تضامنًا مع حق الشعب الفلسطيني |
تاريخ اللغة التركية
يفتقر محتوى هذه المقالة إلى الاستشهاد بمصادر. (فبراير 2016) |
إن اللغة التركية المتداولة الآن ترجع أقدم نصوصها إلى نهايات القرن السابع وبدايات القرن الثامن الميلادي، وقد وجدت منقوشة فوق نُصُب حجرية بالحروف الـگوك تركية بالخط المسماري. ومنذ ذلك التاريخ ونحن يمكننا أن نتتبع تطورات اللغة التركية، ولقد تم تتابع اكتشاف نصب تذكارية منقوشة منذ عصور الگوك ترك والأيغور في وديان ينيسي وأورخون وحوض نهر طاريم حيث تم اكتشاف لغة مكتوبة على الورق في منطقة طورفان وخوجو، وكذلك تم اكتشاف ألواح خشبية عليها كتابات في نفس المنطقة. وإذا كان الأويغور فيما بين القرن التاسع إلى الثالث عشر قد تعرفوا على الحضارة الهندية في حوض نهر طاريم وأنتجوا أدباً ثرياً مكتوباً، فإن للگوك ترك أيضاً نتاجهم الخاص بهم والمتمثل في كتابات أورخون أيضاً. لقد كانت اللغة المستخدمة في نقوش أورخون على نهر ينيسي ثم في حوض طاريم وأخيراً في ضواحي كاشغر وبالاصاغون هي نفس اللغة تقريباً مع فروق بسيطة من ناحية الصوت والقواعد وإن كان الاختلاف الثقافي والحضاري قد أدى بالضرورة إلى اختلاف في المعجم اللفظي، كما ان تلك اللغة لم تكن تحمل خصائص اللغة التركية كاملة، بل حدث فيها تغيير على نظام اللواحق والبناء القواعدي والمفاهيم المجردة وتغيرت مفاهيم بعض الأقوال وتعمقت ونضجت حتى وصلت أخيراً إلى لغة كتابة. إذا كانت النصوص الأويغورية بها ألفاظاً ترجع إلى اللغة الهندية والديانة البوذية، ففى النصوص القراخانية نًشاهد بكثرة مفردات فارسية وعربية ترجع إلى هاتين اللغتين والحضارة الإسلامية، وإذا كان الأتراك المعاصرون على امتداد الساحة الممتدة من مغوليستان حتى شمال البحر الأسود وشرق أوروبا وفي الجنوب في الأناضول وبعض العراق يتحدثون اللغة التركية الآن، فان هذه اللغة هي استمرار وامتداد لتلك اللغة المستخدمة في نقوش أورخون والأويغور والتي تعرف باللغة التركية القديمة.
كما ظهر نتيجة لالتفاف الأتراك الغز حول السلاجقة منذ ما قبل القرن الحادي عشر في خرسان وإيران وأذربيجان ثم في العراق والأناضول وسوريا وحتى القرن الثالث عشر امتدت إلى البلقان تلك اللغة أو تللك اللهجة التي تسمى «التركية الغربية» وهي بدورها امتداد لتلك اللغة القديمة مع فوارق بسيطة وغير شاسعة. وعلى الرغم من هذا التنوع، فان لغات الترك متقاربة في بنيتها النحوية تقارباً بعيداً وتتفق هذه اللغات في المعجم الأساسى المشترك بصورة تسمح في حالات كثيرة أن يتفاهم أبناء بعض اللغات، وكأنهم أبناء لهجات مختلفة للغة الواحدة، ومع هذا كله، فإن من الممكن تصنيف اللغات التركية إلى عدة مستويات لغوية، وفروع لغوية اعتماداً على الخصائص اللغوية المتاحة لاكثر اللغات التركية.
بدايات اللغة التركية
لم يُطلق اسم «الترك Türk» في العصور الأولى على مجتمع بعينه، بل يستخدم كمصطلح سياسي للتدليل على المنتسبين للمكان، وأول ما نُصادف هذا الاسم كان تعبيراً عن دولة «الگوك ترك»، ثم أصبح اسماً مشتركاً لكل التجمعات البشرية التي في هذا النطاق، ومع مرور الزمن أصبح اسماً مشتركاً لكل التجمعات المنحدرة من صلب وسلالة الترك. تطلق المصادر المختلفة معانى مختلفة لكلمة ترك، فبعضها يعطيها معنى التكامل والمؤرخون بصفة عامة يقبلوها على انها مرادف للقوة والمتانة وبعض المصادر الأخرى توضح أن هذه الكلمة تعتبر«لقباً» لمن ينحدر من سلالة «الخاقانات» ثم صارت تطلق على الأقوام الذين يشتركون في الموقع الجغرافي والمنشأ العرقي. تُرجع كل المصادر المعتمدة على الحفريات الأثرية تاريخ ظهور الترك على مسرح التاريخ إلى خمسة آلاف أو أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، ولكن هذه الاكتشافات الأثرية لا يمكن ان تكون كافية لتكوين موقف تجاه تطور الوضع الحضاري والثقافي للمنطقة. كانت آسيا الوسطى مسرحاً للعديد من الحركات الثقافية طوال قرون عديدة، كما شهدت هذه الساحة تشكيل أول إمبراطورية تركية وتوسعاتها الكبيرة وسيطرتها على كتل بشرية عديدة، ويعد قوم «الهون» هم أول من تحدث التركية وهم نفس القوم الذين يطلق عليهم الصينيون «هيونج- نو»، وتعد دولة الهون من أطول الدول التي أسست أسرة ودولة بين الترك، ولم يزد عليهم سوى العثمانيين. وتُرجع بعض المراجع تاريخ الهون أو آلـ (هيونج – نو) إلى ما قبل القرن الثاني وأن موطنهم الأول كان ممتداً فيما بين مغولستان الحالية وجبال آلتاى وهناك معلومات مفصلة عنهم منذ القرن الثامن قبل الميلاد وأنهم قد وصلوا حتى نهر (هوانج- هو) في أعماق الصين.
تعتبر المراجع الصينية الخاقان «طويو- ماو» أو «تيومان» حسب النطق التركي؛ هو أول إمبراطور للهون، وقد وصل إلى السلطة حوالى 220 ق.م، وهو الذي حاول جمع الترك تحت علم واحد. وألقى الأسس أو اللبنات الأولى في بناء إمبراطورية كبيرة، وفي سنة 209 ق.م انتقلت السلطة إلى «مته» ابن «تيومان» الذي يطلق عليه الأتراك «بهادر» الذي تعده الدراسات التركية أول من أرسى مبدأ «أن الأرض هي أساس بناء الأمة» عند التحدث عن المبادئ القومية وبناء الأمة. «أما فيما يتعلق بالخصائص اللغوية للغة الهون التي وجدت في المصادر الصينية فقد كُتبت بالغة الصينية ووفقاً لأحد الباحثين فإن عدد هذه الكلمات الغير مفهوم معناها والتي يُعد أغلبها أسماء خاصة أو ألقاب هو 190 لفظة. أما في المصادر الأجنبية المختلفة فإنه يوجد 30-40 لفظة، وجملة مكونة من عدة كلمات، وترجمة لقصيدة رثاء كتبوا باللغة الهونية.» أغلب الكلمات كانت عبارة عن مصطلحات عسكرية وكلمات بأسامي منظمات الدولة؛ وقد حاول «نيمث» توضيح الكلمات الهونية الموجودة في المصادر المختلفة كما أراد «طلعت تكين» في بحثه المسمى بـ«لغة الهونيين» توضيح الكلمات التي بقيت من اللغة الهونية بلغة تركية، وذكر انه حتى يومنا هذا يوجد عشر نظريات حول لغة وهوية «الهيونج – نو» الذين أسسوا إمبراطورية استمرت لمدة سبعمائة عام. وكانت أكثر هذه النظريات تأيداً للهون هي تلك التي تؤكد انهم انحدروا من أصل تركى كما أكدت انهم كانوا يتحدثون اللغة التركية القديمة. وهناك الكثير من الباحثين يعتبرون اللغة الهونية فرع منفصل عن عائلة اللغة التركية ولا يعدونها مرحلة من مراحل تطور اللغة التركية، مؤسسين رابطة بين لغة الهون الشرقيين والياقوتيين. ولكن هناك علماء لغة أيضاً يريدون تأسيس رابطة بين اللغة الهونية واللغة البلغارية والخزرية والجوواشية القديمة. تعد كتابات أورخون وينيسي أقدم النصوص التركية التي وصلت إلينا والتي يرجع تاريخها إلى القرن الثامن عشر الميلادي وقد وجدت منقوشة فوق نصب حجرية بالحروف الگوك تركية بالخط المسماري. ومنذ ذلك التاريخ يمكننا تتتبع تطورات اللغة التركية، حيث تم تتابع اكتشاف نُصب تذكارية منقوشة منذ عصور الگوك ترك والأويغور في وديان ينيسى وأورخون وحوض نهر طريم كما تم اكتشاف لغة مكتوبة على الورق في منطقة طورفان وخوجو وكذلك تم اكتشاف ألواح خشبية عليها كتابات في نفس المنطقة وبالإضافة إلى ذلك يوجد نص بوذي يسمى "Nirvana Sutra" تُرجم إلى التركية في القرن السادس إلا انه لم يصل إلينا بعد. وعلى الرغم من ان بداية استخدام اللغة التركية كلغة كتابة غير معروف نظراً لعدم وجود نصوص مكتوبة ترجع لفترات أبعد من القرن السادس، إلا انه من الواضح ان اللغة التركية تحمل خصائص لغة ترجع لعصور سحيقة. يرى بعض اللغويين أن اللغة التركية تطورت بصعوبة جداً لكى تصل لمثل هذا المستوى القوى والنموذجى ولدراسة تطورها اللغوي لابد من دراسة تاريخ تشكل اللغة بداية من هذه الكتابات وحتى الآن. كما أشار بعض الباحثين في علم الآثار- مستندين على الأدلة والنتائج التي توصلوا إليها من خلال عمليات الحفر في السنوات الأخيرة- إلى أن اللغة التركية استخدمت كلغة كتابة في قرون قبل الميلاد. ولقد انتشرت اللغة التركية على نطاق واسع من حيث مجال وأوقات انتشارها منذ عهد الگوك ترك وحتى يومنا هذا وقد شمل هذا الإتساع ثقافات مختلفة تعرضت من خلاله اللغة إلى فترات ومراحل تطور مختلفة.
اللغة التركية القديمة
يطلق مسمى «اللغة التركية القديمة» على اللغة التركية في الفترة التي تشمل العصور ما بين القرن السادس وحتى القرن الحادى عشر بداية من كتابات أورخون ومتضمنة حقبة الأويغوريين. إلا أن لغة النصوص التركية الإسلامية الأولى التي تتصف بها اللغة القرة خانية والتي ترجع للقرن الثانى والثالث عشر قام بعض اللغويين بضمها إلى حقبة اللغة التركية القديمة. هناك من يصف حقبة اللغة التركية القديمة بحقبة الأويغوريين نظراً لأن أغلب النصوص التي ترجع لهذه الحقبة كُتبت في عهد الأويغوريين وبالحروف الأويغورية. كانت أسيا الوسطى هي النطاق الذي انتشرت فيه اللغة التركية في عهد التركية القديمة، وتشتمل اللغة التركية القديمة لغة الگوك ترك الذي استمر حكمهم في الفترة بين 552-745، ولغة الأويغوريين الذين أنهوا حكم الگوك ترك عام 745 وأحتلوا مكانهم، وبذلك تنقسم اللغة التركية القديمة إلى فرعين وهما الگوك ترك والاويغوريين.
عهد الگوك ترك
أقام الگوك ترك مع جيرانهم بالشرق والغرب العديد من العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية ولقد تعرض الگوك ترك أحياناً لبعض التأثيرات الأجنبية بسبب هذا النوع من التبادل المشترك على نطاق واسع، وكانت النتيجة الطبيعية لتلك العلاقات دخول بعض العناصر الأجنبية إلى اللغة، ولكن هذه العناصر كانت عبارة عن بعض الألقاب والأسامي وكلمات تخص المناصب الإدارية ولذلك لم تترسخ في اللغة بشكل تام، حيث ظلت كعنصر أجنبي دائماَ. ونتيجة لذلك بقيت لغة الگوك ترك لغة خالصة وواضحة من حيث خصائص علم الأصوات والنحو والحاصلة اللغوية.
وهناك احتمال كبير أن اشتقاق الأسم قد نبع من العبارة التي يرددها " Bilge Kağan" – مؤسس نقوش أورخون- والتي كان يقول فيها: «أنا بلگه التركي الذي خُلق في السماء مثل إله السماء». وهناك احتمال آخر؛ أن يكون هذا الأسم كان لأحد عشائر «أبناء إجينيا» الذين أسسوا إمبراطورية الهون. وتعد الكتابات التي وصلت إلينا وترجع لحقبة الگوك ترك بوجة عام عبارة عن وثائق كُتب أغلبها فوق ألواح حجرية بمنطقة أورخون ويني سي وتسمى «كتابات گوك ترك» أو «شواهد أورخون». تظهر هذه الشواهد من خلال ثلاثة أنصبة تذكارية كبيرة على شاكلة شواهد قبور نُصبت لــ"Tonyukuk" عام 725، ولــ"Kül Tigin" عام 734، ولــ" Bilge Kağan" عام 735. ذلك بلإضافة لشواهد أخرى كثيرة وذات أبعاد أصغر، يعتقد انها ترجع للقرن السابع، وقد وجدت أيضاً بمنطقة يني سي.
أبجدية الگوك ترك
تعد أبجدية الگوك ترك أول أبجدية كُتبت للغة التركية. وعلى الرغم من الدراسات التي أجريت منذ وجدت كتابات الگوك ترك الا انه لم يتم التوصل إلى نتيجة قاطعة وحاسمة بشأن نشأة أبجدية الگوك ترك المعروفة باسم «الكتابة التركية الرونيكية القديمة» وسبب إطلاق مسمى رونيك على هذه الكتابات هو التشابة بيها وبين الكتابة المسماة بــ«الأبجدية الرونيكية» التي أُستخدمت حروفها في كتابات اسكنديناف القديمة. تُقيّم أبجدية الگوك ترك على انها شكل أخذ الطابع التركى، بالإضافة إلى ان هناك وجة نظر أخرى ترى أن كتابات گوك ترك ذات أصل آرامى وصبغوها الأتراك بالصبغة التركية. إن أغلب ما وصل إلينا من هذه الكتابة التي تعد أقدم كتابة تركية كان منقوش على الحجر والخشب ومكتوب من اليمين إلى اليسار ومن أعلى إلى أسفل. تتكون ابجدية الگوك ترك من 38 حرفاً، أربعة منهم صوائت والباقى عبارة عن صوامت وعلامات مقاطع صوتية. وكل حرف من الأربعة الصائتة يعبر عن صوتين مختلفين ومن الصعب التمييز بين المستدير المبسوط والمستدير المقبوض في هذه الكتابة. ولذلك فان التمكن من قراءة بعض الكلمات بشكل صحيح كان مرتبط بالمعرفة المسبقة لهذه الكلمات.
عهد الأويغوريين
ظهر الأويغوريون في الحياة السياسية بعد انهيار دولة الگوك ترك، حيث انتقلوا إلى الحياة المدنية المستقرة بدلاً من الحضارة المهاجرة وتم قبولهم كأول ممثلين للحضارة التركية المدنية، وقد شكل أتراك الأيغور لغة مكتوبة على نطاق واسع من خلال الكتابة المعروفة بكتابة الأويغور. ويعد أتراك الأويغور أقواماً مختلفة كثيرا نسباً إلى الگوك ترك فقد كانت الصفة التي تميزهم كمجتمع هي بعدهم عن السمات أو الصفات التركية وقد كانت لغتهم منفتحة على التأثيرات الثقافية للأقوام الأخرى بسبب العلاقات الثقافية والتجارية التي أسسوها معهم. ولذلك اعتنق اتراك الأويغور ديانات مختلفة مثل البوذية وألمانية والبرهمية، كما أخذوا الكتابات والمصطلحات الخاصة بهذه الديانات وقاموا باستخدامها، ولهذا السبب فإن جزء كبير من النصوص التي ظلت من العهد الأويغوري عبارة عن نصوص دينية يتعلق معظمها بالبوذية، بالإضافة إلى ذلك يوجد وثائق متنوعة أدبية وطبية. وقد دخلت الكثير من الكلمات المأخوذة من اللغة السنسكريتية والصينية للغة الكتابة الأويغورية. وقد قام الأويغوريين باستخدام هذه الكلمات الأجنبية التي أخذوها من الثقافات التي ظلوا تحت تأثيرها، إما بإيجاد مقابل تركي لهذه اللفظة الأجنبية، وإما بإضافة مشتقات لها متوافقة مع البنية الصوتية للتلفظ التركي، وبذلك أصبحت الخزينة اللغوية غنية بتلك المفردات الجديدة التي أدخلوها للغة. وقد استمرت لغة الكتابة الإويغورية حتى القرن الرابع عشر الميلادي.
أبجدية الأويغوريين
كانت الأبجدية الأويغورية أهم أبجدية استخدمت بعد أبجدية الگوك ترك وقبل الأبجدية العربية،" وقد استخدم الأويغوريون العديد من الخطوط مثل الخط البراهيمى والصغدى وألماني، أما الخط الأويغوري أو الأبجدية الأيغورية فهى مشتقة من الخط الصغدي ولكنها أكثر تطوراً وسهولة منه. لم تكن الأبجدية الأويغورية صالحة للكتابة التركية على الإطلاق، فعلى سبيل المثال نجد في هذه الكتابة ان حرف الـ vav فقط كان يعبر عن الأربع حروف الصائتة المستديرة o/ö/u/ü ، بالإضافة إلى ان حرف الــ ye كان يعبر عن الصوتين ı/i في نفس الوقت، مما جعل هذه الأبجدية لا تعكس بشكل كامل الأصوات الموجودة في اللغة التركية. وبالرغم من أن هذا الخط لا يغطى احتياجات اللغة التركية، فانه ظل مستعملاً من قبل الأتراك فترة طويلة. فمعظم المخطوطات الأوريغورية المتعلقة بالديانات البوذية التي انتشرت بين الأويغور في تركستان الشرقية- ولمدة أربعمائة سنة منذ منتصف القرن التاسع - كلها كانت مكتوبة بالخط الأويغوري. «وبالإضافة إلى ذلك فلقد ظلت الكتابة الأويغورية محتفظة بأهميتها لسنوات طويلة حتى بعد دخول الاتراك الإسلام، كما كتبت بعض المؤلفات الإسلامية بهذه الكتابة، كما استخدمت أيضا بين أتراك الأناضول، إلا انها فقدت أهميتها أمام التأثير القوى للحضارة الإسلامية وحل محلها الأبجدية العربية.»
اللغة التركية الوسطى
يطلق مسمى " اللغة التركية الوسيطة" على لغة الكتابة التركية التي توضح التطور في آسيا الوسطى فيما بين القرنين الحادي عشر والخامس عشر. وقد سميت اللغة التركية لهذه الفترة بـ " تركية آسيا الوسطى المشتركة"، كما كان من نتاجها آثار مهمة مثل كتاب "قوتادغو بيليگ" وكتاب "عتبة الحقائق. كان هذا العصر يمتاز بانتشار الاقوام التركية على نطاق واسع، وهكذا ومع بدايات القرن الثانى عشر بدأت تتكون لهجات تركية مختلفة مع هجرة الاقوام التركية نحو الغرب، وانتشارهم في مناطق جغرافية مختلفة. واعتباراُ من القرن الثالث عشر بدأت تظهر لغة مكتوبة تبين الفروق الواضحة بين اللهجات المختلفة حيث قُسمت إلى اللغة التركية الشرقية، واللغة التركية الغربية، واللغة التركية الشمالية، واللغة التركية الجنوبية." وعلى الرغم من هذا التنوع، فان لغات الترك متقاربة في بنيتها النحوية تقارباً بعيداً وتتفق هذه اللغات في المعجم الأساسى المشترك بصورة تسمح في حالات كثيرة أن يتفاهم أبناء بعض اللغات، وكأنهم أبناء لهجات مختلفة للغة الواحدة." لقد كان أهم ما يميز فترة اللغة التركية الوسيطة هي انها تطورت في ظل حضارة جديدة، هي الحضارة الإسلامية حيث أحدث دخول الأتراك في الإسلام الكثير من التغيرات في أنماط الحياة، ونتيجة لذلك تولد نتاج حضاري مستقر، كما دخلت للغة مصطلحات جديدة كالجوامع والمساجد والمدارس الدينية، بالإضافة إلى ذلك حدثت تطورات مهمة في المفردات اللغوية للغة التركية في هذه الفترة، فبينما كانت اللغة التركية القديمة تستمد أغلب مفرداتها من لغة شعوب آسيا الوسطى والصينيين، كانت اللغة التركية الوسيطة تستمد مفرداتها من اللغة العربية والفارسية، وأصبحت اللغة العربية لغة الدين واللغة الفارسية لغة الكتابة، كما كان يتم تعليم هاتين اللغتين في المدارس، وكان العلماء والفنانون والكتاب يكتبون نتاجهم الأدبى باللغة العربية والفارسية.
اللهجة التركية القرة خانيه
بدأت الدول التركية تدريجياً الانفصال عن الساحات الثقافية القديمة والدخول في الساحة الجديدة مع اعتناق الأتراك للإسلام في القرن العاشر، حيث أغلقوا الفترة التي كان يطلق على اللغة التركية بها بالتركية القديمة وبدأت فترة جديدة تظهر التطور الذي حدث تحت تأثير الحضارة والثقافة الإسلامية اعتباراً من القرن الحادي عشر. قَبِلَ الحاكم القرة خاني «عبد الكريم صادوق بغرا خان» الإسلام كدين رسمي للدولة عام 940م، وبذلك يكون قد أسس أول دولة تركية مسلمة، ومع فتوحات الدولة القرة خانية على نطاق واسع بدأت اللغة التركية القرة خانية -التي تعد تطوراً للغة التركية القديمة- في الانتشار داخل حدود تلك البلاد المفتوحة إلى جانب انتشار الأدب التركي الإسلامي. كانت الدولة القرة خانيه تجاور من الشرق دولة الأويغور التي تؤمن بالبوذية، وأحياناً ما كانت تحدث بينهما معارك وحروب بسبب الاختلاف بينهما في الدين، ولكنهم كانوا مايزالون يتحدثوا معهم بنفس اللغة، فعلى الرغم من ان القرة خانيين كانوا يدخلون في نطاق ثقافي جديد بسبب اعتناقهم الإسلام، إلا انهم كانوا مايزالون مستمرين في تعقب أثار الثقافة القديمة، ولذلك فان لغة الأدب القرة خانية تحمل خصائص لغة نشأت من المزج بين خصائص اللغة الأويغورية والثقافة الإسلامية. وعلى الرغم من عدم وجود مؤلفات كثيرة مكتوبة باللغة القرة خانية إلا ان المؤلفات التي وصلت إلينا تعبر بدرجة كافية عن اللغة المستخدمة في ذلك العصر، حيث يتضح من خلالها قوة وسلاسة اللغة التركية القرة خانية، ومن ضمن هذه المؤلفات نجد كتاب «قوتادغو بيليگ» وكتاب «عتبة الحقائق» وقاموس «ديوان لغات الترك». وعند النظر إلى قاموس «ديوان لغات الترك» نجده قد كُتب باللغة العربية، ومع ذلك فقد أظهر القيمة الكبيرة التي اكتسبتها اللغة التركية في ذلك العصر، وذلك لأن مؤلفه محمود الكشغري قد كتبه باللغة العربية بهدف إعلاء شأن الأمة التركية وتوضيح ان اللغة التركية ليست متأخرة عن اللغة العربية كما كان يهدف إلى تعليم اللغة التركية للعرب. ولقد كانت الأبجدية العربية أكثر الأبجديات التي استخدمها الاتراك انتشارا والأطول في مدة تداولها، حيث بدأ الأتراك استخدامها مع دخولهم الإسلام اعتبارا من القرن التاسع، وظلت لمدة تزيد عن ألف عام الأبجدية الوحيدة المستخدمة لكتابة لغات الترك ولهجاتهم. وكان القرة خانيين هم أول من كتبوا اللغة التركية بهذه الأبجدية العربية. ولقد كانت الأقوال المأثورة وقاموس ديوان لغات الترك من أوائل هذا النتاج الذي جمع بين اللغة التركية والعربية، وقد استخدم محمود الكشغري في مؤلفه التشكيل والحركات لتوضيح التطويل في الكلمة متبعاً في ذلك قواعد الإملاء العربية، أما لإظهار المد فقد استخدم حروف الألف، والواو، والياء.
اللهجة التركية الخوارزميه
كان اسم خوارزم يطلق على قوم من الأقوام الإيرانية الشرقية، ولكن أصبح فيما بعد يطلق على المنطقة التي على يمين ويسار نهر «جيحون» الذي كان يعيش بجانبه هؤلاء القوم. ولقد تفرعت هذه اللهجة -التي ظهرت بمنطقة خوارزم- عن اللهجة القرة خانية. ويتضح من المعلومات الموجودة بالمصادر التاريخية أن الخوارزميين قد تحدثوا بلغة مختلفة وظلوا محافظين على هذه اللغة من القرن الحادي عشر وحتى القرن الثالث عشر. وقد أظهرت الأبحاث أن هذه اللهجة الخوارزمية لم تقف عند كونها لغة حديث فقط، بل انها كانت لغة إيران الشرقية التي تحمل خصائص لغة أدبية. "تشكلت اللهجة التركية الخوارزمية معتمدة على اللهجة القرة خانية ومتأثرة بلهجات التركمان، والكيبچاك، والأوغوز . ولم تكن منحصرة على كونها لغة القصر والجيش، بل اكتسبت أهمية كونها اللغة التي يكتب بها زمرة المثقفين، ولغة الأدب أيضاً. ونتيجة للهجرات والتنقلات المستمرة للأقوام التركية المختلفة كالكيبچاق والأوغوز وغيرهم من الذين أمدوا اللهجة الخوارزمية بالعناصر اللغوية المختلفة، اكتسبت اللهجة التركية الخوارزمية أبنية مختلفة وخاصة من ناحية البنية الشكلية ونظام الكلمات. ويوجد العديد من المؤلفات المكتوبة باللهجة الخوارزمية التي تحمل أهمية كبيرة في تاريخ اللغة لكونها تعد مرحلة انتقالية بين اللهجة القرة خانية واللهجة الچغطائية." ومن ضمن هذه المؤلفات على سبيل المثال: قاموس «مقدمة الأدب»، وكتاب «قصص الأنبياء»، والمنظومة الصوفية «معين المريد»، بالإضافة إلى كتاب «نهج الفراديس».
اللهجة التركية الشمالية (اللهجة القبچاقيه)
كانت هجرات الأتراك التي بدأت قبل الميلاد مع أقوام الهون، مازالت مستمرة بعد الميلاد أيضاً حتى القرن الخامس عشر وامتدت من شمال بحر الخزر والبحر الأسود حتى وصلت لداخل أوروبا. وكنتيجة لتلك الهجرات تكونت مجموعة من اللهجات أُطلق عليها «اللهجات التركية الشمالية». ولقد كان القبچاق أكثر الأقوام التي هاجرت إلى شمال البحر الأسود وبحر الخزر، ولذلك اعتمدت لغة الكتابة التركية التي تطورت في هذه المنطقة على قواعد اللغة التركية القبچاقية. وعلى الرغم من ان القبچاق احتلوا مكان جغرافي على نطاق واسع من آسيا الوسطى وحتى نهر الدانوب إلا انهم لم يتمكنوا من تأسيس دولة ذات هيمنة سياسية، وسقطت الدولة بسبب هجمات المغول على المناطق التي كانوا يحكموها فقد كانت هذه الهجمات السبب في تفريق القبچاقيين في منتصف القرن الثالث عشر، وانتقل جزء كبير منهم إلى دول المجر وبلغاريا ورومانيا وروسيا وجورجيا معتنقين الديانة المسيحية وامتزجوا بتلك الحضارات تماماً حتى ضاعت هويتهم. كان القبچاقيين يبيعون أبناءهم كعبيد عند الظروف الصعبة، ومن ثم انتشر القبچاقيين في آسيا الصغرى ومصر. إلا ان الأتراك الذين آتوا إلى هذه المناطق لم يكونوا فقط من هؤلاء العبيد القبچاقيين، ولكن كان هناك القادمين من بلاد التركمان وخوارزم. ومع ذلك لم تؤسس هذه الأقوام التركية التي أتت إلى تلك المنطقة حضارة ودولة لها في الشمال؛ حيث كانوا يعدون أنفسهم غرباء في تلك الديار. وكما ازداد الاهتمام باللغة التركية في حكم المماليك لكون السلطة في يد الأتراك، وكما كتبت بعض الأعمال الأدبية بهدف تعليم اللغة التركية للعرب، ظهرت أيضاً الكثير من الأعمال المترجمة من اللغة العربية والفارسية للغة التركية القبچاقية. ولقد كان كتاب" Codex Cumanicus" – المكون من جزئيين، والمكتوب من قبل العديد من الأشخاص- هو العمل الأدبي الوحيد الذي وصل إلينا عن القبچاقيين الذين لم يستطيعوا تأسيس حضارة ودولة مستقرة. وإلى جانبه توجد العديد من الأعمال الأدبية المكتوبة باللهجة القبچاقية المملوكية. ولقد كانت الأعمال التي ظهرت في المناطق التي وقعت تحت حكم المماليك مثل سوريا ومصر في بادئ الأمر عبارة عن كتب قواعد وقواميس أُعدت بهدف تعليم اللغة التركية – لغة العنصر الحاكم - إلى الشعب المحلي الذي كان يتحدث اللغة العربية. وفيما بعد كُتبت أعمال ذات طابع أدبى ومتعلقة بالموضوعات الدينية والاجتماعية والعسكرية. اعتباراً من أوائل القرن الخامس عشر بدأت اللهجة القبچاقية المملوكية يحدث بها تغيرات توافق اللهجة الأوغوزية، ومع نهاية القرن الخامس عشر تم ترك هذه اللهجة ، واختفت تماماً مع الفتح العثماني لمصر.
اللهجة التركية الشرقية (اللهجة الچغطائيه)
تعد اللهجة الچغطائية امتداداً للهجة القرة خانيه واللهجة الخوارزميه ولقد أُطلق مسمى «اللهجة التركية الچغطائية» على لغة الكتابة التركية التي أنتجت أدباً غنياً متأثراً بالحضارة الإسلامية في فترة حكم التيموريين (1405-1506)، وبالإضافة إلى ذلك فلقد سُميت اللهجة التركية الچغطائية باللهجة التركية الشرقية لأنها لغة كتابة وحديث الأقوام التركية التي ظلت في الشرق ولم تهاجر إلى الغرب، كما انها سُميت أيضاً بــ «لغة نوائي» بسبب الشهرة التي حاز عليها على شير نوائي من خلال أعماله الكلاسيكية. أما فيما يتعلق بأصل كلمة «چغطاي»، فهي نسبة إلى «چغطاي» الأبن الثاني لجنكيز خان. وعلى الرغم من أن هذا الاسم كان يُطلق على سُلالة چغطاي خان والدولة التي أسستها هذه السلالة؛ إلا انه فيما بعد أصبح يُطلق على الأقوام التركية التي كانت تسكن منطقة ما وراء النهر ، كما أُطلق أيضا على اللغة التركية الأدبية التي تطورت في عصر التيموريين. وبالنظر إلى مرحلة التشكل الأدبي للهجة الچغطائية بعد الاحتلال المغولي، يتضح أن اللهجة الچغطائية كان لها دوراً مهماً في امتزاج اللهجات المحلية بآسيا الوسطى. وبالإضافة إلى ذلك كان من الطبيعي في مرحلة التشكل هذه تأثرها بالثقافة العربية واللغة الأدبية الفارسية. فقد كانت اللغة الفارسية تعد لغة رسمية في الدول التركية بآسيا الوسطى وكان من الواضح التأثر الشديد بالأدب الفارسي الكلاسيكي. أما فيما يتعلق ببدايات اللغة الأدبية الچغطائية ومراحل تطورها فانه يتم تقيمها وتصنيفها بوجه عام إلى ثلاث مراحل: أ) اللغة الچغطائية الأولى (قبل الكلاسيكية، من بدايات القرن الخامس عشر وحتى إعداد نوائي لديوانه الأول عام 1465م). ب) اللغة الچغطائية الكلاسيكية (1465-1600م). ج) اللغة الچغطائية بعد الكلاسيكية (1600-1920م). بعد موت جنگیز خان عام 1277م، قُسمت أراضي الإمبراطورية بين أبنائه وأصبحت منطقة «خرسان» و «ما وراء النهر» تحت إدارة چغطاي الأبن الثاني لجنگیز خان، ولقد سجلت دولة چغطاي تطوراً عظيماً من الناحية الثقافية والسياسية وأصبحت مدن سمرقند وحرات ومرو من المراكز الثقافية المهمة التي أحدث تقدماُ كبيراً للغة الچغطائية. اللهجة التركية الچغطائية إحدى اللهجات التركية ذات التاريخ الأدبي والثقافي المعروف، وقد دون الأدب الچغطائي منذ القرن الثالث عشر الميلادي بالخط العربي، وكانت اللغة الچغطائية في عهد الإسلام زاخرة بالألفاظ الفارسية، والعربية وكان تراثها محاكياً للتراث الفارسي والعربي، وقد ظلت هذه اللهجة أهم لهجات شرقي دولة التتار، إلى ان قام الأوزبك بطرد التتار من وسط آسيا وشرقي إيران في القرن السابع عشر. فأخذت لهجتهم الأوزبكية في السيادة وفقدت اللهجة الچغطائية مكانتها مع مطلع القرن التاسع عشر.
اللهجة التركية الآذارية
اللهجة الآذارية هي لهجة أذربيجان، وتعد اللهجة الآذارية أقرب اللهجات من جانبي البنية النحوية، والمعجم الأساسي من اللغة التركية. اللغة الآذرية هي اللغة السائدة في جمهورية أذربيجان- وعاصمتها باكو- وبالإضافة إلى ذلك توجد جماعات آذرية في إيران. لقد كانت اللهجة الآذرية من ضمن اللهجات التي صنفت بها مؤلفات أدبية عديدة، كما كان الأدباء الأذاريون يجيدون العربية والفارسية، ولذا ظهرت ألفاظ عربية وفارسية كثيرة في أشعارهم، وكتاباتهم. وظهرت محاولات عند بعضهم للاقتراب من لغة الشعب، والإقلال من التفاصح باللغة العربية والفارسية، ولقد كانت اللهجة الآذرية تدون بالخط العربي ، ولكن مع إعلان جمهورية أذربيجان السوفيتية عام 1918م، تم تحويل نظام تدوين اللغة الآذرية من الخط العربي إلى الخط اللاتيني عام 1924م، ثم إلى الخط الكير يلي الروسي عام 1939م. وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي عادت أذربيجان بعد الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي السابق إلى استخدام الخط اللاتيني. أما في إيران فتكتب اللغة الآذرية حتى الآن بالخط العربي دون أدنى تغيير.
اللغة التركية في العصر العثماني
تعد مرحلة اللغة التركية العثمانية مرحلة مهمة في تاريخ تطور اللغة التركية ، فلقد كانت بدايتها من القرن الخامس عشر واستمرت حتى القرن العشرين محدثةً تطوراً ملحوظاً داخل حدود الإمبراطورية العثمانية، ولا يرتبط هذا التطور بالتأثر باللغات العربية والفارسية فقط، بل يجب تقييم هذا الوضع على انه نتيجة محاولة اللغة التركية توفير الأدوات اللغوية التي تنقصها من هذه اللغات حتى تتمكن من الاستفادة من إمكانيات اللغات الأخرى، ومن ذلك يتضح ان اللغة التركية العثمانية قد استخدمت مجموعة من الكلمات والتراكيب الخاصة بالحضارة الإسلامية المشتركة وإلى جانب ذلك قامت بتتريك معظم هذه الكلمات. ولم يقتصر نشاط هذه اللغة على الأدب فقط، والدليل على ذلك امتلاء المكتبات اليوم بالألاف الأعمال المكتوبة بهذه اللغة العثمانية في جميع مجالات الحياة الاجتماعية من (الأدب والتاريخ والحقوق والاقتصاد وغيرها)، على مدار خمسمائة عام. ولقد اكتسبت اللغة الفارسية في بلاط القصر العثماني أهمية كبيرة مثلما اكتسبت اللغة العربية أيضاً اهميتها الكبيرة في المدارس بداية من منتصف القرن الخامس عشر، ومن ثم ازداد اهتمام الشعراء والكتاب بهاتين اللغتين. وإلى جانب ذلك تسابق الشعراء الأتراك في كتابة أعمال تشبه النماذج الأدبية الإيرانية في المفهوم الأدبي. كما بحثوا عن الفن أيضاً في هذا الأدب الذي كانوا يعدونه نموذجاً يُقتدى به. وبذلك نقلوا كل الأساليب المستخدمة في الأدب الإيراني إلى الأدب التركي مما أدى إلى دخول الكلمات والمصطلحات الفارسية المستخدمة في هذه الأساليب إلى اللغة التركية. غير ان عدم توافق وزن العروض مع بنية اللغة التركية وجّه الشعراء إلى استخدام الكلمات والإضافات العربية والفارسية مباشرة دون إيجاد بديل لها من اللغة التركية مما أدى إلى تقليل الكلمات التركية في الشعر ومن ثم ازدادت اللغة الأدبية صعوبة، ولقد كانت هذه اللغة الصعبة هي التي شكلت الأدب التركي الكلاسيكي. كانت اللغة التركية العثمانية مليئة بكل أنواع الكلمات العربية والفارسية المستخدمة في جميع المجالات حيث استخدمت فيها أسماء الفاعل العربية وأشكال المبالغة والصفات وأسماء المكان والزمان والآلة وأشكال التصغير، والمصادر بجميع أشكالها وليس أصل المصدر فقط ، بالإضافة إلى الأعداد والأرقام والتراكيب الإضافية الأسمية والوصفية وأشكال جمع الكلمات. وإلى جانب ذلك تم استخدام الأسماء والصفات الفارسية البسيطة والمركبة والتراكيب الإضافية الأسمية والوصفية. ولقد زادت هذه الكلمات الأجنبية مع الأوزان الثلاثية والرباعية من صعوبة اللغة التركية العثمانية ولا سيما في القرن السابع عشر، لدرجة ان بعض الأعمال الأدبية أصبح من المتعذر معرفة اللغة المكتوبة بها وخاصة في اللغة النثرية؛ ونتيجة لهذا الوضع أصبحت لغة الكتابة أكثر صعوبة وابتعدت بشكل واضح عن لغة الحديث، وعلى الرغم من ذلك كانت توجد درجة من البساطة والسهولة مختلفة من كاتب إلى كاتب ومن عمل إلى عمل. حيث ان الكتاب الذين كانوا يستخدمون اللغة المتكلفة كانوا يهدفون إلى اظهار براعتهم ومعرفتهم بهذه اللغات، اما اللغة التركية البسيطة كانت لغة الحديث بين الشعب وكانت توجد بعض الأعمال الموجهة إلى الشعب مباشرة دون تكلف واصطناع. وعلى الرغم من اختلاف لغة الحديث عن لغة الكتابة في العصر العثماني، الا انه لا يجب انه يفهم من ذلك ان اللغة العثمانية مختلفة عن اللغة التركية ، فهي لغة تركية وليست عربية ولا فارسية، غير انها لم تكن اللغة المشتركة التي يستخدمها جميع طوائف الشعب بل كانت خاصة بالطبقة المثقفة. "ولقد مرت اللغة التركية العثمانية بمراحل مختلفة من حيث نسبة استخدام العناصر العربية والفارسية حيث يمكن تقسيمها إلى ثلاث مراحل :
مرحلة بداية اللغة التركية العثمانية
تمتد هذه المرحلة من النصف الثاني للقرن الخامس عشر وحتى القرن الساس عشر، وفي هذه الفترة اتسعت حدود الإمبراطورية العثمانية وتأسست وحدة سياسية بين دولها ومن ثم توحدت لغة الكتابة في جميع أنحاء الإمبراطورية العثمانية. وبذلك أصبحت اللغة التركية اللغة الرسمية لهذه الامبراطورية العثمانية العظيمة بالإضافة إلى كونها لغة العلم والفن. ومثلما كانت الأماكن التي يوجد بها القصر التركي هي المراكز الثقافية في العصور السابقة ، كانت استانبول وبعض المناطق الأخرى أيضاً بمثابة المراكز الثقافية في هذا العصر. وقد اكتسبت اللغة العربية والفارسية أهميتها من جديد وتم تدريسها في المدارس من خلال نماذج الأعمال العربية والفارسية. ونال الشعراء الأجانب قيمة كبيرة من قبل القصر العثماني، مما تسبب في العديد من التغييرات في مسيرة لغة الكتابة التركية خلال فترة قصيرة، وبدأ الأقبال على استخدام الكلمات العربية والفارسية في لغة الأدب والعلم. فقد كان كتابة عمل أدبي باللغة العربية أو الفارسية مجالاً للفخر بين الكتاب والشعراء. وعلى الرغم من أن اللغة التركية قد وقفت بقوة ضد استخدام اللغات العربية والفارسية في القرن الرابع عشر، إلا انها بدأت في التراجع عن ذلك الموقف بعد هذا الوضع الجديد. وكان هذا سبباً في سيطرة اللغة العربية والفارسية من جديد. وبدأت تتكون لغة نظم ونثر بعيدة عن لغة الشعب. ومع ذلك فقد كانت اللغة في ذلك العصر مازالت بسيطة إلى حد ما نسباً للعصور التالية. وكثيراً ما كان يوجد أعمال مكتوبة باللغة التركية البسيطة والحيوية والطبيعية.
المرحلة الكلاسيكية للتركية العثمانية
تبدأ هذه المرحلة من القرن السادس عشر وتمتد حتى منتصف القرن التاسع عشر، ولقد كانت الإمبراطورية العثمانية في القرن السادس عشر في أزهى عصورها، وتوسعت حدود الدولة وحظيت بالسيطرة العظمى والمهيمنة على قارات العالم الثلاثة. وكان هذا التطور الذي ظهر في جميع مؤسسات الإمبراطورية المادية والمعنوية انعكس بطبيعة الحال على اللغة والأدب. مما كان له كبير الأثر في تنشئة الكثير من الكتاب والمؤرخين والشعراء والمترجمين وغيرهم في جميع أنحاء الإمبراطورية. ووصلت اللغة التركية إلى مستوى يمكّنها من منافسة اللغة العربية والفارسية من حيث كونها لغة العلم والفن لإمبراطورية عظيمة. ولقد كان الشعراء الأتراك في هذا العصر يقدمون أعمالهم دون الاحتذاء بنماذج الأشعار الفارسية على الأطلاق. ولقد مهدت هذه التطورات السبيل للعديد من التغيرات في بنية اللغة التركية، حيث ان ازدياد الكلمات العربية والفارسية في اللغة التركية وخصوصاً بعد فتح استانبول، وصل إلى نقطة الذروة في القرن السادس عشر. كما ازدادت هذه العناصر الأجنبية التي دخلت اللغة التركية في القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر لدرجة ان اللغة التركية أصبحت بلا قيمة. وانفصلت لغة الحديث عن لغة الكتابة تماماً، وأصبح الغموض والصعوبة الموجودة في لغة الشعر والنثر مختلفةً عن بعضها البعض، وانعدمت الأوزان المعروفة في لغة النثر. وهكذا فقد وصل التكلفة في استخدام اللغة في القرن السادس والسابع والثامن عشر لأقصى درجة وقد كان هذا التكلف أكثر استخداماً في الأعمال الشعرية والمنظومة بهدف اظهار الصنعة الفنية ، اما لغة الأعمال التي كتبت من أجل الشعب مثل المناقب والكتب الدينية والتاريخية فقد كانت لغتها بسيطة. ولقد كان كل من ذاتي، وفضولي، وباقي، وخيالي، جلالي، من الشعراء الذين تركوا بصمة واضحة بأعمالهم الشهيرة في القرن السادس عشر في المرحلة الكلاسيكية للغة التركية. اما اللغة في القرن الثامن عشر، فقد كان يسيطر عليها طابع المحلية حيث تم تناول موضوعات المحلية في الشعر الديواني كما ظهر تيار المحلية والتبسيط، وإلى جانب ذلك قل التأثر بالأدب الإيراني.
مرحلة التجديد في التركية العثمانية
تمتد هذه المرحلة من منتصف القرن التاسع عشر وتستمر حتى بدايات القرن العشرين، وتعد لغة هذه المرحلة لغة الأدب التركي الجديد الذي ظهر بعد التنظيمات عام 1893م. وفي هذه المرحلة خرج الأدب التركي من إطار أدب الديوان وتأثر بالأدب الغربي، حيث أدب التنظيمات قد أحدث تطوراً ملحوظاً في مجال الأدب، وشكل أول صفحة للأدب التركي الموجة للغرب. إن المجتمع التركي الذي ظل متأثراً بمحيط الثقافة الإسلامية ولغاتها لقرون طويلة ، اتجه مع أدب التنظيمات إلى التيارات الثقافية الموجودة بالعالم الغربي وتأثر بثقافتها. وكانت النتيجة الطبيعية لذلك ان يظهر العديد من الأفكار الجديدة في مجالات الفكر والثقافة. ولقد كانت الصحافة أقصر الطرق لتوصيل هذه التيارات الفكرية والأدبية الجديدة. ولكن لغة الكتابة التي كانت موجودة لا تتيح فرصة توصيل هذه الأفكار الجديدة للشعب. ولذلك كان من الضروري التقريب بين لغة الكتابة ولغة الحديث لأن تنوير وتثقيف أي شخص يكون من خلال اللغة التي يفهمها ويتواصل بها. فظهرت جهود الكتاب الكبار التي كانت سبباً في تبسيط اللغة التركية ومهدت السبيل إلى وصول لغة الكتابة إلى مرحلة تُمكن الشعب من فهمها.
وبعد أدباء التنظيمات ظهرت جماعة جديدة تسمى جماعة «ثروت فنون» ذات مفاهيم لغوية مختلفة عن أدباء التنظيمات. حيث اهتم أدباء ثروت فنون بالأدب الفرنسي الذي عرفوه عن قرب واستخدموا لغة تعكس كل أفكاره ومشاعره بكل تفاصيلها متخذين نتاج هذا الأدب نموذجاً يحتذى به. وبدأوا في اقحام الكلمات والتراكيب الأجنبية في اللغة التركية وبذلك يكونوا قد باعدوا بين لغة الكتابة التي قد تم تبسيطها مع أدب التنظيمات ولغة الحديث التي يتواصل بها الشعب، وأضافوا إلى ذلك بعض التراكيب والمصطلحات الفرنسية مما مهد الطريق لتأثير اللغة الفرنسية ونظام تركيبها على اللغة التركية. وخلاصة القول، ان تيار التنظيمات كان يحاول إصلاح اللغة بشكل متوازٍ مع التغيرات التي تحدث في المجتمع وكان هدفه تبسيط اللغة التركية العثمانية حتى يُمكن فهمها، ولكنه لم يتمكن من اظهار تجديدات جذرية في بنية اللغة التركية. اما جماعة ثروت فنون فلم يرغبوا في تبسيط اللغة نظراً لان الأدب الذي يتناولونه كان خاصة بالزمرة المثقفة في المجتمع التركي، ولذلك وقفوا ضد تيار التنظيمات الذي نادى ببساطة اللغة، ثم جاء بعدهم جماعة فجر آتي التي تمسكت باللغة المصطنعة وبذلك سجلت اللغة التركية العثمانية الكثير من الاختلافات بسبب تعدد التيارات التي مرت بها واتجاهاتها المختلفة.