أرابيكا:إرشادات للتعريب

من أرابيكا، الموسوعة الحرة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


مادة هذا الإرشاد منقولة من خارج أرابيكا العربية(1)، وهو يتكون من قسمين:

  1. مقدمة عامة حول عملية وضع المصطلحات العلمية بالعربية، وهي ليست جزءاً من الإرشادات بل مقالةٌ رأي تعكس وجهة نظر صاحبها، وأُرفقت مع الإرشادات للأمانة في النقل، والصواب أن تعامل معاملة الإضاءة العامة على مشكلات التعريب المعاصرة.
  2. قائمة بالإرشادات المعتمدة لتعريب المصطلحات العلمية والتي توافقت عليها مجامع اللغة العربية.

الهدف من هذاالإرشاد هو تزويد المحررين بقواعدَ عامة مُشتركة توفق عليها الخبراء والمختصون لتكون دليلاً بين أيدهم يساعدهم، عند الحاجة، على تعريب الألفاظ الأجنبية تعريباً سليماً نحواً ولغةً ولفظاً.

حول وضع المصطلحات العلمية وتطور اللغة

لقد أخذ العالم العربي يستعيد ثقته بلغته في مجال المصطلحات العلمية والتقنية والحضارية، واجتازت اللغة العربي بنجاح فترة مخاضٍ عسيرة كان لا بد منها، فقد شهدنا بارتياح نجاح تعريب التعليم الثانوي في معظم الأقطار العربية، بمصطلحات موحدة في معظمها أشرفت على تنسيقها وإصدارها معاجم خاصة بكل علم المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم. وها نحن نرقب بالأمل الفاعل المحاولات الجادة، رغم مختلف العوائق في كثير من هذه الأقطار لتعريب التعليم الجامعي - دون أن يعني ذلك التقليل من أهمية اللغات الأجنبية.

إن مُستقبل المصطلحات العلمية العربية ومستقبلنا العلمي إلى حد بعيد مرتبطان بقضية تعريب التعليم لا في المدارس الثانوية بل وفي الجامعات أيضاً. فلا يُعقل أن نخوض مجالات العلم الحديث وننعم بمنجزاته وتبقى لعتنا غريبة عن أجواء العلم وتقاناته وديناميكيته وإبداعه. لقد آن أن تصبح اللغة العلمية العربية جزءًا من حياتنا اليومية في المدرسة والبيت والمصنع، وأن تغدو مصطلحات العلم والحضارة باللغة العربية قسماً حيوياً من ثقافة الصانع والطالب والمعلم والصحافي والأديب وصاحب الاختصاص الفني، وهذا لا يتأتى إلا حين تصبح العربية لغة المُتعلِّم والعالم وإلا باستنبات العلم بيئياً في الوطن العربي لنصبح العربية لا لغة التعليم في كافة مراحلة فقط، بل أيضاً لغة البحث العلمي والتأليف العلمي والإبداع العلمي.

والذين يحتجُّون لإعاقة حركة تعريب التعليم الشامل بانتظار أن تتوافر لها وله المصطلحات وتتكامل، إنما يضعون العربة أمام الحصان، كما يقولون. إن الإصرار على تعليم العلوم والتقنيات باللغات الأجنبية هو حصارٌ على العربية يعيقها عن (إن لم يمنعها من) التطور والنمو في هذا الميدان. فالتعريب ووضع المصطلحات، بل والترجمة (ترجمة المراجع والمناهج وأمهات الكتب) والتأليف تسير معاً. هكذا كانت في مدارس محمد علي في الهندسة والزراعة والطب، وهكذا كانت الحال في الكلية السورية الإنجيلية (الجامعة الأمريكية فيما بعد)، وهكذا كانت الحال (ولا تزال) في المعهد الطبي في دمشق منذ العام 1919. وليس يلزمُنا إلى تحقيق ذلك إلا العزم الصادق على جعل العربي لغة التدريس في كل المعاهد في كل المستويات، مدعوماً بتأهيل الجهاز البشري المؤهل للقيام بما يتطلبه ذلك من مهمات.

إن ما توافر لنا من المصطلحات العلمية منذ بدايات عصر النهضة الحديثة يشهد بالدور العظيم الذي أداه الرواد من تلاهم - علماءُ وكُتابٌ ومترجمون وصحافيون ومجمعيون في مجال وضع المصطلحات، ولا ننسى طبعاً الدور الكبير الذي أدته وما زالت تؤديه المجامع والاتحادات والمؤتمرات العلمية في هذا المجال. لكن واقعنا المتغير طفرًا أمام غزو منجرات الحضارة الحديثة ومسمياتها وطغيان وسائل الإعلام المسموعة والمرئية زاد بالضرورة من عدد المساهمين في وضع المصطلحات، وجعل التركيز على "منهجية وطرائق وضع المصطلحات" ووضعها في متناول المشاركين والمسؤولين في إعدادهم مطلباً ملحًا. وهكذا جاءت القرارات التوصيات التي أقرتها مجامع اللغة العربية وبخاصة شيخها مجمع اللغة العربية في القاهرة، إضافة إلى مقررات "ندوة توحيد منهجيات وضع المصطلحات العلمية الجديدة" في الرباط، تحقق هذا المطلب. فالوسائل اللغوية الفائقة المتاحة في اللغة العربي لتولي المصطلحات، والتي استخدمها قدماء التراجمة والمؤلفين العرب في نقل علوم اليونات والفرس وغيرهم، جلبت للعربية حضارة ورفعة وعزة جعلة من العربية لغة العلم والحضارة العالمية طوال القرون الوسطى. وتتلخص هذه الوسائل اليوم في ما يلي:

1. تحرِّي لفظ عربي تراثي يؤدي مفهوم اللفظ الأجنبي، كأن نقول علم الفلك في Astronomy، أو كثافة مقابل Density، أو صِفاق مقابل Peritoneum. ويرى الكثيرون أن ما هو وارد في العامِّيات التي تستعملها الشعوب العربية في مختلف أقطارها، وهو جزء من التراث رغم إخماله من أصحاب المعجمات، وحري بنا ان نستعيده إلى حظيرة الفصحى -فنقول مثلاً: خابور مقابل cotter وشتلة مقابل sapling ومكوك مقابل shuttle ودَبْش مقابل rubble، إلخ.
2. إذا لم يكن للفظ الأعجمي مقابل في العربية، وكان قابلاً للترجمة، تُرجم بمعناه - مثل مناعة مقابل immunity وانعكاس مقابل reflection، أو اختير له لفظٌ عربي، مجازًا ليحمل مفهومه، شرط وجود قرينة مباشرة أو غير مباشرة تدل على ذلك، مثل بريد مقابل post، وعدسة مقابل lens، أو طيارة مقابل airplane، أو اشتق له المقابل بوسائل الاشتقاق التي يتوافر للعربية منها ما لا تكاد تجاريه فيه أي لغة أخرى، حتى أن عدد الألفاظ التي يمكن اشتقاقها من كل فعل لا يقل عن مئتين، وقد يزيد عن الثلثمائة لا نستخدم منها بشكل فاعل إلا ثلاثين. فمثلاً حين نُوقش موضوع ترجمة الكلمات المنتهية بـ able- أو أحد شكليها الآخرين ible- وble- أقر المجمع ترجمتها بالفعل المُضارع المبني للمجهول، وترجمة الاسم منها بالمصدر الصناعي، ليقال مثلاً في soluble يُذاب وفي solubility مُذابية، وفي fusible يُصهَرُ وفي fusibility مصهورية، وفي malleable يُطرَق والاسم منها melleabillity مطروقية.
لكن بعض الأعضاء اقترحوا صيغة "فَعول" أو "فعيل" لذلك. وأراني أميل إلى صيغة "فَعول" في هذا المقام كصيغة تؤدي غالبية أو كل مدلولات اللاحقة able- فنقول ذؤوب وذؤوبية وصَهور وصَهوبية وطَروق وطَروقية (في الصفات والأسماء الوارد أعلاه) كما نقول خَلوط ومَزُوج في miscible وصَبوغ في stainable ولَهُوب في flammable وصَبون في spanifiable ونَقُول movable وtransmissible وtransportable.وفي الأسماء منها نقول مَزوجيَّة وصَبوغيَّة ولَهوبيَّة
ولعل استخدام تلك الوفرة من صيغ العربية المستخدمة وربطها بمعانٍ محددة إفادة في وضع مُصطلحات عربية سائغة ومحددة المفهوم.
3. النحت أيضاً من وسائل توليد المصطلحات (ولو على نطاق ضيق)، فيُختصر من كلمتين أو أكثر كلمة واحدة: فنقول مثلاً برمائي في بري مائي مقابل amphibian وكهرضوئي في كهربائي ضوئي مقابل photoelectric، وجيُوفيزيائي في جيولوجي فيزيائي مقابل geophysical أو تشاكُل في تشابه الشكل مُقابل isomorphism، وحلمأة في التحلل بالماء مقابل hydrolysis.
وقد نعتبر التركيب المزحي بالإلصاقات المنقصلة مثل لاسلكي ولاأدرية ولا شعوري ضرباً من النحت.
4. أما إذا تعذر وضع لفظ عربي بالوسائل المذكورة فيُعمد إلى التعريب بنقل المُصطلح بلفظه الأجنبي مُليَّناً قدر المستطاع بصيغة عربية، مثل نيُوترون وتلفزيون وراديو وليزر وإلكترود ومِكروفون ومانومتر ... إلخ.

لقد أدى مجمع اللغة العربية في القاهرة خدمة جُلَّى للغة العربية حين حطَّم الأسطورة القائلة بأن إدخال المُعرَّب من الألفاظ في متن اللغة يحط من قدرها. وفي المعاجم المُتخصصة والعامة التي أصدرها المجمع المذكور دليلٌ واضح على الدور الإثرائي المهم الذي يؤديه التعريب الاقتراضي في لغة العلم الحديث. ومن توصيات مجمع اللغة العربي في هذا السياق اعتبار المُصطلح المُعرَّب لفظاً من اللغة العربية وإخضاعه لقواعدها وإجازة الاشتقاق والنحت منه، فتقول: أكسد وتأكسد وأكسدة وأُكسيد، وأيَّن وتأيَّن وتأيُّن وتايين، كما نقول تَلْفن وتَلْفز وبَسْتر وكَرْبن وهدرج

إن اسلافنا الأماجد في تراثهم الحضاري الخالد لم يكتفوا بتعريب الألفاظ التي جاءتهم مع الحضارات الزاحفة أمثال استَبْرق وقِسطاس ومِسك وكافور وزَرْقون ودُلفين وبَطلينوس ومَنْجنيق ومُصْطكى وقرنيَّة وأورطي وقُولون وبَرِيطون وبَنْقراس وهَيُولى ومساريقى ومئاتٍ غيرها، بل عمدوا أحياناً إلى تعريب أسماء كثيرة كانت تُعرف لها أسماءٌ عربية - فعرَّبوا:

الإبريق وعندهم التامور والهاون وعندهم المِهراس
والرصاص وعندهم الصرفانوالشلجم وعندهم اللفت
والباذنجان وعندهم الأنبوالحَيْصَل والياسمين وعندهم السَّمْسَق
والمُغْرَة وعندهم الجأب

وحَرِيٌّ بنا أمام الفيض الهائل من الأسماء العلمية الكيمائية والنباتية والحيوانية والإلكترونية التي تجابهنا أن نحذو حذوهم - فنُعرِّب بالترجمة ما هو أصيل في اللغة المنقولةـ أما الألفاظ العاللمية التسمية والمُشتقة من اليونانية أو اللاتينية (مثل إنزيم وأيون وأكسيد وتِلفون وتِلفزيون) أو الموضوعة تخليداً لذكرى عالم أو مُخترع (مثل فُلْط وأوم وكُوري وواط وأمبير) أو المُركَّبة من أحرف متعارف عليها دولياً (مثل رادار وليزر وكوبُول ونابالم) فتُعرَّب كما هي. فالعلم على حد قول الدكتور إبراهيم مدكور رئيس مجمع اللغة العربية في القاهرة: "هو تراث الإنسانية جمعاء ويجب أن يُفسح المجال فيه بتبادل الألفاظ كما نتبادل الأفكار والمعاني:"

التعريب الاقتراضي في مجال العلوم المتخصصة هو السبيل العملي لمواكبتنا مسار تقدمها ومتابعة إنجازاتها وأبحاثها. وبمثل هذا التعريب نُثري لغتنا بمصطلحات علمية تكاد تكون مشتركة بين العلماء والباحثين في كل لغات العالم. ونُطمئن المتزمتين والصَّفاويين إلى أن التعريب في مجال العلوم المتخصصة لن يَضير العربية بشيء لأنه سيبفى في قاموس المُتخصصين وأبحاث المُتعمقين في مجالات هذه العلوم، ولن يتسرب منه إلى صُلب اللغة - وبخاصة لغة الأدب والبيت والمجالس، إلا القليل القليل مما يُرشحه شيوع استخدامه في الحياة اليومية ويُطوِّعه ذوق المُستخدمين وسليقتهم - تماماً كما حصل فيما حصل سبق وعربه السلف اقتراضاً فصار بعضه من تراث اللغة يُثريها ولا يُضيرها.

إن قضية الاقتصار على مُصطلح واحد لمسمى واحد هي قضية متفق عليها نظرياً أو قُل مبدئياً، لكن الاتفاق على تحديد المصطلح هو أمرٌ لن يخلو من الأخذ والرد. وما دام باب الترجمة مفتوحاً فمجال الاختلاف (ضمن حدود المتوقع طبعاً) وارد، وليس لأي فردٍ أو جماعة مهما كانت سلطتهم اللغوية أن يشطبوا مصطلحاً ليُحلوا آخر مكانه نهائياً، فالمستقبل هو الحكم والاستعمال هو الغربال، وقد يثبُتُ أكثر من مصطلح أمام هذه الغربلة التي لا تتم في سنة أو اثنتين بل تحتاج إلى عشرات السنين وتتم عادة بصورة عفوية.إن سياسة دعم المصطلح، بخاصة الذي لما يستقر، بمرادف شائع أو مرادف يشرحه، لها في مثير من الأحيان مبرراتها. إن ردف مصطلخ مثل مُبَدِّل commutator بمرادف مثل عاكس تيار أو عضو توحيد أو دعم المصطلح مُتحرِّض مقابل armature في مجال الهندسة الكهربائية كفيلٌ بتقريب مدلول المصطلح إلى مفهوم المراجع حنى يأتي وقتٌ يعود فيه ذاك المصطلح بغير حاجة إلى دعم. ولعلي ميال إلى ضرورة أن يُلمَّ الاختصاصي في موضوع بالمرادفات المُتعارفة الشائعة في حقل اختصاصه، فيعرف الطبيب مثلاً أن العمود الفقري vertebral column هو الصُّلب spine أيضاً، وأن المِرَّة gall هي الصفراء bile أيضاً، وأن القيح puss هو المِدَّة أو الصديد matter وأن النقي هو النخاع والشَّغاف هو التأمور ... إلخ كما يعرف السمكري أن السَّنباذج emery هو الصنفرة، ويعرف الأحيائي ان الحريش هي أم اربع وأربعين ويعرف الكيماوي أن الآزوت هو النتروجين، ويعرف الفيزيائي أن التعجيل هو التسارع ... إلخ فهذه ألفاظٌ سيتامل بها صاحب الشأن في مجالات عمله ومع زملائه وزبائنه وطلابه وبيئته، تماماً كما يتعامل جمهور الناس بالغيمة والسحابة، والخراج والدَّمل والغُرفة والحجرة، والمخلوط والمزيج، والرص والدك، والسِّمة والعلامة وغيرها الكثير.

ولكن لا يَغربن عن بالنا في الوقت نفسه أن قيمة المصطلح العلمي تتحقق لا بدقته وحسن دلالته على مسماه فقط، بل أيضاً باعتراف العلماء والباحثين والمختصين به والإجماع عليه. لأنه إن اختلف المصطلح من عالم إلى عالم أو باحث إلى باحث أو قطر إلى قطر فإنه يفقد صفة المصطلحية تعريفاً ومنهجية، بخاصة في حال المصطلح ذي المفهوم المحدد الذي يتجاوز معاني اللفظ المعجمية واللغوية.

وهكذا يبدو لي أن واقعنا اللغوي والعلمي حالياً يفترض وضع المصطلحات إجمالاً في مستويين:

أولاً، المستوى المفرداتي اللغوي الشائع الذي يحتمل الترادف - فيُلجأ إلى المصطلح و/أو مرادفه تفادياً للتكرار اللفظي أو انحيازاً لذوق الكاتب أو المترجم.
وثانياً، المستوى المصطلحي المميز الذي لا يصح فيه الترادف، حيث يعني المصطلح شيئاً محدداً يتجاوز معاني اللفظ المعجمية أو الشائعة.

فمثلاً، إن احتمَل السياق ترادف المصطلحين إضاءة وإنارة مقابل lighting وillumination، فإن مصطلح الضياء مُقابل luminosity بمعنى "شدة الإضاءة أو زهوها (بفعل الفيض الضوئي المُشع منها) في اتجاه معين بالنسبة للناظر"، ومصطلح الضيائية مقابل luminescence لمفهوم "ابتعاث الضوء دون عامل حراري - كضيائية اليراعة أو ضيائية التفسفر أو ضيائية الحك والدلك"، ومصطلح الاستضواء مقابل luminance بمعنى "شدة الإضاءة المنبعة من المساحة للسطح المضي (مقيسة بالقنديلة للمتر المربع)"، مصطلحات متميزة لا تقبل الترادف ولا البديل. مثل هذه المصطلحات يتوجب توحيدها مقابل المفهوم العلمي المحدد، وإلا اختلف المفهوم والتبس المعنى.

فلا يجوز أن يقال مقابل admittance مثلاً مسامحة ومسايرة وقبولية وسماحية ومطاوعة وغيرها - وكلها لغوياً لها وجه في مقابل المفهوم المحدد لخاصية "تيسير مرور التيار المتناوب عبر دارة أو جهاز (أي معكوس المعاوقة)"، بل ينبغي الاتفاق على مصطلح واحدٍ فقط لأداء هذا المفهوم. كما لا يجوز أن يُقال مقابل transducer مِحوال ومُغيِّر ومُحوِّل طاقة ومُحوِّر طاقة ومُتحسِّس وتِرجْام وسواها، ولا أن يُقال مقابل isomerism مجازأة ومُصاوغة وتزامر والمُعرِّب لفظياً أيسومرية، ولا مُقابل electrode قطب ومَسرى ولاحِب والمعرِّب إلكترود ـ بل يجب الاتفاق على مصطلخ عربي واحد للمفهوم العلمي الواحد المتميز.

كذلك لا يصح أن نُعبر عن مصطلحات أجنبية متعددة بمصطلح عربي واحد - كأن نقول:

وسيط مقابل الأجنبيات parameter, mean, median, intermediary... etc
أو استبدال مقابل replacement, substitution, commutation... ete
أو منفصل مقابل discrete, separate, disjunct... etc
أو تناظر مقابل correspondence, parallelism, homology, analogy... etc

ولا أن نستخدم مصطلحات عربية مترادفة عشوائياً في مقابل مصطلحات أجنبية متقاربة المعنى، لكن ذات مفاهيم محددة مختلفة - كأن نقول: تركيب مقابل composition وstructure وsynthesis ولدينا من العربيَّات: بِنية وتخليق وتأليف وتوليف وبناء ... إلخ.

أو أن نقول انحلال مقابل dissociation وsolution وdissolution وanalysis ولدينا من العربيات: حل وتحليل،تفكيك، تفكك، تفارق وتحلل.

أو أن نقول حِقبة في الجيولوجيات مقابل era وeon وage وchron وperiod وepoch ولدينا مقابلها من المُتقاربات في العربية حُقْب وحِين ودَهر وزَمن وعَصر وفترة وأوان ... إلخ.

ويُفترض أن تُعالج مثل هذه المصطلحات الأجنبية متقاربة المدلول، كما بالضرورة كل عمليَّات التوحيد المصطلحي، من قبل لجان متخصصة على المستوى العربي القومي كمجموعة أمام المصطلحات العربية المقابلة لكل منها، فتُمحَّ العربيات مقابل الأجنبيات لِتُثبت أو يُعاد توزيعها بالشكل الأنسب واحداً لواحد.

لقد عرفت العربية مُصطلَحيِّين ومُعجميّيت أفذاذاً أهلتهم إمكاناتهم وجهودهم الشخصية وخصائصهم الذاتية المكتسبة علماً ومنهجية وقابلية، فأثروا اللغة بأعمالهم. ونحن اليوم بحاجة لا إلى أفرادٍ من مثل هؤلاء فقط، بل إلى كتائبَ فاعلة في كل ميدان، ونتطلع بالطبع إلى جامعاتنا العربية في الوطن العربي لإعداد أجيالٍ مُستمرةٍ منهم.

وكنتُ يوم أعددت نظير هذا البحث لطبعات المعجم السابقة، تمنيت على جامعاتنا في الوطن العربي استحداث برامجَ دراسية مكثفة لإعداد الاختصاصيين في الترجمة ووضع المصطلحات، يكون من شروط الانتساب إليها شهادةٌ جامعية في العلوم أو الآداب، ويُرَتَّب للمنتسبين فيها برنامجٌ دراسي لمدة سنتين يتلقون فيه دراسة مُعمَّقة في أصول اللغتين، لغة الأصل (المنقول عنها) ولغة الهدف (المنقول إليها)، وآدابهما وقواعد القياس والاشتقاق فيهما، ويطَّلعون على على الترجمات الممتازة للروائع التي نُقلت من إحداهما إلى الأخرى، ويدرسون دراسة مقارنة المرادفات والمصطلحات التي وضعتها المجامع العربية وأصحاب المجامع ورواد الترجمة في عصر النهضة قديماً وحديثاً، بالإضافة إلى ما يراه المُشرفون على هذا البرنامج من مستلزمات الكفاءة لهذا الاختصاص. وبالفعل هنالك اليوم بضعُ جامعات عربية تُقدِّم مثل هذه البرامج بشكلٍ أو بآخر.

والجديد في هذا السياق ما طبَّقته بعض الجامعات في الشرق والغرب من استحداث مساقاتٍ طويلة المدى وتخرُّجية وبعد تجرجية، تدمج اختصاص الدارس في مختلف الاختصاصات مع تدريبه على العمل في الوقت ذاته كمترجم ومصطلحي ومُعجمي في حقل تخصصه. ومؤخراً عرض أحد رواد "حركى التعريب الآن"(2) مشروع جامعة عربية للمصطلحات، يؤمُّها حاملو الدبلومات العرب من مختلف أنحاء الوطن العربي في شتى الاختصاصات وفيها يتثقفون بالاطلاع والممارسة في علم المصطلح ومنهجية وضعه ومجال المصطلحات عموماً، ثُمَّ كُلُّ فريق في متطلبات وثراث اختصاصه، ويكون من مهمات هذه الجامعة، إضافة إلى تهيئة الجهاز البشري الذي تتطلبه عمليات التعريب وتوحيد المصطلحات العلمية والعربية وتلافي ما بها من قُصور، الرَّصد المتواصل للمصطلحات الجديدة في مصادرها من الدوريات والمنشورات والكتب في مختلف الحقول من لغات العالم المُتقدم، وربما لاحقاً الإسهام مع جامعات العالم العربية الأخرى في ترجمة أمهات الكتب العلمية والثقافية العالمية وتوفير سبل وصولها إلى المعنيين. وهذا يقتضي تزويد الجامعة هذه بمكتبة ضخمة تشمل مختلف المراجع والوثائق والمعاجم والأعمال المصطلحية التي تم إنجازها منسقة حاسوبيًا، إن أمكن، ورفدها دوماً بكل جديد قومي أو عالمي في مختلف الاختصاصات.

إن الأعباء المادية والجهود الفنية والتقانية اللازمة لإنشاء هذه الجامعة لا تقارن، على جسامتها، بالمردود العلمي والحضاري الذي ستعود به جامعة المصطلحات على العالم العربي، والذي يتطلع إليه كل مُخْلِص.

جامعة المصطلحات، لعل فيها الأمل الفاعل في تحقيق الأماني بحل مشكلاتنا المصطلحية وتعريب التعليم بكافة فروعه ومستوياته وإنهاء غربة العربية عن استيعاب علوم العصر مواكبة تقاناته، إلى مثل هذا فيلعمل العاملون، والله الموفق.

إرشادات تعريب المصطلحات العلمية

  1. يُؤخذ بمبدأ القياس في اللغة.
  2. يجوز النحت عندما تُلجئُ إليه الضرورة العلمية: فنقول في كهربائي مغنطيس كَهرَمغنطيسي أو كهرمغنيطي، وفي كهربائي ضوئي كهرضَوئي، وفي شبه غَرَوي شِبْغرَوي.
  3. المصدر الصناعي: إذا أُريد صنعُ مصدرٍ من كلمة يُزاد عليها (ياء النسبة والتاء). من الأمثلة الحديثة على هذه المصادر قِلْوِيَّة، وحَمْضِيَّة، ومَفهوميَّة، وحسّاسيَّة.
  4. يُصاغ للدلالة على الحرفة أو شِبهها من أي باب من أبواب الثلاثي مصدرٌ على وزن فِعالة، مثل نِجارة وحِدادة وسِباكة وخِراطة وزِهارة وطِبابة ومِساحة ونِحالة.
  5. يُقاس المصدر على وزن (فَعَلان) لفَعَلَ اللازم مفتوح العين إذا دل على تقلب واضطراب: جَيَشان وغَلَبان ونَوَسان ونَبَضان وثَوَران.
  6. يُقاسُ من (فَعَلَ) اللازم المفتوح العين مصدرٌ على وزن (فُعَال) للدلالة على المرض: صُداع وكُساح وسُعال ونُكاف.
  7. يُجاز اشتقاق (فُعَال) و(فَعَل) للدلالة على الداء سواءٌ أوَرَدَ له فعلٌ أم لم يَرِد: مُعاد ودُوار وخُناق وعُصاب أو سَدَر ورَمَد وخَصَر وشَلَل.
  8. إن لم يَرد في اللغة مصدرٌ لـ(فَعَلَ) اللازم مفتوح العين الدال على صوت، يُجوز أن يُضاغ له -قياسًا- مصدرٌ على وزن (فُعال) أو (فَعيل)، مثل: ثُغاء وصُراخ وشُواش وحَفيف وهَدير وصَفير.
  9. يصح أخذ المصدر الذي على وزن (تَفْعال) من الفعل للدلالة على الكثرة والمبالغة كما في تَهْطال وتَبْيان؛ وكذلك تصحُّ صياغة هذا الوزن مما لم يَرد فيه فعل.
  10. تُتّخَذُ صيغة (التَّفاعُل) للدلالة على الاشتراك مع المساواة أو التماثل، كالترابُط والتقارُن والتوافُق.
  11. يُصاغ قياسًا من الفعل الثلاثي (مِفْعَل) و(مِغْعَلَة) و(مِفعال) للدلالة على الآلة التي يُعالج بها الشيء: مِبْرَد ومِثْقَب، مِخْرَطَة ومِلْزَمَة، مِثْقاب ومِطْياف. يُضاف إلى صيغ اسم الآلة أيضًا الأوزان (فاعِلة): رافِعة وسانِيَة، و(فاعُول): حاسُوب وساطُور، و(فِعال): إِثار وبِذال. كذلك فإن استعمال صيغة (فَعَّالَة) اسمًا للآلة هو استعمالٌ عربي صحيحٌ: ثَقّابَة وبَرَّادَة وفَتَّاحَة.
  12. يُصاغُ (فَعّال) قياسًا للدلالة على الاحتراف أو ملازمة الشيء: زَجّاج وحَدّاد وسَبّاك ودَهّان.
  13. يُصاغُ (فَعّال) للمبالغة من مصدر الفعل الثلاثي اللازم والمتعدي: ذَوّاب وأَكّال ودَوّار.
  14. يُصاغُ وِزان (فُعَالة) للدلالة على فُضالة الشيء أو ما تَحات منه أو ما بَقيَ منه بعد الفعل، مثل: نُشارة وبُرادة ورُشاحة وقُطارة وعُصارة وكُثافة.
  15. يُصاغُ وِزان (مَفْعَلة) قِياسًا من أسماء الأعيان الثلاثية الأصول للمكان الذي تكثر فيه هذه الأعيان أكانتْ من الحيوان أم من النبات أم من الجماد، مع إجازة التصحيح أو الإعلال في ما وسطه حرف علة، فيُقال مثلًا: مَلْبَنَة ومَطْيَنَة ومَقْطَنة ومَزْرَعة ومَقْصَبة ومَفْرَسَة.
  16. الاشتقاقُ من الجامد أُجيز للضرورة في لغة العلوم، كما في: مُهَدْرَج ومُكَرْبَن ومُيَوَّد ومُبَسْتَر بصفتها صفات للمواد المُعالجة بالهيدروجين والكربون واليود والبسترة.
  17. (فَعَّلَ) المُضعّف مَقيسٌ للتكثير والمبالغة: كَسَّرَ وخَضَّر ولَمَّعَ.
  18. كلُّ فعلٍ ثلاثي متعدٍ دالٍ على معالجة حسية فمطاوعه القياسي (اِنْفعل): انْكَسَر وانْحنى وانْفَصَل، أما إذا كانت فاءُ الفعلِ واوًا أو لامًا أو نونًا أو ميمًا أو راءً، فالقياس فيه (افْتَعَلَ): امْتَدّ والْتَفّ وارْتَدّ.
  19. قياس المطاوعة لـ(فَعَّلَ) مُضعَّف العين هو (تَفَعَّل): تَكَسّر وتَعَدَّل وتَصَعَّد.
  20. قياس المطاوعة لـ(فَاعَلَ) الذي أُريدَ به وصفُ مفعولِه بأصلٍ مصدره يكون (تَفَاعَلَ): تَبَاعَدَ وتَوَازَنَ.
  21. قياسُ المطاوعة من (فَعْلَلَ) وما أُلحق به (تَفَعْلَلَ): تَفَلْطَحَ وتَدَحْرَجَ.
  22. صيغة (اسْتَفْعَلَ) قياسيةٌ لإفادة الطلب أو الصيرورة: اسْتَمْهَلَ واسْتَنْجَدَ -للطلب-، واسْتَحْجَر واسْتَطَالَ -للصيرورة-.
  23. يُنسب إلى لفظِ الجمع عند الحاجة، كإرادة التمييز ونحو ذلك: صُوَريّ وجُزُريّ ووَثائقيّ وعُمّاليّ وجماهيريّ. كما يجوز النسبة إلى المثنى في المصطلحات العلمية، كما في: إثناني وبُطَيْناني وأُذَيْناني.
  24. إظهار الكون (الوجود) العام -كما في قولك: (هذا حمضٌ يوجد (أو موجود) في عسل الشمع)- جائزٌ وصحيح.
  25. يجوز جمع المصدر عندما تختلف أنواعه، كما في توصيلات وإرسابات وتمديدات وإشعاعات.
  26. تعدية الفعل الثلاثي بالهمزة قياسية: أبدأُ وأَلان وأَدار.

هوامش

1. هذا العمل بالكامل من إنتاج شيخ المعجمين العرب أحمد شفيق الخطيب (1926 - 2015) نُشر على صورة ملحقين في معجمه: Q12244028، ص. 999، QID:Q12244028

2. الدكتور عبد الكريم خليفة، رئيس مجمع اللغة العربية الأردني وعضو مجمع اللغة العربية ونائب رئيس اتحاد المجامع العربية في القاهرة.