صبح الأعشى|صُبح الأعشى في صناعة الإنشا]]''. الجُزء الرابع. الطبعة الثانية ([[1340 هـ|1340هـ]] - [[1922]]م). [[دار الكتب والوثائق القومية (مصر)|دار الكُتب المصريَّة]]. [[القاهرة]] - [[مصر]]. صفحة 8</ref> ومنها أيضًا '''الأوباش''' وهو لفظٌ أُطلق في العصر المملوكي والعُثماني على الجماعات المُثيرة لِلشغب والتي كانت تقوم بين الحين والآخر بِأعمال النهب والاعتداء على الآمنين وقطع الطُرق على التُجَّار والوافدين. وكذلك '''[[بقسماط (مسحوق الكعك)|بقسماط]]'''، وهو ضربٌ من الخُبز الجاف المُقطَّع يُستعمل أثناء الطوارئ حين لا يتوفَّر الرغيف الطازج، وما زال هذا المُصطلح يُستخدم في مصر وشمال الشَّام.<ref>الخطيب، مُصطفى عبد الكريم. ''مُعجم المُصطلحات والألقاب التاريخيَّة''. الطبعة الأولى ([[1416 هـ|1416هـ]] - [[1996]]م). صفحة 52 و82 - 83. مُؤسسة الرسالة. [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]</ref> وغير ذلك كثير.
كانت [[اللغة العربية|العربيَّة]] هي اللُغة الأولى السائدة بين جميع أطياف الشعب في العصر المملوكي، أمَّا سلاطين المماليك فقد تحدثوا [[لغات أتراكية|التُركيَّة]] كلُغةٍ أُم<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف=القَلْقَشَنْدِيّ|الأول=ابو العباس القلقشندي|مسار= https://shamela.ws/book/9429|عنوان=صبح الاعشى في صناعة الانشا|تاريخ=|ناشر=دار الكتب العلمية|سنة=١٤٠٧ هـ - ١٩٨٧ م|طبعة=1st|المجلد=1|مكان=بيروت|صفحات=203|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20221203130324/https://shamela.ws/book/9429|تاريخ أرشيف=2022-12-03}}</ref>، والتُركيَّة المقصودة هُنا هي التُركيَّة القفجاقيَّة المُنقرضة اليوم.<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|محرر1-الأخير=Winter|محرر1-الأول=Michael|محرر2-الأخير=Levanoni|محرر2-الأول=Amalia|عنوان=The Mamluks in Egyptian and Syrian Politics and Society|تاريخ=2004|ناشر=Brill|isbn=9789004132863|مسار= https://books.google.com/books?id=NBBMJJTEoKMC&pg=PA1|صفحة=96|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200216031505/https://books.google.com/books?id=NBBMJJTEoKMC&pg=PA1|تاريخ أرشيف=2020-02-16}}</ref> وعلى الرُغم من أنَّ المماليك البُرجيَّة كانوا شراكسة، فإنهم تحدثوا التُركيَّة كذلك كونها كانت لُغة أسيادهم المماليك البحريَّة، فلقَّنوهم إيَّاها بِمُجرَّد قُدومهم إلى مصر، فكان من نتيجة ذلك أن تترَّك هؤلاء لُغةً وثقافةً.<ref group="ْ">{{استشهاد بكتاب|الأخير1=Rabbat|الأول1=Nasser|محرر1-الأخير=Kennedy|محرر1-الأول=Hugh N.|عنوان=The Historiography of Islamic Egypt: (c. 950 - 1800)|تاريخ=2001|ناشر=Brill|isbn=9789004117945|مسار= https://books.google.com/books?id=Y-iu6u8GkvkC&pg=PA60&dq=Mamluk+society&hl=en&sa=X&ved=0ahUKEwjHxtftq6DKAhWGth4KHT-YDK04HhDoAQggMAE#v=onepage&q=kuttab&f=false|الفصل=Representing the Mamluks in Mamluk Historical Writing|صفحة=60|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200213122519/https://books.google.com/books?id=Y-iu6u8GkvkC&pg=PA60&dq=Mamluk+society&hl=en&sa=X&ved=0ahUKEwjHxtftq6DKAhWGth4KHT-YDK04HhDoAQggMAE|تاريخ أرشيف=2020-02-13}}</ref> من جهةٍ ثانية، فإنَّ الفترة التي عاشها العرب في ظل الدولة المملوكيَّة مع غيرهم من الأعراق كالتُرك والشركس والمغول والأرمن، أفضت إلى تأثُّرهم بِثقافهم هذه الأقوام مثلما تأثَّر هؤلاء بِالثقافة العربيَّة، وكان من نتائج هذا التأثير أن ألقت كُل ثقافة بِظلالها على الأُخرى فأوحت إليها ببعض الألفاظ والتعابير الاصطلاحيَّة التي كانت تنمو مع نُموِّ الأزمنة وتخضع لِتطوُّراتها، واستمرَّ بعضها صامدًا في مصر والشَّام إلى اليوم. ومن أبرز تلك المُصطلحات: '''الأعلام''' التي تُستخدم اليوم بِمعنى الرايات، ومعناها الأصلي الرَّاية العظيمة المصنوعة من الحرير الأصفر المُطرَّز بِالذهب وعليها ألقاب السُلطان واسمه.<ref>[[أبو العباس القلقشندي|القلقشندي، أبو العبَّاس أحمد]]. ''[[صبح الأعشى|صُبح الأعشى في صناعة الإنشا]]''. الجُزء الرابع. الطبعة الثانية ([[1340 هـ|1340هـ]] - [[1922]]م). [[دار الكتب والوثائق القومية (مصر)|دار الكُتب المصريَّة]]. [[القاهرة]] - [[مصر]]. صفحة 8</ref> ومنها أيضًا '''الأوباش''' وهو لفظٌ أُطلق في العصر المملوكي والعُثماني على الجماعات المُثيرة لِلشغب والتي كانت تقوم بين الحين والآخر بِأعمال النهب والاعتداء على الآمنين وقطع الطُرق على التُجَّار والوافدين. وكذلك '''[[بقسماط (مسحوق الكعك)|بقسماط]]'''، وهو ضربٌ من الخُبز الجاف المُقطَّع يُستعمل أثناء الطوارئ حين لا يتوفَّر الرغيف الطازج، وما زال هذا المُصطلح يُستخدم في مصر وشمال الشَّام.<ref>الخطيب، مُصطفى عبد الكريم. ''مُعجم المُصطلحات والألقاب التاريخيَّة''. الطبعة الأولى ([[1416 هـ|1416هـ]] - [[1996]]م). صفحة 52 و82 - 83. مُؤسسة الرسالة. [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]</ref> وغير ذلك كثير.


== العمارة ==
== العمارة ==
اهتم حُكَام الدَولة المَمْلُوكِية بالعِمَارة، وخَاصة [[الناصر ناصر الدين محمد بن قلاوون|الناصر محمد بن قلاوون]] والذي أَكثر مِنْ بِنَاء العَمائِر حَيْثُ يُعَد عصرُه من أزْهى عُصور الدَوْلة المَمْلُوكِيَة، ومِن أَهم مُنشآته في مَدينَة [[القاهرة|القَاهِرَة]] المَيدان العَظيم، والقصر الأَبْلق ب[[قلعة صلاح الدين الأيوبي (القاهرة)|القَلْعة]]، والإيوان ومَسْجِد القَلْعَة، والمَيْدان الناصري، وبُسْتَان بَاب اللوق، وقَناطِر السباع، ومن بَيْن الأَعْمالِ العَظيمَة التَي أُنجزت في عَصْر الناصِر مُحَمَّد حَفْر قَناة مِنْ [[الإسكندرية]] إلى [[فوة (توضيح)|فوة]]، وبِذَلك أَعادَ وَصْلَ الإسْكَنَدَرِيَة بِالنيل، وبَلَغَ اهْتِمامُ النَاصِر بالعِمارَة أَنْ أَفْرَدَ لَها ديوانًا، وبَلَغَ مَصْروفُها كُل يَوْمٍ اثْني عشر أَلْف دِرْهَم،<ref name="الحضارة"/> وقد تمثلت العمارة في الدولة المملوكية عامة في [[مسجد|المساجد]]، و[[قبر|القبور]]، وبالنسبة لعمارة المساجد في الدولة المملوكية فقد احتفظت بالتقاليد السابقة الموجودة في الدول السابقة للدولة المملوكية؛ فهي مؤلَّفة من صحن مكشوف تحفُّ به أربعة أروقة، ومن حرم مغطى، وقد أخرجت لنا العمارة المملوكية العديد من المساجد الشهيرة منها: مسجد بيبرس الأوَّل، والذي تم إنشاؤه عام [[667 هـ]] الموافق [[1269]]م، وهو من أقدم المساجد المملوكية، وبالنسبة لآخر مسجد مملوكي هو مسجد السلطان مؤيد، والذي تم إنشاؤه [[854 هـ]] الموافق [[1450]]م، وقد تم إنشاء العديد من المساجد المهمة، ومنها مسجد السلطان قلاوون، والذي تم إنشاؤه عام [[684 هـ]] الموافق [[1285]]م، وهذا المسجد يُعدُّ من أهمِّ المساجد المملوكيَّة وأجملها، وهو مجموعةٌ معماريَّةٌ تتضمَّن بيمارستانًا، ومسجدًا أُلحقت به مقصورات للطلاب، ثم ضريح السلطان، وتبدو واجهة هذه الأبنية شديدة الزخارف مؤلَّفة من مشاكٍ عالية ذات أقواسٍ منكسرة، وهناك أيضا مسجد ومدرسة السلطان حسن الذي أنشأ عام [[764 هـ]] الموافق [[1363]]م، والذي يعد نموذجًا معماريًّا متميِّزًا، حيث يقوم البناء على سطح منحدر، يبدو بمدخله الفخم وقد سبقه درج يوصل إلى دهليز يُؤدِّي إلى الصحن المربَّع الشكل، تنفتح من جهاته الأربع إيوانات ذات قبَّةٍ منكسرة، ولكن الإيوان المجابه للمدخل هو الأوسع، وفيه محراب القبلة، وفي وسطه مقصورة مرفوعة، وإلى جانبي المحراب بابان يصلان الحرم بصالةٍ كبرى ذات قبَّة؛ هي مدفن السلطان حسن، وتتَّصل الأواوين الجانبيَّة بغرفٍ ومقصوراتٍ تُشكِّل مدرسةً بذاتها، تسمح بإقامة الطلاب وبدراستهم، وتنهض في مقدِّمة البناء مئذنتان، وهناك في [[دمشق]] و[[حلب]] مساجد تعود إلى ذلك العصر أنشأها نوَّاب السلطان، منها جامعي تنكز ويلبغا في دمشق، وفي حلب جامع الطنبغا وجامع الأطروش (أقبغا)،<ref name="العمارة">[https://islamstory.com/-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86%D9%88%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%B9%D9%87%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%83 العمارة والفنون في عهد المماليك، موقع قصة الإسلام] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20200607191556/https://islamstory.com//|date=2020-06-07}}</ref> وبالنسبة لمآذن الجوامع المملوكية فقد اهتمَّ المعمار عمومًا بتزيين المآذن بالمقرنصات أو بالقيشاني، وغيرها، وقد ظهرت المئذنة المزدوجة الرؤوس كما في مئذنة الغوري في [[الجامع الأزهر]]، وتُزيِّن المساجد المملوكية سقوف مدهونة وزجاج ملوَّن في النوافذ، وتنزيل الرخام في الجدران، مع تبليطات هندسيَّة، كما تُزيِّن واجهات هذه الأبنية كسوات رخامية أو حجرية حمراء أو بيضاء، ومحاريب شاقولية ومقرنصات، ويتميَّز مسجد قايتباي أيضا بمزايا زخرفيَّة متميِّزة.  
اهتم حُكَام الدَولة المَمْلُوكِية بالعِمَارة، وخَاصة [[الناصر ناصر الدين محمد بن قلاوون|الناصر محمد بن قلاوون]] والذي أَكثر مِنْ بِنَاء العَمائِر حَيْثُ يُعَد عصرُه من أزْهى عُصور الدَوْلة المَمْلُوكِيَة، ومِن أَهم مُنشآته في مَدينَة [[القاهرة|القَاهِرَة]] المَيدان العَظيم، والقصر الأَبْلق ب[[قلعة صلاح الدين الأيوبي (القاهرة)|القَلْعة]]، والإيوان ومَسْجِد القَلْعَة، والمَيْدان الناصري، وبُسْتَان بَاب اللوق، وقَناطِر السباع، ومن بَيْن الأَعْمالِ العَظيمَة التَي أُنجزت في عَصْر الناصِر مُحَمَّد حَفْر قَناة مِنْ [[الإسكندرية]] إلى [[فوة (توضيح)|فوة]]، وبِذَلك أَعادَ وَصْلَ الإسْكَنَدَرِيَة بِالنيل، وبَلَغَ اهْتِمامُ النَاصِر بالعِمارَة أَنْ أَفْرَدَ لَها ديوانًا، وبَلَغَ مَصْروفُها كُل يَوْمٍ اثْني عشر أَلْف دِرْهَم،<ref name="الحضارة"/> وقد تمثلت العمارة في الدولة المملوكية عامة في [[مسجد|المساجد]]، و[[قبر|القبور]]، وبالنسبة لعمارة المساجد في الدولة المملوكية فقد احتفظت بالتقاليد السابقة الموجودة في الدول السابقة للدولة المملوكية؛ فهي مؤلَّفة من صحن مكشوف تحفُّ به أربعة أروقة، ومن حرم مغطى، وقد أخرجت لنا العمارة المملوكية العديد من المساجد الشهيرة منها: مسجد بيبرس الأوَّل، والذي تم إنشاؤه عام [[667 هـ]] الموافق [[1269]]م، وهو من أقدم المساجد المملوكية، وبالنسبة لآخر مسجد مملوكي هو مسجد السلطان مؤيد، والذي تم إنشاؤه [[854 هـ]] الموافق [[1450]]م، وقد أُنشئت العديد من المساجد المهمة، ومنها مسجد السلطان قلاوون، والذي تم إنشاؤه عام [[684 هـ]] الموافق [[1285]]م، وهذا المسجد يُعدُّ من أهمِّ المساجد المملوكيَّة وأجملها، وهو مجموعةٌ معماريَّةٌ تتضمَّن بيمارستانًا، ومسجدًا أُلحقت به مقصورات للطلاب، ثم ضريح السلطان، وتبدو واجهة هذه الأبنية شديدة الزخارف مؤلَّفة من مشاكٍ عالية ذات أقواسٍ منكسرة، وهناك أيضا مسجد ومدرسة السلطان حسن الذي أنشأ عام [[764 هـ]] الموافق [[1363]]م، والذي يعد نموذجًا معماريًّا متميِّزًا، حيث يقوم البناء على سطح منحدر، يبدو بمدخله الفخم وقد سبقه درج يوصل إلى دهليز يُؤدِّي إلى الصحن المربَّع الشكل، تنفتح من جهاته الأربع إيوانات ذات قبَّةٍ منكسرة، ولكن الإيوان المجابه للمدخل هو الأوسع، وفيه محراب القبلة، وفي وسطه مقصورة مرفوعة، وإلى جانبي المحراب بابان يصلان الحرم بصالةٍ كبرى ذات قبَّة؛ هي مدفن السلطان حسن، وتتَّصل الأواوين الجانبيَّة بغرفٍ ومقصوراتٍ تُشكِّل مدرسةً بذاتها، تسمح بإقامة الطلاب وبدراستهم، وتنهض في مقدِّمة البناء مئذنتان، وهناك في [[دمشق]] و[[حلب]] مساجد تعود إلى ذلك العصر أنشأها نوَّاب السلطان، منها جامعي تنكز ويلبغا في دمشق، وفي حلب جامع الطنبغا وجامع الأطروش (أقبغا)،<ref name="العمارة">[https://islamstory.com/-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86%D9%88%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%B9%D9%87%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%83 العمارة والفنون في عهد المماليك، موقع قصة الإسلام] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20200607191556/https://islamstory.com//|date=2020-06-07}}</ref> وبالنسبة لمآذن الجوامع المملوكية فقد اهتمَّ المعمار عمومًا بتزيين المآذن بالمقرنصات أو بالقيشاني، وغيرها، وقد ظهرت المئذنة المزدوجة الرؤوس كما في مئذنة الغوري في [[الجامع الأزهر]]، وتُزيِّن المساجد المملوكية سقوف مدهونة وزجاج ملوَّن في النوافذ، وتنزيل الرخام في الجدران، مع تبليطات هندسيَّة، كما تُزيِّن واجهات هذه الأبنية كسوات رخامية أو حجرية حمراء أو بيضاء، ومحاريب شاقولية ومقرنصات، ويتميَّز مسجد قايتباي أيضا بمزايا زخرفيَّة متميِّزة.  
<div align="center"><gallery widths="160">
<div align="center"><gallery widths="160">
<gallery>
<gallery>

قائمة التصفح