إلى جانب النضال الاجتماعي الذي قام به الاتحاد العام التونسي للشغل خلال الفترة الاستعمارية، قام بدور وطني بارز من خلال الإضرابات ومواقف قادته من مختلف القضايا الوطنية المطروحة ومن خلال تنسيقه مع الحزب الحر الدستوري الجديد التونسي الجديد أكبر الأحزاب الوطنية. وقد تولى زعيمه فرحات حشاد خلال فترة المقاومة العنيفة قيادة الحركة الوطنية، وهو ما كلفه الاستشهاد حيث اغتالته عصابة اليد الحمراء الاستعمارية يوم 5 ديسمبر/كانون الأول1952.
غير أن تلك العلاقة سرعان ما انفجرت سنة 1956 حيث أبعد السيد أحمد بن صالح عن الأمانة العامة بأمر من بورقيبة. وأصبحت السلطة تتدخل في تسمية وعزل المسؤولين النقابيين ومن بينهم السيد الحبيب عاشور سنة 1965. وقد نصب عوضا عنه أمين عام موال للسلطة هو السيد البشير بلاغة. وبعد أن وقع التراجع عن التجربة التعاضدية سنة 1969، أعيد عاشور على رأس المنظمة النقابية ليدعم التوجه الجديد الذي كان يقوده الوزير الأول السيد الهادي نويرة.
بين الشد والجذب
لكن ما فتئ أن انقلبت الأوضاع في النصف الثاني من السبعينات حتى استقال الحبيب عاشور من قيادة الحزب الحاكم، وأعلن الاتحاد العام لتونسي للشغل الإضراب العام في البلاد وهو ما أدى إلى مواجهات وصدامات في الشارع سقط خلالها العشرات فيما يعرف في اليوميات التونسية بالخميس الأسود 26 جانفي 1978. وألقي القبض على القيادات النقابية، ليطلق سراحهم سنة 1980 في ظرفية جديدة. ثم استمرت وضعية الشد والجذب بعد ذلك حتى أعيد عاشور إلى السجن من جديد في أواسط الثمانينات.
الاتحاد الجديد
بعد المسار الجديد الذي سلكته البلاد إثر السابع من نوفمبر 1987، انعقد مؤتمر خارق للعادة للاتحاد في مدينة سوسة سنة 1989 وصعدت قيادة جديدة على رأسها السيد إسماعيل السحباني الذي أعيد انتخابه سنتي 1993و1999، لكنه انتهى سنة 2000 بالسجن حيث وجهت إليه تهم بالفساد. وقد عوضه على رأس الاتحاد في 21 سبتمبر2000 السيد عبد السلام جراد وقد أعيد انتخابه في المؤتمر المنعقد في جربة سنة 2002 كما انتخب مرة أخرى سنة 2006. وتميزت هذه الفترة في عمومها بتراجع العمل النقابي في ظل العولمة والاتجاه الجارف نحو الخوصصة.
أما سياسيا فقد أيد الاتحاد سنة 2004 ترشيح الرئيس زين العابدين بن علي للانتخابات الرئاسية. إلا أنه وقف ضد الزيارة التي كان يزمع القيام بها إلى تونسأرييل شارون بمناسبة القمة العالمية لمجتمع المعلومات (نوفمبر2005). كما عرفت هذه الفترة محاولة لتأسيس نقابة جديدة هي الكنفيدرالية العامة للشغل في التسعينات.
بعد الثورة
حادثة 4 ديسمبر 2012
شهدت ساحة محمد علي، أين يقع المقر المركزي للاتحاد العام التونسي للشغل اشتبكات خلال احياء الاتحاد للذكرى الستين لاغتيال مؤسس المنظمة، المناضل النقابي والوطني التونسي فرحات حشاد.[2]
وعلى اثر هذا الاعتداء اعلنت الهيئة الادارية للاتحاد في بيان حرر في اليوم الموالي (5 ديسمبر 2012) أنها ستنظم اضراب عاما في كافة أرجاء الجمهورية التونسية يوم 13 ديسمبر 2012.[3]
أمّا يوم 6 ديسمبر 2012، فقد شهدت كل من ولاية صفاقس، سيدي بوزيد، سليانة وقفصة إضرابات عامة لقت نجاحا متوسطا.[4]
واثر لقاء بين الأمين العام للاتحاد حسين العباسيورئيس الجمهورية التونسية الدكتور المنصف المرزوقي، أكد الأمين العام تمسك الاتحاد بالاضراب العام يوم 13 ديسمبر 2012.[5]
وتنديدا بهذه الواقعة، أصدرت رئاسة المجلس الوطني التأسيسي[6] وعدد كبير من الأحزاب اليسارية والديمقراطية إضافة إلى عدد هام من النقابات والمنظمات العالمية بيانات عبروا من خلالها عن دعمهم للاتحاد وعن تأكيدهم لأهمية حلّ رابطات حماية الثورة.
كان الاتحاد دائما ممثلا في البرلمان التونسي، وذلك في إطار قوائم الحزب الحاكم: في البداية في إطار الجبهة الوطنية، ثم ضمن قوائم الحزب الاشتراكي الدستوري تحت حكم الحبيب بورقيبة، ثم ضمن قوائم التجمع الدستوري الديمقراطي تحت حكم زين العابدين بن علي، ويذكر أن النقابة كانت تترك حرية الاختيار لمرشحيها للترشح ضمن قوائم الحزب الحاكم. فانتخابات المجلس الوطني التأسيسي 2011 بعض النقابيين قدموا قوائم مستقلة: منصف اليعقوبي وحسن الديماسي ورضا بوزريبة وعبد النور المداهي ومحمد الطاهر الشايب ومنجية الزبيدي ويوسف الصالح وبشير العبيدي، آخرين كانوا رؤساء قوائم لأحزاب مثل حفيظ حفيظ، ولكن لم يستطع أي أحد منهم الفوز بمقاعد في المجلس.
في 2004، فقط نائبين إثنين تمسك بهم التجمع الدستوري الديمقراطي، من بينهم عمارة العباسي الذي يملك تأثير كبير على النقابات المنجمية، وفاز هنا بولاية رابعة.
شهادة أحمد بن صالح السياسية، إضافات حول: نضاله الوطني والدولي، تقديم: د. عبد الجليل التميمي، منشورات مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات، زغوان-تونس 2002.