عرض مصدر خوف (إسلام)

{{عن|3=خوف (توضيح)}}

{{إسلام}}

يعتقد المسلمون أن ال'''خوف''' عبادة للقلب لا تصلح إلا لله تعالى، فهي كالذل والإنابة والتوكل و[[محبة (إسلام)|المحبة]] و[[رجاء (إسلام)|الرجاء]] وغيرها من عبادة القلب لله تعالى، ويرون أن هذه العبادة قد جاء في بيان عظمتها مواضع عديدة في القرآن والسنة النبوية؛ فناسب بيان مفهومها وأدلتها، والفرق بينها وبين اليأس والقنوط، مع بيان الأسباب الجالبة للخوف من الله، وذكر الأسباب التي تحسم مادة الخوف من غير الله، مع التفصيل لأقسام الخوف من جهة الحكم.

== مفهوم الخوف ==

قال [[الراغب الأصفهاني]]: «الخوف من الله لا يراد به ما يخطر بالبال من الرعب كاستشعار الخوف من الأسد، بل يراد به الكف عن المعاصي وتحري الطاعات، ولذلك قيل: لا يعد خائفا من لم يكن للذنوب تاركا».<ref>[[المفردات في غريب القرآن]] ص303.</ref>

== الخوف في الشريعة الإسلامية ==
بحسب الشريعة الإسلامية فإن عبادة الخوف من الله تعالى من أجلّ العبادات وأعظمها، بل هي أحد أركان العبادة الثلاثة: المحبة والخوف و[[رجاء (إسلام)|الرجاء]]، والخوف هو فرض على كل أحد، وشرط للإيمان، وعلى قدر إيمان العبد يكون الخوف من الله.<ref>تفسير [[عبد الرحمن بن ناصر السعدي|السعدي]] ص175.</ref>
قال تعالى: {{قرآن|آل عمران|175|لا تخريج=1}} [ [[سورة آل عمران|آل عمران]]:175]، {{قرآن|النحل|51|لا تخريج=1}} [ [[سورة النحل|النحل]]:51].
والله تعالى حقيق أن يُخشى ويتقى، قال تعالى لنبيه: {{قرآن|الأحزاب|37|لا تخريج=1}} [ [[سورة الأحزاب|الأحزاب]]:37]، وقال تعالى: {{قرآن|التوبة|13|لا تخريج=1}} [ [[سورة التوبة|التوبة]]:13]، ونهى الله عن الخوف من الكافرين والظالمين والناس أجمعين وأمر بخشيته وحده.
قال تعالى: {{قرآن|المائدة|44|لا تخريج=1}} [ [[سورة المائدة|المائدة]]:44]، {{قرآن|البقرة|150|لا تخريج=1}} [ [[سورة البقرة|البقرة]]:150].
وقد ذكره الله تعالى في كتابه عن سادات المقربين من الملائكة والأولياء والصالحين.<ref>تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد ص416.</ref>

قال الله تعالى: {{قرآن|النحل|50|لا تخريج=1}} [ [[سورة النحل|النحل]]:50]، وقال الله تعالى: {{قرآن|الأنبياء|28|لا تخريج=1}} [ [[سورة الأنبياء|الأنبياء]]:28]، وقال تعالى: {{قرآن|المؤمنون|57|لا تخريج=1}} [ [[سورة المؤمنون|المؤمنون]]:57]، وقال تعالى: {{قرآن|الأحزاب|39|لا تخريج=1}} [ [[سورة الأحزاب|الأحزاب]]:39].
ووعد الله بنصر الدنيا وبثواب الآخرة لأهل الخوف، وذلك إنما يكون لأنهم أدوا الواجب<ref>الإيمان [[ابن تيمية|لابن تيمية]] ص21.</ref>، ويدل عليه قوله تعالى: {{قرآن|إبراهيم|13|إلى آية=14|لا تخريج=1}} [ [[سورة إبراهيم|إبراهيم]]:13-14].
قال [[السدي|السُّدِّي]] في قوله تعالى:{الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}[الأنفال:2]: «هو الرجل يريد أن يظلم أو يَهِمَّ بمعصية فَيْنزِعَ عنه».<ref>تفسير [[محمد بن جرير الطبري|الطبري]] 13/ 387.</ref>

والخوف من الله من أسباب دخول الجنة، قال مجاهد في قوله تعالى: {{قرآن|الرحمن|46|لا تخريج=1}} [ [[سورة الرحمن|الرحمن]]:46]، «هو الرجل يهم بالمعصية فيذكر مقامه بين يدي الله -عز وجل- فيخاف فيتركها فله جنتان»<ref>تفسير مقاتل بن سليمان 4/202.</ref>
وجاء في [[محمد بن إسماعيل البخاري|البخاري]]<ref>أخرجه البخاري برقم (3481).</ref> و[[مسلم]]<ref>أخرجه مسلم برقم (25).</ref> {{اقتباس حديث|[[أبو هريرة|أبي هريرة]]|متن=أَسَرف رجل على نفسه، فلما حضره الموت أوصى بنيه فقال: إذا أنا مت فأحرقوني، ثم اسحقوني، ثم اذْرُوني في الريح في البحر، فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه به أحدا، قال: ففعلوا ذلك به، فقال للأرض: أدي ما أخذت، فإذا هو قائم، فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: خشيتك، يا رب -أو قال مخافتك- فغفر له بذلك}}.
وأخبر النبي (صلى الله عليه وسلم) أن الصالحين في وجل دائم من ربهم، وأنهم لايغترون بالأعمال الصالحة.
عن عائشة ({{رضي الله عنها}}) قالت: قلت: يا رسول الله {{قرآن|المؤمنون|60|لا تخريج=1}} [ [[سورة المؤمنون|المؤمنون]]:60]، أهو الذي يزني، ويسرق، ويشرب الخمر؟ قال: ((لا، يا بنت أبي بكر أو يا بنت الصديق ولكنه الرجل يصوم، ويتصدق، ويصلي، وهو يخاف أن لا يتقبل منه)).<ref>أخرجه [[ابن ماجه|محمد بن ماجه]] برقم (4189) وحسنه [[محمد ناصر الدين الألباني|الألباني]] في سنن ابن ماجه برقم (4189).</ref>

== الفرق بين الخوف والقنوط ==

يعتقد علماء [[أهل السنة والجماعة]] أن الخوف المقصود به في [[القرآن]] و[[الحديث النبوي|السنة]]، والمأمور به المسلم، هو الخوف الذي يحول بين المرء وبين ماحرم الله، مع رجاءه بفضل الله ورحمته، وعدم يأسه وانقطاعه.
أما القنوط: فهو عبارة عن يأس مفرط يظهر أثره في الشخص فيتضاءل وينكسر أي مبالغ في قطع الرجاء من فضل الله تعالى ورحمته.<ref>إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود محمد مصطفى 8/18.</ref>
قال تعالى: {{قرآن|الزمر|53|إلى آية=54|لا تخريج=1}} [ [[سورة الزمر|الزمر]]:53-54]، وقال تعالى: {{قرآن|الأعراف|156|لا تخريج=1}} [ [[سورة الأعراف|الأعراف]]:156].
قال أحمد المقدسي في كتابه مختصر منهاج القاصدين:<ref>مختصر منهاج القاصدين لأحمد المقدسي ص304 بتصرف يسير.</ref> «فائدة الخوف الحذر، والورع، والتقوى، والمجاهدة والفكر، والذكر، والتعبد وسائر الأسباب التي توصل إلى الله تعالى، وكل ذلك يستدعى الحياة، مع صحة البدن وسلامة العقل، فإذا قدح في ذلك شيء، كان مذموماً. فإن الخوف المفرط، فهو كالذي يقوى ويجاوز حد الاعتدال حتى يخرج إلى اليأس والقنوط، فهو أيضاً مذموم، لأنه يمنع من العمل».
قال شارح الطحاوية ابن أبي العز الحنفي:<ref>شرح الطحاوية لابن أبي العز الحنفي ص330.</ref> «يجب أن يكون العبد خائفا راجيا، فإن الخوف المحمود الصادق: ما حال بين صاحبه وبين محارم الله، فإذا تجاوز ذلك خيف منه اليأس والقنوط».
قال [[ابن رجب الحنبلي|ابن رجب]]: «ولا ننكر أن خشية الله وهيبته وعظمته في الصدور وإجلاله مقصود أيضاً، ولكن القدر النافع من ذلك ما كان عوناً على التقرب إلى الله بفعل ما يحبه وترك ما يكرهه، ومتى صار الخوف مانعاً من ذلك وقاطعاً عنه فقد انعكس المقصود منه».<ref>التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار لابن رجب ص29.</ref>

== الأسباب الجالبة للخوف من الله وحده ==

ذهب العالم الإسلامي [[ابن قيم الجوزية|ابن القيم]] إلى أن الخوف ينشأ من ثلاثة أمور: أحدها: معرفته بالجناية وقبحها، والثاني: تصديق الوعيد وأن الله رتب على المعصية عقوبتها، والثالث: أنه لا يعلم لعله يمنع من التوبة ويحال بينه وبينها إذا ارتكب الذنب، فبهذه الأمور الثلاثة يتم له الخوف، وبحسب قوتها وضعفها تكون قوة الخوف وضعفه.<ref>طريق الهجرتين [[ابن قيم الجوزية|لابن القيم]] 283.</ref>

== الأسباب التي تحسم مادة الخوف من غير الله ==

ويعتقد [[ابن قيم الجوزية|ابن القيم]] الجوزية إلى أن الأسباب التي تحسم مادة الخوف من غير الله: هو التسليم لله، فإن من سلم لله واستسلم له، وعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له، لم يبق لخوف المخلوقين في قلبه موضع أيضا، فإن نفسه التي يخاف عليها قد سلمها إلى وليها ومولاها، وعلم أنه لا يصيبها إلا ما كتب لها، وأن ما كتب لها لا بد أن يصيبها، فلا معنى للخوف من غير الله بوجه.<ref>مدارج السالكين [[ابن قيم الجوزية|لابن القيم]] 2/32.</ref> ويدل على هذا حديث ابن عباس رضي الله عنه، قال: كنت خلف رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} يوما، فقال: ((يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)).<ref>أخرجه [[أبو عيسى محمد الترمذي|الترمذي]] (2516) وقال: هذا حديث حسن صحيح.</ref>
وكذلك ذكر الله يذهب عن القلب مخاوفه كلها وله تأثير عجيب في حصول الأمن فليس للخائف الذي قد اشتد خوفه أنفع من ذكر الله إذ بحسب ذكره يجد الأمن ويزيل خوفه حتى كأن المخاوف التي يجدها أمان له والغافل خائف مع أمنه حتى كأن ماهو فيه من الأمن كله مخاوف ومن له أدنى حس قد جرب هذا.<ref>الوابل الصيب لابن القيم ص77.</ref> ويدل على هذا قوله تعالى: {{قرآن|آل عمران|173|لا تخريج=1}} [ [[سورة آل عمران|آل عمران]]:173].

== أقسام الخوف من جهة الحكم ==

قسم بعض علماء المسلمين الخوف من جهة الحكم إلى أربعة أقسام:

'''القسم الأول''': الخوف الشركي: وهو خوف العبادة والتذلل والتعظيم والخضوع، وهو ما يسمى بخوف السر؛ وهذا لا يصلح إلا لله - سبحانه -، فمن أشرك فيه مع الله غيره; فهو مشرك شركا أكبر، وذلك مثل: من يخاف من الأصنام أو الأموات، أو من يزعمونهم أولياء ويعتقدون نفعهم وضرهم; كما يفعله بعض عباد القبور يخاف من صاحب القبر أكثر مما يخاف الله.<ref>القول المفيد على كتاب التوحيد [[محمد بن صالح العثيمين|لابن عثيمين]] 2/68.</ref>
ويدخل في الخوف الشركي: أن يخاف من غير الله أن يصيبه بما يشاء من مرض أو فقر أو قتل ونحو ذلك بقدرته ومشيئته<ref>تيسير العزيز الحميد لسليمان بن عبدالله ص411.</ref>، فمتى ما خاف العبد من غير الله تعالى، وظن أنه قادر على أن يصيبه بمكروه بمشيئته وقدرته وإن لم يباشره، فهذا شرك أكبر، لأنه اعتقاد للنفع والضر في غير الله.<ref>انظر: تيسير العزيز الحميد لسليمان بن عبدالله ص23.</ref> وقد أخبر الله عن المشركين الذين يعتقدون في آلهتهم ذلك الاعتقاد، ولهذا يُخَوِّفون بها أولياء الرحمن، كما قال قوم هود{{عليه السلام}} الذين عندما خوفوه بآلهتهم فقالوا: {{قرآن|هود|54|لا تخريج=1}} [ [[سورة هود|هود]]:54].<ref>تيسير العزيز الحميد لسليمان بن عبدالله ص417، رسالة الشيخ محمد الحمد في العقيدة ص8.</ref>

'''القسم الثاني''': الخوف المحرم: وهو أن يترك ما يجب عليه من جهاد وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر لغير عذر خوفا من بعض الناس، مثل أن يترك الأمر بالمعروف خوفا على عرضه، وأن يطيل ثوبه أو يحلق لحيته خوفا من انتقادات الناس<ref>منحة الحميد في تقريب كتاب التوحيد للدبيخي ص485.</ref>، ويدل عليه قوله تعالى: {{قرآن|آل عمران|175|لا تخريج=1}} [ [[سورة آل عمران|آل عمران]]:175].

'''القسم الثالث''': الخوف الطبيعي: وهو الخوف الذي لم يقارنه تعظيم وذل ممن خيف منه، وكان سببا صحيحا، كالخوف من عدو، ولص، وسبع، وغرق، ونحو ذلك، فهذا لا يذم، ودليله قوله تعالى: {{قرآن|القصص|21|لا تخريج=1}} [ [[سورة القصص|القصص]]:21]، والخوف الطبيعي ليس بمذموم مطلقا إلا حين يصل إلى حد ترك ما أوجب الله تعالى، كمن يترك الجهاد الواجب في سبيل الله خوف القتل أو العدو.<ref>منحة الحميد في تقريب كتاب التوحيد لخالد الدبيخي ص486.</ref>

'''القسم الرابع''': الخوف الوهمي: وهو الخوف الذي ليس له سبب أصلا، أو له سبب ضعيف، مثل أن يرى ظل شجرة تهتز، فيظن أن هذا عدو يتهدده، فهذا مذموم يدخل صاحبه في وصف الجبناء، وهو من الأخلاق الرذيلة.<ref>القول المفيد على كتاب التوحيد لابن عثيمين2/68. القول السديد للسعدي ص486.</ref>

==انظر أيضاً==
* [[خشوع]]
* [[محبة (إسلام)|محبة]]
* [[رجاء (إسلام)|رجاء]]

== روابط خارجية ==


[http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=38060 أنواع الخوف وحكم كل نوع - إسلام ويب]
== المصادر ==
{{مراجع}}

{{مصطلحات التصوف}}
{{دراسات إسلامية}}

{{شريط بوابات|إسلام|تصوف}}

[[تصنيف:عقيدة إسلامية]]
[[تصنيف:تصوف إسلامي]]
[[تصنيف:مصطلحات إسلامية]]