حملة الفقراء الصليبية: الفرق بين النسختين

ط
لا يوجد ملخص تحرير
لا ملخص تعديل
 
طلا ملخص تعديل
 
سطر 46: سطر 46:
لا تقُل الأسباب السياسيَّة لِلحملات الصليبيَّة أهميَّةً عن الأسباب الدينيَّة، بل يعتبرها البعض مُجرَّد حلقةٍ من الصراع العنيف الطويل بين الشرق والغرب الذي تجلَّى من قبل في [[الحروب الفارسية اليونانية|حُرُوب الفُرس والإغريق]] وفي حُرُوب [[إمبراطورية قرطاجية|قرطاج]] و[[الجمهورية الرومانية|روما]] وغيرها من الحُرُوب. ففي سنة [[13 هـ|13هـ]] المُوافقة لِسنة [[634]]م، ابتدأ الشرق يُهاجم الغرب، هذه المرَّة بِحُلَّةٍ إسلاميَّة، فتمكَّن المُسلمون من إلحاق الهزيمة بِالروم في عدَّة وقعات وافتتحوا [[الفتح الإسلامي للشام|الشَّام]] و[[الفتح الإسلامي لمصر|مصر]] و[[الفتح الإسلامي للمغرب|المغرب الأدنى]] وانتزعوها نهائيًّا من الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة.<ref name="المصور"/> ولم يكتفِ المُسلمون بِهذه البلاد والمناطق، بل تخطُّوها إلى [[المغرب الأقصى]] وبلغوا ساحل [[المحيط الأطلسي|المُحيط الأطلسي]]، واتخذوا من تلك المناطق قاعدةً لِلوُثُوب إلى أوروپَّا، فغزوا جزيرة [[سردينيا|سردانية]] سنة [[92 هـ|92هـ]] المُوافقة لِسنة [[711]]م،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ياقوت الحموي|الحموي، شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله]]|عنوان= مُعجم البُلدان|المجلد=الجُزء الثالث|صفحة= 209|سنة= [[1397 هـ|1397هـ]] - [[1979]]م|ناشر=دار صادر|مكان=[[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://ia800207.us.archive.org/12/items/waq0093/03-0095.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210124003638/https://ia800207.us.archive.org/12/items/waq0093/03-0095.pdf | تاريخ أرشيف = 24 يناير 2021 }}</ref> وفي السنة ذاتها عبر القائد الكبير [[طارق بن زياد]] [[مضيق جبل طارق|المضيق الفاصل]] بين [[شبه الجزيرة الإيبيرية|شبه الجزيرة الأيبيريَّة]] والمغرب الأقصى واستطاع [[الفتح الإسلامي للأندلس|افتتاح شبه الجزيرة المذكورة]] بِحُلُول أواخر سنة [[95 هـ|95هـ]] المُوافقة لِسنة [[714]]م. وبِفتح أيبيريا بدت خسارة الكنيسة واضحةً جليلة، إذ فقدت بلادًا ارتبطت بها أُصُول المسيحيَّة الأولى مثل الشَّام ومصر، فضلًا عن بلادٍ أُخرى كانت بِمثابة أعضاء أساسيَّة في [[العالم المسيحي]] مثل [[إفريقية]] وأيبيريا. وفي جميع البلاد التي فتحها المُسلمون أقبلت نسبة كبيرة من الأهالي على اعتناق الإسلام عن اختيارٍ وإرادةٍ حُرَّة، كما يقول [[استشراق|المُستشرق]] [[بريطانيون|البريطاني]] [[توماس أرنولد|طوماس أرنولد]].<ref name="عاشور">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[سعيد عبد الفتاح عاشور|عاشور، سعيد عبد الفتَّاح]]|عنوان= الحركة الصليبيَّة: صفحة مُشرقة في تاريخ الجهاد الإسلامي في العُصُور الوُسطى|طبعة= الأولى|صفحة= 45|سنة= [[2010]]|ناشر= [[مكتبة الأنجلو المصرية]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|المجلد= الجُزء الأوَّل|مسار=https://ia800906.us.archive.org/17/items/lis_tar04/lis_tar0409_1.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210901072657/https://ia800906.us.archive.org/17/items/lis_tar04/lis_tar0409_1.pdf | تاريخ أرشيف = 1 سبتمبر 2021 }}</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[توماس أرنولد|أرنولد، طوماس ووكر]]|مؤلف2= ترجمة: د. حسن إبراهيم حسن، د. عبد المجيد عابدين، إسماعيل النحراوي|عنوان= الدعوة إلى الإسلام: بحثٌ في تاريخ نشر العقيدة الإسلاميَّة|طبعة= الثانية|صفحة= 69 - 70|سنة= [[1971]]|ناشر= مكتبة النهضة المصريَّة|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار=https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=http://books-library.online/files/download-pdf-ebooks.org-1476568678-387.pdf&hl=ar| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201017180647/https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=http://books-library.online/files/download-pdf-ebooks.org-1476568678-387.pdf&hl=ar | تاريخ أرشيف = 17 أكتوبر 2020 }}</ref> ولكنَّ المسيحيين في الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة وأوروپَّا الغربيَّة، الذين لم يتثاقفوا مع المُسلمين أو يتعايشون معهم، لم يفهموا طبيعة الديانة الجديدة التي خرجت من [[شبه الجزيرة العربية|شبه الجزيرة العربيَّة]]، وكُل ما أدركوه هو أنَّ المُسلمين خرجوا لِيبتلعوا بلدًا بعد آخر من البُلدان التي كانت المسيحيَّة قد سبقت إليها، وانتشرت فيها، وصارت تعتز بِبقائها في حوزتها، وبِعبارةٍ أُخرى فإنَّ كنيستيّ القُسطنطينيَّة وروما ورجالاتهما لم يروا في الإسلام والمُسلمين إلَّا خطرًا جاثمًا هدَّدهم وهدَّد كيانهم، ولم يستطيعوا حتَّى نهاية العُصُور الوُسطى أن ينسوا الخسارة التي لحقت بهم نتيجة لِانتشار الإسلام، ممَّا جعلهم يشعرون دائمًا بِالرغبة في الانتقام من الإسلام والمُسلمين.<ref name="عاشور"/>
لا تقُل الأسباب السياسيَّة لِلحملات الصليبيَّة أهميَّةً عن الأسباب الدينيَّة، بل يعتبرها البعض مُجرَّد حلقةٍ من الصراع العنيف الطويل بين الشرق والغرب الذي تجلَّى من قبل في [[الحروب الفارسية اليونانية|حُرُوب الفُرس والإغريق]] وفي حُرُوب [[إمبراطورية قرطاجية|قرطاج]] و[[الجمهورية الرومانية|روما]] وغيرها من الحُرُوب. ففي سنة [[13 هـ|13هـ]] المُوافقة لِسنة [[634]]م، ابتدأ الشرق يُهاجم الغرب، هذه المرَّة بِحُلَّةٍ إسلاميَّة، فتمكَّن المُسلمون من إلحاق الهزيمة بِالروم في عدَّة وقعات وافتتحوا [[الفتح الإسلامي للشام|الشَّام]] و[[الفتح الإسلامي لمصر|مصر]] و[[الفتح الإسلامي للمغرب|المغرب الأدنى]] وانتزعوها نهائيًّا من الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة.<ref name="المصور"/> ولم يكتفِ المُسلمون بِهذه البلاد والمناطق، بل تخطُّوها إلى [[المغرب الأقصى]] وبلغوا ساحل [[المحيط الأطلسي|المُحيط الأطلسي]]، واتخذوا من تلك المناطق قاعدةً لِلوُثُوب إلى أوروپَّا، فغزوا جزيرة [[سردينيا|سردانية]] سنة [[92 هـ|92هـ]] المُوافقة لِسنة [[711]]م،<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ياقوت الحموي|الحموي، شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله]]|عنوان= مُعجم البُلدان|المجلد=الجُزء الثالث|صفحة= 209|سنة= [[1397 هـ|1397هـ]] - [[1979]]م|ناشر=دار صادر|مكان=[[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://ia800207.us.archive.org/12/items/waq0093/03-0095.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210124003638/https://ia800207.us.archive.org/12/items/waq0093/03-0095.pdf | تاريخ أرشيف = 24 يناير 2021 }}</ref> وفي السنة ذاتها عبر القائد الكبير [[طارق بن زياد]] [[مضيق جبل طارق|المضيق الفاصل]] بين [[شبه الجزيرة الإيبيرية|شبه الجزيرة الأيبيريَّة]] والمغرب الأقصى واستطاع [[الفتح الإسلامي للأندلس|افتتاح شبه الجزيرة المذكورة]] بِحُلُول أواخر سنة [[95 هـ|95هـ]] المُوافقة لِسنة [[714]]م. وبِفتح أيبيريا بدت خسارة الكنيسة واضحةً جليلة، إذ فقدت بلادًا ارتبطت بها أُصُول المسيحيَّة الأولى مثل الشَّام ومصر، فضلًا عن بلادٍ أُخرى كانت بِمثابة أعضاء أساسيَّة في [[العالم المسيحي]] مثل [[إفريقية]] وأيبيريا. وفي جميع البلاد التي فتحها المُسلمون أقبلت نسبة كبيرة من الأهالي على اعتناق الإسلام عن اختيارٍ وإرادةٍ حُرَّة، كما يقول [[استشراق|المُستشرق]] [[بريطانيون|البريطاني]] [[توماس أرنولد|طوماس أرنولد]].<ref name="عاشور">{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[سعيد عبد الفتاح عاشور|عاشور، سعيد عبد الفتَّاح]]|عنوان= الحركة الصليبيَّة: صفحة مُشرقة في تاريخ الجهاد الإسلامي في العُصُور الوُسطى|طبعة= الأولى|صفحة= 45|سنة= [[2010]]|ناشر= [[مكتبة الأنجلو المصرية]]|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|المجلد= الجُزء الأوَّل|مسار=https://ia800906.us.archive.org/17/items/lis_tar04/lis_tar0409_1.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210901072657/https://ia800906.us.archive.org/17/items/lis_tar04/lis_tar0409_1.pdf | تاريخ أرشيف = 1 سبتمبر 2021 }}</ref><ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[توماس أرنولد|أرنولد، طوماس ووكر]]|مؤلف2= ترجمة: د. حسن إبراهيم حسن، د. عبد المجيد عابدين، إسماعيل النحراوي|عنوان= الدعوة إلى الإسلام: بحثٌ في تاريخ نشر العقيدة الإسلاميَّة|طبعة= الثانية|صفحة= 69 - 70|سنة= [[1971]]|ناشر= مكتبة النهضة المصريَّة|مكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار=https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=http://books-library.online/files/download-pdf-ebooks.org-1476568678-387.pdf&hl=ar| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20201017180647/https://docs.google.com/viewerng/viewer?url=http://books-library.online/files/download-pdf-ebooks.org-1476568678-387.pdf&hl=ar | تاريخ أرشيف = 17 أكتوبر 2020 }}</ref> ولكنَّ المسيحيين في الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة وأوروپَّا الغربيَّة، الذين لم يتثاقفوا مع المُسلمين أو يتعايشون معهم، لم يفهموا طبيعة الديانة الجديدة التي خرجت من [[شبه الجزيرة العربية|شبه الجزيرة العربيَّة]]، وكُل ما أدركوه هو أنَّ المُسلمين خرجوا لِيبتلعوا بلدًا بعد آخر من البُلدان التي كانت المسيحيَّة قد سبقت إليها، وانتشرت فيها، وصارت تعتز بِبقائها في حوزتها، وبِعبارةٍ أُخرى فإنَّ كنيستيّ القُسطنطينيَّة وروما ورجالاتهما لم يروا في الإسلام والمُسلمين إلَّا خطرًا جاثمًا هدَّدهم وهدَّد كيانهم، ولم يستطيعوا حتَّى نهاية العُصُور الوُسطى أن ينسوا الخسارة التي لحقت بهم نتيجة لِانتشار الإسلام، ممَّا جعلهم يشعرون دائمًا بِالرغبة في الانتقام من الإسلام والمُسلمين.<ref name="عاشور"/>
[[ملف:131 Bataille de Malazgirt.jpg|تصغير|مُنمنمة إفرنجيَّة تُصوِّرُ وقعة ملاذكرد بين البيزنطيين والمُسلمين تحت راية السلاجقة. اتُخذت هزيمة الروم في هذه المعركة حُجَّةً لِتدخُّل أوروپَّا عسكريًّا في المشرق.]]
[[ملف:131 Bataille de Malazgirt.jpg|تصغير|مُنمنمة إفرنجيَّة تُصوِّرُ وقعة ملاذكرد بين البيزنطيين والمُسلمين تحت راية السلاجقة. اتُخذت هزيمة الروم في هذه المعركة حُجَّةً لِتدخُّل أوروپَّا عسكريًّا في المشرق.]]
وكانت الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة أقرب القوى المسيحيَّة إلى حُدُود المُسلمين، وربطتها بِالدولة الإسلاميَّة الناشئة علاقاتٍ مُباشرةٍ وفصلت بينهما حُدُودٌ مُباشرةٌ أيضًا، ممَّا جعل الاحتكاك لا ينقطع بين القُوَّتين.<ref name="عاشور"/> وقد ظهر المُسلمون على البيزنطيين خلال فترة ضعف هؤلاء، وظهر البيزنطيُّون على المُسلمين خلال فترة تشرذمهم وتفرُّق كلمتهم. واستمر الأمر على هذا المنوال إلى أن تُوفي الإمبراطور البيزنطي [[باسيل الثاني]] سنة [[416 هـ|416هـ]] المُوافقة لِسنة [[1025]]م، فشكَّلت وفاته انعطافة سلبيَّة في تاريخ الروم، دخلت خلالها الإمبراطوريَّة في مرحلة اضطرابٍ سياسيٍّ ودينيٍّ واقتصاديٍّ استمرَّت حتَّى سنة [[474 هـ|474هـ]] المُوافقة لِسنة [[1081]]م. فخلال هذه الفترة، تعاقب على العرش البيزنطي أباطرة ضعاف افتقدوا المقدرة والكفاءة التي تمتَّع بها أباطرة [[الإمبراطورية البيزنطية تحت حكم السلالة الهرقلية|الأُسرة الهرقليَّة]] أو [[الإمبراطورية البيزنطية تحت حكم السلالة الإيساورية|الأُسرة الإيساوريَّة]] أو بعض أعضاء [[السلالة المقدونية|الأُسرة المقدونيَّة]] مثل [[باسيل الأول|باسيل الأوَّل]] وباسيل الثاني.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ الحروب الصليبيَّة (حُرُوب الفرنجة في المشرق) 489-690هـ \ 1096 - 1291م|طبعة= الأولى|صفحة= 43|سنة= [[1432 هـ|1432هـ]] - [[2011]]م|ناشر= دار النفائس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/stream/FP125528/125528#page/n41/mode/2up|isbn = 9789953181097| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20161016204355/https://archive.org/stream/FP125528/125528 | تاريخ أرشيف = 16 أكتوبر 2016 }}</ref> وشهدت هذه الفترة أيضًا وُقُوع [[الانشقاق العظيم]] بين كنيستيّ روما والقُسطنطينيَّة نتيجة الخلافات اللاهوتيَّة والسياسيَّة بين الغرب والشرق المسيحيين، كما تراجع الاقتصاد البيزنطي، وأخذت الإمبراطوريَّة تفقد السيطرة على أطرافها. وفي سنة [[463 هـ|463هـ]] المُوافقة لِسنة [[1071]]م، التحم المُسلمون بِقيادة السُلطان السُلجُوقي [[ألب أرسلان]] مع الروم بِقيادة الإمبراطور [[رومانوس الرابع ديوجينيس|رومانوس الرابع]]، في [[معركة ملاذكرد|معركةٍ طاحنةٍ]] على تُخُوم مدينة [[ملاذكرد]]، وقد أسفرت المعركة عن هزيمة الروم ووُقُوع الإمبراطور في أسر المُسلمين، فأطلق السُلطان سراحه لقاء فديةٍ كبيرة وشريطة أن يُطلق سراح أسراه من المُسلمين، ويمد السُلطان بِالعساكر اللازمة عند الطلب.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير الجزري، أبو الحسن عز الدين علي بن مُحمَّد بن عبد الكريم الشيباني]]|عنوان= الكامل في التاريخ|المجلد=المُجلَّد الثامن|طبعة= الأولى|صفحة= 388 - 389|سنة= [[1407 هـ|1407هـ]] - [[1987]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://ia802707.us.archive.org/15/items/WAQkamilt/kamilt08.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210810074339/https://ia802707.us.archive.org/15/items/WAQkamilt/kamilt08.pdf | تاريخ أرشيف = 10 أغسطس 2021 }}</ref> شكَّلت معركة ملاذكرد أقصى ما بذله الروم من جُهدٍ لِوقف الفُتُوحات الإسلاميَّة بِاتجاه الغرب، وأنهت دور الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة في حماية المسيحيَّة من ضغط المُسلمين وفي حراسة الباب الشرقي لِأوروپَّا من غزو الآسيويين، فانساب السلاجقة إلى جوف [[الأناضول|آسيا الصُغرى]] وفتحوا أغلب بلادها بِقيادة [[سليمان بن قتلمش|سُليمان بن قُتلُمش]] الذي أسَّس دولةً جديدةً عُرفت باسم [[دولة سلاجقة الروم]]، واتخذ مدينة [[نيقية]] عاصمةً له. اتخذت البابويَّة، ومن ورائها أوروپَّا الغربيَّة، من نتيجة هذه المعركة مُبررًا لِتدخُّلها العسكري في المشرق، لِأنَّ بيزنطة لم يعد بِوسعها حماية العالم المسيحي من المُسلمين نظرًا لِتدمير قُوَّتها العسكريَّة، ومن ثُمَّ فقد جرت العادة على اعتبار هذه الوقعة إحدى حُجج الغرب لِشن حربه المُقدَّسة على ديار الإسلام.<ref group="la">{{استشهاد بكتاب|الأخير=Madden|الأول=Thomas|عنوان=Crusades The Illustrated History|مكان=Ann Arbor|ناشر=University of Michigan Press|سنة=2005|صفحات=[https://archive.org/details/concisehistoryof00madd/page/35 35]|isbn=0-8476-9429-1|url-access=registration|مسار=https://archive.org/details/concisehistoryof00madd/page/35| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210831004323/https://archive.org/details/concisehistoryof00madd/page/35 | تاريخ أرشيف = 31 أغسطس 2021 }}</ref>
وكانت الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة أقرب القوى المسيحيَّة إلى حُدُود المُسلمين، وربطتها بِالدولة الإسلاميَّة الناشئة علاقاتٍ مُباشرةٍ وفصلت بينهما حُدُودٌ مُباشرةٌ أيضًا، ممَّا جعل الاحتكاك لا ينقطع بين القُوَّتين.<ref name="عاشور"/> وقد ظهر المُسلمون على البيزنطيين خلال فترة ضعف هؤلاء، وظهر البيزنطيُّون على المُسلمين خلال فترة تشرذمهم وتفرُّق كلمتهم. واستمر الأمر على هذا المنوال إلى أن تُوفي الإمبراطور البيزنطي [[باسيل الثاني]] سنة [[416 هـ|416هـ]] المُوافقة لِسنة [[1025]]م، فشكَّلت وفاته انعطافة سلبيَّة في تاريخ الروم، دخلت خلالها الإمبراطوريَّة في مرحلة اضطرابٍ سياسيٍّ ودينيٍّ واقتصاديٍّ استمرَّت حتَّى سنة [[474 هـ|474هـ]] المُوافقة لِسنة [[1081]]م. فخلال هذه الفترة، تعاقب على العرش البيزنطي أباطرة ضعاف افتقدوا المقدرة والكفاءة التي تمتَّع بها أباطرة [[الإمبراطورية البيزنطية تحت حكم السلالة الهرقلية|الأُسرة الهرقليَّة]] أو [[الإمبراطورية البيزنطية تحت حكم السلالة الإيساورية|الأُسرة الإيساوريَّة]] أو بعض أعضاء [[السلالة المقدونية|الأُسرة المقدونيَّة]] مثل [[باسيل الأول|باسيل الأوَّل]] وباسيل الثاني.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|عنوان= تاريخ الحروب الصليبيَّة (حُرُوب الفرنجة في المشرق) 489-690هـ \ 1096 - 1291م|طبعة= الأولى|صفحة= 43|سنة= [[1432 هـ|1432هـ]] - [[2011]]م|ناشر= دار النفائس|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://archive.org/stream/FP125528/125528#page/n41/mode/2up|isbn = 9789953181097| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20161016204355/https://archive.org/stream/FP125528/125528 | تاريخ أرشيف = 16 أكتوبر 2016 }}</ref> وشهدت هذه الفترة أيضًا وُقُوع [[الانشقاق العظيم]] بين كنيستيّ روما والقُسطنطينيَّة نتيجة الخلافات اللاهوتيَّة والسياسيَّة بين الغرب والشرق المسيحيين، كما تراجع الاقتصاد البيزنطي، وأخذت الإمبراطوريَّة تفقد السيطرة على أطرافها. وفي سنة [[463 هـ|463هـ]] المُوافقة لِسنة [[1071]]م، التحم المُسلمون بِقيادة السُلطان السُلجُوقي [[ألب أرسلان]] مع الروم بِقيادة الإمبراطور [[رومانوس الرابع ديوجينيس|رومانوس الرابع]]، في [[معركة ملاذكرد|معركةٍ طاحنةٍ]] على تُخُوم مدينة [[ملاذكرد]]، وقد أسفرت المعركة عن هزيمة الروم ووُقُوع الإمبراطور في أسر المُسلمين، فأطلق السُلطان سراحه لقاء فديةٍ كبيرة وشريطة أن يُطلق سراح أسراه من المُسلمين، ويمد السُلطان بِالعساكر اللازمة عند الطلب.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير الجزري، أبو الحسن عز الدين علي بن مُحمَّد بن عبد الكريم الشيباني]]|عنوان= الكامل في التاريخ|المجلد=المُجلَّد الثامن|طبعة= الأولى|صفحة= 388 - 389|سنة= [[1407 هـ|1407هـ]] - [[1987]]م|ناشر= دار الكُتُب العلميَّة|مكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار= https://ia802707.us.archive.org/15/items/WAQkamilt/kamilt08.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210810074339/https://ia802707.us.archive.org/15/items/WAQkamilt/kamilt08.pdf | تاريخ أرشيف = 10 أغسطس 2021 }}</ref> شكَّلت معركة ملاذكرد أقصى ما بذله الروم من جُهدٍ لِوقف الفُتُوحات الإسلاميَّة بِاتجاه الغرب، وأنهت دور الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة في حماية المسيحيَّة من ضغط المُسلمين وفي حراسة الباب الشرقي لِأوروپَّا من غزو الآسيويين، فانساب السلاجقة إلى جوف [[الأناضول|آسيا الصُغرى]] وفتحوا أغلب بلادها بِقيادة [[سليمان بن قتلمش|سُليمان بن قُتلُمش]] الذي أسَّس دولةً جديدةً عُرفت باسم [[دولة سلاجقة الروم]]، واتخذ مدينة [[نيقية]] عاصمةً له. اتخذت البابويَّة، ومن ورائها أوروپَّا الغربيَّة، من نتيجة هذه المعركة مُبررًا لِتدخُّلها العسكري في المشرق، لِأنَّ بيزنطة لم يعد بِوسعها حماية العالم المسيحي من المُسلمين نظرًا لِتدمير قُوَّتها العسكريَّة، ومن ثُمَّ فقد جرت العادة على اعتبار هذه الوقعة إحدى حُجج الغرب لِشن حربه المُقدَّسة على ديار الإسلام.<ref group="la">{{استشهاد بكتاب|الأخير=Madden|الأول=Thomas|عنوان=Crusades The Illustrated History|مكان=Ann Arbor|ناشر=University of Michigan Press|سنة=2005|صفحات=[https://archive.org/details/concisehistoryof00madd/page/35 35]|isbn=0-8476-9429-1|التسجيل=registration|مسار=https://archive.org/details/concisehistoryof00madd/page/35| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210831004323/https://archive.org/details/concisehistoryof00madd/page/35 | تاريخ أرشيف = 31 أغسطس 2021 }}</ref>


=== الأسباب الاقتصاديَّة ===
=== الأسباب الاقتصاديَّة ===
سطر 117: سطر 117:
أثارت هذه التعديات حفيظة قلج أرسلان، فأرسل أحد كبار قادته العسكريين، المدعو «إيلخانوس»، على رأس جيشٍ كبيرٍ لِاسترداد القلعة، [[حصار كسري كوردون|فضرب الحصار عليها]] يوم [[9 شوال|9 شوَّال]] [[489 هـ|489هـ]] المُوافق فيه [[29 سبتمبر|29 أيلول (سپتمبر)]] [[1096]]م، ومنع عنها الماء بعد أن استولى على النبع والبئر اللذين يُغذيانها، فاستبدَّ اليأس بِالمُحاصرين لِدرجة أنهم اضطرُّوا إلى امتصاص الرُطُوبة من الأرض، وقطعوا شرايين وأوردة خُيُولهم وحميرهم لِيشربوا دمائها، بل وشربوا بول بعضهم البعض، وحاول قساوستهم عبثًا تهدئتهم وتشجيعهم. وبعد ثمانية أيَّام من المُعاناة قرَّر رينالد النورماني الاستسلام، وفتح البوَّابات، وأعلمه السلاجقة أنَّ الحالة الوحيدة التي لن تُهدر فيها دماء الصليبيين هي إن اعتنقوا الإسلام، فقبل رينالد وجماعة من أتباعه وأشهروا إسلامهم، فساقهم السلاجقة إلى [[أنطاكية (تركيا)|أنطاكية]] و[[حلب]] وبعيدًا داخل [[خراسان الكبرى|خُراسان]]، وقُتل كُلُّ من بقي على دينه من المُحتلين الغربيين.<ref name="رونسيمان4"/> وفي أوائل تشرين الأوَّل (أكتوبر) من السنة سالِفة الذِكر، وصلت أنباء استيلاء الألمان على حصن «إكسيريگوردوس» إلى المُعسكر الصليبي في «سيڤيتوت»، ولجأ السلاجقة إلى خطَّةٍ ذكيَّةٍ كي يستدرجوا أهل الحصن إلى كمينٍ سبق إعداده وإبادتهم، فأرسل قلج أرسلان اثنين من [[تجسس|جواسيسه]] أشاعا بِأنَّ الألمان استولوا على نيقية نفسها وغاصوا في الأسلاب يغترفونها. أثارت تلك الشائعة نشوةً صاخبةً في المُعسكر الصليبي، وتصايح الجُنُود مُطالبين السماح لهم بِالسير إلى نيقية، وكاد الأمر أن يقع فعلًا لولا أن وصلت الأنباء الحقيقيَّة، ومفادها أنَّ الألمان هلكوا عن بُكرة أبيهم على يد المُسلمين، فتحوَّلت النشوة الصاخبة إلى ذُعر، واجتمع قادة الجيش لِلتشاور فيما يُمكن عمله بعد ذلك.<ref name="رونسيمان4"/>
أثارت هذه التعديات حفيظة قلج أرسلان، فأرسل أحد كبار قادته العسكريين، المدعو «إيلخانوس»، على رأس جيشٍ كبيرٍ لِاسترداد القلعة، [[حصار كسري كوردون|فضرب الحصار عليها]] يوم [[9 شوال|9 شوَّال]] [[489 هـ|489هـ]] المُوافق فيه [[29 سبتمبر|29 أيلول (سپتمبر)]] [[1096]]م، ومنع عنها الماء بعد أن استولى على النبع والبئر اللذين يُغذيانها، فاستبدَّ اليأس بِالمُحاصرين لِدرجة أنهم اضطرُّوا إلى امتصاص الرُطُوبة من الأرض، وقطعوا شرايين وأوردة خُيُولهم وحميرهم لِيشربوا دمائها، بل وشربوا بول بعضهم البعض، وحاول قساوستهم عبثًا تهدئتهم وتشجيعهم. وبعد ثمانية أيَّام من المُعاناة قرَّر رينالد النورماني الاستسلام، وفتح البوَّابات، وأعلمه السلاجقة أنَّ الحالة الوحيدة التي لن تُهدر فيها دماء الصليبيين هي إن اعتنقوا الإسلام، فقبل رينالد وجماعة من أتباعه وأشهروا إسلامهم، فساقهم السلاجقة إلى [[أنطاكية (تركيا)|أنطاكية]] و[[حلب]] وبعيدًا داخل [[خراسان الكبرى|خُراسان]]، وقُتل كُلُّ من بقي على دينه من المُحتلين الغربيين.<ref name="رونسيمان4"/> وفي أوائل تشرين الأوَّل (أكتوبر) من السنة سالِفة الذِكر، وصلت أنباء استيلاء الألمان على حصن «إكسيريگوردوس» إلى المُعسكر الصليبي في «سيڤيتوت»، ولجأ السلاجقة إلى خطَّةٍ ذكيَّةٍ كي يستدرجوا أهل الحصن إلى كمينٍ سبق إعداده وإبادتهم، فأرسل قلج أرسلان اثنين من [[تجسس|جواسيسه]] أشاعا بِأنَّ الألمان استولوا على نيقية نفسها وغاصوا في الأسلاب يغترفونها. أثارت تلك الشائعة نشوةً صاخبةً في المُعسكر الصليبي، وتصايح الجُنُود مُطالبين السماح لهم بِالسير إلى نيقية، وكاد الأمر أن يقع فعلًا لولا أن وصلت الأنباء الحقيقيَّة، ومفادها أنَّ الألمان هلكوا عن بُكرة أبيهم على يد المُسلمين، فتحوَّلت النشوة الصاخبة إلى ذُعر، واجتمع قادة الجيش لِلتشاور فيما يُمكن عمله بعد ذلك.<ref name="رونسيمان4"/>
[[ملف:PeoplesCrusadeMassacre.jpg|تصغير|مخطوطة أوروپيَّة قروسطيَّة تُصوِّرُ نهاية حملة الفُقراء الصليبيَّة وإبادة مُعظم جُندها على يد المُسلمين (الرسم العُلوي).]]
[[ملف:PeoplesCrusadeMassacre.jpg|تصغير|مخطوطة أوروپيَّة قروسطيَّة تُصوِّرُ نهاية حملة الفُقراء الصليبيَّة وإبادة مُعظم جُندها على يد المُسلمين (الرسم العُلوي).]]
وارتفعت صيحات العوام الصليبيين تُلحُّ إلحاحًا شديدًا ألَّا يسكتوا عن هذه النكبة التي نزلت بِإخوانهم، وتنادوا بِأن يهب الفُرسان والمُشاة لِحمل السلاح لِلخُرُوج ثأرًا لِدم رفاقهم المقتولين،<ref name="القسطنطينية2"/> لكنَّ كبار القادة كوالتر المُفلس ورينالد البروسي ووالتر البريتولي وفولك الأُرليانشي وغيرهم، أقنعوا أتباعهم بِضرورة التريُّث حتَّى يعود بُطرس الناسك من القُسطنطينيَّة في غُضُون ثمانية أيَّام، لكنَّ الفترة المذكورة انقضت دون أن يرجع بُطرس، فثارت ثائرة الجيش مرَّة أُخرى، وحاول القادة المذكورون الحيلولة دون تفاقم الوضع مُجدَّدًا، لكنَّ گودفري بوريل ومن ورائه الرأي العام في الجيش أصرُّوا أنَّ عدم إتاحة الفُرصة لِلانتقام بِالسيف ممن قتلوا إخوانهم إنَّما يرجع إلى الجُبن والحماقة.<ref name="رونسيمان4"/><ref group="la">{{استشهاد بكتاب|الأخير=Runciman|الأول=Steven|مؤلف-وصلة=ستيفين رونسيمان|عنوان=A History of the Crusades, Volume 1|مسار=https://books.google.com/books?id=uDj9sNezWzEC&pg=PA131|تاريخ الوصول=October 21, 2013|صفحة=131|ناشر=Cambridge University Press|سنة=1987|isbn=9780521347709| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20190331044733/https://books.google.com/books?id=uDj9sNezWzEC | تاريخ أرشيف = 31 مارس 2019 }}</ref> وهكذا، كانت الغلبة لمشيئة هذه الفئة، وفي فجر يوم [[2 ذو القعدة|2 ذي القعدة]] [[489 هـ|489هـ]] المُوافق فيه [[21 أكتوبر|21 تشرين الأوَّل (أكتوبر)]] [[1096]]م، انطلق جيش الصليبيين كُلُّه وقد تجاوز عدده عشرين ألف رجل، تاركًا في «سيڤيتوت» النساء والأطفال والشُيُوخ.<ref name="رونسيمان4"/> وعلى بُعد ثلاثة أميالٍ تقريبًا من المُعسكر، عبر الصليبيُّون واديًا ضيِّقًا مليئًا بِالأشجار، وبرزت لامُبالاتهم وانعدام نظامهم من واقع أنَّهم كانوا يُثيرون الصخب أثناء تقدُّمهم، وفجأةً انهمرت عليهم السهام من الأشجار، فقُتلت الكثير من الخُيُول وفُرسانها الذين تقدَّموا المُشاة، وأُصيب آخرون، فتقهقروا، وتتبعهم المُسلمون وأعملوا فيهم السيف، وسُرعان ما دبَّ الذُعر وسط الجيش وأخذ الجُند كُلَّ مأخذ، وفي دقائق قليلة كان الحشد كُلُّه يولي الأدبار في فوضى عارمة إلى سيڤيتوت.<ref name="رونسيمان4"/> لاحق المُسلمون الصليبيُّون وظفروا بهم مُجددًا في سهلٍ فسيحٍ، فانقضوا عليهم بِسُيوفهم وقتلوا منهم خلقًا كثيرًا، وتمكَّن الباقون من الوُصُول إلى مُعسكرهم، لكنَّ السلاجقة لاحقوهم واقتحموا المُعسكر، وقتلوا كُل من كان فيه من المُقاتلين وسبوا الباقين. ولم يتمكَّن من الهرب إلَّا نحو ثلاثة آلاف صليبيّ توجهوا إلى قلعةٍ قديمةٍ مهجورةٍ على البحر، فأقاموا فيها تحصينات من بقايا الأخشاب والعظام المُتناثرة في أرجائها. وفي تلك الأثناء كان غُبار المعركة قد انقشع، ليتبيَّن أنَّ الغالبيَّة العُظمى من قادة الصليبيين قد قُتلوا، بما فيهم والتر المُفلس.<ref name="رونسيمان4"/> ولم يلبث السلاجقة أن ضربوا حصارًا على القلعة الخربة التي اعتصم فيها الناجون، فقاومهم هؤلاء وتمكَّنوا من صدِّهم، وأرسلوا تحت جُنح الظلام رسولًا إلى القُسطنطينيَّة لِيُخبر أهل السُلطة بِالكارثة التي حلَّت، ويستنجدهم لِإنقاذ القلَّة الباقية على قيد الحياة والمُكابدة لِلحصار الشديد. ولمَّا علم بُطرس بِكُلِّ ذلك، بادر إلى الإمبراطور واستطاع بِتوسُّلاته إليه وتضرُّعاته أن يحمله على إرسال بعض القوارب إلى البر الآسيوي لِإنقاذ الصليبيين، فأبحرت تلك السُفُن في الحال، وما أن وصلت وشاهدها السلاجقة حتَّى رفعوا الحصار وانسحبوا إلى الداخل.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[وليم الصوري|الصوري، وليم]]|مؤلف2= ترجمة: د. حسن حبشي|عنوان= الحُرُوب الصليبيَّة|المجلد= الجُزء الأوَّل|صفحة= 130|سنة= [[1991]]|ناشر= [[الهيئة المصرية العامة للكتاب|الهيئة المصريَّة العامَّة للكتاب]]|مكان=[[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار=https://ia903107.us.archive.org/7/items/ktp2019-bskn8450/ktp2019-bskn8450.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830214851/https://ia903107.us.archive.org/7/items/ktp2019-bskn8450/ktp2019-bskn8450.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref><ref group="la">{{استشهاد بكتاب | محرر-الأول = Alexander | محرر-الأخير = Kazhdan | محرر-وصلة=:en:Alexander Kazhdan| عنوان = [[قاموس أكسفورد لبيزنطة|Oxford Dictionary of Byzantium]] |صفحة=64 | ناشر = Oxford University Press | مكان = New York | سنة = 1991 | isbn = 978-0-19-504652-6}}</ref> ونقل البيزنطيُّون الأحياء من الصليبيين إلى القُسطنطينيَّة حيثُ خُصِّص لهم مكانُ إقامة في الضواحي بعد أن جُرِّدوا من أسلحتهم. وعلى هذا الشكل انتهت حملة الفُقراء الصليبيَّة، التي أثبتت أنها كانت طائشة وعديمة النظام، واستنفذت صبر الإمبراطور البيزنطي ورعيَّته.<ref name="رونسيمان4"/>
وارتفعت صيحات العوام الصليبيين تُلحُّ إلحاحًا شديدًا ألَّا يسكتوا عن هذه النكبة التي نزلت بِإخوانهم، وتنادوا بِأن يهب الفُرسان والمُشاة لِحمل السلاح لِلخُرُوج ثأرًا لِدم رفاقهم المقتولين،<ref name="القسطنطينية2"/> لكنَّ كبار القادة كوالتر المُفلس ورينالد البروسي ووالتر البريتولي وفولك الأُرليانشي وغيرهم، أقنعوا أتباعهم بِضرورة التريُّث حتَّى يعود بُطرس الناسك من القُسطنطينيَّة في غُضُون ثمانية أيَّام، لكنَّ الفترة المذكورة انقضت دون أن يرجع بُطرس، فثارت ثائرة الجيش مرَّة أُخرى، وحاول القادة المذكورون الحيلولة دون تفاقم الوضع مُجدَّدًا، لكنَّ گودفري بوريل ومن ورائه الرأي العام في الجيش أصرُّوا أنَّ عدم إتاحة الفُرصة لِلانتقام بِالسيف ممن قتلوا إخوانهم إنَّما يرجع إلى الجُبن والحماقة.<ref name="رونسيمان4"/><ref group="la">{{استشهاد بكتاب|الأخير=Runciman|الأول=Steven|مؤلف-وصلة=ستيفين رونسيمان|عنوان=A History of the Crusades, Volume 1|مسار=https://books.google.com/books?id=uDj9sNezWzEC&pg=PA131|تاريخ الوصول=October 21, 2013|صفحة=131|ناشر=Cambridge University Press|سنة=1987|isbn=9780521347709| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20190331044733/https://books.google.com/books?id=uDj9sNezWzEC | تاريخ أرشيف = 31 مارس 2019 }}</ref> وهكذا، كانت الغلبة لمشيئة هذه الفئة، وفي فجر يوم [[2 ذو القعدة|2 ذي القعدة]] [[489 هـ|489هـ]] المُوافق فيه [[21 أكتوبر|21 تشرين الأوَّل (أكتوبر)]] [[1096]]م، انطلق جيش الصليبيين كُلُّه وقد تجاوز عدده عشرين ألف رجل، تاركًا في «سيڤيتوت» النساء والأطفال والشُيُوخ.<ref name="رونسيمان4"/> وعلى بُعد ثلاثة أميالٍ تقريبًا من المُعسكر، عبر الصليبيُّون واديًا ضيِّقًا مليئًا بِالأشجار، وبرزت لامُبالاتهم وانعدام نظامهم من واقع أنَّهم كانوا يُثيرون الصخب أثناء تقدُّمهم، وفجأةً انهمرت عليهم السهام من الأشجار، فقُتلت الكثير من الخُيُول وفُرسانها الذين تقدَّموا المُشاة، وأُصيب آخرون، فتقهقروا، وتتبعهم المُسلمون وأعملوا فيهم السيف، وسُرعان ما دبَّ الذُعر وسط الجيش وأخذ الجُند كُلَّ مأخذ، وفي دقائق قليلة كان الحشد كُلُّه يولي الأدبار في فوضى عارمة إلى سيڤيتوت.<ref name="رونسيمان4"/> لاحق المُسلمون الصليبيُّون وظفروا بهم مُجددًا في سهلٍ فسيحٍ، فانقضوا عليهم بِسُيوفهم وقتلوا منهم خلقًا كثيرًا، وتمكَّن الباقون من الوُصُول إلى مُعسكرهم، لكنَّ السلاجقة لاحقوهم واقتحموا المُعسكر، وقتلوا كُل من كان فيه من المُقاتلين وسبوا الباقين. ولم يتمكَّن من الهرب إلَّا نحو ثلاثة آلاف صليبيّ توجهوا إلى قلعةٍ قديمةٍ مهجورةٍ على البحر، فأقاموا فيها تحصينات من بقايا الأخشاب والعظام المُتناثرة في أرجائها. وفي تلك الأثناء كان غُبار المعركة قد انقشع، ليتبيَّن أنَّ الغالبيَّة العُظمى من قادة الصليبيين قد قُتلوا، بما فيهم والتر المُفلس.<ref name="رونسيمان4"/> ولم يلبث السلاجقة أن ضربوا حصارًا على القلعة الخربة التي اعتصم فيها الناجون، فقاومهم هؤلاء وتمكَّنوا من صدِّهم، وأرسلوا تحت جُنح الظلام رسولًا إلى القُسطنطينيَّة لِيُخبر أهل السُلطة بِالكارثة التي حلَّت، ويستنجدهم لِإنقاذ القلَّة الباقية على قيد الحياة والمُكابدة لِلحصار الشديد. ولمَّا علم بُطرس بِكُلِّ ذلك، بادر إلى الإمبراطور واستطاع بِتوسُّلاته إليه وتضرُّعاته أن يحمله على إرسال بعض القوارب إلى البر الآسيوي لِإنقاذ الصليبيين، فأبحرت تلك السُفُن في الحال، وما أن وصلت وشاهدها السلاجقة حتَّى رفعوا الحصار وانسحبوا إلى الداخل.<ref>{{استشهاد بكتاب|مؤلف1= [[وليم الصوري|الصوري، وليم]]|مؤلف2= ترجمة: د. حسن حبشي|عنوان= الحُرُوب الصليبيَّة|المجلد= الجُزء الأوَّل|صفحة= 130|سنة= [[1991]]|ناشر= [[الهيئة المصرية العامة للكتاب|الهيئة المصريَّة العامَّة للكتاب]]|مكان=[[القاهرة]] - [[مصر]]|مسار=https://ia903107.us.archive.org/7/items/ktp2019-bskn8450/ktp2019-bskn8450.pdf| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20210830214851/https://ia903107.us.archive.org/7/items/ktp2019-bskn8450/ktp2019-bskn8450.pdf | تاريخ أرشيف = 30 أغسطس 2021 }}</ref><ref group="la">{{استشهاد بكتاب | محرر-الأول = Alexander | محرر-الأخير = Kazhdan | محرر-وصلة=:en:Alexander Kazhdan| عنوان = [[قاموس أكسفورد لبيزنطة|Oxford Dictionary of Byzantium]] |صفحة=[https://archive.org/details/journalofamerica0001unse_t4a3/page/64 64] | ناشر = Oxford University Press | مكان = New York | سنة = 1991 | isbn = 978-0-19-504652-6}}</ref> ونقل البيزنطيُّون الأحياء من الصليبيين إلى القُسطنطينيَّة حيثُ خُصِّص لهم مكانُ إقامة في الضواحي بعد أن جُرِّدوا من أسلحتهم. وعلى هذا الشكل انتهت حملة الفُقراء الصليبيَّة، التي أثبتت أنها كانت طائشة وعديمة النظام، واستنفذت صبر الإمبراطور البيزنطي ورعيَّته.<ref name="رونسيمان4"/>


== تبعات الحملة ==
== تبعات الحملة ==
سطر 139: سطر 139:
* {{يوتيوب|m3mjPiwd5tU|الحُرُوب الصليبيَّة - الجُزء الأوَّل: الصدمة،}}. وثائقي يتحدَّث عن حملتيّ الفُقراء والنُبلاء، إعداد قناة [[الجزيرة الوثائقية|الجزيرة الوثائقيَّة]].
* {{يوتيوب|m3mjPiwd5tU|الحُرُوب الصليبيَّة - الجُزء الأوَّل: الصدمة،}}. وثائقي يتحدَّث عن حملتيّ الفُقراء والنُبلاء، إعداد قناة [[الجزيرة الوثائقية|الجزيرة الوثائقيَّة]].
{{الحملات الصليبية}}
{{الحملات الصليبية}}
{{شريط بوابات|العصور الوسطى|تاريخ أوروبا|الكنيسة الرومانية الكاثوليكية|التاريخ الإسلامي|الحرب}}
{{شريط بوابات|التاريخ الإسلامي|الحرب|العصور الوسطى|الكنيسة الرومانية الكاثوليكية|تاريخ أوروبا}}
{{شريط محتوى متميز|1=مختارة|التاريخ=25 مارس 2021|النسخة=53210616|تاريخ مراجعة الزملاء=20 ديسمبر 2020}}
{{شريط محتوى متميز|1=مختارة|التاريخ=25 مارس 2021|النسخة=53210616|تاريخ مراجعة الزملاء=20 ديسمبر 2020}}
{{لا لربط البوابات المعادل}}
{{لا لربط البوابات المعادل}}


[[تصنيف:حملة الفقراء الصليبية| ]]
[[تصنيف:حملة الفقراء الصليبية|*]]
[[تصنيف:فلاحون في القرن 11]]
[[تصنيف:الحملة الصليبية الأولى|فقراء]]
[[تصنيف:الحملة الصليبية الأولى|فقراء]]
[[تصنيف:حروب سلاجقة الروم]]
[[تصنيف:حروب سلاجقة الروم]]