الرنجة الحمراء

من أرابيكا، الموسوعة الحرة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

الرنجة الحمراء هي مغالطة منطقية تتمثل بعرض بينات أو موضوعات أو أسباب جاذبة خارجة عن الموضوع لتشتيت انتباه الطرف (أو الأطراف) الآخر عن الموضوع الأصلي. ربما تكون الرنجة الحمراء مغالطة منطقية أو أداة أدبية توجه القارئ أو الجمهور إلى نتيجةٍ زائفة. ربما تُستخدم الرنجة الحمراء عمدًا، كما في أدب الغموض أو جزءًا من الاستراتيجيات الخطابية كما يحدث في السياسة، أو قد تُستخدم أثناء النقاش دون عمد.

انتشر المصطلح على يد المناظر الإنجليزي ويليام كوبيت، الذي يحكي قصة عن استخدام رنجة (سمكة ذات رائحة قوية للغاية) من أجل إبعاد كلاب الصيد عن مطاردة الأرانب البرية.

الاستخدام العمد

في الأعمال الأدبية الروائية والأعمال غير الأدبية، قد يستخدم الكاتب الرنجة الحمراء من أجل تلميح زائف يوجه القراء والجمهور إلى نتيجة زائفة.[1][2][3] على سبيل المثال، شخصية الأسقف أرينجاروزا في رواية دان براون شيفرة دا فينشي يُقدم في أغلب الراوية على أنه محور مؤامرات الكنيسة، ولكن يظهر بعد ذلك أنه كان بريئًا ووقع ضحية خداع خصمه في القصة. اسم الشخصية هو ترجمة إيطالية مفككة لاسم «الرنجة الحمراء» (أرينجا روزا aringa rosa، وكلمة روزا rosa تعني اللون الوردي القريب من الأحمر).[4]

تُستخدم الرنجة الحمراء في الدراسات القانونية وفي أسئلة الامتحانات من أجل تضليل الطلبة وإبعادهم عن الوصول إلى الاستنتاج الصائب عن القضية القانونية، كوسيلة تختبر استيعاب الطلبة للقانون الذي بين يديهم وقدرتهم على تمييز الظروف المادية الحقيقية.[5]

تاريخ الاصطلاح

بالمعنى الحرفي، لا يوجد سمكة تسمى «الرنجة الحمراء»، لكنها تشير إلى نوع خاص من سمك الرنجة، مُدخَّن بكثافة أو معالج بالأجاج. تكسب تلك العملية سمكة الرنجة رائحة نفّاذة، وكلما زادت كمية الأجاج تتحول السمكة للون الأحمر.[6] لذلك فهي بالمعنى الحرفي تعني سمكة رنجة معالجة بقوة. يعود المصطلح إلى منتصف القرن الثالث عشر، في قصيدة والتر بيبيسورث «الرسالة».[7]

قبل 2008، اعتُقد أن المعنى المجازي لـ«الرنجة الحمراء» يعود إلى التقنية المفترضة التي يدربون بها كلاب الصيد على التعرف على الروائح.[6] هناك اختلافات حول القصة، لكن وفقًا لواحدة من النسخ، تُجر الرنجة الحمراء اللاذعة في الطريق حتى يتعلم الكلب كيف يتبع الرائحة.[8] بعد ذلك، عندما يُدرب الكلب على إتباع الرائحة الخافتة للثعالب أو الغرير، تُجر الرنجة الحمراء من أجل إرباك الكلب عموديًّا على مسار تتبع الكلب للرائحة الأخرى.[9] يتعلم الكلب في النهاية أن يتتبع الرائحة الأصلية بدلًا من الرائحة القوية. هناك نسخة أخرى من القصة، دون ذكر استخدامه في التدريب، في كتاب «ماكميلان للأمثال والحكم والعبارات الشهيرة» (1976)، يقول أن أول استخدام مشهود لهذا الاصطلاح من «حياة نابير» لـ«دبليو. ف. باتلر» المنشور في 1849.[8] يعطي قاموس بريور للعبارات والحكايات (1981) العبارة الكاملة «سحب رنجة حمراء عبر الطريق» وهو اصطلاح يعني «شغل الانتباه عن السؤال الرئيس ببعض القضايا الجانبية»، هنا مرة أخرى، عندما تُسحب «الرنجة المدخنة المملحة» عبر «طريق الثعلب، تضيع رائحة الثعلب لصالح رائحة الرنجة النفّاذة، مما يوقع الكلب في الخطأ».[10] من الروايات الأخرى عن أصل الاصطلاح، ما قاله روبرت هيندريكسون (1994) عن تضليل كلاب الصيد من أجل تهريب المدانين جنائيًّا.[11]

تشير آراء أخرى أن أصل هذا المصطلح لا يرجع إلى ممارسات الصيد، طبقًا لمقالتين كتبهما الأستاذ جيرارد كوهين وروبرت سكوت روس، نُشرا في «تعليقات على الأصل اللغوي Comments on Etymology» (2008)، بدعم عالم اللغويات المتخصص في الاشتقاق اللغوي مايكل كوينيون وبقبول قاموس أكسفورد الإنجليزي.[12] بحث روس في أصل القصة ووجد أن أول إشارة لاستخدام الرنجة لتدريب الحيوانات على التعقب، نشرها جيرلاند لانغبين عام 1697.[13] أوصى لانغبين بوسيلة لتدريب الخيول (وليس كلاب الصيد) عن طريق سحب جثة قطة أو ثعلب حتى يتأهل الحصان على تتبع فوضى حفلة الصيد. ويقول أنه إذا لم يتوفر حيوان ميت، كانت الرنجة الحمراء تُستخدم كبديل. أساء نيكولاس كوكس فهم هذه التوصية، ونشر ذلك في مذكرات كتاب آخر في نفس الوقت، وقال أنها يجب أن تُستخدم لتدريب كلاب الصيد وليس الخيول. وفي الحالتين، فإن الرنجة الحمراء لم تُستخدم لتضليل مسار الكلاب أو الخيول، بل في إرشادهم عبر الطريق.[13]

كانت الإشارات الأولى لاستخدام الرنجة الحمراء لإلهاء كلاب الصيد تعود إلى مقال منشور في 14 فبراير عام 1807، نشره الصحفي الراديكالي ويليام كوبيت في الصحيفة الجدلية «بوليتيكال ريجستر».[14] طبقًا لكوهين وروس، وبقبول قاموس أكسفورد الإنجليزي، هذا هو أصل الاستخدام المجازي لمعنى الرنجة الحمراء. في هذه القطعة ينتقد ويليام كوبيت الصحافة الإنجليزية التي تشير إلى هزيمة نابليون بصورة مغلوطة. يروي كوبيت أنه استخدم مرة رنجة حمراء من أجل تضليل كلاب الصيد أثناء مطاردتهم للأرانب البرية، مضيفًا: «لقد كان هذا محض تأثير انتقالي للرنجة الحمراء السياسية، فقط صارت الرائحة باردة كالحجر في يوم السبت.» يستنتج كوينون: «هذه القصة، والتكرار الممتد لكوبيت لها في 1833، كان كافيًّا لمعرفة المعنى المجازي للرنجة الحمراء وإدخاله في عقول القراء، ولسوء الحظ بالفكرة الخاطئة عن استخدامها في الواقع لممارسة الصيد.»[13]

الاستخدام الواقعي

لم يكن كوبيت أول من يستخدم مصطلح الرنجة الحمراء بالمعنى الحرفي، بالرغم من أنه أول من أشاع استخدامه بالدلالة المجازية. من الإشارات على الاستخدامات الأولى للمصطلح، في كتيب Nashe's Lenten Stuffe المنشور عام 1599 للكاتب توماس ناش، ويقول فيه: «من أجل جذب كلاب الصيد لمطاردة رائحة، فلا شيء يقارن بالرنجة الحمراء».[15] لا يضع قاموس أكسفورد الإنجليزي أي صلة بين اقتباس ناش والاستخدام المجازي للكلمة؛ أي للإبعاد عن الهدف الأصلي، ولكنه يستخدم المصطلح بالمعنى الحرفي في ممارسات الصيد لسحب الكلاب تجاه الرائحة.

اختُبر استخدام الرنجة الحمراء من أجل تشتيت الكلاب عن الرائحة الأصلية في الحلقة 148 من مسلسل مدمرو الخرافات.[16] وبالرغم من أن الكلب قد توقف لالتهام السمكة وفقد هدف المطاردة الأصلي، إلا أنه أعاد تتبعه بعد ذلك ووصل للهدف، مما ساعد على دحض هذه الخرافة.[17]

التحول المشروع عن الموضوع

أثناء المناقشات، لا يكون كل تحول عن الموضوع مغالطة منطقية، ففي بعض الأحيان يكون من الضروري أن نحسم موقفنا بشأن مواضيع أخرى أكثر أساسية وجوهرية من أجل أن نخبر بآرائنا عن الموضوع محل النقاش. من الأمثلة على ذلك، محاورة الجمهورية للفيلسوف الإغريقي أفلاطون، حيث يتحول مسار الحديث من المسائل الفرعية إلى الحديث بشأن العدالة ومفهومها، فلا يمكن حسم تلك المسائل الفرعية إلا بعد الاستقرار بشأن تلك المسائل الميتافيزيقية العامة.[18]

لكن في مغالطة الرنجة الحمراء، فإن النقاش لا يسير على هذا النحو. فالموضوع الذي يطرح ويسبب الحياد عن السؤال الأصلي ليس أكثر محورية عن الموضوع المطروح، ولكنه أكثر انفعالًا وبريقًا فحسب. ولا يكون الغرض من الحياد عن الموضوع الأصلي المزيد من وضوح الأفكار، ولكنه يهدف إلى التشتيت عن السؤال الأصلي فحسب.

الفرق بين الرنجة الحمراء وتجاهل المطلوب

تجاهل المطلوب هو مغالطة غير صورية تحدث عن طريق تقديم حجة صحيحة أو زائفة منطقيًّا، لكنها تفشل في مخاطبة السؤال المطروح حول القضية عند الوصول للاستنتاج. إنها تقع ضمن إطار مغالطات الارتباط. تؤدي تلك الحجة إلى الوصول إلى نتيجة غير مرتبطة بالسؤال المطلوب، لكنها تختلف عن المغالطات الصورية، الذي لا تتوافق نتائجه مع مقدماته.

في مغالطة تجاهل المطلوب، ينحرف المتحاور بالمناظرة ويصل إلى نتيجة ولكنها غير مرتبطة بالسؤال المطلوب. أما في مغالطة الرنجة الحمراء، فإن التشتيت عن الموضوع الأصلي لا يؤدي إلى الوصول لأي شيء على الإطلاق، فهي تنحرف إلى موضوع آخر مثير انفعاليًّا فحسب. أو مجرد تمويه وخداع للمحاور.

أمثلة

  1. كان الأستاذ الدكتور [س] يشكو في الاجتماع الماضي من ضيق أماكن الانتظار بالجامعة، ويحكي عن هذه المشكلة، لكن هل تعرف أن هذا الأستاذ ضُبط في علاقة مشبوهة مع إحدى طالباته؟ لا يجب أن يحيد التعليم عن هدفه ويميل إلى هذا النوع من الابتزاز والتحرش!

(كانت القضية الأصلية في هذا المثال هي ضيق أماكن الانتظار بالجامعة، لكن المتحدث حول انتباه الجميع عنها إلى قضية مثيرة عن فساد الأساتذة أخلاقيًّا بالجامعة)[19]

2. «إن أنصار البيئة يجادلون بشأن مخاطر الطاقة النووية وأضرارها على البيئة، غير أن للكهرباء مخاطر جمة بغض النظر عن مصدرها، فهي تنتج من الصواعق الطبيعية وكهرباء البيوت، ويموت آلاف البشر كل عام من أثر هذه الصواعق بسبب الإهمال والجهل، من الممكن أن نتجنب هذه الأخطار بالمزيد من التوعية».

(هنا كان الموضوع الأصلي هو مخاطر الطاقة النووية على البيئة، لكن المتحدث انحرف عنه بالحديث عن مخاطر الكهرباء على البيئة)

3. تُثار الكثير من الجدالات بشأن الحاجة إلى استخدام المبيدات الحشرية في حقول الخضروات وبساتين الفواكه، غير أن هذه الأطعمة ضرورية لصحتنا، فالجزر مصدر لفيتامين أ، والبرتقال وغيره من الموالح تحتوي على فيتامين ج..

(الحديث عن خطر المبيدات الحشرية وليس عن فائدة الخضروات والفواكه)

انظر أيضًا

المراجع

  1. ^ Niazi, Nozar (2010). How To Study Literature: Stylistic And Pragmatic Approaches. PHI Learning Pvt. Ltd. ص. 142. ISBN:9788120340619. مؤرشف من الأصل في 2013-10-09. اطلع عليه بتاريخ 2013-03-02.
  2. ^ Dupriez, Bernard Marie (1991). Dictionary of Literary Devices: Gradus, A-Z. Translated by Albert W. Halsall. University of Toronto Press. ص. 322. ISBN:9780802068033. مؤرشف من الأصل في 2013-10-09. اطلع عليه بتاريخ 2013-03-02.
  3. ^ Turco, Lewis (1999). The Book of Literary Terms: The Genres of Fiction, Drama, Nonfiction, Literary Criticism and Scholarship. UPNE. ص. 143. ISBN:9780874519556. مؤرشف من الأصل في 2013-10-09. اطلع عليه بتاريخ 2013-03-02.
  4. ^ Hurley, Patrick J. (2011). A Concise Introduction to Logic. Cengage Learning. ص. 131–133. ISBN:978-0-8400-3417-5. مؤرشف من الأصل في 2017-02-22.
  5. ^ Sheppard، Steve (ed.) (2005). The history of legal education in the United States : commentaries and primary sources (ط. 2nd print.). Clark, N.J.: Lawbook Exchange. ISBN:1584776900. {{استشهاد بكتاب}}: |الأول= باسم عام (مساعدة)
  6. ^ أ ب "...we used, in order to draw oft' the harriers from the trail of a hare that we had set down as our own private property, get to her haunt early in the morning, and drag a red-herring, tied to a string, four or five miles over hedges and ditches..." For the full original story by Cobbett, see "Continental War" نسخة محفوظة 2016-06-29 على موقع واي باك مشين. on pg. 231-33 of Political Register, February 14, 1807. In Cobbett's political register, Volume XI, 1807 نسخة محفوظة 2016-08-03 على موقع واي باك مشين. at أرشيف الإنترنت
  7. ^ haunt – Wiktionary defines haunt as a "place at which one is regularly found; a hangout", but it can also mean a "feeding place for animals", both senses would work here.
  8. ^ أ ب Quinion, Michael (2002–2008). "The Lure of the Red Herring". World Wide Words. مؤرشف من الأصل في 2010-11-04. اطلع عليه بتاريخ 2010-11-10.
  9. ^ Bibbesworth, Walter de ‏ (c. 1250) Femina نسخة محفوظة 2017-12-30 على موقع واي باك مشين. Trinity College, Cambridge MS B.14.40. 27. Anglo-Norman On-Line Hub, 2005. (ردمك 9780955212406).
  10. ^ توماس ناش. (1599) Nashes Lenten Stuffe نسخة محفوظة 2011-07-15 على موقع واي باك مشين. "Next, to draw on hounds to a sent, to a redde herring skinne there is nothing comparable." (Since Nashe makes this statement not in a serious reference to hunting but as an aside in a humorous pamphlet, the professed aim of which is to extol the wonderful virtues of red herrings, it need not be evidence of actual practice. In the same paragraph he makes other unlikely claims, such as that the fish dried and powdered is a prophylactic for kidney or gallstones.)
  11. ^ Currall، J.E.P؛ Moss، M.S.؛ Stuart، S.A.J. (2008). "Authenticity: a red herring?". Journal of Applied Logic. ج. 6 ع. 4: 534–544. DOI:10.1016/j.jal.2008.09.004. ISSN:1570-8683.
  12. ^ بورتون اغبرت ستيفنسون (ed.) (1976) [1948] The Macmillan Book of Proverbs, Maxims, and Famous Phrases New York: Macmillan. p.1139. (ردمك 0-02-614500-6)
  13. ^ أ ب ت Hendrickson, Robert (2000). The Facts on File Encyclopedia of Word and Phrase Origins. United States: Checkmark.
  14. ^ Evans, Ivor H. (ed.) (1981) قاموس بروير للعبارات والقصص (Centenary edition, revised) New York: Harper & Row. p.549. (ردمك 0-06-014903-5)
  15. ^ توماس ناش (1599) Praise of the Red Herring نسخة محفوظة 2011-07-15 على موقع واي باك مشين. In: William Oldys and John Malham (Eds) "on+hounds+to+a+scent"&source=bl&ots=LZlI9hToJr&sig=aqRgPgjXnFakagAqVgvlw9YpOtY&hl=en&sa=X&ei=3JUuT4rlGOa5iQfnoNjdDg&ved=0CCEQ6AEwAA#v=onepage&q="on%20hounds%20to%20a%20scent"&f=false The Harleian miscellany "on+hounds+to+a+scent"&source=bl&ots=LZlI9hToJr&sig=aqRgPgjXnFakagAqVgvlw9YpOtY&hl=en&sa=X&ei=3JUuT4rlGOa5iQfnoNjdDg&ved=0CCEQ6AEwAA نسخة محفوظة 2017-12-30 على موقع واي باك مشين. Volume 2, Printed for R. Dutton, 1809. Page 331.
  16. ^ قاموس أكسفورد الإنجليزي. red herring, n. Third edition, September 2009; online version December 2011. http://www.oed.com/view/Entry/160314; accessed 18 December 2011. An entry for this word was first included in the New English Dictionary, 1904. نسخة محفوظة 2015-09-24 على موقع واي باك مشين.
  17. ^ MythBusters: Season 9, Episode 1 - Hair of the Dog في قاعدة بيانات الأفلام على الإنترنت (بالإنجليزية)
  18. ^ Episode 148: Hair of the Dog نسخة محفوظة 2012-11-05 على موقع واي باك مشين., Mythbustersresults.com
  19. ^ مصطفى، عادل (2007) "المغالطات المنطقية" ص 64، المجلس الأعلى للثقافة (ردمك 9974375696)