تضامنًا مع حق الشعب الفلسطيني |
التضخم في العالم الثالث
يفتقر محتوى هذه المقالة إلى الاستشهاد بمصادر. (نوفمبر 2021) |
تتحمّل الولايات المتحدة الأميركية مسؤولية ضخمة في خلخلة أعمدة هيكل النظام الاقتصادي العالمي، وإطلاق رصاصة الرحمة على النظام النقدي المرتكز على مبدأً تحويل الدولار الورقي إلى ذهب، وتثبيت أسعار صرف العملة، وتأمين سيولة معقولة لتسهيل معاملات التجارة الدولية. فقبل زيادة أسعار النفط في السادس عشر من شهر تشرين الأول اكتوبر عام 1973، كان الرئيس الأمريكي السابق نيكسون قد أقدم على الخطوات التالية للحد من آثار الأزمة التي عصفت بالاقتصاد الأميركي منذ تورطها في حرب فيتنام في الفترة 1961 - 1962:
- رفع سعر الفائدة على القروض من 6% عام 1971 إلى 13% في شهر آب - أغسطس عام 1973، بسبب تقافز أسعار المواد الغذائية بنسبة 6.2% خلال شهر آب أغسطس 1973، وهو حدث لم تشهد مثيله الأسواق الأميركية منذ عام 1945، وارتفاع أسعار حبوب الصويا 300% في مدى عام 1973، مما اضطر الإدارة الأميركية إلى حظر تصديرها إلى الخارج.
- - تخفيض قيمة الدولار مرتين الأولى في 18 كانون الأول - ديسمبر عام 1971، والثانية في شهر شباط - فبراير عام 1973 بما يعادل 20% من قيمته السابقة.
- وقف العمل بتحويل الدولار الورقي إلى ذهب في 15 آب - أغسطس 1971.
- إغراق أسواق البورصة العالمية بمليارات الدولارات الني اضطرت الولايات المتحدة لإنزالها إلى الأسواق النقدية لتغطية تكاليف حرب فيتنام وهجرة مئات الميارات الدولارية الورقية إلى مختلف أنحاء العالم وخصوصاً أوروبا الغربية، عبر الشركات المتعددة الجنسيات مما اضطرّ معظم الدول الصناعية منها والمتخلفة إلى تعويم عملاتها بالنسبة للدولار أو تخفيضها، وتركها تتأرجح هبوطاً وصعوداً على حبال مزاج المغامرين والمضاربين في أسواق النقد الدولية.
كل تلك العوامل مجتمعة انعكست آلياً على العالم الداثر في الفلك الاقتصادي الرأسمالي تضخماً في النقد، وارتفاعاً في الأسعار، وهبوطاً في القوة الشرائية للنقد، وزيادة في عدد العاطلين عن العمل، وتقلصاً ملحوظاً في مؤشرات النموّ في الدول الصناعية، والتنمية في الدول المتخلفة.
ولقد حاولت الولايات المتحدة تجيير تلك الانعكاسات الخبيثة، وتحميلها للدول النفطية بسبب رفع أسعار النفط. إلا أن المعطيات الاقتصادية والنقدية تصفع تلك المحاولة، فالأرقام وحدها تثبت أن سعر صادرات الحبوب الأميركية قد قفز من (9.4) مليار دولار عام 1973 إلى 22 مليار دولار عام 1974، بينما زاد سعر النفط المستورد إلى الولايات المتحدة من 7.6 مليار دولار عام 1973 إلى 24.3 مليار دولار عام 1974. فالزيادة بين ارتفاع أسعار الحبوب والنفط ليست هاثلة بالقدر الذي حاولت الولايات المتحدة تصويرة
ولكن هل تصح المقارنة بين الحبوب المستهلكة، والنفط المحرك لعجلات كل اقتصاد؟ إن الإحصاءات الرسمية تنبت أن التضخم قد ارتفع في شهر تموز - يوليو 1974 إلى 14 في الماثة في الولايات المتحدة، و24 في المائة في بريطانيا، و 28 في الماثة في إيطاليا، ومن 6 إلى 9 في الماثة في معظم الدول الصناعية.
فالعلة التضخمية التي يعاني منها العالم الصناعي الرأسمالي لا تكمن في زيادة أسعار النفط الني أدت، حسب تقديرات منظمة التعاون والتنمية الأوروبية إلى رفع مؤشر التضخم. العام بنسبة واحد في المائة فقط، بل إلى فشل الدول الصناعية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، في السيطرة على مؤشرات التضخم، وارتفاع الأسعار، وتدني القيمة الشرائية الحقيقية للنقد. وهي كلها مترابطة لا يمكن الشفاء منها إلا بمعالحتها كلها في وقت واحد معاً، وهو ما عجزت عن تحقيقه حتى الدول الصناعية الكبرى، فنظام النقد العالمي ما زال هائماً على وجهه فوق مياه تعويم العملات الصعبة. والولايات المتحدة تستمرٌ في المناورة والتهرب من وضع أسس نظام اقتصادي جديد، بحجة اضطراب صحة اقتصادها، وعدم تورد خديه، ومراوحته مكانه في فترة النقاهة الي يمرّ بها. وهي كلها تعلات لا تقف على رجليها. فالعالم الاقتصادي لا يستطيع التوقف عن الدوران بانتظار صدور النشرة الصحية التي تزف بشرى شفاء الاقتصاد الأميركي من داء التضخم، والركود، والانكماش. ولكن القوّة الصناعية الهائلة التي تمتلكها الولايات المتحدة، وطاقاتها غير المحدودة تجبر الدول السابحة في فلك العالم غير الاشتراكي انتظار تلك اللحظة، التي لا يتوقع أكثر الخبراء الأميركيين الاقتصاديين تفاؤلا اقتراب موعد إعلانها.
فالمجتمع الاستهلاكي قد سهل على المواطن العادي التبذير والبطر اللذين لا يسمح له بهما دخله المتوسط. فالعلاج التقليدي للتضخم والبطالة وارتفاع الأسعار، هو فرض الضرائب على الطبقات الموسرة وتجميد الأسعار لفترة زمنية محددة، واعتماد سلم متحرك يوازن بين معدل ارتفاع الأسعار والأجور، ورفع سعر الفائدة.
لقد طغى المجتمع الاستهلاكي على كل تلك القواعد الاقتصادية، وتمرّد على سياسة شد الأحزمة على البطون، وطالبت طبقاته الكادحة تحميل الدولة والميسورين أعباء مساوئه كلها، ومن هنا جاء تخبط الدول الصناعية في أزمتها، ومحاولتها غسل أيديها منها، وتحميل الدول النفطية مسؤولية تضخم نقدها، وبطالة عمالها، وارتفاع مستوى المعيشة فيها، وذوبان القيمة الشرائية لعملاتها. وفيها كلها آفات يحملها رحم المجتمعات الاستهلاكية، ولا علاقة عضوية لارتفاع أسعار النفط بها، لا من قريب، ولا من بعيد.