أرابيكا:مسابقة مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع/مقالات/تحذير من البيتزا

استوقفني تحذير من احدى الحكومات (الأجنبية طبعاً) للمواطنين بالامتناع عن أكل البيتزا، وهو تحذير غريب على اعتبار أن البيتزا لم تعد هي ذلك الاختراع الايطالي، بل أصبحت أكلة عالمية شهيرة بسبب سهولتها في الاعداد وفي التناول ولاحتوائها على قيم غذائية متكاملة، حتى أنني أتصور أنه لا يوجد انسان في أي بلد لم يجربها، فكيف تفاجئنا دولة من أكثر الدول انتاجا واستهلاكا للبيتزا بهذا التحذير؟ صانعو البيتزا قالوا إنها مناورة من الحكومة لمحاربة البيتزا بعد أن ارتفعت أسعارها، وبالتالي قاموا بصناعة خمسين ألف قطعة من البيتزا وزعوها بالمجان بهدف سحب الورقة التي تلعب بها الحكومة، لكن الدولة سرعان ما قدمت أسبابها لهذا التحذير، فقد جاء في بيان للحكومة أن من ضمن مكونات البيتزا الأساسية جبن "الموتساريللي"، وأن هذا النوع من الجبن يصنع من لبن أبقار عرف عنها أنها تميل إلى أكل أعشاب ثبت أنها تحتوي على عناصر مضرة بصحة الانسان!..

سأفترض أن أسباب الحكومة صحيحة ولنتأمل الموقف: أعشاب تحتوي على عناصر ضارة بصحة الانسان، لن يأكلها الانسان وانما أكلها البقر، ومرت هذه الأعشاب بعمليات كيميائية معقدة داخل جوف البقر، من الهضم والانزيمات والاستخلاص والدخول في مكونات الدم ثم احتمال تأثر اللبن بمكونات الدم، كم يبقى من سموم العشب الذي أكلته البقرة في افرازها الأخير من اللبن؟ أشك أن تزيد النسبة إن وجدت على واحد في المليون، والا فالبرسيم اذا أكله الانسان سبب له أمراض الكبد بينما لم يحذر أحد من شرب لبن الأبقار التي تأكل كلها البرسيم بشراهة، وكذلك أعلاف البقر من مخلفات الأسماك واللحوم والعفن.. تلك حكمة الخالق عز وجل في توفير نعمه للانسان خالصة ونقية وعظيمة الفائدة.

مع كل ذلك لا يستطيع أحد الا أن يقدر لتلك الحكومة مبالغتها في رعاية المواطن ووضعه في بؤرة الاهتمام والخوف عليه حد تحذيره من خطر لا يرد ولو بأضأل الاحتمالات، ولا يستطيع أحد أن يغفل مقارنة بين أوضاع ذلك البلد الأجنبي وبين أوضاعنا في العالم العربي، فبين حين وآخر نقرأ خبرا عن جزار يبيع لحم الحمير ولا نعرف ما حل به والا لما قرأنا عن آخر يسلخ الكلاب ويحشو بلحمها السندويتشات ويبيعها غارقة في التوابل بثمن ضئيل، ناهيك عن حادثة قديمة لأحد الباعة سبب اختناقا في المرور بسبب توقف السيارات حوله لتناول سندوتشات الكبدة والمخ بسعر بسيط ثم تبين أن له موردا يبيعه كبدا ومخا آدميين بعد سرقة هذه الأعضاء من مشرحة يعمل بها!..

قد تكون هذه حالات فاجعة، وانما في يقيني أن الأبشع منها أن يخلط التجار لبن الأطفال ببودرة الرخام، أو أن يستورد أصحاب نفوذ في جهة من الجهات بضاعة مغشوشة، منها أكياس دم فاسدة ومنها صمامات للقلب، يبيع المريض كل ما يملك ليجري عملية تغيير لصمام يكون سببا في وفاته تاركا ميراثا باهظا من الديون، أو أسمدة مسرطنة ومبيدات تقضي على الانسان، كلها حالات لا يقل الضرر فيها عن مئة بالمئة ولا يصحبها تحذير حكومي مثل التحذير من البيتزا التي أكلت البقرة، التي أعطت لبنا، صنع منه جبن، استخدم في صناعتها، اكلت عشبا ضمن عناصره ما قد يضر بصحة الانسان، رغم الظلم البين والفادح الذي وقع على بقرة أمضت حياتها كلها موثوقة الرجلين في وتد لا يسمح لها بالحركة نصف متر بعيدا عن أوعية الغذاء الخاضعة لاشراف طبي دقيق.. البيتزا